السنة النبوية: رؤية تأصيلية من القرآن الكريم - المبحث الاول: الرسل بين بشريتهم والوحي

سيف الدين

New member
إنضم
13/01/2006
المشاركات
126
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
- آدم عليه السلام:

قال الله عن آدم عليه السلام: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33) سورة آل عمران}... ويخبرنا الله عن آدم عليه السلام انه خلقه من طين وعلمه الاسماء كلها ثم امر الله الملائكة ان تسجد له فسجدوا اجمعين؛ وجاهر ابليس بالعداء لهذا المخلوق الجديد واعلن بين يدي الله عز وجل انه سيناصبه العداء الى يوم القيامة... ثم يبدأ تكليف آدم وزوجه حيث يؤمر ان يدخل الجنة ويأكل منها رغدا حيث شاء هو وزوجه على الا يقرب الشجرة ا لمحرمة...

السياق القرآني يواكب آدم في الجنة ويواكب الصراع الاول بين بني البشر وابليس ...

ان القرآن يقرّر ان آدم عليه السلام كان يتصرّف من منطلق بشري فيما عرضه لنا من قصته ...
1- فآدم عليه السلام عرضة لوساوس الشيطان كغيره من البشر: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ } (120) سورة طـه
2- كما ان في آدم عليه السلام, كما في غيره من البشر, نوازع الملك والخلود:{ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} (120) سورة طـه
3- كما ان في آدم السلام القابلية للدخول في عالم الوهم :{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } (22) سورة الأعراف} ....

كل هذا السياق المتكرّر هنا وهناك في القرآن الكريم يؤكّد على ان آدم عليه السلام كان بشرا كغيره من البشر, لذا جعله الله عبرة لجميع البشرية بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (27) سورة الأعراف.. وحين اخرجه الله من الجنة هو وزوجه جعل الخطاب للبشرية جميعا كما جاء في سورة البقرة : {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (38) سورة البقرة


ان تصرفات آدم عليه السلام لم تكن مسرحية اريد بها تعليم البشرية... كما ان تصرفاته لم تكن موحى بها ... ان النصوص واضحة وصريحة في ان الله تعالى عاتب آدم عليه السلام على ما فعله {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (22) سورة الأعراف


ان الوحي الصريح لآدم عليه السلام جاء في قوله تعالى:
1- {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} (35) سورة البقرة
2- {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (117) سورة طـه

أمّا تصرّف آدم عليه السلام تجاه الشجرة فان ذلك كان بمحض ارادته, وليس بوحي من الله عزّ وجلّ

نختم هذا المحور بالتبريرات والاسقاطات العجيبة الغريبة على القصة ...


اولها ان اصطفاء آدم للنبوة كان بعد المعصية وليس قبلها !!!!

ونقول: { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } (148) سورة الأنعام ... هل هناك ما يصرح بأن اصطفاء آدم كان حقا بعد المعصية؟؟!!


ثانيا, ان الله قد عصم آدم بعد هذه المعصية ... ان القول بان الله قد عصم آدم بعد ذلك يترتب عليه استنتاجات خطيرة:
1- ان النبوة لا تستطيع ان تصمد امام وساوس الشيطان الا بقوة الهية, فما بالك بالناس؟ هل سيستطيع الناس ان يفعلوا ما عجز الانبياء عن فعله؟
2- ان الانبياء لا يمكن ان يكونوا قدوة للناس في السلوك البشري لأنهم حين يدخلون حيز النبوة فانهم يدخلون في تغيير لبنية سلوكهم.
3- لقد اعلن ابليس انه سيدخل في صراع مع بني البشر جميعا بغية الخروج بهم عن امر الله, فهل النبوة هي استثناء الانبياء من هذا الصراع لأنهم لا يمكنهم بأي حال من الاحوال ان يصمدوا امام وساوس الشيطان؟؟
4- كيف يستطيع الانبياء ان يقدموا نموذجا للناس في الصراع مع ابليس ووساوس النفس اذا كانوا هم انفسهم خارج دائرة الصراع؟
5- ثم الا ترانا نغفل المغزى المهم من قصة آدم حين نناقشها على اساس مفهوم العصمة؟؟ الا ترانا نسير بعيدا عن النص القرآني حيث ان القرآن يكرر ما فعله آدم ويضعه في اطار العبرة للبشرية جميعا ثم يأتي قوم بعد ذلك للنهي عن الخوض فيما فعله آدم لأن ذلك كان قبل النبوة والعصمة؟؟

ان دائرة النبوة ليس هو العصمة وانما هي الدائرة الانسانية – بما تملكه من مشترك مع التركيبة البشرية جميعا - مضافا اليها الوحي الالهي ... ان الذين اقحموا العصمة في موضوع النبوة انما فعلوا ذلك بحسن نية ارادوا منها المحافظة على الرسالة الالهية غير ممسوسة بالهوى البشري ... لكن ذلك لا يعفيهم من النتائج السيئة والخطيرة التي ترتبت على ذلك...
 
موضوع جيد من أخ طيب، ولكن لابد من التنبيه على أمورقد تنفع الباحث في هذا الموضوع :
1- جمع الآيات التي تحدثت عن قصة آدم ، ومحاولة الربط بينها ربطا ينفي وجود تلك الاختلافات الظاهرة لنا.
2- عدم التسرع في استخلاص النتائج ، لاسيما وأن بحثك هذا كما ذكرت سابقا لايزال غضا طريا
3- مسألة العصمة من المسائل الواجب علينا مناقشتها ، ولكن بدقة وتريث حتى لا يساء فهمك، وقد قالوا قديما " والحق قد يعتريه سوء تعبير".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال يحي بن أبي كثير : " لا ينال العلم براحة البدن "
رواه مسلم
 
الأخ علال أكرمك الله وجزاك خيرا

ملاحظاتك قيّمة جدا وأودّ ان اعقّب بالتالي:
1- إني اقوم بجمع الايات وما أمكن من احاديث, غير اني ارتأيت الاّ أضمّنها البحث حتى لا يملّ القارىء ونفسح المجال امام مناقشة النقاط المهمة في الموضوع .. ثم ان اضطر الامر اثناء المناقشات عدنا الى الايات حسب ما تقتضيه الحاجة
2- أصدقك القول ان هذا البحث هو ثمرة سنين من القراءات والتأملات في السنة النبوية .. فهناك من وقف من السنة موقف الانكار لكل ما حملت, ومنهم من وقف موقف المؤيّد المثبت لغثّ الروايات وسمينها .. وقد خرجت منها بما خرجت .. الا انني اعتقد جازما ان رأي الواحد لا يأتي بثماره ..
3- ان العصمة موضوع مهم جدا ولا غنى عن ذكره, وسأقوم بإذن الله بإضافته الى محاور البحث
 
2- نوح عليه السلام

2- نوح عليه السلام

- نوح عليه السلام:

قال تعالى لنوح عليه السلام قبيل اغراق قومه: {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} (37) سورة هود} غير ان عاطفة الابّوة تتحرك في نفس نوح عليه السلام وهو يرى ابنه يلتقمه الطوفان, فيتوجه الى ربه بالدعاء: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} (45) {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (46) {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (47) سورة هود


جاء في زبدة التفاسير: ثم لما علم نوح بأن سؤاله لم يطابق مرضاة الله , وأن دعاءه ناشئ عن وهم كان يتوهمه , بادر إلى الاعتراف بالخطأ , وطلب المغفرة والرحمة

وهنا نعود الى التساؤل: هل كان نوح يقوم بافعاله كلها تبعا لوحي يوحى اليه؟ هل أوحي اليه ان يدعو الله بأن ينجي ابنه ثم يعاتبه الله على ذلك؟؟ من الواضح جدا ان نوح عليه السلام كان يتصرف بطبيعته البشرية.. ولا ريب ان دعاءه لربه مبعثه عاطفة الابوّة التي جعلها الله في قلوب البشر...

وقد حاول البعض الادعاء بأن ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة, وعدّدوا احتمالات بأن يكون ربيبا وغير ذلك ... وكل هذه الافتراضات تحتاج الى دليل وسند فلا داعي للخوض فيها ... وان كان السياق يتكلم هنا عن صراع الحق والباطل فحسبنا ان نجعل كل العلاقات تدور في هذا الاطار وان ابن نوح كان ابنه حقيقة وان قول الله له: {انه ليس من اهلك} اي في حسابات الايمان بالله ... وان قول الله له: {انه عمل غير صالح} هو موجّه الى نوح عليه السلام ... ويتناسب هذا مع الاستغفار الذي قام به نوح عقب هذا الكلام.
 
يعقوب عليه السلام

يعقوب عليه السلام

نقف مع يعقوب عليه السلام وهو يكفكف دمعه على يوسف عليه السلام الذي تآمر عليه اخوته, فألقوه في غيابت الجب... يشتمّ يعقوب عليه السلام رائحة المؤامرة فيقول لأبنائه: { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (18) سورة يوسف ويمضي السياق القرآني يخبرنا ما يحدث ليوسف عليه السلام, ثم يعود بنا الى يعقوب عليه السلام, فاذا به قد ابيضت عيناه حزنا وبكاء على يوسف, واخذ منه الحزن بصره {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (86) سورة يوسف

ان القرآن يسوق بنا مع يعقوب مشاعر الابوّة التي فقدت احد أبنائها وأعقب ذلك فقدان آخر... ان هذه المشاعر تتدفق بشكل انسيابي عفوي ... اننا لا نكاد نرى مع يعقوب الا صورة انسانية بعيدة عن اي تدخل للوحي فيما يجيش بها صدرها من مشاعر الحزن والاسى واللوعة ... فمن كان يرى غير ذلك فليستفت عيني يعقوب عليه السلام !..... فان كان الحزن قد اخذ ببصر يعقوب عليه السلام, فليتدبر معنى صبر يعقوب بصبر...
 
4- يوسف عليه السلام

4- يوسف عليه السلام

- يوسف عليه السلام:

{قال رب السجن احب اليّ ممّا يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم} (يوسف 33-34)

ان في دعاء يوسف هنا عليه السلام اقرار بالضعف البشري الذي قد يعتريه كما يعتري غيره من البشر, واقرار بثقل ضغط نوازع نفسه امام الضغط الاجتماعي, لذا يتوجّه بالدعاء الى الله ... ان عرض القرآن لنفسية يوسف عليه السلام على هذا المستوى هو تأكيد على بشرية يوسف عليه السلام من داخلها, هذه النفس التي تحاكي نفوس الناس جميعا, غير ان يوسف عليه السلام, واستشعارا بهذا الضعف, يخطو امام الناس جميعا خطوة الى الامام, بالتوجه الى الله بأن يعينه على هذه الضغوط ... وهذه الخطوة هي خطوة الاسوة الحسنة وهي خطوة النبوة ... ان نبوة يوسف عليه السلام لا تكمن في عصمة الله له, ولا تكمن في مغايرة تركييته البشرية, ولا تكمن في ان نوازع نفسه كانت ملغية لحساب ملك كريم من الله يوجهها او يلجمها... ان نبوة يوسف تمثلت في انه دخل دائرة فتحت امامه المستغلق من الطرق وجعلت كل الفتن والمغريات في متناول يده ... ثم ان القرآن يعرض ما يعتري نفس يوسف من صراع داخلي امام هذه الفتن ... الى هنا تتقاطع نفس يوسف مع نفوس كثير من البشر ... النفس البشرية التي تقيم في لحظة من اللحظات حساب الربح والخسارة ... غير ان نفس يوسف عليه السلام تأبى الا ان تقيم حسابات الربح والخسارة بناء على القرب من الله تعالى ... وهذا هو معنى النبوة ومعنى الاسوة الحسنة ... النبوة التي تؤثر السجن تقربا الى الله ....

اما قضية ان يكون الله قد عصمه او لم يعصمه, فأعتقد انه لا يجب طرح القضية على هذا المستوى ... والسبب في ذلك بسيط وهو التساؤل التالي: ان احجام يوسف عن الاستجابة للضغوط والمغريات الاجتماعية, هل هو احجام فريد لا يتكرر ابدا مع اناس صالحين ليسوا بأنبياء؟ ربما هناك الكثير من قصص الصحابة التي تعرضهم في مواقف بطولية فريدة يرفضون فيها الكثير من المغريات حبا لله ولرسوله ... أفيستحيل على يوسف ان يقدم على ذلك وهو نبي الا بعصمة وتدخل الهي مباشر؟ لماذا نصرّ على ان النبي, بشكل عام, هو اضعف بكثير من كثير من الناس العاديين سواء على مستوى الفطنة او على مستوى الاحجام عن المعصية؟

ان اغرب ما تستدعيه العصمة في الاذهان هو ان النبي انسان ضعيف على مستوى الصراع النفسي او على مستوى الحراك الاجتماعي ... فهناك خوف دائم ان يخسر النبي معركته امام وساوس نفسه, او ان يخسرها امام الضغوط الاجتماعية, لذا تأتي العصمة لكي تخرج النبي من دائرة الصراع النفسي ... ولن نعجب بعد ذلك ممن ذهب الى ان شيطان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد اسلم!!!
 
عودة
أعلى