الشهيد .....والقتيل ...نظرة تأمل تحتاج إلى المزيد

إنضم
26/02/2005
المشاركات
1,331
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
مصر
مما لا شك فيه أن الاختلاف في الأمور العلمية يثري ويثمِّر ما لدينا من فكر لذا كان الاختلاف العلمي النزيه من أفضل أبواب مدارسة العلم ومسامرة العلماء.

أقول هذا بمناسبة ما يقع الآن في غزة إذ من الأفاضل من يصف شهداء غزة بالقتلى ـ هكذا بدون قيد ـ وله مستنده من خلال القرآن الكريم حيث قال الله تعالى :

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}{البقرة154} ففي الآية قال يقتل ولم يقل يستشهد .

وفي الآية الثانية {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }{آل عمران157} ولم يقل استشهدتم .

وفي الثالثة {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }{آل عمران169} قتلوا لا استشهدوا .

وفي الرابعة: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } {النساء74} فيقتل لا فيستشهد .

وفي الخامسة: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }{التوبة111} ويُقتلون لا " ويستشهدون" ـ إن صح التعبيرـ

وفي السادسة : {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } {الحج58} ولم يقل ثم نالوا الشهادة .

وفي السابعة: {... وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } {محمد4} قال: قتلوا فحسب دون غيرها .

وفي الثامنة : {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } {آل عمران195} وقتلوا ....دون غيرها .

[align=center]قلت وبالله التوفيق: [/align]
ـ هل وُرود مادة " قتل" ـ كما نصت الآيات السالفة ـ ووقوعها في حق من قاتل في سبيل الله فقُتل يسوِّغ لنا أن نُطلق عليه وصف " قتيل " هكذا مجردة فنقول في أخبارنا وإخبارنا " قَتْل فلان..." أو سقوط فلان ضمن القتلى" أو قُتِل ....؟

سؤال يستحق التأمل ، وبالتأمل بان لي الآتي:

أولا: كل الآيات التى سبق ذكرها قيدت القتل بأنه في سبيل الله وهذا يعني الشهادة .
ثانياً: القيد بكونه في سبيل الله قيد معتبر فلابد من مراعاته.
ثالثاً: إطلاق الشهيد على من قتل في سبيل الله إطلاق شرعي يظهر ذلك من خلال القرآن وما ثبت على لسان من اختصه ربه بالبيان ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ونص القرآن الكريم:
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }{النساء69}
وقال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }{الزمر69}
وقال سبحانه {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }{الحديد19}

قال الرسعني: الشهيد سمي شهيدا لأن الله شهد له بالجنة ، أو لأن ملائكة الرحمة تشهده، أو لقيامه بشهادة الحق حتى قتل، أو لأنه يشهد ما أعده الله له من الكرامة في دار المقامة " { الرسعني 1/555} وانظر المحرر الوجيز.

قال الآلوسي نقلا عن الراغب: فالمنازل أربعة بعضها دون بعض : الأول : منازل الأنبياء وهم الذين تمدهم قوة إلهية وتصحبهم نفس في أعلى مراتب القدسية ومثلهم كمن يرى الشيء عياناً من قريب ، ولذلك قال تعالى في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم :{أفتمارونه على مَا يرى } [ النجم : 12 ] والثاني : منازل الصديقين وهم الذين يتأخرون على الأنبياء عليهم السلام في المعرفة ، ومثلهم كمن يرى الشيء عياناً من بعيد ، وإياه عنى علي كرم الله تعالى وجهه حيث قيل له : هل رأيت الله تعالى؟ فقال : ما كنت لأعبد رباً لم أره ، ثم قال : لم تره العيون بشواهد العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان .
والثالث : منازل الشهداء وهم الذين يعرفون الشيء بالبراهين ، ومثلهم كمن يرى الشيء في المرآة من مكان قريب كحال من قال : كأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وإياه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أعبد الله تعالى كأنك تراه " .
والرابع : منازل الصالحين وهم الذين يعلمون الشيء بالتقليد الجازم ، ومثلهم كمن يرى الشيء من بعيد في مرآة وإياه قصد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : " فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال الآلوسي قاله الراغب ونقله الطيبي وغيره .

ونص السنة:
"عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّه" رواه البخاري ومسلم.
وعند مسلم" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ" {رواه أبو داود}
" وعن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أ َنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ زَادَ ابْنُ الْمُصَفَّى مِنْ هُنَا وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ وَرِيحُهَا رِيحُ الْمِسْكِ وَمَنْ خَرَجَ بِهِ خُرَاجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهَ فَإِنَّ عَلَيْهِ طَابَعَ الشُّهَدَاءِ" رواه أبو داود.
والسنة النبوية المطهرة ثرية في هذا المقام و في غيره.

وعلى هذا أرى ـ والله أعلم ـ وجوب الالتزام بواحدة من الصيغتين الآتيتين :

ـ إما أن نقيد القتل بأنه "في سبيل الله" فنقول " قتل فلان في سبيل الله " كما وردت الأدلة السالفة من القرآن والسنة واعتبار ما اعتبره القرآن من قيد كذا السنة.

ـ وإما أن نقول:{ استشهد فلان } بناء على الآيات والأحاديث .

ولا أرى قبولا لذكر الوصف بالقتل مجرداً لمن قتل في سبيل الله .

إذ يطلق القتل مجردا على كل مقتول ولو كان كافرا أو سارقا أو قاطع طريق أما " في سبيل الله "أو " شهيد " فلا تطلق إلا على من اختصه الدليل.

والموضوع يحتاج إلى مزيد درس وبيان.

فمرحبا بمداخلات الأحبة إذ المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
 
د. خضر حفظه الله

بارك الله فيك على هذا الطرح الطيب.

العبرة بمقاصد المتكلم، وهذا لا يمنع من التذكير الدائم. فهناك من يقول مات شهيداً فلا يفرق بين الموت في سبيل الله والقتل في سبيل الله. وهناك من يقول قتل لأنه لا يريد أن يشهد للشهيد بالشهادة لعلمه بدلالة هذه اللفظة وتأثيرها في نفوس الناس، وهذا يعني أن هناك سوء نية. وهناك من يقولها وهو لا يقصد أن يبخس الناس وهذا لا تثريب عليه. ومعلوم أننا نشهد على ضوء الظاهر من حال من يقتل، ومن حق من قتل في سبيل الله أن نكرمه بهذه الشهادة.
 
بوب الإمام البخاري رحمه الله (باب لايقال فلان شهيد ) وساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه :.....الله أعلم بمن يجاهد في سبيله ... الله اعلم بمن يكلم في سبيله .
قال ابن حجر رحمه الله : لا يقال :فلان شهيد على سبيل القطع.
وقد قسّم الإمام النووي رحمه الله الشهداء إلى ثلاثة أقسام :
1ـ شهيد في الدنيا : وهومن يقاتل رياء وسمعه فنجري عليه أحكام الشهداء في الدنيا فلايغسل ولايكفن ...وفي الآخرة ليس له ثواب الشهداء .
2ـ شهيد في الآخرة فقط فله أجر الشهداء ولكنه في الدنيا يغسل ويكفن ..كالمبطون والمطعون والهدمى ...
3 ـ شهيد في الدنيا والآخرة وهو من قاتل في سبيل الله.(بتصرف من شرح النووي على مسلم).
 
QUOTE=محمد الصاعدي;68866]باب لا يقال فلان شهيد ... وقول ابن حجر: أي: على سبيل القطع.
جزاكم الله خيرا يا أخانا الفاضل محمد على الإفادة والتفضل بإثبات هذا التقسيم .

ولكن من ذا الذي يجتريء على الله فيقطع بشيء لا يعلمه؟؟

إن الدخول في القطع هو هو عين التدخل في الغيب، والله تعالى يقول : {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }{النمل65}

إذن فالقضية تنحصر في دائرة الحكم باستشهاد من نخبر عنه من المجاهدين في سبيل الله .
هذا الحكم يدور ـ قطعا ـ في فلك علم البشر الذي لا يتعدى الحسبان والظن بالمؤمنين بعد استقراء حال الشهيد .
هذه مسلمة .

أما الذي بسببه سطرنا ولأجله كتبنا فهو إطلاق لفظ { ميت أو مقتول مجردا } على أمثال من نحسبه شهيداً .
والاستقراء السالف يؤكد انحصار وصفه في واحد من اثنين:

الأول : مقتل فلان في سبيل الله الثاني: استشهاد علان

إذ هذه حقيقة ذكرها القرآن ونطقت بها السنة المطهرة.

ويسعدني ذكر ما يؤكد ما تم تحريره أو يعارضه.
والشكر موصول ـ أيضاً ـ لـ "أبو عمروالبيراوي" وفقه الله .
 
عودة
أعلى