العروبة في شعر أحمد سحنون الجزائري (البحث كاملا)

إنضم
10/08/2010
المشاركات
295
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
فهرست البحث:
المقدمة
الفصل الأوّل : ترجمة الشيخ أحمد سحنون
مصادر الترجمة
الاسم المولد والنشأة
تعلّمه وشيوخه
الشيخ أحمد سحنون و الحركة الإصلاحية
الشيخ أحمد سحنون وثورة التحرير
الشيخ أحمد سحنون في مرحلة الاستقلال
أهمّ المحطات والأحداث في حياة الشيخ بعد الاستقلال
وفاته رحمه الله
بعض ما قيل فيه
آثاره
الدراسات العلمية التي تناولته
الفصل الثاني : نظرة وجيزة وشاملة على الشعر الجزائري عموما وشعر الشيخ أحمد سحنون خصوصا
الشعر الجزائري الحديث قبل ثورة التحرير
أثناء ثورة التحرير
بعد ثورة التحرير
الخصائص الفنية والموضوعية في شعر أحمد سحنون
الفصل الرابع : ماهية العروبة في فكر وشعر أحمد سحنون
العروبة في اللغة والاصطلاح
العروبة بين المشرق والمغرب
الفصل الخامس : مظاهر العروبة في شعر أحمد سحنون
معجم العروبة في شعر أحمد سحنون
مواضيع العروبة في شعر أحمد سحنون
الخاتمة : الخلاصة والاقتراحات
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله
أما بعد ...فإنّ لهذا البحث قصة ارتأينا أن نشرك الإخوة والأخوات في تفاصيلها ونقاسمهم أحداثها وأسرارها قبل الشروع في صلب البحث وعبابه ...
لقد انتابنا شعور غريب عندما عرض علينا هذا البحث (العروبة في شعر أحمد سحنون) شعور فيه كثير من الرفض وعدم الرضا ولم نقبل به ـ كارهين ومكرهين ـ ولم نستحيي من رفضه ـ مصرّحين ومعلنين ـ إلاّ لأنّ فيه اسمَ رجل عظيم اسمَ عَلَمٍ من أعلام الصحوةِ وشيخ من شيوخ الدعوةِ له من الفضل علينا ما لا يمكن لطالب علم منصف أن ينكره أو يجحده فما كنّا نقدر على رفض بحثٍ تزيّن عنوانه باسم أحمد سحنون ...ولعلّ ما زاد انقباضنا من هذا البحث اصطلاحُ العروبة الذي ورد فيه , هذا الاصطلاح الذي كثيراً ما يوظّفه مفكرو القومية واليسارية في غير ما وضع له أصالةً وابتداءً ... وكم كان بودّنا لو أنّ الأستاذ الكريم اقترح علينا بحث (الإسلام في شعر أحمد سحنون) فهو مناسب للتخصّص (لغة ودراسات قرآنية) ومناسب للمقياس (أدب إسلامي) ومناسب لطبيعة الشاعر نفسه (الإمام الخطيب الداعية الواعظ والمرشد) ...
ولكن عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ...إذْ سرعان ما تبدّد هذا الشعور ليحلّ محلّه شعور بالسعادة والرضا إزاء اكتشاف وجهٍ آخرَ للشيخ أحمد سحنون رحمه الله ليس وجه الداعية المشهور والخطيب المعروف والإمام الذائع الصيت بل هو وجه الأديب الأريب والشاعر البارع الفحل ... وكم كانت متعتنا عظيمة ونحن نقرأ في ديوان الشيخ نتصفح أوراقه ونستعذب إنشاده ونستطرف ملحه وشعره وأدبه ...
كما تعلّمنا أنّ البحوث والدراسات لا ينبغي أن تنصبّ على المواضيع المحبّبة والمعروفة لدى الطالب بل على البحث أن يطال ما نحسنه وما لا نحسنه ما نعرفه وما لا نعرفه ما نحبه وما لا نحبه بل لعلّ البحث فيما لا نحسن ونعرف أنفع للطالب وأفيد , فهو يفتح أمامه آفاقا جديدة للعلم والمعرفة كان يجهلها من قبل ...والبحث فيما لا نحب من الأشخاص والمذاهب والأفكار أنفع للطالب كذلك لأنّه يوثّق ويثبّت حبه أو ينسفه ويلغيه بالبحث العلمي المنهجي والموضوعي وليس حبّا زائفا مبنيا على مجرد هوى أو تقديس شخص أو بغضه...
كما فتح أمامنا مجالا واسعا للعمل الشاقّ والمضنيّ الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا أجره يوم القيامة ...فقد أمضينا العطلة كلّها نسعى وراء مصادر البحث ومراجعه نطرق أبواب كلّ مكتبة عامة وخاصة ...فلا نجد إلاّ (لا يوجدُ) ردّاً ولا نجد إلاّ جدارا من المنع الإداري والصدّ البيروقراطي...وحتى عالم الإنترنت الافتراضي والذي يزعم أصحابه أنّه لا يخلو من شيءٍ لم نجد فيه شيءٌ ...إلاّ معلومات قليلة ومادة زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع...فاضطررنا للعودة إلى الوسائل القديمة ...
فكانت أوّل خطوة أن توجّهنا إلى مكتبة الشيخ أحمد سحنون نفسِه ورغم العوائق والعلائق ورغم الصدّ والردّ وحتى الطرد بأدب واستئذان ورفق... إلاّ أننا استطعنا أن ندخلها بشقّ الأنفس... ولكن لم يسمح لنا بإخراج الكتب ولا بتصويرها ...وأن لا يتجاوز مكثنا فيها سويعات بين العصر والعشاء ولا تكاد تُسَلِّّمُ مِن عصرِ فصلِ الشتاءِ حتى يقال لك قد حلّ المغربُ وها هو العشاءُ ... ثمّ لأنّ (ما فينا كأنّه لا يكفينا) أضافوا لنا قيداً وشرطا جديدا ...لن تفتح المكتبة إلاّ يومي الجمعة والسبت ... وما تغني السويعات وما يغني الجمعة والسبت في بحث يحتاج إلى كثيرٍ من التنقير والتنقيب والنظر العميق والتدقيق ...
ثمّ كانت الخطوة الثانية كتابة الديوان ونسخ أكبر قدر ممكن من قصائده وأبياته ... وجاء حينها دور القلم المسكين فكان لا يرفع رأسه من كتابة عجز بيت إلاّ ويهوي عليه صدرٌ غاشما على الصدرِ : أنْ لا تبرح الورقة ولا تتوقف عن الكتابة حتى تسمع الإقامة ...
ثمّ انتقلنا إلى المرحلة الثالثة مرحلة بداية استنباط مادة البحث وتمييز مسائله ومباحثه...فإذا بالعطلة قد أوشكت على الانتهاء فوصلنا الليل والنهار وعطّلنا كلّ شيء من أجل أن يكون البحث في مستوى رجل خدم أمّته ودينه ولغته بكلّ ما يستطيعه وبكلّ ما يملكه بوقته وجهده بنفسه وماله بفكره وأدبه بخطبه ووعظه بسمته وحكمته ...هذه هي قصة البحث وهذه هي تفصيل المشاكل والعوائق التي اعترضت أصحابه والتي نسوها وتجاوزوها بمجرد النظر في ديوان الشيخ أحمد سحنون وعليه حواشٍ وتعليقات للشيخ نفسه بخطّه الدقيق والجميل ...وبمجرد التمتّع بقراءة بيت عذب طريف أو الوقوف على صورة جميلة بديعة أو اكتشاف فائدة أو معلومة جديدة ...
وقد حاولنا في بحثنا هذا الوقوف على بعض الإشكالات لعلّ أهمّها البحث في طبيعة وخصائص شعر أحمد سحنون ... وما هي نظرته أو مفهومه للعروبة ؟... وما هي مظاهر هذه العروبة في شعره رحمه الله ؟...
ولأجل حلّ هذه الإشكالات وفكّ شفرتها انتهجنا في بحثنا منهجا استقرائيا تحليليا فبدأنا باستقراء ديوانه والبحث في مظانّ فكره وتتبع كلّ ما له علاقة بهذه الإشكالات ثم حاولنا بعدها تحليل قصائده والبحث في مقاصده ومراده حتى نتوصل إلى إجابات موضوعية علمية عميقة من جهة وصحيحة سليمة دقيقة من جهة أخرى ...
وقد قسّمنا بحثنا إلى مقدمة عرضنا فيها ما اعترضنا من مشاكل ومنهجية البحث وخطّته ومصادره ومراجعه وإلى خاتمة خصّصناها لذكر نتائج البحث وبعض اقتراحات أصحابه ...
أما عرضه فقسّمناه إلى أربعة فصول أوّلها لترجمة الشيخ رحمه الله والثاني خصّصناه للشعر الجزائري الحديث حتى يكون للقارئ نظرة ولو بسيطة عن تاريخ هذا الشعر عن خصائصه وبعض ميزاته ثمّ تعرّضنا في نفس الفصل لمبحث ثاني خصّصناه لبيان خصائص شعر أحمد سحنون ... وهكذا يكون القارئ قد تعرّف من خلال هذا الفصل على الشعر الجزائري عموما وعلى شعر أحمد سحنون خصوصا قبل الخوض في لبّ الموضوع وأهمّ ما فيه ؛ العروبة في شعر أحمد سحنون ولا يمكن الحديث عن موضوع محدّد في شعر رجل وأنت لا دراية لك بعموم شعره أصلا أو لا تستطيع أن تحدد موقعه في أقرب واقع شعري له . الفصل والثالث خصّصناه للحديث عن مفهوم الشيخ أحمد سحنون للعروبة والرابع لمظاهر العروبة في شعره عليه رحمة الله الواسعة .ثمّ ختمنا البحث بخلاصة وتعداد نتائج البحث وتقديم بعض الاقتراحات والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ...
أهمّ مصادر البحث ومراجعه :
المصادر :
1. شعراء الجزائر ديوان أحمد سحنون , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع 1977م وقد اعتمدنا على النسخة الشخصية للشيخ وعليها بعض الحواشي والتعليقات
2. دراسات وتوجيهات إسلامية , الشيخ أحمد سحنون , المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر الطبعة الثانية 1992م (النسخة الشخصية للشيخ رحمه الله)

المراجع :

3. د. محمد نعمان جلال (مؤلف من مصر) , الواقعية الجديدة في الفكر العربي المشروع الفكري للأنصاري نموذجا , المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت الطبعة الثانية 2005م ص141 وما بعدها
4. د. محمد جابر الأنصاري (كاتب بحريني ولد عام 1939 وحصل على الدكتوراة في الفكر العربي الاسلامي من الجامعة الامريكية ببيروت عميد كلية الدراسات العليا وأستاذ دراسات الحضارة الاسلامية بجامعة الخليج العربي), رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية , دار الشروق بالاشتراك مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت الطبعة الثانية 1999م
5. زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي (666هـ) , مختار الصحاح مؤسسة الرسالة بيروت 1414هـ 1994م ص421ـ422
6. ابن فارس (395هـ) مجمل اللغة , دار الفكر بيروت 1414هـ 1994م ص516ـ517
7. ابن فارس (395هـ) المقاييس في اللغة , دار الفكر بيروت (د.ت) ص766ـ767
8. الزمخشري , أساس البلاغة , دار الفكر بيروت ط الأولى 1426 ـ 1427هـ 2006م الصفحة : 413
9. معجم المعاني العربي , معاني الأسماء , نقلا من الموقع الإلكتروني : قاموس المعاني http://www.almaany.com/arab/
10. أحمد بن محمد الفيومي المقرئ , المصباح المنير , مكتبة لبنان 1990م ص152
11. د. فوزي عيسى , الشعر الأندلسي في عصر الموحدين, دار الوفاء الإسكندرية 2007م
12. موسوعة الشعر الجزء الأوّل , مجموعة من الأساتذة (جامعة منتوري) , دار الهدى عين مليلة 2002م
13. د. صالح الخرفي (مفكر أديب وناقد جزائري من مواليد القرارة 1932م ), في رحاب المغرب العربي , دار الغرب الإسلامي 1985م
14. محمد الصالح رمضان , توفيق محمد شاهين : النصوص الأدبية (اختيار شرح وتعليق) , دار الكتاب الجزائري 1384هـ 1964م ج1
15. المكتبة الإلكترونية الشاملة
üشيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم الحراني , اقتضاء الصراط المستقيم , بتحقيق حامد محمد الفقي مطبعة السنة النبوية القاهرة الطبعة الثانية 1369 هـ
المقالات والبحوث :
ü رمضان حينوني (الجزائر) الشعر الجزائري وثورة نوفمبر
ü السرّ المكنون في ترجمة الشيخ سحنون
ü موسوعة ويكيبديا الحرة مادة: (أحمد سحنون)
ü د. محمد موسوني , مدخل إلى الشعر الديني الجزائري الحديث
ü شعر السجون عند أحمد سحنون مذكرة تخرّج للطالبة إيمان خلفاوي بإشراف الأستاذ حميد قبايلي , جامعة العربي بن مهيدي , أم البواقي
ü بحث شامل عن تعريف الهوية والعروبة ديانا سعد المقالح
 
الفصل الأوّل ترجمة الشيخ أحمد سحنون الجزائري

الفصل الأوّل ترجمة الشيخ أحمد سحنون الجزائري

الفصل الأوّل : ترجمة الشيخ أحمد سحنون
(فتحي بودفلة)

مراجع الترجمة :
ü دراسات وتوجيهات إسلامية . أحمد سحنون . المؤسسة الوطنية للكتاب ,ط2 , 1999م
ü موسوعة الشعر الجزائري , تأليف مجموعة من الأساتذة من جامعة منتوري بقسنطينة , دار الهدى 2002م 1\501...
ü ندوة الشروق اليومي خصّ بها الشيخ رحمه الله حضرها مجموعة من الأساتذة إضافة إلى عائلة الشيخ وتلامذته نشرت على الصحيفة بتاريخ 03\09\2010م بإعداد كلّ من ع.تومي و ش.آسيا
ü شعر السجون عند أحمد سحنون , مذكرة تخرج من إعداد الطالبة إيمان خلفاوي وإشراف أ\حميد قبايلي
ü السرّ المكنون في شخصية أحمد سحنون , الدكتور عبد الرزاق قسوم نقلاً عن موقع الشهاب http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=318
ü موسوعة ويكيبديا الحرة مادة (أحمد سحنون الجزائري)
ü حسّان الحركة الإصلاحية في الجزائر أحمد سحنون http://www.startimes.com/f.aspx?t=16052828
ü شهادات حيّة لتلامذته ومقربيه وبعض العارفين بشؤونه وأحواله...


الاسم المولد والنشأة :
أحمد سحنون بن سحنون ولد سنة 1907م بقرية ليشانة إحدى قرى الزاب الغربي بدائرة طولقة تبعد عن مقرّ الولاية بسكرة بحوالي خمسين كيلومتر (50كلم) .
توفيت أمّه وهو لا يزال رضيعاً وقد بقي أثر هذا اليتم المبكر وهذا الحنان الذي فقده في صباه عالقا في ذهنه إلى أواخر حياته يتذكره يحزن ويأسف له و يؤثّر فيه وفي شعره كما سيأتي بيانه...
بعد وفاة أمه تولّت عدّة نساء إرضاعه تقول الأستاذة عائشة سحنون "ذات مرّة قال لي أبي: لو أبحث سأجد أنّ جلّ أبناء ليشانة إخوة لي من الرضاعة."
تولى رعايته وتربيته والده سحنون الذي كان معلما قرآنيا في قرية ليشانة .
تعلّمه وشيوخه :
حفظ القرآن على يد أبيه الشيخ سحنون معلم القرآن وعمره 12 سنة ...ثمّ تعلّم مبادئ العلوم اللغوية والشرعية على يد أبيه ومجموعة من علماء ومشايخ بلده فأتقن النحو والصرف وعلم العروض والقوافي والفقه والحديث ... وغيرها من العلوم .
من أشهر أساتذته ومشايخه :
ü محمد خير الدين [1] وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين
ü عبد الله بن مبروك العثماني : أعظم أساتذته ومدرسيه بشهادة الشيخ سحنون نفسه , تولى التدريس بالزاوية العثمانية في طولقة وهو خريج الزيتونة بتونس والأزهر الشريف بمصر ودفين البقيع بجوار المصطفي صلى الله عليه وسلم
ü محمد الدراجي
ü عصاميته : كما أنّ الشيخ رحمه الله يعدّ من العصاميين البارزين فإنّه إضافة إلى مبادئ العلوم التي أخذها عن هؤلاء المشايخ تولى تعليم نفسه بنفسه من خلال قراءته الدؤوبة ومطالعته المستمرة
ذكر الشيخ محمد بن عامر أنّه سأله ذات مرة : هل يمكن أن نأخذ العلم من الكتب ؟ فقال لي : "شرط أن تكون القراءة مركّزة "
وقد كان له رحمه الله ولع خاص باقتناء الكتب ومطالعتها ومكتبته العامرة التي تركها في مسجد أسامة بن زيد خير دليل على ذلك ...[2]
وذكر الأستاذ صالح عوض أنّ الشيخ رحمه الله قال له: الناس يجمعون المال وأنا أجمع الكتب .
كما ذكر الأستاذ الدكتور عبد المجيد بيرام أنّ الشيخ أحمد سحنون كان يقرأ الكتب في أيامه الأخيرة باستعمال العدسة وهو مستلقٍ في فراشه حيث لم يكف عن هذه العادة منذ زمن طويل وذكر أنّ الشيخ رحمه الله ومن شدّة إدمانه على المطالعة طلب ذات مرة من شخص جزائري أن يحضر له جزءا من كتاب في العلوم العسكرية من بيروت . اهـ
وذكر الأستاذ الهادي حسني أنّه تعجب عندما وجد في مكتبة الشيخ كتاب الأم لغوركي وهو كتاب جريء " [3]
وذكر الشيخ يحيى صاري أنّه رحمه الله كان دائما يقول: "المكتبة كالصيدلية فمثلما تكون هذه الأخيرة متنوعة بالأدوية تكون كذلك المكتبة " كما ذكر أنّه في إحدى المرات أهدى له الشيخ كتابا أهداه له الشيخ البشير الإبراهيمي ونسي أنه أهداه لصاحب القصة الشيخ يحيى صاري وظنّ أنه ضاع منه فكان في كلّ مجلس يذكر هذا الكتاب قال فعرفتُ قيمة الكتب في نفس الشيخ فما كان عليَّ سوى إعادته للشيخ دون أن أخبره بأنه أهداه لي."
انضمامه وعمله في الحركة الإصلاحية :
بدأ تأثر الشيخ أحمد سحنون بالحركة التجديدية الإصلاحية مبكرا من خلال أساتذته وشيوخه الإصلاحيين وعلى رأسهم محمد خير الدين خريج الزيتونة والأزهر الشريف وأحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين ...وكذا من خلال مطالعاته الدءوبة والمستمرة في كتب وصحف رجال الإصلاح بالشرق والغرب العربي ...
هذا من جهة تأثره بالحركة الإصلاحية أما انخراطه فيها فبدأ باتّصاله بالشيخ فرحات بن الدراجي ابن بلدته والذي كان معلماً في مدرسة الشبيبة الإسلامية الإصلاحية التابعة لجمعية العلماء بالعاصمة , ففي إحدى زيارات هذا الأخير لقرية ليشانة سنة 1936م أقنع الشيخ أحمد سحنون بمصاحبته والسفر معه للعاصمة من أجل التدريس في المدارس والمعاهد الإصلاحية ...وهنا بدأت علاقته برجال الإصلاح تتوطّد واعتناقه لفكرهم ينموا ويزداد شيئا فشيئا فمّما يذكره رحمه الله خلال هذه السنة التقاؤه الأوّل برائد الإصلاح الوطني ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الشيخ عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله الواسعة سنة 1936م حيث يقول : "وذكرت - عندما كتبت فصلا عن ابن باديس الموجه – بمناسبة ذكراه أنه جمعني به أوّل مجلس فبادرني بسؤاله : ما ذا طالعت من الكتب؟ فأخذت أسرد له - لسوء حظي أو لحسنه – قائمة حافلة بمختلف القصص والروايات , فنظر إليَّ نظرة عاتبة غاضبة وقال: هلا طالعت العقد الفريد لابن عبد ربّه , هلا طالعت الكامل للمبرد بشرح المرصفي , واستمر في سرد قائمة من الكتب النافعة المكونة , فكانت تلك الكلمة القيمة خير توجيه لي في هذا الباب ." [4]
وفي سنة 1947م تمّ تعيينه في المجلس الإداري للجمعية كما عيّن في ذات السنة معلما في مدرسة التهذيب ببلوغين ثمّ بعدها بسنة عيّن مديرا لها
ولعل من أبرز مشاركاته في العمل الإصلاحي تأليفه للنشيد الرسمي لجمعية العلماء المسلمين
يا بني شعب الأباة ...........للمعالي
أنتم نسل الأمازيغ الكماة.....في النزال
كلّ من ضحى بنفسه فمات..لا يبالي
عمله في المجال الصحفي فقد شارك في هيئة تحرير صحيفة (البصائر) إلى جانب كلّ من توفيق المدني حمزة بكوشة باعزيز بن عمر الملقب بالفتى الزواوي وقد اشتهر فيها بشعره ومقالاته التربوية والتوجيهية , والتي قال عنها الشيخ فضيل الورتلاني :
(لقد كنت ضيق الصدر من خلو (البصائر) من التوجيه الديني وهي ميدانه وسوقه .... حتى وقعت في يدي الأعداد الأخيرة من جريدة البصائر ، فاجتذبني منها عنوان ، إلى قراءة ما تحته ، فقرأت ، فصادف منى هوى ,، فأعدت قراءته فأثر فيّ تأثيرا ، أجرى دموعي ، تأثيرا بالمعاني ، وفرحا بظفري بما كنت أنشده من النوع الحي المشرق المنزوع من مأثور السلف في أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم ....وأعدت قراءة ما فيها من كلمات الأستاذ (أحمد سحنون) قراءة وتأملا وموازنة , فازددت إيمانا بأنها صنف واحد في الإصابة وحسن التنزيل وعمق التحليل لأمراضنا النفسية وعلاجها بأخلاق أسلافنا الظاهرين ، التي ملكوا بها أنفسهم أولا ، ثم ملكوا بها الكون ثانيا)
هذا إضافة إلى أشعاره التي كان ينشرها على صفحات البصائر دوريا والتي استحقّت وصف العالم الكبير والمصلح الشهير الشيخ العَلَم البشير الإبراهيمي رحمه الله حيث قال له :"إنّ ما تكتبه في البصائر هو حلية البصائر."
ومن أعماله الشهيرة في صحيفة البصائر غير التوجيهية والشعرية عمله النقدي ولعلّ أشهره نقده لمسرحية (خالد) أوّل مسرحيات المسرحي الجزائري محي الدين باشطارزي في عدد 17\29 ديسمبر 1947م
ومن أقواله رحمه الله يصف عمله خلال هذه المرحلة قوله : "إن كل شيء كنا نعمله لهذا الشعب ، وكل ما نبذله لهذا الوطن ، إنما كان بوحي من روح هذه الجمعية ، ووفق الخطة التي رسمتها لتطهير هذه الأرض العربية المسلمة من وجود الاستعمار ، ومن سيطرة الأجنبي ومن عار الحكم بغير ما أنزل الله "
ويقول أيضا في ذات الشأن : "...لقد كانت معركة وكانت جنود وكانت أسلحة , كانت جنود هذه المعركة العلماء والمعلمين والطلاب . وكانت الأسلحة هي المقالة والقصيدة والنشيد والخطبة والدرس كما كان من الأسلحة : الإيمان بالله وبحقّ الشعب والحماس لهذا الحقّ والغيرة عليه , والحقد المتأجج في صدر كلّ مسلم على كلّ ما هو أجنبي ودخيل من الأشخاص والمبادئ والعادات والمذاهب ."
الشيخ أحمد سحنون وثورة التحرير الوطني :
ابتداء ينبغي أن نشير إلى أنّ جمعية العلماء المسلمين كانت تؤمن أنّ السبيل الوحيد لتحرير الشعب الجزائري هو الجهاد في سبيل الله لا غير ولكن هذا الجهاد لن يقوم به ولن ينتصر وينجح إلاّ بأيدِ رجالٍ مؤمنين بالله حقّ الإيمان متعلمين متمسكين بثوابتهم...وهذا لن يتأتّى بدوره إلاّ بعمل تربوي إصلاحي توجيهي طويل الأمد من جهة وبتنقية الإسلام من شوائبه وردّ وضحد الشبه والافتراءات التي ألحقها به المستعمر وأشياعه ...ولو تأمّلنا بعض الشيء وأعملنا فكرنا جيّدا للاحظنا أنّ الذين فجّروا الثورة وقادوها وجلّ المنتسبين لها إنّما هم من تلامذة وخريجي مدارس جمعية العلماء تشبعوا بفكرها وتأثروا بنهجها ...
ولقد كان الشيخ أحمد سحنون رحمه الله من أكثر المطالبين والمنادين بالثورة والجهاد ضدّ المستعمر الفرنسي في مقالاته وأشعاره فمن أمثلة ذلك :
قوله في قصيدة (المعلم)[5]
هات من نشئ الحمى خير عتاد وادّخر لغد جند جهاد
هاته نشئاً قويا باسلاً إن دبا[6]خطب يكن أوّل فاد
وفي قصيدة (إلى التلميذ)[7] يقول:
وليكن حاديك تحرير الحمى إنّ تحرير الحمى للحرّ حاد
هذه غايتك المثلى التي إن تحصلها تنل كلّ مراد
وفي قصيدة (الكشاف)[8]
كشاف يا ابن الطبيعة وابن الحقول البديعة
كن للبلاد دليلا كن في الجهاد طليعة
وفي قصيدة (إلى ولدي رجاء)[9] يوجه نداءه لولده بقول:
متى أراك مثالا من الهمّة ومضاء
وللجزائر درعا ترد كلّ اعتداء
متى أراك حُساما لها على الأعداء
متى أراك فداء لها وأيّ فداء
وفي قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها)[10]
هذي الجزائر لا خابت أمانيها قد وحدتّها جراحات تعانيها...
هات القوافي التي تزجي بسامعها إلى الفداء وتغريه أغانيها...
هبّت مؤيدة بالله معلنة جهادها بعدما قد قام ناعيها
جمعية العلما أدّت رسالتها رغم العوادي ولم تبرح تؤديها
لم تأل جهدا ولم تخضع لطاغية ولم تضق بأذى ممّن يعاديها
يهتني الجزائر وليخسأ مناوئها أنّ البشير إلى التحرير حاديها
وإذا كنت قد أطلت وأطنبت في سرد شواهد هذه المسألة فلأنّ بعض من لا يحسن قراءة التاريخ أو ربّما لا يقرأه أصلاً –حتى وإن زعم المشاركة في صنعه – يدّعي كذبا وزوراً أو بلادةً وجهلاً أنّ جمعية العلماء إنّما كانت جماعة من الشيوخ تهتم بمجرد محو الأمّية ولم تكن تفكّر في السياسة ولا تطمع للاستقلال ولا تعمل من أجل تحرير البلاد وتخليص العباد ...بئس ما قال والله...
يبيّن هذه الحقيقة – التي لا ينكرها ولا يغفل عنها إلاّ جاحد حقود أو جاهل بليد قول الشيخ سحنون رحمه الله في حوار مع صحيفة (الحقيقة) قال"...لولا جمعية العلماء لما كانت الثورة , فهي التي كانت تشكّل المرحلة الإعدادية لها , حزب الشعب مصلاً كان يبحث عن الغاية فقط دون السؤال عن الوسيلة , في حين أنّ الجمعية كانت تتخذ الوسيلة للوصول إلى الهدف" اهـ[11]
ويا حبّذا لو انتدب أحدُنا لمهمّة البحث والتنقيب في تراث الحركة الإصلاحية ليثبت دورها الرائد والفعّال في تحرير البلاد والعباد ...سواء الدور المباشر بالمشاركة في الثورة أو غير المباشر بالتحضير لها...
ولم يكتف الشيخ رحمه الله بمجرّد الدعوة للجهاد من خلال قصائده وخطبه بل لقد نقل هذه الفكرة من مجرد مِدادٍ يراق وكلامٍ يساق إلى أعمالٍ في الواقع فقد أسّس رحمه الله تنظيما فدائيا سرّيا انطلاقا من مسجد الأمة ببلوغين سنة 1953م أي قبل اندلاع ثورة التحرير الوطني بسنة كاملة , من بين المشاركين فيه السادة الأفاضل خاد بن يطو , مصطفى بن فتال ومحمد طويلبي
وحسب الدكتور أحمد زغينة في أطروحته الجامعية (شعر السجون في الجزائر) فقد استطاع مصطفى فتال لوحده أن يقوم بحوالي 145 عملية .
أيّد الشيخ ثورة التحرير مباشرة بعد قيامها . وفي 24 ماي 1956 أي بعد حوالي سنة ونصف من قيام الثورة ألقت السلطات الفرنسية الاستعمارية القبض عليه رفقة مجموعة من المفكرين والمصلحين , اعتُقل أوّلا بسجن (البرواقية) ومنه نقل إلى إلى معتقل (بوسوي) (سان لوي) سابقا بالغرب الجزائري ... ولم يمنع السجنُ بقضبانه وأسواره وضيقه وآلامه الشيخَ من الإنتاج الأدبي والنشاط الإصلاحي والثوري والتنظيمي ...فقد كانت مرحلة حافلة بالإنتاج الشعري ولهذا السبب سمى ديوانه (حصائد السجن) لأنّ أكثره كتب داخل السجن . كما أنّه خلال هذه الفترة كوّن مع مجموعة من السجناء المثقفين من الإصلاحيين والسياسيين والثوريين ندوة أدبية بهدف اكتشاف المواهب وتشجيعها وبهدف مساعدة الثورة وتأييدها أدبيا وفنّيا وكذا محاولة تخفيف وطأة السجن وألم العزلة والغربة والبعد عن الأحبة والأهل...من بين المشاركين في هذه الندوة : أحمد عروة , عمر شكيري , خالد بن يطو , محمد الطاهر الأطرش , أحمد شقار الثعالبي , والملحن هارون الرشيد ...
خلال فترة سجنه حاولت فرنسا استغلال مكانته ونفوذه الديني والتنظيمي لضرب الثورة وتشويه سمعتها وصورتها فطلبت منه القدح في الثورة والطعن في رجالها ولكنّه أبى ذلك وقال : "أنا الآن في حكم الميت إذا نفذت ما طلبتم مني يقتلني إخواني وإذا لم أنفذ تقتلونني , وما دمت ميتا فليكن على أيديكم أفضل." فما كان من المستعمر إلاّ أن حكم عليه بالإعدام ولكن سرعان ما خفّف الحكم ثمّ أطلق سراحه لأسباب ودواعٍ صحية سنة 1959[12] ليقوم بعدها المجاهدون بتهريبه إلى منطقة باتنة في الشرق الجزائري ومنها إلى سطيف وقد "استقبله القائد محمد الصالح يحياوي رفقة 50 مجاهداً قدّموا له التحيّة الشرفية لحظة صعوده الجبل"
بقي أن نشير إلى أنّ شعره الثوري قليل إذا ما قارناه مع شاعر الثورة - مثلاً – مفدي زكريا أو غيره من الشعراء
الشيخ أحمد سحنون في مرحلة الاستقلال :
بعد نيل الجزائر استقلالها وتخلّصها من قبضة المستعمر الغاشم تفرّقَ رجال الإصلاح وأعضاء جمعية العلماء المسلمين بين من اتّجه إلى التربية والتعليم وبين من اختار الخطابة والإمامة وبين من توجّه إلى السلك الإداري في الوزارات ومختلف المنشآت والمؤسسات...أمّا شاعرنا الشيخ أحمد سحنون فقد جمع بين الإمامة والإدارة حيث عيّن خطيبا في الجامع الكبير بالعاصمة وفي الوقت ذاته عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى
كان عليه رحمة الله كباقي رجالات الإصلاح بل وكباقي أفراد الشعب يظنّ أنّ طرد المستعمر ومغادرته لوطننا الحبيب سيحلّ جميع مشاكل الشعب الجزائري وأنّ أمام الأمة مستقبلا في ظلّ الاستقلال ومبادئ الإسلام كلّه سعادة ورفاهية وطمأنينة وأمن ولن يقدح في هذا الهناء المنتظر ولن يعكّر صفو هذا الأمل المرتقب سوى كدُّ العمل وجهد البناء والإنشاء ... ولكنّهم فوجئوا وفُجِعوا بسلطة تفرضُ عليهم مبادئ وأنظمة وقوانيناً غريبة عن مجتمعنا مناقضة لديننا وعرفنا سلطة لم تكترث كثيرا لمصلحة الأمة بقدر ما جعلت من مصالحها الشخصية أولى اهتماماتها وأكبر انشغالاتها
تتجلى هذه النظرة السلبية للحكومات العربية من خلال بعض قصائد الشيخ لعل أهمّها قصيدتي (ماذا جنى قطب)[13] وقصيدة ألقاها بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة الشيخ البشير الإبراهيمي[14] رحمه الله سنة 1967م ممّا جاء في هذه القصيدة الأخيرة يصف فيها جزائر الاستقلال كما يعبّر ويفصح عن أسفه وعن أحزانه لما آلت إليه أحوالها :
تبّا لدنيا ترفع الأنذال وتحارب العظماء والأبطالا
وتُبارك المتلونين وتحتفي بالخائنين وتكرم الجهالا
وتسوم أهل الفضل جحد جهودهم وجهادهم وتخيب الآمالا
النبل فيها مهدر ومطارد والعدل أبعد ما يكون منالا
وعلى الهوان بها أقام ذووا النهى لم يلق ذو أدب بها إقبالا
يا ويح حظ المسلمين أكلما بان النجاح لهم يؤول خبالا[15]
فما كان من الشيخ رحمه الله وأمثاله من العلماء الربانيين المخلصين إلاّ أن ندبوا أنفسهم لمهمة الدعوة والإصلاح ...
وقد تبنّى الشيخ رحمه الله من أوّل وهلة مبادئ وقواعد جلّت منهجه في الدعوة وطريقته في التغيير والإصلاح لعلّ أبرز معالمها ما يلي :
1) الصدع بالحقّ ونصح الأمة جميعها حكاما ومحكومين بتفانٍ وصدق وإخلاصٍ دون مدارات ولا مواربة ...فقد كان رحمه الله يقول كلمة الحقّ لا يخاف في الله لومة لائم ترك من أجل ذلك أفضل المناصب وأرقى المراتب لأنّها تُكمم الأفواه وتستأجر بها ذمم الرجال ويتوصل بها إلى سكوتهم عن الحق ورضاهم بالباطل...ولاقى بسبب هذا النصح من الابتلاءات والمحن الشيء الكثير لعل أبرزها التهميش وآخرها الفصل من مناصب عمله وفرض الإقامة الجبرية عليه ...
2) الدعوة عند الشيخ ليست كلاما يتشدّق به لا يتجاوز لسان مدّعيها بل هي التزام بمبادئها أوّلا وتحمّلا لأعبائها ثانيا ...فقد كان يقول عليه رحمة الله :"فليست الدعوة إلى الله – إذن – كلاما مجردا عاديا يستطيع أن يملأ به شدقه كلّ من لا حظ له من دين أو خلق , ولا خلاق له من إيمان أو استقامة , إنّما هي كفاح مرير ينبغي أن لا يخوض غماره إلاّ من تسلّح له بسعة الصدر ولين القول واستقامة السيرة وبلاغة المنطق وقوة الحجة."
3) الدعوة بالتي هي أحسن فقد كان شعاره الدائم الآية الكريمة التي كان كثيرا ما يردّدها ويستدلّ بها {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ومن أقواله المشهورة في هذا الباب مقالا له بعنوان (الدعوة إلى الله) جاء فيه : "وإذا كانت الكلمة اللينة والصدر الرحب من خير أدوات الدعوات بحيث تجعل العدو صديقا كما تشير إليه الآية فبعكس ذلك تكون الكلمة الجافية والصدر الضيق من شرّ أسباب النفور بحيث يجعلان الصديق عدوّاً" ولعلّ مواقفه خلال الأحداث التي عرفتها الجزائر في العقود الأخيرة – والتي سنذكرها تباعاً – أكبر دليل على تبنيه هذا المنهج القويم
4) قال بعض الظرفاء جامعا بين الحقيقة وشيئا من الطرافة محاولا بيان موقف الشيخ رحمه الله من حكام المسلمين الذين جاروا وظلموا وحادوا عن سبيل الحقّ والرشاد قال : كان رحمه الله لا يرى بالخروج على الحكام بالثورة والجهاد و لا يرى كذلك بالدخول عليهم وطرق أبوابهم بالسكوت عن ظلمهم والرضا بحيادهم عن مبادئ الإسلام ...
5) الاشتغال بالتربية والتوجيه...حتّى أنشأ جيلا من الشباب والكهول ربّاهم على يديه ووفق منهجه المعتدل والوسطي في مختلف المساجد التي أدارها وعمل بها ابتداء من مسجد الجامع الكبير ثمّ مسجد الأرقم في شوفالي بأعالي العاصمة وأخيرا مسجد أسامة بن زيد ببئر مراد رايس
6) وللشيخ مبادئ ومواقف أخرى كثيرة يمكننا تجلي منهجه الدعوي من خلالها ارتأينا عدم التوسع فيه لأنّ المجال وموضوع البحث لا يسمح بذلك فلعل الفرصة تسمح مستقبلا لبحثها ودراستها ....آمين.
أهمّ المحطات والأحداث التي عرفها الشيخ رحمه الله بعد الاستقلال
ü تأييده لبيان الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله في 16 أفريل 1964 والذي دعا فيه السلطات الجزائرية إلى العودة إلى مبادئ الإسلام وإلى الحكمة والصواب بعد أن رأى البلاد تنتهج مناهج ومذاهب غربية دخيلة على عقيدتنا وعرفنا... بل يرجّح أنّ الشيخ أحمد سحنون قد اطّلع عليه قبل إصداره إن لم يكن شارك فيه برأيه وتشجيعه نظرا لمكانة شاعرنا المتينة والمرموقة عند الشيخ الإبراهيمي رحمه الله
ü توقيفه عن الخطابة في الجامع الكبير من طرف الرئيس ابن بلّة بسبب مواقفه المناهضة للخيار الاشتراكي الذي قيل عنه يوم ذاك (خيار لا رجعة فيه) ثمّ أعيد إلى منصبه بعد انقلاب 19 جوان 1965م
ü المشاركة في تأسيس (جمعية القيم) والتي ترأسها الهاشمي التيجاني في 19\12\1963 [16] هذه الجمعية التي انتدبت للدعوة إلى الله والعودة إلى مبادئ الإسلام وتطبيق الشريعة...
ü موقفه من إعدام عبد الناصر لصاحب الظلال سيد قطب رحمه الله , فقد نظم قصيدة يرثي فيه سيد قطب ويشنّ فيها حربا هوجاء على حكام المسلمين المعطّلين لشريعة الإسلام ...
ü دوره في تغيير العطلة الأسبوعية من يوم الأحد إلى يوم الجمعة وذلك خلال لقاء جمعه بالرئيس هواري بومدين برفقة أئمة المساجد ألحّ فيه الشيخ على الرئيس وطال منه تغيير يوم العطلة الأسبوعي فما كان منه إلاّ الاستجابة بإصدار مرسوم رئاسي غير به يوم العطلة
ü مشاركته الفعاّلة مع تلامذته وأصدقاء دربه من أبناء وشيوخ الصحوة الإسلامية في مناقشات دستور 1975م
ü مشاركته في تجمع الجامعة المركزية سنة 1982م وصياغته رفقة عدد من العلماء والدعاة بيان النصيحة الذي طالب السلطة الجزائرية بتطبيق الشريعة
ü فرض الإقامة الجبرية على الشيخ رحمه الله رفقة صديق دربه الشيخ عبد اللطيف سلطاني بسبب بيان النصيحة
ü تبنيه لمطالب شباب انتفاضة أكتوبر 1988م ولكنّه رفض بقوة تنظيم مسيرة يقودها رجال الصحوة الإسلامية حقنا لدماء المسلمين وحتّى لا يترك الفرصة سانحة لمن يريد ضرب المسلمين وتوريطهم فيما لا قبل لهم به ...
ü تنظيمه للمسيرة النسائية المليونية المطالبة بالإبقاء على قانون الأحوال الشخصية المعروف بقانون الأسرة مستنبطا من الشريعة الإسلامية
ü تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية في أكتوبر 1989م من أجل ترشيد وتوجيه العمل السياسي الإسلامي في وسائله وغاياته وحراسته من الخطأ والانحراف...
ü موقفه الرافض للعمل المسلح في مواجهة النظام سواء خلال عقد الثمانينات في عهد بويا علي أو عقد التسعينات بعد إلغاء الانتخابات ومصادرة اختيار الشعب للحلّ الإسلامي...
ü تعرّضه لمحاولة اغتيال سنة 1996م قبيل صلاة الفجر بساحة مسجد أسامة بن زيد, بعد هذه الحادثة لزم الشيخ مكتبته الزاخرة وعكف على البحث والقراءة...
وفاة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله :
أصيب الشيخ رحمه الله بجلطة في الدماغ صبيحة يوم العيد , نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري بعين النعجة حيث وفّرت له رعاية صحية مركّزة وأحيط بأفضل الأطباء وجعل تحت تصرّفهم أرقى الأجهزة والتقنيات ولكن كِبَر سنّ الشيخ وضعف جسمه حال دون إنقاذه وشفاءه فكان ما أراده الله وقدّره ...توفي رحمه الله يوم الإثنين 14 شوال 1424هـ الموافق لـ:08 ديسمبر 2003م[17] ليدفن في مقبرة سيدي يحيى ... يقول الدكتور عبد الرزاق قسوم واصفا جنازته: " أرأيتم أمواجا بشرية تحتضن الشمس الماثلة للغروب، فتحول يائسة – دون غروبها المحتوم؟
وهل تصورتم الآلاف بل العشرات من الآلاف، وهم يندفعون نحو التابوت يبللونه بالدموع، فتتجاوب السماء معهم بأمطار دمع غزيرة مدرار؟

هل تجدون تفسيرا لتعانق الأرض والسماء وتضامن من الطبيعة مع الإنسان في البكاء ؟
ذلك هو شأن المشيعين لجثمان العالم الربّاني الشيخ أحمد سحنون في يوم الثلاثاء الحزين .. وإنه لسر لو تعلمون عظيم..
فهذا الشعب الذي نفخ فيه أحمد سحنون روحه، بأنفاس ربانية، وأوقف حياته على نهضته ووحدته بقيم إسلامية، هو الذي تدافع في هذا المأتم الرهيب، يحدوه الحب والوفاء، لعالم عامل من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.."
روى بعض المقربين منه أنّه في مرض موته كان يدخل في غيبوبة لبعض الوقت فإذا استفاق منها يردّد قوله تعالى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}[18]
وكان رحمه الله في ذات المرض إذا طلبت منه النصيحة قال: (عليكم بالتوحد والوحدة)
وكان يردّد قائلا: لم أحتمل طول البقاء حين عجزت عن العطاء
ومن أغرب ما وقع له قبل وفاته ما ذكره لبعض تلامذته قال: مررت في طريقي إلى المسجد بالنعش رابضا في أحد الأركان مثل المركب الواقف عند الشاطئ ينتظر المسافرين , فتوقفت أمامه متأملاً لأجد نفسي أخاطبه بهاته الأبيات :
أيا نعش يا مركب الراحلين إلى القبر هل حان يوم الرحيل؟
فإني تخلفت عن رفقتي فهل للحاق بهم سبيل؟
وصرت غريبا بغير رفيق وقلبي كئيب وجسمي عليل
زهد الشيخ ورعه وتواضعه :
يقول جلّ من عرف الشيخ رحمه الله أنّ أهمّ شيء في حياته كان قيام الليل , ولعل علاقته بقيام الليل قديمة تعود لقصة له مع والده ...ذكر الأستاذ مراد خيشان أنّ أحمد سحنون قال له:" ذات مرّة استيقظت من النوم ووجدتُ أبي يبكي فلمّا سألته عن السبب وبعد إلحاح اجاب أنه نام حتى أدركه الفجر ولم يؤدّ ركعات القيام ."
وقد عبّر الشيخ عن هذا الموقف ببيت من الشعر قال فيه:
أنا ابن الذي يبكي إذا طلع الفجر ولم يكن أدى ما به يعظم الأجر
تقول عائشة سحنون : "في بعض الأيام يكون الشيخ مريضا ومتعبا لا يتناول عشاءه وينام مبكّراً , ولكن ما إن يحلّ الثلث الأخير حتى تجده قائما نشيطاً كأنه ليس نفس الشخص الذي كان متعباً"
ومن تواضعه تعامله مع الناس كلّهم الكبير والصغير , الشريف والوضيع , ذكر الشيخ مراد خيشان أنّ أحمد سحنون كان يقول الشعر في أحبابه من الذين يحتلون مكانة خاصة في قلبه وقرأ أبياتا قالها في أحد أحبابه وكان إنسانا بسيطا يبيع حليب البقر :
يا ناصر الدين للدين أنصار نحن عبيد وكلّ الناس أحرار
وذكر الأستاذ الهادي حسني أنّ ناشرا تونسيا اسمه لحبيب اللمسي كان معجبا أيّما إعجاب بالشيخ أحمد سحنون وكان يرسل له كتبا معي كما كان يتشوق للقائه وفي إحدى المرات أرسل معي كتبا وعندما دخلت على الشيخ سحنون لأسلمه إياها , وجدته قد فرغ لتوه من نظم أبيات في الشيخ اللمسي .
ذكر الأستاذ الدكتور عبد المجيد بيرام أنّ الشيخ لم يكن يردّ سائلاً ومن ذلك "طلبت منه ذات مرة أن يدعو لقريب لي وكان مريضا , فقال لي : اذكر لي اسمه حتى أدعو له قبل الفجر" وعرفت فيما بعد أنّ من عادته تخصيص ساعة قبل الفجر للدعاء للناس ...
وذكر الشيخ يحيى صاري أنّ الشيخ رحمه الله كان يخصّص نصف قيام الليل للدعاء لأحبابه وأصدقائه ولعامة الناس , كما يذكر أنّ الشيخ كان يرسل تلامذته إلى المرضى ليقولوا لهم إنّ الشيخ يدعو لكم بالشفاء
وذكر الشيخ يحيى صاري كذلك أنّ الشيخ رحمه الله بعد خروجه من مستشفى عين نعجة بعد محاولة الاغتيال لم يشتم الذي حاول قتله كما لاحظ الناس أنّه تجاهل الموضوع تماما , بل كان يقول : الحمد لله الذي أصابني بهذا المصاب ليخفّف عني سيئاتي . وذكر أيضا أنّه طوال المدة التي عرفته فيها لم يذكر ولم يتفاخر بأنّه مجاهد .
من أقوله ومواقفه المشهورة قوله لبعض تلامذته : "أفهم أنّ النّاس يريدون الدنيا ...ولكن لا أدري لماذا لا يفهمون أني أريد الآخرة"
بعض ما قيل فيه :
البشير الإبراهيمي : "إنّ ما تكتبه في البصائر هو حلّة البصائر" وذكر الأستاذ الهادي حسني أنّه اقتنى كتاب عيون البصائر للشيخ البشير الإبراهيمي قال : فوجد فيه قصيدة للشيخ أحمد سحنون فعجبت لذلك وعرفت قدر الرجل ومكانته لدى الشيخ الإبراهيمي , وفي جمعية العلماء المسلمين."
وقد أطلق عليه الشيخ حبنكة الميداني لقب (حكيم العلماء) بينما لقّبه الشيخ عبد الرحمان شيبان في إحدى مقالاته بجريدة البصائر (بحسّان الحركة الإصلاحية)
يقول الدكتور عبد الرزاق قسوم في مقالته السرّ المكنون في شخصية أحمد سحنون : " إن الشيخ أحمد سحنون، عالم ليس ككل العلماء، فقد تعددت جوانب العلم العملي فيه، جهادا وجهودا باليد، والقلم، واللسان، والقدوة الحسنة، لأنه الغصن الرطيب، في دوحة جمعية العلماء الوارفة الظلال. وهو حلقة ذهبية في سلسلة النفائس الجزائرية من الأمير عبد القادر، وعبد الحميد بن باديس إلى مالك بن نبي، والبشير الإبراهيمي، والعربي التبسي، وصحبهم الميامين..
لقد كان فقيدنا الداعية الكبير، والمربي الجليل والشاعر المرهف، كان من صفوة من أنجبتهم الجزائر فتركوا بصماتهم المتميزة، في مجتمع حاربوا فيه الجهل، والبدع، والتخلف، والانحراف، وسفك الدماء، ولتثبيت القيم، والفضيلة، والوطنية الصادقة."
ويقول أيضا : " إن من خصائص العبقرية، وسرها المكنون في شخصية الشيخ أحمد سحنون تعددية الاهتمامات، فهو قد أخذ في تكوينه من كل علم نصيبا، فأخذ من العلم الشرعي، كتابا وسنة، ما هو أساس تكوينه ثم شفع ذلك كله بقسط من الشعر، والقصة والنقد، وواصفها منابر ملتزمة بالقيم الإسلامية، والمنهج الإصلاحي، والدعوة إلى الله..
وقد أكسبه هذا التنوع المعرفي، سعة أفق، وتفتح فكر، انعكس على مواقفه بالاستقلالية في المواقف.. وهو ما حدا به إلى تكوين قناعات غالبا ما سببت له الصدام، مع الآخرين."
وقال أيضا : "... مواقف جريئة – إذن – سجلتها مسيرة طويلة، اتخذت لها دروبا ومسالك شتى، انطلقت من مسجد النصر بباب الوادي، إحدى قلاع التيار الإسلامي المتجذر، إلى مسجد الأرقم الخالد في حي شوفالي بأعالي العاصمة، الذي بدأ مصلى متواضعا، جذب إليه قوافل من الشباب المتعطش للمعرفة، والعلم والتربية والحرية، وكما خرج الأرقم في عهد الرسول من الضيق إلى السعة، خرج مصلى الأرقم إلى مسجد الأرقم الفسيح الشامخ البنيان ثم انتقل الشيخ من مسجد الأرقم إلى مسجد أسامة بن زيد بحي بئر مراد رايس، الذي كان مسجد مغمورا فانجذب إليه الشباب طلبا للمنهج الوسطي المعتدل في الخطاب الذي كان يبثه فيه الشيخ أحمد سحنون وهو المسجد الذي وافته المنية فيه- بعد نقله إلى المستشفى العسكري بعين النعجة."
آثاره :
المطبوع منها : ـ (حصائد السجن) ديوان شعر طبع ضمن سلسلة شعراء الجزائر سنة 1977 يضم حوالي 196 قصيدة في 336 صفحة
ـ (دراسات وتوجيهات إسلامية) صدر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1981م يقع في 361 صفحة يشتمل على المقالات التي نشرتها صحيفة البصائر
ـ (ندوة الفرسان) كراسة جمع فيها مجموعة من أشعار نخبة من الشعراء كتبها والله أعلم خلال إقامته في سجن بوسوي بين 1956 و1959م وقد نشرت بمجلة (الرواسي) التربوية الصادرة بباتنة في أعدادها 02, 03, 04
ـ مقالات وحوارات في مختلف الجرائد والصحف
المخطوط منها : ـ (تساؤل وأمل) ديوان شعر جمع فيه شعره الحديث
ـ (كنوزنا) كتاب في حوالي 300 صفحة يحتوي على تراجم لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم
الدراسات الجامعية التي تناولته :
ü د. أحمد زغينة , اهتمّ به كثيرا في أطروحته الجامعية (شعر السجون في شعر الجزائر 1954-1962) والتي نوقشت بمعهد الآداب واللغة العربية بجامعة باتنة
ü الأستاذ صالح بن علية أعدّ رسالة تخرّج لنيل شهادة الليسانس حول ديوان الشيخ بعنوان (دراسة موضوعاتية فنية لديوان أحمد سحنون)
ü ويعطف منذ سنوات الأستاذ الفلسطيني محمد عبد الهادي من جامعة محمد خيذر ببسكرة على إنجاز رسالة دكتوراه دولة في الأدب الحديث حول حياة وأعمال الشاعر أحمد سحنون
ü (شعر السجون عند أحمد سحنون) مذكرة تخرج من إعداد الطالبة إيمان خلفاوي وإشراف أ\حميد قبايلي
ü كما اهتمّ كبار الباحثين بشعر الشيخ أحمد سحنون في إطار دراستهم للشعر الجزائري الحديث وعلى رأس هؤلاء :
  • · صالح خرفي
  • · محمد ناصر
  • · نسيب نشاوي
  • شلتاغ عبود شراد



[1] وفي بعض المراجع أحمد خير الدين

[2] اصل مادة هذا البحث كتبت على مكتبها وبين رفوف كتبها ...

[3] الكتاب من أمهات الكتب الأدبية اليسارية وهو من الروائع الأدبية العالمية ...

[4] هناك مرحلة زمنية شاغرة معلوماتيا في حياة الشيخ أحمد سحنون من سنة 1936م إلى سنة 1947م حيث كان منخرطا في الحركة الإصلاحية ولكنّنا لا نعرف طبيعة العمل الذي كان يقوم به ...إذ كيف يعقل أن يصبح عضوا في مجلس الجمعية الإداري من لم يكن له علاقة عضوية بالجمعية ونشاط فعال معها ...

[5] الديوان ص12

[6] هكذا في الأصل ولعل الصواب (إن دنا) والله أعلم

[7] المصدر نفسه ص14-15

[8] المصدر السابق ص16-17

[9] المصدر نفسه ص23-24

[10] المصدر نفسه ص25-26

[11] صحيفة الحقيقة العدد (03) الصادر بتاريخ 29\12\1993

[12] وفي رواية أخرى أنّ محاولة المستعمر هذه إنّما كانت ساعة خروجه من السجن سنة 1959 م

[13] الديوان ص261 – 262

[14] وفاة الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله كانت في 20 ماي 1965

[15] المصدر نفسه ص 254

[16] والذي يذكره بعض العارفين أنّ جمعية القيم إنّما تأسست سنة 1968 بعد إعدام سيد قطب وليس قبل ذلك والله أعلم بالحقّ والصواب

[17] وفي نفس السنة توفي علم آخر من أعلام الدعوة ورائد من رواد الصحوة في الجزائر الشيخ محفوظ نحناح رحمهم الله أجمعين

[18] سورة الرعد الآية17
 
الفصل الثاني :نظرة وجيزة عن الشعر الجزائري الحديث عموما وعن شعر أحمد سحنون خصوصا

الفصل الثاني :نظرة وجيزة عن الشعر الجزائري الحديث عموما وعن شعر أحمد سحنون خصوصا

الفصل الثاني :
نظرة وجيزة وشاملة على الشعر الجزائري عموما وشعر الشيخ أحمد سحنون خصوصا قبل ثورة التحرير أثنائها وبعدها
(فتحي بودفلة)
المراجع :
1) شعر السجون عند أحمد سحنون (مذكرة تخرّج)
2) صالح خرفي الشعر الجزائري الحديث
3) د.محمد مسوني , مدخل إلى الشعر الديني الجزائري الحديث
أوّلا : قبل ثورة التحرير
ü التبعية الفكرية والأدبية للمشرق العربي
يقول الهادي السنوسي[1] : (من منا معشر الشعراء الجزائريين ، من لم يفتح عينيه منذ انتهت الحرب الكبرى على أثار مدرسة إسماعيل صبري ، وحافظ وشوقي ، وطه حسين واحمد أمين والمنفلوطي والزيات من أفراد الرعيل الثاني ، أقول الثاني لأنهم سقوا بطبقة الشيخ محمد عبده ، وبمن التف حول من حوله من أمثال رشيد رضا وعبد العزيز جاويش وطنطاوي جوهري وعلي يوسف والمرصفي ، فكانت (الهلال)و (المقتطف)و (المنار)هذه الثلاثة على الخصوص رسل النهضة الأدبية المشرقية إلى الشمال الإفريقي ، وكان أساتذتنا لا يفتأون يتحرون لنا من منظورهم ومنشورهم ما يؤثروننا به لتثقف عقولنا وإصلاح ألسنتنا ، وتبصرنا بما توجد به أفكار المدرسة الحديثة في عالم العرب)[2]
ويقول البشير الإبراهيمي : (من نفحات الشرق):"دار الكلوم ياشرق ، فمازلنا كلما استنشقنا بك نجد الراحة والعافية ،وتظفر بالأدوية الشافية ومازلنا كلما استنشفنا ريحا استنشينا وفدك وعرارك (.......) ومازالت أفئدتنا تهوى إليك فتصافحها حرارة الإيمان وبرد اليقين وروح الأمان ، ومازالت تتحفنا مع كل بازغة منك بالنور اللائح ، والشعاع الهادي ، ومازالت يتبلج علينا من هناك في كل راجية فجر ، وتسري إلينا من صباك في كل غماء نفحات منعشة)[3]
والشيخ أحمد سحنون لم يشذ عن هذه القاعدة ولم يخرج عنها فقد ذكر جلّ من ترجم له تأثره الكبير بأديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي وإعجابه بكلّ من العقاد وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين وزكي مبارك. وغيرهم من أدباء المشرق
ü نشأ وتطوّر في رحم الحركة الإصلاحية :
يقول الدكتور محمد موسوني (جامعة تلمسان) : " إن كل من يتتبع الشعر الجزائري بوصفه واقعا فكريا وفنيا يرجّح أن تكون الحركة الإصلاحية التي عرفتها البلاد في عهد الاستعمار، في الربع الأول من القرن الماضي وعلى طول امتدادها هي المسار الحقيقي للشعر من حيث مبناه على وجه الخصوص. فالشعر في ظلها استطاع أن يعيش اللحظة والواقع بصفة عامة..."[4]
ü الاستعانة بالصحافة فلا يُعرف لشاعر من شعراء الجزائر ديوان مستقل مطبوع خارج ما ينشره في الصحف والمجلات والدوريات ...ولقد مكّنت الصحافة شعراء الجزائر من نشر قصائدهم على مستوى واسع بين جماهير المثقفين في الجزائر وخارجها ...كما مكّنتهم من التفاعل مع قرائهم سواء من خلال المنهج الصحفي القائم على التأثر والتأثير باعتبار أنّ الكاتب الصحفي يبحث دائما عن اهتمامات القارئ ليكتب أو ينظم فيها كما يحاول من خلال كتاباته التأثير في القارئ وصناعة رأيا عاما سواء كان سياسيا أو فكريا أو أدبيّا ومن أشهر الصحف التي ساعدت شعراء هذه الفترة
صحيفة الجزائر لعمر راسم 1908.
جريدة الحق الوهراني سنة 1911 له أيضا
جريدة (ذو الفقار) سنة1913 باسم مستعار هو :" ابن منصور الصنهاجي"
وصدرت قبل الحرب العالمية الأولى جريدة (الفاروق) لعمر قدور
جريدة الأقدام للأمير خالد صدرت بعد الحرب بدأت في أوّل صدورها فرنسية اللسان ثم ما فتأت أن تحولت للغة الضاد
ثمّ بدأت صحافة الحركة الإصلاحية في الظهور والانتشار والذيوع ولأنّ العدوّ الفرنسي كان يرى فيها عدوا محدقا وخطرا مقذعا عمل في كلّ مرة على إغلاقها ومنع نشرها وتقابله الحركة بإنشاء جريدة أخرى وهكذا إلى بداية الثورة المباركة
ولعلّ أوّل هذه السلسلة المجاهدة صحيفة المنتقد سنة 1925ولكن سرعان ما أوقفت بعد صدور أعدادها الأولى
الشهاب سنة 1926 مجلة أسبوعية، وفي سنة 1929 تحولت إلى مجلة شهرية
جريدة : الإصلاح سنة 1927 في بسكرة وأصدرها (الشيخ طيب العقبي )
جريدة وادي ميزاب 1926 في أواسط العشرينات أسسها الشيخ أبو اليقضان وكان رحمه الله كلما أغلق الاستعمار صحيفة استبدلها بأخرى إلى أن اصدر أخرها الفرقان سنة 1938

الإبراهيمي علق على كتاباته قائلا:"إن ما تكتبه في البصائر هو حلة البصائر"
ü مسايرة أحداث الجزائر الكبرى :
الاحتفال الفرنسي بمرور قرن على احتلال الجزائر
المؤتمر الإسلامي 1936م
أحداث 08 ماي 1945م
الاحتفالات الدينية كالمولد النبوي , عيدي الفطر والأضحى , الهجرة , بدر ...
الاجتماعات الخاصة كملتقيات جمعية العلماء واجتماعات الأحزاب السياسية
وفاة كبار رجال الجزائر وذكريات وفاتهم ....
ولعل نظرة بسيطة في شعر الشيخ أحمد سحنون وعناوين قصائده ومناسباتها تؤكّد لنا هذا
ثانيا : أثناء ثورة التحرير
الملاحظ على الشعراء الجزائريين أنّ جلّهم توقفوا عن قرض الشعر خلال ثورة التحرير ولم ينتجوا إلاّ الشيء القليل على خلاف حالهم قبلها حيث كانت قرائحهم تبدع وشاعريتهم تبزغ مع كلّ حدث جديد ...وخاصّة شعراء حركة الإصلاح ...ولعلّ من أهمّ أسباب هذا التراجع الأدبي ما يلي :
الانبهار والإعجاب الشديد بالثورة , وممّا قاله الأستاذ رمضان حينوني[5] في هذا المعنى : "...لكن علاقة الثورة بالشعر ليست دائما مطردة، فقد تعتري الشاعر أحيانا صدمة تجعله حائرا فيتوقف عن الاندفاع و التدفق، و يجلس عن بعد يترقب و يلاحظ، دون أن يقوى على تحريك لسانه المبدع، بل دون أن تسعفه الكلمات للتعبير عما يرى و يسمع. ذلك هو حال الشعراء مع الثورة الجزائرية العظيمة التي أذهلت العالم ببطولات أبنائها، و رسمت للجزائر لوحة عز خالدة لا تؤثر عليها العوامل و المتغيرات ..."
وربّما قد يكون السبب عظم الجراحات والمأساة إلى درجة يعجز الشاعر عن وصفها أو يشتغل بما من شأنه أن يخففها ويزيلها أكثر من أبيات شعر قد لا تزيد هذه الآلام إلاّ شدّةً وتفاقماً
وممّا قاله شاعر الثورة مفدي زكريا في هذا المعنى :
روعة الجرح فوق ما يحمل اللف *** ظ و يقوى عليه إعصار شاعر
وقد يكون السبب الاشتغال بالعمل الجهادي الثوري ...
أو كأنّ الثورة مثّلت بالنسبة للكثيرين مهم وخاصة شعراء الإصلاح نهاية مرحلة الجهاد باللسان وبداية مرحلة الجهاد بالسنان
ومن جميل شعر مفدي زكريا في هذا الشأن قوله :
نطق الرصاص فما يباح كلام *** و جرى القصاص فما يتاح ملام
السيف أصدق لهجة من أحرف *** كتبت، فكان بيانـــها الإبهام
وقوله أيضا :
إن الصحائف للصفائح أمرها *** و الحبر حرب و الكلام كلام
عز المكاتب في الحياة كتائب *** زحفت كأن جنودها الأعلام
خير المحافل في الزمان حجافل *** رفعت على وحداتها الأعلام
وقوله :
حقوقنا بدم الأحرار نكتبها *** لا الحبر أصبح يعنينا و لا الورق
وأمّا شاعرنا الشيخ أحمد سحنون فلعله جمع بين هذه الأسباب كلّها وقد بيّن بعضها في قصيدة " لا تطل لومي" رد بها على صاحب مقال" مالهم لا ينطقون" ما لأدباء الجزائر لا ينطقون، وقد نشرت هذه القصيدة، في جريدة البصائر في بداية الخمسينيات وهي توضّح بصدق سبب قلّة شعر أحمد سحنون الثوري ومما جاء فيها:
لا تطل لومي ولا تطلب نشيدي
أنا في شغلٍ بتحطيم قيودي
أأغني ولساني موثق
وبطوق خانق طوّق جيدي
أأغني ويدي مغلولة
وبرجلي قيود من حديد
أيغني من غدا موطنه
بين أنياب ذئاب وأسود
أيغني من غدت أمته
بعد عز الملك في ذل العبيد.
أأغني وأنا في مأتم
بعد دهر كله أيام عيد
لا أغني قبل تحرير الحمى
فإذا حررت غنيت نشيدي
لا أغني قبل أن أجني المنى
وأرى الإسلام خفاق البنود.
ولا ينبغي أن يفهم البعض أنّ هذا السكوت من قبيل الخذلان والخيانة للثورة أبداً لأنّ جلّ شعراء الإصلاح قد شاركوا في ثورة التحرير بالجهاد والنفي والسجن والتعذيب ...
بل إنّ شاعرنا كان من أوائل من بدأ بالعمل الجهادي فقد قام بتكوين تنظيم فدائي سرّي في مسجد الأمة ببولوغين سنة 1953 قبيل الثورة بقليل على غرار تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بمشاركة خالد بن يطو ومصطفى فتال ومحمد طويلبي، وحسب الدكتور أحمد زغينة في أطروحته الجامعية "شعر السجون في الجزائر" فقد استطاع مصطفى فتال لوحده أن يقوم بحوالي 145 عملية. كما أنّه أيّد الثورة وساعدها بالقول والعمل منذ بدايتها الأولى ممّا أدى إلى سجنه سنة 1956م
ثالثا : بعد ثورة التحرير
لن أطيل الحديث على هذه المرحلة وسأكتفي بالقول أنّ الشعراء انقسموا فئات وأشتاتا فمنهم من سار في فلك النظام ومنهم من عارضه , منهم من اتجه اتّجاها علمانيا بمختلف أطيافه (الاشتراكية , الليبرالية , القومية ...) ومنهم من سلك سبيل الإسلام ومنهم من توسّط حيث لا ينفع التوسط فادّعى لنفسه مذهبا يجمع - زعما - بين إسلام الجزائر والحداثة والعصرنة وسموا ذلك وطنية ...
أما عن شاعرنا الشيخ أحمد سحنون فقد اشتغل خلال هذه المرحلة بالإمامة والخطابة ولم يترك الشعر قطّ وقد اتّسم إنتاجه خلالها ببعض الخصائص التي ميّزته عن باقي المراحل الأخرى لعلّ من أهمّها :
التنوع الكبير في موضوعاته
غلبة الاتجاه الإسلامي الدعوي على إنتاجه
التركيز على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله وتعطيل شرع الله
التركيز على قضايا الأمة الإسلامية (فلسطين , مصر , قصائد خصّ بها مجموعة من علماء الإسلام...)
ولننقل ها هنا نماذج ممّا جادت به قريحته خلال هذه المرحلة :
من روائع ابتهالاته ما فتح به ديوانه وجعله كالمقدمة له قوله في قصيدة (ابتهال)[6]
يا ملهما لروائع الشعر يا موحيا بخوالد الفكر
يا مودع الإعجاز في الذكر يا مبدع الرهبة في البحر
يا موجد البسمة في الفجر يا خالق الفتنة في الثغر
هب لي خيال الشاعر الحرّ وقوة التحليق كالنسر
وقدرة الغوص[7] على الدّر لعلني أظفر بالسر
وفي قصيدة (إلى القارئ)[8]
يا قارئي يا صديق ديواني يا ملهمي يا أداة إحساني
قصيدة (سلمان منا أهل البيت)[9] وممّا جاء فيها :
أعظم شيء به تهنّا قول الرسول: سلمان منّا
سلمان من صفوة كرام عاش لدين الإسلام ركنا
موطنه فارس ولكن بموطن الروح كان يعنى
وبمناسبة مقتل سيد قطب رحمه الله قال قصيدته المشهورة والتي عنون لها (ما ذا جنى قطب؟)[10]
ألمّ بنا من فاجع الهمّ ما جلا وحلّ بنا من فادح الظلم ما حلا
وأصبح مرمى للأذى كلّ مؤمن وذلّ من الأحرار من لم يكن ذلا
وديست كرامات الرجال وأزهقت نفوس لها الصف الأمامي في الجلى
وأصبح حكام البلاد شرارها إذا ما تولوا أهلكوا الحرث والنسلا
وعاث فسادا كلّ من نال رتبة وحاد عن الإسلام من لم يحد قبلا
أيقتل قطب أي خطب مزلزل وأيّ مصاب حلّ بالأمة الثكلى
أيعدم قطب كيف يقبل مسلم بأن يفقد الإسلام قائده الأعلى
أتشنق مصر خير أبنائها حجى وتقوى وأخلاقا فما أفضع القتلا
أتخنق مصر مجدها وتدوسه لقد عدمت مصر الكياسة والعقلا
وماذا جنى قطب لتزهق روحه ويشنق أين العدل؟ قد شنقوا العدل
وما ذنب قطب غير إيقاظ قومه ونشر تعاليم الحنيفية المثلى
لقد فقد الإسلام خير رجاله ومن لم نجد بين الدعاة له مثلا
قصيدته الرائعة والتي نظمها بمناسبة نقل رفات الأمير عبد القادر من سوريا للجزائر والتي عنونها (يا أميرا على القلوب)[11] وممّا جاء فيها :
يا أميرا على القلوب ويا عنوان فضلٍ وحكمةٍ وسدادِ
ومثالا من البطولة والمجد ورمز الفدى والاستشهادِ
وفي الذكرى الثانية لوفاة الشيخ البشير الإبراهيمي سنة 1967 قال عليه رحمة الله :
تبّاً لدنيا ترفع الأندالا وتحارب العظماء والأبطال
وتبارك المتلونين وتحتفي بالخائنين وتكرم الجهالا
وتسوم أهل الفضل جحد جهودهم وجهادهم وتخيب الأمالا
النبل فيها مهدر ومطارد والعدل أبعد ما يكون منالا
وعلى الهوان بها أقام دووا النهى لم يلقى ذو أدب بها إقبالا
يا ويح حظ المسلمين أكلما بان النجاح لهم يؤول خبالا
فجعوا بمن موت المكارم موته وحياته تهب الحياة كمالا
ويعيد للفصحى نضارتها التي كانت بها العليا تتيه دلالا
فقد البشير أحال لون صاحبها ليلا يمدّ على الوجود ضلالا
لا كنت يوما نعيت لنا العلا لما نعيت الضيغم الرئبالا
قصيدة (القرآن والسلطان)[12]
ما أحوج القرآن للسلطان لو آمن السلطان بالقرآن
وقصائده عن فلسطين ومصر والمغرب الإسلامي ومختلف قضايا الأمة العربية والإسلامية والتي منها:
(فلسطين)[13] (من وحي المأساة)[14] (فلسطين إنّا أجبنا النداء)[15] (يا شباب النيل)[16] (وفد العروبة)[17] (المغرب العربي)[18] (نحن نسل الهدى)[19]
قصائده التي نظمها بمناسبات دينية نذكر منها (هنا ولد الإسلام)[20] و(يا لها من أمنية أحيت مواتي)[21] نظمهما بمناسبة حجه وزيارته للبقاع المقدّسة وله(في ذكرى الهجرة )[22] و(في ذكرى الإسراء والمعراج)[23]

[1] جزائري من أدباء النهضة في الجزائر ترجم لشعراء عصر النهضة ولد سنة 1902 توفي 1974

[2] صالح خرفي , الشعر الجزائري الحديث ص15 (نقلا من شعر السجون عند أحمد سحنون)

[3] عبد الله خليفة ركيبي. قضايا عربية في الشعر الجزائري المعاصر . ط3 . الدار العربية للكتاب. ليبياـ تونس 1977 ص: 19 (نقلا من شعر السجون عند أحمد سحنون)

[4] د. محمد موسوني جامعة تلمسان , مدخل إلى الشعر الديني الجزائري الحديث

[5] رمضان حينوني , الشعر الجزائري وثورة نوفمبر

[6] الديوان ص9

[7] في الأصل (الخوص)

[8] المصدر نفسه ص10

[9] نفسه ص296

[10] المصدر السابق ص 261 – 262

[11] المصدر نفسه ص 259 – 260

[12] المصدر السابق ص140

[13] نفسه ص128

[14] نفسه ص130

[15] نفسه ص132

[16] نفسه ص187

[17] نفسه ص182

[18] نفسه ص117

[19] نفسه ص 134

[20] نفسه ص 231

[21] نفسه ص 234

[22] نفسه 203

[23] نفسه ص205 – 206
 
الفصل الثالث: الخصائص الفنية والموضوعية في شعر أحمد سحنون

الفصل الثالث: الخصائص الفنية والموضوعية في شعر أحمد سحنون

الفصل الثالث : الخصائص الفنية والموضوعية في شعر أحمد سحنون
(فتحي بودفلة)
امتاز واتّصف أدب الشيخ أحمد سحنون بمجموعة من الخصائص والميزات لعلها بمجموعها انعكاس للبيئة التي نشأ وعاش فيها الشاعر ابتداء بأسرته المحافظة إلى شيوخه الذين اتّسموا بالتقليد إلى وضع الجزائر المزري تحت وطأة الاحتلال مرورا بمقتضيات الانتماء للحركة الإصلاحية فالثورية ثمّ الدعوية ....وغيرها من العوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية والفنية التي أثّرت في أدب الشيخ سحنون أيّما تأثير وسأحاول ها هنا إبراز هذه الخصائص والميزات بشكل مقتضب وسريع :
1. الاتّجاه المحافظ والمنحى التقليدي في شعر أحمد سحنون :
من حيث الشكل لم يخرج عن القصيدة العمودية بكلّ مقتضياتها العروضية إلاّ موشحات قليلة هي معدودة في زمرة التراث الشعري القديم كقصيدة (اكسفي يا شموس) والتي نظمها في رثاء رائد الإصلاح الجزائري الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس حيث يقول في ملتزمتها :
اكسفي يا شموس واحتجب يا قمر
واطلعي بالنحوس يا نجوم القدر
وأطيلي العبوس يا ثغور الزهر
قد غدا باديس مودعا في الحفر...
ومن جهة الأغراض بقي محافظا على الأغراض القديمة ولم يبرحها (مدح , فخر , وصف , رثاء .....ولم يخرج إلى شيء ممّا استحدثه شعراء العصرنة والحداثة ...
حتى القوالب التعبيرية والصور البيانية لم تخرج عن معتاد الشعر العربي القديم
ولعل سبب ذلك أنّ أدباء الجزائر يومها والذين انطلقوا من واقع يكاد يخلو من الشعر والأدب بل ومن العلم والفكر حتى ...لم يجدوا أمامهم إلاّ تراثهم القديم وتجربة إخوانهم في المشرق التي غلب عليها في بداية النهضة النزعة التحفظية ...أمّا التجديد فلم يعرفه الأدب الحديث إلاّ نتيجة التفاعل مع الغرب أوّلاً والتأثر المفرط بهم ثانياً ...وشعر الشيخ أحمد سحنون وأدباء الحركة الإصلاحية إنّما أرادوا به العودة بالشعب إلى تراثه ومورده الأصلي وتمييزه عن الغرب المحتلّ الذي يريد فرض ثقافته ومنهجه في الحياة...فكان طبيعي أن يتّسم شعر الشيخ رحمه الله بالمحافظة والتقليد في مقابل التجديد المتعلق بالغرب غالبا ....وقد كان الشيخ رحمه الله متحفظا بل ورافضا لكلّ ما يأتي من وراء البحر ويعتبر الوقوف أمامها ودون تأثيرها في مبادئ ومفاهيم وعقائد الشعب الجزائري معركة حاسمة ومحتدمة يخوضها شعراء الإصلاح فهو يقول في مقدمة كتابه (دراسات وتوجيهات إسلامية) ما نصّه "...لقد كانت معركة وكانت جنود وكانت أسلحة وكان جنود هذه المعركة العلماء والمعلمين والطلاب , وكانت الأسلحة هي المقالة والقصيدة والنشيد والخطبة والدرس كما كان من الأسلحة الإيمان بالله وبحقّ الشعب والحماس لهذا الحقّ والغيرة عليه والحقد المتأجّج في صدر كلّ مسلم على كلّ ما هو أجنبي ودخيل من الأشخاص والمبادئ والعادات والمذاهب..."[1]
2. إسلامية أدب الشيخ أحمد سحنون :
إنّ الشاعر قبل أن يكون أديبا يقرض شعرا أو يكتب نثرا ...ينتقي ألفاظه ويتخيّر معانيه وأفكاره, هو إنسان مخلوق ضعيف عابد لربّه من حيث شاء أو أبى ...مسئول يوم القيامة عن كلّ صغيرة وكبيرة من أفكاره وأقواله وأعماله ...فلن يشذّ الشاعر أبداً عن حقيقة الإنسان ولن يسلم الشعر قطعا من السؤال ...
وكما أنّ الإنسان مطالب بالتزام تعاليم ربّه , يأتمر بأوامره ويجتنب نواهيه كذلك الشاعر ينبغي أن يكون شعره ملتزما بتعاليم ربّه يمجّد فيه وينوّه بما أمر ويذمّ ويستقبح ما نهى...
وقد كان الشيخ سحنون ـ كما عرفه العام والخاص ـ الإنسان الذي عاش لدينه بكلّ ما فيه بجهده ووقته بماله ونفسه بفكره ورأيه .... وكان أيضا الشاعر الذي تمثل شعره تعاليم الإسلام , قوّته وسماحته , عزّته وطيبته , جهاده ودعوته ...
يستفاد هذا العنصر من خلال استقراء ديوان الشاعر كلّه فإنّه لم يخرج قطّ عن تعاليم الإسلام بل إنّ إطلالة فيه ولو بسيطة وسطحية كافية لإصدار حكما يقينيا بإسلامية أدب الشيخ أحمد سحنون رحمه الله ...فقد استفتحه بدعاء وابتهال لله سبحانه وتعالى ممّا جاء فيه :
يا ملهما لروائع الشعر يا موحيا بخوالد الفكر
يا مودع الإعجاز في الذكر يا مبدع الرهبة في البحر
يا موجد البسمة في الفجر يا خالق الفتنة في الثغر
هب لي خيال الشاعر الحرّ وقوّة التحليق كالنسر
وقدرة [الغوص] على الدرّ لعلني أظفر بالسرّ[2]
فليس شاعرنا من الذين يعتقدون في شياطين الشعر يلهمون أصحابهم ومواليهم بفنون الكلام وبديع الأشعار ... لا بل هو الله سبحانه وتعالى (الملهم لروائع الشعر) هو (مبدع) الكون بإعجازه وجماله ...منه فقط يلتمس الشاعر ويطلب قوة قريحة (كقوّة تحليق النسر) وخيالا دافقا جامحا (كخيال الشاعر الحرّ) ومنه فقط يسأل الشاعر أن يمكّنه من (درر) الألفاظ وغررها (وأسرار) المعاني وبديعها ...
و يستطيع أن يلتمس القارئ بإطلالة أخرى في عناوين قصائد الشيخ أحمد سحنون ومناسباتها هذا الأدب الإسلامي الذي شمل الديوان كلّه ... فتوجيهاته وإرشاداته الإسلامية والوطنية في قصائده الإصلاحية والتربوية من نحو (إلى المعلم) التي يقول فيها :
حطه بالإسلام من كلّ أذى واحمه بالخلق من كلّ فساد
واهده بالعلم فالعلم سنى ومن القرآن زوده بزاد
صغه للإسلام نبراس هدى ومثالا من ذكاء واجتهاد
(إلى التلميذ) والتي جاء فيها :
اجعل العلم دليلا وهدى إنما الجهل دجى والعلم هاد
واقرأ القرآن واعرف هديه إنّه نهج فلاح وسداد
خالق الناس بخلق حسن فجمال الخلق عنوان رشاد
(كشاف) وممّا قاله فيها :
كشاف أنت مثال من الخلال الرفيعة
لك النشاط شعار والجدّ فيك طبيعة
وفيك حلم وعطف على النفوس الوجيعة
وفيك رقّة طبع والصبر عند الفجيعة
فهذه نماذج من أشعاره التوجيهية لا نحتاج إلى كبير جهد لكي نلتمس فيها أدبا إسلاميا رفيعا سواء من حيث المضمون والموضوع (قراءة القرآن , الخلق الحسن , الصبر , الحلم ,العلم ...) أو من حيث الشكل كذلك (الاقتباس الظاهر من الكتاب والسنة سواء من حيث الألفاظ المستعملة أو التراكيب كذلك)
قصائده التي خصّ بها جمعية العلماء المسلمين ورجالاتها وهي جمعية كما هو ظاهر من اسمها ومن تاريخها ومبادئها ذات صبغة إسلامية صرفة من نحو (جمعية العلماء أدّت دورها) (بوركت يادار) (عبد الحميد ابن باديس) (روح باديس) (مات ابن باديس) (اكسفي يا شموس) ....
القصائد التي قيلت في مناسبات دينية أو تناولت شخصيات إسلامية من نحو (سلمان منا أهل البيت) (عظمة محمد صلى الله عليه وسلم) (هنا ولد الإسلام) (يا لها أمنية أحيت مواتي) القصيدتين في التغني بالحرمين الشريفين ووصف مناسك الحج (يا أملا تجدد) بمناسبة المولد النبوي ...(شبيبة البرج) و(تعالوا إلى المسجد) قصائد قالها بمناسبة افتتاح بعض المساجد
و له في فلسطين ومأساتها وجراحاتها (فلسطين) (من وحي المأساة) (فلسطين إنا أجبنا الندا) (نحن نسل الهدى) ...
وفي رثاء أعلام ورجال الإسلام في مختلف البلاد الإسلامية كسيد قطب ومحي الدين القليبي التونسي والمنصف باي تونس ...
كلّ هذا من شأنه أن يأكّد إسلامية الأدب عند الشيخ أحمد سحنون .
3. الاتجاه الإصلاحي والدعوي في شعر الشيخ أحمد سحنون:
وهي ميزة قريبة من التي قبلها ولكنّها أخصّ منها , فالأدب في مفهوم الشيخ أحمد سحنون رسالة هدفها الدعوة والإصلاح ...والأديب ينبغي أن يرتقي بالقارئ بواسطة شعره إلى المسؤولية الجادّة أوّلاً ثمّ إلى العمل المستبصر ثانيا بما يمليه عليه من توجيهات دينية أو وطنية أو أدبية
فقرض الشعر عند الشيخ أحمد سحنون ونظمه ليس لذات الشعر أو لأجل الجمال والفنّ أو للتّنفيس والتعبير عن خوالج النفس ومكنوناتها لا غير بل للتوجيه والإصلاح هذه هي مهمّة الشعر والشاعر
يقول الشيخ رحمه الله في مقدّمة ديوانه : "...إنّني لا أرضى عن شعري لأنّني لا أراه معبّرا عمّا أشعر به من صور وأخيلة ..."[3] فشعره ـ كما يراه ـ لم يرتقِ إلى درجة التعبير الصادق أو المطابق لما تكنّه نفسه من أحاسيس ومشاعر ولهذا السبب فهو لا يقرضه من أجل التعبير عن تجربة شعورية وإنّما لمهمة أجلّ وأعظم هي التوجيه والإصلاح والتغيير وممّا قاله ها هنا :"إنّه [أي شعره] كان يُعتبر شعرا له أهميته ومنزلته في فترة حماسة سبقت فترتنا الحاضرة هذه , وكان فيها ـ حقّاً ـ حاديا في قافلة حركتنا الفكرية الإصلاحية التي سبقت الثورة ومهّدت لها فكانت أساسها ..."[4] فشعره إذًا إنّما يمثل حاديا للحركة الإصلاحية بمعنى معلما تمشي وفقه ومُعينا يأخذ بيدها ومشجعا يشحذ همم أصحابها...
وقد كان عليه رحمة الله لا يكتب ولا ينظم إلاّ في إطار ما يمليه عليه منهج جمعية العلماء ووفق خطّتها وما يحقق أهدافها وممّا قاله الشيخ رحمه الله في هذا المعنى : "...إنّ كلّ شيء كنّا نعمله لهذا الشعب وكلّ ما نبذله لهذا الوطن , إنّما كان بوحي من روح هذه الجمعية ووفق الخطّة التي رسمتها لتطهير هذه الأرض العربية المسلمة من وجود الاستعمار ومن سيطرة الأجنبي ومن عار الحكم بغير ما أنزل الله ..."[5]
ومن قصائده الإصلاحية (إلى المعلم) والتي جاء فيها :
هات من نشئ الحمى خير عتاد وادّخر لغد جند جهاد
هات نشئاً صالحا يبني العلا ويفكّ الضاد من أسر الأعادي
هاته نشئاً قويا باسلا إن دجا خطب يكن أوّل فاد
وفي قصيدة (إلى التلميذ) نفس التوجيهات الإصلاحية حيث يقول :
وامتثل أمر مربيك وكن قبسا من روحه شهم الفؤاد
اجعل العلم دليلا وهدى إنما الجهل دجى والعلم هدى...
وليكن حاديك تحرير الحمى إنّ تحرير الحمى للحرّ حاد
هذه غايتك المثلى التي إن تحصلها تنل كلّ مراد
وقد طُبعت هاتان القصيدتان في كراسة واحدة ووزّعت في مدارس الجمعية على معلميها وتلامذتها باقتراح من الكاتب العام للجمعية السيّد توفيق المدني ...
4. غلبة النزعة الجماعية :
يكاد شعر الشيخ أحمد سحنون تغلب عليه النزعة الجماعية فجلّ ما كتب إنّما هو متعلق بأحاسيس الشعب وبشعوره ولم يخرج عن هذه القاعدة المطردة إلاّ القليلُ من القصائد التي نلمس فيها شيئا من وجدان الشاعر وأحاسيسه الخاصة كمثل قصيدة (إلى ولدي رجاء) و (عصفورة) التي كتبها لابنته فوزية وقصيدة (سلمان منّا أهل البيت) نظمها بناسبة ختان حفيده سلمان ...وحتى هذه القصائد التي تبدو ذات الصبغة فردية لم تخل من النزعة الجماعية ...ففي قصيدة ولدي رجاء إنّما يريد من ابنه أن يكون خادما لدينه ووطنه مستشعرا لمأساته عارفا بهمّه ومحيطا بغمّه ... حيث يقول :
متى أرى لك حظا كوجهك الوضاء
متى أراك مثالا من همة ومضاء
متى أراك دليلا يقود للعلياء
وللجزائر درعا تردّ كلّ الأعداء
متى أراك حساما لها على الأعداء
متى اراك فداء لها وأيّ فداء
وفي قصيدة سلمان أشاد بالإسلام وأنّه هو وحده الذي بلغ بسلمان ذلك المبلغ الرفيع حتى أصبح من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعظم شيء به تهنا قول الرسول سلمان منا
سلمان من صفوة كرام عاش لدين الإسلام ركنا
موطنه فارس ولكن بموطن الروح كان يعنى
فهو كما ترى حتى في قصائده الشخصية ينزع هذه النزعة الجماعية حتى في حديثه عن ختان حفيده يدرج الإسلام والدين والتقوى وفي اشتياقه لولده يدرج موضوع الجزائر والوطن والجهاد والفداء ...
وإذا كان كثير من النقاد يعتبرون هذا ضعفا في الشاعرية لأنّها لم ترقى بصاحبها إلى عكس وتصوير خفقان وجدانه الخاص ولا إلى التعبير عن تجاربه الشعورية الفردية فبقيت سجينة شعور الآخر وتجارب الغير ...
ولكن في حقّ شاعرنا الشيخ أحمد سحنون وشعراء الإصلاح والثورة والدعوة... لا ينبغي أن نسلّم بهذا الطرح الذي يجعل من الشعور الفردي منافسا ومناقضا للشعور الجماعي... إنّ أمثال الشيخ أحمد سحنون ـ والذي وصفه غير واحد بأنّه أمة ـ لا يعيشون لأنفسهم بل لأمتهم وقضيتهم , فشعورهم الفردي ووجدانهم ذاب في شعور الأمة ووجدانها وأحاسيسهم هي أحاسيس مجتمعاتهم التي يعيشون من أجل خدمتها ...فلا تعجب إن انصبّ اهتمامهم كلّه على تصوير آمال الأمة وآلامها لأنّهم في حقيقة الأمر إنّما يصورون آمالهم وآلامهم الخاصة بهم لا غير ...
5. جلالة مواضيع الشيخ أحمد سحنون :
فهو لا يكتب إلاّ في المواضيع الجليلة وذات الأهمية العظيمة , مواضيع تشغل اهتمام النّاس متعلقة بمصيرهم ومستقبلهم بماضيهم وتاريخهم متعلقة بدينهم وأوطانهم وبكل ما له شأن في حياتهم ولا يلتفت إلى الحوادث اليومية العادية ولا إلى الأشياء الصغيرة التي يحتقرها جلّ النّاس ولا يهتمون بها والتي يمكن للأديب الإسلامي من خلال أحاسيسه الدافقة وملاحظاته الدقيقة أن يصنع منها أدبا رفيعا يبثُّ فيها الحياة بتعظيم ما كان يظهر صغيرا وحقيرا وتجديد ما كان يبدو قديما وبليدا ...
ويبدو ـ والله أعلم ـ أنّ الديوان كلّه التزم بهذه السمة اللهمّ إلاّ قصيدة واحدة فيها شيء من الخروج عن الأمور الجليلة والعظيمة ؛ قصيدة (عصفورة) والتي وقف فيها ـ مستشعرا تجربة أبي فراس الحمداني ـ يتأمّل في عصفورة دخلت عليه زنزانته لعلّها كانت تصوّتُ من الخوف أن وجدت نفسها في هذا المكان المظلم الضيق...فإذا بالدخول المفاجئ يتحول في قصيدة الشيخ إلى زيارة لطيفة وإذا بصوت الخائفة يتحول إلى غناء ساحر يذكره بعصفورة أخرى هي عصفورته هو هي ابنته (فوزية) تشبهها في روعة جمالها في غنائها وتغريدها في لعبها ووثبها في صورتها وشكلها فيطلب من عصفورة السجن أن تكون رسولا صادقا لعصفورته تحمل لها وَلَهَ الوالدِ وحبَّه وتحيّتَه ونصيحته بالصبر والرجاء والأمل ...
عصفورة مرت على غرفـــــــتى تشدوا بلحن ساحر النبــــــرة
والناسُ صرعى النومِ لم يفطــــنو كأنهم ـ بالنوم ـ في ســـــــكرة
مرت تغنّى فا ستثارت جـــــــوى قلبي وأشواقى لعصفورتــــى
عصفورة تشبهها روعــــــــــة في الوثب والتغريد والصورة
عصفورتي إن جئت أرض الحــمى وشمت بيتا قد حوا حبيبـــتي
كوني رسولا صادقا للتـــــي من [بينهم] تدعى ب(فوزيـــة)
وبلغيها من أب والـــــــه تحية الطل إلى الزهـــرة
قولي لها لا تهلكي بالأســـى ولا يذب قلبك بالحســــرة
وابتسمي كالزهرة لا تعبســي واحتفلي بالعيد في غبطــــة
أبوك مازال حليف الوفــــاء حاشاه أن نسيان في الغربـــة
وسوف تأتي ساعة الملتــقى لابدّ للغائب من أوبـــة
6. شعرٌ اصطبغ بالمناسبات :
قد يرى البعض من النقاد أنّ هذا العامل يمثل نقصا وثلما في أدب الشيخ رحمه الله لأنّ المناسبات من شأنها أن تقدح في صدق عاطفة الأديب وشاعريته ...ولكن هذا الأمر إنّما يكون صحيحا في المناسبات التي تفرض على الشاعر فرضا ....
أما المناسبات المقصودة في شعر الشيخ أحمد سحنون فهي المناسبات التي عاشها بقلبه وقالبه هي المناسبات التي لها علاقة بوطنه وبقضيته الإصلاحية والدعوية بدينه وبعادات أهله ... هي مناسبات امتزجت بروحه ووجدانه فانفجرت نظما و شعرا وخطبا ونثرا...
وفي هذا الخصوص يقول شاعرنا : "...وكانت كلّ مناسبة كبيرة أو صغيرة تستغل لتعبئة الأفكار والعواطف بهذه الأفكار والعواطف وشحنها بكلّ متفجرات الحقد والكراهية لهذا المتطفّل البغيض والضيف الثقيل الذي فرض نفسه وحكمه ولغته وعاداته على هذا البلد المسلم المتحمس لإسلامه ليقضي على شخصيته وينسيه لغته ودينه وكلّ مقوماته...كانت مناسبات الزواج والختان والاحتفالات بالمولد النبوي ورأس السنة الهجرية وليلة السابع والعشرين من رمضان وما إليها , هي المجالات التي تلقن فيها الأمة ما يجب أن تعرفه من مبادئ وتقوم به من أعمال وتتخذه من وسائل للتخلّص من هذا الكابوس الخانق الجاثم على صدرها الذي هو الاستعمار..."[6]
وجلّ قصائد ديوانه افتتحها الشاعر بكلمة وجيزة يبيّن من خلالها المناسبة التي ألقيت فيها وهي في الغالب مناسبات دينية كالمولد النبوي ورمضان وموسم الحجّ ...ومناسبات شخصية كموت عَلَمٍ أو صديق (وهي كثيرة) أو زيارة عالم أو وفد أو زواج أو ختان أو مناسبات متعلقة بالحركة الإصلاحية كافتتاح مدرسة أو مسجد أو صحيفة أو مقرٍّ أو مناسبات وطنية كعقد مؤتمر أو ملتقى أو ذكرى ...وغيرها من المناسبات[7]
7. عدم التقيّد بمذهب أدبي أو مدرسة فنّية معيّنة :
فتجد في شعره ما ينزح نحو الرومانسية وكثير منه فيه شيء من الواقعية وعامته كلاسيكي.
ورومانسية الشيخ أحمد سحنون إنّما تتمثل في أفكاره التحررية ودعواته التجديدية كما تظهر في تسخيره لعناصر الطبيعة يخاطبها يشكو إليها ويأخذ صوره منها...
فمن ذلك مخاطبة البلابل وتسخير عنصر الليل والصباح والنجوم في نحو قوله :
أصدحي يا بلايل الأرواح لعناق القلوب والأرواح
انشدي لطلوع نجم من الصحب نشيد السرور والارتياح
ينجلي الهم باجتماعي بإخواني كما ينجلي الدجى بالصباح[8]
وقوله :
كل شييء نسيته يا بـلادي وتلاشت أطيافه من فـؤادي
غير ذكراك فهي تكمن في قلبي كمون الّلظى بقلب الرمـاد والشذا في الزهور والحب فـي الأحشاء والكبرياء في الأطواد
فإذا ما بدا الصباح تجـلّت أغنيان سحرية الإنشــاد
وإذا ما دجا الظلام تراءت في طوف تحوم حول وتسادي
وإذا ما الرياض أبدت حلاّها قلت حسن من (الجزائر) بـاد
وإذا ما النجوم أبدت سناها خلته سحر نورك الوقاد
وإذا صافح النسيم حبيبتى خلته هب من نسيم بـلادي
ومن ذلك قصيدته (العصفورة)
عصفورة مرت على غرفتى تشدوا بلحن ساحر النبرة
والناس صرعى النوم لم يفطنو كأنهم ـ بالنوم ـ في سكرة
مرت تغنّى فا ستثارت جوى قلبي وأشواقى لعصفورتى
وواقعية الشيخ أكثر ما تتمثل في حديثه عن آلام أمّته وعن معاناتها عن الحزن والفقر عن الظلم والاستبداد ...فمن ذلك قصيدة (المبعد) والتي جاء فيها:
أيها المبعد ما أعظم صبرك
أنت قبل الموت أودعت قبرك...
أيها المبعد قد طال غيابك
وتمادى عن محبيك احتجابك
أي يوم يا ترى فيه إيابك...[9]
ومثل ذلك قصيدة (من وحي المأساة) (الإخوان بلسم الأحزان) (أين يا صدّاح) (يا لها غربة)
كما تظهر واقعية الشيخ أحمد سحنون من خلال تعرضه لجزئيات واقع أمته ويومياتها بكلّ تفصيلاتها ومن ذلك وقوفه عند كلّ عيدٍ من أعيادها وكلّ حدثٍ صغير أو كبير من أيامها ومجرياتها فتحدث عن المعلم والتلميذ وعن الكشاف والشاعر وعن ذكرى المولد والهجرة ورمضان وليلة القدر والعيد والحجّ والإسراء وبدر وعن المؤتمر الإسلامي وثورة التحرير وجميع المناسبات المتعلقة بجمعية العلماء المسلمين وحرب 67 وحرب 73 ونقل رفاة الأمير عبد القادر و نعى ورثى كبار أعلام الجزائر ومشاهير الأمة العربية والإسلامية وتحدث عن السجناء والمنفيين والمبعدين كما تحدث عن الفقر والجهل عن الظلم والاستبداد عن الثورة والإصلاح وعن الدعوة والإرشاد...
ولعلّ شكل قصائده وأغراضها واقتباساته من القرآن والسنة واستشهاداته بالموروث التاريخي والحضاري كلّ ذلك من كلاسيكيته ...
وهكذا ينبغي للشاعر الإسلامي أن يكون ...لا يتقيّد بمذهب أدبي أو فكري بشري إلاّ بقدر ما يخدم ذلك المذهب أو الرأي مهمته في الأدب والحياة ...
8. أسلوبه الخطابي والوعظي :
وهو أسلوب يبدو أنّه انعكاس لمحيط الشاعر وظروفه ...فالخطيب المتفوّه والإمام المرشد الواعظ لمدّة أكثر من ستين سنة تردّد على مساجد عدّة وخطب ووعظ في مناسبات شتى لا بدّ وأن يؤثر ذلك في شعره ويظهر في أسلوبه وفي مختارات ألفاظه وأفكاره ...
ومن مظاهر هذا الأسلوب كثرة الاقتباس من القرآن والسنّة
والشواهد على ذلك كثيرة جدّاً نكتفي ها هنا بذكر شاهدين اثنين اقتبس الشاعر فيهما من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قل نقل نص الحديث كلّه
فقصيدة (سلمان منا أهل البيت) وقوله فيها :
أعظم شيء به تهنا قول الرسول سلمان منا
ومثلها قوله في قصيدة (إلى التلميذ) :
خالق الناس بخلق حسن فجمال الخلق عنوان الرشاد
ويكفي العودة إلى الشواهد المذكورة في غير هذا المطلب وهذا المبحث ليلاحظ المتأمّل أنّ الاقتباس ظاهرة مطّردة في شعر الشيخ أحمد سحنون ...
ومن مظاهره كذلك كثرة الابتهالات والاستغاثة و الوعظ والدعاء في أشعار الشيخ أحمد سحنون ومن شواهد ذلك ما يلي:
رباه لم تبق لنا حيلة ومالنا حول ولا قوة
ومالنا غيرك من عاصم يعصمنا من هده الهوة [10]
وقوله في قصيدة (ربي) :
رب إنا إلى حماك التجأنا ربي إنا على نداك اعتمدنا
رب إنا منا إليك فررنا رب إنا تبنا إليك وعدنا[11]
ومن مظاهره كذلك استعمال الأساليب الخطابية كالنداء الذي لا تكاد تخلو منه قصيدة من قصائده
فمن ذلك (يا رجاء الضاد)[12] (كشاف يا ابن الطليعة)[13] (يا أخا الوحي)[14] (يا بني الضاد)[15]
ومن مظاهر هذا الأسلوب استعمال التراكيب التفاعلية (التفاعل مع القارئ) من استفهام وتعجب وأمر ونهي ونحو ذلك
ولاحظ معي قصيدة (إلى المعلم)[16] يكاد لا يخلو بيت فيها من أفعال الأمر والنهي
(هات من نشء , وادّخر لغدٍ , هات نشئاً , هاته نشئاَ , حطه بالإسلام , احمه بالخلق , اهده بالعلم , زوده بزاد , صغه للإسلام , سرْ به , فاسقه من ينابيع المعالي , فاهده نهجه, لا تقل , لا تضق , لا تهلك ....)
(كتبه فتحي بودفلة)

[1] دراسات وتوجيهات إسلامية , الشيخ أحمد سحنون , المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر الطبعة الثانية 1992م الصفحة 9

[2] الديوان ص9

[3] الديوان ص5 ,6

[4] المرجع نفسه ص6ـ7

[5] دراسات وتوجيهات إسلامية ص9

[6] دراسات وتوجيهات إسلامية ص10

[7] انظر على سبيل المثال (البصائر تتكلم) ص11 (كشاف) ص16 ـ 17 (إلى الشاعر) ص18 ـ 19 (جمعية العلماء أدّت دورها) ص25 ـ 26 ـ 27 (بوركت يا دارُ) ص28 ـ 29 (سلمان منا أهل البيت) ص296 (ما ذا جنى قطب) 261 ـ 262 (أتونس خطبك خطب الشمال) 263 ـ 264 (مات محي الدين) 265 (يا أميرا على القلوب) 259 ـ 260 (الذكرى الثانية لوفاة الشيخ الإبراهيمي) 254 ـ (عبد الحميد ابن باديس) 243 ـ 244 (روح باديس) 245 ـ 246 ـ 247 (الذكرى الثالثة لوفاة الشيخ ابن باديس) 248 (اكسفي يا شموس) 241 (مات ابن باديس) 239 (هنا ولد الإسلام) 231 (يا لها أمنية أحيت مواتي) 234 (يا أملا تجدد) (فلسطين) 128 (من وحي المأساة)130 (فلسطين إنا أجبنا النداء) 132 (وفد العروبة) 182 (شبيبة البرج)136 (تعالوا إلى المسجد) 138 ....

[8] (الديوان) 158 من قصيدة الإخوان بلسم الأحزان

[9] الديوان 154

[10] الديوان 149

[11] المصدر نفسه 148

[12] من قصيدة (إلى التلميذ) ص14

[13] من قصيدة (كشاف) ص16

[14] من قصيدة (إلى الشاعر) ص18

[15] من قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها) ص25...

[16] المصدر نفسه ص12
 
ماهية العروبة في فكر وشعر أحمد سحنون

ماهية العروبة في فكر وشعر أحمد سحنون

الفصل الرابع : ماهية العروبة في فكر وشعر أحمد سحنون
(فتحي بودفلة)
العروبة في اللغة :
مادة (ع,ر,ب) لها ثلاثة أصول من حيث المعنى تدور في فلكها ولا تخرج عنها إلاّ على جهة الاستعارة والمجاز الأوّل : الإبانة والإفصاح , ومنه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم "الثيّبُ يعربُ عنها لسانُها..."
الثاني : النشاط وطيب النفس , كقولهم المرأة العروب الضاحكة الطيبة النفس ومنه قوله تعالى {فجعلناهن أبكارا , عربا أترابا} (الواقعة 36ـ37) قال أهل التفسير هنّ المتحبّبات إلى أزواجهن
الثالث : فسادٌ في جسمٍ أو عضو ومنه قولهم عَرِبتْ معدته إذا فسدت وامرأة عروبٌ أي فاسدة
وموضوعنا إنّما هو متعلق بالأصل الأوّل ومنه كلمة (عَرَبْ) اسم مؤنث لجنس من الناس وغيرهم عجم قيل سموا بذلك لأنّ لسانهم أبين وأفصح الألسن وقيل نسبة إلى أرضهم التي تسمى (العَرَبات) أو لأنّ أرضهم قاحلة لا ماء فيها فسموا عربا تفاؤلا بوجود الماء وكثرته لأنّ العُربُ هو كثرة الماء وهو النهر شديد الجُرْيَةِ تماما كما سموا الملدوغ سليما وقيل بل نسبة إلى يعرب بن قحطان أوّل من ملك اليمن ومنه قول الشاعر :
نحن أبناء يعربٍ أعربُ النّاس لساناً وأنضرُ النّاسِ عوداً
وقالوا الرجل العربي الثابت النسب فيهم حتى وإن لم يكن فصيحا والذي أعرب من الناس هو الفصيح وإن لم يكن من جنس العرب
وأعربت عن الشيء وأعربته وعرّبته كلّها بمعنى واحد هو التبيين والإيضاح ...
والخلاصة أنّ كلمة (عرب) اسم اختصّ بجنس من الناس يجمعهم إمّا نسب واحد هو قحطان للعاربة وذرّيّة إسماعيل عليه السلام للمستعربة أو أرض واحدة هي جزيرة العرب أو لسان واحد هو اللسان العربي المبين
والعروبة على وزن فُعُولة صيغة مبالغة يؤتى بها للتدليل على كثرة اتّصاف الموصوف بالصفة والمقصود بها ها هنا خلوص في الانتماء العربي من جهة الأرض أو الجنس أو اللغة

العروبة في الاصطلاح :
فالعروبة إذاً هي الاسم الصفة لما هو عربي يراد به خصائص هذا الجنس ومزاياه
وإذا كان هذا الاصطلاح قديما لم يخرج عن أصل معناه اللغوي فهو متعلق باللسان العربي أو بالجنس والعرق الإنساني الذي يسكن الجزيرة العربية وليس له بعد عقائدي محدّد أو حضاري متميّز فإنّه اليوم ـ على خلاف ذلك ـ في استعمال الكثيرين مصطلحا عقائديا يقابلون ويجابهون به الإسلام ويزعمون أنّ العروبة أوسع من الإسلام فهي تجمع بين المسلمين وغيرهم من مسيحيين ويهود ووثنيين ولا دينيين وأنّ الانتساب إلى الإسلام من شأنه أن يستعدي علينا غير المسلمين لأنّه دين قائم على رفض الآخر فهو يرى أنّ القوامة والحكم في الدنيا والنصر والفلاح في الآخرة لا يكون إلاّ للمسلمين ...
ويرى آخرون أنّ العربيةَ لسانٌ وأنّ العروبة إنّما هي انتساب لهذا اللسان لا غير ...ويستدلون بنحو ما ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " يا أيها الناس إن الرب واحد ، و الأب واحد ، و ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، و إنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ."
ويرى البعض أنّ العروبة متعلقة بالمنطقة الجغرافية التي ما فتئ النسّابون والمؤرخون والجغرافيون يسمونها بأرض العرب وديارهم وجزيرتهم وبلادهم ...فإن هم غادروها وهاجروا منها إلى غيرها سموهم بغير العرب كالكنعانيين والفنيقيين والأنباط والأمازيغ ...
ويعقد آخرون العلاقة بين العروبة والإسلام انطلاقا من العلاقة بين اللغة والدين فيعتبرون العروبة شعارا إسلاميا و اللغة العربية نفسها من الدين...وممّا قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى : " اللسان العربيّ شعارُ الإسلام وأهله , واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون"[1] وقال أيضا :"فإنّ نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب..."[2]
ولكلّ فريق احتجاجاته وردوده الكثيرة والتي تحتاج إلى بحث مستقلّ يستوفيها ويعطيها حقّها من الدراسة والبيان وما يهمّنا ها هنا هو محاولة البحث في معنى العروبة وفي معانيها و مفاهيمها المختلفة وتحديد موقع الشيخ أحمد سحنون منها
العروبة بين المشرق والمغرب :
إذا تقرّر أنّ العروبة اليوم غير العروبة في عصورها المتقدمة والمختلفة وأنّ هذا المصطلح لا يزال يتطوّر ويتغيّر بتغيّر الزمن أوّلا وبتغيّر نظرة المعرِّف للعرب والعربية وعلاقتهما بالعقيدة ثانيا... فإنّ هذا من شأنه أن يؤكّد لنا "ان العروبة هوية تأخذ أبعادها ومضامينها من الحضور التاريخي لأهلها " والمقصود بالحضور التاريخي حضورهم السياسي الثقافي والحضاري...وإنّ هذا التواجد والحضور قد اختلف بين المشرق العربي ومغربه اختلافا بيّنا ظاهرا نتج عنه اختلاف في تعريف العروبة ومفهومها ونظرة كلّ فريق لها...
فإذا كان المشرق العربي قد فرّق بين العروبة والإسلام لأسباب كثيرة منها ما هو عرقيّ ومنها ما هو عقائدي ومنها ما هو تاريخي... لعلّ أهمّها وجود أقليات عربية لا تدين بالإسلام , النشاطات القومية التي قادها النصارى العرب , الحروب الصليبية ومواقف نصارى العرب منها , اهتمام الدعوات الإصلاحية الأولى في المشرق العربي بالجانب القومي (الأفغاني ومحمد عبده ) ...
فإنّ المغرب العربي وانطلاقا من نفس الأبعاد يرى خلاف ذلك فإنّ العروبة ها هنا ملازمة للإسلام مرتبطة به لا تكاد تسمع إحداهما إلاّ مقترنة بالأخرى...وكثيرا ما تطلق العروبة ويقصد بها الإسلام أو يطلق الإسلام ويقصد به العروبة
وممّا قاله الأستاذ صالح خرفي مبيّنا حقيقة العروبة في بلاد المغرب العربي وعلاقتها بباقي ثوابتها: "عروبة المغرب العربي عروبة أصلية خالدة , لأنّ الإسلام كان ولم يزل المدخل التاريخي لها , أصّلها بقوة الروح وخلّدها بصلابة العقيدة , ظلّل أرضيتها بالدستور السماوي وربط مقومها الأساسي بلسان عربي مبين ..."[3]
وقول الإمام عبد الحميد بن باديس في إحدى قصائده :
أشعبُ الجزائري روحي الفِدا لما فيك من عزّةٍ عربيّة
بنيت على الدين أركانها فكانت سلاما على البشريّة[4]
وممّا قاله الشيخ البشير الإبراهيمي في هذا المجال : "...عروبة الشمال الإفريقي بجميع أجزائه طبيعية كيفما كانت الأصول التي انحدرت منها الدماء والينابيع التي انفجرت منها الأخلاق والخصائص والنواحي التي جاءت منها العادات والتقاليد وهي أثبت أساسا وأقدم عهداً وأصفى عنصراً من إنجليزية الإنجليز وألمانية الألمان ."[5]
وقد حاول المستدمر الفرنسي ولمدّة أكثر من قرن من الزمن العمل على فكّ هذا الترابط وفصم هذا التلاحم ولكن أقصى ما وصل إليه بإثارته النعرات القومية أن توسّع مفهوم العروبة من الدين إلى اللسان فالأمازيغ السكان الأصليين للجزائر والذين يمثلون أكثر من 80% من سكان الجزائر , أصبح من يتكلم بالعربية منهم يسمى عربيا رغم أنّه ليس كذلك (باعتبار الجنس والعرق) ومن حافظ على لسانه فهو أمازيغي
وها هو الأديب المصلح الأستاذ باعزيز بن عمر وهو الأمازيغي الزواوي يقول :"...إنّنا لنشعر من قبل ومن بعد بدم العروبة يجري في عروقنا وهو صافٍ لم يمازجه كدر , وإن اختلف المظهر , ونسمع صوتها الحنين يرن في آذاننا فنفتح له الطرق إلى قلوبنا وأعماقنا , فالعروبة حيّة فينا , ونحن أحياء فيها , ما دامت السماوات والأرض ."[6]
وقد حاول وعمل بعض المفكرين والمثقفين المغاربة على إثارة العروبة بالشكل الذي أثيرت به في المشرق العربي عروبة يراد بها محاربة الإسلام وتهميشه لا غير ولكنّهم لم يستطيعوا ذلك بل بقي التلاحم بين العروبة والإسلام قائما ومتراصا (لم يستطيعوا إنشاء أيّ حزب قومي في الجزائر رغم محاولاتهم العديدة والمتكررة وليس لهم جمعية معروفة بهذا الاتجاه)
وأصل ظاهرة التقاطع بين العروبة والإسلام والتمازج والترابط وفي أضعف الأحوال عدم التصادم بينهما التي عُرفت بها منطقة المغرب العربي منذ أقدم العصور سواء على المستوى العام (الشعبي) أو على المستوى الخاص (المثقفين) ليست أمرا مستحدثا أو بدعا بل هو أصل ما جاء به الإسلام ـ في حسّهم على الأقلّ ـ انطلاقا من اعتقادهم أنّ أوّل من عقد هذا الترابط هو القرآن الكريم دستور الإسلام وكتاب الله عزّ وجلّ بوصفه كتابا عربيا يمثّل أرقى وأسمى ما وصلت إليه العربية كلغة ...وانطلاقا من كون نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم أصله عربي فهو القائل فيما يروى عنه أنا أفصح من نطق بالضاد وهو القائل فيما يروى عنه كذلك (وأصل الحديث في الصحيح) إن الله اختار العرب واختار كنانة من العرب واختار قريشاً من بني مناف واختار بني هاشم من قريش واختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار.... وفي حالة الفصل بين العروبة والإسلام فإنّ مقولة عمر هي أهمّ وأعظم ما يصف هذا المقام ويجلي حقيقة هذا الفصام "إنّ العرب كانوا أذلة فأعزّهم الله بالإسلام ولو ابتغوا العزّة في غير الإسلام أذلّهم الله" ...
العروبة عند أحمد سحنون :
فالعروبة التي نقصدها ونبحث عنها في شعر أديبنا الإسلامي الجزائري أحمد سحنون هي هذه العروبة التي عرفها المغرب العربي مقترنة بالإسلام خادمة له حاملة للوائه مجابهة للاستدمار القديم والاستغراب الحديث وليست الدين القومي الجديد الذي يراد به مقابلة ومجابهة الإسلام... فهي عنده :
ü عروبة الهوية التي تقابل الفرنسة في مرحلة الاحتلال
ü وعروبة الانتماء والتعايش التي تقابل الفرنكفونية والإقصائية في مرحلة الاستقلال
ü عروبة الحركة الإصلاحية في مرحلة الاحتلال
ü وعروبة الحركة الإسلامية الدعوية في مرحلة الاستقلال
ü عروبة الوطن الجزائري بمحنه القديمة والجديدة
ü عروبة الوطن العربي وقضاياه
ü عروبة اللغة واللسان
ü عروبة الأدب والفكر
ولعل من أبياته التي يظهر فيها الجمع بين أوجه العروبة المتمثلة في الوطن واللغة والدين وفي التاريخ والحاضر والمستقبل قوله في قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها)
فيا بني الضاد يا شعب الجزائر يا جند الرسول ارجعوا للضّاد ماضيها[7]
فبنو الضاد المنتسبون للسان العربي هم أنفسهم الشعب المنتسب للجزائر الوطن وهم أنفسهم الجند المنتسب لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ...يطالبهم الشاعر ها هنا بأن يرجعوا للضّاد ماضيها التليد وتقدمها وتطوّرها العريق ليحيوا به لغتهم ويفكوا أسر وطنهم ...
وأبلغ من ذلك قصيدة (سلمان منا أهل البيت) حيث بيّن فيها بما لا يدع للشكّ مقالا ولا للاحتمال والريب مجالا أنّ اختلاف الجنس لا يمنع من أن ينسب المرء للعروبة بل لأعرق بيت عربي وأكرمه بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتّصف المرء بالتقوى والتزم منهج الحقّ والهدى فهو يقول فيها :
أعظم شيء به تهنا قول الرسول: سلمان منّا
سلمان من صفوةكرام عاش بدين الإسلام ركنا
موطنه فارس ولكن بموطن الروح كان يعنى[8]
أما العرب كجنس بدون إسلام فهم قبائل متفرقة متشتتة متقاتلة ذات عداوة وإحن ولم يرتقوا لصف العالمية ويؤثروا في الإنسانية إلاّ بفضل الإسلام ولم يفضلوا عن غيرهم إلاّ بانتساب الرسول إليهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وفي قصيدة (عظمة محمد) يشير إلى هذا المعنى بقوله :
ووحّد العرب أهواء ومعتقدا وكان بعضهم لبعض ذا احن
لتلك معجزة التاريخ كم دهشت أمامها من نهى جلت ومن فطن[9]
حتى العربية نفسها إنّما استقت حسنها وقداستها من قداسة القرآن الكريم وإعجازه تماما كما ذكر في قصيدة (إلى التلميذ)
لغة الضّاد التي ما برحت لغة الإعجاز سميت بكساد[10]
(فتحي بودفلة)

[1] شيخ الإسلام ابن تيمية , اقتضاء الصراط المستقيم , مطبعة السنة المحمدية القاهرة تحقيق محمد حامد الفقي الطبعة الثانية 1369هـ ص203 (المكتبة الشاملة)

[2] المرجع نفسه ص207

[3] د. صالح خرفي , في رحاب المغرب العربي , دار الغرب الإسلامي , بيروت لبنان 1985م من محاضرة : عروبة المغرب العربي ص9

[4] المرجع نفسه من محاضرة عبد الحميد ابن باديس والعروبة ص141

[5] المرجع نفسه ص 14

[6] المرجع السابق ص15

[7] شعراء الجزائر ديوان أحمد سحنون , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1977 ص26

[8] المرجع نفسه ص296

[9] المرجع السابق ص 237

[10] المرجع نفسه ص14
 
الفصل الخامس : مظاهر العروبة في شعر أحمد سحنون

الفصل الخامس : مظاهر العروبة في شعر أحمد سحنون

الفصل الخامس :
مظاهر العروبة في شعر أحمد سحنون
(فتحي بودفلة)
أوّلا : معجم العروبة في شعر أحمد سحنون[1] :
المقصود ها هنا إحصاء جميع الألفاظ والتراكيب التي عنى بها الشاعر مفهوم العروبة أو شيئا منها
من خلال استقراء ديوانه والتنقيب في قصائده ...وها هي بعض نتائج هذا الاستقراء والإحصاء:
1) لم يستعمل الشاعر اصطلاح (العروبة) إلاّ في مواضع محدودة أحصينا منها أربعة: عنوان قصيدة (وفد العروبة)[2] نظمها بمناسبة زيارة وفد المعلمين العرب وإقامة حفل استقبال الدكتورة بنت الشاطئ بوزارة الأوقاف الجزائرية , وفي ذات القصيدة يقول الشاعر :
وفد العروبة جاء يحمل للجزائر بلسما
أهلاً بإخواننا الكرام الذائدين عن الحمى
هذا القطاع من العروبة كاد يتلفه الظما
جفّت منابعه وغاض رواؤه وتجهّما
أهلا بعائشة التي قدر البيان بها سما...
كما ذكرها في قصيدة (مات ابن باديس) حيث جاء فيها :
مات ابن باديس سيف العرب واحربا
من للعروبة بعد السيف بالغلب؟[3]
2) مادة (ع ر ب) من غير لفظة العروبة وردت فيما يقارب عشرة مواضع
موضعين بلفظ العرب في قصيدة (ماذا جنى قطب؟) [4]ثلاثة مواضع في قصيدة (مات ابن باديس)[5] بلفظ أمة العرب وسيف العرب ولفظ العرب مطلق عن أيّ وصف وموضعين في قصيدة (عظمة محمد صلى الله عليه وسلم)[6] بلفظ وحدّ العرب وجيش العرب وباقي المواضع متفرقة على قصائد شتّى...
3) أكثر ما تناول الشاعر رحمه الله مفهوم العروبة تناوله بلفظ (الضّاد) فقد ورد في أكثر من عشرين موضعا[7]... بعضها بلفظ الضّاد مطلق من أيّ وصف أو قيد كقوله يمدح الشيخ البشري الإبراهيمي رحمه الله في قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها)[8]
إن حاق بالدين سوء فهو ذائده
أو حلّ بالضاد شرّ فهو فاديها...
قد رفّ كالروض حسنا والربيع سنا
يمثل الضاد ماضيها آتيها...
فيا بني الضاد يا شعب الجزائر يا
جند الرسول ارجعوا للضاد ماضيها
وقد تأتي مقيدة بإضافتها إلى اللغة أو الأمة أو الشباب أو الفتى والشاعر واللغة … ونحو ذلك كقوله :
لغة الضاد التي ما برحت
لغة الإعجاز سميت بكساد[9]
أو كقوله:
لا تقل شمس بني الضادّ اختفت
وطوت أيامهم سود عواد
لا تضق ذرعا ولا تهلك أسى
أمة الضاد ستحظى بالمراد[10]
4) وقد أكثر من تناول موضوع العروبة من جهة اللغة واللسان ولكن بغير مادة (ع,ر,ب) ولا بلفظ الضّاد وإنما بمرادفات شتّى وأوصاف عدّة لعلّ من أهمّها : لغة الأحرار , لغة السؤدد , اللغة الكريمة , لسان السادة الأخيار , لغة المليار , لغة الصفر على اليسار, الفصحى ...[11]
5) كما تناولها من جهة التاريخ مستعملا ألفاظا مثل التاريخ نفسه والماضي والسجل الخالد الآثار ونحوها ...[12]
6) واستعمل ألفاظا تدلّ على أمة العروبة كلّها كقوله الأمة العزيمة[13] أو على بعض الأمة كفلسطين [14] والقدس[15] وموطن أقدام الأنبياء وموطن نسل الوحي[16]ومصر وعمان وسوريا[17] وتونس[18]
ولنحاول الآن قراءة هذا المعجم بشيء من التأمّل والتمعّن ...وليكن أوّل سؤال نطرحه وأوّل مطلب نبحثه :
لماذا عبّر عن العروبة أكثر ما عبّر بلفظ الضّاد دون سواه ؟
ولفظ الضّاد مجاز مرسل عن اللغة العربية فقد أطلق الجزء وأراد به الكلّ واختير من أجزائها الضاد دون سواه من الحروف قيل لأنّ العربية انفردت به من دون سائر اللغات[19] وقيل لأنّه لا يلفظه صحيحا مكتملا إلاّ الفصيح الذي أحسن النطق العربي...وقيل غير ذلك...ولكن المهم أن اللسان العربي صار في عرف العام والخاص يصطلح عليه بالضّاد أو بلغة الضاد.
يمكننا أن نرجع هذه الظاهرة ـ بشيء من الجرأة والمجازفة ـ إلى شخصية الشاعر , فهي لصيقة باللغة ومتعلقة باللسان العربي أكثر من تعلقها بالتاريخ والجغرافية , وكلّ إناء بما فيه ينضب ... لهذا السبب نظر الشاعر إلى العروبة من زاوية لسانها ولغتها التي كان مفتتنا بفصاحتها المعجزة ومشتغلاً بالبحث في أسرارها وأغوارها ...ولم يلتفت أو قل لم يهتمّ كثيرا بالعروبة من جهة الأرض أو السياسة أو التاريخ ...
العامل الثاني غير البعيد عمّا تقدم انتسابه للحركة الإصلاحية التي تزعمتها جمعية علماء المسلمين والتي ترى أنّ العنصر الأساسي والمهم في تحديد الهوية العربية هو اللسان يقول الإمام ابن باديس عليه رحمة الله الواسعة : "...تكاد لا تخلص أمة من الأمم لعرق واحد , وتكاد لا تكون أمة من الأمم لا تتكلم بلسان واحد , فليس الذي يكوّن الأمة ويربط أجزاءها ويُوجد شعورها ويوجهها إلى غايتها هو هبوطها من سلالة واحدة . وإنما الذي يفعل ذلك هو تكلّمها بلسان واحد ولو وضعت أخوين شقيقين يتكلم كلّ واحد منهما بلسان وشاهدت ما بينهما من اختلاف نظر وتباين قصد وتباعد تفكير , ثمّ وضعت شاميا وجزائريا ـ مثلا ـ ينطقان باللسان العربي ورأيت ما بينهما من اتّحاد وتقارب في ذلك كلّه , لو فعلت هذا لأدركت بالمشاهدة الفرق العظيم بين الدم واللغة في توحيد الأمم ." [20]
لكن هذا فيما يخص دلالة الضاد على اللغة العربية ولكن لماذا اختار الضاد دون سواه من المفردات والمعاني كالتصريح بالعربية مثلا أو استعمال لفظة الفصحى أو شيئاً من هذا القبيل لماذا الضاد دون سواه ؟
لعلّ سبب ذلك ـ فيما نحسب ونزعم ـ هو شاعرية الشيخ أحمد سحنون التي من شأنها أن تدفعه للبحث عن الصور الشعرية والفنية البديعة التي تفتح مخيّلة قارئه وتجعله يتفاعل مع قصائده وأدبه... وكذلك تحدّي الشاعر الذي يجعله يبحث دائما عن الشيء الجديد الغريب الطريف الخارج عن معتاد الناس ومعهودهم ... وتسمية الضاد فيها كثير من الشاعرية فهي تصوّر هذا الحرف في حلّةٍ من الفخامة والجلال والعظمة تناسب استعلاءه , استعلاء فوق استعلاء غيره بما فيه من الاستطالة والإطباق ... وتصوّره بكثير من جود العربي وكرمه وعطاء البدوي وبذله فهو أوسع الحروف مخرجا وأكثرها صوتا وأطولها زمانا ...فكأني به شيخا كبيرا جليلا محترما... يمثل العرب أحسن تمثيل اجتمعت فيه الفصاحة والمهابة والمروءة والكرم ...
ثمّ ما الأفضل للقارئ والشاعر على حدٍّ سواء أيصرّح بالعروبة والعربية والعرب أم يكني بالضّاد؟ طبعا الأبدع والأنفع والأمتع تسمية الضّاد ... كما هو ظاهر بيّنٌ فإنّها أغرب وأطرف وأمتع وأعذب...
المطلب الثاني: ألا يمكن تقييد هذه المصطلحات وتوزيع هذه الألفاظ وفق معلم زماني مرحلي؟
نعم إنّ المتتبع للمراحل الثلاث التي مرّ بها الشاعر ؛ الإصلاحية والثورية والدعوية يلاحظ أنّ كلّ مرحلة من هذه المراحل قد غلب عليها اصطلاح خاص وألفاظ بعينها دون غيرها...
مرحلة الحركة الإصلاحية : أطنب فيها الشاعر من ذكر اصطلاح (الضّاد) أكثر من غيرها من المراحل فانظر مثلا قصائد (إلى المعلم ) (إلى التلميذ) (على الشاعر) (جمعية العلماء) (روح باديس) (الذكرى الثالثة لوفاة ابن باديس) ...
نعم لم تخل هذه المرحلة من ذكر اصطلاحات وألفاظ أخرى غير (الضّاد) كالعرب في قصيدة (مات ابن باديس) والفصحى في قصيدة (عبد الحميد بن باديس) ولكنّها بالمقارنة إلى اصطلاح الضّاد قليلة جدّاً
في مرحلة الدعوة : أصبح التصريح بالعرب والعروبة وغيرها من المصطلحات المتقدمة أوضح وأكثر فانظر مثلا إلى قصائد مثل (فلسطين) (من وحي المأساة) (فلسطين إنّا أجبنا النداء) (وضيعتا للغة الأحرار) (وفد العروبة) (ماذا جنى قطب)
نعم ـ كذلك ـ لم تخل هذه المرحلة من استعمال اصطلاح ولفظ الضّاد في قصيدة (يا أميرا على القلوب) التي قالها يوم نقل رفاة أمير الجزائر ومؤسس وباني صرح دولتها عبد القادر بن محي الدين الجزائري عليه رحمة الله الواسعة ...وقصيدة (وفد العروبة) و(الذكرى الثانية لوفاة الإبراهيمي) ولكنّها إذا قورنت بشعره الأوّل فهي لا تكاد تذكر[21] ...
ويكاد شعره أثناء الثورة يخلو من ذكر العروبة لقلّة أصل الشعر أوّلاً ولأنّه غلب عليه الجانب الوجداني الشخصي والجانب الوطني الثوري وانظر إلى بعض إنتاجه وقصائده خلال هذه المرحلة من نحو (إلى ولدي رجاء) (العصفورة) (المبعد) (بلادي) (البطل)...
ثمّ لنعد الآن ولنحاول قراءة هذه الظاهرة ونبحث في أسبابها وما عساه مخفي وراءها ...
إنّ مرحلة الاحتلال وفترة اشتغال الشاعر بالحركة الإصلاحية كانت تستدعي ردّا على المستعمر الذي يحاول بكلّ ما أوتي من قوة طمس معالم الشخصية الجزائرية بكلّ ما تحمله من مقومات (الدين , اللغة , التاريخ , الوطن ...) والحديث عن كلّ عنصر من عناصر هذه الشخصية كان من شأنه أن يردّ هذه المحاولة ويصدّها ويثير في أفراد هذا الشعب هذا الشعور المتوهّج بتميّز شخصيته في مقابل الشخصية التي يريد المستعمر أن يلصقها به , فكلمة (الضّاد) لوحدها كانت كافية للدلالة على كلّ عناصر هذه الشخصية من دين ولسان وأرض وتاريخ وجنس أو أجناس حتّى ...ولم يكن يومها في حسّ الشاعر والقارئ على حدٍّ سواء تضارب أو تعارض بين مكونات الأمة وثوابتها ...وَوَقَعَ اختيار الشاعر على لفظة (الضّاد) دون غيرها من الألفاظ الأخرى للأسباب المتقدمة ذكرها...ثمّ لماذا عدل في مرحلة الدعوة عن اصطلاح الضاد البليغ والبديع إلى ألفاظ أخرى مباشرة وصريحة كالفظ العرب والعروبة والعربية رغم كونها أقلّ شاعرية من اصطلاح الضّاد ؟
لعلّ ذلك يعود إلى التيارات الفكرية القومية التي قويت وانتشرت في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ...هذه التيارات التي تبنت العروبة تبنيا مخالفا لتبني الشاعر ...تبنيا فيه كثير من التهجّم على باقي عناصر ومعالم الشخصية الجزائرية (الإسلام , اللغة , الأرض , التاريخ , الأجناس ...) فهو تبنٍ وضعه أصحابه لمجابهة الإسلام وحربه والتحرر من تعاليمه وحدوده أكثر من زعمهم جمع الأمة والنهوض بها وتمييزها عن باقي الأمم ...لهذا السبب لجأ الشاعر في هذه الفترة إلى الاصطلاحات المباشرة الظاهرة فهو يذكر مادة (ع.ر.ب) مقرونة بما يحدّد معناها , اللغة , الأرض , الجنس... ولا يقصد بها كلّ مكونات الشخصية الجزائرية كما كان من قبل... ولم يكتف بالتفريق بين هذه العناصر كما فعل بين العرق والدين مطلقا في قصيدة (سلمان منا أهل البيت) أو بين العروبة والإسلام تحديدا كما فعل في قصيدتي (فلسطين) و(ماذا جنى قطب) بل وصل الأمر إلى رفض العروبة وردّها إذا خالفت تعاليم العقيدة والدين كما في قصيدة (من وحي المأساة) ...بل وأصبح يستعمل عناصر أخرى يشيد بها ويفخر وهي مخالفة لعروبة العرق واللغة ...كقوله في قصيدة (العامل الجزائري)
أنا ابن الجزائر من له مثل أبائِيّه
أنا ابن الأمازيغ لن أذلَّ لأعدائيّه[22]
فالخلاصة أنّ الضاد في زمن مقاومة الاحتلال كان يعني في حسِّ الجزائريين شخصية الأمّة كلّها لا عنصرا منها بينما هو اليوم في زمن الاستقلال يدلّ على عنصر اللغة دون سواه ... وكذلك الشأن بالنسبة للإسلام والوطنية والعروبة والتاريخ وغير ذلك من ثوابت الأمة وعناصر شخصيتها كانت متداخلة – مشتركة المعاني- لأنّها تطلق جميعا في مقابل شيء واحد هو شخصية المستعمر... بينما هي اليوم متميزة بل يصل بها الأمر في حسِّ بعض المستغربين والمولدين ثقافيا وفكريا إلى حدّ التعارض والتناقض ...فاختار الشيخ رحمه الله أبدع لفظ وأشعره ليعبر عن شخصية الأمة في عهد الاحتلال ومجال الاختيار أمامه كان واسعا ...بينما اختار في زمن الاستقلال الألفاظ المباشرة والمحدّدة ليقع التمييز فهو إنّما يريد الحديث عن عنصر واحد من عناصر شخصية الأمة لا كلّها ... والله أعلم بالحقّ والصواب .
ثانيا : مواضيع العروبة في شعر أحمد سحنون :
1. الإشادة والتنويه بلغة الضّاد
لأنّ أصل العروبة عنده هي اللسان العربي - لكنّه لم ينل قدسيته عظمته إلاّ بتبني القرآن والإسلام لهذا اللسان – فقد توسع في التغني به والإشادة بالعربية في مواضيع عدّة وجوانب شتّى ...
فهو أحيانا يصف حالها بين أهلها الذين نعتوها بالكساد وبالرجعية وعدم القدرة على مواكبة العصر والتطوّر ...فيذود عنها ويدافع عليها بقوّة واستماتة حيث يقول في قصيدة (إلى التلميذ):
لغة الضاد التي ما برحت لغة الإعجاز سميت بكساد[23]
فإعجاز القرآن أكبر دليل على قوة وأصالة هذه اللغة إذ لم يستطع أن يتمثل في غيرها
وهو أكبر دليل على صلاحها للحاضر والمستقبل وقدرتها على مواكبة كلّ متغيّرٍ لأنّ القرآن محفوظ وباق والعربية به محفوظة وباقية ...
وفي قصيدته (إلى المعلم) يدعو المعلم المربي إلى العمل على فكّ أسر لغة الضاد ورفع غبنها بتربية نشئ يذود عنها ويتولى مهمّة إحيائها حيث يقول :
هات من نشئ الحمى خير عتاد وادّخر لغدٍ جند جهاد
هات نشئاً صالحا يبني العلا ويفكّ الضاد من أسر الأعادي[24]
والأعادي في عرف الشاعر وجمعية العلماء ـ هكذا بالجمع ـ هم الاستعمار أوّلا والجهل ثانيا جهل الأمية المتفشية بسبب تجهيل فرنسا للشعب الجزائري وكذا الجهل المركّب لبعض أبناء هذا الوطن الجريح بسبب تبعيتهم لفرنسا وتبنيهم لثقافتها وارتدائهم لباس حضارتها والذين نسبوا للعربية العجز والكساد والرجعية والتخلّف والفساد...
وكما استحثّ المعلم والتلميذ على نجدة لغة الضّاد فعل الشيء نفسه مع الشعراء وأهل الأدب فقد كتب لشاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة يحثّه على العودة لقرض الشعر ونسجه بعد أن توقف مدّة عن الكتابة حيث يقول في قصيدته (إلى الشاعر)
شاعر الضاد والحمى ما دهاك فحرمت النهى ثمار نُهاكا
أيطيب السكوت والضاد في شدّةِ أسر لم تلق منه فكاكا[25]
ولا يكتفي الشاعر بحثّ خاصة الأمة على الهبّ لنجدة الضاد بل يوجّه نداءه للشعب كلّه حيث يقول :
فيا بني الضاد يا شعب الجزائر يا جند الرسول ارجعوا للضاد ماضيها[26]

2. الإشادة والتنويه بجنس العرب
وإن كان التنويه المطلق ها هنا كثيرا ما يكون فيه تداخلٌ كبيرٌ مع الإشادة بأمة الإسلام فهو حين يمجّد العرب إنّما يمجّدهم ملتزمين عقيدتهم عاملين بتعاليم دينهم فإن هم تجردوا منها وتركوا العمل بها صاروا محلّ استهجان الشاعر واستقباحه وذمه لا إشادته
يقول رحمه الله مادحا الجيوش العربية انطلاقا من انتمائهم العرقي وتاريخهم الحافل بالبطولات والأمجاد :
نحمد الله نحن أزكى وأحمد نحن أغلى الورى تراثا وأخلد
نحن نسل الهدى ونشء المعالي نحن جند الإله جند محمد
نحن أحفاد خالد والمثنى من له مثل ما لنا من سؤدد[27]
ويقول في حقّ من انتسب للعرب على حساب العقيدة والدين :
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا : عرب
3. الاهتمام بالبلاد العربية
فقد تناول في شعره بلدانا عربية شتى ومدنا إسلامية عدّة
فوصف الحرمين بأبهى الأوصاف وأحسنها وتألم لفلسطين وشكر مصر لما شاركت وساعدت في تحرّر ونهضة الجزائر وذمّها لما قتلت دعاة الإسلام وتحدث عن تونس وعن المغرب وعن سوريا والأردن... وكلّ ذلك إنما هو مظهر من مظاهر العروبة خاصة وأنّه في أكثر هذه القصائد يصرّح بهذا الرابط ويشيد به
فمن بين أهمّ القصائد التي احتفل فيها الشاعر بالبلدان العربية وخصّها بالذكر فيها ما يلي:
(هنا ولد الإسلام)[28] (يا لها أمنية أحيت مواتي)[29] القصيدتين في التغني بالحرمين الشريفين نظمهما بمناسبة حجّه للبقاع المقدسة , (يا شباب النيل)[30] (وفد العروبة)[31] القصيدتين نظمهما في أهل مصر والثانية بمناسبة زيارة وفد المعلمين العرب وإقامة حفلة للدكتورة عائشة بنت الشاطئ بوزارة الأوقاف , (المغرب العربي)[32] ....والقصائد من هذا النوع كثيرة جدّاً
4. الاهتمام بعلماء العرب وأعلامهم
فمن مظاهر هذه العروبة أنّ اهتماماته برجال الدعوة والإصلاح لم ينصبّ على أبناء قطره وبلده فقط بل بل عمّ رجالات الوطن العربي كلّه ... فقد نظم قصيدة في منتهى الروعة يرثي فيها سيد قطب رحمه الله عنونها بـ : (ما ذا جنى قطب؟) قال في مطلعها :
المّ بنا من فاجع الهمّ ما جلا وحلّ بنا من فادح الظلم ما حلا
وأصبح مرمى للأذى كلّ مؤمن وذلّ من الأحرار من لم يكن ذلا[33]
وممّا جاء فيها
أتشنق مصر خير أبنائها حجىً وتقوىً وأخلاقاً فما أفضع القتلا
أتخنق مصر مجدها وتدوسه لقد عدمت مصر الكياسة والعقلا
وماذا جنى قطب لتزهق روحه ويشنق أين العدل؟ قد شنقوا العدلا
وما ذنب قطب غير إيقاظ قومه ونشر تعاليم الحنيفية المثلا
لئن كان هذا ذنب قطب وصحبه فما أبخس العليا وما أفضع الفضلا
إلى أن يقول :
ولم لا يثور العرب ضدّ طغاتهم إذا كان صمت الحرّ يغري به الندلا
كفاكم سكوتا فلتهبوا لتنقدوا كرامتكم إن كنتم للعلا أهلا
وجودوا ببذل الروح من أجل دينكم وفي نصرة الإسلام فلترخصوا البذلا
ومن ذلك رثاؤه للعالم والزعيم المصلح محي الدين القليبي التونسي في قصيدة (مات محي الدين)[34]
يقول في مطلعها :
أيّ وجه أطفأ الموت سناه أيّ طود عاصف الدهر طواه
أيّ كنز من فخار وعلا وكمالات ترى القبر حواه
إلى أن يقول :
مات محي الدين ما أشأمه ناعيا جدد للقلب اساه
مات لكن لم يمت من عمره كلّه في طاعة الله قضاه
ومن ذلك رثاؤه للمنصف باي تونس في قصيدة بعنوان (أتونس خطبك خطب الشمال)[35] جاء في أوّلها :
لقد عصفت الموت بالمنصف فما أنت يا موت بالمنصف
أتعصف بالذائدين الحماة وبالمستبدين لا تعصف[36]
وممّا جاء فيها كذلك :
أتونس خطبك خطب الشمال فلوذي بصبرك لا تأسفي
وجرح الجزائر لم يشفه تأس إذا كلّ جرح شفي
أتونس ترعاك عين الإله إذا غاب عنك الصديق الوفي
سينتقم الله ممّن بغى وما الله للوعد بالمخلف
فحديثه رحمه الله عن أمثال هؤلاء الأعلام من أدباء ومفكرين وزعماء الأمة العربية مظهر من المظاهر التي تتجلّى فيها عروبة الشاعر خاصة وأنه كثيرا ما كان يشير في مثل هذه القصائد إلى هذه الوشيجة ... ففي القصيدة التي خصّ بها سيد قطب رحمه الله استعمل الشاعر في خطابه لفظة العرب مرتين يحثهم على رفض هذا الصنيع واستهجانه وعلى الثورة على الظلم والاستبداد والعودة للالتزام بتعاليم الإسلام ...وكذلك صنع في قصيدة المنصف باي تونس حيث اعتبر موته مأساة مغربية تأثّرت لها دول شمال إفريقيا كلّها ...
5. الاشتغال بقضايا الأمة العربية
لا نقصد ها هنا مجرد ذكر هذه البلدان كما تقدم معنا في العنصر الثالث بل اهتمام الشاعر واشتغاله بقضايا مخصوصة من قضايا الأمة العربية ...فإذا كانت الجزائر بآلامها وآمالها قد شغلت الحيّز الأكبر من شعره فإنّ ذلك لم يمنعه من الاشتغال بقضايا الأمة العربية والاهتمام بها والمشاركة فيها بأدبه وقصائده ...
ولعلّ أكثر القضايا العربية تواجدا وتداولا في قصائد الشيخ أحمد سحنون القضية الفلسطينية فقد خصّها بأكثر من قصيدة منها (فلسطين)[37] والتي جاء في مطلعها:
أموطئي أقدام النبيين والرسل وموطن نسل الوحي بورك من نسل
فداك العدا لا تقبلي قسمة العدا وللموت سيري لا تببتي على دخل
ولا تحفلي بالناس إن جار حكمهم عليك فإنّ الله يحكم بالعدل
فالشاعر يتفاعل مع قضية فلسطين بأحاسيسه ووجدانه وبفكره وأرائه معاً... يبدأ القصيدة بداية شاعرية يتغنى فيها بموطن الوحي ومهد النبيّين ثمّ يدلي برأيه وموقفه من أحداث القضية ومستجداتها فهو لا يرضى بالتقسيم الدولي لفلسطين ويطالب أبناء فلسطين برفضه وردّه وأنّ الموت أهون وأحبّ من الرضا بقسمة الذلّ والخنوع ...ثمّ يهوّن الأمر ويخفّف عن الشعب الفلسطيني ضغط ما يسمى بالمجتمع الدولي بأن لا يحتفل بحكمهم ولو اجتمع الناس كلهم عليه إن كان هذا الحكم ظالما جائرا وأن الحكم الحقيقي الحكم العادل والدائم هو حكم الله عزّ وجلّ والذي سيظهر ولا بدّ عاجلا أم آجلا بانتصار فلسطين واستردادها ...وقد مضى الشاعر على هذا النحو في قصائده التي خصّ بها فلسطين يسلي أهلها حينا ويشحذ هممهم حينا آخر يحثُّ العرب على نصرتهم على القتال على البذل على العودة إلى دينهم سبيلِ النصر وسببِه...
ففي قصيدة (نحن نسل الهدى[38]) والتي خصّها للقضية الفلسطينية يقول :
يارفاقا في القدس لا تحزنوا أن جلّ خطب بمن قضى واستشهد
وفيها يقول أيضا :
نحن أحفاد خالد والمثنى من له مثل ما لنا من سؤدد
سوف نقضي على اليهود وأشياع اليهود ومن أعانا وأيّد
وفي قصيدة (فلسطين)
ويا أغنياء المسلمين تسابقوا إلى البذل والإيثار ذي ساعة البذل
ويا شعراء الضاد حثوا شعوبكم بشعر يداويها من الجبن والبخل
فما الشعر إلاّ ثورة غير أنّها تصول بلا كف وتسعى بلا رجل
ومن القضايا التي خصّها الشاعر ببعض قصائده قضية الحروب العربية الصهيونية فقد تفاعل معها مثله مثل جلّ المسلمين والعرب الذين رأوا فيها أملا تجدّد وحلما بازغا يوشك أن يتحقق
ففي قصيدة (فلسطين) يقول :
لقد جدَّ جدُّ العرب فاقتحموا الوغى ولا تدفعوا جدّ الحوادث بالهزل
ويا شعراء الضاد حثوا شعوبكم بشعر يداويها من الجبن والبخل
فما الشعر إلاّ ثورة غير أنّها (تصول بلا كفّ وتسعى بلا رجل)
ويا أيّها الجيش الذي رجّ ذكره قلوب العدى باكر فلسطين كالوبل
سترجع منشور اللواء مظفّرا ويرجع أعداء النبيين بالثكل
وفي قصيدة (فلسطين إنّا أجبنا النداء)[39]
فلسطين إنا أجبنا النداء وإنا مددنا إليك اليدا
وجئناك يا موطن الأنبيا ء لنسحق كل جموع العدا
إلى القدس نطرد منه اليهود إلى مصر ندفع عنها العدا
إلى سوريا كي نفك الحصار عن أرضها ونجيب الندا
لعمان إذ صمدت للعدا وحق لعمان أن تصمدا
هلمّ نستأصل الظالمين ومن حالف الظلم أو أيدا
ونمحوا من الأرض حكم الطغاة وما وطد الظلم أو شيدا

ومن قضايا العروبة التي هزّت كيان الشاعر وأثّرت فيه قضية الصراع العربي العربي والقتال بين الدول العربية التي يجمعها الدين الحنيف والجنس العريق واللغة الخالدة والأرض الغنية المعطاء والتاريخ المجيد والحاضر المؤلم التعيس والمستقبل بكل آماله وأحلامه ... فالشاعر رحمه الله يستغرب كيف يجمع بين شعبين كلّ هذه المقومات والعناصر ويربط بينهم كلّ هذه الوشائج والأواصر ثمّ يراهم يتصارعون ويتقاتلون ويتباغضون كالأعداء الألدّاء وخير مثال على ذلك الصراع الفلسطيني الأردني والفلسطيني اللبناني ... حيث يقول عليه رحمة الله في قصيدة (من وحي المأساة)[40]
جهلنا فلم نتبع ما وجب ولم نشكر الله فيما وهب
فحلّ بنا من ضروب الشقا ء كلّ بلاء وكلّ عطب
وكنّا نضيق بظلم اليهود فصرنا نضيق بظلم العرب
وما عجبا أن شكونا العدو ولكن شكوى الصديق العجب
أفي رجب وهو شهر حرام دماء تراق وحرب تشبّ
وليس لها غيرنا من وقود فنحن اللهيب ونحن الحطب
ظاهر في هذه الأبيات ألم الشاعر ووجعه وتأثره العميق من هذا الصراع بين الإخوة العرب الذي يصفه بضروب الشقاء وبكلّ البلاء والعطب ... وهو يستغرب ويستعجب كيف يحدث هذا الفعل الشنيع ؟ كيف يقاتل المسلمون أنفسهم ويحرقون ذواتهم بأيديهم فهم في نار الفتنة هذه اللهيبُ وهم الحطب ؟ ...كيف يحصل هذا في بلاد الإسلام وفي أشهر الله الحرام وهي رمز للأمان وعلامة للسلام ... والشاعر رحمه الله يردُّ ذلك كلّه للجهل والبعد عن أحكام الإسلام وعدم استشعار حقيقة وفضل وقيمة النعم وشكرها كما يردّه للعصبية العرقية المقيتة ويبيّن أن سبيل النجاة من هذه الفتن هي العودة إلى الدين عملا وانتسابا حيث يقول في آخر القصيدة :
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا عرب
وفي هذه الخاتمة إشارة لطيفة إلى الوحدة العربية التي يرى الشاعر أنّ أساسها إنّما هو العقيدة والإسلام فالأنساب المذمومة ها هنا والتي ينصح الشاعر العرب بأن لا يلتفتوا إليها ولا يعوّلوا عليها ليست أنساب قيس وربيعة وتميم فهذه قد بادت ولم يعد الفخر بها مجديا ولا التعصّب لها موجودا وكائنا وإنّما قصده الانتسابات القطرية المحدودة والقومية المجزوءة فهذا أردني وذاك سوري والآخر فلسطيني على حساب عموم العروبة والإسلام ...
6. حديثه عن تاريخ العروبة
وبحديثه عن التاريخ يمجّد صنع العرب وحضارتهم وفضلهم على الأمم ففي قصيدة (أين الصدّاح)[41]
أين يا صدّاح ما كان لنا من رخاء وصفاء وهــــناء
أين ولّى ذلك العهد الذي قد جمعنا فيه أشتات المنى
أين دنيانا التي عشنا بـها كطيور الروض حبا وغــنا
أين ما كان لنا من سؤدد عز فيه كل مظلوم بــنا
أين عز كان أخفاق لــلوا أين مجد كان وضاء الســنا
أين ذلك العهد أين اختفى أين غابت كلها تلك الـدنا
سوف يغدو نجمنا مؤتلفا سوف تغدوا هذه الدنيا لنـا
وفي قصيدة (ذكرى الثورة) [42] يقول:
يحق لنا أن نباهي الأمــــم ونرفع هامتنا في شمم
لو آنا مضينا على نـــهجنا نؤم الشعوب ونهدي الأمم
ونبني حضارتنا فذة محصنة بجميل الشيـم
ولم ننحرف عن هوى ديننا ولم نتخذ من هوانا صنم
فأعظم بها نعمة فارعها فأهون شيء زوال النعم
وبالشكر لله فلتحمها تدم ، أن من يحم شيأ يــدم
وفي قصيدة (ذكريات المجد)[43] والتي نظمها بمناسبة المولد النبوي يقول
ذكريات المجد في الماضي المجيد مغرباتي كل يوم بنشيد
من له ماض كماضي العرب فـــي صفحات المجد والصـيت البعيد
كانت الدنّيا ظلاما مطبقا طافحا بالشر والظلم المـبيد
وإذا الكون تغشاه الســنا مشرق الأنوار من ثغر وليد
وإذا ابن البيد والقفـر له في مواريث العلا أقوى رصــيد
وإذ إبن العرب طه قد اتـى منقدا صرعى الهوى أسرى الجمود
وإذا ابن البيد والفقر لـه في مواريث العلا أقوى رصيد
يا ليوم أصبح العرب به بابن عبد الله في عز وطيد
وفيها يقول :
هل رأى التاريخ في أبطاله مسعرا في الحرب مثل (ابن الوليد)؟
أم راى مثل (ابن عرف) أو رأى (كابن عفّان ) أ خا فضل وجود؟
هل أرى مثل (ابى بكر) إذا ضلت الآراء ، ذا رأي سديد؟
أو أرى مثل (علي) مثلا للتقى والعلم والبأس الشديد
هل أرى مثل (صلاح الدين) في ساسة العلم او مثل (الرشيد)
إننا أحفاد أبطال الورى إننا أبطال تاريخ مجيدا


7. التداول المعنوي بين العروبة والوطنية والإسلام
...........لأنّه في حسّه لا تناقض بين هذه الاصطلاحات في فترة الاستعمار على الأقلّ ...لأنّ الفرق بدأ يتشخّص فيما بعد خاصة بعد مقتل سيّد قطب ووفاة البشير الإبراهيمي عليهما رحمة الله الواسعة ...فحديثه عن الإسلام وما أكثره إنّما هو حديث عن العروبة كذلك وحديثه عن الوطنية وعن القومية وعن الجزائر وعن التاريخ واللغة وعن كلّ مقومات الأمة هو حديث عن العروبة كذلك

ثالثا : العروبة في شعر أحمد سحنون بين مرحلتي الاحتلال والاستقلال
ü العروبة في مرحلة الاحتلال سواء فترة الحركة الإصلاحية أو الثورة التحريرية كانت كثيرا ما تطلق في شعر الشيخ أحمد سحنون ويقصد بها شخصية الأمة وثوابتها ...فقد يعني بها الإسلام أو الوطنية أو اللسان أو ذلك كلّه , فهو حين يخاطب المعلم بقوله
هات نشأ صالحا يبني العلا ويفكّ الضّاد من أسر الأعادي[44]
فالمأسور هنا هو الشعب الجزائري نفسه بتاريخه المغيّب وبدينه المعطّل ولسانه المبعد وأرضه المغتصبة ...فكأنّه قال يفكّ الشعب من أسر الأعادي ويفكّ هوّيته وشخصيته وثوابته التي تتعرّض للمسخ والفرنسة والتغريب...
وحين يخاطب بني أمته في قصيدة (جمعية المسلمين أدّت رسالتها) بقوله :
فيا بني الضّاد يا شعب الجزائر يا جند الرسول ارجعوا للضّاد ماضيها[45]
فقد جعل الوطنية المتمثلة في (شعب الجزائر) والإسلامية المتمثلة في (جند الرسول) أبدالا من العروبة التي أشار إليها (ببني الضاد) فسيّان عنده قوله : يا عرب أو يا مسلمون أو يا جزائريون... لأنّ المقصود المعيّن ها هنا واحد , والماضي المطلوب من الأمة إحياؤه هو التراث التاريخي المشترك بين هذه المرجعيات الثلاث
ü أما بعد الاستقلال فيمكننا ملاحظة شيئاً من التغيّر في طريقة تعامل الشاعر مع (العروبة) فلم يعد يتغنى بها مطلقا ـ في الغالب الأعمّ ـ دون تحديد لمعناها , وبيان دقيق لمفهومها ومراده منها ... ولعلّ سبب ذلك راجع إلى أنّ مفهوم العروبة قد بدأ يأخذ اتّجاهين اثنين متناقضين ومتعاكسين ... اتّجاه بقي محافظا على أصول العروبة الأولى التي دعا إليها أمير البيان شكيب أرسلان والتي هذّبها إمام الدعوة والإصلاح في الجزائر الإمام الشيخ عبد الحميد ابن باديس[46] والمستمدّة عناصرها أساسا من الدين واللسان قبل الجنس والأرض...
واتّجاه آخر يرى في العروبة قِوامة كقوامة الدين , وأنّها قسيمةٌ للإسلام ومستقلّةٌ عنه... وقد قاد هذا الاتجاه أحزاب قومية ويسارية كاناصريين والبعثيين وغيرهم ...فكان لا بدّ على الشاعر من إضافة البيان الذي من شأنه أن يصنّف عروبته في أيّ الاتجاهين هي؟...
ففي قصيدة (ماذا جنى قطب)[47] فرّق الشاعر بين العروبة والإسلام على خلاف عادته وعهده قبل الاستقلال أين كان كثيرا ما يطلق أحد المصطلحين ويريد به الآخر ...فأصبح يدعو العرب إلى الإسلام ..إلى العودة إلى تعاليمه والالتزام بأحكامه يقول رحمه الله مخاطبا الأمة العربية :
...وجودوا ببذل الروح من أجل دينكم وفي نصرة الإسلام فلترخصوا البذلا
ولا تنصبوا للحكم إلاّ أخا هدى يغار على الدين الحنيفي أن يبلا
ولا تقبلوا للرأي حكما فإنّه حليف هوى قد خالف الله والرسْلا
وهل يحكم المخلوق والله حاكم بنص كتاب لم يزل يتلى
وما الكفر إلاّ الحكم بالرأي والهوى ومن ها هنا قد ضيّع العرب السؤلا
بل ويدعو على غير عادته بعض العرب للثورة والانتفاضة على بعض ويفرّق بين عرب ابتعدوا عن الإسلام وعرب التزموا به ... يفرق بين عرب دعاة للهداية وعرب دعاة للضلال والغواية حيث يقول في نفس القصيدة :
ولم لا يثور العرب ضدّ طغاتهم إذا كان صمت الحرّ يغرى به النذلا...
وعودوا إلى ما كنتم من جهادكم سينصر حزب المؤمنين وإن قلا [قلاّ]
وذودوا عن الأحكام من جار أو طغى وردوا إلى الإسلام من ضلّ أو زلا

المتغيّر الثاني في علاقة الشاعر بالعروبة ـ في مرحلة الاستقلال ـ أنّه عليه رحمة الله تناولها في بعض قصائده بمفهومها السلبي المنافي لروح الإسلام وتعاليمه ... فانتقدها وبيّن عوارها وفضح مثالبها ومعايبها
ومن شواهد ذلك كلّه قوله في قصيدة (من وحي المأساة)
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا عرب[48]
فالانتساب هنا للعقيدة والإسلام ... وهو أزكى نسب وأرفعه, ومهما تفاخر الناس بأجناسهم وتباهوا بأنسابهم وأحسابهم فالشاعر يأمر المسلمين بأن ينسبوا أنفسهم للإسلام لا غير ولعقيدة التوحيد دون سواهما...وأن لا يعودوا إلى الجاهلية الأولى جاهلية داحس والغبراء جاهلية يوم بعاث جاهلية العرب القائمة على العصبية القبلية ...والعودة إلى هذه الجاهلية إنّما يكون بالحمية المنتنة حمية الانتساب إلى العرب دون الإسلام
فانظر هنا كيف انتقد العروبة ونهى عن الانتساب للعرب لكن أيّ عروبة أهي العروبة التي جابه بها الشعب الجزائري فرنسا وتصدّوا بها لمحاولة مسخه وتغريبه ...اللهمّ لا !...
أهي العروبة التي دعا إليها أمير البيان شكيب أرسلان القائمة أصلا على اللسان والدين ...اللهمّ لا !...
إنّما هي الحمية المفرّقة والجاهلية المشتّتة ...التي يستغلّها الصليبي والصهيوني والمنصّر والمستشرق والمستعمر ... في ضرب الإسلام والمسلمين
وغير بعيد عن هذا المعنى ما جاء في قصيدة (سلمان منّا أهل البيت) حيث بيّن فيها أنّ الشرف والفضل إنّما يكون للروح والدين لا للجنس والنسب وأنّ التقوى قد تبلغ بصاحبها من الشرف أكرمه وأسماه حيث يقول فيها :
أعظم شيء به تهنا قول الرسول سلمان منا
سلمان من صفوة كرام عاش لدين الإسلام ركنا
موطنه فارس ولكن بموطن الروح كان يعنى...[49]
(فتحي بودفلة)

[1] هو معجم تقريبي لبقاء بعض القصائد القليلة خارجة عن الاستقراء فالوقت المخصص للبحث والذي لا يتجاوز عشرين يوما والاطّلاع على الديوان الذي لم يزد على سويعات خلال يومين فقط لم يسمح لنا بالاستقراء الكلي الشامل على أن نرجع له إن شاء الله بعد تقديم البحث وعرضه لنكمل ونجبر ما فيه من نقص آمين .......

[2] شعراء الجزائر , ديوان أحمد سحنون , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1977م ص182

[3] المصدر نفسه ص 239

[4] المصدر نفسه ص261 ـ 262

[5] المصدر نفسه ص239 ـ 24

[6] المصدر نفسه ص 237 ـ 238

[7] انظر الصفحات التالية في المصدر السابق : 12 ـ 14 ـ 19 ـ 18 ـ 25 ـ 26 ـ 27 ـ 129 ـ 183 ـ 247 ـ 248 ـ 241 ـ 238 ......

[8] المصدر نفسه ص 25 ـ 26

[9] المصدر نفسه ص 14 من قصيدة (إلى التلميذ)

[10] المصدر نفسه ص12 من قصيدة (إلى المعلم)

[11] المصدر نفسه انظر الصفحات التالية : 254 ـ 244 ـ 142 ...

[12] انظر على سبيل المثال لا الحصر في المصدر نفسه ص: 142 ـ 26 ـ 27 ـ ...

[13] المصدر نفسه 142

[14] المصدر نفسه 118 ـ 132 ...

[15] المصدر نفسه ص 132 ـ 133 ـ 134 ...

[16] المصدر نفسه ص 128

[17] المصدر نفسه ص132

[18] المصدر نفسه ص263 وانظر ص264 ـ 265 ...

[19] وهو ادّعاء لم يسلم به كثير من المحققين وقالوا أنّ لغات سامية كثيرة غير العربية حوت على صوت الضاد منها الآكادية والأوغارتية

[20] قاله سنة 1936 نقلا عن د. صالح خرفي , في رحاب المغرب العربي , دار الغرب الإسلامي بيروت 1985م من محاضرة عبد الحميد بن باديس والعروبة ص127

[21] مع العلم أنّ موضوع هذه القصائد رجالات من عهده الأول رجالات من عهد الاحتلال والمقاومة (الأمير عبد القادر والبشير الإبراهيمي) فكأنّ مناسبة القصيدة عادت بالشاعر إلى عهده الأوّل فاسترجع ألفاظها وعباراتها وتراكيبها وقصيدة وفد العروبة قالها في وفد معلمي العربية وفي الترحيب ببنت الشاطئ التي كان الشاعر يعتبرها من أساطين اللغة العربية فلعل هذا هو السبب الذي جعله يذكر فيها لفظة الضّاد والله أعلم ...

[22] النصوص الأدبية , اختيار شرح وتعليق محمد الصالح رمضان , توفيق محمد شاهين , دار الكتاب الجزائري 1384هـ 1964م ج1\ص111

[23] المصدر نفسه الصفحة 14

[24] المصدر نفسه ص 12

[25] المرجع نفسه ص18 ـ 19

[26] المرجع السابق ص26 من قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها) 25 ـ 26

[27] من قصيدة (نحن نسل الهدى) الديوان ص 134

[28] المرجع نفسه 231

[29] المرجع نفسه 234

[30] المرجع نفسه 187

[31] المرجع نفسه 182

[32] المرجع نفسه 117

[33] المرجع نفسه ص261 -262

[34] المرجع نفسه ص 265

[35] المرجع السابق ص 263 – 264

[36] لعل هذه من انسيابات أقلام الأدباء وعثراتهم أو لعلّه قصد بالبيت الدعاء لا مناقشة الموت والقدر...خاصة وأنّ الشيخ معروف بصبره والتزامه بتعاليم الإسلام ... وأنّه في القصيدة أشار إلى الصبر والرضا بقضاء الله ... عليه رحمة الله الواسعة

[37] الديوان ص128

[38] الديوان 134

[39] الديوان 132

[40] الديوان 130 – 131

[41] الديوان 158

[42] الديوان 109 - 110

[43] الديوان 200

[44] الديوان ص 12 قصيدة (إلى المعلم)

[45] الديوان ص 27 قصيدة (جمعية المسلمين أدّت رسالتها)

[46] دعوة شكيب أرسلان في منتصف القرن العشرين للعروبة والوحدة العربية كانت قائمة على الوحدة السياسية وحدة تنطلق من الدين والتاريخ واللسان بهدف التطوّر والتقدم والالتحاق بركب الغرب المتقدم وفي تعليق أو بيان الإمام عبد الحميد بن باديس فرّق بين الوحدة المعنوية الروحية القائمة أصلاً وبين الوحدة السياسية التي لا ينبغي التفكير فيها قبل تحرير الأوطان أوّلا ثمّ تحرير الإنسان ثانيا ... راجع إن شئت محاضرة عبد الحميد بن باديس والعروبة من كتاب الأستاذ الدكتور صالح خرفي , دار الغرب الإسلامي ص123

[47] الديوان ص 261 ـ 262

[48] المصدر السابق ص 131

[49] المرجع السابق ص 296
 
الخاتمة

الخاتمة

الخاتمة
بعد هذه الجولة الحافلة بالمتعة والفائدة نودّ في ختام هذا البحث المتواضع تسجيل أهمّ النتائج التي استفدناها واستخلصناها منه كما نودّ المشاركة في خدمة شعر أحمد سحنون ومنهجه الدعوي بمجموعة من الاقتراحات نقدمها بين أيدي أستاذنا الفاضل وزملائنا الطلبة ...
نتائج البحث :
1. من ترجمة الشيخ أحمد سحنون :
ü إذا كان الشيخ أحمد سحنون يعرفه العام والخاص خطيبا وواعظا ومرشدا وداعية ومصلحا ...فإنّ شخصيته الأدبية يجهلها كثير من الناس ولعلّ صفحات هذا البحث قد ساعدت إلى حدٍّ ما في رفع الحجاب واللثام عن هذا الجانب الخفيّ لطلبة الفوج على الأقلّ...[1]
ü وسطية الشيخ رحمه الله في الدعوة إلى الله ...هذه الوسطية التي اتّخذت مظاهر شتّى فلعلّ أبرزها نصحها المستمر والمستميت للحكام بالعودة إلى تعاليم الإسلام متوسطا بين المتسيبين والمتزلفين لهم وبين بعض المتشددين المتطرفين الخارجين عليهم...وما أجمل ما قيل في وصفه (أو أثير عنه) أنّه كان ضدّ الخروج على الحكام ولكنّه كان ضدّ الدخول عليهم كذلك
ü التنوع في شخصيته فقد جمع بين التأصيل العقدي والشرعي وبين الأدب كاتبا وشاعرا وناقدا وبين الإمامة والوعظ وبين الصحافة والإدارة وبين الإصلاح والدعوة ...كما جمع بين القديم والحديث وبين الشرق والغرب وبين مختلف المذاهب والأطياف يقرأ للجميع وينهل من كلّ معين قاعدته في ذلك الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أولى بها ...ولعلّ هذا التنوع هو سبب سعة معارفه ورقّته وتوسّطه واعتداله وحكمته ....
ü إخلاص النصح لأمّته ...فقد أمضى حياته كلّها خدمة لهذه الأمة لم تَكِلْ له عزيمة ولم تَخِرْ له همّة ... واجه المستعمر الفرنسي بكلّ ما يملك من وقته وجهده وماله وأدبه وفكره ...وأوذي في سبيل ذلك وصبر لله ثمّ لأجل تحرير وطنه وتخليص شعبه ... وواجه عار الحكم بغير ما أنزل الله والحياد عن شرع الله بكلّ ما يملك كذلك تماما كما فعل في زمنه الأول وأوذي في سبيل ذلك أيّما أذاء ولكنه صبر لله ثمّ لأمته ووطنه...كان عليه رحمة الله يبدي النصيحة لمن يحتاجه حتى وإن خالفه الناس أجمعون فموقفه من أحداث أكتوبر 1988م مشهور ومثله موقفه من العمل السياسي في نفس المرحلة وموقفه من فتنة الجزائر في بداية التسعينات... وغيرها من المواقف التي نصح فيها أمّته بكلّ إخلاص وصدق وياليتهم عملوا بنصائحهم ...
2. الفصل الثاني : نظرة في الشعر الجزائري عموما
ü البداية المحتشمة للشعر الجزائري حيث بدأ متأثرا مقلّدا لصنوه في المشرق ثمّ سرعان ما تطوّر واستقلّ بذاته بل وأصبح ينافس شعر المشرق
ü الشعر الجزائري غلبت عليه النزعة الإصلاحية قبل ثورة نوفمبر والروح الثورية الجهادية خلال مرحلة الثورة ثمّ التحرّر والتنوّع خلال مرحلة الاستقلال...
3. الفصل الثالث : الخصائص الفنية والموضوعية في شعر أحمد سحنون
ü غلب على شعر أحمد سحنون الاتجاه المحافظ والمنحى التقليدي من حيث بناء القصيدة وشكلها بينما اتّسم من حيث موضوعه ومضمونه بإسلامية أدبه يظهر ذلك جليّاً في اتجاهه الإصلاحي والدعوي وفي مواضيعه العقدية والدينية وأسلوبه الوعظي والخطابي ...
ü من خصائص شعره التي وقفنا عليها –كذلك- غلبت النزعة الجماعية , جلالة مواصيعه , تعلق شعره بالمناسبات , قلأذة شعره الوجداني ....
4. الفصل الرابع : ماهية العروبة
ü الاختلاف الواسع وغير المنضبط في تحديد معنى العروبة وتعريفها الاصطلاحي... فبعضهم ينيطها باللغة وآخرون بالجنس أو الأرض أو العقيدة والدين ...
ü من أهمّ مظاهر الاختلاف في تحديد معنى العروبة وتعريفها أنّها في عرف عموم المشارقة مغايرة تماماً لعرف المغاربة بسبب كونها اتّخذت أبعادها ومضامينها من حضورها التاريخي والحضاري والسياسي والاجتماعي والنفسي كذلك... وهذا الحضور اختلف بين المشرق العربي ومغربه ... فلا بدّ وأن تختلف الأبعاد والمضامين كذلك.
ü العروبة في اصطلاح علماء الإصلاح مردُّها إلى اللسان العربي
5. الفصل الخامس : العروبة في شعر أحمد سحنون
ü وضعنا معجما استقرائيا (تقريبي) لجميع الألفاظ الدالة من قريب أو بعيد على معنى العروبة في شعر أحمد سحنون ثمّ درسنا هذا المعجم من حيث طبيعة الألفاظ المستعملة وتاريخ ومراحل هذا الاستعمال...
ü أهمّ المواضيع التي تظهر اهتمام الشيخ أحمد سحنون بالعروبة يمكننا تحديدها فيما يلي : الإشادة بلغة الضاد , التنويه بجنس العرب , الاهتمام بالبلاد العربية وبقضاياها , الاهتمام بعلماء العرب وأعلامهم , حديثه عن تاريخ العروبة , ذمّ العروبة إذا قابلت الإسلام وتعارضت مع تعاليمه
ü العروبة من حيث معناها عند أحمد سحنون مرّت بمرحلتين , مرحلة الاحتلال حيث كان يقصد بها شخصية الأمة وثوابتها (الدين , اللسان , الأرض , التاريخ , الجنس ...) مرحلة الاستقلال حيث أصبح الشيخ يحدّد معناها ويقيده باللغة أحيانا أو بالجنس في أحيانا أخرى ...وإذا كانت في المرحلة الأولى محلّ مدح واستحسان وإشادة مطلقة فإنّها في المرحلة الثانية لم تخل من قدح واستقباح إن هي خالفت تعاليم الإسلام ...
الاقتراحات :
ولعلّ آخر ما نختم به بحثنا هذا مجموعة اقتراحات نراها مهمّة , من شأنها أن تخدم شعر أحمد سحنون وفكره , ومن شأنها أن تردّ بعض جميل ما قدّمه الشيخ لهذه الأمة ...
1. إعادة طبع ديوان الشيخ رحمه الله محقّقا ومصحّحا وتجنب الأخطاء الكثيرة الموجودة في طبعاته الأولى
2. خدمة ديوان الشيخ أحمد سحنون من خلال دراسات وبحوث متخصّصة لعلّ أهمّها :
ü الأدب الإسلامي في شعر أحمد سحنون
ü الوطنية في شعر أحمد سحنون
ü الثورة الجزائرية (الدعوة والتأصيل)في شعر أحمد سحنون
ü دراسة فنّية لشعر أحمد سحنون
ü وجدانيات أحمد سحنون
ü الدعوة في شعر أحمد سحنون
ü مرثيات أحمد سحنون
ü مولديات[2] أحمد سحنون
ü الشعر التربوي عند أحمد سحنون
ü ....إلخ ....
3. تقديم دراسة تتناول ترجمة وافية للشيخ رحمه الله
4. من الناحية الفكرية للشيخ رحمه الله منهج خاص في الدعوة إلى الله تبناه مجموعة من تلامذته واتّسم بالوسطية والاعتدال قائم على قاعدة المطالبة بالحق المشروع وفق ما تمليه المصالح المرسلة والسياسة الشرعية بعيدا عن كلّ ما من شأنه أن يزيد المشاكل تفاقما لا حلاًّ....المطلوب دراسة هذا المنهج والبحث في تطبيقاته وفي إيجابياته وسلبياته...
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وصل اللهمّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك ...



[1] البحث منشور على الشبكة العنكبوتية في موقع (أهل التفسير) على العنوان التالي: http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=25374

[2] نسبة إلى ذكريات المولد النبوي الشريف
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا أخي العزيز فتحي، وفتح الله عليك وزادك علما وفقها
اللهم أغفر له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المؤمنين
الللهم أدخله الفردوس الأعلى من الجنة آآآآآآآآآآآمين
 
عودة
أعلى