أبو مالك العوضي
فريق إشراف الملتقى المفتوح
الشرح المختصر على موطأة الفصيح لابن المرحل
[الحلقة التاسعة]
[الحلقة التاسعة]
نستكمل بعون الله ما سبق من الشرح على هذه الروابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir32461/
وألتمس من إخواني الكرماء ومشايخي الفضلاء أن يتفضلوا بتقويم ما أخطأت فيه وإرشادي إلى ما زللت فيه أو جانبت الصواب.
[تكملة باب فعِلت بكسر العين]
[91- وَقَدْ بَرِئْتُ وَبَرَأْتُ أَبْرَأُ ..... بُرْءًا مِنَ السُّقْمِ فَعُمْرِي يُنْسَأُ]
[91- وَقَدْ بَرِئْتُ وَبَرَأْتُ أَبْرَأُ ..... بُرْءًا مِنَ السُّقْمِ فَعُمْرِي يُنْسَأُ]
تقول (برِئ) بكسر الراء في الماضي، (يبرَأ) بفتح الراء في المضارع، ومعناه السلامة أو الشفاء من المرض، وقد عبر الناظم عن هذا المعنى بلازمه فقال (فعمري يُنسأ) أي يؤخّر.
ويجوز أن تقول (برَأ) بفتح الراء في الماضي أيضا، ولكن الكسر أشهر، ولذلك ذكره ثعلب في هذا الباب ولم يذكره في باب ما يقال بلغتين، لا سيما والفعل (برَأ) يستعمل بمعنى آخر وهو الخلق؛ تقول (برَأ الله السموات والأرض) ومنه اسمه تعالى (البارئ).
وأذكّر هنا بقاعدة حرف الحلق، وهي أن الفعل إذا كان مفتوح العين في الماضي والمضارع فلا بد أن تكون عينُه أو لامُه حرف حلق، وهذا متحقق هنا لوجود الهمزة.
وقول الناظم (بُرْءًا) هو بضم الراء إن أردت مصدر (برِئ)، وبفتح الراء إن أردت مصدر (برَأ).
[92- وَقَدْ بَرَيْتُ قَلَمِي وَقِدْحِي ..... بَرْيًا وَلَيْسَ الْبَابُ بَابَ الْفَتْحِ]
تقول (برَى) بفتح الراء في الماضي، (يبرِي) بكسر الراء في المضارع، ومعناه قَشْر القَلَم أو نَحْتُه، وقوله (وقِدْحي) زيادة من الناظم، وأما ثعلب فقال (بريت القلم وغيرَه) فعمّم، فذِكرُ الناظم (القِدْح) من باب التمثيل لقول ثعلب (وغيره).
وأما (القِدْح) فهو السهم قبل أن يُركَّب نصلُه، وجمعه (قِداح)، وأما القَدَح فهو الكوب، وجمعه أَقْداح، والناس تخلط بينهما أحيانا، ولا سيما في قول العرب إذا أرادوا أن يمدحوا شخصا (فلانٌ له القِدْحُ المُعَلَّى) والمقصود بذلك أحد السهام التي كانت العرب تستقسم بها في الميسر وفي القرعة، وهي التي تسمى الأزلام، وكل منها له قيمة أو نصيب معين، فإذا اقترعوا بها وخرج أحدُها كان لصاحبه حظُّه، وأسماءُ هذه السهام عشرة: الفَذّ، والتوأم، والرقيب، والحِلْس، والنافس، والمُسبِل، والمُعَلَّى، ثم ثلاثة سهام لا نصيبَ لها وهي الفسيح والمنيح والوَغْد.
فالسهم المعلى أو القِدْح المعلى: هو أعلى هذه السهام نصيبا، ولذلك يُضرب به المثل كما قلنا فيقال (فلان له القدح المعلى).
ولكن هذا الفعل (برَى) مفتوح العين في الماضي، فلا ينبغي أن يدخل في هذا الباب، ولذلك قال الناظم (وليس البابُ بابَ الفتح) أي وليس هذا البابُ الذي نحن فيه بابَ الأفعال المفتوحة العين حتى يذكر فيها هذا الفعل، وإنما ذكره ثعلب استطرادا من باب تتميم الفائدة؛ لأن بعض الناس قد يخطئ في الفعل المهموز (برِئت) أو (برَأت) فيقول (برَيت)، والمتقدمون كانوا يعتنون بإفادة الطالب أكثرَ من عنايتهم بمراعاة صناعة التأليف والتقسيم الاصطلاحي.
وأما هذا الفعل (بريت) فيستعمل كثيرا مع القوس، ولما كان بَرْيُ القوس بحاجة إلى إحكام الصناعة ضربوا به المثل في الإتقان عموما فقالوا (أعطِ القوسَ باريها) أي: ارجع في كل عمل إلى صاحبه الذي يُتقنه، واسأل في كل شيء أهلَه الذين يُحسنونه؛ وفي بعض نسخ الفصيح زيادة هذا البيت:
يا باريَ القوسِ بَرْيا ليس تُحكِمه .... لا تظلمِ القوسَ واعط القوسَ باريها
[93- وَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهُ أَوْ إِلَيْهِ ..... بَرَاءَةً ظَاهِرَةً لَدَيْهِ]
سبق ذكر معنى للفعل (بَرِئَ) وهو الشفاء من المرض، وذكر هنا معنى آخر، وهو البراءة من الحقوق؛ تقول: (برِئتُ من الرجل، وبرِئتُ من الدَّين) أي سقطت عني المطالبة بذلك، وقد ذكر ثعلب هذين المثالين (الرجل والدين) ولم يذكرهما الناظم، واقتصر ثعلب على تعدية الفعل بـ(من) وزاد الناظم تعديته بـ(إلى).
ويلاحظ هنا اختلاف المعاني باختلاف المصادر؛ فبرئت من المرض مصدره (البُرء) وبرئت من الحقوق مصدره (البراءة).
[94- وَقَدْ ضَنِنْتُ أَيْ بَخِلْتُ بَخَلاَ ..... وَالأَمْرُ إِنْ عَمَّ فَقُلْ قَدْ شَمِلاَ]
تقول (ضنِنْت) بكسر النون في الماضي، (أضَن) بفتح الضاد في المضارع، ومعناه البُخْل كما ذكر الناظم، وأصله (أضْنَن) بسكون الضاد وفتح النون على ما ذكرنا سابقا في تصريف الفعل المضعف، ومن كلام البلغاء (فلانٌ لا يَضَنُّ على القرطاس) أي يطيل في بحثه وتصنيفه.
وقول الناظم (بَخَلا) بفتح الباء والخاء هو مثل البُخْل، وكثيرا ما يأتي هذا في كلام العرب؛ أعني تعاقب وزن (فَعَل) ووزن (فُعْل)؛ مثل عَرَب وعُرْب، عَجَم وعُجْم، رَهَب رُهْب، وَلَد وُلْد، شَغَل وشُغْل، سَقَم وسُقْم .. إلخ.
وتقول (شمِل) بكسر الميم في الماضي، (يشمَل) بفتح الميم في المضارع، بمعنى العموم كما ذكر الناظم، وقد وقع في النسخة المطبوعة من موطأة الفصيح (شمَلا) بفتح الميم وهو سبق قلم؛ لأن الباب كله باب فعِل بكسر العين.
[95- وَدَهِمَتْهُمْ خَيْلُنَا أَيْ كَثُرَتْ ..... عَلَيْهِمُ وَفَجِئَتْ وَانْتَشَرَتْ]
تقول (دهِم) بكسر الهاء في الماضي، (يَدْهَم) بفتح الهاء في المضارع، تقول (دهِمتهم الخيل تدهَمهم)، وذكر ثعلب (الخيل) لكنه لم يذكر تفسير الفعل، وقد فسره الناظم بقوله (أي كثُرت عليهم وفجِئت وانتشرت)، فمعناه الكثرة والانتشار؛ ومنه اشتقاق (الدهماء) للعدد الكثير من الناس.
[96- وَشَلَّتِ الْيَدُ وَمَعْنَى الشَّلَلِ ..... تَقَبُّضُ الْكَفِّ لِبَعْضِ الْعِلَلِ]
تقول (شَلِلْتَ) بكسر اللام في الماضي (تَشَلّ) بفتح الشين في المضارع، وأصله (تشْلَل) بسكون الشين وفتح اللام كما سبق بيانه في تصريف الفعل المضعف، ومصدره (الشَّلَل) وهو قياس فَعِلَ اللازم كما قال ابن مالك:
وفَعِلَ اللازمُ بابه فَعَل ..... كفرح وكجوى وكشَلَلْ
وفسّره الناظم بقوله (تقبُّض الكف لبعض العلل)، وأوضحُ منه أن يُقال (ذَهابُ عمل اليد أو بطلان حركتها لمرض أو نحوه).
والعامة تقول (شُلّت اليد) وهي لغة حكاها بعض اللغويين، إلا أن الأكثرين من العلماء على أنها خطأ، وعلى كل حال فلا خلاف أن (شَلّت) بفتح الشين هو الفصيح المشهور في كلام العرب.
ولم يذكر الناظم المضارع في معظم الأفعال في هذا الباب؛ لأنها جارية على القياس كما قلنا، لكن ثعلب ذكر المضارع في معظم الأفعال؛ لأنه وضع كتابه تمرينا للمبتدئ الذي لا يعرف مثل هذه القواعد القياسية، وأكثرُ الاعتراضات التي اعترض بها الشراحُ على ثعلب جاءت من الغفلة عن هذه النكتة، مع أنها واضحة فيما أرى.
وزاد ثعلب قوله (ولا تَشْلَلْ يَدُك) وهو دعاء بالسلامة من الشلل، وفي بعض نسخ الفصيح جاء هذا البيت:
فلا تَشلَلْ يدٌ فتكت بعمرو .... فإنك لن تذِل ولن تُضاما
[97- وَنَفِدَ الشَّيْءُ بِمَعْنَى فَنِيَا ..... وَقَدْ لَجِجْتَ يَا فَتَى تَأَبِّيَا]
تقول (نفِد) بكسر الفاء في الماضي، (ينفَد) بفتح الفاء في المضارع، ومعناه (فَنِي) كما قال الناظم، وقد قال تعالى: {ما عندكم ينفَد وما عند الله باق}، ومن الأخطاء الشائعة بين العامة قولهم (نفَذ الشيء ينفذ) بالذال، وفتح الفاء في الماضي، وكلاهما خطأ، والصواب كسر الفاء في الماضي، وكونه بالدال المهملة.
وتقول (لَجِجْت) بكسر الجيم في الماضي، (تلَجّ) بفتح اللام في المضارع، وأصله (تلْجَج) بسكون اللام وفتح الجيم كما سبق ذكره في تصريف الفعل المضعف.
وقول الناظم (يا فتى) زيادة لم يذكرها ثعلب، إلا أنها مشهورة في كتب اللغة، والمقصود بها تفهيم القارئ أن الفعلَ المسطور مذكورٌ بصيغة المخاطب (لججتَ) بفتح التاء، وليست (لججتُ) بتاء المتكلم، ولا (لججتِ) بتاء المخاطبة.
ولم يفسر ثعلب كعادته الفعل(لَجّ)، وقد فسره الناظم بقوله (تأبِّيا) وهو من باب التفسير باللازم؛ لأن اللجاج عادة يكون مع الإباء والرفض.
[98- وَخَطِفَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى أَسْرَعَا ..... فِي أَخْذِهِ أَوْ نَقْلِهِ مُسْتَمِعَا]
تقول (خطِف) بكسر الطاء في الماضي، (يخطَف) بفتح الطاء في المضارع، ومعناه الإسراع في الأخذ، كما قال تعالى في المضارع: {يكاد البرق يخطَف أبصارهم}، وقال في الماضي {إلا من خطِف الخطفة}، وفيه لغة أخرى وهي خطَف يخطِف، لكن اللغة الأولى هي الأشهر والأكثر استعمالا.
[99- وَقَدْ وَدِدْتُ الْمَرْءَ أَيْ أَحْبَبْتُهُ ..... وَقَدْ وَدِدْتُّ أَنَّنِي أَصَبْتُهُ]
تقول (ودِدْت) بكسر الدال في الماضي، (أوَدّ) بفتح الواو في المضارع، وأصله (أوْدَد) بسكون الواو وفتح الدال كما سبق بيانه، ومعناه الحب، ومعناه أيضا تمني الشيء، وهما متقاربان.
ولذلك تقول العرب (وددت أنْ كان كذا) أي رغبت وأحببت، و(وددت لو كان كذا) أي تمنيت، فيستعملون (لو) لأن المقصود التمني، وهو الأشهر في كلام العرب.
وقد جاء الماضي في قوله تعالى: {وَدّ الذين كفروا لو تغفلون}، وجاء المضارع في قوله تعالى: {يَوَدُّ أحدُهم لو يعمر ألف سنة}.
والمصدر من ذلك (الوُد) بضم الواو؛ كما في قوله تعالى: {سيجعل لهم الرحمن وُدا}، و(الموَدّة) كما في قوله تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة}.
والله أعلى وأعلم.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله.
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي