السياق القرآني في سورة البقرة (1) [بيان مجمل ما اشتملت عليه السورة]

إنضم
18/04/2003
المشاركات
116
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:

فقد يسر الله تعالى كتابة حلقات حول السياق القرآني كدراسة نظرية في هذا الملتقى المبارك ، ورغبة في مواصلة هذا الموضوع المهم ، فإنني سأطرح بإذن الله تعالى في حلقات متتابعة دراسة تطبيقية للسياق القرآني في سورة البقرة ، وهي سورة عظيمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعلمها كما أخرج أحمد والدارمي وغيرهما عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما هما الزهراوان يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما)) ([1])

سائلاً الله تعالى أن يعين على ذلك وينفع به .

المسألة الأولى : مجمل ما اشتملت عليه السورة .

بالنظر والتأمل في السورة يمكن القول بأنها تنقسم إلى قسمين :

أولاً: بيان أصول الإيمان والعلم، وهو يمثل الشطر الأول من السورة ، من أول السورة إلى آية (176) .

وقد تضمن هذا القسم بإجمال محاور أساسية وهي:

أولاً: وصف القرآن بما هو أهله، ووصف متبعيه ومخالفيه كلاً بما يستحقه، وكل ذلك راجع إلى القرآن. وقد جاء هذا المحور من أول السورة إلى آية 20.

ثانياً: أصول الإيمان التي انطلق منها هذا القرآن وبني عليها، وهي التوحيد والوحي والنبوة والجزاء، وقد تضمنها ردٌ وتفنيد على المخالفين. وقد جاء تفصيل هذا المحور من آية 21 إلى آية 29.

ثالثاً: أصل الهداية التي تضمنها القرآن و دعى إليها، وأنها راجعة إلى أصل الخليقة وحكمة الله في إيجاد البشر واستخلافهم في الأرض، ابتداءً من آدم عليه السلام. وقد جاء تفصيل هذا المحور من آية 30-39.

رابعاً: بيان موقف أهل الكتاب من الهدى، وقد أطال الحديث عنهم لكونهم أقرب الأمم لأمة الإسلام وهي الأمة المستخلفة قبلهم، وإنما أطال الحديث عنهم لإقامة الحجة عليهم دعوة لهم، وكشفاً لكفرهم وحجودهم، ورداً لافتراءتهم حول هذا الدين ونبيه الكريم، وأصل اتصاله بإبراهيم، ووراثته قبلته. وتهديدهم على الكتمان للحق في ذلك كله، وقد جاء تفصيل هذا المحور من آية 40-162.

خامساً: بيان أصول التشريع التي تقوم عليها أحكام الدين وتشريعاته التي تضمنها هذا القرآن، وهما أصلان عظيمان:

1- بيان أصل الدين كله التي تقوم عليه الشريعة وهو وحدة المعبود الخالق المشرع في قوله تعالى: { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ...}" [البقرة 163]

2- بيان أصل التشريع وهو الحل وأن المحرمات محدودة إظهاراً لكمال شريعته وسهولتها وملائمتها للفطرة، مع ذكر أصول المحرمات التي هي وسيلة للشرك في التشريع، وهي أربعة أشياء، أباحها حال الاضطرار.

وضمن ذلك دعوة للمؤمنين بالتمتع بما احل لهم، وتهديداً للذين يكتمون أو يحرفون ما أحله الله أو حرمه، فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل لعباده ليشتروا به ثمناً قليلاً. وقد جاء تفصيل هذا المحور من آية 163-176.

ثانياً: بيان أصول الشريعة. وهو يمثل الشطر الثاني من السورة، من آية البر (177) إلى آخر السورة.

وقد انتظمت الأحكام التي تضمنها هذا القسم في محورين أساسيين:

أولاً: تجديد الأحكام المتفق عليها بين الأديان ووقع فيها الخلل من أهل الكتاب، أو أهل الجاهلية، وإظهار كمال الإسلام فيها.

ثانياً: بناء وتأسيس الأحكام التي تركز على إصلاح المجتمع المسلم في بداية تأسيس الدولة الإسلامية وبناء نظامها الأساسي ، وهي الأحكام المتعلقة بحفظ الضرورات الخمس، ورعاية الحقوق، وما يتفرع عنها من أحكام المعاملات الأسرية والأحوال الشخصية، وأحكام المعاملات المالية، ونظام العقود. وقد ركزت في ذلك كله على رفع المجتمع المسلم وحمايته من صفات العدوانية والشهوانية والأنانية والطبقية التي قام عليها النظام الجاهلي، ولهذا ابتدأ بحكم القصاص الذي هو من أعظم أسباب الحياة واستقرارها.

وبالتأمل الثاقب في هذين المحورين نجد أنها تنتظم في سياق واحدة تجلى في جميع تلك الأحكام، وهو: إظهار كمال الشريعة بكونها مبنية على الرحمة والتيسير، والمصلحة وحفظ الحقوق، والمنع من الظلم والتعدي. فهذا هو الغرض العام الذي يجمع الأحكام في السورة.

وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية لهذين القسمين فقال:" وقد ذكرت في مواضع مااشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول العلم و قواعد الدين" ([2]).

كما أشار صاحب النبأ العظيم إلى هذا التقسيم في بداية حديثه عن القسم الثاني بقوله: "بعد إرساء الأساس، تكون إقامة البنيان، وبعد الاطمئنان على سلامة الخارج، يجي دور البناء والإنشاء في الداخل، نعم لقد تم (إصلاح العقيدة) التي هي روح الدين وجوهره، فيبدأ (تفصيل الشريعة) التي هي مظهر الدين وهيكله.. كانت العناية من قبل موجهة إلى بيان (حقائق الإيمان) فلتتوجه الآن إلى بسط (شرائع الإسلام) "([3]).





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) رواه أحمد 5/348 والدارمي في السنن 2/543 برقم 3391 وصححه الأرنؤوط في تعليقه على المسند

([2]) ((مجموع الفتاوى)) (14/41).

([3]) ((النبأ العظيم)) (ص195).
 
عودة
أعلى