ناصر عبد الغفور
Member
بسم1
الصفة الكاشفة في القرآن الحكيم:
الصفة الكاشفة في القرآن الحكيم:
بعض الألفاظ في القرآن الكريم جاءت مقيدة بوصف لازم لها، مطابق للواقع، و هذا ما يسمى بالصفة الكاشفة، و هو عند الأصوليين من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، و هذه بعض الآيات من كتاب الله جل و علا تضمنت هذا النوع من الصفات:
- قال الله تعالى:"ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله و يقتلون النبيين بغير الحق"-البقرة61-
فقد يقول قائل: إن قتل الأنبياء لا يكون إلا ظلما و باطلا، فما وجه التصريح بقوله :"بغير الحق"؟ فالجواب أن ذلك لبيان الواقع و هو أن قتل الأنبياء لا حق فيه بأي وجه كان، فهو وصف لازم و كاشف لهذا القتل، و فائدته هنا الإمعان في بيان عظم جرم من آتى بهذا الأمر الفظيع، و التصريح بهذا الفعل الشنيع.
- قال تعالى:" يتكبرون في الأرض بغير الحق"-الأعراف:61-، فهذه صفة كاشفة لبيان الواقع فكل تكبر في الأرض فهو بدون حق، و كيف لا يكون كذلك و صاحبه قد نازع الله في إحدى صفاته التي لا تليق إلا به كما في الحديث:" يقول الله عز و جل: الكبرياء ردائي و العزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار"-السلسلة الصحيحة-.
- و من ذلك كذلك قوله تعالى:" و من يدعو مع الله إله آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه"-المؤمنون117-،فهذه صفة لازمة أو قيد لازم، فكل شرك لا برهان لصاحبه و لا حجة له عليه، بل يستحيل وجود برهان على عبادة إله آخر مع الله.
- و من الأمثلة قوله تعالى:" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون"-الأعراف:33-،ففي هذه الآية الكريمة وصفان كاشفان، الأول قوله تعالى:"بغير الحق"، فليس هناك بغي بحق، فكل بغي إنما هو بالباطل، و الثاني قوله تعالى:" ما لم ينزل به سلطانا" فهذه صفة كاشفة أخرى، إذ ليس هناك شرك عليه من الله سلطان، كما قال جل و علا:" أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون"-الروم:35-.
فلا مفهوم للمخالفة مطلقا في مثل هذه الآيات، لأن كل ذلك وصف لازم و مطابق للواقع.
يقول العلامة محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:" و قد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع ، فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع"الأضواء:567/5-اهـ-.
و كذلك من الأمور التي تمنع مفهوم المخالفة أن يخرج الوصف مخرج الغالب، كما في قوله تعالى:" :" و ربائبكم التي في حجوركم من نسائكم"- النساء:23-، فقوله تعالى" في حجوركم" خرج مخرج الغالب لأن الأغلب أن الربيبة تربى في حجر زوج أمها، فلا مفهوم للمخافة إذا، فلا يقال بجواز نكاح الربيبة إذا لم تربى في حجر الزوج.
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:" وقد قال الجمهور: إن قوله: { اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ } قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره. اهـ
و يقول العلامة محمد أمين الشنقيطي في أضوائه:" وقد تقرر في الأصول، أن من الموانع لاعتبار مفهوم المخالفة خروج المنطوق مخرج الغالب، ولذا لم يعتبر الجمهور مفهوم المخالفة في قوله: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}، لجريانه على الغالب.
قال في "مراقي السعود": في ذكر موانع اعتبار مفهوم المخالفة:
أو جهل الحكم أو النطق انجلب للسؤل أو جرى على الذي غلب. اهـ.
و الله أعلم و أحكم.