مولاي عمر
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ المكي الناصري
ودوره في الإصلاح من خلال تفسيره
مدخل
لقد أحسنت شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية بتنظيمها لندوة علمية في موضوع النخبة وهو موضوع في غاية الأهمية وأيضا في غاية الراهنية.وفضلا عن ذلك فإني اعتبر الأعمال العلمية أفضل مجال للتعميق تواصلنا الثقافي.
وافترض أن الشخصية التي تتناولها هذه المداخلة شخصية متميزة من جهات متعددة.
ولقد كانت هذه الندوة فرصة لي لأكتشف من جديد معالم شخصية مغربية وجدت نفسها أمام إكراهات كثيرة ولكن أيضا أمام تراث ضخم يجعل المنتسب إليه يتساءل كما تساءل أكثر من واحد وبصيغ متعددة لكن المضمون واحد وهو: ما الذي وقع حتى آل الأمر إلى كل هذا الإنحدار ؟
معالم الانخراط في النخبة في حياة الشيخ المكي الناصري
ولد الشيخ محمد المكي الناصري بن محمد اليمني بن سعيد الناصري بمدينة الرباط في ضحى يوم الأربعاء بتاريخ 24 شوال 1324 هـ الموافق 11 دجنبر 1906 م وينحدر من منطقة تاكونيت القريبة من الزاوية الناصرية وقد تدرج في مسالك التكوين المختلفة، وشارك بشكل وازن في قضايا بلده وعصره،إلى أن توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 29 ذي القعدة 1414 هجرية الموافق 10 ماي 1994م بالرباط عن عمر يناهز 88 سنة.وقد خلف تراثا ضخما و متنوعا لا يزال يشهد لمكانة الرجل وإسهامه ضمن النخبة المغربية. ويمكن إجمال معالم الانتساب إلى النخبة في حياة الشيخ المكي الناصري في ما يلي:
1- تنوع التكوين
الحديث عن النخبة يقتضي تنوعا في التكوين وهذا في تقديري أحد المعالم الكبرى التي تغيب في مسالك التكوين المتبعة في جامعاتنا بشكل عام. إن مبرر التخصص لا يعفي من الإلمام بالعلوم والمعارف الأخرى ذلك لأن الجزر المعرفية المنغلقة لا تحدث نخبا رائدة ، ولما كانت المطالبة بالتخصص في كل شيء دعوى باطلة من أساسها لم يبق إلا التخصص في حقل معرفي معين مع الإنفتاح على باقي الحقول المعرفية وهذه في نظرنا احد المحددات الأساسية للحديث عن النخبة. وإذا رجعنا إلى شخصية المكي الناصري وجدناه قد سلك مسارا تكوينيا متميزا نجمل مراحله الكبرى في ما يلي:
وجه الشيخ المكي الناصري في بداية حياته كما كانت عادة أبناء جيله إلى حفظ القرآن الكريم ثم إلى تلقي العلوم الشرعية و اللغوية في المعاهد الدينية، وتمتد هذه الفترة إلى سنة 1926.حيث أنهى دراسته الابتدائية و تعليمه الثانوي.
ثم سافر إلى مصر. وكان سفره إلى القاهرة في شهر صفر من عام 1346هـ. ولقد سعى للإلتحاق بمدرسة دار العلوم أو مدرسة القضاء الشرعي لكن القوانين لم تكن تسمح بقبوله فانصرف عنها الأزهر.
ثم التحق بقسم الفلسفة وعلم الاجتماع بالجامعة . ولما أحس الشيخ الناصري بسعي فرنسا لطرده من مصر رحل إلى سويسرا وفيها درس الحقوق لتنتهي رحلته الدراسية بالرجوع إلى تطوان أواخر عام 1933م ليصل إلى الرباط أوائل 1934 .
وهكذا فإلى جانب دراسته الواسعة للثقافة الإسلامية وتخصصه فيها، درس الفلسفة وعلم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعلوم التربية بكلية الآداب جامعة باريس،ومادة القانون الدستوري والقانون الدولي العام بكلية الحقوق جامعة جنيف.
ومن أبرز الأساتذة الذين درس عليهم وتأثر بهم:من المغرب:أبو شعيب الدكالي، المدني بن الحسني، محمد السائح،امحمد بنونة، المؤرخ محمد داود...أما بالقاهرةفتعرف على محب الدين الخطيب،الشيخ الخضر حسين ، كما تردد في جامعة الملك فؤاد- جامعة القاهرة – على:طه حسين،أحمد أمين،زكي مبارك، عبد الحميد العبادي، حسن إبراهيم حسن، مصطفى عبد الرازق، منصور فهمي...وفي سويسرا تعرف على الأمير شكيب أرسلان.
و لقد كان مساره التكوني فرصة للقاء مجموعة من المستشرقين الإيطاليين ومنهم كارلوس ألفونسو نلينو Carlos Alfonso Nallino 1872ـ 1938 وإغناطيوس جويدي و تتلفظ "إينياتسيو" Ignzio Guidi 1844 ـ 1935 .ومن المستشرقين الألمان ومنهم إيّنو ليتمان Enno Litmann (1875 ـ 1958م)، وجوتهلف برجستراسر أو ‘برك شتريزر‘ Gotthelf Bergstrasser 1886ـ 1933م.
2- الانخراط في هموم المجتمع وقضاياه
الحديث عن النخبة يقتضي أيضا انخراطا في هموم المجتمع وقضاياه. إذ كيف نجعل من نخبة مجتمع ما من لا يهتم يقضايا المجتمع الذي ينتمي إليه ؟ ليست النخبة حصيلة علمية فقط، بل لا بد أن يكون معها حصيلة عملية . وفي هذا المستوى أيضا نجد الشيخ المكي الناصري يحقق الانخراط الفعلي في شؤون المجتمع مما يجعله بحق أحد رموز النخبة المغربية المعاصرة. فقد عاش رحمه الله الفترة الاستعمارية بكل تحدياتها، كما عايش فترة الاستقلال وما بعده ووجدنا له في المرحلتين معا حضورا متميزا:
قبل الآستقلال
يتجلى انخراط الشيخ المكي الناصري في قضايا المجتمع في أشكال متعددة ولكن أبرزها المؤسسات و الهيآت التي أسسها أو انتسب إليها ونذكر منها:
1. عضو مؤسس وعامل في الرابطة المغربية أول هيئة سرية للعمل الوطني 1921
2. عضو مؤسس وعامل في جمعية انصار الحقيقة 1925
3. عضو مؤسس وعامل في جمعية الفلسفة والاجتماع وجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة 1927 – 1928
4. عضو مؤسس وعامل في كتلة العمل الوطني أول هيئة وطنية سياسية 1934 – 1937
5. أسس حزب " الوحدة المغربية" بعد توقف كتلة العمل الوطني سنة 1937م.
6. عضو مؤسس وعامل بمجلس الأحباس المتحدث بشمال المغرب 1939 -1946
7. عضو مؤسس و عامل في لجنة تحرير المغرب العربي التي أنشأها الغازي محمد عبد الكريم الخطابي بالقاهرة (1948-1955).
8. عضو مؤسس و عامل في ( الجبهة الوطنية ) للأحزاب المغربية الأربعة (1951-1956).
9. عضو مؤسس وعامل في الوفد المغربي الذي قام بتمثيل المغرب ورفع شكواه والدفاع عن قضيته لدى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم 1951- 1955
10. زاول التدريس بالمعهد الحر ومعهد مولاي الحسن ومعهد مولاي المهدي بتطوان
فإذا تأملنا المجالات السابقة أمكننا الخروج بمجموعة من الملاحظات نجملها على الشكل التالي:
• إن واقع البلد الذي يرزح تحت الاستعمار لم يترك مجالا للاختيار، فكان هذا المعطى هو الإطار الموجه لكافة أنشطة الشيخ المكي الناصري في هذه المرحلة أي الإسهام في الاستقلال باعتباره اولى الأولويات.
• إن إسهام الشيخ المكي الناصري في تحرير المغرب واستقلاله كان من موقع النخبة وذلك يتجلى في تأسيس الهياكل الموجهة والمؤطرة.وهكذا وجدناه يحضر باعتباره عضوا مؤسسا في هيآت سياسية متعددة .
• يبرز بين هذه المهام الوعي بضرورة تجميع الجهود من خلال تأسيس كتلة العمل الوطني ،ولكن أيضا البحث عن الحلول البديلة من خلال حزب " الوحدة المغربية".
بعد الاستقلال
استمر حضور الشيخ المكي الناصري المتميز في المشهد المغربي بعد الاستقلال وكان ذلك نتيجة طبيعية للجهد الذي بدله قبل الاستقلال ، وفي يلي جرد لأهم المهام والوظائف التي تولاها في هذه الفترة:
1. عضو في المجلس الوطني الاستشاري 20 أكتوبر 1956
2. عضو في مجلس الدستور 7 نونبر 1960
3. سفير في ليبيا، 13 يناير 1961
4. عامل على إقليم أكادير 9 فبراير 1963
5. عضو في الغرفة الدستورية 18 دجنبر 1963 ـ 1970
6. أستاذ بدار الحديث الحسنية 21 نونبر 1964
7. عضو المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط 1968
8. وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية و الثقافة. 19 نونبر 1972
9. عضو في اللجنة الملكية للتدوين 1979
10. عضو بأكاديمية المملكة المغربية 1مارس 1981
11. عضو بمجلس الوصاية 1981
12. رئيس للمجلس العلمي للعدوتين الرباط وسلا.12 يوليوز 1981
13. عضو في اتحاد المؤرخين العرب 1988
14. أمين عام رابطة علماء المغرب بعد وفاة العلامة عبد الله كنون في المؤتمر الاستثنائي للرابطة المنعقد بطنجة يوم 28 أكتوبر 1989 إلى ان توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 1414هـ بالرباط عن عمر يناهز 88 سنة.
ومما ميزالشيخ المكي الناصري انخراطه المرموق في الواجهة الإعلامية و إسهامه بالعمل الصحفي مؤسسا و مشاركا ومناضلا. كما تشهد بذلك صحف و مجلات تلك الحقبة و نذكر منها :
1. مجلة المغرب الجديد 1935- شهرية- تطوان.
2. صحيفة الوحدة المغربية- 1937- ثلاث مرات في الأسبوع - تطوان.
3. صحيفة unidad marroqui - 1937 بالاسبانية أسبوعية - تطوان.
4. صحيفة la voix du maroc بالفرنسية - 1946 - أسبوعية- طنجة.
5. صحيفة منبر الشعب- 1949-يومية- طنجة.
6. صحيفة الشعب 1952 - خلفت منبر الشعب – يومية.
3- الإنتاج العلمي
تميز الشيخ المكي الناصري من بين علماء العصر بوفرة الانتاج العلمي وغزارته والذي يعد ترجمة عملية لتنوع تكوينه واهتمامه وانشغاله بقضايا المجتمع فكانت كتاباته اصدق تعبير عن هذا المعطى.ويميز المؤرخون لحياة الشيخ المكي الناصري في انتاجه العلمي بين فترة الحماية والاستعمار وبين فترة الاستقلال وله في فترة مؤلفات ورسائل عديدة نذكر منها ما يلي :
1ـ نشر في فترة الحماية
1. إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة، وهي رسالة ضد الخرافات والبدع طبعت بتونس 1925م
2. حياة سقراط زعيم الفلاسفة وأبو الفلسفة القديمة، القاهرة، المطبعة السلفية، 1930.
3. حرب صليبية في مراكش، طبعت بالقدس 1931م
4. فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى طبع بالقاهرة 1932م
5. وصايا دينية من ملوك الدولة العلوية طبع بالرباط 1934م
6. الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية طبع بتطوان 1935م
7. موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية، تطوان، مطبعة الوحدة المغربية، 1946.
8. - مطالب الشعب المغربي.
كما قام بتعريب عدة أبحاث ومستندات سياسية من اللغة الفرنسية ونشر منها ما يأتي:
1. "سياسة الحماية الفرنسية في المغرب" تقرير سري للمارشال ليوطي سنة 1920 طبع بالقاهرة 1938.
2. " كيف تمت مؤامرة الظهير البربري" محاضرة جلسات اللجنة السرية المكلفة بوضع مشروع هذا الظهير سنة 1930. طبع في تطوان 1941.
2ـ نشر بعد الاستقلال
1. مبادئ القانون الإداري في الإسلام
2. مبادئ القانون الدولي في الإسلام
3. نظام الحقوق في الاسلام
4. مكانة الاجتهاد في الاسلام
5. فلسفة التشريع الإسلامي، طبع أكاديمية المملكة.
6. منهاج الحكم في الاسلام
7. كيف نجدد رسالة الإسلام
8. الشريعة أخت الطبيعة
9. النظرية العامة للشريعة
10. تاريخ التشريع الإسلامي
11. الدعوة الإسلامية فلسفتها السديدة وسياستها الرشيدة.
12. الحضارة الإسلامية
13. الحضارة المغربية
14. رسالة القرآن في عصر العلم طبع مجلة الكاديمية.
15. إعجاز القرآن على ضوء العلم الحديث
16. حكمة الإسلام
17. سماحة الإسلام
18. كيف انتشر الإسلام في العالم
19. نظام الفتوة في العالم الإسلامي
20. المذهب المالكي مذهب المغاربة المفضل
21. نظام الفتوى في الشريعة والفقه. طبع ندوة الشريعة والفقه والقانون
22. علم الكلام فلسفة إسلامية مبكرة.
23. وحدة المغرب العربي بنت الطبيعة والتاريخ و المصير المشترك
24. نظرة إلى التخطيط العائلي على ضوء التشريع الإسلامي
25. دراسات تاريخية عن سبتة والجديدة والصويرة.
26. الأقليات الديينة وحق تقرير المصير
27. مكانة الرياضة في الإسلام
بالإضافة لما نشر له ضمن ندوة الإمام مالك، وندوة الشريعة والفقه، والدراسات التي
خص بها مجلة "دعوة الحق"
ومن آخر ما كتب قبل رحيله رحمه الله دراسة عن موضوع :" كيف تسربت ثقافة الإسلام إلى الغرب المسيحي في العصر الوسيط" التي قدمها في الندوة الداخلية لأكاديمية المملكة في دجنبر 1991م.
ونشر له ضمن منشورات الرابطة مع الشباب الطبعة الولى 1412هـ ودستور العودة الإسلامية و"تحت راية العرش".
ويهمنا في هذه الدراسة أشهر مؤلفاته التيسير في أحاديث التفسير" الذي جمعه من خلال أحاديثه التفسيرية الإذاعية وقد نشر هذا الكتاب في ست مجلدات صدرت ببيروت عام 1985م عن دار الغرب الإسلامي.
المكي الناصري وصلته بالتفسير
تمتد صلة المكي الناصري بالتفسير إلى العشرينات الثلاثينات وعن ذلك يقول:"وكان من ذلك ما تطوعت به في العشرينات والثلاثينات من إلقاء دروس ومحاضرات في تفسير بعض السور وبعض الآيات بمساجد الرباط ومساجد تطوان" التيسير 1/5
وواصل جهده هذا في الأربعينات أيضا لما يقول من:" الإقبال على تفسير القرآن الكريم كل يوم بين العشاءين خلال سنتين متواليتين بالمسجد الأعظم بطنجة وخلال سنة ثالثة بالمسجد المحمدي والمسجد العتيق بالدار البيضاء" التيسير 1/5
وفي أواسط الخمسينات واصل كما يقو:"واصلت:" العمل على نشر رسالة القرآن فلقيت عدة أحاديث ومحاضرات في موضوعات مختلفة من الدراسات القرآنية المتنوعة... كما قمت خلال نفس الفترة بتفسير عدة سور مفردة، في مناسبات متعددة، لكن دون التزام بعقد مجالس عامة للتفسير بصورة منتظمة."
ثم كان اليوم السعيد كما قال:"وذات يوم من أسعد أيام الستينات تلقيت دعوة ملحة من الإذاعة الوطنية بالمغرب للقيام بإلقاء أحاديث يومية في التفسير القرآن لفائدة المواطنين والمواطنات وكافة المومنين و المومنات" التيسير 1/6
ثم إن هذا التفسير الإذاعي يقول عنه الشيخ المكي الناصري بأنه:" أول تفسير إذاعي للمصحف الكريم عرفته الإذاعات العربية والإسلامية" التيسير 1/10
الإسهام في الإصلاح من خلال التفسير
تعد كتب التفسير ترجمة حقيقية لرؤية مؤلفيها للإصلاح وفي هذا الإطار يمكن التمثيل بكتاب تفسير المنار لرشيد رضا والذي هو خلاصة رؤية مدرسة المنار في الإصلاح، وأيضا كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب.وفي هذا الإطار وقع الإختيار على الشيخ المكي الناصري لمحاولة تلمس بعض جوانب انخراطه في قضايا الإصلاح من خلال تفسيره ،وإن كان إسهام المكي الناصري يحسن أن يستخرج من مؤلفاته كلها ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
في إصلاح الحكم والقضاء
تقدمت الإشارة إلى انخراط الشيخ المكي الناصري في القضايا السياسية ، وقد كان ذلك من مداخل متعددة ، ويمكن بيسر تلمس كثير من آثار اهتمامه في كتابه التيسيرومن ذلك ما قاله في تفسر قوله تعالى:" وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ" " (المائدة : 49 ) حيث ينطلق مما تدل عليه الآية وهي موجهة للنبي صلى الله عليه و سلم ليقرر بأن من دونه من الولاة وحكام المسلمين بهذا التوجيه أولى . يقول:" وإذا كان الخطاب الإلهي يتوجه إلى الرسول بمثل هذه الأوامر والنواهي وهو المتميز عن غيره بالعصمة و الرسالة حرصا على إحقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة العدل المطلق بين الناس فمن باب أولى وأحرى أن يوجه هذا الخطاب الإلهي إلى غير المعصومين من ولاة المسلمين الحاكمين بين الناس من بعده، ومن باب أولى وأحرى أن تساق إليهم هذه الأوامر و النواهي، بل إنهم المقصودون بالذات من هذا الخطاب الموجه في الظاهر إلى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، إذ هم وحدهم دون الرسول المعرضون للتأثر بأهواء المحكومين والمخالفين على حساب الحق، وهم وحدهم المعرضون للفتنة عن العدل . والفتنة أنواع وأشكال من بينها فتنة الرشوة، وفتنة البطانة والحاشية، وفتنة الشفاعات والوساطات ، وفتنة الانحراف والتحريف، وفتنة الآراء الفاسدة والنظريات الباطلة" التيسير 2/ 65 – 66
فالشيخ الناصري في هذا النص يلمح إلى بعض مظاهر الفساد السياسي المتمثل في التنكب عن طريق حكم الشريعة .
في إصلاح المنطلقات الفكرية
ويدعو الشيخ الناصري العلماء الذين تقاعسوا عن أمر الدعوة إلى الحق في واقعنا المعاصر إلى ضرورة المشاركة في إصلاح المجتمع وذلك عند تصحيحه للفهم الخاطئ لقوله تعالى من سورة المائدة:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (المائدة : 105 )، يقول:" في هذا الربع آية كريمة يجب الوقوف عندها وقفة خاصة فقد فهمها بعض الناس على غير وجهها منذ عهد مبكر ... فهاهنا دعوة موجهة إلى المشركين من الرسول والمؤمنين ليتركوا ما هم عليه من ضلال وخبال لكنهم يصرون على تقليدهم الأعمى ويأبون الاستجابة إلى الدعوة الإسلامية.وما دام الأمر هكذا وما دام الرسول و المومنون قد بذلوا كل ما في وسعهم للقيام بتوجيه الدعوة وتبليغ الرسالة...فقد برئت ذمتهم...وليس معنى الآية الإذن للمسلم بالتخلي عن واجباته نحو المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية و لا الترخيص له بالوقوف منها موقف المتفرج الذي لا يهمه من أمرهما شيء فذلك فهم مقلوب للإسلام وتأويل مضاد للمعنى المقصود من هذه الآية" التيسير2/95- 96
كما يكشف الشيخ المكي الناصري عن خلفيات خصوم الإسلام بعيدا عن كل الدعاوى والشبهات المثارة منطلقا في ذلك من قوله تعالى:" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"(المائدة : 50 ) يقول:"يرفع كتاب الله النقاب وإمعانا عن خصوم الشريعة وأعدائها ويبين السر الخفي والدافع الحقيقي لخصومتهم لها في السر والعلن ، ذلك بأنهم يفضلون شريعة الغاب على شريعة الكتاب لأنهم يجدون في كنف الأولى كل ما يحقق أغراضهم المنحرفة من الوسائل والأسباب،وحكم الغاب بالنسبة للإسلام هو حكم الجاهاية الأولى ، وحكم الجاهلية هو حكم الهوى لا حكم الحق، وحكم العصبية لا حكم العدل، وحكم الطبقية لا حكم المساواة، وحكم الاستغلال لا حكم الإنصاف، وحكم الإباحية لا حكم ضبط النفس، وحكم الفوضى لا حكم النظام ،وحكم الفواحش والخبائث لا حكم المكارم والطيبات، وبالجملة فحكم الجاهلية هو الحكم الذي يوحي به الشيطان والنقيض الطبيعي التام من كل الوجوه ومن جمع زوايا النظر لحكم الحكيم الرحمن" التيسير 2/66 – 67
ومن المواضيع التي عالجها الشيخ الناصري في تفسيره موضوع الجهاد وإعداد القوة لمحاربة العدو ، يقول رحمه الله:" وقد نبه مصلحو الإسلام في القرن الأخير وفي طليعتهم حكيم المشرق جمال الدين الأفغاني الحسيني ومؤرخ المغرب أحمد بن خالد الناصري الجعفري إلى أن أهم سبب كان ولا يزال لطمع الأجانب في العالم الإسلامي هو إهمال المسلمين لما أمرهم الله به وحضهم عليه من العناية التامة بالقوة العسكرية والفنون الحربية ومن تركهم الاستعداد للجهاد واعتمادهم في العدة والعتاد على نفس الأجانب الطامعين في السيطرة على العباد." التيسير 2/ 324
ومن وسائل الاستعداد للجهاد ضرورة إعداد القوة اللازمة وهذا ما يشير إليه عند تفسير قوله تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" الأنفال 61، "جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع بقاعدة قرآنية عامة وخطاب إلهي موجه إلى كافة المؤمنين وبصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين وذلك قوله تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يامر الله عباده المؤمنين أمرا قاطعا بإعداد كل مافي إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد على مدى السنين والأعوام" التيسير 2/ 344.
ويقدم الشيخ الناصري مفهوما واسعا وشاملا لمفهوم القوة في القرآن، يقول:"وكتاب الله في هذه الآية لا يحدد نوعا خاصا من أنواع القوة وإنما يأمر بإعداد القوة بكل ما في الوسع والطاقة وعلى الإطلاق والشمول دون تعيين لنوعها ولا تحديد لشكلها لأن أنواع القوة وأدواتها تختلف من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، فلكل عصر نوع من القوة يقهر الأعداء ونوع من السلاح يفيد في مقاومتهم ويردهم على أعقابهم والله بمقتضى هذه الآية يلزم المسلمين بان يكونوا أقوياء غير ضعفاء وبان يكونوا في مستوى كاف من القوة يجعلهم في مأمن من طمع الطامعين ... إذ هو سبحانه اعلم بما سيواجه الإسلام منذ ظهوره في العالم من أحلاف عدائية ودسائس سياسية وعسكرية، ومؤامرات صليبية وصهيونية وإلحادية، دون انقطاع إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها..." التيسير 2/ 345
في إصلاح بعض القضايا الاجتماعية
في قضايا لأسرة:
وفي تفسير قوله تعالى:"عن تراض منهما وتشاور" يرشد إلى اهمية التشاور في قضايا الأسرة بشكل عام.يقول :"وإذا كانت رضاعة الطفل وفطامه مما تجب فيه المشاورة و التراضي بين الوالدين ... فما بالك ببقية شؤون الأسرة الأخرى فالمشاورة فيها تعتبر من باب أولى وأحرى وذلك توجيه من الله تعالى لعباده المومنين أن يجعلوا من أسرهم أسرا قائمة على التعاون ومن بيوتهم بيوتا مؤسسة على التضامن يتكامل فيها رأي الزوج برأي الزوجة وتدبير الأب بتدبير الأم" التيسير 1/153
وفي تفسير قوله تعالى :" ولا تنكحوا المشركات حتى يومن" البقرة 219 يحذر من خطورة الزواج المختلط الذي انتشر في هذا العصر نتيجة اختلاط المسلمين بالأجانب وخاصة النصارى. يقول:" واليوم قد تبدلت أوضاع الحياة وانتشر هذا النوع من الزواج المختلط انتشارا فاحشا وبرزت آثاره الحتمية الفاسدة في تربية أبناء المسلمين وبناتهم في أحضان الأمهات غيرالمسلمات. التيسير 1/142
في محاربة الخمر و القمار
وفي تفسير قوله تعالى:"إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" يستثمر الخلاصات العلمية والاقتصادية في مفاسد الخمر لتأكيد ما أرشدت إليه الشريعة الإسلامية في الموضوع فيقول:"وقد أثبتت الأيام صدق نظر الإسلام فأجمع علماء الطب وعلماء الإقتصاد وعلماء الاجتماع الجديرون بحمل هذه الصفة على أن الخمر و الميسر لهما من الآثار الفاسدة على حياة الأفراد والجماعات ما يعتبران معه من أكبر أعداء الإنسانية ومن أعظم عوامل التخريب والتدمير للحضارة والمدنية وقد تكونت لمحاربتهما في مختلف البلدان ومن مختلف الملل والنحل عدة هيآت دولية ونادت بمكافحتها منظمة الصحة العالمية نفسها وكان الإسلام هو الرائد الأول للجميع في هذا الميدان الاجتماعي الإصلاحي الخطير كشأنه في بقية الميادين" التيسير 1/ 139 - 140
في سعيه لإبراز خصائص التشريع الإسلامي
في سعيه لتصحيح التصورات الخاطئة عن الإسلام قال عقب تفسيره لقوله تعالى :"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا" اجتهد في بيان موقف الشريعة من الملذات بشكل عام وهو مما التبس فيه الحق بالباطل ،يقول:"وإزالة لكل لبس فيما يخص موقف الإسلام من الاستمتاع بالطيبات وتناول ما هو مشروع منها من الملذات عقب كتاب الله على هذا المثل مباشرة فقال تعالى:" المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا" على غرار قوله تعالى في سورة آل عمران :"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" آل عمران 14 وبذلك أكد الإسلام قيمة المال و الولد بالنسبة لحياة الأفراد وما ينال حياتهم من كمال بوجودها ومن نقص بفقدهما منبها في نفس الوقت إلى ان اهتمام الأفراد يجب ان يتجه إلى الجانب الأنفع والأدوم والأبقى من الإثنين." التيسير 3/ 445
خاتمة
إن الوقفات اليسيرة مع الشيخ المكي الناصري سواء من خلال استعراض مساره التكويني أو من خلال كتابه التيسير قد كشفت على أن الرجل يمثل بحق رمزا من رموز النخبة المغربية المنشغلة بقضايا المجتمع المغربي والتي ترجمت ذلك في ما خلفت للأجيال من تراث فكري .ومع التسليم بكون كتاب التيسير لا يكفي وحده لتشكيل تصور متكامل عن الرجل إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن الكتاب غني بالمواقف والقضايا التي جعلت منه تفسيرا معاصرا بحق يتحاشى الدخول في كثير من التفاصيل التي شغلت بها كتب التفسير لكنه أيضا يساهم برأيه في القضايا والإشكالات التي شغلت المجتمع سواء ذات البعد الفكري أو الإجتماعي أو السياسي ...
وعسى ان تكون هذه المداخلة مساهمة متواضعة في التنبيه إلى أهمية النظر إلى النخبة المغربية بكل التنوع الذي طبعها ، وهي في ذات الوقت إلى مواصلة الحوار العلمي الهادف بين كل أطياف النخبة المغربية المعاصرة.
الشيخ المكي الناصري
ودوره في الإصلاح من خلال تفسيره
مدخل
لقد أحسنت شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية بتنظيمها لندوة علمية في موضوع النخبة وهو موضوع في غاية الأهمية وأيضا في غاية الراهنية.وفضلا عن ذلك فإني اعتبر الأعمال العلمية أفضل مجال للتعميق تواصلنا الثقافي.
وافترض أن الشخصية التي تتناولها هذه المداخلة شخصية متميزة من جهات متعددة.
ولقد كانت هذه الندوة فرصة لي لأكتشف من جديد معالم شخصية مغربية وجدت نفسها أمام إكراهات كثيرة ولكن أيضا أمام تراث ضخم يجعل المنتسب إليه يتساءل كما تساءل أكثر من واحد وبصيغ متعددة لكن المضمون واحد وهو: ما الذي وقع حتى آل الأمر إلى كل هذا الإنحدار ؟
معالم الانخراط في النخبة في حياة الشيخ المكي الناصري
ولد الشيخ محمد المكي الناصري بن محمد اليمني بن سعيد الناصري بمدينة الرباط في ضحى يوم الأربعاء بتاريخ 24 شوال 1324 هـ الموافق 11 دجنبر 1906 م وينحدر من منطقة تاكونيت القريبة من الزاوية الناصرية وقد تدرج في مسالك التكوين المختلفة، وشارك بشكل وازن في قضايا بلده وعصره،إلى أن توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 29 ذي القعدة 1414 هجرية الموافق 10 ماي 1994م بالرباط عن عمر يناهز 88 سنة.وقد خلف تراثا ضخما و متنوعا لا يزال يشهد لمكانة الرجل وإسهامه ضمن النخبة المغربية. ويمكن إجمال معالم الانتساب إلى النخبة في حياة الشيخ المكي الناصري في ما يلي:
1- تنوع التكوين
الحديث عن النخبة يقتضي تنوعا في التكوين وهذا في تقديري أحد المعالم الكبرى التي تغيب في مسالك التكوين المتبعة في جامعاتنا بشكل عام. إن مبرر التخصص لا يعفي من الإلمام بالعلوم والمعارف الأخرى ذلك لأن الجزر المعرفية المنغلقة لا تحدث نخبا رائدة ، ولما كانت المطالبة بالتخصص في كل شيء دعوى باطلة من أساسها لم يبق إلا التخصص في حقل معرفي معين مع الإنفتاح على باقي الحقول المعرفية وهذه في نظرنا احد المحددات الأساسية للحديث عن النخبة. وإذا رجعنا إلى شخصية المكي الناصري وجدناه قد سلك مسارا تكوينيا متميزا نجمل مراحله الكبرى في ما يلي:
وجه الشيخ المكي الناصري في بداية حياته كما كانت عادة أبناء جيله إلى حفظ القرآن الكريم ثم إلى تلقي العلوم الشرعية و اللغوية في المعاهد الدينية، وتمتد هذه الفترة إلى سنة 1926.حيث أنهى دراسته الابتدائية و تعليمه الثانوي.
ثم سافر إلى مصر. وكان سفره إلى القاهرة في شهر صفر من عام 1346هـ. ولقد سعى للإلتحاق بمدرسة دار العلوم أو مدرسة القضاء الشرعي لكن القوانين لم تكن تسمح بقبوله فانصرف عنها الأزهر.
ثم التحق بقسم الفلسفة وعلم الاجتماع بالجامعة . ولما أحس الشيخ الناصري بسعي فرنسا لطرده من مصر رحل إلى سويسرا وفيها درس الحقوق لتنتهي رحلته الدراسية بالرجوع إلى تطوان أواخر عام 1933م ليصل إلى الرباط أوائل 1934 .
وهكذا فإلى جانب دراسته الواسعة للثقافة الإسلامية وتخصصه فيها، درس الفلسفة وعلم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعلوم التربية بكلية الآداب جامعة باريس،ومادة القانون الدستوري والقانون الدولي العام بكلية الحقوق جامعة جنيف.
ومن أبرز الأساتذة الذين درس عليهم وتأثر بهم:من المغرب:أبو شعيب الدكالي، المدني بن الحسني، محمد السائح،امحمد بنونة، المؤرخ محمد داود...أما بالقاهرةفتعرف على محب الدين الخطيب،الشيخ الخضر حسين ، كما تردد في جامعة الملك فؤاد- جامعة القاهرة – على:طه حسين،أحمد أمين،زكي مبارك، عبد الحميد العبادي، حسن إبراهيم حسن، مصطفى عبد الرازق، منصور فهمي...وفي سويسرا تعرف على الأمير شكيب أرسلان.
و لقد كان مساره التكوني فرصة للقاء مجموعة من المستشرقين الإيطاليين ومنهم كارلوس ألفونسو نلينو Carlos Alfonso Nallino 1872ـ 1938 وإغناطيوس جويدي و تتلفظ "إينياتسيو" Ignzio Guidi 1844 ـ 1935 .ومن المستشرقين الألمان ومنهم إيّنو ليتمان Enno Litmann (1875 ـ 1958م)، وجوتهلف برجستراسر أو ‘برك شتريزر‘ Gotthelf Bergstrasser 1886ـ 1933م.
2- الانخراط في هموم المجتمع وقضاياه
الحديث عن النخبة يقتضي أيضا انخراطا في هموم المجتمع وقضاياه. إذ كيف نجعل من نخبة مجتمع ما من لا يهتم يقضايا المجتمع الذي ينتمي إليه ؟ ليست النخبة حصيلة علمية فقط، بل لا بد أن يكون معها حصيلة عملية . وفي هذا المستوى أيضا نجد الشيخ المكي الناصري يحقق الانخراط الفعلي في شؤون المجتمع مما يجعله بحق أحد رموز النخبة المغربية المعاصرة. فقد عاش رحمه الله الفترة الاستعمارية بكل تحدياتها، كما عايش فترة الاستقلال وما بعده ووجدنا له في المرحلتين معا حضورا متميزا:
قبل الآستقلال
يتجلى انخراط الشيخ المكي الناصري في قضايا المجتمع في أشكال متعددة ولكن أبرزها المؤسسات و الهيآت التي أسسها أو انتسب إليها ونذكر منها:
1. عضو مؤسس وعامل في الرابطة المغربية أول هيئة سرية للعمل الوطني 1921
2. عضو مؤسس وعامل في جمعية انصار الحقيقة 1925
3. عضو مؤسس وعامل في جمعية الفلسفة والاجتماع وجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة 1927 – 1928
4. عضو مؤسس وعامل في كتلة العمل الوطني أول هيئة وطنية سياسية 1934 – 1937
5. أسس حزب " الوحدة المغربية" بعد توقف كتلة العمل الوطني سنة 1937م.
6. عضو مؤسس وعامل بمجلس الأحباس المتحدث بشمال المغرب 1939 -1946
7. عضو مؤسس و عامل في لجنة تحرير المغرب العربي التي أنشأها الغازي محمد عبد الكريم الخطابي بالقاهرة (1948-1955).
8. عضو مؤسس و عامل في ( الجبهة الوطنية ) للأحزاب المغربية الأربعة (1951-1956).
9. عضو مؤسس وعامل في الوفد المغربي الذي قام بتمثيل المغرب ورفع شكواه والدفاع عن قضيته لدى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم 1951- 1955
10. زاول التدريس بالمعهد الحر ومعهد مولاي الحسن ومعهد مولاي المهدي بتطوان
فإذا تأملنا المجالات السابقة أمكننا الخروج بمجموعة من الملاحظات نجملها على الشكل التالي:
• إن واقع البلد الذي يرزح تحت الاستعمار لم يترك مجالا للاختيار، فكان هذا المعطى هو الإطار الموجه لكافة أنشطة الشيخ المكي الناصري في هذه المرحلة أي الإسهام في الاستقلال باعتباره اولى الأولويات.
• إن إسهام الشيخ المكي الناصري في تحرير المغرب واستقلاله كان من موقع النخبة وذلك يتجلى في تأسيس الهياكل الموجهة والمؤطرة.وهكذا وجدناه يحضر باعتباره عضوا مؤسسا في هيآت سياسية متعددة .
• يبرز بين هذه المهام الوعي بضرورة تجميع الجهود من خلال تأسيس كتلة العمل الوطني ،ولكن أيضا البحث عن الحلول البديلة من خلال حزب " الوحدة المغربية".
بعد الاستقلال
استمر حضور الشيخ المكي الناصري المتميز في المشهد المغربي بعد الاستقلال وكان ذلك نتيجة طبيعية للجهد الذي بدله قبل الاستقلال ، وفي يلي جرد لأهم المهام والوظائف التي تولاها في هذه الفترة:
1. عضو في المجلس الوطني الاستشاري 20 أكتوبر 1956
2. عضو في مجلس الدستور 7 نونبر 1960
3. سفير في ليبيا، 13 يناير 1961
4. عامل على إقليم أكادير 9 فبراير 1963
5. عضو في الغرفة الدستورية 18 دجنبر 1963 ـ 1970
6. أستاذ بدار الحديث الحسنية 21 نونبر 1964
7. عضو المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط 1968
8. وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية و الثقافة. 19 نونبر 1972
9. عضو في اللجنة الملكية للتدوين 1979
10. عضو بأكاديمية المملكة المغربية 1مارس 1981
11. عضو بمجلس الوصاية 1981
12. رئيس للمجلس العلمي للعدوتين الرباط وسلا.12 يوليوز 1981
13. عضو في اتحاد المؤرخين العرب 1988
14. أمين عام رابطة علماء المغرب بعد وفاة العلامة عبد الله كنون في المؤتمر الاستثنائي للرابطة المنعقد بطنجة يوم 28 أكتوبر 1989 إلى ان توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 1414هـ بالرباط عن عمر يناهز 88 سنة.
ومما ميزالشيخ المكي الناصري انخراطه المرموق في الواجهة الإعلامية و إسهامه بالعمل الصحفي مؤسسا و مشاركا ومناضلا. كما تشهد بذلك صحف و مجلات تلك الحقبة و نذكر منها :
1. مجلة المغرب الجديد 1935- شهرية- تطوان.
2. صحيفة الوحدة المغربية- 1937- ثلاث مرات في الأسبوع - تطوان.
3. صحيفة unidad marroqui - 1937 بالاسبانية أسبوعية - تطوان.
4. صحيفة la voix du maroc بالفرنسية - 1946 - أسبوعية- طنجة.
5. صحيفة منبر الشعب- 1949-يومية- طنجة.
6. صحيفة الشعب 1952 - خلفت منبر الشعب – يومية.
3- الإنتاج العلمي
تميز الشيخ المكي الناصري من بين علماء العصر بوفرة الانتاج العلمي وغزارته والذي يعد ترجمة عملية لتنوع تكوينه واهتمامه وانشغاله بقضايا المجتمع فكانت كتاباته اصدق تعبير عن هذا المعطى.ويميز المؤرخون لحياة الشيخ المكي الناصري في انتاجه العلمي بين فترة الحماية والاستعمار وبين فترة الاستقلال وله في فترة مؤلفات ورسائل عديدة نذكر منها ما يلي :
1ـ نشر في فترة الحماية
1. إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة، وهي رسالة ضد الخرافات والبدع طبعت بتونس 1925م
2. حياة سقراط زعيم الفلاسفة وأبو الفلسفة القديمة، القاهرة، المطبعة السلفية، 1930.
3. حرب صليبية في مراكش، طبعت بالقدس 1931م
4. فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى طبع بالقاهرة 1932م
5. وصايا دينية من ملوك الدولة العلوية طبع بالرباط 1934م
6. الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية طبع بتطوان 1935م
7. موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية، تطوان، مطبعة الوحدة المغربية، 1946.
8. - مطالب الشعب المغربي.
كما قام بتعريب عدة أبحاث ومستندات سياسية من اللغة الفرنسية ونشر منها ما يأتي:
1. "سياسة الحماية الفرنسية في المغرب" تقرير سري للمارشال ليوطي سنة 1920 طبع بالقاهرة 1938.
2. " كيف تمت مؤامرة الظهير البربري" محاضرة جلسات اللجنة السرية المكلفة بوضع مشروع هذا الظهير سنة 1930. طبع في تطوان 1941.
2ـ نشر بعد الاستقلال
1. مبادئ القانون الإداري في الإسلام
2. مبادئ القانون الدولي في الإسلام
3. نظام الحقوق في الاسلام
4. مكانة الاجتهاد في الاسلام
5. فلسفة التشريع الإسلامي، طبع أكاديمية المملكة.
6. منهاج الحكم في الاسلام
7. كيف نجدد رسالة الإسلام
8. الشريعة أخت الطبيعة
9. النظرية العامة للشريعة
10. تاريخ التشريع الإسلامي
11. الدعوة الإسلامية فلسفتها السديدة وسياستها الرشيدة.
12. الحضارة الإسلامية
13. الحضارة المغربية
14. رسالة القرآن في عصر العلم طبع مجلة الكاديمية.
15. إعجاز القرآن على ضوء العلم الحديث
16. حكمة الإسلام
17. سماحة الإسلام
18. كيف انتشر الإسلام في العالم
19. نظام الفتوة في العالم الإسلامي
20. المذهب المالكي مذهب المغاربة المفضل
21. نظام الفتوى في الشريعة والفقه. طبع ندوة الشريعة والفقه والقانون
22. علم الكلام فلسفة إسلامية مبكرة.
23. وحدة المغرب العربي بنت الطبيعة والتاريخ و المصير المشترك
24. نظرة إلى التخطيط العائلي على ضوء التشريع الإسلامي
25. دراسات تاريخية عن سبتة والجديدة والصويرة.
26. الأقليات الديينة وحق تقرير المصير
27. مكانة الرياضة في الإسلام
بالإضافة لما نشر له ضمن ندوة الإمام مالك، وندوة الشريعة والفقه، والدراسات التي
خص بها مجلة "دعوة الحق"
ومن آخر ما كتب قبل رحيله رحمه الله دراسة عن موضوع :" كيف تسربت ثقافة الإسلام إلى الغرب المسيحي في العصر الوسيط" التي قدمها في الندوة الداخلية لأكاديمية المملكة في دجنبر 1991م.
ونشر له ضمن منشورات الرابطة مع الشباب الطبعة الولى 1412هـ ودستور العودة الإسلامية و"تحت راية العرش".
ويهمنا في هذه الدراسة أشهر مؤلفاته التيسير في أحاديث التفسير" الذي جمعه من خلال أحاديثه التفسيرية الإذاعية وقد نشر هذا الكتاب في ست مجلدات صدرت ببيروت عام 1985م عن دار الغرب الإسلامي.
المكي الناصري وصلته بالتفسير
تمتد صلة المكي الناصري بالتفسير إلى العشرينات الثلاثينات وعن ذلك يقول:"وكان من ذلك ما تطوعت به في العشرينات والثلاثينات من إلقاء دروس ومحاضرات في تفسير بعض السور وبعض الآيات بمساجد الرباط ومساجد تطوان" التيسير 1/5
وواصل جهده هذا في الأربعينات أيضا لما يقول من:" الإقبال على تفسير القرآن الكريم كل يوم بين العشاءين خلال سنتين متواليتين بالمسجد الأعظم بطنجة وخلال سنة ثالثة بالمسجد المحمدي والمسجد العتيق بالدار البيضاء" التيسير 1/5
وفي أواسط الخمسينات واصل كما يقو:"واصلت:" العمل على نشر رسالة القرآن فلقيت عدة أحاديث ومحاضرات في موضوعات مختلفة من الدراسات القرآنية المتنوعة... كما قمت خلال نفس الفترة بتفسير عدة سور مفردة، في مناسبات متعددة، لكن دون التزام بعقد مجالس عامة للتفسير بصورة منتظمة."
ثم كان اليوم السعيد كما قال:"وذات يوم من أسعد أيام الستينات تلقيت دعوة ملحة من الإذاعة الوطنية بالمغرب للقيام بإلقاء أحاديث يومية في التفسير القرآن لفائدة المواطنين والمواطنات وكافة المومنين و المومنات" التيسير 1/6
ثم إن هذا التفسير الإذاعي يقول عنه الشيخ المكي الناصري بأنه:" أول تفسير إذاعي للمصحف الكريم عرفته الإذاعات العربية والإسلامية" التيسير 1/10
الإسهام في الإصلاح من خلال التفسير
تعد كتب التفسير ترجمة حقيقية لرؤية مؤلفيها للإصلاح وفي هذا الإطار يمكن التمثيل بكتاب تفسير المنار لرشيد رضا والذي هو خلاصة رؤية مدرسة المنار في الإصلاح، وأيضا كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب.وفي هذا الإطار وقع الإختيار على الشيخ المكي الناصري لمحاولة تلمس بعض جوانب انخراطه في قضايا الإصلاح من خلال تفسيره ،وإن كان إسهام المكي الناصري يحسن أن يستخرج من مؤلفاته كلها ، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
في إصلاح الحكم والقضاء
تقدمت الإشارة إلى انخراط الشيخ المكي الناصري في القضايا السياسية ، وقد كان ذلك من مداخل متعددة ، ويمكن بيسر تلمس كثير من آثار اهتمامه في كتابه التيسيرومن ذلك ما قاله في تفسر قوله تعالى:" وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ" " (المائدة : 49 ) حيث ينطلق مما تدل عليه الآية وهي موجهة للنبي صلى الله عليه و سلم ليقرر بأن من دونه من الولاة وحكام المسلمين بهذا التوجيه أولى . يقول:" وإذا كان الخطاب الإلهي يتوجه إلى الرسول بمثل هذه الأوامر والنواهي وهو المتميز عن غيره بالعصمة و الرسالة حرصا على إحقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة العدل المطلق بين الناس فمن باب أولى وأحرى أن يوجه هذا الخطاب الإلهي إلى غير المعصومين من ولاة المسلمين الحاكمين بين الناس من بعده، ومن باب أولى وأحرى أن تساق إليهم هذه الأوامر و النواهي، بل إنهم المقصودون بالذات من هذا الخطاب الموجه في الظاهر إلى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، إذ هم وحدهم دون الرسول المعرضون للتأثر بأهواء المحكومين والمخالفين على حساب الحق، وهم وحدهم المعرضون للفتنة عن العدل . والفتنة أنواع وأشكال من بينها فتنة الرشوة، وفتنة البطانة والحاشية، وفتنة الشفاعات والوساطات ، وفتنة الانحراف والتحريف، وفتنة الآراء الفاسدة والنظريات الباطلة" التيسير 2/ 65 – 66
فالشيخ الناصري في هذا النص يلمح إلى بعض مظاهر الفساد السياسي المتمثل في التنكب عن طريق حكم الشريعة .
في إصلاح المنطلقات الفكرية
ويدعو الشيخ الناصري العلماء الذين تقاعسوا عن أمر الدعوة إلى الحق في واقعنا المعاصر إلى ضرورة المشاركة في إصلاح المجتمع وذلك عند تصحيحه للفهم الخاطئ لقوله تعالى من سورة المائدة:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (المائدة : 105 )، يقول:" في هذا الربع آية كريمة يجب الوقوف عندها وقفة خاصة فقد فهمها بعض الناس على غير وجهها منذ عهد مبكر ... فهاهنا دعوة موجهة إلى المشركين من الرسول والمؤمنين ليتركوا ما هم عليه من ضلال وخبال لكنهم يصرون على تقليدهم الأعمى ويأبون الاستجابة إلى الدعوة الإسلامية.وما دام الأمر هكذا وما دام الرسول و المومنون قد بذلوا كل ما في وسعهم للقيام بتوجيه الدعوة وتبليغ الرسالة...فقد برئت ذمتهم...وليس معنى الآية الإذن للمسلم بالتخلي عن واجباته نحو المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية و لا الترخيص له بالوقوف منها موقف المتفرج الذي لا يهمه من أمرهما شيء فذلك فهم مقلوب للإسلام وتأويل مضاد للمعنى المقصود من هذه الآية" التيسير2/95- 96
كما يكشف الشيخ المكي الناصري عن خلفيات خصوم الإسلام بعيدا عن كل الدعاوى والشبهات المثارة منطلقا في ذلك من قوله تعالى:" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"(المائدة : 50 ) يقول:"يرفع كتاب الله النقاب وإمعانا عن خصوم الشريعة وأعدائها ويبين السر الخفي والدافع الحقيقي لخصومتهم لها في السر والعلن ، ذلك بأنهم يفضلون شريعة الغاب على شريعة الكتاب لأنهم يجدون في كنف الأولى كل ما يحقق أغراضهم المنحرفة من الوسائل والأسباب،وحكم الغاب بالنسبة للإسلام هو حكم الجاهاية الأولى ، وحكم الجاهلية هو حكم الهوى لا حكم الحق، وحكم العصبية لا حكم العدل، وحكم الطبقية لا حكم المساواة، وحكم الاستغلال لا حكم الإنصاف، وحكم الإباحية لا حكم ضبط النفس، وحكم الفوضى لا حكم النظام ،وحكم الفواحش والخبائث لا حكم المكارم والطيبات، وبالجملة فحكم الجاهلية هو الحكم الذي يوحي به الشيطان والنقيض الطبيعي التام من كل الوجوه ومن جمع زوايا النظر لحكم الحكيم الرحمن" التيسير 2/66 – 67
ومن المواضيع التي عالجها الشيخ الناصري في تفسيره موضوع الجهاد وإعداد القوة لمحاربة العدو ، يقول رحمه الله:" وقد نبه مصلحو الإسلام في القرن الأخير وفي طليعتهم حكيم المشرق جمال الدين الأفغاني الحسيني ومؤرخ المغرب أحمد بن خالد الناصري الجعفري إلى أن أهم سبب كان ولا يزال لطمع الأجانب في العالم الإسلامي هو إهمال المسلمين لما أمرهم الله به وحضهم عليه من العناية التامة بالقوة العسكرية والفنون الحربية ومن تركهم الاستعداد للجهاد واعتمادهم في العدة والعتاد على نفس الأجانب الطامعين في السيطرة على العباد." التيسير 2/ 324
ومن وسائل الاستعداد للجهاد ضرورة إعداد القوة اللازمة وهذا ما يشير إليه عند تفسير قوله تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" الأنفال 61، "جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع بقاعدة قرآنية عامة وخطاب إلهي موجه إلى كافة المؤمنين وبصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين وذلك قوله تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يامر الله عباده المؤمنين أمرا قاطعا بإعداد كل مافي إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد على مدى السنين والأعوام" التيسير 2/ 344.
ويقدم الشيخ الناصري مفهوما واسعا وشاملا لمفهوم القوة في القرآن، يقول:"وكتاب الله في هذه الآية لا يحدد نوعا خاصا من أنواع القوة وإنما يأمر بإعداد القوة بكل ما في الوسع والطاقة وعلى الإطلاق والشمول دون تعيين لنوعها ولا تحديد لشكلها لأن أنواع القوة وأدواتها تختلف من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، فلكل عصر نوع من القوة يقهر الأعداء ونوع من السلاح يفيد في مقاومتهم ويردهم على أعقابهم والله بمقتضى هذه الآية يلزم المسلمين بان يكونوا أقوياء غير ضعفاء وبان يكونوا في مستوى كاف من القوة يجعلهم في مأمن من طمع الطامعين ... إذ هو سبحانه اعلم بما سيواجه الإسلام منذ ظهوره في العالم من أحلاف عدائية ودسائس سياسية وعسكرية، ومؤامرات صليبية وصهيونية وإلحادية، دون انقطاع إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها..." التيسير 2/ 345
في إصلاح بعض القضايا الاجتماعية
في قضايا لأسرة:
وفي تفسير قوله تعالى:"عن تراض منهما وتشاور" يرشد إلى اهمية التشاور في قضايا الأسرة بشكل عام.يقول :"وإذا كانت رضاعة الطفل وفطامه مما تجب فيه المشاورة و التراضي بين الوالدين ... فما بالك ببقية شؤون الأسرة الأخرى فالمشاورة فيها تعتبر من باب أولى وأحرى وذلك توجيه من الله تعالى لعباده المومنين أن يجعلوا من أسرهم أسرا قائمة على التعاون ومن بيوتهم بيوتا مؤسسة على التضامن يتكامل فيها رأي الزوج برأي الزوجة وتدبير الأب بتدبير الأم" التيسير 1/153
وفي تفسير قوله تعالى :" ولا تنكحوا المشركات حتى يومن" البقرة 219 يحذر من خطورة الزواج المختلط الذي انتشر في هذا العصر نتيجة اختلاط المسلمين بالأجانب وخاصة النصارى. يقول:" واليوم قد تبدلت أوضاع الحياة وانتشر هذا النوع من الزواج المختلط انتشارا فاحشا وبرزت آثاره الحتمية الفاسدة في تربية أبناء المسلمين وبناتهم في أحضان الأمهات غيرالمسلمات. التيسير 1/142
في محاربة الخمر و القمار
وفي تفسير قوله تعالى:"إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" يستثمر الخلاصات العلمية والاقتصادية في مفاسد الخمر لتأكيد ما أرشدت إليه الشريعة الإسلامية في الموضوع فيقول:"وقد أثبتت الأيام صدق نظر الإسلام فأجمع علماء الطب وعلماء الإقتصاد وعلماء الاجتماع الجديرون بحمل هذه الصفة على أن الخمر و الميسر لهما من الآثار الفاسدة على حياة الأفراد والجماعات ما يعتبران معه من أكبر أعداء الإنسانية ومن أعظم عوامل التخريب والتدمير للحضارة والمدنية وقد تكونت لمحاربتهما في مختلف البلدان ومن مختلف الملل والنحل عدة هيآت دولية ونادت بمكافحتها منظمة الصحة العالمية نفسها وكان الإسلام هو الرائد الأول للجميع في هذا الميدان الاجتماعي الإصلاحي الخطير كشأنه في بقية الميادين" التيسير 1/ 139 - 140
في سعيه لإبراز خصائص التشريع الإسلامي
في سعيه لتصحيح التصورات الخاطئة عن الإسلام قال عقب تفسيره لقوله تعالى :"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا" اجتهد في بيان موقف الشريعة من الملذات بشكل عام وهو مما التبس فيه الحق بالباطل ،يقول:"وإزالة لكل لبس فيما يخص موقف الإسلام من الاستمتاع بالطيبات وتناول ما هو مشروع منها من الملذات عقب كتاب الله على هذا المثل مباشرة فقال تعالى:" المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا" على غرار قوله تعالى في سورة آل عمران :"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" آل عمران 14 وبذلك أكد الإسلام قيمة المال و الولد بالنسبة لحياة الأفراد وما ينال حياتهم من كمال بوجودها ومن نقص بفقدهما منبها في نفس الوقت إلى ان اهتمام الأفراد يجب ان يتجه إلى الجانب الأنفع والأدوم والأبقى من الإثنين." التيسير 3/ 445
خاتمة
إن الوقفات اليسيرة مع الشيخ المكي الناصري سواء من خلال استعراض مساره التكويني أو من خلال كتابه التيسير قد كشفت على أن الرجل يمثل بحق رمزا من رموز النخبة المغربية المنشغلة بقضايا المجتمع المغربي والتي ترجمت ذلك في ما خلفت للأجيال من تراث فكري .ومع التسليم بكون كتاب التيسير لا يكفي وحده لتشكيل تصور متكامل عن الرجل إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن الكتاب غني بالمواقف والقضايا التي جعلت منه تفسيرا معاصرا بحق يتحاشى الدخول في كثير من التفاصيل التي شغلت بها كتب التفسير لكنه أيضا يساهم برأيه في القضايا والإشكالات التي شغلت المجتمع سواء ذات البعد الفكري أو الإجتماعي أو السياسي ...
وعسى ان تكون هذه المداخلة مساهمة متواضعة في التنبيه إلى أهمية النظر إلى النخبة المغربية بكل التنوع الذي طبعها ، وهي في ذات الوقت إلى مواصلة الحوار العلمي الهادف بين كل أطياف النخبة المغربية المعاصرة.
التعديل الأخير: