عبدالله سعد الضياف
New member
الجزء الثاني من الآيات والعبر في يوسف عليه السلام
اطرح الجزء الثاني من أيات والعبر في يوسف وإخوته وأعتذر عن الترتيب المنطقي لتلك الآيات .إذ لا أزال استخرج المزيد وأعد بإذن الله ان أقوم بترتيبها بعد ذلك واطرحها كاملة مرتبة . وذلك بعد أن أطرح الجزء الثالث .
الآية الحادية الثلاثون :
إكرام الله تعالى المبكر لهذا الغلام منذ صغره بأن من عليه تعالى بهذه الرؤيا التي رأى فيها والده عليه السلام بحسه النبوي , وبما أوتي من علم لدني أنها رؤيا صادقة رغم صغر سن الغلام . وهذا دليل على صحة رؤيا الغلام . وليس شرطا أن يكون الرائي راشدا . وقد يقال بأن هذه كرامة مبكرة لهذا الغلام النبي المنتظر , وهذا وارد . ولكن الأنبياء بحكم بشريتهم كانوا قدوة ومثالا وليسوا ملائكة تستحيل القدوة بهم . بل هم بشر كسائر البشر . اللهم ما أكرمهم الله تعالى به من شرف الرسالة .
الآية الثانية والثلاثون :
أن العلم الذي أوتيه يوسف عليه السلام عندما بلغ أشده كان علما لدنيا . ذلك أنه قد عاش في بيئة فرعونية كافرة .ورغم ذلك وبغلبة أمر الله والله غالب على أمره آتاه الله تعالى العلم والحكم جزاء إحسانه واستقامته في هذا المناخ الفرعوني .
الآية الثالثة والثلاثون :
أنه رغم ما يظهر من نزاهة الشاهد من أهل المرأة فقد غاب عنه أو غيب هواه شاهد أقوى وقرينة أوضح من قرينة جهة شق القميص هل هي من الأمام أم من الخلف , تلك القرينة هي أن القميص المشقوق هو قميص يوسف عليه السلام وليس قميص المرأة . فلو كان يوسف هو المعتدي حاشاه لكان الشق في قميصها هي وليس في قميصه عليه السلام .
الآية الرابعة والثلاثون :
ظهور براءة يوسف الثانية بالإقرار والاعتراف الذي هو سيد الأدلة إذ قالت امرأة العزيز أمام صويحباتها أنا راوده عن نفسه فاستعصم . وهذا كان قبل السجن . مما يؤكد ظلمه بهذا السجن غير المبرر .
كما ظهرت براءته عليه السلام مرة أخرى وباعترافها أمام الملك أنها هي التي راودته ثم شهدت ببراءته مرة أخرى . كل ذلك إكراما لولية ونبيه يوسف عليه السلام . وهذه البراءة بعد السجن تؤكد أن السجن لم يكن لذنب اقترفه يوسف عليه السلام , بل هو الظلم البين الواضح .
الآية الخامسة والثلاثون :
أن في مجريات قصة يوسف عليه السلام ومنذ بدايتها معالم واضحة للرؤيا الصادقة الحق من أضغاث الأحلام . فأول المعالم صدق رؤيا الغلام بصدق رؤيا يوسف , وليس الرشد شرطا لصحة الرؤيا .
الثاني صدق رؤيا الرجل وأن كان كافرا بصدق رؤيا الغلام الذي رأى أنه يعصر خمرا .
الثالث تحقق الرؤيا الكاذبة بحق من ادعى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه , فتحققت رؤياه وقضي الأمر . وهذا على مذهب من رأى أن رؤيا الغلام الثاني كانت ادعاء منه ولم تكن له رؤيا . وهكذا من ادعى الرؤيا السيئة فتكون فألا يصدقه الله تعالى عليه . وهذا خطر ومزلق في إدعاء الرؤيا .
الرابع صدق رؤيا الملك رغم أنه كافر . فالإسلام ليس شرطا لصحة الرؤيا . إذ قد يرى الريا الصادقة غير المسلم .
الآية السادسة والثلاثون :
أن استقامة يوسف عليه السلام وثباته على الحق لم تكن بثباته أمام فتنة التنعم في قصر العزيز وتعرض امرأته الجميلة له . بل بثباته عليه السلام في الوجه الآخر من الابتلاء بالشدة مثلما ثبت في الفتنة بالنعمة . وذلك بثباته على الاستقامة في السجن رغم ظروف السجن . وهو ما استحق به شهادة الغلامين بأنه من المحسنين لما رأيا منه من الإحسان في حياته في السجن . مما جعله محل ثقتهم فيه . وهكذا كان ثبات يوسف متنوعا بين الثبات على فتنة النعم , ثم الثبات على فتنة الشدة في السجن .
الآية السابعة والثلاثون :
أن يوسف عليه السلام كان همه الأول دعوته للتوحيد . فلم ينكر على صاحبي السجن إلا عبادتهم للأرباب المتفرقون بدلا من عبادة الله الواحد . ثم التأكيد عليهم بأن الحكم لله تعالى .وانه تعالى أمر بأن لا يعبد إلا هو . وهكذا كان التركيز من يوسف عليه السلام دعوته على القضية الأساس وهي قضية التوحيد . وهذا لعمري نبراس للدعاة بالبدء والتركيز والانطلاق من أصل الدعوة الأصيل وهو البدء بالتوحيد واستحضاره في كل مراحل الدعوة من البداية الى النهاية .
الآية الثامنة والثلاثون :
يا لها من عبرة , فحبيب الله يوسف عليه السلام في حالة من الغفلة البشرية انشغل بالأسباب عن المسبب عندما طلب من الذي ظن أنه ناج من الغلامين بأن يذكره عند ربه , وهكذا أنساه –أي الغلام - الشيطان ذكر ربه فكان جزاءه أن لبث في السجن بضع سنين لأجل وحكمة قدرها الله تعالى . .
الآية التاسعة والثلاثون :
أن الملأ المحيطون بالملك جهلة بعلم الرؤى , ومع ذلك لم يتورعوا من الفتيا , إذ قالوا هذه أضغاث أحلام . فليتهم حين اعترفوا بجهلهم توقفوا عن الفتيا بأن الرؤيا أضغاث أحلام . وهكذا كل جاهل لا يقف عند حدود جهله حتى لو علم جهله بل يمعن في الفتيا رغم الجهل .
الآية الأربعون :
جواز طلب الولاية عند الثقة في المقدرة والكفاءة والأهلية لشغل وظيفة ما . وذلك بدليل طلب يوسف عليه السلام أن يجعله الملك على خزائن الأرض , لما رأى في نفسه من العلم الذي آتاه الله له , ومن الخبرة التي اكتسبها في بيت العزيز , والأمانة المتولدة من إيمانه ونجاحه في الامتحان الأصعب وهو امتحان النساء والثبات في السجن والاستقامة فيه رغم ظروف السجن .
الآية الحادية والأربعون :
لقد كان متعذرا على يوسف أن يأخذ أخاه في دين الملك , ولكن الله تعالى كاد له كيدا ربانيا , فأوحى إليه بوضع صواع الملك في متاع أخيه رحمة من الله تعالى بيوسف وإكراما له ورفعا لدرجته نرفع درجات من نشاء .
الآية الثانية والأربعون :
كظم الغيظ في أوج الافتراء من إخوانه عليه بأنه قد سرق من قبل , فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم . فكظم الغيظ وهو في أوج قدرته على الانتقام من إخوته . فكان عفوه كامل الأركان بالعفو عند المقدرة .
الآية الثالثة والأربعون :
عجيب أمر الظلمة في كل عصر ومصر . فإذا كانت البراءة سببا لإخلاء السبيل فقد صارت البراءة وثبوتها بإقرار زوجة العزيز أمام نسوة المدينة بأنها قد راودته , وانه قد استعصم , عندما ثبتت البراءة صارت سببا لإدخاله السجن . ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) .
الآية الرابعة والأربعون :
حكمة جواز إظهار المفتي لما يثتب قدرته ويبعث على الثقة في فتواه .وهكذا فقد ذكر يوسف عليه السلام رفيقاه في السجن بسابق قدراته بإخباره لهم عن كل طعام يرزقانه قبل أن يأتيهما .
الآية الخامسة والأربعون :
حرص يوسف عليه السلام بتذكير الفتيان بأن ما أوتيه من علم إنما يعود لما علمه الله تعالى له من علم بسبب تركه لملة القوم غير المؤمنين في البيئة الفرعونية التي تربى فيها في بيت العزيز وتمسكه واتباعه لملة آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب . ( قال لا يأتيكما ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهم وسحاق ويعقوب . )
الآية السادسة والأربعون :
حرص يوسف عليه السلام على التمهيد لدعوة التوحيد بجعل الفتيان يريان من صدق فعله وقوله ما يجعلهم يصدقونه في القضية الأهم وهي قضية التوحيد . ( يا صاحبي السجن أأربات متفرقون خير أم الله الواحد القهار , ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . )
الآية السابعة والأربعون :
كشأن المعاندين في كل عصر , فصاحبي السجن رغم إقرارهم بصدق يوسف وإحسانه إلا أنهما لم يؤمنا بما عرضه عليهم من الإيمان بالله تعالى ونبذ الشرك .
وهكذا فالعلم لا يغني عن الإيمان . وهذا حال الكثير من الكفار في العصور المتأخرة , فقد عرفوا من صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإقرار بعضهم بذلك إلا أن ذلك لم يحملهم على الإيمان بما جاء به من الإسلام والحق والمبين .
الآية الثامنة والأربعون :
مراوحة يوسف عليه السلام في اساليب الدعوة . فعندما سأله رفيقاه في السجن عن رؤياهما بادرهما بعرض قضية التوحيد ونبذ الآلهة من دون الله . أما عندما كلمه الملك لم يبادره بما بادر به رفيقاه في السجن ببيان بطلان دعوة الأرباب من دون الله والدعوة لتوحيد الله بالعبودية . بل تمهل به ورأى أن يسلك معه أسلوبا خاصا من الدعوة وهو العمل الجاد والصدق والأمانة وحفظ الخزائن . وهذا أسلوب الدعوة بالقدوة الحسنة وهو أسلوب دعوي مهم . فلو بادره بذكر بطلان آلهته لكان مصيره السجن وربما القتل . وهذا ما ينبغي مراعاته في الدعوة بتنويع الأساليب والمراوحة بينها بحسب المقام ومقتضياته .
الآية التاسعة والأربعون :
الآية والعبرة في قبول يوسف عليه السلام , بل طلب العمل مع الملك رغم كفره . راسما بهذا منهجا صحيحا للمسلم في العمل والخلطة بالكفار شرط أن يكون في نيته وقدرته الحفاظ على دينه وتحقيق دعوته بالأسلوب المناسب وبحسب مقدرته , إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
الآية الخمسون :
أن يوسف عليه السلام قد بلغ من الاستقامة مبلغا عظيما , فقد وصل لمستوى المحسنين وهو لا يزال طفلا , ذلك أنه كان قابضا على الجمر بأنامل رقيقة بالاستقامة وهو في بيت فرعوني كافر ويعاني من ذل العبودية والغربة وبعده وهو الطفل عن والديه . ظل على هذه الاستقامة الى أن بلغ منزلة المحسنين فاستحق من ربه أن يؤتيه الله تعالى الحكم والعلم جراء إحسانه ( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
الآية الحادية والخمسين
أن يوسف عليه السلام في دعوته لصاحبي السجن أتخذ تسلسل ( لا إله إلا الله ) . إذ بدأ بنفي الآلهة من دون الله بإنكار الأرباب المتفرقين , والتأكيد بأنها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان . ثم ختم بإشارة بأن الحكم لله تعالى وأنه تعالى أمر ألا يعبد سواه , وأن ذلك كله هو الدين القيم القائم على نفي الألوهية لغير الله تعالى ثم إثباتها لله تعالى ( نفي وإثبات ) .
الآية الثانية الخمسين :
أن الذي ظن يوسف أنه ناج من رفيقيه في السجن قد نسي يوسف أو تناساه . بل تناساه بدليل أنه لما عرضت رؤيا الملك كان حري به أن يتذكر يوسف ووصيته له بأن يذكره عند ربه . لكنه لم يفعل , واغتنم الفرصة ليذهب ليوسف فيأتي منه بالتأويل دون الالتفات لوصية يوسف عليه السلام له بأن يذكره عند ربه . وهكذا لم يلتفت ليوسف الى أن دعت له الحاجة لتأويل رؤيا الملك , بعد تأويل الرؤيا سأل الملك عن يوسف وطلب الإتيان به . وهكذا رفقة السؤ فرغم إحسان يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن إلا ان ذلك لم يحمل الغلام على ذكر يوسف عليه السلام عند ربه كما وصاه يوسف عليه السلام عند خروجه من السجن .
الاية الثالثة والخمسون :
يلاحظ أن يوسف عليه السلام عندما عرضت عليه رؤيا الملك بادر بتأويلها دون أن يسبق ذلك بالدعوة الى دين الله كما فعل مع صاحبية في السجن , وذلك تقديرا من لمقام الدعوة التي تطلب منه قدرا من الأناة والتوقيت والأسلوب الأمثل لدعوة الملك بغير الأسلوب الذي دعا به رفيقيه في السجن .
الآية الرابعة والخمسون :
قال الله تعالى ( أرسله معنا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ) 12
هنا حكمة أو مشروعية , او ضرورة اللعب للاطفال . تلك الضرورة التي قدرها نبي الله يعقوب عليه السلام . والتي جعلته عليه السلام يغالب مخاوفه من خروج يوسف عليه السلام مع إخوته ( إنه ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون.) رغم الحزن , ورغم الخوف على حياة يوسف من أن يأكله الذئب فقد سمح بخروج يوسف مع إخوته كي يمارس ضرورة فطرية قدرها لدى الأطفال .
الآية الخامسة والخمسون
قال الله تعالى ( فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا الا ملك كريم . )
يلاحظ هنا أن النسوة قد ذكرن من دواعي الانبهار بيوسف ما ذكرنه من الإكبار له , وهي صفات تتجاوز الشكل الى الإكبار والهيبة . وهذا يشير الى ما ترومه المرأة من الرجل فوق الجمال هو المهابة . بل اشرن الى أنه بهذه الهيبة , وهذا الإكبار يرقى لصفات الملاك في الهيبة والبهاء .
الآية السادسة والخمسون :
قال الله تعالى : ( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه , ولقد راودته عن نفسه فاستعصم , ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) ..
وهكذا الطغاة يصيبهم الاغترار والظن أنهم قادرون على أبعد من ذلك من الصغار والذل . وما علموا أن هذا من شأن الإله سبحانه . فهو المعز المذل . فإذا سجن يوسف بجسده فمحال أن تستطيع بجبروتها أن تتمكن من جعله من الصاغرين . وهذا ما حصل . فقد تحقق له من عز البراءة وعز الاستقامة وعز العلم ما مكنه لدى الملك ومكنه من الأرض بعد أن خرج من السجن مكرما ولم تستطع تنفيذ تهديدها بجعله من الصاغرين . فالله غالب على أمره .
الآية السابعة والخمسون :
قال الله تعالى ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون 37 واتبعت ملة آبي إبراهيم وإسحاق ويعقوب , ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء , ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .) 38
هذه إشارة مهمة لسبيل تحصيل العلم النافع , وهو الاستقامة على دين الله تعالى . وهنا مفصل مهم في تحصيل العلم النافع وهو الاستقامة .
يؤكد هذا ويعززه قول الله تعالى في موضع آخر . ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض ... )
ليت من يرغب طلب العلم الشرعي يعي هذا ويبدأ طلبه للعلم الشرعي بلزوم الاستقامة على شرع الله والابتعاد عن معاصيه كي يحضا بشرف طالب العلم كما تحقق له عليه السلام فقد كان من المحسنين القابضين على الجمر بأنامل الطفولة الغضة في البيئة الفرعونية الكافرة مع ذل العبودية وصغر السن والغربة .
الآية الثامنة الخمسون :
قال الله تعالى ( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان , إن الحكم إلا لله , أمر ألا تعبدوا إلا إياه , ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ) 40
هنا إشارة مهمة ولفتة دعوية مهمة , وهي الإشارة الى أن ما يعبد من دون الله تعالى فاقد لسلطان القهر . سواء سلطان الحجة , أو سلطان القوة . فما يعبد من دون الله تعالى لا سلطان له بالحجة , ولا سلطان له بالقوة . إذ لا منهج له ولا حجة واضحة مقنعة . بل لا حجة له أصلا . كما أنه لا حجة قوة . إذ لا يستطيع الصنم دفع الحيوانات من التبول عليه كما حصل في الأصنام المعبودة من دون الله تعالى .
الآية التاسعة والخمسون :
قال الله تعالى ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون , 47 ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون 48 ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه الناس وفيه يعصرون 49 )
يوسف عليه السلام لم يؤل الرؤيا فيقول مباشرة مثلا بالقول بأنه سيمر على مصر سبع سنوات خصب ,وسبع سنوات جدب . ثم سنة الغيث حيث ينعم الناس ويعصرون . هذا تأويل مجرد . لكن يوسف عليه السلام بما آتاه الله تعالى من العلم والحكمة والخبرة في بيت العزيز قبل السجن قد قدم تأويل الرؤيا مصحوبا بخطة اقتصادية تمكن من الخلاص من كارثة المجاعة , فرسم خطة اقتصادية . فقد أقترح تكثيف الإنتاج والمحافظة عليه في السبع السنين المخصبة ثم الإنفاق المقنن في السنين المجدبة . بهذه الخطة الاقتصادية المذهلة نال يوسف عليه السلام إعجاب الملك وصار جديرا بحق بان يولى خزائن الأرض بعد أن طلب الولاية عليها حين آنس في نفسه المقدرة على ذلك . وليس أفضل من أن يطبق الخطة الاقتصادية من بانيها المقتنع بها المتشبع بتفاصيلها .
الآية الستون :
طريق الدعوة طويل . فيوسف عليه السلام بثباته على الحق ولزومه الاستقامة رغم الفتن العظيمة المختلفة من الترغيب الى الترهيب . بهذه الاستقامة ظهرت أول ثمار دعوته بالقدوة الحسنة وهو استقامة امرأة العزيز باعترافها بذنبها أولا ثم تكرار تبرئتها ليوسف للمرة الثانية ثم إقرارها بأن الله تعالى لا يهدي كيد الخائنين . ثم ندمها ولومها لنفسها وعدم تبرئتها لنفسها الأمارة بالسؤ . فالإقرار ثم الندم سبيل للتوبة ودليل على صدقها .
اطرح الجزء الثاني من أيات والعبر في يوسف وإخوته وأعتذر عن الترتيب المنطقي لتلك الآيات .إذ لا أزال استخرج المزيد وأعد بإذن الله ان أقوم بترتيبها بعد ذلك واطرحها كاملة مرتبة . وذلك بعد أن أطرح الجزء الثالث .
الآية الحادية الثلاثون :
إكرام الله تعالى المبكر لهذا الغلام منذ صغره بأن من عليه تعالى بهذه الرؤيا التي رأى فيها والده عليه السلام بحسه النبوي , وبما أوتي من علم لدني أنها رؤيا صادقة رغم صغر سن الغلام . وهذا دليل على صحة رؤيا الغلام . وليس شرطا أن يكون الرائي راشدا . وقد يقال بأن هذه كرامة مبكرة لهذا الغلام النبي المنتظر , وهذا وارد . ولكن الأنبياء بحكم بشريتهم كانوا قدوة ومثالا وليسوا ملائكة تستحيل القدوة بهم . بل هم بشر كسائر البشر . اللهم ما أكرمهم الله تعالى به من شرف الرسالة .
الآية الثانية والثلاثون :
أن العلم الذي أوتيه يوسف عليه السلام عندما بلغ أشده كان علما لدنيا . ذلك أنه قد عاش في بيئة فرعونية كافرة .ورغم ذلك وبغلبة أمر الله والله غالب على أمره آتاه الله تعالى العلم والحكم جزاء إحسانه واستقامته في هذا المناخ الفرعوني .
الآية الثالثة والثلاثون :
أنه رغم ما يظهر من نزاهة الشاهد من أهل المرأة فقد غاب عنه أو غيب هواه شاهد أقوى وقرينة أوضح من قرينة جهة شق القميص هل هي من الأمام أم من الخلف , تلك القرينة هي أن القميص المشقوق هو قميص يوسف عليه السلام وليس قميص المرأة . فلو كان يوسف هو المعتدي حاشاه لكان الشق في قميصها هي وليس في قميصه عليه السلام .
الآية الرابعة والثلاثون :
ظهور براءة يوسف الثانية بالإقرار والاعتراف الذي هو سيد الأدلة إذ قالت امرأة العزيز أمام صويحباتها أنا راوده عن نفسه فاستعصم . وهذا كان قبل السجن . مما يؤكد ظلمه بهذا السجن غير المبرر .
كما ظهرت براءته عليه السلام مرة أخرى وباعترافها أمام الملك أنها هي التي راودته ثم شهدت ببراءته مرة أخرى . كل ذلك إكراما لولية ونبيه يوسف عليه السلام . وهذه البراءة بعد السجن تؤكد أن السجن لم يكن لذنب اقترفه يوسف عليه السلام , بل هو الظلم البين الواضح .
الآية الخامسة والثلاثون :
أن في مجريات قصة يوسف عليه السلام ومنذ بدايتها معالم واضحة للرؤيا الصادقة الحق من أضغاث الأحلام . فأول المعالم صدق رؤيا الغلام بصدق رؤيا يوسف , وليس الرشد شرطا لصحة الرؤيا .
الثاني صدق رؤيا الرجل وأن كان كافرا بصدق رؤيا الغلام الذي رأى أنه يعصر خمرا .
الثالث تحقق الرؤيا الكاذبة بحق من ادعى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه , فتحققت رؤياه وقضي الأمر . وهذا على مذهب من رأى أن رؤيا الغلام الثاني كانت ادعاء منه ولم تكن له رؤيا . وهكذا من ادعى الرؤيا السيئة فتكون فألا يصدقه الله تعالى عليه . وهذا خطر ومزلق في إدعاء الرؤيا .
الرابع صدق رؤيا الملك رغم أنه كافر . فالإسلام ليس شرطا لصحة الرؤيا . إذ قد يرى الريا الصادقة غير المسلم .
الآية السادسة والثلاثون :
أن استقامة يوسف عليه السلام وثباته على الحق لم تكن بثباته أمام فتنة التنعم في قصر العزيز وتعرض امرأته الجميلة له . بل بثباته عليه السلام في الوجه الآخر من الابتلاء بالشدة مثلما ثبت في الفتنة بالنعمة . وذلك بثباته على الاستقامة في السجن رغم ظروف السجن . وهو ما استحق به شهادة الغلامين بأنه من المحسنين لما رأيا منه من الإحسان في حياته في السجن . مما جعله محل ثقتهم فيه . وهكذا كان ثبات يوسف متنوعا بين الثبات على فتنة النعم , ثم الثبات على فتنة الشدة في السجن .
الآية السابعة والثلاثون :
أن يوسف عليه السلام كان همه الأول دعوته للتوحيد . فلم ينكر على صاحبي السجن إلا عبادتهم للأرباب المتفرقون بدلا من عبادة الله الواحد . ثم التأكيد عليهم بأن الحكم لله تعالى .وانه تعالى أمر بأن لا يعبد إلا هو . وهكذا كان التركيز من يوسف عليه السلام دعوته على القضية الأساس وهي قضية التوحيد . وهذا لعمري نبراس للدعاة بالبدء والتركيز والانطلاق من أصل الدعوة الأصيل وهو البدء بالتوحيد واستحضاره في كل مراحل الدعوة من البداية الى النهاية .
الآية الثامنة والثلاثون :
يا لها من عبرة , فحبيب الله يوسف عليه السلام في حالة من الغفلة البشرية انشغل بالأسباب عن المسبب عندما طلب من الذي ظن أنه ناج من الغلامين بأن يذكره عند ربه , وهكذا أنساه –أي الغلام - الشيطان ذكر ربه فكان جزاءه أن لبث في السجن بضع سنين لأجل وحكمة قدرها الله تعالى . .
الآية التاسعة والثلاثون :
أن الملأ المحيطون بالملك جهلة بعلم الرؤى , ومع ذلك لم يتورعوا من الفتيا , إذ قالوا هذه أضغاث أحلام . فليتهم حين اعترفوا بجهلهم توقفوا عن الفتيا بأن الرؤيا أضغاث أحلام . وهكذا كل جاهل لا يقف عند حدود جهله حتى لو علم جهله بل يمعن في الفتيا رغم الجهل .
الآية الأربعون :
جواز طلب الولاية عند الثقة في المقدرة والكفاءة والأهلية لشغل وظيفة ما . وذلك بدليل طلب يوسف عليه السلام أن يجعله الملك على خزائن الأرض , لما رأى في نفسه من العلم الذي آتاه الله له , ومن الخبرة التي اكتسبها في بيت العزيز , والأمانة المتولدة من إيمانه ونجاحه في الامتحان الأصعب وهو امتحان النساء والثبات في السجن والاستقامة فيه رغم ظروف السجن .
الآية الحادية والأربعون :
لقد كان متعذرا على يوسف أن يأخذ أخاه في دين الملك , ولكن الله تعالى كاد له كيدا ربانيا , فأوحى إليه بوضع صواع الملك في متاع أخيه رحمة من الله تعالى بيوسف وإكراما له ورفعا لدرجته نرفع درجات من نشاء .
الآية الثانية والأربعون :
كظم الغيظ في أوج الافتراء من إخوانه عليه بأنه قد سرق من قبل , فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم . فكظم الغيظ وهو في أوج قدرته على الانتقام من إخوته . فكان عفوه كامل الأركان بالعفو عند المقدرة .
الآية الثالثة والأربعون :
عجيب أمر الظلمة في كل عصر ومصر . فإذا كانت البراءة سببا لإخلاء السبيل فقد صارت البراءة وثبوتها بإقرار زوجة العزيز أمام نسوة المدينة بأنها قد راودته , وانه قد استعصم , عندما ثبتت البراءة صارت سببا لإدخاله السجن . ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) .
الآية الرابعة والأربعون :
حكمة جواز إظهار المفتي لما يثتب قدرته ويبعث على الثقة في فتواه .وهكذا فقد ذكر يوسف عليه السلام رفيقاه في السجن بسابق قدراته بإخباره لهم عن كل طعام يرزقانه قبل أن يأتيهما .
الآية الخامسة والأربعون :
حرص يوسف عليه السلام بتذكير الفتيان بأن ما أوتيه من علم إنما يعود لما علمه الله تعالى له من علم بسبب تركه لملة القوم غير المؤمنين في البيئة الفرعونية التي تربى فيها في بيت العزيز وتمسكه واتباعه لملة آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب . ( قال لا يأتيكما ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهم وسحاق ويعقوب . )
الآية السادسة والأربعون :
حرص يوسف عليه السلام على التمهيد لدعوة التوحيد بجعل الفتيان يريان من صدق فعله وقوله ما يجعلهم يصدقونه في القضية الأهم وهي قضية التوحيد . ( يا صاحبي السجن أأربات متفرقون خير أم الله الواحد القهار , ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . )
الآية السابعة والأربعون :
كشأن المعاندين في كل عصر , فصاحبي السجن رغم إقرارهم بصدق يوسف وإحسانه إلا أنهما لم يؤمنا بما عرضه عليهم من الإيمان بالله تعالى ونبذ الشرك .
وهكذا فالعلم لا يغني عن الإيمان . وهذا حال الكثير من الكفار في العصور المتأخرة , فقد عرفوا من صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإقرار بعضهم بذلك إلا أن ذلك لم يحملهم على الإيمان بما جاء به من الإسلام والحق والمبين .
الآية الثامنة والأربعون :
مراوحة يوسف عليه السلام في اساليب الدعوة . فعندما سأله رفيقاه في السجن عن رؤياهما بادرهما بعرض قضية التوحيد ونبذ الآلهة من دون الله . أما عندما كلمه الملك لم يبادره بما بادر به رفيقاه في السجن ببيان بطلان دعوة الأرباب من دون الله والدعوة لتوحيد الله بالعبودية . بل تمهل به ورأى أن يسلك معه أسلوبا خاصا من الدعوة وهو العمل الجاد والصدق والأمانة وحفظ الخزائن . وهذا أسلوب الدعوة بالقدوة الحسنة وهو أسلوب دعوي مهم . فلو بادره بذكر بطلان آلهته لكان مصيره السجن وربما القتل . وهذا ما ينبغي مراعاته في الدعوة بتنويع الأساليب والمراوحة بينها بحسب المقام ومقتضياته .
الآية التاسعة والأربعون :
الآية والعبرة في قبول يوسف عليه السلام , بل طلب العمل مع الملك رغم كفره . راسما بهذا منهجا صحيحا للمسلم في العمل والخلطة بالكفار شرط أن يكون في نيته وقدرته الحفاظ على دينه وتحقيق دعوته بالأسلوب المناسب وبحسب مقدرته , إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
الآية الخمسون :
أن يوسف عليه السلام قد بلغ من الاستقامة مبلغا عظيما , فقد وصل لمستوى المحسنين وهو لا يزال طفلا , ذلك أنه كان قابضا على الجمر بأنامل رقيقة بالاستقامة وهو في بيت فرعوني كافر ويعاني من ذل العبودية والغربة وبعده وهو الطفل عن والديه . ظل على هذه الاستقامة الى أن بلغ منزلة المحسنين فاستحق من ربه أن يؤتيه الله تعالى الحكم والعلم جراء إحسانه ( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
الآية الحادية والخمسين
أن يوسف عليه السلام في دعوته لصاحبي السجن أتخذ تسلسل ( لا إله إلا الله ) . إذ بدأ بنفي الآلهة من دون الله بإنكار الأرباب المتفرقين , والتأكيد بأنها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان . ثم ختم بإشارة بأن الحكم لله تعالى وأنه تعالى أمر ألا يعبد سواه , وأن ذلك كله هو الدين القيم القائم على نفي الألوهية لغير الله تعالى ثم إثباتها لله تعالى ( نفي وإثبات ) .
الآية الثانية الخمسين :
أن الذي ظن يوسف أنه ناج من رفيقيه في السجن قد نسي يوسف أو تناساه . بل تناساه بدليل أنه لما عرضت رؤيا الملك كان حري به أن يتذكر يوسف ووصيته له بأن يذكره عند ربه . لكنه لم يفعل , واغتنم الفرصة ليذهب ليوسف فيأتي منه بالتأويل دون الالتفات لوصية يوسف عليه السلام له بأن يذكره عند ربه . وهكذا لم يلتفت ليوسف الى أن دعت له الحاجة لتأويل رؤيا الملك , بعد تأويل الرؤيا سأل الملك عن يوسف وطلب الإتيان به . وهكذا رفقة السؤ فرغم إحسان يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن إلا ان ذلك لم يحمل الغلام على ذكر يوسف عليه السلام عند ربه كما وصاه يوسف عليه السلام عند خروجه من السجن .
الاية الثالثة والخمسون :
يلاحظ أن يوسف عليه السلام عندما عرضت عليه رؤيا الملك بادر بتأويلها دون أن يسبق ذلك بالدعوة الى دين الله كما فعل مع صاحبية في السجن , وذلك تقديرا من لمقام الدعوة التي تطلب منه قدرا من الأناة والتوقيت والأسلوب الأمثل لدعوة الملك بغير الأسلوب الذي دعا به رفيقيه في السجن .
الآية الرابعة والخمسون :
قال الله تعالى ( أرسله معنا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ) 12
هنا حكمة أو مشروعية , او ضرورة اللعب للاطفال . تلك الضرورة التي قدرها نبي الله يعقوب عليه السلام . والتي جعلته عليه السلام يغالب مخاوفه من خروج يوسف عليه السلام مع إخوته ( إنه ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون.) رغم الحزن , ورغم الخوف على حياة يوسف من أن يأكله الذئب فقد سمح بخروج يوسف مع إخوته كي يمارس ضرورة فطرية قدرها لدى الأطفال .
الآية الخامسة والخمسون
قال الله تعالى ( فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا الا ملك كريم . )
يلاحظ هنا أن النسوة قد ذكرن من دواعي الانبهار بيوسف ما ذكرنه من الإكبار له , وهي صفات تتجاوز الشكل الى الإكبار والهيبة . وهذا يشير الى ما ترومه المرأة من الرجل فوق الجمال هو المهابة . بل اشرن الى أنه بهذه الهيبة , وهذا الإكبار يرقى لصفات الملاك في الهيبة والبهاء .
الآية السادسة والخمسون :
قال الله تعالى : ( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه , ولقد راودته عن نفسه فاستعصم , ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) ..
وهكذا الطغاة يصيبهم الاغترار والظن أنهم قادرون على أبعد من ذلك من الصغار والذل . وما علموا أن هذا من شأن الإله سبحانه . فهو المعز المذل . فإذا سجن يوسف بجسده فمحال أن تستطيع بجبروتها أن تتمكن من جعله من الصاغرين . وهذا ما حصل . فقد تحقق له من عز البراءة وعز الاستقامة وعز العلم ما مكنه لدى الملك ومكنه من الأرض بعد أن خرج من السجن مكرما ولم تستطع تنفيذ تهديدها بجعله من الصاغرين . فالله غالب على أمره .
الآية السابعة والخمسون :
قال الله تعالى ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما . ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون 37 واتبعت ملة آبي إبراهيم وإسحاق ويعقوب , ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء , ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .) 38
هذه إشارة مهمة لسبيل تحصيل العلم النافع , وهو الاستقامة على دين الله تعالى . وهنا مفصل مهم في تحصيل العلم النافع وهو الاستقامة .
يؤكد هذا ويعززه قول الله تعالى في موضع آخر . ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض ... )
ليت من يرغب طلب العلم الشرعي يعي هذا ويبدأ طلبه للعلم الشرعي بلزوم الاستقامة على شرع الله والابتعاد عن معاصيه كي يحضا بشرف طالب العلم كما تحقق له عليه السلام فقد كان من المحسنين القابضين على الجمر بأنامل الطفولة الغضة في البيئة الفرعونية الكافرة مع ذل العبودية وصغر السن والغربة .
الآية الثامنة الخمسون :
قال الله تعالى ( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان , إن الحكم إلا لله , أمر ألا تعبدوا إلا إياه , ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ) 40
هنا إشارة مهمة ولفتة دعوية مهمة , وهي الإشارة الى أن ما يعبد من دون الله تعالى فاقد لسلطان القهر . سواء سلطان الحجة , أو سلطان القوة . فما يعبد من دون الله تعالى لا سلطان له بالحجة , ولا سلطان له بالقوة . إذ لا منهج له ولا حجة واضحة مقنعة . بل لا حجة له أصلا . كما أنه لا حجة قوة . إذ لا يستطيع الصنم دفع الحيوانات من التبول عليه كما حصل في الأصنام المعبودة من دون الله تعالى .
الآية التاسعة والخمسون :
قال الله تعالى ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون , 47 ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون 48 ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه الناس وفيه يعصرون 49 )
يوسف عليه السلام لم يؤل الرؤيا فيقول مباشرة مثلا بالقول بأنه سيمر على مصر سبع سنوات خصب ,وسبع سنوات جدب . ثم سنة الغيث حيث ينعم الناس ويعصرون . هذا تأويل مجرد . لكن يوسف عليه السلام بما آتاه الله تعالى من العلم والحكمة والخبرة في بيت العزيز قبل السجن قد قدم تأويل الرؤيا مصحوبا بخطة اقتصادية تمكن من الخلاص من كارثة المجاعة , فرسم خطة اقتصادية . فقد أقترح تكثيف الإنتاج والمحافظة عليه في السبع السنين المخصبة ثم الإنفاق المقنن في السنين المجدبة . بهذه الخطة الاقتصادية المذهلة نال يوسف عليه السلام إعجاب الملك وصار جديرا بحق بان يولى خزائن الأرض بعد أن طلب الولاية عليها حين آنس في نفسه المقدرة على ذلك . وليس أفضل من أن يطبق الخطة الاقتصادية من بانيها المقتنع بها المتشبع بتفاصيلها .
الآية الستون :
طريق الدعوة طويل . فيوسف عليه السلام بثباته على الحق ولزومه الاستقامة رغم الفتن العظيمة المختلفة من الترغيب الى الترهيب . بهذه الاستقامة ظهرت أول ثمار دعوته بالقدوة الحسنة وهو استقامة امرأة العزيز باعترافها بذنبها أولا ثم تكرار تبرئتها ليوسف للمرة الثانية ثم إقرارها بأن الله تعالى لا يهدي كيد الخائنين . ثم ندمها ولومها لنفسها وعدم تبرئتها لنفسها الأمارة بالسؤ . فالإقرار ثم الندم سبيل للتوبة ودليل على صدقها .