السِّحْر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه ...
الحمد لله رب العالمين أن حفظنا بحفظه وقدر ذلك على جيمع خلقه في كتاب من قبل
فما أصابنا من مصيبة إلا بما كسبت أيدينا
أسأله الله مولاي أن يثبتنا على الإيمان ويهد قلوبنا ويعفوا عنا ويغفر لنا ويجعل لنا القرآن سترا من كيد كل أفاك أثيم ...
بتوفيق الله وبحمده وفضله يسر لي أن أكتب هذه السطور على عجالة وسأتكلم فيها عن السحر بتوصيف ظاهري... أما الكيفية التي يتبعها السحرة والآلية والأدوات التي يتحكموا بها بحواس الناس وكيفية بث سمومهم من رسائل تجعلهم يتحكموا بفرائسهم كدمية بين أيديهم الله أعلم بها ... فالعلم بها كفر.
السحر : تحكم و سيطرة بطرق دقيقة ووسائل وأدوات غير مباشرة مستترة ومخفية على
1- الحواس
أ- جزئيا ( التشويه و التشويش والتغيير )
ب- أو كليا ( التبديل )
فهي نسبية من شخص لآخر
2- وفي نوع وكم الرسائل الحسية المستقبلة والتي تمر إلى قلبه وعقله من خلال ( الحواس ) التي ينتج نتيجة عنها (رد فعل منعكس ) استجابات معينة ومضبوطة ( مُتَحكم بها ومسيطر عليها ذات نوعية معينة ) وبالتالي التمويه وخداع العقل وإدراك وإحساس أمر ما وتخيله على غير حقيقته فتكون استجاباته المدركة على خلاف الواقع و الحقيقة .
...ما وصف أهل الكفر أنبياؤهم بالسحرة إلا لأنهم خلبوا عقول أتباعهم وكأنهم تحكموا بهم وسيطروا عليهم ... كما يفعل السحرة
... فالسحر هو تحكم بحواس المسحور (عن طريق توجيه المسحور " الهدف " بتركيز مراكز إحساسه على مكان معين بدقة وعدم تشتيته لكي يستقبل الهدف مستقبلات الساحر فقط – " الإسترهاب " ) وعلى الرسائل الحسية لضبط نوعية الإستجابات ( تسيير المسحور عن طريق التحكم في استجاباته ) ... ... فالمسحور يرى العالم كما يريد الساحر ( وكما تحدده رسائله الحسية المدركة ) فيظن أنه يعرف والحقيقة أنه لا يعرف .
فالساحر عند اختراقه لحواس فريسته يكون أشبه بالهاكرز ( المتسللين ) وما إن يبدأ ببث رسائله يصبح كالكراكرز ( المخربين ) للوصول إلى عقول الناس والعبث فيها ... فساحة لعب الساحر في عقل المسحور واستجابته فالسحر لا يغير أو يبدل في تركيب المواد أو القوانين الكونية الكيميائية و الفيزيائية أو حتى ينقلها من مكان لآخر أو يستحدث موادا من العدم أو ينفي أخرى من الوجود .
والسحر
- إفك : فاستجابات صاحبها المسحور : مخلوق مختلف الصفات والخصائص عن استجابات صاحبها الحقيقية .
- وكيد : لأنه يكون فيه التخطيط والتدبير سرا والتنفيذ علنا بدهاء وغيلة باستخدام طرق ملتوية ومتوارية وحيل للنيل والحصول على مبتغى وحاجة وبغية معينة من المكيد به تسبب له الضرر و الشرور
1. وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿الأعراف: ١١٧﴾
2. وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ﴿طه: ٦٩﴾
3. فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿الشعراء: ٤٥﴾
التأثير المكاني والزماني على قدرات الحواس وعلى قدرة تسلل الساحر واختراق فريسته
أولا : من البدهي أن الساحر يتسلل خلسة من خلال أعضاء الحس من أماكن ضعفها أو من المكان التي لا تستطيع العمل فيها فأعضاء الحس يعتريها القصور فمثلا العين لا ترى كل ألوان الطيف الضوئي وترى لبعد ومدى معين وزاوية معينة وكذلك الأذن فإنها تسمع مدى معين من الترددات وقس كثيرا مثل هذه الأمور على قدرات الحواس الأخرى ... )
ثانيا : يشترط لحدوث السحر مكان وزمان معين ( في المناطق الحدية وعند الأوقات الطرفية) – وهو الوقت الذي ينشط فيه الشياطين
• مكانيا - المناطق الحدية : مثلا منطقة الأفق التي تفصل بين السماء والأرض أو بين لونين الأبيض والأسود ( فالعين البشرية عاجزة عن التنقل بين لونين متعاكسين بسبب التباين الشديد بينهما وقس عليها باقي الحواس عند التنقل بين صوتين أو رائحتين أو طعمين أو ملمسين التباين شديد ما بينهما ... فكل الحواس تحتاج إلى فترة تاقلم حتى يعود الإحساس إلى طبيعته )
• زمانيا – الأوقات الطرفية : مثلا وقت نهاية الليل وأول النهار أو وقت نهاية النهار وأول الليل
الشيطان ووسوساته وتهاويله في الأحلام :
لا يستطيع الشيطان التلاعب بأحلام الناس أو يوسوس لهم إلا بالسحر ، فهو يمتلك أداة لا يمتلكها الساحر فهو يستطيع الولوج لقلب وعقل فرائسه فورا لأنه يجري في بني آدم مجرى الدم أما الساحر فعليه أن يجهز أداة لإختراق الحواس للوصول لقلب الإنسان وعقله ثم بث سمومه وفي الغالب يلجأ الساحر للشيطان ويستعين به بعدما يؤدي للشيطان فروض الولاء والطاعة ( كفرا ) له ليسهل عليه مهمة الولوج للمسحور علما أنه قد يلجأ الساحر إلى طرق خبيثة أخرى للولوج إلى قلب وعقل المسحور عن طريق سقيه أو الأغاني و الموسيقى أو الصور أو الهواء الفاسد المسحور .
• الجمع بين الصحيحين (4/ 259)
عَن صَفِيَّة بنت حييّ، قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معتكفاً، فَأَتَيْته أَزورهُ لَيْلًا، فَحَدَّثته ثمَّ قُمْت لأنقلب، فَقَامَ معي لِيقلبنِي، وَكَانَ مَسْكَنهَا فِي دَار أُسَامَة بن زيد، فَمر رجلَانِ من الْأَنْصَار، فَلَمَّا رَأيا الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْرعَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " على رِسْلكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّة بنت حييّ " فَقَالَا: سُبْحَانَ الله يَا رَسُول الله. فَقَالَ: " إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم، وَإِنِّي خشيت أَن يقذف فِي قُلُوبكُمَا أمرا " أَو قَالَ: " شَيْئا ".
• مسند الصحابة في الكتب التسعة (16/ 432)
عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أن رجلا صلى إلى جنب ابن عمر فجعل يعبث بالحصى فقال لا تعبث بالحصى فإنه من الشيطان ولكن اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال هكذا وأرانا وهيب وصفه عفان وضع يده اليسرى وبسط أصابعه على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وكأنه عقد وأشار بالسبابة "
• جامع الأحاديث (35/ 447)
"عن ابن عباس قال : إذا تثاءب أحدكم فى الصلاة فليضع يده على فيه فإنه من الشيطان "
• الجمع بين الصحيحين (2/ 403)
عَن اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من رَآنِي فِي النّوم فقد رَآنِي، إِنَّه لَا يَنْبَغِي للشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل فِي صُورَتي " وَقَالَ: " إِذا حلم أحدكُم فَلَا يخبر أحدا بتلعب الشَّيْطَان بِهِ فِي الْمَنَام "
حضارة ما بين النهرين والكهانة و السحر و الرقم ( 6 ) ( فرضية لا أعلم مدى صحتها )
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿الأعراف: ٥٤﴾
في القرآن الكريم نظام الخلق الكوني بني على ( ستة أيام ) فهل نظام عد الوقت على الأرض بني اعتمادا على هذا الناموس الإلهي والرقم ( 6 ) بشكل متوافق ومترابط ومتسلسل فقد لا حظت أن النظام السداسي في عد الأيام عند الحضارات القديمة وخاصة حضارات ما بين النهرين تعتمد على الرقم 6 وقد استخدمه الأشوريون و البابليون في نظام الأبراج والكهانة و السحر عندهم ......
الدقيقة = 10 6 = 60 ثانية
الساعة = 10 6 = 60 دقيقة
اليوم = 4 6 = 24 ساعة
الشهر = 5 6 = 30 يوم
عدد الأشهر = 2 6 = 12 شهر = عدد الأبراج التي كانوا يستخدمونها أهل ما بين النهرين في الكهانة والسحر
السنة = 60 6 = 360 يوم
وقد لاحظت أن أصحاب الخدع البصرية يعتمدون على الرقم 6 من حيث عدد الأشكال أو الزمن المستخدم في الخدعة أو حتى مساحة الشكل وعدد زواياه أو طوله ( فكلها محسوبة وفق عمليات رياضية دقيقة مبنية على الرقم 6... )
فهل هناك علاقة رقمية بين السحر و الرقم ( 6 ) علما أن كلمة "السحر" ذكرت في القرآن الكريم 6 مرات ؟؟ الله أعلم
الأمم المسحورة
إن من أعظم إنجازات أعدائنا الفكرية سحر الأمم ... فأمتنا مسحورة... فإننا نعيش في وهم كما يخطط لنا من أعداء الأمة وأبالستها فنحن نرى العالم ونسير فيه كما يريدون ويخططون ( فهم يحددون لنا الرسائل الحسية المدركة عن طريق وسائل الإعلام والأجهزة التقنية الحديثة وبالتالي يتحكموا في استجاباتنا التي يرغبونها ويحيدوا منها ما لا يرغبون )
فكل أداة تتحكم في الإنسان وفي حواسه وعقله وقلبه ووعيه وملكاته يسمى سحرا
فقد تسللوا إلى وعي الأمة كالهاكرز وأعملوا فيها تخريبا وتدميرا كالكراكرز ... فأمتنا تتحرك كالرجل الآلي المبرمج لتحقيق كل ما فيه فائدة لأعدائها ... ومضرة لها
... فهي تسير نحو الهاوية بإشارات وهمزات ونفثات ونفخ شياطينهم ...
خواطر
• السحر علم يُتعلم ... أربابه الشياطين ثم من يلونهم الذين تعلموا على أيدهم من البشر ...
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...﴿البقرة: ١٠٢﴾ فالسحر قديم بزمن وجود الشيطان على الأرض
• ما سمي وقت الفجر الكاذب بوقت السَحَر : إلا بسبب أن ما تدركه العين ( رؤية الفجر الكاذب ) ( وهم وخيال ) والحقيقة ( عدم دخوال الفجر الصادق ) وهو أشبه بالسِّحر لأن السِّحر يريك وهم وخيال مخالف ومغاير للحقيقة و الواقع
• ما بين تسعى وتلقف ... سبب إيمان سحرة فرعون
حبال وعصي السحرة ( تسعى )
السعي : الحركة بسرعة وبقوة وباتجاه معين ثابت
1. السحرة تحكموا في حركتها وهي تسعى في اتجاه معين ثابت فقط
2. عصي وحبال السحرة بقيت على طبيعتها ( حبال وعصي ) وأقصى ما جاؤوا به من السحر كان في إيهام العيون بحركتها ( تسعى ) أي أن سحرهم لم يحول الحبال والعصي إلى أفاعي ، فسحرهم كان بإيهام المشاهد أن الحبال و العصي بدت وكأنها تتحرك ( بسرعة وبقوة ) باتجاه معين ثابت . وهي في الحقيقة ملقاة مكانها عصي وحبال لم تتحرك نهائيا .
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴿الأعراف: ١١٦﴾
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴿طه: ٦٦﴾
عصى موسى عليه السلام تلقف :
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّـهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴿يونس: ٨١﴾
1- عصى موسى عليه السلام كانت تتحرك حقيقة في جميع الاتجاهات ليست ثابتة
2- بما أن حبال وعصي السحرة كانت متوزعة ومتفرقة على الأرض وفي الحقيقة ثابتة لا تتحرك كانت عصى موسى عليه السلام التي تحولت إلى ثعبان حقيقي تلتف نحو الحبال والعصي الواحد بعد الآخر تلقمها وتلتهمها وتبتلعها بسرعة
3- تحولت عصا موسى عليه السلام من طبيعة ( عصا ) إلى طبيعة أخرى ( ثعبان مبين )
• فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴿الأعراف: ١٠٧﴾
• فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴿الشعراء: ٣٢﴾
...والله أعلم