الشيب في نظر العلماء وفي حس الأدباء !

إنضم
01/05/2010
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الطائف / حي السداد
[align=justify]
الشيب ظاهرة مؤثرة في المشاعر البشرية والقرائح الشعرية والشيب في نظر العلماء نذير من نذر الموت يوجب التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود وأهم مظاهر التجافي عن دار الغرور الإقلاع عن المعاصي وبخاصة الموبقات المهلكات ولهذا ورد في الحديث (((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامه ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه و لا يبيع إلا بيمينه))) .
وأما في حس الأدباء فله دلالات كثيرة تحلق في عالم الخيال احياناً وتلامس الحقيقة احياناً اخرى حتى تنفذ إلى أعماق القلوب كقول أبي الحسن التهامي :-

وتلهب الأحشاء شيب مفرقي= هذا الشعاع شرار تلك النار

فالحزن الشديد يورث أهله الشيب السريع وقد لا يقتصر تأثير المشاعر القلبية على مجرد شرار الشيب المتناثر في الرأس بل قد يعمه حتى يقلبه رأساً وبخاصة إذا حل بالقلب ماهو أعظم من الحزن ، ومن أعجب ما قرأته في هذا الصدد ماذكره ابن القيم في كتاب الروح أنه بينما راكب يسير بين مكه والمدينه اذ مر بمقبرة فإذا برجل قد خرج من قبر يلتهب ناراً مصفداً في الحديد فقال: يا عبد الله انضح ياعبدالله انضح وخرج آخر يتلوه فقال ياعبدالله لاتنضح وغشي على الراكب وعدلت به راحلته إلى العرج وأصبح وقد ابيض شعره فأخبر عثمان بن عفان رضي الله عنه بذلك فنهى ان يسافر الرجل وحده ا . هـ
[/align]وهذا لا ينافي عقيدة أهل السنه في أن عذاب القبر ونعيمه غيب عن الثقلين لأن الله سبحانه وتعالى قد يكشفه لبعض خلقه لحكمه وقد وقع شئ من ذلك في عهد الصحابه كما ذكره ابن القيم في الكتاب المذكور . وأعظم من هذا الفزع مايكون يوم القيامة حين يأمر الله آدم صل1 بإخراج بعث النار من ذريته ، فيقول : يارب ومابعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ! فعند ذاك يشيب الولدان !!
 
أخي الفاضل عيسى السعدي حفظه الله تعالى ورعاه
لدي كتاب حول الشيب لم أطبعه بعد وقد أسميته:
مُجْمَل الأقوال في خضاب الرجال
صبغ اليدين والقدمين والرأس واللحية بالسواد والحمرة والصفرة وما يتعلّق بذلك من أحكام وأحوال.

وانقل اليكم اخوتي في هذا الملتقى أحد عناوينه:

الشيب والمشيب في ديوان العرب
"تقول العرب: رجل " مَلْهُوز " إذا بدا الشيب في رأسه، ثم هو أشمط إذا اختلط السواد والبياض، ثم هو " أشْيَب " .
و " القَرَن " في الحاجبين: أن يطولا حتى يلتقي طرفاهما، و" البَلَجُ " أن يتقطعا حتى يكون ما بينهما نقياً من الشعر، والعرب تستحبه وتكره القَرَن، و " الزَّجَجُ " طول الحاجبين ودقتهما وسبُوغهما إلى مؤخر العينين" ([1]).
ويقال: بلع الشيب في رأسه: ظهر وارتفع. ويقال أيضاً: ثقبه الشيب إذا وخطه. وثقب الشيب في اللحية: أخذ في نواحيها. وأجهد فيه الشيب: كثر وانتشر. وخيّط الشيب في رأسه ولحيته:أي جُعل فيهما شبه الخيوط،. ويقال أيضاً: شاع في رأسه الشيب.وخصف الشيب لمّته: جعلها خصيفاً. قال الشاعر:
دنت حفظتي وخصف الشيب لمتى ... وخليت بالي للأمور الأباطيل"" ([2])
وقال شاعر آخر
بكيت فما تبكي شباب صباك ... كفاك نذير الشيب فيك كفاك
ألم تر أن الشيب قد قام ناعيا ... مكان الشباب الغض ثم نعاك
ألا أيها الفاني وقد حان حينه ... أتطمع أن تبقى فلست هناكا
تموت كما مات الذين نسيتهم...وتُنسى ويهوىالحي بعدهواكا ([3])
قال الأصمعي : دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق فرأى شيخا كبيرا فقال له: يا شيخ أيسرك أن تموت؟ قال: لا والله. قال: ولم وقد بلغت في السن ما أرى؟ قال: ذهب الشباب وشرّه وجاء الكبر وخيره، فإذا قعدتُ ذكرت الله وإذا قمتُ حمدت الله فأحب أن تدوم لي هاتان الحالتان.
وعن الأصمعي أيضاً قال: قيل لعبد الملك بن مروان: عجّل عليك الشيب. قال :وكيف لا يُعجّل علي وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين([4]).وهو القائل شيبتني المنابر
ولله درّ القائل:"من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها فما تنتظر إلا الولادة. وكذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت فقبيح منه الإصرار على الذنب"([5]).
قال الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الصَّرْصَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا
(طبعاً هذه القصيدة ينشدها صاحب الصوت العذب الشيخ مشاري العفاسي فهل سمعتها ؟؟؟)

"أيها الشيوخ استعدوا للرحيل ، فمن علم قرب الرحيل عن مكة استكثر من الطواف خصوصاً إن كان لا يؤمل العود لكبر سنه وضعف قوته.
فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلو سنه أن يبادر اللحظات، وينتظر الهاجم بما يصلح له.
فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشباب، واسترخى الوتر في المشيب عن تيه القوس. فانحدر إلى القاب وضعفت القوى. وما بقي إلا الاستسلام لمحارب التلف، فالبدار البدار إلى التنظيف ليكون القدوم على طهارة" ([1]).
قال د. محمد بن إبراهيم النعيم:
"اعلم إن الشيب نعمة، لأنه نذير ومذكر للفطن بقرب أجله، قال تعالى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) [فاطر: 36-37].
 
أشكر الأخ تيسير على مشاركته الطيبة وأسأل الله تعالى أن ييسر طباعة كتابكم المذكور وأن يتقبله بقبول حسن وقد تضمنت مشاركتكم أمورا كثيرة ومفيدة أكتفي بالتعليق على أحدها وهو ماذكرتم عن عبدالملك بن مروان وكلمته الشهيرة شيبتني المنابر ! فقد اشتهر عنه أن همه الأكبر في خطبه كان توقي اللحن ! فقد كان عيبا كبيرا وبخاصة ممن يعلو المنابر ! وانظر لحالنا الآن كم نخطئ وكم نلحن في الكتابات المحرره بله الخطب المرتجلة !! وأود أن اربط هذا الجانب بما اقترحتموه من تشكيل لجنة لتصحيح الأخطاء اللغوية في المشاركات التي تكتب في هذا المنتدى ! فبقدر ماأعجبني هذا الاقتراح بقدر ماآلمني ؛ لأنه إذاكان هذا حالنا ونحن في منتدى النخبة فما الظن بغيرنا ؟ الحقيقة أن المسألة في غاية الأهمية ويجب علينا الاهتمام البالغ بلغة القرآن وبخاصة أننا في منتدى كبر هم أهله لغة القرآن وعلومه !
 
جزاكم الله خيرا أيها الشيخ الفاضل ، وبارك الله فيكم.
ومن الطريف ما رُوِي عن ابن جني أنه لم يسمع لأبي علي الفارسي شعرا قط إلى أَنْ دخل إليه في بعض الأيام رجلٌ من الشعراء ، فجرى ذكر الشعر ، فقال أبو علي: إني لأغبطكم على قول هذا الشعر ، فإن خاطري لا يواتيني على قوله ، مع تحققي للعلوم التي هي من موارده ، فقال له ذلك الرجل: فما قلتَ قط شيئا منه البتة؟
فقال: ما أعهد لي شعرا إلا ثلاثة أبيات قلتُها في الشيب ، وهي قولي:
خضبتُ الشيب لما كان عيبا ** وخضب الشيب أولى أَنْ يُعابا
ولم أخضب مخافة هجر خِلٍّ ** ولا عيبا خشيتُ ولا عتابا
ولكنَّ المشيب بدا ذميما ** فصيَّرْتُ الخضاب له عقابا
فاستحسنوا الأبيات وكتبوها عنه.
 
يعجبني اختيارك يا دكتور عيسى، ويعجبني أكثر تعليقاتك العقديَّة التي تُعقِّبُ بِها على الاختيارات، وأما موضوع الشيب في كتب الأدب فهو حديثٌ ذو شجون، ويحضرني قول أبي الطيب المتنبي ضمن قصيدته الذائعة المشهورة التي سار أكثر أبياتها حكماً يتغنى بها الأدباء بعده :
والهَمُّ يَختَرِمُ الجسيمَ نَحافةً * ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهْرِمُ​
 
شهادتكم شرف أعتز به وأقدر لكم حرصكم ومتابعتكم الدائبة وتواضعكم الجم مع أنني من جملة من استفاد منكم ولكن النفوس الكريمة كلما زادها الله رفعة كلما ازدادت تواضعا وحسن خلق فزادكم الله من فضله وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة .
 
عودة
أعلى