محمد سلامة المصري
Member
س: عضلة القلب يمكن أن نستبدل بها أخرى مستخرجة من شخص آخر، أو قلبا صناعيا. كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين أن العقل مكانه القلب؟
ج: العقل معنوي، لا حسي مادي. يمكن للوعاء أن يتغير وأن يبقى المحتوى كما هو.
"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"
لاحظ: العقل موجود في القلب الذي هو في الصدر.. وهذا تحديد تشريحي صريح لا فكاك منه.
وحادثة شق صدر الرسول وغسل قلبه معروفة.
العقل مثله مثل الروح، غير مادي.. لا يخرج من الجسم مع تغيير عضو القلب المادي، بل يحل في العضو الجديد.. كما أن الروح لا "تنقص" عند بتر عضو من أعضاء الجسم.
"العقل" هنا هو الضمير والهوى، أي يتعلق بعلم النفس، لا المخ والأعصاب.
قد يعترض البعض، بناء على أن تعرض المخ للصدمات يؤثر على طباع الإنسان أحيانا، وأن خلاياه العصبية تحتفظ بذكريات الإنسان.
الرد: المخ مسؤول عن وظائف الأعضاء، ووظائف الأعضاء إن اختلت قد تؤثر فعلا على الشخصية، لأن العقل السليم في الجسم السليم.. لكن المقصود بـ "العقل" إسلاميا هو اختيارات الإنسان النابعة من معتقداته وهواه.
اختلال المخ يشبه تناول المخدرات أو الجنون، أي أنه حالة عضوية مادية تؤثر فعلا على أفعالك وقراراتك، لكنها تختلف عن القرارات الواعية النابعة من الضمير.
=====
تنتشر بين الإعجازيين خرافة - مبنية على تشويه لبعض الدراسات - أن القلب الجديد يعطيك مهارات الشخص الأصلي!
الحقيقة هي أن الدراسات أشارت لحالات نادرة - حوالي 3 بالمائة - تتغير فيها شخصية المريض بعد العملية. هذا التغير نادر، أي أن أغلب القلوب المزروعة لا تأتي جالبة معها "عقل المتبرع".. فهل "يسقط" العقل من القلب على أرضية غرفة العلميات؟!
ثانيا: الدراسة لا تقول "اكتساب عقل المتبرع" بل "تغير شخصية المريض". وهو شيء متوقع بعد عمليات كبرى يعيش فيها المريض في قلق خوفا من الوفاة.. فتغير شخصيته بعد نجاح العملية شيء متوقع! كأن يقرر ممارسة الرياضة أو أن يتعلم مهارة جديدة أو يحسن علاقته بأهله أو يقرر طلاق زوجته أو التوقف عن التدخين إلخ.
ثالثا: حتى لو افترضنا - جدلا - اكتسابه شيئا من صفات المتبرع، فربما عرف المريض شيئا عن حياة المتبرع الميت - بالتحايل على القوانين التي تمنع إعلامه باسم المتبرع - فقلده، كنوع من المشاركة العاطفية أو العرفان بالجميل. فلا علاقة لهذا بـ "ذاكرة القلب المزروع" كما يزعم البعض.
=====
قال الألباني:
2708 "إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده، ألا وهي القلب"
وقد توبع شعبة فيه، فقال أحمد (4 / 274) والحميدي (2 / 409): حدثنا سفيان قال حدثنا مجالد قال سمعت الشعبي يقول سمعت النعمان بن بشير يقول.. فذكره بلفظ: "[إن] في الإنسان مضغة.." الحديث نحوه، والسياق للحميدي، والزيادة لأحمد. وأما متابعة مجالد، فقال أحمد (4 / 270): حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول.. فذكره في آخر حديث: "إن الحلال بين، والحرام بين.." الحديث. وفيه: "ألا وإن في الإنسان مضخة إذا صلحت.." الحديث.
"اجتمعت مع أحد الأطباء هنا في عَمّان، فأخذ يحدثني ببعض اكتشافاته الطبية - وزملاؤه من الأطباء في ريب منها كما أفاد هو - منها أن بجانب السرة من كل شخص مضغة صغيرة هي سبب الصحة والمرض، وأنه يعالج هو بها الأمراض، وأنها هي المقصودة - زعم - بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " إذا صلحت.."،
فلما عارضته بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث "ألا وهي القلب"، قال "هذه الزيادة غير صحيحة".
قلت: كيف وهي في الحديث عند البخاري؟! قال: هل البخاري معصوم؟ قلت: لا، ولكن تخطئته لابد لها من دليل، ببيان ما يدل على ما ذكرت من ضعفها.
قال: هي مدرجة! قلت: من قال ذلك من علماء الحديث، فإن لكل علم أهله المتخصصين به.
قال: سمعت ذلك من أحد كبار علماء الحديث في مصر. وقد سماه يومئذ، ولم أحفظ اسمه جيدا.
فقلت: إن كان قال ذلك فهو دليل على أنه ليس كما وصفته في العلم بالحديث، فإنه مجرد دعوى لم يسبق إليها، ولا دليل عليها.
ثم قلت له: يبدو من كلامك أنك تفهم بالحديث أنه يعني الصلاح والفساد الماديين؟ قال: نعم. قلت له: هذا خطأ آخر، ألا تعلم أن الحديث تمام حديث أوله: "إن الحلال بين والحرام بين.." الحديث، وفيه: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" الحديث، فهذا صريح في أنه في الصلاح والفساد المعنويين.
فلم يجب عن ذلك بشيء سوى أنه قال: لو أراد ذلك لقال: "ألا وإن في الإنسان.." مكان "الجسد"!
قلت: هذا غير لازم، فإنهما بمعنى واحد، وبذلك فسره العلماء، فيجب الرجوع إليهم، وليس إلى الأطباء!
ولم أكن مطلعا يومئذ على هذا اللفظ الذي أنكره، فبادرت إلى تخريجه بُعيد وقوفي عليه، لعل في ذلك ما يساعده وأمثاله على الرجوع إلى الصواب. والله الهادي.
وقد جرنا الحديث إلى التحدث عن القلب وأنه مقر العقل والفهم، فأنكر ذلك، وادعى أن العقل في الدماغ، وأن القلب ليس له عمل سوى دفع الدم إلى أطراف البدن.
قلت: كيف تقول هذا وقد قال الله تعالى في الكفار: (لهم قلوب لا يفقهون بها)، وقال: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)؟!
فحاول تأويل ذلك على طريقة بعض الفرق الضالة في تعطيل دلالات النصوص، وقلت له: هذه يا دكتور قرمطة لا تجوز. ربنا يقول (القلوب التي في الصدور) لا في الرؤوس!
وأقول الآن: من فوائد الحديث قول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1 / 128 - 129):
"وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه. ويستدل به على أن العقل في القلب. ومنه قوله تعالى: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها)، وقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) . قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره".
ثم إن تلك الزيادة التي أنكرها الطبيب المشار إليه يشهد لها آيات كثيرة في القرآن الكريم، جاء فيها وصف القلب بالإيمان والاطمئنان والسلامة، وبالإثم، والمرض والختم والزيغ والقسوة، وغير ذلك من الصفات التي تبطل دعوى أنه ليس للقلب وظيفة غير تلك الوظيفة المادية من ضخ الدم. فأسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من المرض والزيغ، واتباع جهل الجاهلين من الكفار وغيرهم"
(سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) (6/ 469)
قال الشنقيطي:
"قوله: {تعقلون} معناه: تدركون بعقولكم؛ لأن العقل هو الذي فيه الإدراك، والعقل: نور روحاني تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية.
وقد ذكرنا فيما مضى (عند تفسير الآية 75 من سورة البقرة) أن مركزه القلب لا الدماغ، كما صرح به الله، وصرح به نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن مَن خلق العقل وأبرزه من العدم إلى الوجود، أنه أعلم بموضعه من كفرة الفلاسفة الذين يتحكمون على الله ويخالفونه من غير دليل ولا برهان، وهؤلاء الذين ينفون هذا؛ لأنهم يقولون - زعموا - أن بعض الناس صار يجعل له قلب واحد آخر، ولو أن هذا - لو فرضنا - صح، وأنه يدل على أن العقل ليس في القلب، فهذا لا دليل فيه؛
لأن العقل أصله نور روحاني - آلة للنفس - تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية، ومحله القلب الذي في الصدر، كما قال: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}، فلو فرضنا أن الله خرق العادة وأزال القلب، ولم يمت الإنسان، لم يمنع أن يكون العقل باقيا في محله الذي كان فيه، وقد زالت الأداة الذي كان فيها.
وكذلك لو جعل قلب آخر، فقد دل القرآن في سورة النور أن القلب كأنه زجاجة، ونور الإيمان فيها الذي يضاء به كأنه نور، وإذا انكسرت الزجاجة فلا مانع من أن تأتي زجاجة أخرى ويكون فيها النور الذي كان في الزجاجة التي قبلها.
وعلى كل حال فلا أحد أصدق من الله ولا من رسول الله {أأنتم أعلم أم الله} والله يقول في نبيه: {وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)} وقد صرح الله ونبيه أن العقل محله القلب، ومن خلق العقل أعلم بمحل العقل.
ونحن نعرف أن جميع ما يؤثر على الدماغ يؤثر على العقل، وهذا لا يقتضي أن يكون محل العقل الدماغ؛ لأنه كم من موضع من الجسد إذا اختلت خانة من خانات الدماغ اختل ذلك الموضع، وليس يلزم أن ذلك الموضع المختل كان محله في الدماغ، بل هو خارج عن الدماغ، مشروط بسلامة الدماغ. فالعقل محله القلب، ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ"
(العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير) (2/ 502)
القرطبي:
"(فتكون لهم قلوب يعقلون بها) أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ، وروي عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة"
(تفسير القرطبي) (12/ 77)
"هذه الآية تقتضي أن العقل في القلب، وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ"
(تفسير ابن عطية) (4/ 127)
ابن تيمية:
"مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ومبدأ الإرادة في القلب"
(مجموع الفتاوى) (9/ 304)
ج: العقل معنوي، لا حسي مادي. يمكن للوعاء أن يتغير وأن يبقى المحتوى كما هو.
"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"
لاحظ: العقل موجود في القلب الذي هو في الصدر.. وهذا تحديد تشريحي صريح لا فكاك منه.
وحادثة شق صدر الرسول وغسل قلبه معروفة.
العقل مثله مثل الروح، غير مادي.. لا يخرج من الجسم مع تغيير عضو القلب المادي، بل يحل في العضو الجديد.. كما أن الروح لا "تنقص" عند بتر عضو من أعضاء الجسم.
"العقل" هنا هو الضمير والهوى، أي يتعلق بعلم النفس، لا المخ والأعصاب.
قد يعترض البعض، بناء على أن تعرض المخ للصدمات يؤثر على طباع الإنسان أحيانا، وأن خلاياه العصبية تحتفظ بذكريات الإنسان.
الرد: المخ مسؤول عن وظائف الأعضاء، ووظائف الأعضاء إن اختلت قد تؤثر فعلا على الشخصية، لأن العقل السليم في الجسم السليم.. لكن المقصود بـ "العقل" إسلاميا هو اختيارات الإنسان النابعة من معتقداته وهواه.
اختلال المخ يشبه تناول المخدرات أو الجنون، أي أنه حالة عضوية مادية تؤثر فعلا على أفعالك وقراراتك، لكنها تختلف عن القرارات الواعية النابعة من الضمير.
=====
تنتشر بين الإعجازيين خرافة - مبنية على تشويه لبعض الدراسات - أن القلب الجديد يعطيك مهارات الشخص الأصلي!
الحقيقة هي أن الدراسات أشارت لحالات نادرة - حوالي 3 بالمائة - تتغير فيها شخصية المريض بعد العملية. هذا التغير نادر، أي أن أغلب القلوب المزروعة لا تأتي جالبة معها "عقل المتبرع".. فهل "يسقط" العقل من القلب على أرضية غرفة العلميات؟!
ثانيا: الدراسة لا تقول "اكتساب عقل المتبرع" بل "تغير شخصية المريض". وهو شيء متوقع بعد عمليات كبرى يعيش فيها المريض في قلق خوفا من الوفاة.. فتغير شخصيته بعد نجاح العملية شيء متوقع! كأن يقرر ممارسة الرياضة أو أن يتعلم مهارة جديدة أو يحسن علاقته بأهله أو يقرر طلاق زوجته أو التوقف عن التدخين إلخ.
ثالثا: حتى لو افترضنا - جدلا - اكتسابه شيئا من صفات المتبرع، فربما عرف المريض شيئا عن حياة المتبرع الميت - بالتحايل على القوانين التي تمنع إعلامه باسم المتبرع - فقلده، كنوع من المشاركة العاطفية أو العرفان بالجميل. فلا علاقة لهذا بـ "ذاكرة القلب المزروع" كما يزعم البعض.
=====
قال الألباني:
2708 "إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده، ألا وهي القلب"
وقد توبع شعبة فيه، فقال أحمد (4 / 274) والحميدي (2 / 409): حدثنا سفيان قال حدثنا مجالد قال سمعت الشعبي يقول سمعت النعمان بن بشير يقول.. فذكره بلفظ: "[إن] في الإنسان مضغة.." الحديث نحوه، والسياق للحميدي، والزيادة لأحمد. وأما متابعة مجالد، فقال أحمد (4 / 270): حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول.. فذكره في آخر حديث: "إن الحلال بين، والحرام بين.." الحديث. وفيه: "ألا وإن في الإنسان مضخة إذا صلحت.." الحديث.
"اجتمعت مع أحد الأطباء هنا في عَمّان، فأخذ يحدثني ببعض اكتشافاته الطبية - وزملاؤه من الأطباء في ريب منها كما أفاد هو - منها أن بجانب السرة من كل شخص مضغة صغيرة هي سبب الصحة والمرض، وأنه يعالج هو بها الأمراض، وأنها هي المقصودة - زعم - بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " إذا صلحت.."،
فلما عارضته بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث "ألا وهي القلب"، قال "هذه الزيادة غير صحيحة".
قلت: كيف وهي في الحديث عند البخاري؟! قال: هل البخاري معصوم؟ قلت: لا، ولكن تخطئته لابد لها من دليل، ببيان ما يدل على ما ذكرت من ضعفها.
قال: هي مدرجة! قلت: من قال ذلك من علماء الحديث، فإن لكل علم أهله المتخصصين به.
قال: سمعت ذلك من أحد كبار علماء الحديث في مصر. وقد سماه يومئذ، ولم أحفظ اسمه جيدا.
فقلت: إن كان قال ذلك فهو دليل على أنه ليس كما وصفته في العلم بالحديث، فإنه مجرد دعوى لم يسبق إليها، ولا دليل عليها.
ثم قلت له: يبدو من كلامك أنك تفهم بالحديث أنه يعني الصلاح والفساد الماديين؟ قال: نعم. قلت له: هذا خطأ آخر، ألا تعلم أن الحديث تمام حديث أوله: "إن الحلال بين والحرام بين.." الحديث، وفيه: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" الحديث، فهذا صريح في أنه في الصلاح والفساد المعنويين.
فلم يجب عن ذلك بشيء سوى أنه قال: لو أراد ذلك لقال: "ألا وإن في الإنسان.." مكان "الجسد"!
قلت: هذا غير لازم، فإنهما بمعنى واحد، وبذلك فسره العلماء، فيجب الرجوع إليهم، وليس إلى الأطباء!
ولم أكن مطلعا يومئذ على هذا اللفظ الذي أنكره، فبادرت إلى تخريجه بُعيد وقوفي عليه، لعل في ذلك ما يساعده وأمثاله على الرجوع إلى الصواب. والله الهادي.
وقد جرنا الحديث إلى التحدث عن القلب وأنه مقر العقل والفهم، فأنكر ذلك، وادعى أن العقل في الدماغ، وأن القلب ليس له عمل سوى دفع الدم إلى أطراف البدن.
قلت: كيف تقول هذا وقد قال الله تعالى في الكفار: (لهم قلوب لا يفقهون بها)، وقال: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)؟!
فحاول تأويل ذلك على طريقة بعض الفرق الضالة في تعطيل دلالات النصوص، وقلت له: هذه يا دكتور قرمطة لا تجوز. ربنا يقول (القلوب التي في الصدور) لا في الرؤوس!
وأقول الآن: من فوائد الحديث قول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1 / 128 - 129):
"وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه. ويستدل به على أن العقل في القلب. ومنه قوله تعالى: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها)، وقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) . قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره".
ثم إن تلك الزيادة التي أنكرها الطبيب المشار إليه يشهد لها آيات كثيرة في القرآن الكريم، جاء فيها وصف القلب بالإيمان والاطمئنان والسلامة، وبالإثم، والمرض والختم والزيغ والقسوة، وغير ذلك من الصفات التي تبطل دعوى أنه ليس للقلب وظيفة غير تلك الوظيفة المادية من ضخ الدم. فأسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من المرض والزيغ، واتباع جهل الجاهلين من الكفار وغيرهم"
(سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) (6/ 469)
قال الشنقيطي:
"قوله: {تعقلون} معناه: تدركون بعقولكم؛ لأن العقل هو الذي فيه الإدراك، والعقل: نور روحاني تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية.
وقد ذكرنا فيما مضى (عند تفسير الآية 75 من سورة البقرة) أن مركزه القلب لا الدماغ، كما صرح به الله، وصرح به نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن مَن خلق العقل وأبرزه من العدم إلى الوجود، أنه أعلم بموضعه من كفرة الفلاسفة الذين يتحكمون على الله ويخالفونه من غير دليل ولا برهان، وهؤلاء الذين ينفون هذا؛ لأنهم يقولون - زعموا - أن بعض الناس صار يجعل له قلب واحد آخر، ولو أن هذا - لو فرضنا - صح، وأنه يدل على أن العقل ليس في القلب، فهذا لا دليل فيه؛
لأن العقل أصله نور روحاني - آلة للنفس - تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية، ومحله القلب الذي في الصدر، كما قال: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}، فلو فرضنا أن الله خرق العادة وأزال القلب، ولم يمت الإنسان، لم يمنع أن يكون العقل باقيا في محله الذي كان فيه، وقد زالت الأداة الذي كان فيها.
وكذلك لو جعل قلب آخر، فقد دل القرآن في سورة النور أن القلب كأنه زجاجة، ونور الإيمان فيها الذي يضاء به كأنه نور، وإذا انكسرت الزجاجة فلا مانع من أن تأتي زجاجة أخرى ويكون فيها النور الذي كان في الزجاجة التي قبلها.
وعلى كل حال فلا أحد أصدق من الله ولا من رسول الله {أأنتم أعلم أم الله} والله يقول في نبيه: {وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)} وقد صرح الله ونبيه أن العقل محله القلب، ومن خلق العقل أعلم بمحل العقل.
ونحن نعرف أن جميع ما يؤثر على الدماغ يؤثر على العقل، وهذا لا يقتضي أن يكون محل العقل الدماغ؛ لأنه كم من موضع من الجسد إذا اختلت خانة من خانات الدماغ اختل ذلك الموضع، وليس يلزم أن ذلك الموضع المختل كان محله في الدماغ، بل هو خارج عن الدماغ، مشروط بسلامة الدماغ. فالعقل محله القلب، ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ"
(العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير) (2/ 502)
القرطبي:
"(فتكون لهم قلوب يعقلون بها) أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ، وروي عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة"
(تفسير القرطبي) (12/ 77)
"هذه الآية تقتضي أن العقل في القلب، وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ"
(تفسير ابن عطية) (4/ 127)
ابن تيمية:
"مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ومبدأ الإرادة في القلب"
(مجموع الفتاوى) (9/ 304)