العقيدة والشريعة في البناء الفني للأدب الإسلامي

إنضم
22/03/2012
المشاركات
288
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
القاهرة
(1)
هل تتصل العقيدة والشريعة بالأدب؟
نعم.
كيف؟
إن الأدب يعالج الحياة وشئونها بشخصياته وأحداثه وبنائه الفني، والعقيدة تمثل الركائز التي ينبني عليها الفكر والسلوك، والشريعة تنظم خطوط السير في الحياة.
ومن هنا تمثل العقيدة والشريعة لحمة موضوع الأدب وسداه.
كيف؟
إن تصرفات الشخصية الأدبية وسلوكها وقولها وكل ما يتصل بها إما أن تنطلق من العقيدة الصحيحة وتتمشى مع أحكام الشريعة، وإما لا.
فما موقف الأديب المسلم الملتزم بالإسلام في بنائه الفني إذا رسم شخصياته مخالفة؟ وما موقفه إذا رسمها موافقة؟
(2)
إذا رسمها موافقة فإنه لا يغيب عنه كلمات ربعي بن عامر في حواره الذي عبر فيه عن جوهر رسالة الإسلام مع رستم الفارسي عندما أرسله سيدنا سعد بن أبي وقاص.
[قال له رستم:
- ما جاء بكم؟
قال ربعي:
- الله ابتعثنا؛ لنخرج مَنْ شاء مِنْ عبادة العباد إلى عبادة الله، ومِنْ ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام].
كيف؟
يحرص على أن تكون شخصياته في خوفها وحبها ورجائها واستعانتها وطلب مددها و... إلخ متجهة إلى الله تعالى فقط؛ فهي لا تخاف إلا الله ولا ترجو إلا الله ولا تطلب العون إلا من الله ولا تنتظر المدد إلا من الله، و... إلخ مع بذل الأسباب الصحيحة المحققة للتوكل الصحيح.
يُظهر ذلك ويُبرزه من خلال المواقف الجزئية التي تُكوّن الموقف العام الذي هو الموضوع، فيعبِّد العباد لرب العباد لا لغيرهم من العباد الأغنياء أو الحكام أو غيرهما.
كيف؟
في مواقف النفع والضرر نجد الأدب العلماني يواجه الخرافة بالعلم القادم من الغرب كما حدث في "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، وكما يحدث عند التزام الشباب في الأعمال الأدبية العلمانية فإن المجتمع بأعرافه يضغط ويخوف ويكسب في النهاية وكأنهم يتمثلون قول قوم لوط: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
ومواقف النفع والضر هذه ينبني عليها الصراع في الأدب العلماني، لكنه هناك نفع دنيوي شهواني وضر دنيوي لا صلة للعقيدة بهما ولا مدخل ولا إشارة إليها فيهما.
أما في الأدب الإسلامي فإن الأديب الملتزم بالإسلام سيبرز الإيمان وأثره في حياة الشخصية ومواقفها في صراعها مع الباطل الذي يضاد العقيدة الصحيحة والشريعة.
كيف؟
الحلاق الذي سيرفض حلق اللحية سيرفضه المجتمع وسيضغط عليه، وسيخوفه بالرزق وقلته أو انقطاعه. والحائك الذي لن يقبل حياكة ثوب لرجل فيه إسبال سيحدث معه ما حدث مع الحلاق. والطبيب الذي يشترط وجود محرم مع المريضة، والمهندس الذي سيجعل أسس معماره ستر نساء البيت، وضابط الشرطة أو الحربية الذي سيلتزم باللحية، والعامل الذي سيترك عمله في الفنادق التي تقدم الخمور وغيرها من الخبائث، والمسئول الذي سيرفض أمر رئيسه المخالف للشريعة، وصاحب المحل الذي لن يبيع السجائر فيه وغيرها من المحرمات التي قبلها المجتمع، والموظف الذي سيرفض الهدايا، والمدرس الذي لن يسمح بالغش مهما كانت مزاعم الظروف الإنسانية، والمرأة التي ترفض وظيفة مغرية في عالم السياحة لحجابها الذي يرفضه العمل.
والأب الفقير الذي سيرفض تزويج ابنته من تارك الصلاة الغني أو ممن يعتنق فِكَرا إلحادية، والزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها المشهور أو الغني أو صاحب النفوذ لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة، والابن الذي يعصي والديه إذا أمراه بمعصية الله ويبرهما فيما وراء ذلك، و... و... إلخ.
كلها شخصيات أدبية حية تحتوي بذور الصراع الحقيقي والأدبي، وتحمل بذور البناء الفني المتميز.
لماذا؟
لأنها ستواجه من مجتمعها العلماني الذي يرى النفع في وجود راتب ثابت مستقر ومكانة اجتماعية حتى لو كانت وهمية، وكل ما يهدد ذلك فهو ضرر فادح لا يحتمل، ولا يهم معه مبدأ ولا حلال ولا عقيدة.
كيف سيأتي الحل؟
كلها شخصيات لن ينقذها إلا عقيدة صحيحة تربطهم بربهم، وتجعل توكلهم توكلا صحيحا يبذل الأسباب ويسأل الله عز وجل نجاحها وثمرتها، وتجعل صراعهم من أجل الحق لا من أجل الشهوات والشبهات كما ينتشر في الأدب العلماني، وتقدم الحل الأدبي والواقعي.
(3)
وإن الأديب المسلم الملتزم بالإسلام لن يرسم شخصياته مخالفة ابتداء؛ لأنه لا يغيب عنه قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]. ولا قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
هذا مع ما لا ينشئه المرء فكيف بالأديب الذي ينشئ؟ فهل ينشئ هو واقع يهزأ من دينه أو من شعائره؟
لكنه لو رسمها مخالفة فسيبرز العقيدة ويظهرها وكذلك الشريعة في ظل بناء فني حقيقي خال من الوعظ الخطابي، وسيجعل المتنحي الأدبي هو العرف العلماني المخالف والسائد الأدبي هو الموافق للعقيدة والشريعة.
 
عودة
أعلى