الشرح المختصر على موطأة الفصيح - الحلقة 16

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الشرح المختصر على موطأة الفصيح لابن المرحل
[الحلقة 16]

نستكمل بعون الله ما سبق من الشرح على هذه الروابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir32461/

[164- وَالتُّرْبَ هِلْتُ فَوْقَهُ أَهِيلُهُ ..... صَبَبْتُهُ كَأَنَّنِي أُسِيلُهُ]

تقول (هالَ فلانٌ الترابَ على فلانٍ) من الثلاثي، والعامة تقول (أهال) من الرباعي، وهي لغة لكن الفصيح ما ذكره ثعلب؛ ولفظه في الفصيح (هِلتُ عليه التربَ) فاستعمل الناظم كلمة (فوقه) موضع كلمة (عليه)؛ لأن (على) معناها الاستعلاء والفوقية، ثم زاد الناظم من عنده شرح الفعل بقوله (صببته كأنني أسيله) أي كأنك تصب الماء، وأوضح من ذلك أن يقال (ألقيته عليه وواريته به).
والمضارع (يَهِيل)؛ مثل (باع يبيع)، فإن رددت إليك الفعل قلت (بِعْت)، فكذلك هنا تقول (هِلْت)، فالكسرة التي في الياء والهاء تدل على عين الفعل؛ فإن كانت ضمة فالعين واو؛ كقولك (قُلْت) من قال يقول، (عُذْت) من عاذ يعوذ، (رُحْت) من راح يروح، وإن كانت كسرة فالعين ياء؛ كقولك (مِلْت) من مال يميل، (عِبْت) من عاب يعيب، (عِشْت) من عاش يعيش، وهكذا.
ولم يرد من تصاريف هذا الفعل في القرآن إلا كلمة واحدة، أتركها للقارئ من باب التدريب.

[165- وَفَضَّ رَبِّي فَاهُ فَضًّا أَيْ كَسَرْ ..... فَفَرَّقَ الْأَسْنَانَ مِنْهُ وَنَثَرْ]

تقول (فَضَّ يفُضُّ فَضًّا) مثل (رد يرد ردا) و(عد يعد عدا) و(جر يجر جرا) وهكذا، وسيذكر الناظم المضارع في البيت التالي، ومعنى البيت واضح.
ومراد ثعلب من هذا أن الأفصح (فض) وليس (أَفَضَّ)؛ لأن بعض الناس يقولون (لا يُفْضِض الله فاك) بضم الياء كما سيأتي ذكره.
ويقال أيضا (لا يُفْضِ الله فاك) أي لا يجعله كالفضاء بلا أسنان، وهذا من زيادات ابن فارس في كتابه (تمام فصيح الكلام).
والفعل (فضَّ) له معنى آخر وهو التفريق، تقول (فض الناس فانفضوا) أي فرقهم فتفرقوا، كما قال تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}.

[166- مِنْ ذَاكَ لاَ يَفْضُضْ إِلَهِي فَاكَا ..... وَهْوَ دُعَاءٌ حَسَنٌ أَتَاكَا]

وفي نسخة (كذاك)، والأول أدق وأحسن، ويستفاد من هذا البيت أمور:
أولا: بيان مضارع (فض) أنه مضموم العين في المضارع، ومن ثم فلا بد أن يكون مفتوح العين في الماضي كما تقدم معنا مرارا.
ثانيا: بيان أن هذا الفعل متعد وليس لازما؛ لأن القاعدة الصرفية للفعل المضعف أنه يكون مضموما في المتعدي ومكسورا في اللازم، ولهذا استثناءات مذكورة في كتب الصرف وخاصة لامية الأفعال وشروحها.
ثالثا: ثالثا: ذكر مثال من كلام العرب على هذا الفعل، وهو أيضا مثل من الأمثال ودعاء حسن كما قال الناظم، وورد في حديث مرفوع، لكنه ضعيف، وهو المروي عن النابغة الجعدي أنه أنشد النبي صلى الله عليه وسلم:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا .......... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا​
فقال: إلى أين؟ قال: إلى الجنة، قال: لا يفضض الله فاك.

[167- وَوَدَجَ الْحِمَارَ شَقَّ الْوَدَجَا ..... فِي عُنْقِهِ فَصْدًا لِأَمْرٍ أَحْوَجَا]

(الوَدَج) عرق في العنق، ويقال في الجناس (وَدَجَهُ فقطع وَدَجَهُ)؛ لأن الفعل (وَدَجَ) أيضا، وقول الناظم (فصدا) يقصد أن هذا الصنيع في الحيوان بمنزلة (الفصد) للإنسان.
ومعنى البيت لعله واضح، وتصريف الفعل في يأتي في البيت التالي.

[168- تَقُولُ مِنْهُ: دِجْ إِذَا أَمَرْتَا ..... وَيَدِجُ الْإِنْسَانُ إِنْ أَخْبَرْتَا]

الفعل المذكور في البيت السابق (ودَج) هو الماضي، فما المضارع؟ وما الأمر منه؟
أجاب الناظم عن ذلك في هذا البيت؛ أن الأمر هو (دِجْ) والمضارع هو (يدِج)؛ كما تقول (عِدْ) من وعَد يعِد، وكما تقول (قِفْ) من وقَف يقِف، وكما تقول (صِلْ) من وصَل يصِل، وهكذا.

[169- وَقَدْ وَتَدْتُ وَتِدًا: ضَرَبْتُهُ ..... فِي الْأَرْضِ، أَوْ فِي حَائِطٍ: أَنْشَبْتُهُ]

تقول (وتَد الوَتِد) مثل الفعل السابق تماما في التصريف (ودَج يدِج)، ومعناه غرزته أو ركزته أو ضربته كما قال الناظم، وفي الحائط معناه دققته أو أثبته، ولعله أوضح من قول الناظم (أنشبته).
ومن الجناس أيضا أن يقال (وَتِدِ الوَتِد).
ومراد ثعلب من ذلك أن الفصيح هو الثلاثي (وتدت الوتد) ولا يقال (أوتدت) الرباعي إلا في لغة قليلة.

[170- أَتِدُهُ وَتْدًا وَتِدْ هَذَا الْوَتِدْ ..... إِذَا أَمَرْتَ مِنْهُ فَافْهَمْ تَسْتَفِدْ]

هذا البيت إيضاح لتصريف الفعل السابق (وتَد)؛ فالمضارع هو (يَتِد) والمصدر (وَتْد) بسكون التاء، والأمر هو (تِدْ) مثل الذي ذكر في البيت 168.
وقول الناظم (فافهم تستفد) فيه الإشارة إلى التدبر والتفكر في هذه التصاريف للأفعال؛ لأن حفظ العلم لا بد فيه من كثرة الممارسة والتدريب والتكرار والإعادة بطرق مختلفة حتى يحصل من مجموع ذلك ملكة علمية راسخة في الصدر لا تزول مع الأوقات، ولا تتأثر بالتشكيكات، ولا تعتريها الشبهات، وطلبة العلم في هذا العصر أحوج ما يكونون إلى ذلك؛ لكثرة ما نراه من الأقوال الشاذة والآراء العجيبة والشبهات المتكاثرة.
وقد ذكرتُ مرارا من قبل أن هذه الأشياء وإن كانت قياسية معروفة في علم التصريف إلا أن ثعلبا وغيره لا يلتفتون إلى مثل هذا؛ لأن غرضهم إفادة المتعلم، والقوانين الصرفية المجملة لا ترسخ في الذهن إلا بالتطبيق، وشتان بين معرفة الأمور مجملة ومعرفتها مفصلة، قال الشارح:
(والناظم تابع في ذلك لأصله، وقد بُحِث معه بأن هذا من الأمور القياسية التي لا تخفى، فالصواب عدم التعرض لها. ويجاب بأن كونها معروفة مقيسة غير خافية إنما هو في علم التصريف، ولا يلزم كلَّ ناظر في هذا الكتاب معرفتُه، فاللائق بأهل اللغة بيانُ ذلك والتعرض له كما هو شأن أكثرهم).

[171- وَقَدْ جَهَدْتُ فَرَسِي أَوْ نَاقَتِي ..... حَمَّلْتُهَا فِي السَّيْرِ فَوْقَ الطَّاقَةِ]

تقول (جهَده) بفتح الهاء في الماضي، (يجهَد) بفتح الهاء في المضارع أيضا، وهو موافق لقاعدة حرف الحلق التي تقدمت معنا مرارا، وصاحب مختار الصحاح يعبر عن هذا التصريف بقوله (من باب قطَع)، وصاحب المصباح المنير يقول (من باب نفَع).
وبيت الناظم مشابه جدا لكلام ثعلب في الفصيح، والخلاف بينهما أن ثعلبا قال (جهدت دابتي) فعمم كلامه في الدواب، وبيت الناظم يوهم أن ذلك مختص بالفرس أو الناقة، وهو غير صحيح، لكن الناظم مقصوده التمثيل كما تقدم معنا مرارا.
ومراد ثعلب من هذا أن الفصيح هو الفعل الثلاثي (جهدت دابتي) وليس كما يقول العامة (أجهدت دابتي) بالهمزة من الرباعي، وإن كان ذلك لغة إلا أنها أقل فصاحة.
ومما يرتبط بهذا الفعل من البحوث التفريق بين (جَهد وجُهد)، وأتركه للقارئ تدريبا وبحثا.

[172- وَفَرَضَ السُّلْطَانُ لِلْأَجْنَادِ ..... يَفْرِضُ فِي دِيوَانِهِ الْمُعْتَادِ]

تقول (فرَض) بفتح الراء في الماضي (يفرِض) بكسر الراء في المضارع، ووقع في شرح ابن الطيب الفاسي (بالضم كنصر) وهو سهو مع أنه كرره مرتين في أول شرح البيت وآخره.
وهذا الفعل له معان كثيرة؛ لكن مراد ثعلب هنا التنبيه على أن استعمال الفعل الثلاثي في المعنى المذكور هو الأفصح؛ لأن العامة تقول (أفرض السلطان لفلان) بالهمزة، والفصيح (فرض) أي أعطاه عطاء ثابتا؛ وهذا المعنى وما يقاربه له ألفاظ عدة تجدها في كلام العلماء ويخفى معناها على كثير من طلبة العلم ؛ فمن ذلك (الرِّزْق)، و(العَطاء) و(الوظيفة) و(المرتب) و(الفريضة) و(التعيين) و(الإقطاع) ونحو ذلك.
ومعاني كلمة (فرض) في اللغة ترجع كلها إلى أصل القطع وما يتعلق به كما أشار ابن فارس وابن هشام اللخمي وغيرهما.
وقد ورد الماضي في القرآن كما في قوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج}، والمضارع في قوله: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}.

[173- وَصِدْتُ صَيْدًا فَأَنَا أَصِيدُهُ ..... كَقَوْلِهِمْ: كِدْتُ الْفَتَى أَكِيدُهُ]

تقول (صاد يَصِيد صَيْدا) وتصريفه مثل (باع يبيع بيعا) و(زان يزين زينا) و(سار يسيرا سيرا) و(سال يسيل سيلا) و(عاب يعيب عيبا) و(غاظ يغيظ غيظا) و(كال يكيل كيلا) و(مال يميل ميلا) إلخ..
وإنما أكثرت من الأمثلة؛ لأن هذه هي الطريقة المثلى في التعلم، ولها أثر واضح في تحقيق العلم وتثبيته في الصدر؛ لأنه يصير بذلك ملكة راسخة لا تزول.
وقد أشار الناظم إلى هذا المعنى؛ لأنه ذكر فعلا مشابها لهذا الفعل في التصريف تماما، وهو قوله (كقولهم: كدت الفتى أكيده) فقوله (كقولهم) أي في التصريف، ولا يقصد أنه مثله في المعنى.
وقد ورد الاسم من هذا الفعل في القرآن؛ كما في قوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}، وقوله: {أحل لكم صيد البحر وطعامه}، وهو في الأصل مصدر، ولذلك يقع على الواحد والجمع.

[174- وَقَرَحَ الْبِرْذَوْنُ فَهْوَ يَقْرَحُ ..... قُرُوحًا ايْ كَبِرَ هَذَا الْأَفْصَحُ]

هذا البيت من زيادات الشيخ الددو حفظه الله، ولم يذكره ابن المرحل، ولم يذكره أيضا ابن أبي الحديد، وإنما نظمه ابن جابر الأندلسي في (حلية الفصيح) فقال:
وقرَح البرذونُ يعني دخَلا ..... في سادسِ الأعوام فيما نُقِلا​
وسبب الاختلاف في نظمه اختلاف نسخ الفصيح، فبعضها خلا من هذه الزيادة، وفي بعضها ثبت قوله (وقرَح البرذون يقرَح قروحا إذا كبِرت سِنُّه)، وبه يتضح أن نظم الشيخ الددو حفظه الله أقرب إلى نص ثعلب، لكن نظم ابن جابر أدق وأوضح في المعنى.
وقد وقع في المطبوع (كبُر) بضم الباء وهو خطأ مطبعي؛ وللفائدة فالفعل (كبِر) يكون بكسر الباء إن قصدت به السن، ويكون بضم الباء إن قصدت به العظم أو المكانة أو المنزلة أو الحجم؛ قال تعالى: {ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبَروا} فهذا في السن مفتوح الباء في المضارع؛ لأنه مكسور في الماضي، وقال تعالى: {كبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} فهذا في العظم والمنزلة، ويقال أيضا (كبُر فلان في عيني) أي عظم.


وبهذا ينتهي هذا الباب (باب فعلت بغير ألف)، والله تعالى أعلى وأعلم.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله، مع أول (باب فُعِل بضم الفاء).
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
 
ولم يرد من تصاريف هذا الفعل في القرآن إلا كلمة واحدة، أتركها للقارئ من باب التدريب.
محاولة : مَهِيلاً في قوله تعالى " يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً "
ومما يرتبط بهذا الفعل من البحوث التفريق بين (جَهد وجُهد)، وأتركه للقارئ تدريبا وبحثا.
محاولة : الجَهد المشقة والشدة ، الجُهد الطاقة.
 
عودة
أعلى