العرب لم يدخلوا عصر العلم! للدكتور عبده الراجحي

إنضم
12/11/2011
المشاركات
99
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الإسكندرية
بسم الله الرحمن الرحيم
العرب.. لم يدخلوا عصر العلم!
[لقاء أجراه الأستاذ عبد الرحمن عبد العزيز المجماع، بمجلة «الشرق» السعودية، العدد 565، السبت: 7 جمادى الأولى 1411 هـ - 24 نوفمبر 1990 م، صفحة: 24 - 25]
يسعد الملف الثقافي أن يقدم للقراء د.عبده الراجحي، أستاذ العلوم اللغوية بجامعتي الإسكندرية وبيروت العربية وأخيرا جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والرجل صاحب رؤى واضحة لايكتنفها الغموض والإبهام وهو من القلائل الذين أثبتوا أن علم اللغة التطبيقي على الرغم من حداثته ونشأته في أحضان الغرب إلا أنه من الممكن جدا أن يقدم خدمة جليلة للغة الضاد الخالدة، كما أن الرجل لايحب الأضواء ولاتراه كثيرا على صفحات الجرائد والمجلات.
وقد التقته«الشرق» مؤخرا بعد عودته أستاذا زائرا للفصل الدراسي الحالي، معهد تعليم اللغة العربية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية..
الشرق: هل كَوْن د. عبده الراجحي [منهجيا] يبحث في حدود المنهج ويطبقه فى دراساته ومحاضراته الأكاديمية أبعده ذلك عن الصحافة السيارة بحكم بعدها عن المنهج؟
-د. الراجحي: يعيش العالم الآن عصر «العلم» ولكن العرب لم يدخلوا هذا العصر إلى الآن والتخلف الذي نعيشه يرجع في أساسه إلى «غياب المنهج» وأود أن أؤكد أنه لا يقتصر على موضوعات «العلم» وإنما هو «أداة» تعالج بها كل جوانب الحياة في«السياسة» و«الاقتصاد» و«الأدب» و«الطب» و«اللغة» و«الكرة» و«السباحة» و«الطهو» و«طريقة تناول الطعام» و«تنظيم الوقت» و«توزيع العمل»...إلخ. بدون منهج لا يوجد تقدم وفي الأمة علماء كثيرون يبحثون عن «المنهج» ولعلي من أقلهم جهدا وشأنا، أما أن الانغماس في العمل المنهجي قد أبعدني عن الصحف السيارة فلا أظن ذلك، وإنما اللوم كله يقع على كاهلي.. ولعلي أستدرك ذلك إذا رأيت في يدي شيئا نافعا.
الشرق: ذكرت في أحد كتبك «النحو العربي» كما أعتقد أنك تقدم النص الأجنبي دون ترجمة -حيث أن الترجمة العربية تصبح حالة ثالثة- ألا تظن أن القارئ العربي ينتظر منك مثل هذه الترجمة؟
-د.الراجحي: صدر كتاب «النحو العربى والدرس الحديث» منذ أربعة عشر عاما، وكان محاولة لقراءة التراث اللغوي العربي في ضوء علوم اللغة الحديثة، كما كان محاولة للرد على« النقد» الذي وجهه «البنيويون» اللغويون إلى النحو العربي.. طبيعة الكتاب إذن كانت متخصصة إلى حد كبير وكنت أظن أني أتوجه به إلى أهل التخصص من أجل ذلك وضعت النصوص المهمة كما هي في لغتها حتى لا تنحرف بها ترجمتي عن مقاصدها، ومهما يكن من أمر فقد تلقيت نقدا موضوعيا عن هذه المسألة كهذا الذي تعرضه «الشرق» الآن.. وسوف أصحح هذه الطريقة وأقدم النصوص بالعربية، الطبعة المقبلة إن شاء الله تعالى.. وشكرا لكم على هذا التوجيه.
الشرق: يقول الأصوليون إن الحكم على الشئ فرع من تصوره وفي المقابل يقول رموز الحداثيين أمثال نزار قباني وعلي أحمد سعيد «أدونيس» إنهم فجروا اللغة بإيجاد لغة ثالثة بين الفصحى والعامية فضلا عن أنهم لم يتقنوا قديم النحو ولم يفهموا حديثه!
فهل يمكن أن تقبل منهم هذا الاجتهاد؟!
-د. الراجحي: موضوع «تفجير اللغة» الذي يتصايح به «أهل البنيوية» ليس مجرد إيجاد «لغة ثالثة» بين الفصحى والعامية، فتلك مسألة أخرى نادى بها غير واحد من سواهم، لعل أشهرهم توفيق الحكيم، لكن «البنيويون» يرون أن اللغة يجب أن تتخلص من « أعرافها» التي استقرت عليها، وما ينبغي أن تكون لها«جذور» تضرب في تاريخ الفكر أوالاعتقاد أوالاجتماع.. ويتخلص النص من «صاحبه» ويستقل عنه وكل هذا قد ثبت تفاهته في بلاده.. لكنهم لا يزالون يصرون عليه لأن القضية كلها قضية «تراث» عربي إسلامي، وهذا يمثل عند كاهنهم الأكبر « أدونيس» جانب «الثابت المتجمد» وأن «الثورة» وحدها عليه هي سبيل «المتغير» الذي يحمل عناصر الحياة.
لاينكر أحد «الإبداع» في اللغة ولكن «التفجير» الذي يراد به «التدمير» مرفوض في ذاته.. فضلا عن أنه يناقض«الفطرة» الإنسانية.
الشرق: من المعلوم أن القرآن الكريم قدم الحياة للغة العربية على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، ومع ذلك نجد أن المهتمين بالدراسات القرآنية في العالم العربي؛ مثل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ود.عائشة عبد الرحمن، وسيد قطب -يرحمه الله-، وغيرهم، يهتمون بالمعنى وهو أضعف جوانب اللغة كما يقول البعض، دون الاهتمام بالنحو القرآني.
- د. الراجحي: لن نمل من التأكيد أن العربية وجدت حياتها الحقيقية في ظل «القرآن الكريم» وأن التراث اللغوي نشأمن أجل فهم «النص» الكريم لا من أجل محاربة اللحن -كما يقال- واستمرار هذا التراث في أن يحمل العربية كل هذه القرون دليل على «صلاحيته»، وأما جهود شيوخنا قطب والشعراوى وأستاذتنا عائشة عبد الرحمن، فجهود خدمت النص الكريم خدمة عظيمة لا يشك في ذلك أحد.
ولا تخلو هذه الجهود من التناول اللغوي خاصة في ما قدمته الدكتورة عائشة، وعلى ذلك فإن القرآن الكريم لايزال ينتظر «المعالجة» اللغوية المنهجية الحقيقية.. والفقير إلى الله لا يشغله الآن إلا بعض هذه الجوانب.. وأرجو أن يظهر منه شيء فى القريب إن شاء الله.
الشرق:« البنية» ) نجد لها الكثير من التعريفات والتوظيف العشوائي فماذا تعني عند الألسنيين بالضبط؟
- د. الراجحي: كما تعلم أن البنية عند اللغويين «نظام» «داخلي» «مغلق» على الباحث أن يبحث عن قوانينه وعن «العلاقات» التي تحكمه حين يتدخل مع «بنى» أخرى، ومثل هذا التعريف يصعب تحميله وتبسيطه للقارئ العام أكثر من ذلك.
الشرق: ذكرتم في كتابكم «فقه اللغة في الكتب العربية» أن هناك خلطا كبيرا بين الأساتذة المتخصصين أنفسهم مثل د. علي عبد الواحد وافي، ود. صبحى الصالح، في طريقة التفريق بين علم اللغة نفسه وفقه اللغة، بل إن بعضهم قد [عدهما] شيئا واحدا!
ولم نقرأ لكم تفصيلا دقيقا لذلك يحدد نوع ذلك الخلط وطبيعته خصوصا وأن طبعة الكتاب قد صدرت منذ ما يزيد على تسعة عشر عاما.
- د. الراجحي: نعم لا يزال هناك خلط في استخدام مصطلح «فقه اللغة» و«علم اللغة» وأظنني أوضحت الفرق بين«فقه اللغة وعلم اللغة» في الكتاب الذي أشرت إليه.
الشرق : ما[...] دور علم اللغة التطبيقي فى اكتشاف وتفسير بعض الظواهر اللغوية العربية؟
- د. الراجحي: هذا الموضوع الذي يجب أن نلفت إليه الناس «علم اللغة التطبيقي» الذي يعني في معظمه الآن المنهج العلمي في «تعليم اللغات» لأبنائها ولغير الناطقين بها، ونظرا إلى حال العربية الآن.. لسنا في حاجة إلى دليل، وما ينبغي لنا أن نستحي من الجهر بأن تعليم العربية يمثل الآن مصنع «الكارثة» في التعليم العام وفي التعليم الجامعي على مستوى العالم العربي كله، وليست العربية هي السبب في ذلك على وجه اليقين؛ وإنما السبب هو«غياب» المنهج العلمي في «تعليمها» وتلك قضية كبيرة جدا لا تكفي فيها أسطر مبسترة ولعلنا نعود إلى هذه القضية الكبرى في عرض مفصل قريبا إن شاء الله تعالى.
 
عودة
أعلى