الشهيدُ والشهداء في القرآن والسنة ودرسٌ تطبيقيٌّ للأمّة

محمد يزيد

Active member
إنضم
24/01/2012
المشاركات
534
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
العمر
44
الإقامة
الجزائر
لله في خلقه شؤون...
أبو طالب بن عبد المطلب عمُّ رسول الله صلى الله علــيه وسلمصلى الله عليه وسلم ناصرهُ ومنعه بطش قريش منذ صدر البعثة المحمدية إلى أن توفاه الله، ومات على الشرك وعلى ما أملاهُ عليه زبانية الكفر عند احتضاره.
لم يشفعْ له ما قدم للإسلام وأهله لينجو من عذاب الخلدِ؛ وقدْ كان عنهُ في غنى لوْ عارضَ عنادَ نفسه وحميتها لقبيلتِه.

وحزِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حزنَّا على شيرين التي أفنت عمرها دفاعا عن الأرض المقدسة المباركة وعن أولى القبلتين وثالث الحرمين.
لكن الله أعلم وأحكم وأعدل وأرحم بعباده.
نزل في أبي طالب عمّ نبينا قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص:56).

وَذكرُنا لمناقبه وأخلاقه الطيبة وفضائله العظيمة يقتضيها الإنصافُ والعدل، قال الله عز وجـلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8).

لكنْ في أبي طالبٍ وفي أمثاله نزلَ قرآنٌ به وجَّهنا ربُّنا وعلَّمنَا؛ وينبغي أن نُذعن ونقول سمعنا وأطعنا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة:113).

وليخْشَ مفتئتٌ مغرورٌ متثاقلٌ عن نصرةِ قضيّة القدسِ ولو بلسانه أو بقلبه أن يكون مع المنافقين يوم القيامة؛ وأدنى من الكافرين فكيفَ بكافر نصر الله به الدين، والمنافقونَ أوضعُ المكلَّفينَ منزلة يوم القيامة وأبعدهم عن رحمة الله.
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلـى الله عليـه وسلم: "مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ".
لكلِّ زمانٍ أبو طالبٍ * أبو طالبِ ذا الزمانِ شيرينُ
كتابيَّةٌ أفنتِ العمرَ في * مناصرة الحقِّ وهي عرينُ
وللقدسِ كانتْ حمًى ناطقًا * وللضعفاءِ لسانٌ يُبينُ
تولَّى عن الزحفِ خلقٌ كثيرٌ وشيرينُ للحقِّ حصنٌ حصينُ
وأمثالها ثلَّةٌ رابطتْ * منَ اَهل الكتابِ وفي القلب لِينُ
فيا ليتهم أسلموا فانتهَوا * لمنجًى وربُّك بعدُ الـمُعينُ!
إذا جاء عيسى سيسلمُ كلُّ النَّصارى وذلكَ حقٌّ مبينُ
ومصداقهُ آيةُ سورةِ النِّساءِ أتتْ؛ يا نصارى استبينوا! (1)
تنالوا أجور الجهاد وتظفروا بالمسيحِ وأحمدَ؛ لينُوا!
ألمْ يأنِ أنْ تخشعُوا للهدى * وَإنّ الرباطَ جهادٌ ودِينُ
عدوُّ ابن آدم شيطانُه * غَرورٌ مضلٌّ وخِبٌّ لعينُ
فمنْ يا ترى هو قدوتُنا؟ * رسولٌ أتى بالفلاح مكينُ؟
يبَصِّرُنا لرشادِ الحياتَينِ في روضَةٍ للهدى أمْ قرينُ؟
لصهيُونَ زفوا بشارةَ منْ * تعرض للجَورِ فهْو حزينُ
وفي قلبهِ وقلوبِ اليتامَى * ومنْ ظلموهنَّ حقدٌ دفينُ
قدِ اقتربَ الوعدُ فارتقِبُوا * وكلُّكمُ في العذابِ مَهينُ
علِمتُمْ وعاندتمُ ربَّكمْ * وأنتمْ من الضعفِ ماءٌ وطينُ
سيرسلُ جندًا ليُخزيَكمْ * وقد جاءكمْ ناصحٌ وأمينُ​


---
(1) {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء:159)
 
الشَّهيدُ والشُّهَداء

أتاكم رسولٌ شهيدٌ عليكمْ
بمَا وَحَّدَ الواحدَ الأحَدَا

بهِ قَذف الشركَ عندَ النصارَى
على الناسِ أنتمْ بهِ شُهدَا

فكيفَ رضيتُمْ شهادةَ زورٍ
تغرُّونَ بالكفرِ مسترشِدَا

وقلتمْ سواءٌ لدينا شِرينُ
ومنْ بالشهادةِ قدْ شهَّدَا

أذلكَ دِينٌ؟ وهل ذاكَ حكمٌ
به قالَ ربّيَ أمْ فنَّدَا؟!

خذوهَا بيانًا جهارًا نهارًا
وليستْ بخافيةٍ أبدَا

إذا مات من ماتَ وهْو على
يهودِيَّةٍ في لَظى خلدَا

كذلكَ من زعموا أنهمْ
نصارَى وقدْ ثلَّثُوا الصمدَا

فلا تخدعُوا من لهم أملٌ
بأنْ يرجعوا لحياضِ الهُدَى

وإلا لكنتمْ لقرآننا
نقضتمْ عهودًا وصرتمْ عِدَى

ومن قالَ إنَّ النصارى -وقدْ
بُلِّغوا- مؤمنونَ بلا أحمدَا

ويكفي الذي وجدُوهُ لديهمْ
بعهدَيْهِمُ ضلَّ بلْ واعتدَى

وقولُ قتادةَ في الطبريِّ (1)
وقولُ ابنِ عبَّاسنا مُسندَا

على { {رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} }
دليلٌ عليهِمْ جميعًا بدَا

تطاولَ إبليسُ أنْ كانَ "شيْئا"
سيُرحَمُ حتَّى وإن مردَا

فيأَّسَهُ { {فَسَأَكْتُبُها} }
لمنْ يتقِي ويُزكِّي غدَا

وقالتْ يهُودُ مقالًا قريبًا
هي والنصارى يجُوزُ المدى

بأنَّا اتَّقينَا وإنَّا نُزكِّي
فأنزلَ إنْ يتبعُوا أحمدَا!

ومنْ قرأَ (الكافرُونَ) تبيَّنَ
دونَ عناءٍ سبيلَ الهُدى

وإن الشهادةَ دُنْيا وَعُليا
ينالُ العليَّةَ منْ جاهدَا

وتلكَ لمنْ بَذَلَ النفسَ للَّهِ
كيْ ينصُرَ الدينَ واستُشْهِدَا

كأصحابِ بدرٍ ومنْ ماتَ في
الغزواتِ ومنْ شهِدُوا أُحُدَا

كَحمزَةَ فيها ومثلَ الحُسَيْنِ
ومنْ كانَ للقدسِ بعدُ فِدَا

وأما التي هي أدنى فمنْ
يُجنِّبُ نفسًا هوًى مُفسِدَا

ومنْ طُعنَ والغَريقُ وذو الهدْ
مِ أوْ بُطِنَ افْهمهُ كيْ تَرْشُدَا (2)

كأنّي بأرْيوس فينا ينادي
عرفتكمُ ركَّعًا سُجَّدَا

كزرعٍ بشطْءٍ فآزرهُ
غليظًا ومستَوِيًا رَغَدَا

فلما رأيتُ الذِينَ تغيظو
نَهُم شُهَدَا وقُتِلْنَا سُدَى!!

علِمتُ بأنَّ الهُدَاةَ قليلٌ
سيُؤتيهِمُ اللهُ ما وعَدَا

وليسوا يُضَرُّونَ إلَّا أذًى
وإنْ قُوتِلُوا وُجِدُوا أُسُدَا

أتاكم رسولٌ شهيدٌ عليكمْ
وأنتمْ على الأمَّةِ الشُّهَدَا​



------
(1) في تفسير الطبري: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ"، فقال إبليس: أنا من ذلك "الشيء"! فأنزل الله: "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ" معاصي الله= "وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"، فتمنتها اليهود والنصارى، فأنزل الله شرطًا وَثيقًا بَيِّنًا، فقال: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ"، فهو نبيّكم، كان أميًّا لا يكتُب ﷺ.
وعن ابن جريج قال: لما نزلت: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "، قال إبليس: أنا من " كل شيء!". قال الله: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ، الآية. فقالت اليهود: ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنـزل الله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ، قال: نـزعها الله عن إبليس، وعن اليهود، وجعلها لأمة محمدٍ: سأكتبها للذين يتّقون من قومك.
(2) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صَلّـى اللهُ عَلَيْـهِ وسَلَّم: «الشهداء خمسةٌ: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهَدْمِ، والشهيد في سبيل الله». وفي رواية «ما تَعُدُّونَ الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل» قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد». [حديث صحيح متفق عليه].
 
عودة
أعلى