السنن الاجتماعية في القرآن الكريم

إنضم
23/07/2007
المشاركات
522
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بقلم الدكتور محمد السيسي
رئيس وحدة الدرس القرآني والعمران البشري/كلية الآداب مكناس.(نقلا عن مجلة رسالة القرآن).(1)

تعرض هذه الدراسة (السنن الاجتماعية) كما وردت في القرآن الكريم، بعد استقراءٍ تام لكتاب الله تعالى، ثم استخلاص المفهوم القرآني لها، في سياق دراسةٍ عامةٍ لمصطلح (السنة). ليعرض الباحث بعد ذلك أصناف تلك السنن في صياغة تقعيدية، قابلةٍ للإعمال في مجال الإصلاح الاجتماعي. وعليه فقد تم عرض البحث عبر محورين رئيسين. وذلك كما يلي:

المحور الأول: مفهوم السنن الاجتماعية:

أولا- مفهوم السنة في اللغة والاصطلاح العام: معنى السنة: لفظ "السنة" التي جمعها سنن، تعددت وجوه استعماله في اللغة، ومن ذلك أنها الطريقة والسيرة والمنهج و الشريعة والبيان القويم والوضع والاتباع والعادة والاقتداء...، وحسن رعاية الشيء والقيام عليه ( 2).
وبتعدد هذه المعاني وتقاربها في اللغة تعدد مدلول لفظ السنة في الاستعمال الاصطلاحي، واتخذ المفاهيم التي تناسبه في التخصص العلمي المستعمل فيه.
1-فالسنة في اصطلاح المحدثين ما أثر عن النبي (ص) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية ( 3)
2-والسنة في اصطلاح الأصوليين ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو قرره (4 ).
3-والسنة في عرف الفقهاء ما كان في مشروعيته دون الواجب وفوق المندوب، فهي "اسم للطريقة المرضية المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب ( 5).
4-والسنة في عرف الشرع بصفة عامة: الطريقة المشروعة في الدين وهي هنا ضد البدعة ( 6). والمفهوم هنا ألصق بمجال العقيدة، ومن هنا قال اللغويون: "وسنة الله وأحكامه وأمره ونهيه، وسن الله سنة أي بين طريقا قويما. إذ سنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته" (7 ).

والملاحظ أن هذه التسميات الاصطلاحية قد اكتسبت مدلولها من أمرين اثنين:
الأول: باعتبار المعنى اللغوي كما حددته المعاجم اللغوية.
الثاني: علاقة المعنى المأخوذ (المدلول الخاص) بموضوع العلم ومجاله التخصصي.

على أن هذا الاكتساب لم يتم إلا بعد نشأة العلم واستوائه على سوقه يعجب أهله وطالبه.
وحيث إن مفهوم السنة الاجتماعية في التصور الإسلامي مرتبط أساسا بالقرآن الكريم، هو في الوقت نفسه أساس بناء التصورات والمفاهيم العقدية والفكرية عند المسلمين، فإن اتضاح معنى السنة وتحديد مدلولها يتوقف على تتبع مفهوم السنن في القرآن الكريم.
ثانيا- مفهوم السنن في الاستعمال القرآني:لقد ذكر لفظ "سنة" في القرآن بصيغة المفرد والجمع في عشر سور من سور القرآن الكريم (8 ).
ست عشرة مرة بالجمع (سنن) بالإضافة إلى الذين من قبلنا مرة واحدة، باعتبارنا أمة وأخرى مقطوعة عن الإضافة، والباقي كله مفردا مضافا إما إلى اسم الجلالة الظاهر وهو الكثير وإما إلى المضمر وهو القليل، و إلى السابقين الأولين من الأنبياء والمرسلين والأمم السالفة وهو أقل (9 )، لمناسبات متعددة ومتنوعة تبعا للغرض القرآني في السياق العام الذي ورد عقبه اللفظ في السورة.

ومع تعدد المناسبات وتنوعها فإن الغرض القرآني منها ومن معنى السنة في كل الآيات التي ورد فيها يقصد به معنى واحد هو: الاعتبار والاستبصار لما حكم الله به وجعله ناموسا في خلقه، يتكرر أسبابه وتوافر شروط إنفاذه.

ولتجلية الأمر وتوضيحه نمثل لكل تركيب بمثال:

- المثال الأول: لفظ "سنة" مجردا عن الإضافة في قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ( 10) قال الطبري في تفسير معنى "سنة" وما تدل عليه: "مضت وسلفت مني فيمن كان من سالف الأمم قبلكم سنن، يعني مَثُلات، سير بها فيهم، وفيمن كذبوا بأنبيائهم الذين أرسلوا إليهم، بإمهالي أهل التكذيب واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته، لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا" ( 11). وقال الزمخشري: "يريد ما سنة الله في الأمم المكذبين من وقائعه" (12 ). وفي تفسير ابن كثير: "أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين" ( 13).

- المثال الثاني: لفظ "سنة" مضافا إلى اسم الجلالة كقوله تعالى: (سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا) ( 14). فمما جاء في بيان معنى السنة في هذا السياق "سن الله سنة علبة أنبيائه سنة، وهي قوله تعالى: (... لأغلبن أنا ورسولي) (15 ).

وهي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه (ولن تجد لسنة الله تبديلا) أي لن تجد لها تغييرا، بل هي مستمرة ثابتة" (16 ). جعلها الله عادة له حيث ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله (17 ).
- المثال الثالث: لفظ "سنة" مضافا إلى السابقين من الأمم والمرسلين، ومنه قوله تعالى تعقيبا على أحداث موقعة بدر بالتنصيص على مجموعة من الحقائق الواقعية النواميس الربانية (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) ( 18). فمما جاء في تفسير عبارة (فقد مضت سنة الأولين) أنها "عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب اله (19 ). ذلك أن السنة هي "العادة المألوفة والسيرة... وهذا الخبر تعريض بالوعيد بأنهم سيلقون ما لقيه الأولون" ( 20).

ومما تجدر الإشارة إليه أن تفاسير العصر الحديث قد زادت مفهوم السنة في القرآن الكريم تحديدا وبيانا بما استفادته من العلوم الإنسانية في عصرها وبخاصة علم الاجتماع" حيث نجد التحرير والتنوير يعبر عن تفسير قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن) (22 ) بقوله "ابتدأت هذه المقدمة" ( 21) بحقيقة تاريخية، وهي الاعتبار بأحوال الأمم الماضية... والمعنى قد مضت من قبلكم الأحوال من الأمم، جارية على طريقة واحدة هي عادة الله في الخلق، وفي القرآن إطلاق السنة على هذا المعنى كثيرا" ( 23).

وأما تفسير المنار فقد كان أكثر التفاسير الحديثة تحديدا للفظ السنة في اتجاه مدلوله الاجتماعي، إذ يقول في معناها في سياق آية آل عمران 137 "أي أن أمر البشر في اجتماعهم وما يعرض فيه من مصارعة الحق للباطل، وما يتبع ذلك من الحرب والنزال والملك والسيادة... قد جرى على طريقة قويمة، وقواعد ثابتة اقتضاها النظام العام" (24 ).
والجدير بالذكر هنا هو انه لأول مرة في تاريخ التفسير –حسب علمي- توصف السنن بأنها قواعد ثابتة وكونها مما يقتضيه النظام العام للمجتمعات. و الذي يؤخذ من أقوال المفسرين في بيانهم لمفهوم لفظة "السنة" في القرآن الكريم أن السننية القرآنية تربي المخاطب وتلفت نظره إلى أمر الله وتقديره في خلقه، أخذا من معناها اللغوي، واتكاء على موقعها في السياق الذي سيقت له وفي الذكر الحكيم، وذلك من حيث:
1-أنه حكمه الذي لا يتخلف ولا يتبدل.
2-أنه جرى ويجري على جميع خلقه دون استثناء ولا محاباة.
3-أنه مرتبط بوجود الأسباب وحضور الشروط وانتفاء الموانع.
4-أنه منصوص عليه قصد الاعتبار والاستبصار اجتنابا للمثلات. (25 ).
وهذه الحيثيات جاءت من جهة أخرى عند المفسرين في إطار وصفي وبياني لمعنى السنة ولأثرها، وللكيفية التي تتحقق بها. بيان يطبعه التداخل والترادف والتشابه، وينتج لنا أيضا تركيب تعريف للسنة في القرآن الكريم مؤداه: "أن السنة هي النواميس والقوانين المطردة التي تحكم نظام الكون بما فيه الإنسان، وفق إرادة الله في خلقه" وهي بتعبير آخر: مشيئة الله ونفاذها في هذا العالم وفق قواعد حكيمة وطرائق قويمة، متجددة بتجدد أسبابها، ملازمة للأفعال التي توجب وقوعها، ثابتة لا تتغير، بتقدير قدره الله وشرطه على خلقه، إنها وعد الله وعادته في الخلق، ذكرها الله سبحانه في كتابه الخاتم في إطار القياس التمثيلي بشواهد التاريخ، وأحوال الأمم، وصيرورة المجتمعات (26 ).

ثالثا- مفهوم السنن الاجتماعية:

إن مصطلح السنن في المجال الذي نحن بصدده قد أخذ مفهومه واكتسب معناه الاصطلاحي بنفس المنهج الذي تخلق عليه في مجال العلوم الإسلامية المتخصصة، بحيث إن ظهوره هو أيضا ارتبط بظهور علم الاجتماع في العالم الإسلامي، وبالتحديد مع مدرسة المنار في التفسير، ومع جذوره الفكرية في مجلة العروة الوثقى مطلع القرن الرابع عشر الهجري وأواخر القرن التاسع عشر الميلادي ( 27). واعتمادا على المعنى اللغوي والمعنى الشرعي الذي تتبوأه لفظة السنن في السياق القرآني، يمكننا الخلوص إلى القول –في يسر- بأن السنن هي القوانين التي تحكم نظام العالم وفق إرادة الله الخالق باطراد وثبات، تأسيسا على أن كلمة "سنة" تعني مما تعني القوانين المطردة التي لا تتخلف إلا في قضايا السنن الخارقة (المعجزات) وإن كان هذا الاطراد في الحياة البشرية لا يرى واضحا كما هو عليه الأمر في قوانين المادة ( 28).

وإذا كان القرآن قد أثبت أن للكون المادي الطبيعي قوانين وسننا تحكمه، يمكن تسميتها بالسنن التسخيرية (29 ) أو السنن الكونية. فإن ثمة حقيقة أخرى تبرز واضحة فيه أيضا، ذلك "أن مساحة كبيرة في سوره وآياته قد خصصت لمعالجة حالات الأمم السابقة بأبعاد واتجاهات مختلفة... لتجارب عدد من الجماعات البشرية. تتميز بالتركيز والكثافة للسنن التاريخية التي تحكم حركة الجماعات البشرية عبر الزمان والمكان، مرورا بمواقف الإنسان المتغيرة... وتبلغ هذه المسألة حدا من الاتساع في القرآن، بحيث إن حل سوره لا تكاد تخلو من عرض لواقعة تاريخية أو إشارة لحدث ما أو تأكيد على قانون أو سنة تتشكل بموجبها حركة التاريخ" ( 30). بل إن ذكر السنن والتنصيص عليها في القرآن الكريم لم يأت إلا عقب سرد تجارب الأمم السالفة والتعقيب عليها بما يناسب تلك التجارب.

ولأهمية هذه السنن في حياة الإنسان –باعتباره سيد الكون والخليفة فيه- نجد القرآن يشد أنظار المخاطبين وعقولهم إلى النظر والاعتبار والتبصر في ملكوت السماوات و الأرض (31 )، والاعتبار بأحوال المجتمعات الغابرة والكشف عن أسرار هذا الكون العجيب وقوانينه التي يسير وفقها، وطرق هذه القوانين في الأنفس والآفاق.
وتصل عناية القرآن بهذه القضية إلى حد النكير على أولئك الذين لن يستعملوا وسائلهم المعرفية الخلقية في معرفة هذه السنن والاستفادة منها في الحياة العملية إصلاحا لأي خلل وضمانا لصواب المستقبل ( 32).

إن النظر في ملكوت السماوات و الأرض يهدينا إلى معرفة السنن الكونية (سنن التسخير) والنظر في تاريخ الأمم وأحوال المجتمعات –رقيا وانحطاطا- يهدينا إلى معرفة السنن الاجتماعية، وكلاهما –تبعا للمنهج القرآني- ذو أهمية في الحياة العملية للإنسان. غير أن التمييز بينهما يغدو أمرا ضروريا تقتضيه منهجية البحث للتفريق بين الظواهر الطبيعية وكيف تحدث، والظواهر الاجتماعية وكيف تعمل... وكل في فلك إفادة الإنسان فاعل (33 ).
فالظواهر الطبيعية أمور تحدث تلقائيا وفق سنن التسخير الربانية ودون أن يكون للإنسان شأن فيها. أما الظواهر الاجتماعية فهي تلك التي تنجم عن تجمع الناس وتفاعلهم مع بعضهم، ودخولهم في شبكة من العلاقات المتبادلة ( 34) وتصرفاتهم متداخلة.
فالفعل البشري بالنسبة للظواهر الاجتماعية هو الذي تتشكل بموجبه حركة التاريخ زمانا ومكانا، مقدمات ونتائج، وأمر البشر هذا وما يترتب عليه من تبعات يجري وفق قواعد ثابتة وسنن مطردة، مؤطرة بمشيئة الله وإرادته في خلقه وعادته فيهم (35 ). عرفتها مؤلفات الفكر الإسلامي المعاصر بأنها القوانين والنواميس الإلهية التي تحكم سير المجتمعات البشرية على وجه العادة والاطراد ( 36).

هذا وإن التصور الإسلامي لسنن الاجتماعية الذي يمكن أخذه من القرآن الكريم ومن توظيف معنى السنة لغويا هو: كونها نواميس تحكم نظام الاجتماع الإنساني والعمران البشري على وجه الاطراد والثبات والشمول. وبهذا المفهوم عرف المعاصرون السنن الاجتماعية في القرآن الكريم بأنها: "القوانين المطردة والثابتة التي تشكل إلى حد كبير ميكانيكية الحركة الاجتماعية وتعين على فهمها" ( 37). ورغم ما وصفت به السنن الاجتماعية من الثبات والاستمرارية، فإنها تتصف أيضا بالنسبية والتغير، لأن الواقع البشري ليس منضبطا كانضباط الكون المادي. ولعل السبب الرئيس في هذا كون الإنسان نفسه غير منضبط السلوك فهو دائم التقلبات وكونه مكلفا مسؤولا في هذه الحياة بموجب نصوص القرآن الكريم، مفطورا على مجموعة من الغرائز والمثيرات تجعله يتقلب تبعا لمجموعة من المثيرات وتبعا لقوته وضعفه في الاستجابة للمسؤولية. (38 ).
ورفعا للحاجة وإتماما للنعمة عرف الخالق إليه نفسه ومهمته في هذه الحياة وسرد عليه تجارب الأمم و المجتمعات مرتبطة "بسنن الله وحكمه، هدى وموعظة. وكأن هذه السنن الاجتماعية بري وإعداد للمجتمعات وتأهيل لها للسير المستقبلي لما قدمته معارف الوحي من نماذج كثيرة لسنن والقوانين الاجتماعية في مسيرة الحياة و الاجتماع الإنساني للاهتداء بها (39 ).

يتبع بعون الله.

.......................
1- مجلة تعنى بمفاهيم القرآن العظيم ومقاصده: العدد الأول، السنة الأولى: محرم – صفر – ربيع الأول: 1425هـ/ مارس- أبريل - ماي: 2004م.

2 - وكذا إذن: الأمة والقوة والشدة وفعل الشيء للاقتداء به، انظر معجم مقاييس اللغة، وتاج العروس، ولسان العرب مادة/ سنن
3 - انظر الموافقات في أصول الشريعة 2/3 لأبي إسحاق الشاطبي شرح وتخريج: محمد عبد الله دراز / دار الكتب العلمية، بيروت د.ت. ويطلق أيضا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة.
4- قال صاحب فواتح الرحموت السنة ما صدر عن رسول الله غير القرآن من قول وفعل وتقرير" فواتح الرحموت، هامش المستصفى 2/92 دار الفكر، د.ت.
5 - انظر التعريفات لأبي الحسين الجرجاني، مادة: السنة / الدار التونسية للنشر – تونس 1971م /وانظر الكليات للكفوي ومعجم الفقهاء وضع رواس قلعة حي، وحامد صادق قنيني. ط. الثانية 1408هـ / دار النفائش، بيروت، مادة: السنة.
6 - انظر الاعتصام 1/18 لأبي إسحاق الشاطبي، تعريف محمد رشيد رضا / المكتبة التجارية بمصر د.ت، وانظر الموافقات 2/3 ومعجم الفقهاء مادة: السنة.
7 - انظر اللسان وتاج العروس مادة: سنن، والقاموس المحيط، فصل السين باب النون.
8 - هي آل عمران 137 – النساء 26 – الأنفال 38 – الحجر 13- الإسراء 77- الكهف 54- الأحزاب 38، 62 – فاطر 43، 44 – غافر 84 – الفتح 23.
9 - يقول الطاهر بن عاشور: "إضافة سنة إلى من قد أرسلنا لأدنى ملابسة، والإضافة إلى ضمير الجلالة هو الإضافة الحقيقة والتقدير: سننا ذلك لمن قبلك من رسلنا أي لأجلهم وإضافتها إلى الأولين باعتبار تعلقها بهم وإنما هي سنة الله فيهم، لأنها المقصودة، انظر التحرير والتنوير 41/25/و 15/180 في تفسير آية الإسراء 77 وآية الحجر 13. وانظر أيضا تفسير الكشاف 2/286.
10 - آل عمران 37.
11 - جامع البيان 4/99، ويورد مع هذا التفسير من قال من السلف بذلك ومنهم: الحسن، ومجاهد وقتادة، وابن إسحاق.
12 - تفسير الكشاف 1/417، تأليف محمود بن عمر الزمخشري، تصحيح مصطفى حسن احمد / دار الكتاب العربي 1406 هـ/ بيروت.
13- تفسير القرآن العظيم 1/409 لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. ط. الأولى 1400 هـ/ دار الفكر بيروت.
14- الفتح 23.
15- المجادلة، 20.
16 - فتح القدير 5/53: محمد بن علي الشوكاني، ط الثانية 1383 هـ/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
17 - انظر تفسير الظلال 7/507.
18- الأنفال 38.
19 - الجامع لأحكام القرآن 7/404، لأبي عبد الله القرطبي . ط. الثانية 1386 هـ / دار القلم، بيروت، ونفس العبارة نقلها فتح القدير 2/380 في تفسير الآية.
20 - التحرير والتنوير 9/346.
21- آل عمران 137.
22- يقصد بالمقدمة البشارة في قوله تعالى: (وأنتم الأعلون إن كنتم مومنين) والتسلية في قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) آل عمران 139-140.
23- التحرير والتنوير 4/95 وقد أصل للمعنى اللغوي بقوله "والسنة جمع سنة وهي السيرة من العمل والخلق الذي يلازم المرء صدور العمل على مثالها" 4/96.
24- تفسير المنار 4/140، وانظر تفسير الظلال 2/82 و 3/854.
25- المثلات جمع مثلة، وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالا تمثل به العقوبات، انظر التحرير والتنوير 13/92.
26- انظر تفسير الكشاف 4/184، وفتح القدير 2/308، و4/785. وتفسير المنار 4/141. والتحرير والتنوير 4/95، 24/222.
27- إن قارئ تفسير المنار يلاحظ أن السنن الاجتماعية تحتل مكانا ملحوظا وعناية خاصة في تفسير الآيات الكونية والاجتماعية والتاريخية والنفسية إلى حد يمكننا القول معه إنها جانب في التفسير يستحق الاستقلال بالدرس والبحث نظرا لما يعطيه التيار الاجتماعي فيه من كشف لقواعد الاجتماع وسنن الله في الخلق ووصف للواقع والبحث عن مكوناته، منطلقا في كل ذلك من الهداية القرآنية وثقافة العصر السائدة. لمزيد تفصيل انظر اتجاهات التجديد في التفسير في مصر 110-111.
28- انظر كيف نتعامل مع القرآن 49.
29- كقوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) يسن 36-37-38-39.
30 - النظرية القرآنية في تفسير التاريخ 53.
31 - من ذلك قوله تعالى: (أو لم ينظروا في ملكوت السموات و الأرض وما خلق الله من شيء...) الأعراف 185. وذلك عقب التنصيص على سنة الاستدراج في قوله تعالى : (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون...) الأعراف 182.
32 - تأمل على سبيل المثال قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج 44.
33 - السنن الجارية في الكون منها ما يجري على الإنسان ولا يملك من أمرها شيئا كالموت والحياة وعالم الغيب، ومنها ما يستطيع الإفادة منه بتسخيره بما يريد، فينتفع بقدر علمه بها والكشف عن قوانينها كقوانين الجاذبية (سنن كونية) وعلم سير الأمم علوا وانحطاطا وسنن تغيير المجتمعات والأفراد (سنن اجتماعية) ومنها ما لا يستفيد منه لغفلته وتعطيله لأجهزة العلم لديه حينا من الدهر...
34 - للتفصيل انظر المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع 89.
35 - يقول رشيد رضا في تفسير قوله تعالى (قل إن الأمر كله لله) آل عمران 54 تحرير الكلام في مسألة المشيئة والعمل والقدر أنه تعالى يبين لنا في كتابه ثلاث حقائق:
الأولى: أنه خالق كل شيء وبمشيئته يجري كل شيء.
الثانية: أن خلقه وتدبيره إنما يجري بحسب مشيئته وحكمته على سنن مطردة ومقادير معلومة.
الثالثة: إن في جملة سننه في خلقه وقدره في تدبير عباده أن الإنسان خلق ذا علم ومشيئة وقدرة وإرادة فيعمل بقدرته وإرادته ما يرى أنه خير له بحسب ما وصل إليه علمه وشعوره... وهو في ذلك ليس معارضا لمشيئة الله بل مشيئته تابعة لمشيئة الله ومظهر من مظاهره تفسير المنار 4/189.
36 - انظر تفسير المنار 1/11. و الظاهر أن تفسير المنار قد أخذها من أفكار مجلة العروة الوثقى التي عنونت بعض مقالاتها بسنن الله في الأمم وتطبيقاتها على المسلمين، انظر المقالة الثالثة والعاشرة من مقالات العروة الوثقى.
37 - كيف نتعامل مع القرآن 49.
38 - ومن وصف القرآن لهذه الحالة في الإنسان قوله تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) المعارج 19-21، و قوله تعالى : (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا...) الأحزاب 72.
39 - انظر الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع 11 وللتفصيل انظر:
أ-على "هامش التفسير" 72، وهو يبين قواعد العمران وأصول الاجتماع من خلال أوائل سورة الإسراء.
ب- "في التاريخ الإسلامي" 7، تأليف عماد الدين خليل، وذلك للاستفادة من المنهج الذي حلل به تداول السلطة في العصر الراشدي، ومن الاقتراحات التي قدمها للتثقيف في المؤسسات الأكاديمية تحت عنوان: "اقتراحات في التدريس والمنهج التاريخي".
ج- " التفسير الإسلامي للتاريخ" لنفس المؤلف وخاصة الفصل الثاني والثالث والرابع، حول موضوع "الواقعة التاريخية والمسألة الحضارية وسقوط الدول والحضارات".
د- "المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع" فصل: القواعد المنهجية وأسس الدراسة 307.
هـ- الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي: 349، فصل شروط التكامل الاجتماعي والشروط الخاصة للشخصية.
 
السنن الاجتماعية في القرآن الكريم موضوع مهم، ننتظر بقيته على شوق، شكر الله لمعده ولمن عرض له ـ حفظه الله وأعانه ـ
وأقول: إننا بمعرفتنا للسنن الاجتماعية لدي السابقين، نستطيع أن نضبط مجتمعنا الإسلامي كلاحقين.
بل من خلال دراسة هذه السنن نستطيع معرفة أخرانا ونحن لازلنا في دنيانا .

بل إننا لن نعدم مادة قرآنية خصبة بين جنبات هذا الموضوع نستلهم منها العظة والعبرة، إذ السعيد من اتعظ بغيره......وهلم جرا من الفوائد

ولي ملحوظة علمية يسيرة لا تقلل من شأن الطرح تكمن في أن زماننا أصبح زمن السرعة، والوجبات السريعة، ومن الحكمة إصابة الهدف من أقصر طريق، وكلما كان الكلام موجزا مع الوفاء بالغرض كان أنفع.
ومن هنا أرى أن الموضوع قد حدد هدفه من خلال العنوان " السنن الاجتماعية في القرآن الكريم " السؤال: ما دخل تعريف السنة عند المحدثين والأصوليين والفقهاء ....؟!
قلت: لا دخل لهذا كله البتة ، وكما يقولون العوام في المثل:" اللقمه الزايده مفهاش فايده"
ومن هنا أرى أن يحذف ما اتصل بما ذكرته سابقاً، ويكتفى بالتعريف اللغوي مع ربطه بتعريف السنة قرآنيا من خلال استقراء مواضع السنة في القرآن الكريم ، ثم ربط كل ذلك بتعريف السنة في علم الاجتماع وعلى رأس علماء الاجتماع العلامة ابن خلدون.

هذه مدارسة علمية غير ملزمة قلتها على حب للباحث والبحث ولمن تفضل بعرضه والله الموفق والمستعان
 

هذه مدارسة علمية غير ملزمة قلتها على حب للباحث والبحث ولمن تفضل بعرضه والله الموفق والمستعان
أحبك الله الذي أحببتنا لأجله، وبعون الله- وفي أقرب فرصة- سأنقل مدارستكم العلمية، لأستاذي الحبيب الدكتور السيسي، فهو المعني بذلك، وله الموافقة أو الرد بما يراه، وللعلم الموضوع المذكور مبحث مستل بتلخيص من أطروحته للدكتوراة الموسومة بعنوان( الاتجاه الاجتماعي في التفسير في العصر الحديث)، وهي رسالة مهمة قيمة، والأسف أنها ما تزال مركونة بترقيمها في مكتبة الكلية، ولعل الأستاذ الفاضل لم يجد المطبعة المناسبة في المغرب، التي تقدر قيمة ما لديه، وفهمت ذات مرة أنه مطالب بتسويقها هو بعد طبعاتها، وشيء من هذا القبيل.
وجزاكم الله خيرا أستاذي الحبيب على اهتمامكم ومداخلتكم القيمة، ولا عدمنا أمثالكم، وسأكمل ما بدأته، وماطلب فضيلتكم إتمامه، في المشاركة اللاحقة أدناه، وتقبل مزيد شكري، وفائق احترامي.
 
المحور الثاني: السنن الاجتماعية: الصياغة والتوظيف:

إن تدبر كتاب الله تعالى وفقه قضاياه وما يدعو إليه يجعلنا ندرك أن موضوعه هو الإنسان وما عليه مدار نجاحه وخسراته ودعوته إلى المنهج السليم والأخذ بيده إلى هذا المنهج ليستقيم عليه كما أمر، فقد وصف القرآن الكريم نفسه بأنه يهدي للتي هي أقوم وأنه هدى ورحمة ومن آيات هدايته: (*)
1-إعلام الإنسان بأن الله قد بوأه مكان الخلافة في الأرض وسخرها له، وأقدره على استعمارها ومعرفة قوانينها لتسخيرها، قياما بأمر الخلافة.
2-وضع بين يديه المبادئ والقواعد القوية والأسس الفكرية والخلقية للنظام المثالي الممكن التطبيق في الواقع البشري، وما السنن الاجتماعية في القرآن الكريم إلا مظهر من مظاهر تلك القواعد الكلية والمبادئ الأساسية التي تهدي الإنسان إلى التي هي أقوم بقدر العلم بها والكشف عن منهج عملها والعمل على توظيفها في واقعه ومن ثم تسخيرها بحسب ما يتطلبه هذا الواقع، وتلك منهجية قرآنية صرفة تؤخذ اقتباسا من الترتيل الحكيم – قضايا وأساليب- في حديثه عن واقع المجتمعات والأمم –قبل وأثناء ظهور الإسلام- يرصد الأحداث ويحدد الوقائع ويصف الممارسات، ثم يبين شروط النهوض والتمكين ويوضح أسباب الانهيار والانحطاط ( 1).

وإن اهتمام مفسري الاتجاه بأمر المجتمع والسنن التي تحكم صيرورته ليست بدعا في مجال علم التفسير، ولا هي من مستجدات هذا العلم في العصر الحديث، لأن القرآن الكريم قد علم الرعيل الأول من المسلمين طبائع الملل وقوانين الاجتماع وحوادث التاريخ ( 2)، حيث كان التعامل مع هذه السنن والقوانين بشكل تلقائي ( 3). ومن هذا المعنى قول الإمام علي معلقا على إحدى معاركه "إن هؤلاء قد انتصروا باجتماعهم على باطلهم، وخذلتم بتفرقكم عن حقكم ( 4) ولقد بقي الأمر على هذا الحال إلى أن غابت عن المجتمع الإسلامي سنن التبصر بالعواقب غفلة عن سنن الله في الأنفس والآفاق فدالت دولة الإسلام وذاقت مجتمعاته وبال أمرها فسادا عمرانيا وسقوطا حضاريا لما تركت سنن التحصين والصيانة، التي تحرس موروث سنن البناء والتمكين ( 5). حتى قيض الله لهذه الأمة في العصر الحديث من تنبه إلى الثروة السننية التي يزخر بها القرآن الكريم، و إلى غفلة المسلمين عنها، وشدة حاجتهم إلى تصحيح اعتقادهم في أفعال الله تعالى ومشيئته في خلقه، وأنها تنفذ وفق سنن حكيمة وطرائق قويمة، فمن سار عليها ظفر بمشيئة الله، ومن تنكبها خسر بما كسبت يداه (6 ).

وإن تأمل السياق التفسيري لموضوع السنن في تفاسير المحدثين يقضي بعرضها اعتبارا لموضوعها ومجال تحكمها في ثلاث مجالات: من جهة كونها تأسيسا وبناء لواقع جديد، ومن جهة كونها تحصينا لهذا الواقع إذا هو تأسس، ومن جهة كونها تحذيرا للطرف الفاعل في هذا الواقع من مغبة السقوط والانهيار (7 ) تبعا للمقصد الذي تدل عليه السنن بالنص أو الإشارة أو الإرشاد، استنهاضا وتكليفا، أو تصحيحا وتقويما، أو تنبيها وتحذيرا، وذلك بهدف الوصول "بفكر المسلم إلى إدراك هذه السنن من القرآن الكريم والتحقق بأبعادها لتصبح فقها تغييريا، ومناخا فكريا تربويا، يمكن أن تنشأ عليه الأجيال من خلال النظر في القرآن (8 ).

أولا - سنن التأسيس والبناء:
إن أول ما يؤسس ويبني في هذا المضمار هو الجانب التصوري لدى الإنسان المسلم ومن ذلك:
أ- سنة الابتلاء والامتحان، إظهارا لصدق إيمانه وإخلاص عمله.
جاء في تفسير قوله تعالى (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (9 ).
إن من الناس من يقول آمنا وللإيمان آثار، ثم يحسبون أن الله يتركهم وما يقولون ويعاملهم سبحانه – وهو الحكم العدل- بما يظنون في أنفسهم قبل ان يبتليهم أيهم أحسن عملا، حتى تظهر أنفسهم لأنفسهم، ويعلموا هل هم مؤمنون حقا، أم هذه دعوى سولتها النفس وغرت بها الأماني... إن للعقائد الراسخة آثارا تظهر في العزائم والأعمال، تأثيرا في الأفكار والإرادات... وإن للإيمان تكاليف شاقة وفرائض صعبة الأداء، إلا على الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى... وإن امتحان الله للمؤمنين سنة من سننه يميز بها الصادقين من المنافقين قرنا بعد قرن إلى أن تنقضي الدنيا" (10 ).

وجاء في السياق نفسه في تفسير الآتين: "إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر... فلا يكفي أن يقول الناس آمنا، فهم لا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة ويثبتوا عليها... هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت وسنة جارية في ميزان الله سبحانه" ( 11). ومن ثم فإن الطاقة الإيمانية ضرورية لمواجهة هذه التكاليف، ولإظهار طبيعة السنن الإلهية في ارتباط الأسباب بالمسببات قال الله تعالى: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تالمون فإنهم يالمون كما تالمون وترجون من الله ما لايرجون) ( 12). جاء في تفسيرها "إن الذي يلتزم الدفاع في الحرب تضعف نفسه وتهن عزيمته، والذي يوطن نفسه على المواجهة تعلو همته وتشتد عزيمته... وهذا التوحيد في الإيمان، والوعد من الرحمان هما مدعاة الأمل والرجاء ومنفاة اليأس والقنوط، والرجاء يبعث القوة ويضاعف العزيمة فيدأب صاحبه على عمله بالصبر والثبات، واليأس يميت الهمة ويضعف العزيمة فيغلب على صاحبه الجزع والفتور" ( 13).
وهذا من السنن النفسية ذات الأثر النافذ في السلوك الفردي و الاجتماعي المبنية على صدق الإيمان وإخلاص العمل.

ب- سنن التدافع الحضاري:
ويمكن تسميتها سنن تنازع البقاء (14 ): وهي سنة اجتماعية تحكم سائر المجتمعات البشرية وتصطبغ بها كل مظاهر الحياة، الفردية والجماعية الإنسانية والحيوانية وغياب هذا المعنى وأثره الفاعل في النفس البشرية يحدث فيها الاعتقاد بالجبر والإرجاء وتعطيل الطاقات وهذه المعاني أبرزتها تفاسير الفترة انطلاقا من آيات قرآنية كريمة نصت على هذه السنن نصا صريحا، وفي سياق أمثلة عملية من أحداث التاريخ البشري تأكيدا لأهميتها في مثل قوله تعالى: (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) ( 15). جاء في تفسير المنار "لولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد في الأرض بأهل الصلاح فيها، لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض... حتى يكون لهم السلطان وحدهم فتفسد الأرض بفسادهم فكان من فضل الله على العالمين أن أذن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين... وقد سمي هذا دفعا –على قراءة الجمهور- باعتبار أنه منه سبحانه إذ كان سنة من سننه في الاجتماع البشري وسماه دفاعا في قراءة نافع (16 ) باعتبار أن كلا من أهل الحق المصلحين، وأهل الباطل المفسدين، يقاوم الأخر ويقاتله" (17 ).

وقد تأخذ هذه السنة شكلا آخر في التدافع، حيث يسلط الله الظالمين بعضهم على بعض، فتتاح الفرصة بنمو الخير وازدياد قوة المستضعفين ( 18). فالآية المفسرة قابلت الدفع بالناس عامة ولم تقابله بالمسلمين والكافرين فقط، إظهارا لعموم هذه السنة. وإن من وراء كشف القرآن الكريم عن هذه السنة، وإظهارطبيعة التعارض في المصالح والاتجاهات، فسح المجال: "للطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع فتنفض عنها الكسل والخمول وتستجيش ما فيها من مكنونات مدخورة ( 19). لمقاومة الشر ومدافعة الباطل مهما كانت قوته وسطوة أهله قال الله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) (20 ). فحاصل معنى النهي عن الغرور في الآية يعني "أن تقلب الذين كفروا في البلاد آمنين معتزين لا ينبغي أن يكون سببا لغرور المؤمن بحالهم، وتوهمه أن هذا شيء يدوم لهم، فإن هذا من بقاء إبقاء الأشياء على ظواهرها من غير بحث عن أسبابها وعللها... ومن اكتنه حالهم الاجتماعي علم أن تقلبهم في البلاد وتمتعهم بالأمن والنعمة فيها ليس قائما على أساس متين وإنما هو من قبيل حركة الاستمرار لمحرك من الباطل سابق. لم يكن له معارض من الحق، فإذا عارضه ما عليه المؤمنون من الحق لا يلبث أن يزول" ( 21).
ومن هذا القبيل إظهار حكمة عداوة الأشرار للأخيار المعبر عنها" في عرف علماء الاجتماع البشري بسنة تنازع البقاء بين المتقابلات، التي تفضي للجهاد والتمحيص، و إلى ما يسمونه سنة الانتخاب الطبيعي، أي انتصار الحق وبقاء الأمثل، التي ورد بها المثل في قوله تعالى من سورة الرعد (22 ) (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأماما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) (23 ).

ومن صور سنة تنازع البقاء، التنازع بين رجال المال والأعمال ورجال الإصلاح في حرية الكسب المطلقة مقرونة بحرية الاعتقاد وتقييد الكسب بالحلال، ما جاء في قصة شعيب مع قومه: (قالوا يا شعيب أصلواتك تامرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ( 24). وهي مسألة من أهم مسائل الاجتماع البشري ومازال التنازع المالي أعقد مشاكل الاجتماع (25 ).

ولكي يمكث ما ينفع الناس في الأرض ويذهب الزبد جفاء، كان لابد أن تكون سنة أخرى من سنن الاجتماع حاضرة في ذهن المتلقي واضحة في معناها وما ترمي إليه تلك هي سنة التداول وهي سنة عظيمة من سنن الاجتماع أخذا من قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) (26 ) التي جاءت عقب التنصيص على سنن الله في الأمم أثناء ما وقع للمسلمين قفي أحد.
جاء في تفسير هذه الآية "أي أن هذه السنة من تلك السنن، وهي ظاهرة بين الناس... والمداولة في الواقع تكون مبنية على أعمال الناس... فهي لمن عرف أسبابها ورعاها حق رعايتها. أي إذا علمتم أن ذلك سنة فعليكم أن لا تهنوا ولا تضعفوا بما أصابكم لأنكم تعلمون أن الدولة تدول.
والعبارة تومئ إلى شيء مطوي كان معلوما لهم، وهو أن لكل دولة سبب، فكأنه قال: إذا كانت الدولة منوطة بالأعمال التي تفضي إليها، كالاجتماع والثبات وصحة النظر وقوة العزيمة وأخذ الأهبة وإعداد ما يستطاع من قوة فعليكم ان تقوموا بهذه الأعمال وتحكموها أتم الإحكام (27 ). فإذا كانت مداولة الأيام سنة من سنن الله في الاجتماع البشري فلا غرو أن تكون الدولة والعاقبة لصاحب الحق، ليعلم الناظر في السنن العامة و الباحث في الحكمة الإلهية أنه لا محاباة في هذه المداومة، وليعلم الذين آمنوا أن الجهاد الاجتماعي الذي يدال به قوم على آخرين به يظهر ويتميز الإيمان الصحيح والقصد السليم (28 ).

يتبع إن شاء الله.
............................
* - (إن العالم كون منظم لا توجد فيه نتيجة بدون سبب) أصول البحث ومناهجه 42.
1- يقول رشيد رضا في مقدمة تفسير المنار 1/19 "إن الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن وإن فيه من التهديد ودعوة الأرواح إلى ما فيه سعادتها ورفعها من حضيض الجهالة إلى أوج المعرفة وإرشادها إلى طريق الحياة الاجتماعية ما لا يستغني عنه مؤمن وهو أجدر بالدخول في الفقه الحقيقي.
2- لمزيد من التفصيل انظر تفسير المنار 4/84.
3-انظر مقدمة عمر عبيد حسنة لكتاب الأمة 26: أزمتنا الحضارية في ضوء سنن الله في الخلق 14، تأليف: أحمد محمد كنعان، ط. الأولى 1411 هـ.
4- انظر تفسير المنار 4/142، ويقول في موضع آخر إن علماء الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار الذين ورثوا الكتاب بالسليقة كانوا يفهمون هذه السنن الإلهية في الخلق ويهتدون بها وإن لم يضعوا لها قواعد علمية وفنية لتفقيه من بعدهم فيها ثم زالت السليقة فصاروا يفسرون القرآن والدين بالقواعد والفنون والمعارف الموروثة من الشعوب التي أسلمت ولم يكن علم الاجتماع قد دونه أحد. لذا لا نرى في تفاسيرهم شيئا من هذه السنن الخاصة بسياسة الأمم بل تنكبوا هداية القرآن فيها فكانت عاقبة أمرهم ما شكوا منه ونحاول تلافيه، تفسير المنار 12/248.
5- انظر على مشارف القرن الخامس عشر دراسة السنن الإلهية والمسلم المعاصر 13، تأليف: إبراهيم الوزير، ط. الأولى 1399هـ / دار الشروق – القاهرة.
6- تفسير المنار 4/141.
7- هذا ويمكن تصنيفها بحسب نسبتها إلى مكان عملها إلى: نفسية واجتماعية وتاريخية، كما يمكن تصنيفها إلى: قوانين محركة نحو البناء كالأمر والنهي ونظرية الاستخلاف، وقوانين تحكم المسألة الحضرية (النظم الاجتماعية) وقوانين لو تحكمت وتهيأت الظروف الاجتماعية أدت إلى التخلف الحضاري، كما يمكن تصنيفها إلى تصنيفات أخرى، انظر النظرية القرآنية 20.
8- كيف نتعامل مع القرآن 49.
9- العنكبوت، 1-2.
10- العروة الوثقى 53-54.
11- تفسير الظلال 6/387.
12- النساء 103.
13- تفسير المنار 5/388.
14- والمصطلح القرآني هو التدافع أخذا من الآية التي سيقت نموذجا لها.
15- البقرة 249.
16- الإمام البذر أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني إمام في القراءة وفي السنة، توفي بالمدينة 179 هـ، انظر طبقات القراء 1/330.
17- تفسير المنار 2/491، وقد جاءت الآية تذييلا لقصة طالوت مع جالوت، وقد استخرج منها التفسير أربع عشرة سنة من سنن الاجتماع البشري.
18- انظر كيف نتعامل مع القرآن 128.
19- انظر تفسير الظلال 1/296.
20- آل عمران 196.
21- تفسير المنار 4/313 وانظر التحرير والتنوير 4/205.
22- انظر تفسير المنار 8/6 في تفسير قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) الأنعام 111 ومعنى هذا جعل أن سنة الله تعالى في الخلق مضت أن يكون الشرير العاتي عدوا للدعاة من الأنبياء ووارثي هدايته.
23- الرعد، 19، 20.
24- هود 87.
25- انظر الوحي المحمدي 137 و تفسير المنار 12/242.
26- آل عمران 140.
27- تفسير المنار 4/148
28- انظر نفس المصدر والصفحة.
 
ج- سنن التغيير والتحويل:
أخذا من قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (1 ).
وهذه السنة هي أول خطوة توجه بها التفسير في العصر الحديث نحو المجتمع وكانت هي المحور الذي تدور حوله السنن الاجتماعية الأخرى فيه بالتنصيص على مبدأين كبيرين:
الأول: العمل على التغير والتحول في عالم الأشياء والأفكار بتعبير "مالك بن نبي".
الثاني: أن هذا التحول والتغير يبدأ مما بالنفس.
يقول عزة دروزة في تفسير الآية: "هذه الجملة جديرة بالتنويه لما تحتويه من تقرير لناموس إلهي اجتماعي يتقلب البشر وفاقه بين النعم والنقم والصلاح والفساد وبالتالي لما تحتويه من تلقين جليل مستمر المدى، حيث قصدت تقرير كون النعم والنقم والخيرات والويلات، لا تأتي على الناس عنوة وإنما هي منوطة بسلوكهم وسيرتهم فإذا كانوا متمعنين بالقوة والعزة والنجاح والصلاح فإنما يكون ذلك بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من أسس الاستقامة والحق فلا تتبدل حالتهم من الحسن إلى السيئ إلا إذا انحرفوا عن الطريق المستقيم... وإذا كانوا ضعافا يقاسون الويل والذل والفقر والفوضى، فإنما يكون هذا بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من انحراف وإهمال وفساد. فلا تتبدل حالهم من السيئ إلى الحسن إلا إذا عدلوا عما هم فيه وساروا في طريق الصلاح والاستقامة. وفي هذا ما هو ظاهر من الاتساق مع حقائق الأشياء. والإطلاق في الجملة يجعل مداها المشروح شاملا لجميع الناس والبيئات والطبقات والملل والنحل والحالات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية ... وفي الآية –كما هو واضح- أن الناس يتحملون مسؤولية كسبهم بقابليتهم لتغيير ما بأنفسهم بإرادتهم" ( 2).

إن قيمة هذا الدرس القرآني في البناء النفسي والإعداد القبلي، يشعر المتلقي للخطاب القرآني بأن الإنسان هو سيد نفسه كما هو سيد هذه الأرض، وعمرانها مرتبط أساسا بمدى استعداده وأهليته، وإن صلاحها وفسادها منوط بصلاحه وفساده، من حيث ما بنيت عليه روحه من عقائد وأخلاق توجه سلوكه العملي. ومما يؤكد ذلك ما فسرت به شبيهة الآية السابقة وهي قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) (3 ) التي تقرر عدل الله في معاملة العباد، بحيث لا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم ويبدلوا سلوكهم، كما تقرر تكريم الله للإنسان، حيث جعل قدره ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله ويجعل التغيير القدري في حياة الناس مبنيا على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وأعمالهم وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم... وهذه الحقيقة الكبيرة تمثل جانبا من جوانب التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان وعلاقة قدرة الله به في هذه الوجود) (4 ).

وهي من جهة أخرى بيان لسنة عظيمة من أعظم سنن الله تعالى في نظام الاجتماع البشري، إذ يبين الله تعالى لكل قوم خطأهم بهذه الآية وبما في معناها، ويثبت لهم أن نعمه تعالى على الأقوام والأمم منوطة ابتداء ودواما بأخلاق وصفات وعقائد وعوائد وأعمال تقتضيها، فإذا هم غيروا ما بأنفسهم من تلك العوائد و الأخلاق وما يترتب عليها من محاسن الأعمال، غير الله عندئذ ما بأنفسهم وسلبهم نعمته وهذا هو الأصل المطرد في الأقوام والأمم وهو كذلك في الأفراد ( 5).
فإن الله لا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة او مهابة، إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيعير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم ( 6).

فمعنى التغيير في الآيتين، أن الأمة التي تريد أن يحول الله عنها حالا لا ترضاه لمجتمعها، يجب أن تغير من نفسيتها أولا، فإن فعلت حول الله عنها ما تكره، ووجه إليها من نعمه ما تحب ( 7). وذلك وفق السنن والنواميس التي تحكم الحياة البشرية في إطار سنن حكيمة ترتبط بمشيئة الله سبحانه وتعالى أولا، وبالفعل البشري سلبا وإيجابا فردا وجماعة في كل زمان ومكان، وبموجب ذلك تتشكل حركة التاريخ الذي هو في نهاية المطاف سجل مستوعب للمواقف والتصرفات الاجتماعية بكل أشكالها وأنواعها (8 ).

فإذا قرر القرآن أن السلوك الإنساني أثر ونتيجة لما بنفسه وأن للإنسان قدرة على تغيير ما بالنفس ( 9). فإن معنى هذا أن الإنسان في هذه الحياة رهين سلوكه وموقفه من القوانين والسنن التي أودعها الله في خلقه، فقد ربط الله بين الأسباب والمسببات خلقا وقدرا بمشيئته وحكمته لنهتدي بالأسباب إلى مسبباتها ونجتنبها باجتناب أسبابها، فإن بطلان السبب يقتضي بطلان المسبب. وقد ذكر لنا القرآن الكريم تطبيق هذا في قوم يونس بقوله تعالى: (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة والدنيا...) ( 10) فالآية جعلت المبادرة إلى الإيمان والإقلاع عن الكفر، سببا لكشف العذاب، لأنهم أبطلوا سببه، وأر شدنا الحق سبحانه وتعالى إلى سنته تلك في الأمم والأقوام بقوله: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض) (11 ). التي تنص على كون الإيمان والتقوى العلاج الوحيد، الذي بسببه يحول الله السيئ إلى الحسن، لأن التزامهما إقلاع عن أسباب العذاب (12 ).

يتبع مستقبلا بمشيئة الله.

..........................................
1 - الرعد 12
2 - التفسير الحديث 7/50 تأليف: محمد عزة دروزة. ط. الأولى 1381 هـ/ دار الكتب العربية القاهرة.
3 - الأنفال 54.
4 - تفسير الظلال 4/37 بتصرف.
5 - تفسير المنار 10/37-38- وانظر 2/280 من التفسير نفسه.
6 - تفسير الظلال 5/78 ويضيف وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون، ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم فقد قضت بذلك مشيئته وجرت بها سنته.
7 - انظر مناهل العرف(ان 2/284، تأليف محمد عبد العظيم الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية ط الثالثة. د.ت
8 - من الإشكالات المفهومية (مفهوم لفظ التغيير في الآيتين هل هو لمطلق التبديل والتحويل أم لتبديل خاص فقط وهو التحويل من الحسن إلى السوء، والظاهر من السياق في الآيتين أنه لتبديل خاص وهو من الحسن إلى السيئ.
غير أن المعنى اللغوي للفظة التغيير الذي منه التحويل والتبديل بالمغاير عامة (انظر اللسان مادة: غير) والظاهر من كلام بعض المفسرين أنها في المعنيين معا: "انظر تفسير ابن كثير 2/505. والتحرير والتنوير 13/102.
وقد علق سيد قطب على آية الرعد بقوله: "يبرز السياق حالة تغيير الله ما بالقوم إلى السوء لأنهم حسب المفهوم من الآية غيروا ما بأنفسهم إلى أسوأ فأراد الله لهم السوء... ويبرز السياق هذا الجانب دون الجانب الآخر لأنه في معرض الذين يستعجلون السيئة قبل الحسنة قدم لهم هناك المغفرة على العذاب ليبرز غفلتهم، وهو هنا يبرز العاقبة السوأى وحدها لإنذارهم. انظر تفسير الظلال 5/78. والفكرة ذاتها بني عليها كتيب الأستاذ جودت سعيد "حتى يغيروا ما بأنفسهم" الذي اتخذ من آية الرعد محورا لمباحثه وفصوله.
9 - إن الإنسان يفعل سببا معينا ينتج عنه خلق من الله، كخلق الإنسان وثمرة الزرع... انظر حتى يغيروا ما بأنفسهم 90.
10 - يونس 98.
11 - الأعراف 95.
12 - انظر مجالس للتذكير 195و 196.
 
عودة
أعلى