محمد محمود إبراهيم عطية
Member
إن الصبر على عدم حصول النفس على مشتهاها على الفور اختيارًا جانب مهم من جوانب نضج الشخصية الإنسانية ؛ ويأتي الصيام في رمضان بمثابة دورة تدريبية سنوية على هذا النوع من الصبر الاختياري ، وبمثابة دفعة جديدة نحو المزيد من نضج الشخصية لدى المؤمن .
فالصبر جامع لمكارم الأخلاق ، وهو سببٌ إلى كل خير ، وقد وعد الله الصابرين بأنه معهم ، وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم ، فقال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 157 ] ؛ وما من قربة إلا أجرها بتقدير وحساب إلا الصبر : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] .
والصَّبْر - كما قَالَ الرَّاغِب : الْإِمْسَاك فِي ضِيق ، وَهُوَ حَبْس النَّفْس عَلَى مَا يَقْتَضِيه الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْع [SUP]( [1] ) [/SUP]؛ وَتَخْتَلِف مَعَانِي الصبر بحسب مِتَعَلَّقَاتِهِ ؛ قال ابن قدامة في ( مختصر منهاج القاصدين ) : إن كان صبرًا عن شهوة البطن والفرج ، سمي : عفة ، وإن كان الصبر في قتال ، سمي : شجاعة ؛ وإن كان في كظم غيظ ، سمي : حلمًا ، وإن كان في نائبة مضجرة ، سمي : سعة صدر ؛ وإن كان في إخفاء أمر ، سمي : كتمان سر ، وإن كان في فضول عيش ، سمي : زهدًا ؛ وإن كان صبرًا على قدر يسير من الحظوظ ، سمي : قناعة .ا.هـ .
وفي الصوم بعض معاني الصبر ؛ ولأجل كون الصوم من الصبر قال الله تعالى : " الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " ، وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان ( شهر الـصبر ) ، فروى أحمد والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ ، وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ : صَوْمُ الدَّهْرِ " [SUP]( [2] ) [/SUP]؛ قَالَ الطَّبَرِيُّ - رحمه الله : أَصْلُ الصَّبْر مَنْع النَّفْس مَحَابَّهَا وَكَفّهَا عَنْ هَوَاهَا ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَنْ لَمْ يَجْزَع : صَابِرٌ ، لِكَفِّهِ نَفْسه عَنِ الْجَزَعِ ؛ وَقِيلَ لِرَمَضَان : شَهْر الصَّبْر ، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارًا [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ وبنحوه قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رحمه الله : شَهْرُ الصَّبْرِ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْس ، فَسُمِّيَ الصِّيَام صَبْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ حَبْس النَّفْس عَنْ الطَّعَام وَمَنْعهَا عَنْ وَطْء النِّسَاء وَغِشْيَانهنَّ فِي نَهَارِ الصِّيامِ .ا.هـ . وقال ابن عبد البر - رحمه الله - في ( الاستذكار ) : والصوم في لسان العرب : الصبر ؛ قال ابن الأنباري : إنما سمي الصوم صبرًا لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات[SUP] ( [4] ) [/SUP]. وقال البيهقي - رحمه الله - في ( شعب الإيمان ) : وإنما سمي الصيام صبرًا لأن الصبر في كلام العرب الحبس ، والصائم يحبس نفسه عن أشياء ، جعل الله تعالى قوام بدنه بها ، وسمي الصبر ضياء ؛ لأن الشهوات إذا انقمعت به انجلى من القلب الظلام الغاشي إياه باستيلاء الشهوات على النفس ، فأبصر مواقع النفع له من عبادة الله تعالى ، فآثرها وابتدر إليها ، ومواقع الضرر الذي يلحقه من معاصي الله فاعتزلها وكف عنها ، وقد سماه في خبر آخر : نصف صبر .ا.هـ .
فهكذا اتحدت علاقة الصوم بالصبر ، إذ الصوم يقمع الشهوات ، فيجلي القلب فيبصر طريق نجاته ؛ فمن تصبر في رمضان على ذلك قويَ عنده خلق الصبر ، وصار بعد ذلك الصبر له سجية ؛ فيطيب عيشه ، وتحسن عاقبته .
[1] - انظر مفردات الراغب ( مادة ص ب ر ) باختصار وتصرف .
[2] - أحمد : 2 / 253 ، والنسائي ( 2408 ) .
[3] - انظر تفسير ابن جرير الطبري عند الآية ( 45 ) من سورة البقرة .
[4] - انظر ( الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ) : 3 : 375 .
فالصبر جامع لمكارم الأخلاق ، وهو سببٌ إلى كل خير ، وقد وعد الله الصابرين بأنه معهم ، وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم ، فقال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 157 ] ؛ وما من قربة إلا أجرها بتقدير وحساب إلا الصبر : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] .
والصَّبْر - كما قَالَ الرَّاغِب : الْإِمْسَاك فِي ضِيق ، وَهُوَ حَبْس النَّفْس عَلَى مَا يَقْتَضِيه الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْع [SUP]( [1] ) [/SUP]؛ وَتَخْتَلِف مَعَانِي الصبر بحسب مِتَعَلَّقَاتِهِ ؛ قال ابن قدامة في ( مختصر منهاج القاصدين ) : إن كان صبرًا عن شهوة البطن والفرج ، سمي : عفة ، وإن كان الصبر في قتال ، سمي : شجاعة ؛ وإن كان في كظم غيظ ، سمي : حلمًا ، وإن كان في نائبة مضجرة ، سمي : سعة صدر ؛ وإن كان في إخفاء أمر ، سمي : كتمان سر ، وإن كان في فضول عيش ، سمي : زهدًا ؛ وإن كان صبرًا على قدر يسير من الحظوظ ، سمي : قناعة .ا.هـ .
وفي الصوم بعض معاني الصبر ؛ ولأجل كون الصوم من الصبر قال الله تعالى : " الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " ، وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان ( شهر الـصبر ) ، فروى أحمد والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ ، وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ : صَوْمُ الدَّهْرِ " [SUP]( [2] ) [/SUP]؛ قَالَ الطَّبَرِيُّ - رحمه الله : أَصْلُ الصَّبْر مَنْع النَّفْس مَحَابَّهَا وَكَفّهَا عَنْ هَوَاهَا ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَنْ لَمْ يَجْزَع : صَابِرٌ ، لِكَفِّهِ نَفْسه عَنِ الْجَزَعِ ؛ وَقِيلَ لِرَمَضَان : شَهْر الصَّبْر ، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارًا [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ وبنحوه قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رحمه الله : شَهْرُ الصَّبْرِ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْس ، فَسُمِّيَ الصِّيَام صَبْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ حَبْس النَّفْس عَنْ الطَّعَام وَمَنْعهَا عَنْ وَطْء النِّسَاء وَغِشْيَانهنَّ فِي نَهَارِ الصِّيامِ .ا.هـ . وقال ابن عبد البر - رحمه الله - في ( الاستذكار ) : والصوم في لسان العرب : الصبر ؛ قال ابن الأنباري : إنما سمي الصوم صبرًا لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات[SUP] ( [4] ) [/SUP]. وقال البيهقي - رحمه الله - في ( شعب الإيمان ) : وإنما سمي الصيام صبرًا لأن الصبر في كلام العرب الحبس ، والصائم يحبس نفسه عن أشياء ، جعل الله تعالى قوام بدنه بها ، وسمي الصبر ضياء ؛ لأن الشهوات إذا انقمعت به انجلى من القلب الظلام الغاشي إياه باستيلاء الشهوات على النفس ، فأبصر مواقع النفع له من عبادة الله تعالى ، فآثرها وابتدر إليها ، ومواقع الضرر الذي يلحقه من معاصي الله فاعتزلها وكف عنها ، وقد سماه في خبر آخر : نصف صبر .ا.هـ .
فهكذا اتحدت علاقة الصوم بالصبر ، إذ الصوم يقمع الشهوات ، فيجلي القلب فيبصر طريق نجاته ؛ فمن تصبر في رمضان على ذلك قويَ عنده خلق الصبر ، وصار بعد ذلك الصبر له سجية ؛ فيطيب عيشه ، وتحسن عاقبته .
[1] - انظر مفردات الراغب ( مادة ص ب ر ) باختصار وتصرف .
[2] - أحمد : 2 / 253 ، والنسائي ( 2408 ) .
[3] - انظر تفسير ابن جرير الطبري عند الآية ( 45 ) من سورة البقرة .
[4] - انظر ( الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ) : 3 : 375 .