محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الصوم وعورات الفكر
روى ابن أبي شيبة عن جابر t قال : إذا صمتَ فليصمْ سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمأثم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صيامِك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بهذا المعنى ؛ فعند الحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعًا : " ليس الصيام من الطعام والشراب ، إنما الصيام من اللغو والرفث " ، وروى أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة t قال : قال النبي e : " رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ " .
وهنا لابد من إشارة إلى عورات الفكر التي يظهرها من لا خلاق لهم على أنها حرية رأي ، ولابد من القبول بالرأي الآخر – كما يزعمون - وإن خالف الدين والعقل والخلق والأدب ! نقول لهؤلاء : إن للفكر عورات كما أن للجسم عورات ، وكما يجب ستر عورات الجسم ، فإنه يجب ستر عورات الفكر .
ولا أحسب أحدًا من العقلاء يقبل بإظهار العورة الحسية له أو لغيره ، وما رأينا في مجتمع العقلاء من يفعل ذلك ؛ أفيقبل منهم أحد أن يظهر عورة فكره ، أو يقبل من غيره إظهار ذلك ؟
إن العاقل لتأتيه الخاطرة فيزنها ؛ فإن كان مؤمنًا كان ميزانه : هل يرضى الله بهذه الخاطرة ؟ هل حديثي عنها لا يوقعني في غضب الله ، ولا يوردني العذاب ؟ هل في هذه الخاطرة فائدة تعود علي وعلى الناس بالنفع ؟
كل هذا قبل أن يتكلم بها .. فإيمانه قد جعل له مقياسًا صحيحًا للحكم على الأفكار قبل الحديث بها ؛ فقد قال نبي الإنسانية e : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ " متفق عليه ، وقال e : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " وقال e : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ؛ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ " .. أرأيتم في مقاييس البشر ميزانا مثل هذا ؟
وأما إن كان عاقلا فحسب ، فهو يزن أفكاره بمقاييس المصلحة الصحيحة ، لا المصلحة الموهومة ؛ فيقول في نفسه : ما هي الفائدة المتحصلة من هذه الفكرة إن تحدثت بها ؟ وهل معها شيء من الخسارة ؟ وما هو حجم تلك الخسارة ؟ وليست الفائدة المادية عند العقلاء بالتي تقدم على الفائدة المعنوية ؛ وقديمًا قال الشاعر :
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودى فأجمعه ولست للعرض إن أودى بمحتال
فهل يعي الذين يريدون إشاعة الإلحاد والفتن والفاحشة بين الناس ذلك ؟
ألا فليكف هؤلاء عن بث سمومهم ، ويتوبوا إلى الله تعالى نادمين على ما سلف منهم ، وإلا فلينتظروا أليم العقاب في الدنيا والآخرة ؛ قال الملك الجبار : ] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ ( النور : 19 ) .
اللهم من كان من أمة محمد على غير الحق وهو يظن أنه على الحق فردَّه إلى الحق ردًّا جميلا حتى يكون من أهل الحق ... آمين .