[مقدمة الناظم
1- حَمْدُ الإلَهِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ ....... وَشُكْرُهُ عَلَى عُلاَ هِبَاتِهِ
2- نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهْ ....... وَمِنْ ذُنُوبٍ سَلَفَتْ نَسْتَغْفِرُهْ
3- ثُمَّ نُوَالِي أَفْضَلَ الصَّلاَةِ ....... عَلَى الرَّسُولِ الطَّاهِرِ الصِّفَاتِ
4- مُحَمَّدٍ ذِي الْكَلِمِ الْفَصِيحِ ....... وَالْفَضْلِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ
5- صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَسَلَّمَا ....... كَمَا هَدَى بِنُورِهِ وَسَلَّمَا
6- وَبَعْدَ هَذَا فَجَرَى فِي خَاطِرِي ....... مِنْ غَيْرِ رَأْيِ نَادِبٍ أَوْ آمِرِ
7- أَنْ أَنْظِمَ الْفَصِيحَ فِي سُلُوكِ ....... مِنْ رَجَزٍ مُهَذَّبٍ مَسْبُوكِ
8- وَبَعْضَ مَا لاَ بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِهِ ....... وَشَرْحَه وَالْقَوْلَ فِي تَعْبِيرِهِ
9- مِنْ غَيْرِ أَنْ أَعْدُوَ ذَاكَ الْمَعْنَى ....... وَاللَّفْظَ إِلاَّ لاِضْطِرَارٍ عَنَّا
10- فَالْمَرْءُ قَدْ تَنْتَابُهُ الضَّرُورَةْ ....... فَتُصْحِبُ النَّفْسُ بِهَا مَقْهُورَةْ
11- رَجَوْتُ فِيهِ مِنْ إِلَهِي الأَجْرَا ....... وَالذِّكْرَ فِي عِبَادِهِ وَالشُّكْرَا
12- وَالآنَ حِينَ أَبْتَدِي بِالْقَوْلِ ....... وَالْحَمْدُ للهِ الْعَظِيمِ الطَّوْلِ]
لن أتعرض بالشرح لهذه المقدمة حتى لا نخرج عن الموضوع، ومن أراد شرحا موسعا لها فعليه بكتاب
(موطِئة الفصيح لابن الطيب الفاسي).
[بابُ فعَلتُ بفتح العين]
أي هذا هو الباب الذي نذكر فيه الأفعال التي تأتي مفتوحة العين في الماضي.
وهنا يأتي سؤال: ماذا يعني تصريف الأفعال؟
والجواب: معناه الربط بين عين الفعل في الماضي وعينه في المضارع، فإذا قلنا: ما تصريف (ضرَب)؟ فالجواب هو: ضرَب يضرِب ضَرْبا، وإذا قلنا ما تصريف نصَر؟ فالجواب هو: نصَر ينصُر نَصْرا، وإذا قلنا: ما تصريف نفَع؟ فالجواب هو: نفَع ينفَع نَفْعا
فتصريف الأفعال معناه معرفة حركة العين في الماضي والمضارع، وبعضهم يضيف معرفة ضبط المصدر أيضا.
وهذه التصاريف منها ما هو قياسي ومنها ما هو سماعي، فالقياسي يُدرس في علم الصرف، والسماعي يُدرس في علم (اللغة).
[13- قال نَمَا المالُ بمعنَى كَثُرا ....... يَنمِي نُمِيًّا إن أردتَ المصدَرَا]
(قال) أي الإمام أبو العباس ثعلب (نما) معناه كثُر، وقول الناظم (نما المال) يختلف عن عبارة صاحب الفصيح؛ لأن ثعلبا قال (نما المال وغيره ينمي) فقوله (وغيره) زيادة لم ينظمها ابن المرحل مع أنها مهمة؛ لأن بعض العلماء فرَّق في استعمال الفعل (نما) بين الخضاب وغير الخضاب، فأراد ثعلب بيان أن الأفصح عموما هو (نما ينمي) في الخضاب وغيره، فلو قال (نما المال) فقط، لم يعرف السامع عموم هذا الفعل لغير المال، فقوله (وغيره) إشارة إلى عمومه وأنه لا يختص بذلك.
طيب ما دام الأمر كذلك فلماذا قال أصلا (المال وغيره)، أما كان يمكنه القول (نما الشيء) فيكون أعم معنى وأخصر لفظا؟ فالجواب أنه لو فعل ذلك لما استفدنا منه الفائدة السابقة أعني الإشارة إلى الخلاف في المسألة.
وفي بعض نسخ الفصيح ورد ذكر شاهد من الشعر على الفعل (نما ينمي)، ولذلك زاده الشيخ الددو في نظم الفصيح؛ ولم يذكره ابن المرحل لأنه لم يكن في نسخة الفصيح التي عنده:
[14- يَا حُبَّ لَيْلَى لاَ تَغَيَّرْ وَازْدَدِ ....... وَانْمِ كَمَا يَنْمِي الْخِضَابُ فِي الْيَدِ]
وهو على بحر الرجز فلم يحتج فيه الشيخ إلى تغيير للنظم.
وهذا البيت فيه شاهد على المطلوب في موضعين؛ لأن قوله (وانمِ) عائد على الحب، فكأنه قال (ينمي الحب) فهذا هو الموضع الأول، وقوله (ينمي الخضاب) بعده هو الموضع الثاني، فكأنه في البيت قد جمع بين استعمال (ينمي) في الأمور الحسية والأمور المعنوية إشارة إلى تعميم صلاحيته فيهما جميعا.
ويجوز أن يقال (نما ينمو نموا) ولكن السابق ذكره هو الأفصح كما قال ثعلب.
وهذا الفعل بهذا المعنى لا أعرفه ورد في الكتاب والسنة، وإنما الوارد مثلا (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا) بمعنى ينقل، وكذلك من المشهور في كتب الحديث قولهم (ينمي الحديث) أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الحافظ العراقي في ألفية الحديث:
وقولهم: "يرفعه" "يبلغ به" ....... "رواية" "ينميه" رفعٌ فانتبه
[15- وقد ذَوَى العُودُ بمعنى ذَبَلا ....... أي جَفَّ يَذوِي إن تُرِدْ مُسْتَقْبَلا]
الصواب أن تقول (ذوَى العودُ) بفتح الواو في الماضي، (يذوِي) بكسرها في المضارع، والعامة تقول (ذوِي) بكسر الواو في الماضي (يذوَى) بفتح الواو في المضارع، والناظم ذكر مصدر (نما) في البيت السابق، ولكنه لم يذكر هنا مصدر (ذوى)، لأنه لم يلتزم أن يذكر المصادر، وإنما تبرّع به في البيت الأول لاتساع الأمر عليه في النظم، وهنا ضاق عليه الأمر فتركه، ومصدر (ذوى) هو (الذيّ) و(الذُّّوِيّ): الأول مثل شَوَى يَشوِي شَيًّا، والثاني مثل ثوى يثوي ثُوِيًّا.
ولا يحضرني شاهد على هذا الفعل من الكتاب والسنة، ولا من كلام العرب.
[16- وقَدْ غوَى الإِنسانُ يَغوِي يا فَتَى ....... أَيْ ضَلَّ والشَّاهِدُ فيه قَدْ أتَى]
الصواب أن تقول (غوَى) بفتح الواو في الماضي (يغوِي) بكسر الواو في المضارع، والعامة تقول: (غوِي) بكسرها في الماضي (يغوَى) بفتحها في المضارع، وقد استشهد ثعلب على هذا ببيت المرقش:
فمن يلقَ خيرا يحمَدِ الناسُ أمرَه ....... ومن يَغْوِ لا يعدم على الغي لائما
وقد نظمه ابن المرحل على طريقته في نظم الشواهد بالمعنى؛ فقال:
[17- مَنْ يَلقَ خيرًا حَازَ حَمْدًا دَائِمَا ....... وَمَنْ غَوَى لاَ يَعْدَمَنَّ لاَئِمَا]
ونلاحظ أن الناظم غير الفعل من المضارع إلى الماضي؛ لأن الخطأ موجود فيهما، ولم يسعفه النظم بصيغة المضارع، وكذلك فإذا عرف الماضي هنا فقد عرف المضارع؛ لأن الفعل المعتل الآخر إذا كانت عينه واوا فلامه ياء؛ لأنه لا يكاد يجتمع واوان في أواخر الأفعال؛ فإذا كان ماضيه (غوَى) فلا بد أن يكون مضارعه (يغوِي).
ويمكن أن يقال [وكُلُّ مَنْ يَغْوِي يُلاقِي لائِمَا]
ثم تبرع الناظم بذكر فائدة تتعلق بالبيت وهي معرفة قائله حتى يكون السامع على ثقة من الاحتجاج به:
[18- يَقُولُه رَبِيعَةُ الْمُرَقِّشُ ....... وَقَوْلُهُ مُنَمَّقٌ مُرقَّشُ]
أي أن قائل البيت السابق هو المرقش الأصغر، وهو من قصيدة المفضليات التي أولها:
ألا يا اسلَمِي لا صُرمَ لي اليومَ فاطمَا ....... ولا أبدًا ما دام وصلُكِ دائما
وهناك شاهد آخر مشهور على هذا الفعل، وهو قول دريد بن الصمة:
وهل أنا إلا مِن غَزِيَّةَ إن غَوَتْ ....... غَوَيْتُ وإن تَرشُدْ غزيةُ أرشُدِ
[19- وفَسَدَ الشَّيْءُ كَذَاكَ يَفْسُدُ ....... كَقَوْلِهِمْ رَقَدَ فَهْوَ يَرْقُدُ]
ذكر الناظم في هذا البيت فعلا يخطئ فيه العامة، وذكر معه فعلا آخر لا يخطئون فيه؛ ليكون الثاني ميزانا للأول يعرف به تصريفه في الماضي والمضارع؛ فتقول: (فسَد) بفتح السين مثل (رقَد) بفتح القاف، وبعض العامة تقول (فسُد) بضم السين أو (فسِد) بكسرها، وأما المضارع فهو (يفسُد) بضم السين مثل (يرقُد) بضم القاف، وكثير من العامة يقولون: (يفسَد) بفتح السين، ومن الأحاديث المشهورة في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحت صلَح الجسد كله وإذا فسَدت فسَد الجسد كله).
وفي إحدى النسخ المخطوطة (وفسد المرء ... كقولهم رفَد فهو يرفُد) وعليها جرت الطبعة القديمة التي اعتمدت في الموسوعة الشعرية (الإصدار الرابع).
وهو خلاف تنوع لا يؤثر في المعنى.
[20- وَقَدْ عَسَيْتُ أَيْ رَجَوْتُ فَاعْرِفِ ....... وَلاَ تَقُلْ يَفْعَلُ لاَ تُصَرِّفِ]
الصواب أن تقول (عسَيْتُ أن أفعل كذا) بفتح السين، والعامة تكسر السين فتقول عسِيت، وهذه اللغة ليست خطأ، بل قد قرأ بها بعض القراء السبعة كما في قوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ..}، ولكن مراد ثعلب أن الفتح هو اللغة المشهورة الشائعة في كلام العرب.
وهذا الفعل (عسى) لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع ولا اسم فاعل؛ وهذا ما وضحه الناظم تفصيلا في البيت الآتي بعد أن أشار إليه إجمالا في البيت السابق:
[21- أَيْ لاَ تَقُلْ يَعْسِي وَلاَ ذا عاسِي ....... إِنَّ السَّمَاعَ مَانِعُ الْقِيَاسِ]
أي أن الأصل في اللغة أنها سماعية، فهي تسمع من العرب ثم يقتدى بهم في نطقها واستعمالها، ولا يستعمل القياس مع وجود السماع، أما مع عدم وجود السماع فقد يستعمل القياس إن علمنا من استقراء كلام العرب أنها لا تمتنع من اطراد الاستعمال في أحد الأبواب، وهذه المسألة تتعلق بأصول العربية، فالكلام عليها لا يناسب المقام.
[22- وَدَمَعَتْ عَيْنِي وَأَمَّا تَدْمَعُ ....... فَافْتَحْهُ لَكِنْ ضَمُّه لاَ يُمْنَعُ]
الصواب أن تقول (دمَع) بفتح الميم في الماضي (يدمَع) بفتح الميم أيضا في المضارع، وبعض العامة يقول (دمِع) بكسر الميم في الماضي، ونلاحظ هنا أن الناظم قد زاد ما لم يذكره ثعلب في الفصيح؛ لأن ثعلبا ذكر لغة واحدة في المضارع وهي الفتح، والناظم زاد الكسر، ولكنه نظم البيت بطريقة جيدة بحيث نستطيع أن نفهم ماذا ذكر ثعلب من هاتين اللغتين؛ لأن قوله (فافتحه) أمر جازم، وقوله (ضمه لا يمنع) ليس فيه جزم، ولا شك أن الفتح هو الأفصح كما ذكر ثعلب.
ولم يرد في القرآن مما يتعلق بهذه المادة إلا (الدمْع) كما في قوله تعالى: {ترى أعينهم تفيض من الدمع}، فلا يستفاد من هذه الآية معرفة تصريف الفعل، وأما في السنة فمن المشهور فيها قوله صلى الله عليه وسلم (إن العين لتَدْمَع وإن القلب ليحزن) هذا في المضارع، وأما الماضي فورد في البخاري عند حديث (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال الراوي: فدمَعتْ عينا عمر.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله.
ولا تنسوا أخاكم من نصائحكم التقويمية وآرائكم النقدية.
محبكم/ أبو مالك العوضي