السماء و العلم التجريبي . . وفاق لا فراق - ( سألني عن القرآن فأجبته (3))

إنضم
11/11/2016
المشاركات
19
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
المملكة العربية
جاءني سؤال من أحد الكرام يقول ما معناه أنه منذ عدة ايام ساله أحدهم معني السماء في القران الكريم و أخبره أن العلم الحديث اثبت عدم وجود شي يسمى السماء!!
و طلب مني السؤال الكريم بيان الأمر.


ملخص الرد إن شاء الله تعالى على محورين ( و المراجع و الشواهد جعلتها في التفاصيل حتى لا يطول الملخص ) :
محور (1) / بيان أن السؤال الذي طرحه عليك صديقك يثبت أنه ومن لقنه ذلك لا خلفية أو علم لديهم عن معانى كلمة السماء لا في القرآن و عند المفسرين ولا في اللغة حتى:

( فالسماء في القرآن لها معان متعددة عند العرب و عند المفسرين من بعدهم وليس معنى واحدا . . و الله أعلم بمراده قبل كل شيء و بعده . .
فكل ما علاك يمكن أن يسمى سماء . . من السمو و هو العلو . .
فالسماء = ما يقابل الأرض . .
و السماء = السحاب . .
و السماء = المطر . .
و السماء = الجو . .
و السماء = سقف البيت . . )
بل إن العرب سمت ( ظهرالفرس سماء - و سمت الشجر و العشب و المطر بعد نزوله على الأرض سماء )
ولا يوجد معنى واحد من المعاني الواردة في القرآن يصطدم مع مكتشفات العلم كما سنبين.

محور (2) / بيان أن ما نسبوه للعلم التجريبي من أنه ليس هناك شيء اسمه سماء هو جهل فادح فاضح بالعلم يشهد بأن من يقوله إما جاهل يردد دون تفكير أو كاذب ولا حل ثالث!!

( و ربما من الضروري في هذا المقام أن أخبرك أن محدثك أكاديميا هو متخصص في الفيزياء التي دراسة الكون فرع عنها)
حيث :
(أ) كلمة السماء ( SKY ) و بنفس استخدام القرآن لها ( كمقابل الأرض ) هي كلمة حاضرة الاستخدام بقوة في كل المراجع والكتابات العلمية المعاصرة و القديمة , بل ولا يوجد لها بديل مطابق , فالفضاء و الكون لا يطابقانها في معناها كما سنبين إن شاء الله و إن اتفق كل منهما معها في جانب يسير من المعنى .
(ب) مصدر الشبهة هو اعتقادهم أن السماء = الكون = فضاء . . و أن الفضاء = فراغ . . و بالتالي ظنوا أن السماء لا شيء أو فراغ
و هذا الجهل بعينه من جهة اللغة كما أسلفنا . . و التخلف عن مواكبة العلم . . و الآن لنبين ذلك .
فالعلم التجريبي مفسه أثبت أنه ليس هناك في الكون فضاء حقيقي . .
فالكون ملي بمادة تسمى المادة المظلمة أو القاتمة Dark Matter تكون متحدة بشكل من أشكال الطاقة تسمى الطاقة المظلمة ليكونا نسيجا واحد ( ثلثه تقريبا مادة و ثلثيه طاقة و لكنه كيان واحد) . . شيء واحد يملأ كل ما يبدو أنه فراغ في الكون , و قد ثبت وجود هذه المادة المظلمة تجريبيا.
بل قد تفاجأ حين تعرف أن مادة كل ما نراه و نرصده في الكون من كواكب و نجوم و سدم وغيرها لا تمثل إلا 5% من مادة الكون . . بينما نسيج المادة الداكنة المتوحد مع الطاقة الطاقة الداكنة تمثل أكثر 90% من مادة الكون ( 27% + 68% تقريبا على الترتيب) . .
وهذه المادة مادة حقيقة . . لكنها لا ترى لأنها لا تعكس الضوء . . و رغم ذلك تم رصدها بل و تصويرها بتقنيات متطورة.
و بالتالي فإن ما كنا نسميه في الماضي فضاء هو في الحقيقة مادة . . مادة تمسك مكونات الكون بشدة و صرامة و قوة معا في نظام الكون المبهر. . و تمنعه من الانهيار على بعضه . . بل تتحكم في توزيع المجرات و حركتها التي هي وحدات الكون العظمى.
أي أن توهم أن السماء هي الفضاء و أن الفضاء لا شيء . . هو اعتقاد متخلف من ماضي العلم لم يعد له وجود.

و عليه فعبارة أنه لاشيء اسمه السماء . . تشي بأن صاحبها شديد التهور و هو يتكلم في ما لا يعلم و يطعن بالظن في كتاب الله تبارك و تعالى الذي لديه سيل من الأدلة العقلية تجعل الإيمان أنه كلام الله لا مهرب منه إلا بالجهل بالقرآن أو التنكر للعقل.

و الآن إلى التفاصيل و المراجع:
المحور الأول / معاني السماء في اللغة و في القرآن :
إن دراسة معاني السماء في اللغة وفي القرآن تفضح الخلط الرهيب لدى كل من يعتقد أن السماء في القرآن ( شيئا واحدا) كما يفهم هؤلاء ولا حول ولا قوة إلا بالله , كان أولى بهم أن يسألوا أو يتعلموا كما تفضلتم و فعلتم بشكل علمي محترم , لا أن ينطلقوا مرددين ما يقال لهم كالببغاوات مشككين أنفسهم و غيرهم . .

فلوأن شخصا يدعي أنه درس القرآن , لأخبرنا أي استخدام من استخدامات كلمة السماء ذلك الذي يدعي تعارضه مع العلم الحديث!! و لكنهم لا يعلمون أصلا أن لها في القرآن و اللغة استخدامات عدة . . ليس بينها واحدا يصطدم مع العلم.

إن مثل هؤلاء مثل الذي سول له جهله عندما قرأ قول الله تعالى " كمثل غيث أعجب الكفار نباته " أن كلمة " الكفار = جمع كافر " !!! بينما جمهور المفسرين على أن معناها " الزراع " - و الله أعلم بمراده.
(أولا) / معنى السماء لغة:
في اللغة العربية التي نزل بها القرآن كلمة السماء = كل ما علا و أطل / السحاب / المطر / السقف / ظهر الفرس / النبات و مياه المطر التي تبلل الأرض.

يقول العلامة اللغوي بن فارس ( من علماء اللغة في القرن الخامس الهجري ) في معجمه الفذ في تاريخ اللغة العربية " مقاييس اللغة " - في كتاب السين باب الميم ثم الواو ( س م و)
" (س م و) السين والميم والواو أصلٌ يدل على العُلُوِّ. يقال سَمَوْت، إذا علوت.
.....
والعرب تُسمِّي السّحاب سماءً.
والمطرَ سماءً، فإذا أريدَ به المطرُ جُمع على سُمِيّ.
...
والسماء: سقف البيت.
وكلُّ عالٍ مطلٍّ سماء، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء.
ويتَّسِعون حتَّى يسمُّوا النَّبات سماء. قال:
إذا نَزَلَ السَّماءُ بأرضِ قومٍ *** رَعَيْناهُ وإن كانوا غِضابا
ويقولون: "ما زِلْنا نطأُ السَّماءَ حتَّى أتيناكم"، يريدون الكلأ والمطر. "
(ثانيا) معنى السماء في القرآن:
لنقرأ عن استخدامات كلمة سماء في القرآن لنرى أنها منطلقة من استخدامها في اللغة وأن القرآن لم يستخدمها استخداما مخالفا لما عهده العرب:

يقول الفيروز أبادي و هو من علماء القرن الثامن الهجري :

" لقد ورد السّماء فى القرآن على وجوه:
الأَوّل/ بمعنى سقْف البيت: مثاله {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ}:أي فليمدد بحبل إِلى السّقف .
الثَّانى/ بمعنى السّحاب: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً} و هي هنا السّحاب.
الثالث/ بمعنى المطر: {يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} أَى المطر.
و هذا معنى مشهور في لغة العرب و له شواهد من الشعر غير أني أحاول الاختصار.
الرابع/ بمعنى سماءِ الجَنَّة وأَرضها: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}، وفى الحديث/ "أَرض الجنة من ذهب وسماؤها عرش الرّحمن".
الخامس/ بمعنى سماءِ جهنَّم: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ} إِلى قوله {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}.
السادس/ بمعنى المقابل للأَرض: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ}، {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ}، {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، ونظائرها كثيرة.

بصائر ذوي التمييز - مجد الدين الفيروزأبادي 3/263-264 - [ مع إضافة بعض الأمثلة اليسيرة مني للشرح مني ]


و يلخص لنا الدكتور فاضل السامرائي في عصرنا الحديث الموضوع قائلا :
" السماء في القرآن وفي اللغة إما أن يكون:

(1) واحدة السموات السبع (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ (5) الملك) السموات السبع كل واحدة منها تسمى سماء السماء الأولى إلى السابعة.

(2) والسماء قد يقال لكل ما علاك :

* فالسحاب يسمى سماء (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء (22) البقرة)

* الجو (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء (79) النحل)

* السقف سماء بنصّ القرآن (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) الحج) إلى سقف بيته (السبب هو الحبل) من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليخنق نفسه فالسقف سماء- (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء (125) الأنعام) فضاء.

* السحاب قال (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء (48) الروم)] كل ما علا الإنسان فهو سماء لا يشترط أن يظلّك
إذن السماء إما أن تكون واحدة من السموات السبع , وإما أن تكون لكل ما علاك.
الأوسع هي السماء لأن السموات ستكون قسماً من السماء . . يعني السماوات جزء من السماء . . "

لمسات بيانية - (1 / 273)

هذا كلام العلامة فاضل السامرائي . . والله أعلم بمراده تعالى طبعا.
إذن فخلاصة النقطة الأولى:
يعتقد الطاعنون أن كل كلمة سماء في القرآن هي بنفس المعنى , لذا حدث عندهم التشويش في ذهنهم و انطلقوا يطعنون في القرآن , بينما كان أولى لهم لو بحثوا في كتب التفسير أو سألوا من يعلم لانكشف قبل أن ينطلقوا طاعنين فاضحين جهلهم.

ثانيا / الرد على أضحوكة أن العلم اكتشف عدم وجود شيء اسمه السماء:

هذه العبارة عند أي فيزيائي عبارة مأساوية كفيلة بأن تدخله في حالة من الاكتئاب مما وصل إليه حال من يتحدثون عن الفيزياء!!

والآن . . هيئ من سألك للصدمات و المفاجآت التالية عساه لا يردد مثل الببغاء كل ما يقال له و لا يطعن في القرآن :
المفاجأة الأولى:

لا يوجد كتاب فيزياء أو كتاب فلك إلا و تكون أكثر كلمة تطالعك في كل صفحة من صفحاته هل كلمة السماء sky و المدهش أنها تستخدم في الانجليزية و الفيزياء تقريبا بنفس الاستخدام العربي و القرآني.

فمثلا : يستخدم موقع NASA لفظة السماء ( sky ) عدد 11,374 مرة في مقالاته التي هي علمية بامتياز!!
و يمنكم التأكد من هذا بالدخول إلى موقع وكالة ناسا و كتابة الكلمة في خانة البحث و هذا الرابط لو أحببتم التأكد بأنفسكم . .
و هذا مجرد مثال . . و إلا لو استقصيت في كتب ومراجع الفيزياء و علوم الفضاء عدد مرات ورود كلمة السماء لما كفانا صفحات و صفحات.

المفاجأة الثانية:
الإشكال الذي يواجهه بعض الأدعياء انهم يظنون أن القرآن يفهم من سياقه حينما يتحدث عن السماء أن السماء ((مادة)) يعني ليست فراغا.

طيب السؤال الآن . . لو افترضنا صحة ذلك إذ أن بعض مرات ورود السماء في القرآن تحتمل فيما تحتمل هذا المعنى و ربما غيره . . فهل ذلك يصدم مع العلم ؟

أبدا إنه يصطدم مع الجهل و ليس مع العلم . . فالعلم لا يقول أن السماء فراغ . . حتى كلمة الفضاء . . هي وصف استخدم في ماضي العلم . . و لم يعد العلماء يعنون به فضاء حقيقيا . . بل على العكس . . لا يوجد في الكون قيد أنمله فارغ . . لا تتعجب هذا ما أثبته العلم.

إن علماء الفيزياء اكتشفوا حديثا كما أسلفنا ما يسمى المادة المظلمة و الطاقة المظلمة , و هي مادة تمثل على أقل تقدير 27% من مادة الكون و على أعلى تقدير 95% . . و على كل الأحوال فهي تملأ كل الفضاء . . و هي مادة لا ترى . . ولكنها تصدر قوة رهيبة تمسك بأجرام الكون أن تتهاوى نحو بعضها بفعل الجاذبية التي تجذبها جميعا نحو بعضها بما فيها الأرض . .
فقوى الجاذبية تجذب الأجسام السماوية نحو بعضها , فلماذا لا تسقط على بعضها؟؟

إنه بسبب الجاذبية المضادة التي تولدها المادة المظلمة التي تمثل ما يزيد عن 90% من مادة الكون
و هي لا تدرك بحواسنا
و هذا موضوع عنها من موقع وكالة ناسا أيضا

https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/what-is-dark-energy
و هذا مقال مترجم للعربية من موقع غير علمي يقوم بترجمة أخبار و مقالات ناسا و يسمى ( ناسا بالعربي ) و لكنه ليس موقع رسمي لناسا.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/the-nature-of-dark-matter

و هذا مقال يتحدث عن كشوف مؤخرة أنهت محاولة البعض التشكيك في المادة المظلمة . .
https://nasainarabic.net/main/articles/view/2019-04-dark-alternate-explanations

أي أن السماء ليست فراغا . . السماء كيان . . السماء بناء . . السماء فيها قوى تحفظها أن تتهاوى على بعضها البعض بفعل الجاذبية . . و لو تخيلنا حدوث مثل هذا الانهيار . . فإنه سيظهر لنا على الأرض و كأن الكون كله يسقط عفوق رؤوسنا . . و كأن السماوات تقع على الأرض . . بينما في الحقيقة نحن و كل أجرام السماوات نتحرك نحو بعضنا البعض . .

و الآن . .

فأي عالم بالتفسير و الفيزياء يجد أنه يستحيل توهم شبهة التعارض بين أي آية تتحدث عن السماء . . وبدون أدنى تعسف . . و لو أن المفسرين الأقدمين كانوا يعرفون عن الكون ما نعرف فإنني أظن أنهم ربما فسروها بما ثبت من العلم الحديث أو على الأقل جعلوه من الأوجه التي يحملها معنى الايات . . والله أعلم بمرداه . .

فأين التناقض إذن ؟؟!!
إنه تناقض ليس بين العلم و القرآن . . بل بين الجهل المركب و الترديد الببغائي الأعمى و القرآن . .
إن العاقل ليتعجب من هذا الكتاب الذي خاطب أجيالا من الناس بنفس الكلمات . . فوجد الأمي في ما يراه بحواسه من ظواهر الكون دلالة على صدق القرآن . . و رغم ذلك خالف القرآن الأخطاء العلمية التي كانت بمثابة معارف شائعة وقت نزوله . . سواء فيم يخص الكون و الأنفس . . و خالف الأخطاء التي اعترت الكتب السابقة جراء التدخل البشري فيها بالتحريف وسوء التأويل. . لكنه أبدا لم يصطدم معه العلم يوما . . و اي اصطدام مع نظرية متوهمة سادت فترة من الدهر . . ثبت لاحقا أن القرآن هو الصواب . . و عاد العلم ليشهد أن هذا القرآن كلام الله . . و امثلة هذا في تاريخ العلم و القرآن كثيرة . .

كيف لا . . و الإله يتكلم عن خلقه . . " ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير "

والحمد لله رب العالمين . .
و الله أكبر و العزة لله ولرسوله و للمؤمنين
 
عودة
أعلى