العلاقة بين اللفظ والمعنى من خلال القاعدة

إنضم
23/07/2007
المشاركات
522
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إن لمقتضى الوضع اللغوي دلالة جلية في بيان المعاني المستنبطة من الألفاظ، وتأتي القواعد مؤصلة وموجهة لفهم هذا المعنى أو ذاك، ومن ثم ينبغي على المفسر أن يُبين لنا من أين استقى بيانه في هذه الآية أو تلك، وما القواعد التي اعتمدها لقول هذا المعنى أو ذاك.
وسأحاول بإيجاز - فيما يأتي- ضبط العلاقة بين اللفظ والمعنى من خلال القاعدة، وذلك بعقد مقارنة بسيطة بين مفسرين وليكون الأول الإمام الشوكاني، والثاني الشيخ بن عجيبة – رحمهما الله- لكون الأول يتجه نحو الظاهر بقوة، بينما الثاني يغوص في الباطن بكثرة، ولا أحتاج لبيان منهجيهما لأنه مشهور وطُرق في الملتقى من قبل، فقط أشير في النموذج الآتي أنَّا سرنا مع الشيخ ابن عجيبة فيما عُرف بتفسيره بالمأثور، وسأختار ثلاثة نماذج لثلاث مفردات قرآنية، لنستبين من خلال أقوالهما فيها مدى العلاقة بين اللفظ والمعنى، وهل أعملا شيئا من القواعد في استنباطهما للمعاني القرآنية المطروقة.

وفي هذه الوقفة السريعة، سنتوقف عند لفظة (كلمات) من قوله تعالى{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة:124.
قال الإمام الشوكاني : " وقوله: "بكلمات" قد اختلف العلماء في تعيينها، فقيل: هي شرائع الإسلام، وقيل: ذبح ابنه، وقيل: أداء الرسالة، وقيل: هي خصال الفطرة، وقيل: هي قوله: "إني جاعلك للناس إماماً...، وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله: "قال إني جاعلك" وما بعده، ويكون ذلك بياناً للكلمات، وسيأتي عن بعض السلف ما يوافق ذلك...".
ثم يسوق الأحاديث والروايات، ويقول : " وإذا لم يصح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلا أن نقول: إنها ما ذكرها الله سبحانه في كتابه بقوله: "قال إني جاعلك" إلى آخر الآيات، ويكون ذلك بياناً للكلمات أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه. وأما ما روي عن ابن عباس ونحوه من الصحابة من بعدهم في تعيينها، فهو أولاً أقوال صحابة لا يقوم بها الحجة فضلاً عن أقوال من بعدهم، وعلى تقدير أنه لا مجال للاجتهاد في ذلك، وأن له حكم الرفع فقد اختلفوا في التعيين اختلافاً يمتنع معه العمل ببعض ما روي عنهم دون البعض الآخر بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدمنا عن ابن عباس، فكيف يجوز العمل بذلك- وبهذا تعرف ضعف قول من قال: إنه يُصار إلى العموم ويقال: تلك الكلمات هي جميع ما ذكرنا هنا، فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجة".

فنلاحظ أنه –رحمه الله- أعمل الظاهر في تفسيره، وطالما هو أقوى من التأويل، فلا يصار إليه، خاصة مع عدم تواجد أي قرينة صارفة عنه، وانعدام أي مسوغ صارف له، مضعفا قول من قال بالعموم، مبينا العلة – أعلاه – وخطورة مآل ذلك.
فيتجلى إذن توظيفه للقاعدة الأصولية المتعلقة بالظاهر في أن : العدول عن الظاهر بغير دليل لا معنى له، وعليها التئم المعنى في بيان مدلول اللفظ على معناه المراد، والله أعلم.

وإذا انتقلنا إلى الشيخ ابن عجيبة ( المتوفى قبل الإمام الشوكاني بثلاثة عقود تقريبا) نجده يحدد هذه الكلمات، جازما بقوله : " وهي: تسليم بدنه للنيران، وولده للقربان، وطعامه للضَّيفان "، وبعد هذا الجزم يقول : " أو عشر خصال: خمس في الرأس: المضمضة، والاستنشاق، وقصّ الشارب، والسواك، وفرق الرأس: وقيل: وإعفاء اللحية، وخمس في الجسد: تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان، أو مناسك الحج أو الخصال التي امتحن بها وهي: الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والذبح، والأحسن أنها ثلاث: الهجرة من وطنه، ورمي ولده بمكة، وذبح الآخرة حين بلغ أن يسعى معه .. " إلى قوله :" ولمّا جعله الله إماماً طلب ذلك لأولاده فقال: { ومن ذريتي } فاجعل أئمة " .

ويا سبحان الله كيف تجزم أيها الشيخ أنها ما ذكرت؟ وما صح فيها حديث عن رسول الله أو قول يحتج به، فأي أساس بنيت عليه قولك أو أي قاعدة اتكأت عليها في ذلك؟
ثم لو افترضنا معك صحة ما ذهبت إليه، أيطلب عاقل كل ذلك البلاء لفلذة كبده؟ وإذا أتممنا معك، ألا يكون تناقضا في كلامك: إذ كيف تقول:" { ومن ذريتي } فاجعل أئمة، وأنت لا تفسرها بظاهرها، وتذهب إلى تأويلها دونما صارف؟ ومن ثم فلا يستقيم قولك هذا إلا بإجرائها على ظاهرها، فيكون بيان الكلمات: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } وكأنه جواب لسؤال: و ما هي هذه الكلمات؟ فيأتي إذن { ومن ذريتي } فاجعل أئمة.

وهذا جانب من تفسيرك أيها الشيخ الجليل بالمأثور، فإلى أين ستذهب بنا –رحمك الله – في تفسيرك الإشاري والباطن.

أخال –مما سبق- أن توظيف القاعدة هام جدا في بيان العلاقة بين اللفظ والمعنى، وكلما كان المفسر موظفا للقواعد جاء تفسيره أقرب للمراد إن لم يكن هو، والله أعلم.

ملاحظة: يمكن العودة إلى أقوال الإمام الشوكاني في كتابه فتح القدير، والشيخ ابن عجيبة في كتابه البحر المديد، تفسير الآية 124من سورة البقرة، وفي مشاركة قادمة ، أسوق النموذج الثاني بإذن الله، والله المستعان.
 
جزاك الله خيراً أخي محمد عمر،

ولي هنا ملاحظات:

1. ما ندركه من نص الآية الكريمة لأول وهلة أنّ الله تعالى اختبر إبراهيم عليه السلام ببعض التكاليف فأتى بها كاملة غير منقوصة. وبعد ذلك استحق عليه السلام أن يكون إماماً للناس.

2. معرفة هذه التكاليف لا تتيسر إلا بنص من قرآن أو سنة. وأي خوض بعد ذلك هو نوع من الرجم بالغيب لا يكاد يخلو منه تفسير قديم، ولو فعله بعض المعاصرين لما نجا من المؤاخذة والتأنيب. وهذا يدل على أنّ مناهج التفسير تستقيم بمضي الوقت وتصاعد الوعي.

2. ما ذهب إليه الشوكاني رحمه الله ليس هو الظاهر. ولكنه وجه ركيك ومرجوح تحتمله اللغة.
 
2. ما ذهب إليه الشوكاني رحمه الله ليس هو الظاهر. ولكنه وجه ركيك ومرجوح تحتمله اللغة.

الأخ الفاضل أبو عمرو

إذا لم يكن ما ذكره الشوكاني هو الظاهر ، فماذا يكون الظاهر؟

ما وجه الركاكة في قول الشوكاني؟

وإذا كان قول الشوكاني مرجوح فما هو الوجه الراجح؟
 
السلام عليكم
الأخ أبو عمرو
أرى أنها كما قلت
ما ندركه من نص الآية الكريمة لأول وهلة أنّ الله تعالى اختبر إبراهيم عليه السلام ببعض التكاليف فأتى بها كاملة غير منقوصة. وبعد ذلك استحق عليه السلام أن يكون إماماً للناس.
ولكن من الذي "أتمهن" ؛إن كان المولى سبحانه أتم كلمات الابتلاء فإن هذا يعنى أن كل ماقد يكلف به انسان شرعا قد كلف به ابراهيم عليه السلام ؛ وبهذا استحق أن يكون للناس ,كل الناس حتى تقوم الساعة , إماما .
وإن كان الذى أتمهن هو ابراهيم أى أداهن تامات ؛ فهنا تكون بعض التكاليف ؛ بالطبع ليس فيها قص الشارب
فهل نستطيع استخراجها من القرآن ؟
قد يكون منها - والله أعلم - اهتدائه إلى التوحيد بالفطرة السليمة ؛ محاجته لقومه ؛ ايمانه بالرغم من كفر أبيه ؛ دعوته أباه ؛محاجته الذي آتاه الله الملك ؛ الصبر والثبات فى محنة القائه فى النار ؛قال أسلمت لرب العالمين ،تبرأ من أبيه لما تبين له أنه عدو لله ؛ الهجرة ؛الصبر على عقم الزوجة وعدم الانجاب ؛كثرة الدعاء حتى وهبه الله من الصالحين ؛ تركه من ذريته بواد غير ذي زرع ؛الأمر بذبح ولده ؛ كان صديقا نبيا ؛ له لسان صدق عليا ؛
اما رفع القواعد من البيت والآذان فى الناس بالحج - وهى تكاليف أيضا - ربما كان بعد أن جعله الله للناس إماما
والله أعلم
 
الأخ الكريم محب القرآن حفظه الله

1. نعم الظاهر ما قاله أخي مصطفى. أي أنّ الله تعالى اختبر إبراهيم عليه السلام فنجح في الاختبار فجعله الله إماماً للناس. ولا يهمني تفاصيل هذا الاختبار، وإنما أعلمُ أنّ الله يُخرِّج من يصطفيهم.

2. لو كانت الآية:" وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال إني جاعلك للناس إماماً"، لكان ظاهراً أنّ "إني جاعلك للناس إماماً" هي بيان للكلمات. ولكن عندما قال سبحانه: "فأتمهنّ" لم يعد ذلك ظاهراً، بل ينصرف الذهن إلى القول بأنّ الإمامة كانت بعد النجاح في الاختبار وإتمام إبراهيم عليه السلام لما طلب منه.

3. أما لماذا هو ركيك فلأنّ المعنى عندها يلتبس ولا يظهر فضل إبراهيم عليه السلام. فعندما نقول: إنّ الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام إني جاعلك للناس إماماً. فأين الابتلاء وأين الإتمام من قبل إبراهيم عليه السلام وفق الظاهر من النص؟!

4. السعي لمعرفة الكلمات التي كُلّف بها إبراهيم عليه السلام على وجه الجزم لا طائل منه على ضوء عدم وجود النص. أما القول قد يكون كذا وقد يكون كذا فلا بأس به.
 
جزاك الله خيراً أخي محمد عمر،

ولي هنا ملاحظات:

1. ما ندركه من نص الآية الكريمة لأول وهلة أنّ الله تعالى اختبر إبراهيم عليه السلام ببعض التكاليف فأتى بها كاملة غير منقوصة. وبعد ذلك استحق عليه السلام أن يكون إماماً للناس.

.

الأخ الفاضل أبوعمرو

هل فعلاً ما ذكرت هو ما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة من النص ، أم أنه أتى بعد النظر في سيرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من خلال القرآن وأقوال المفسرين من الصحابة ومن تبعهم؟

قد أوافقك أن الذي ذكرت هو المعنى الراجح في الآية ، لكن كونه هو الظاهر المتبادر إلى الذهن لأول وهلة فهذا ما أعترض عليه.

وسؤال إلى الأخ الفاضل مصطفى سعيد:

لماذا أستثنيت قص الشارب؟
 
السلام عليكم
وسؤال إلى الأخ الفاضل مصطفى سعيد:

لماذا أستثنيت قص الشارب؟
لا لشيء إلالكون حصر الكلمات فى مثل هذه الأمور البسيطة يحيد بنا بعيدا عن التدبر الصحيح ,
وقد عتب الأخ صاحب الموضوع على الشيخ بن عجيبة وقال
ويا سبحان الله كيف تجزم أيها الشيخ أنها ما ذكرت؟ وما صح فيها حديث عن رسول الله أو قول يحتج به، فأي أساس بنيت عليه قولك أو أي قاعدة اتكأت عليها في ذلك؟
 
عودة
أعلى