السلسلة الذهبية في المقالات التفسيرية المنتقاة من الشبكة العنكبوتية [ المقال الأول ]

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد ؛ أما بعد
فمن غير تطويل في التقديم أشرع في المقصود بعد بيان شرطي في الانتقاء ؛ وهو أن يكون المقال جديراً بالقراءة ، محرراً بعناية ، مرتبطاً بالتفسير أو أصوله ، منسوباً إلى مصدره .
والله المسؤول أن يعين على حسن الانتقاء حتى ينتفع الإخوة القراء .

[color=0000FF]المقال الأول :[/color]

قصة نبي الله داود - عليه السلام - والنعجة الواحدة

علي حشيش



في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واغتر الكثير بوجودها في بعض التفاسير، وكذلك في قصص الأنبياء، حتى نشرت جريدة"اللواء الإسلامي"في عددها (305) في الصفحة الثامنة تحت عنوان"أنت تسأل والإسلام يجيب"إجابة عن السؤال: ما تفسير قوله - تعالى -: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (21) إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب {ص: 21- 23}.

وأجاب الشيخ: إجابة هذا نصها:"إن نبي الله داود - عليه السلام - من أنبياء الله ابتلاه الله سبحانه بامرأة جميلة هي زوجة لجندي من جنوده يسمى أوريا، وكان لداود تسع وتسعون زوجة فامر زوجها بالنزول له عنها، فبعث الله له ملكين في صورة بشر، قال له أحدهما: إن هذا صاحبي له تسع وتسعون نعجة أي امرأة ولي نعجة واحدة وطلب مني أن أتنازل له عنها ليتزوجها ويكفلها وغلبني في الكلام، فقال داود: لقد ظلمك بسؤال امرأتك إلى امرأته... إلى أن قال الشيخ: فأنكر الله على داود أن يتشاغل بالدنيا ويستزيد من شهواتها". ثم يقول الشيخ:"والقصة طويلة ونوردها هنا بإيجاز وعلى السائل إذا أراد المزيد الرجوع إلى كتب التفسير". أ.هـ.

قلت: ما كنت أودّ أن يذكر الشيخ قصة وينسبها إلى نبي الله داود بغير تخريج ولا تحقيق خاصة وقد جاءت إجابته تحت عنوان:"أنت تسأل والإسلام يجيب"، لم تكن هذه هي إجابة الإسلام التي ظن الشيخ أنها تفسير للآيات (21- 23 سورة ص)، بل هي إسرائيليات مدسوسة تطعن في عصمة الأنبياء ويرجع إلى تفسير ابن كثير (4-31) حيث قال:"قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه".

قلت: وإن تعجب فعجب أن يخرج الخطباء والقصاص عن ظاهر الآيات ويجعلوا من النعجة امرأة، ومن الخصم ملكًا، والنبي المعصوم مخطئًا، وليرجع هؤلاء إلى كتاب"الفصل في الملل والأهواء والنحل"(4-14) لابن حزم ولينظروا إلى قوله:"إنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم بلا شك مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم بغى أحدهما على الآخر على نص الآية.

ومن قال: إنهم ملائكة معرِّضين بأمر النساء فقد كذب على الله - عز وجل - وقوَّله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذَّب الله - عز وجل - وأقر على نفسه الخبيثة أنه كذَّب الملائكة؛ لأن الله - تعالى - يقول: وهل أتاك نبأ الخصم، فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة ولا قال له: أكفلنيها، فاعجبوا لما يقحم فيه أهل الباطل أنفسهم، ونعوذ بالله من الخذلان، ثم كل ذلك بلا دليل بل الدعوى المجردة". أ.هـ.

قلت: ومن العجب قوله:"والقصة طويلة وأنه أوردها بإيجاز".

ألم يعلم بأنها تحمل في طياتها سموم الطعن في عصمة الأنبياء؟ فقد جعلت نبي الله داود - عليه السلام - يترك صلاته ويجري وراء حمامة حتى دخلت بستانًا وجد به هذه المرأة عارية تغتسل وحانت منها التفاتة فأبصرت ظل داود فنشرت شعرها فغطى بدنها كله، فزاد بذلك إعجابه، وعرض زوجها (أوريا) للقتل عمدًا ليتزوجها".

قلت: وإن تعجب فعجب قوله:"وعلى السائل إذا أراد المزيد أن يرجع إلى كتب التفسير". ولو رجعوا لتبين لهم بطلان القصة:

1- نقل القرطبي في تفسيره"الجامع لأحكام القرآن"(15-176) عن ابن العربي المالكي أنه قال عن هذا الخبر:"باطل قطعًا".

2- قال الخازن في تفسيره"لباب التأويل في معاني التنزيل"(6-49):"فصل في تنزيه داود - عليه السلام - عما لا يليق به وما ينسب إليه": اعلم أن من خصَّه الله - تعالى - بنبوته وأكرمه برسالته وشرفه على كثير من خلقه وائتمنه على وحيه لا يليق أن ينسب إليه ما لو نسب إلى آحاد الناس لاستنكف أن يحدَّث به عنه. فكيف يجوز أن ينسب إلى بعض أعلام الأنبياء والصفوة الأمناء. أ.هـ.

قلت: ذكره الخازن بعد أن أورد القصة، لعله أراد أن يبين بطلانها.

3- قال الفخر الرازي في"التفسير الكبير"(26-194): إذا قلنا الخصمان كانا ملكين، ولما كانا من الملائكة وما كان بينهما مخاصمة وما بغى أحدهما على الآخر، كان قولهما: خصمان بغى بعضنا على بعض كذبًا، فهذه الرواية لا تتم إلا بشيئين: أحدهما إسناد الكذب إلى الملائكة، والثاني أن يتوسل بإسناد الكذب إلى الملائكة إلى إسناد أفحش القبائح إلى رجل كبير من أكابر الأنبياء.

4- قال ابن الحسن الطبرسي في تفسيره"جمع البيان في تفسير القرآن"(8-736) بعد أن ذكر القصة:"فإن ذلك مما يقدح في العدالة، فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه بصفة من لا تقبل شهادته وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه، جل أنبياء الله عن ذلك؟!".

5- ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره"جامع البيان عن تأويل القرآن"(10-627) (ح29859) القصة مكتفيًا بذكر أسانيدها على طريقة أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال إليك ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث.



قلت: وهذه القاعدة توهم الكثيرين الذين لا يعرفون من أمر الأسانيد شيئًا أن القصة صحيحة لوجودها في تفسير الطبري وسكوته عن ذكر درجة الحديث.

قلت: وإلى الشيخ تخريج وتحقيق الحديث الذي روي حول هذه القصة:

الحديث"باطل".

أخرجه الحكيم الترمذي في"نوادر الأصول"، وابن جرير، وابن أبي حاتم كما في"الدر المنثور"(7-156).

قال ابن كثير في تفسيره (4-31):"رواه ابن أبي حاتم، ولا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس".

قال القرطبي في تفسيره: رواه الحكيم الترمذي في"نوادر الأصول"عن يزيد الرقاشي عن أنس.

قلت: والحديث عندهم جميعًا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا والرقاشي أورده ابن حجر في"التقريب"(4-538): وهو يزيد بن أبان، قال النسائي في كتابه"الضعفاء والمتروكين"رقم (642): الرقاشي: متروك.

قلت: وقد اشتهر عن النسائي أنه قال:"لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه"، وأورده الدارقطني في كتابه"الضعفاء والمتروكين"برقم (593)، وأورده الذهبي في"الميزان"(4-418):

قال أحمد: كان يزيد منكر الحديث. وأورده ابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل"(9-251). قال أحمد بن حنبل:"منكر الحديث"، وأورده البخاري في"التاريخ الكبير"(8-320)، وقال: كان شعبة يتكلم فيه.

قلت: ووصل الحد في جرحه وتحريم الرواية عنه حتى أورد الذهبي في"الميزان"(4-418)، وابن حجر في"تهذيب التهذيب"(11-309): أن يزيد بن هارون قال: سمعت شعبة يقول: لأن أزني أحب إليَّ من أن أُحدث عن يزيد الرقاشي".

قلت: هكذا حفظ اللَّه - تعالى - بالإسناد لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - دينها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

قال ابن حزم:"نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل". أ.هـ.

وبتلك الخاصية حفظ اللَّه العقيدة السلفية من مثل هذه القصص الواهية التي تطعن في الأنبياء الذين ينبغي الاعتقاد بأن اللَّه - عز وجل - قد حلاهم بالأخلاق العظيمة.

قلت: هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في الأنبياء.

أما عقيدة اليهود- عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين- فهي الطعن في الأنبياء، فقد جعلوا داود - عليه السلام - زانيًا، فقد جاء في"العهد القديم"- صموئيل الثاني- الإصحاح"الحادي عشر"(ص498):"وأما داود فأقام في أورشليم، وكان وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا، فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بَثْشَبَعَ بنت أَلبِعَام امرأة أُوريا الحثي، فأرسل داود رسلاً وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مُطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى". أ.هـ.

قلت: هذا كتابهم المقدس: يجعل داود - عليه السلام - ينظر إلى امرأة عارية وهي تستحم- ويعشقها ثم يزني بها حتى تحمل منه.

يقول:"فأرسل داود إلى يواب يقول: أرسل إليَّ أوريا الحثي، فأرسل يواب أوريا إلى داود فأتى أوريا إليه فيسأل داود عن سلامة يواب وسلامة الشعب ونجاح الحرب، وقال داود لأوريا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك، ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته، فأخبروا داود قائلين لم ينزل أوريا إلى بيته، فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر، فلماذا لم تنزل إلى بيتك، فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب واضطجع مع امرأتي! وحياتك وحياة نفسي لا أفعل هذا الأمر، فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضًا وغدًا، فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده... وفي الصباح كتب داود مكتوبًا إلى يواب وأرسله بيد أوريا، وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وأرجعوا من وراءه فيضرب ويموت، وكان في محاصرة يواب المدينة: أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البائس فيه، فخرج رجال المدينة وحاربوا يواب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريا الحثي أيضًا".

إلى أن يقول كتابهم المقدس- لعنهم الله- في صموئيل الثاني آخر الإصحاح (11):"فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنًا، وأما الأمر الذي فعله داود فَقَبح في عيني الرب". أ.هـ.

قلت: وقد دست هذه الإسرائيليات في الكتب ك"قصص الأنبياء"للثعلبي المتوفى سنة 427ه، حيث جاءت هذه القصة في كتابه (من ص304، 312).

قلت: والقصة طويلة مذكورة في تسع صفحات لتحريف الآيات التي أنزلها الله في سورة"ص": (21، 22، 23، 24، 25) تحت اسم الأحاديث والآثار.

الصحيح الذي جاء في تفسير الآيات

قال الإمام ابن حزم - رحمه الله -في"الملل والنحل"(4-14) باب الكلام في"داود - عليه السلام -":"وذكروا أيضًا في قول الله - تعالى - حاكيًا عن داود - عليه السلام -: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب × إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان... إلى قوله: فغفرنا له ذلك".

قال:"وهذا قول صادق صحيح لا يدل على شيء ممَّا قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود، وإنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم بلا شك... كما بيَّنا آنفًا". ثم يقسم الإمام ابن حزم - رحمه الله -قائلاً:"تاللَّه إن كل امرئ منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره ثم يعرض زوجها للقتل عمدًا ليتزوجها، وعن أن يترك صلاته لطائر يراه، هذه أفعال السفهاء المتهوكين الفساق المتمردين، لا أفعال أهل البر والتقوى، فكيف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أوحى إليه كتابه، وأجرى على لسانه كلامه، لقد نزهه الله - عز وجل - عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله، فكيف أن يضاف إلى أفعاله". أ.هـ.

استغفار داود

ثم يقول ابن حزم رحمه الله:"وأما استغفاره، وخروره ساجدًا ومغفرة الله له: فالأنبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة، والاستغفار: فعل خير لا ينكر من ملك، ولا من نبي، ولا من مذنب، ولا من غير مذنب، فالنبي يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض والملائكة، كما قال الله - تعالى -: ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم {غافر: 7}". أ.هـ.

فتنة داود

ثم يقول ابن حزم - رحمه الله -:"وأما عن قوله - تعالى - عن داود - عليه السلام -: وظن داود أنما فتناه، وقوله - تعالى -: فغفرنا له ذلك: فقد ظن داود - عليه السلام -: أن يكون ما آتاه الله - عز وجل - من سعة الملك العظيم فتنة فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو الله أن يثبت قلبه على دينه، فاستغفر الله - تعالى - من هذا الظن فغفر الله - تعالى - له هذا الظن إذ لم يكن ما آتاه اللَّه - تعالى - من ذلك فتنة". أ.هـ.

قلت: وسياق هذه الآيات يدل على تنزيه داود - عليه السلام - عن هذه القصة الواهية، حيث ذكره الله - سبحانه - في مقام العبودية، فقال سبحانه: واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب {ص: 17}، هذا المقام الذي حفظه الله تعالى من الشيطان بقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا {الإسراء: 65}.

هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد. .

انتهى المقال : ومصدره :http://www.islamselect.com/index.ph...=1&PHPSESSID=55936c474109f6980795c50d9c9fc419

[color=006600]تنبيه مهم : [/color]

اختياري للمقال لا يعني بالضرورة موافقتي لكاتبه في كل شيء ، إلا أن ذلك يعني أن الموضوع جدير بالقراءة .
 
وهذا تعليق جيد للدكتور أحمد فرح عقيلان رحمه الله حول نفس الموضوع :

( من لطائف التفسير

فتنة داود عليه السلام وافتراءات اليهود عليه

ما رأيت أدبا رفيعا كأدب القرآن حين يتناول سير الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فما من نبى في القرآن الكريم إلا وله مقامه المعلوم، وأسوته العظمى، ولا غرو فهم نماذج البشرية الطاهرة المعصومة المنزهة، وأوعية الرسالة الإلهية المقدسة، اذا قرأت القرآن ومررت على سيرة أي نبي أحببته، لأنك تجد لسيرته في قلبك روحا وريحانا، أما اذا قرأت سيرة الانبياء الكرام في الكتب السماوية المحرفة، وفي الاسرائيليات المشوهة، فإنك في كثير من الاحوال تكره الانبياء، لما ترى من صور مشوهة لسيرهم العطرة وتحريف للكلم الطيب عن مواضعه.

في سورة ص ذكر لسيرة داود عليه السلام وهو نبي ابتلى بالنعمة فكان نموذج الشكر وفتن باختبار، فكان أسرع شيء الى التوبة، ومن أجل هذا خاطب ربنا جل وعلا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بعد ان ذكر عناد قريش وايذاءهم وغطرستهم فقال له : «اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد - أي القوة والتأييد من الله - إنه أواب». ومعنى هذا أن ربك من عليا سمواته يأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يذكر داود في شدائده ويقتدى بأخلاقه وصبره، وحسبك بهذا شرفا لداود، وإني مورد هنا آيات من كتاب الله جل وعلا في سيرة داود، ثم محذر بعدها إن شاء الله مما افتراه بنو ا سرائيل على هذا النبي الكريم.

بسم الله الرحمن الرحيم: «وهل أتاك نبأ الخصم إذا تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب، فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب، يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (ص : 21 و26).

أولا: هذه الآيات الكريمات هي كل ما ورد في القرآن الكريم من فتنة داود عليه السلام وهي آيات ترسم لنا ذلك النبي الكريم في صورة عبد طاهر منيب إلى ربه وقع منه في القضاء سهو بحسن نية، فاستغفر ربه من الذنب وخر راكعا للرب، وأناب راجعا الى ربه بالتوب، من اجل ذلك فالمؤمن مطالب ان يؤمن بكل حرف من هذه الآيات ومن غيرها لانها لا تنال من عصمة الانبياء شيئا والنبي كما هومعلوم معصوم من الكبائر ومن الذنوب التي تسقط المروءة، اما ما يحدث من الصغائر، ومن الغفلة العابرة فيمكن ان تقع من الانبياء دون ان ينال هذا من عصمتهم.

ثانيا: القصة الاسرائيلية الواردة حول الخصمين والتسع والتسعين نعجة لم يسندها دليل من السنة المطهرة ولا استندت الى حديث صحيح وكل رواياتها جاءت من طرق ضعيفة، ولم يرد في القرآن الكريم المطهر من قريب ولا بعيد في سيرة داود عليه السلام، بل ولا في سيرة أي نبي من انبياء الله أنه تعلق بحب امرأة، ولكن القصة الاسرائيلية الكذب تتجرأ على داود الذي رسمه الله قدوة لمحمد، والذي شد الله ملكه وآتاه اعظم خير: الحكمة وفصل الخطاب، اقول: تتجرأ القصة الاسرائيلية على هذا العبد الصالح الذي مدحه الله بأسلوب المدح «نِعْمَ العبد إنه أوَّاب» فتختلق من حوله صلى الله عليه وسلم قصة يعشق فيها النبي الكريم امرأة جميلة! ثم لا تقف عند هذا الحد حتى تزعم ان ذلك الحب قد دفع داود عليه السلام الى التآمر على زوجها وكان مجاهدا بأن يعرضه للموت لكي يخلو الجو لداود فيتزوج زوجة المجاهد وتنجب له سليمان! حاش لله وتنزه النبي الاواب عن مثل هذا الهراء، لكن هذا الكلام لا يستغرب على بنى اسرائيل فإنك لو قرأت كتابهم المحرف لوجدت قصصا رخيصة من هذا النوع قد حامت حول يعقوب وسليمان ولوط وغيرهم من انبياء الله وكلها تسيء الى الانبياء وتذكرهم وتخرق لهم قصصا تسقط مروءة الرجل العادي فكيف بكرامة النبي الكريم!

ثالثا: القصة الواردة في القرآن الكريم خلاصتها ما يلي: كان داود عليه السلام اذا فرغ من القضاء بين الناس خلا إلى محرابه يتعبد ويتلو الزبور، وكان يأمر الحرس الا يسمحوا لأحد بإزعاجه عن عبادته، ولكن حدث يوما ان خلا بنفسه في محرابه، واذا رجلان يدخلان عليه فجأة متسورين المحراب ففزع عليه السلام منهم كيف وصلا اليه على كثرة الحرس! وعندئذ هدءا روعه وقالوا: لا تخف، وتستعمل واو الجماعة احيانا بدلا من ألف المثنى، قال تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) أقول: هدّءا من روعه وقالوا: لا تخف نحن خصمان ظلم أحدنا الآخر وقد جئناك لتحكم بيننا بالعدل ولا تغالى وتهدينا الى الطريق القويم في قضيتنا، ومضى أحدهما وهو المدعي يقول: «ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة» فطمع في نعجتي الوحيدة على كثرة غنمه وطفق يحرجني بطلبه وسؤاله حتى غلبني أخيرا عليها، وفي الحال ودون ان يستمع من الخصم الآخر كما يقضى القضاء العادل أجابه داود «لقد ظلمك» خصمك حين سألك نعجتك ليضمها الى نعاجه، وان كثيرا من الشركاء والمتعاملين يظلم بعضهم بعضا إلا المؤمنين الصالحين وهم قلة، وفي الحال تذكر داود عليه السلام خطأه فاستغفر وسجد لله، وأناب بتوبة نصوح ولم يكن له والله أعلم من ذنب إلا أنه قضى قبل ان يدلي المدعى عليه بأقواله، ومما يؤيد ان الاختبار كان درسا في القضاء فقط ولم يكن في الأمر نساء: ان الله - جل جلاله - يختم الآيات الكريمات بقوله: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله» اللهم صل على محمد الذي علمنا الأدب القرآني وعلى جميع انبيائك الكرام المعصومين من كل ما يسقط المروءة. )

الشيخ أحمد فرح عقيلان

المصدر : http://www.al-watan.com/data/20031026/index.asp?page=Dislamic1.htm
 
بارك الله فيكم ..
و لكن ما هو الراجح فى تفسير هذه الآيات و كذلك الآيات التى تحدثت عن نبى الله سليمان عليه السلام (إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد .. ) الى آخر الآيات فمعظم كتب التفسير التى مررتُ عليها لا تكاد تذكر ما ذكر أعلاه من هذه الإسرائيليات مع تكذيبها أحيانا دون التعرض لتفسيرها الصحيح .
 
عودة
أعلى