السّيُوطي إمام التفسير بالمَأثور في القَرن العاشر- د.وهبة الزحيلي

إنضم
07/08/2006
المشاركات
107
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السّيُوطي إمام التفسير بالمَأثور في القَرن العاشر - د.وهبة الزحيلي

إن من أبسط وأولى الواجبات في مجال التثقيف والمعرفة أن نتعرف جهود علمائنا العظام، وفاءً لهم، وتقديراً لعطائهم وإنتاجهم الثر وبخاصة في عصرنا، بما خلفوه من آثارهم ومصنفاتهم الكثيرة، ومن هؤلاء الشخصيات العلمية المتميزة الغزيرة الإنتاج والتصنيف، الحافظ المجدد المجتهد عبد الرحمن ابن الكمال أبو بكر بن محمد بن سابق الأسيوطي المصري الشافعي الملقب بجلال الدين، والمكنى بأبي الفضل، المولود عام 849هـ، والمتوفى عام 911هـ، وذلك بمناسبة مرور خمسمائة عام على وفاته.‏

كان العلامة السيوطي بحراً في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعنى، والبيان، والبديع، جمع آفاق هذه العلوم وأتقنها، فصنف فيها وجدد، وأفاد الكثير من علمه وفضله.‏

ويتجلى جهده العظيم في تفسير القرآن الكريم في كتابه الشهير "الدر المنثور في التفسير المأثور"، في ستة مجلدات ـ طبع دار الكتب العلمية في بيروت، وله طبعة أخرى في ثمانية مجلدات، قال الإمام السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن"، عن أصل هذا الكتاب: "وقد جمعت كتاباً مسنداً فيه تفاسير النبي ( والصحابة، فيه بضعة عشر ألف حديث مابين مرفوع وموقوف. وقد تم والحمد لله في أربع مجلدات ـ أي مخطوطة، وسميته ترجمان القرآن. ورأيت وأنا في أثناء تصنيفه النبي ( في المنام في قصة طويلة تحتوي على بشارة حسنة".‏

وقال في مقدمة تفسيره "الدر المنثور": فلما ألَّفت كتاب ترجمان القرآن، وهو التفسير المسند عن رسول الله ( وأصحابه رضي الله عنهم، وتم بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرَّج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخَّصت منه هذا المختصر، مقتصراً فيه على متن الأثر، مصدَّراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته "الدر المنثور في التفسير بالمأثور".‏

*منهجه في التفسير:‏

يذكر الإمام السيوطي الآية أو الآيتين في السور المدنية الطوال، أو مجموعة من الآيات في السور المكية القصار، ثم يفسر الكلمة أو الجملة بما هو مأثور عن النبي ( ـ وهو قليل ـ من بيان المعنى، أو بما هو منقول في كتب السنة النبوية عن الصحابة والتابعين، وهو في ذلك يفيض إفاضة شاملة لكل الروايات المحكية، بتخريج ذلك في الصحاح والمسانيد والمصنّفات والسنن والآثار. ففي تفسيره (1/ 33 ـ 36) لجملة: "الحمد لله" في الفاتحة يذكر سبعاً وثلاثين رواية متقاربة المعنى، فالحمد: الشكر لله، أو الثناء على الله، وفيها بيان فضيلة الحمد الخ... وفي 1/257 يفسر كلمة "حنيفاً" بثمان روايات، منها: حنيفاً: حاجاً أو متبعاً أو مستقيماً أو مخلصاً، وفيها إيراد حديث: "بعثت بالحنيفية السمحة" أو "أحب الدين إلى الله: الحنيفية السمحة"، دون بيان درجة صحة الحديث أو ضعفه. وفي 4/ 622 ـ 623 يفسر جملة "ثاني عطفه" بثمان روايات، منها أنه المعرض من العظمة، أو لاوي رأسه، أو لاوي عنقه، أو المعرض عن الحق، أو عن ذكر الله، مع بيان من نزلت في شأنه (وهو النضر بن الحارث). وفي 6/561 يفسر جملة: "والسماء ذات الرَّجَعْ والأرض ذات الصدع" بثمان روايات، الرجع: المطر بعد المطر، والصدع: صدعها عن النبات، أو صدع الأودية، أو بإذن الله عن الأموال والنبات.. الخ. ولا يرجح رواية على أخرى، ولا معنى على معنى آخر.‏

ويذكر في أوائل كل سورة، أو في أثناء بيان بعض آياتها، فضلها أو منزلتها وثواب تاليها وقارئها، كفضائل سورة البقرة وآل عمران، وسورة الإخلاص والفلق والناس وغير ذلك، ويبين صفة السورة ومكان نزولها، فهي مكية أو مدنية أو تشتمل على كلتا الصفتين، لوجود آيات منها مدنية وأخرى مكية مثل سورة البقرة مدنية إلا آية (281). وهي (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.... (، فنزلت في حجة الوداع، وأورد في 1 /653 أنها آخر آية نزلت في القرآن على النبي (، وكان بين نزولها وبين موت النبي ( أحد وثمانون يوماً، أو تسع ليالي.‏

وأسلوبه: تاريخي محض، يذكر كل رواية بأسانيدها عن الصحابة أو التابعين، ويسرد أسماء المخرِّجين لها في الكتب الستة (للبخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه) أو مسند أحمد أو مسانيد الطبراني أو سنن البيهقي، أو صحيح الحاكم وابن خزيمة وابن حبان، أو مصنف ابن أبي شيبة، أو الكتب المشتملة، على الضعفاء أحياناً كتاريخ الخطيب ومسند الديلمي (الفردوس) وابن عساكر في تاريخه، والحلية لأبي نعيم، ويعتمد كثيراً على ما أخرجه الطبري في تفسيره، وسعيد بن منصور في سننه، وابن المنذر.‏

ومنهجه: إيراد مختلف الروايات في التفسير بالمأثور للكلمات أو الجمل، ويقتصر على المأثور دون المعقول أو الرأي، ولا يبين مدى صحة الرواية أو ضعفها في غالب الأحيان، ملقياً عبء التبعة في الرواية على صاحبها، فهو مجرد سرد، أو حكاية روايات أو وصف المنقولات، وترك الأمر للقارئ ليأخذ بما شاء، ويستحسن ما يريد، ويرجح ما يختار، فهو بحق أوسع وأشمل تفسير للآيات بالمأثور، كما أن رواية الحديث أو الأثر تعد أشمل وأكثر إحاطة بأسماء المخرِّجين، لكن بالرغم من كثرة الروايات لا يجد القارئ ضالته المنشودة بنحو حاسم:‏

مثلاً يصعب على القارئ إصدار الحكم على السيوطي بأنه سلفي الاعتقاد، أو أشعري المذهب، فتراه في بيان المراد من الأحرف الهجائية المقطعة في أوائل السور، مثل (الَم(، (1/53)، وما بعدها في أوائل تفسير سورة البقرة لا يذكر ما يقنع أو ما هو راجح عند المفسرين، وإنما ينقل عن ابن جرير وغيره عن ابن عباس: أن هذه الأحرف قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.‏

وفي (2/ 7 ـ 13)، يقول عن الآيات المتشابهات: أخرج ابن المنذر عن سعيد ابن جبير، قال: "المتشابهات": آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرؤوهن. ومن أجل ذلك يضل من ضل، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم، فمنها يتّبع الحرورية (أي الخوارج) من المتشابه قول الله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(، (المائدة: 44). ثم يقرؤون معها: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون((الأنعام: 1). فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر، فمن كفر عدل بربه، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه، فهؤلاء الأئمة مشركون.‏

ويقول في تفسير الكرسي في قوله تعالى: (وسع كرسيه السموات والأرض( (البقرة: 255). في (1/575): يريد هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع، وتلك رواية الطبراني عن ابن عباس. وفي تفسير آية: (والسموات مطويات بيمينه(. (الزمر: 67)، يقول في: (5/628)، ذاكراً حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم وغيرهما: يقبض السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟".. وفي (2/ 44 و440). لم يفسر المراد بوصف المسيح بأنه كلمة الله في آية آل عمران (45). والنساء (171). واكتفى بإيراد حديث مطابق ظاهر القرآن بأن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم.‏

ولا يذكر شيئاً في معنى آية: (الرحمن على العرش استوى( (طه: 5) (4/ 518)، كما لا يذكر شيئاً في تفسير آية: (يد الله فوق أيديهم(. (الفتح: 10)، (6 /64)، وإنما يقول: أخرج عبد بن حميد عن الحكم بن الأعرج رضي الله عنه: (يد الله فوق أيديهم(، قال: أن لا يفروا وكذلك في تفسير آية: (وجاء ربك والملك صفاً صفا(. (الفجر: 22). قال في 6/587 أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: (والملَك صفاً صفا(‏

قال: جاء أهل السموات، كل سماء صفاً، وفي 6/ 196 قال في آية: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام(، (الرحمن: 27). أخرج بن المنذر والبيهقي عن حميد بن هلال، قال: قال: رجل: يرحم الله رجلاً أتى على هذه الآية: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام(، فسأل الله تعالى بذلك الوجه الكافي الكريم، ولفظ البيهقي: بذلك الوجه الباقي الجميل.‏

واكتفى بتعداد روايات أحاديث الكشف عن الساق، منها ما أورده في (6/ 397)، وما بعدها: أخرج ابن منده في الرد على الجهمية (فرقة من المشبهة) عن أبي هريرة، قال: رسول الله (: (يوم يُكشف عن ساق(. (القلم: 42). قال: يكشف الله عز وجل عن ساقه.‏

وهكذا لا نجد السيوطي يأتي بما يشفي الغليل في تفسير آيات الصفات، ولعله يكتفي بما ذكره في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" حيث يعقد في (1/649)، وما بعدها فصلاً عن المتشابه من آيات الصفات، نحو (الرحمن على العرش استوى(. (طه: 5). (كل شيء هالك إلا وجهه(. (القصص: 888). (ويبقى وجه ربك(, (الرحمن: 27). (ولتُصنع على عيني(. (طه: 39): (يد الله فوق أيديهم(. (الفتح: 10). (والسموات مطويات بيمينه(. (الزمر: 77). ثم يقول:‏

وجمهور أهل السنة ـ منهم السلف وأهل الحديث ـ على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نُفسِّرها، مع تنزيهنا له على حقيقتها.‏

وذهبت طائفة من أهل السنة: على أننا نؤولها على ما يليق بجلاله تعالى، وهذا مذهب الخلف، وكان إمام الحرمين يذهب إليه، ثم رجع عنه، فقال في الرسالة النظامية: الذي نرتضيه ديناً، وندين الله به عقداً، اتباع سلف الأمة، فإنهم درَجوا على ترك التعرُّض لمعانيها.‏

وقال ابن صلاح: على هذه الطريقة مضى صَدْر الأمة وساداتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها.‏

واختار ابن بَرْهان مذهب التأويل، قال: "ومنشأ الخلاف بين الفريقين: هل يجوز أن يكون في القرآن شيء لم نعلم معناه، أولا، بل يعلمه الراسخون في العلم؟..‏

وتوسط ابن دقيق العيد فقال: إذا كان التأويل قريباً من لسان العرب لم ينكر، أو بعيداً عنه توقفنا عنه، وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه، قال: وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب، قلنا به من غير توقيف، كما في قوله تعالى: (يا حسرتي على ما فرَّطت في جَنْب الله( (الزمر: 56). فنحمله على حق الله وما يجب له:‏

موقع تفسير السيوطي في عالم البيان‏

القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، يهدي إلى الحق، ويبين للناس طريق الهداية والضلالة، لإنقاذ الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة والعلم، فتصلح دنياهم وآخرتهم، وتتحقق لهم السعادة الأبدية، لذا وصف الله تعالى القرآن بالبيان، كما أبان أبو القاسم الراغب الأصفهاني في "مقدمة جامع التفاسير"، فقال تعالى: (هذا بيان للناس( (آل عمران: 138). وقال: (يبين الله لكم أن تضلوا(. (النساء: 176). وقال: (بلسان عربي مبين(. (الشعراء: 195). وقال: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات(، (النور: 134).‏

وبالرغم من وجود بعض الاشكال والمتشابه فيه ونحوه من الرموز، بالنسبة للناس العاديين غير المتخصصين، فإنه يظل بيانه ناصعاً، لأن البيان بحسب أحوال المبيّن لهم، ومنهم أهل العربية وغير العرب، ومنهم المتضلع الراسخ في العلم، ومنهم العامة وأوساط المعرفة والثقافة، فيكون بيان القرآن كافياً لجماعة وهم الراسخون في العلم، ولا يعد بياناً كافياً لغيرهم، والناس أيضاً يتفاوتون في المعرفة بحسب درجاتهم العلمية وتخصصاتهم واختلاف أحوالهم، فالبلغاء يدركون فصاحته، والفقهاء أحكامه، وعلماء الكلام (أو التوحيد) يدركون براهينه العقلية وأهل الآثار والتاريخ يغترفون الكثير من قصصه، التي يجهلها غير المختصين، والعالم نفسه بقدر ما يتعمق في العلم تتزايد معرفته بغوامض معانيه، لذا قال النبي ( في مسند أحمد وسنن أبي داوود وابن ماجه: "نضَّر الله امرأً سمع مقالتي، فوعاها كما سمعها، حتى يؤديها إلى من لم يسمعها، فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع".‏

والبيان أعم من التفسير، فالأول شامل كل أنواع الكلام البيِّن الفصيح، والتفسير يختص بغوامض الكلمات والتراكيب والجمل، والبيان فيه القطعي الذي لا يحتمل معنى آخر سواه، والظني الذي يحتمل معنى آخر سوى المعنى المتبادر إلى الذهن. فمجاله الظنيات وأنواع المجمل والمتشابه ونحوهما.‏

وتفسر السيوطي أحد أنواع التفاسير المختصة بالمأثور المنقول عن النبي ( والصحابة والتابعين، وقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله في "مقدمة في أصول التفسير"، أن النبي ( بيَّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى: (لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم(. (النحل: 44). يتناول هذا وهذا. وكان الصحابة الكرام كعثمان وابن عباس وغيرهما إذا تعلموا من النبي ( عشر آيات، لم يجاوزوها حتى يتعلموا مافيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً. ولابن عباس تفسير للقرآن، وكان يلقب بحبر الأمة وترجمان القرآن، ببركة دعاء النبي ( بقوله: "اللهم فقِّهه في الدين، وعلمه التأويل"، ونقل الصحابة علوم القرآن لمن بعدهم من التابعين، ونقل هؤلاء تلك العلوم بدورهم إلى من بعدهم. فتكوَّن من حصيلة تلك النقول أصل التفسير، أو ما سمي بعدئذٍ التفسير بالمأثور، الذي كان إمام المفسرين ابن جرير الطبري أول من صنف فيه تفسير الشهير بـ"جامع البيان في تفسير القرآن".‏

كتاب السيوطي في مجال التفسير والتأويل:‏

إن علم التفسير: علم يبحث عن معنى نظم القرآن المؤدي إلى معرفة الأحكام الشرعية بحسب الطائفة البشرية، وعلى وفق ما تقتضيه الأصول الشرعية والقواعد العربية، وهو قسمان: تفسير وتأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، كتأويل الرؤيا، كما ذكر الراغب الأصفهاني في مقدمة جامع التفاسير(1).‏

1 ـ التفسير: هو ما لا يدرك إلا بالنقل والرواية، كأسباب النزول، وهو مقصود على السماع؛ فما بُيّن في الكتاب والسنة يسمى تفسيراً، وليس لأحد أن يتعرض له باجتهاد ولا غيره؛ لأنه من باب الرواية، فهو قطع وشهادة على أن الله تعالى عنى بهذا اللفظ هذا المعنى، وأحسن طرق التفسير كما ذكر العلماء كابن تيمية في أصول التفسير، وغيره: أن يفسر القرآن بالقرآن، فإن لم يوجد فبالسنة النبوية، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قال الإمام الشافعي رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله (، فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: (إنا أنزلنا الكتاب بالحق، لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما(. (النساء: 105). وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذِّكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم، ولعلهم يتفكرون((النحل: 44). وقال النبي (، فيما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه: (إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه(.‏

وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم، كالخلفاء الراشدين وعبد الله بن مسعود، والحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم النبي (، وترجمان القرآن، كما تقدم، وأعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم.‏

وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا عند الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبير، فإنه آية في التفسير، وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، و الحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم. وقد أبان السيوطي في كتابه:"الإتقان في علوم القرآن"( 2/ 1197 وما بعدها)، طريق التفسير المأثور على النحو السابق.‏

2 ـ التأويل:‏

بيان المعاني بطريق الاجتهاد والاستنباط بالرأي المقبول شرعاً، المتفق مع أصول الشريعة ومقاصدها العامة وروح التشريع، ويكون بترجيح أحد المحتملات بالدليل بلا قطع ولا شهادة على أنه مراد الله تعالى، ويعرَّف بأنه ما استنبطه العلماء العاملون بمعاني الخطاب الإلهي، فهو من باب الدراية لا الرواية، ولذا اشترط في التأويل أن يكون المفسر : عالماً في اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع وعلم القراءات وأسباب النزول، والقصص القرآنية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأصول الدين، وأصول الفقه، والسنة النبوية، ومسائل الإجماع والقياس وأركانه وشرائطه.‏

والتفسير بالرواية: هو التفسير المأثور وهو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة، بياناً لمراد الله تعالى من كتابه، والتفسير بالدراية: هو التفسير بالرأي، وتفسير السيوطي هذا تفسير بالمأثور كما تبين لدينا، وقد أُلِّفت فيه تفاسير كثيرة جمعت من أقوال الصحابة والتابعين ومن أشهرها وأولها تفسير ابن جرير الطبري، ومن أحسنها تفسير بقيّ بن مخلّد، قال ابن حزم: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره لا تفسير ا بن جرير، ولا غيره، وقال السيوطي في الإتقان (2/ 1203): وتفسير ابن عطية، وأمثاله أتبع للسنة، وأسلم من البلاغة، ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه: لكان أحسن، فإنه كثيراً ما ينقل من تفسير ابن جرير الطبري.‏

والتأويل أو التفسير بالرأي نوعان، محمود ومذموم، والمذموم: هو تفسير القرآن بمجرد الرأي المحض من غير دليل شرعي، وهو حرام، لما أخرجه الطبري عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار" لكنه ضعيف. وفي حديث ضعيف آخر أخرجه الترمذي: "من قال في القرآن برأيه، فأصاب، فقدأخطأ".‏

ومن التأويل المستكره: تخصيص لفظ عام ببعض مشتملاته من غير حجة ولا برهان مثل قوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين(.(التحريم: 4). حمله بعض الناس على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقط. ومثل قول من زعم أن الحيوانات كلها مكلَّفة، محتجاً بقوله تعالى: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير(. (فاطر: 34). وقوله تعالى: (ومامن دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم(. (الأنعام: 38). فدلَّ بقوله: (إلا أممٌ أمثالكم(. أنهم مُكلفون كما نحن مكلفون. ونحو تأويل قوله تعالى: (يوم يُكشَفُ عن ساق( (القلم: 42). بالاعتماد على حديث مزوّر أو موضوع، قائلاً: عنى به الجارحة، وكالاستعانة باستعارات واشتقاقات بعيدة، كما قال بعض الناس في البقر: إنه إنسان يبقر عن أسرار الهرم". وفي الهدهد: "إنه إنسان موصوف بجودة البحث والتنقير".‏

أما التأويل العلمي أو التفسير بالرأي المحمود: فهو توضيح معاني القرآن الكريم بالاعتماد على قوانين اللغة العربية وقواعد الشريعة الإسلامية، كما بينا سابقاً في شروطه، فيصبح مقبولاً لاعتماده على أسس صحيحة وقواعد وأصول ثابتة شرعاً. وقد نقل السيوطي عن الزركشي في البرهان خلاصة هذه الضوابط، وهي أربعة ذكرها في كتابه "الإتقان في علوم القرآن 2/ 124":‏

1 ـ النقل عن الرسول ( نقلاً صحيحاً.‏

2 ـ الأخذ بقول الصحابي.‏

3 ـ الأخذ بمطلق اللغة ومراعاتها الاصطلاحات الشرعية.‏

4 ـ الأخذ بمقتضى الكلام المتبادر الذي يدل عليه قانون الشرع، وهذا النوع هو الذي دعا به النبي ( لابن عباس، رضي الله عنه، في قوله: "اللهم فقِّهه في الدين، وعلمه التأويل".‏

والخلاصة: إن التفسير بالرأي المقبول شرعاً إعمال للعقل والفكر الذي أمر به الله تعالى في آيات كثيرة منها: (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(. (النساء: 83). ومنها: (أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها(. (محمد: 24). ومنها: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب(. (سورة ص: 29). وهو داخل فيما يجوز للنبي ( من الاجتهاد فيما لم يوح إليه فيه، وهو رأي ابن تيمية والشوكاني وغيرهما.‏

وبالرغم من أن الإمام السيوطي أقر بالتفسير بالرأي المحمود، فإنه التزم في تفسيره منهج التفسير بالمأثور، فكان بحق مرجعاً غنياً بما جاء فيه من روايات كثيرة في مجال تفسير مفردات الألفاظ، أما التأويل الذي يستعمل أكثره في الجمل كما أبان الراغب الأصفهاني فيحتاج إلى التفسير بالدراية أو بالرأي العلمي الموضوعي المقبول شرعاً، وهو ما لا يعرض فيه شيء من التأويلات البشعة السابق ذكرها، نحو قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار(، (الأنعام: 103). هل هو من بصر العين أو من بصر القلب؟..‏

والحق أن الاحتياط والورع والالتزام يقتضي الأخذ بالتفسير المأثور الثابت نقله، وهو قليل. قال ابن تيمية في "مقدمة أصول التفسير" ص58. ومابعدها: ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي الملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي". ويروي: "ليس لها أصل: أي إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل (الأخبار التي رواها التابعون من غير سند متصل" مثل ما يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن مسلن، والواقدي، ونحوهم من كتاب المغازي.‏

والأكثر في التفاسير المتداولة: هو التفسير بالرأي المقبول شرعاً القائم على الاجتهاد بضوابطه وشروطه المعتبرة.‏

*موازنة بين إمامين في التفسير بالمأثور: الطبري والسيوطي.‏

جاء بعد التابعين شيخ المفسرين وإمامهم المجتهد المطلق (224 ـ 310هـ). صاحب التاريخ المعروف وصنف تفسيره المشهور "جامع البيان في تفسير القرآن" جامعاً بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المقبول، جمع وجوه البيان، وأقوال العلماء، وآراء المجتهدين، واجتهاد الصحابة، والتابعين، في المأثور والمعقول، والرأي المتزن، والمعقول السليم، ووازن بين الآراء المختلفة، ورجح أقربها إلى الحق أو إلى مفهوم اللغة التي نزل بها القرآن وكلام العرب. ورأى الطبري أن التفسير مقدمة للتأويل، وهذا كلام سديد ومنطق صحيح، وقال في مقدمة كتابه المذكور: (ص3): "اللهم فوفقنا لإصابة صواب القول في محكم القرآن ومتشابهه، وحلاله وحرامه، وعامه وخاصه، ومجمله ومفسره، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وتأويل آيه، وتفسير مشكله". وبعد أن أورد الطبري في (1 /27)بعض الأخبار التي وردت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي، قال: وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا من أن ماكان من تأويل آي القرآن الذي لايدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله(، أو بنصب الدال عليه، فغير جائز لأحد القيْل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب الحق فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقَيْله فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أو محق، وإنما هو إصابة خارص وظان، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله مالم يعلم.‏

ثم أورد الطبري الأخبار التي تحض على العلم بتفسير القرآن، ثم قال في المواعظ والتبيان بقوله جل ذكره: "(ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَل لعلهم يتذكرون.قرآناً عربياً غير ذي عِوَج، لعلهم يتقون(. (الزمر: 27-28). وما أشبه ذلك من آي القرآن التي أمر الله عباده، وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه، مايدل على أن عليهم معرفة تأويل مالم يحجب عنهم تأويله من آيه؛ لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال ولا يعقل تأويله: اعتبر بما لا فهم لك به، ولا معرفة من القَيْل والبيان، إلا معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به، فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره، وهو بمعناه جاهل.‏

وسار المفسرون من بعد الطبري على الجمع بين التفسير بالمأثور والتفسير بالمعقول، واستقر ذلك منهجاً عاماً في التفاسير القديمة والمعاصرة، وامتلأت كلها بتأويلات سائغة شرعاً، غير مذمومة عقلاً وفهماً، وأيد النيسابوري في كتابه "تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان" منهج الطبري، وهو مطبوع بهامش تفسير الطبري ويتضح ذلك فيما ذكره في 1/49، في مبحث "بيان النهي عن تفسير القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه. كيف وقد دعا النبي ( لابن عباس: "اللهم فقِّهه في الدين وعلمه التأويل"، فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل، فما فائدة تخصصه بذلك؟.. وإنما النهي يحمل على وجهين:‏

أحدهما ـ أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق هواه، ليحتج على تصحيح غرضه.. الخ.‏

الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، ومافيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فالنقل والسماع لابد منهما في ظاهر التفسير أولاً ليتقي بهما مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهم والاستنباط.‏

وطبّق الطبري منهجه في الجمع بين المأثور والمعقول، في تصديه لتفسير معاني الآيات القرآنية، فمثلاً جاء في 1/ 48: القول في تأويل قوله تعالى: (العالمين( في سورة الفاتحة، قال أبو جعفر: "والعالمون جمع عالم، والعالم جمع لا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش.. والعالم: اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منهم عالم... فالإنس عالم، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان، والجن عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كل جنس منهم عالم زمانه"... وهذا القول الذي قلناه قول ابن عباس وسعيد بن جبير، وهو معنى قول عامة المفسرين. ثم ذكر أقوالهم.‏

أما السيوطي فاقتصر على إيراد الآثار المختلفة، دون تعرض لشيء من التأويل، فكان تفسيره في ذلك أقل مستوى من تفسير الطبري، ومنهجه الذي سار عليه جميع المفسرين، ففي تفسيره (العالمين( في المثال السابق أورد عشر روايات عن ابن عباس وسعيد بن جبير وجابر بن عبد الله ومجاهد وغيرهم، مفسرين العالمين، بقولهم: "الجن والإنس".‏

ويظهر من ذلك أن هناك اتفاقاً بين الطبري والسيوطي في التفسير بالمأثور ويزيد الطبري عن السيوطي أنه ضم إلى ذلك التفسير بالمعقول. ويتضح الفرق بينهما في مثال آخر في تفسير قوله تعالى: (من يَهْدِ الله فهو المهتدِ، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً(. (الكهف: 17). وهو مما قد يوهم أن الإنسان مسير لا مخير، فلا نجد السيوطي في موقع تفسير هذه الآية (4/ 391). يأتي بشيء فيها، لعدم وجود الآثار في ذلك، بينما الطبري (في 15/ 141) يقول في تفسيرها:‏

يقول الله عز وجل: من يوفقه الله للاهتداء بآياتهِ وحججهِ إلى الحق التي جعلها أدلة عليه، فهو المهتدي، يقول: فهو الذي قد أصاب سبيل الحق، ومن يضلل يقول: ومن أضله الله عن آياته وأدلته، فلم يوفقه للاستدلال بها على سبيل الرشاد، فلن تجد له ولياً مرشداً، يقول: فلن تجد له يا محمد خليلاً، وحليفاً يرشده، لإصابتها؛ لأن التوفيق والخذلان بيد الله، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من يريد، يقول:فلا يحزنك إدبار من أدبر عنك، من قومك وتكذيبهم إياك، فإني لو شئت هديتُهم، وبيدي الهداية والضلال.‏

مما سبق يتبين أن الله قادر على خلق الهداية والضلال في كل إنسان، لكنه سبحانه ترك الخيار للناس في اختيار الإيمان أو الكفر، بمقتضى عقولهم، واسترشادهم بهدي الله في كتبه السماوية، وعلى أيدي أنبيائه، فمن قصَّرَ وأهمل البحث لمعرفة طريق الحق والإيمان، فهو المؤاخذ على ضلاله، ويتركه الله في غيه وانحرافه، ومن بحث وتوصل إلى طريق الإيمان والحق، زاده الله هدى بتوفيقه في الكشف عن منارات أخرى للهداية أتم وأشمل، وأدق وأحكم، للاستمرار أو للثبات على منهج الحق، فاستحق هذا التأييد والعون، بعد اختياره أصل الهداية، وأما الأول فلم يستحق التوفيق (أي الهداية) في الآية المذكورة، فكان عاصياً كافراً؛ لأنه لم يختر بنفسه أصل الهداية أو الدلالة على وجود الله ووحدانيته والإيمان بما أنزل الله في كتبه. ومن المعلوم أن الهداية في القرآن نوعان: هداية عامة وهداية خاصة، والأولىهي الدلالة، وتشمل هداية الحواس والعقل، والدين، والثانية هي الإعانة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة مع الدلالة.‏

والخلاصة: أن السيوطي يعد بحق إمام المائة العاشرة، بل والتاسعة وما بعد ذلك في التفسير بالمأثور، فقد وفَّى الموضوع حقه، وكان تفسيره شاملاً محيطاً بجميع الروايات الواردة، كما أن تفسيره يعد مجالاً رحباً لتخريج شامل وافٍ للأحاديث النبوية والآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين في قضايا دينية كثيرة.‏

ولكن ينقص كل ذلك التصحيح والتضعيف فيما لم نجد فيه رواية في الكتب الصحيحة، كما أن العزو إلى كتب السنة وتخريج ماجاء فيها يحتاج أيضاً لتوثيق وتدقيق. ولا يطمئن الباحث أحياناً إلى هذا الحشد من تعداد أسماء المخرِّجين إلا بعد الرجوع للمصادر الأصلية التي ورد فيها الحديث والأثر، وهذا يساعدنا على تنقية مصادرنا من الروايات الموضوعة أو الضعيفة أو الإسرائيليات، والأخبار غير الموثوقة أو غير المعتمدة على نقل ثابت صحيح.‏

(*)ـ أستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق... وضع مجموعات من الموسوعات في علوم الفقه والأصول والتفسير...


المصدر :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 51 - السنة 13 - نيسان "أبريل" 1993 - شوال 1413
 
عودة
أعلى