ذكر الشيخ مروان شعبان في بحثه «الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث»:
[ سلك العلماء القدامى والمعاصرين في قضية الإعجاز العلمي ثلاثة مسالك : مسلك يدعو للعمل على إظهار الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، إلا أنه وقع في مطبات كثيرة وشطط غير محمود ، عند ما أخضع الآيات القرآنية للنظريات المعاصرة مما صح منها ومما لم يثبت ، وبذلك يكون قد تجاوز الحد وتعسف وغالى في منهجه هذا . وآخرون تبنوا قضية الإعجاز ولكن بتحفظ وحذر ، فلم يأخذوا من قضايا العلم إلا ما ارتقى إلى مستوى الحقيقة العلمية القطعية ، دون الفرضيات أو النظريات ، وهؤلاء قد أصابوا في منهجهم وعملهم هذا . وفريق ثالث ضرب بقضية الإعجاز العلمي عرض الحائط واعتبرها نوعا من أنواع السذاجة وتضييع الأوقات ، وهؤلاء قد جانبوا الصواب بمنهجهم هذا لأنهم أنكروا ما هو موجود بل ذاخر به كتاب الله تعالى . ] اهـ
والإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يُظهِر صدقه فيما أخبر به عن ربه . فهل لا يوجد سبق علمي في القرآن حيث يدّعي أقوام أن أول من يكتشف المعلومة فله الأسبقية وبالتالي فليس في القرآن سبق علمي , زعموا!!
مثـــــــال : ( بين البحرين حاجزا ) : لنرى من له السبق: الأول: هذا كاتب في أحد المواقع يقول:
[[ يتحدث القرآن فى ثلاثة مواضع منه عن حاجزٍ يفصل بين بحرين عَذْبٍ ومِلْحٍ يلتقيان دون أن يمتزج أحدهما بالآخر (الفرقان/ 53، وفاطر/ 12، والرحمن/ 19- 21). ومن الممكن أن يكون هذا صحيحا، لكنْ أَلَسْنا هنا بإزاء ملاحظة بسيطة لظاهرة طبيعية يعرفها كل أحد، ألا وهى عدم اختلاط مياه دجلة والفرات بمياه البحر مباشرةً عند مصبهما فى الخليج الفارسى؟ ومن الممكن أن نلاحظ عند مدينة البصرة بالعراق كيف أن مياه دجلة العذبة تصبّ فى المحيط الهادى. وفى حالات المدّ العالى نشاهد طبقة مائية مالحة ذات لون أخضر تلامس طبقة من ماءٍ عذبٍ ضاربٍ إلى الحمرة دون أن يكون بينهما أدنى امتزاج. ولا شك أن القارئ يوافقنى على أن هذا المشهد المثير للاهتمام بالنسبة لنا اليوم لا بد أنه كان شيئا هائلا فى نظر أهل القرن السابع الميلادى! والآن علينا أن ننظر فيما تقوله لنا الحكاية الأسطورية البابلية التالية التى يرجع تاريخها لما قبل القرآن بثلاثة آلاف من الأعوام: "فى البدء لم يكن هناك إلا "نامُّو" التى كانت تتخذ صورة البحر الأصلى، أو فلنقل: المحيط الكونى. وقد أنجبت "نامُّو" هذه "أَنْ" (السماء)، و"كِى" (الأرض)... وأخيرا "أونكى" الإله الخاص بالماء العذب الذى كان يناوئ الماء الملح فى نامّو (البحر الأصلى)، فكان لا بد أن يُنْقَل إلى السماء على هيئة مطر". ومن هذه الحكاية يتبين أن القرآن لم يكشف لنا شيئا فى الواقع! وإذا كان بعض المسلمين يزعمون أن هذه الآيات القرآنية تكشف عن إحدى الحقائق العلمية، فينبغى حينئذ أن نتخذ نفس الموقف إزاء الأساطير البابلية، وأن نستخلص أن ثمة وحيًا كان ينزل على البابليين الوثنيين أيضا. إننى لا أتصور أنه ينبغى الوصول فى تفكيرنا إلى هذا المدى، بل كل ما علينا هو أن نكون شرفاء وأن نصرّ على القول بأن هذه الآيات لم تنبع إلا من ملاحظة بسيطة لظاهرة من الظواهر الطبيعية تحدَّث عنها ناس آخرون ينتمون لحضارات سابقة على محمد بآلاف السنين.]] اهـ
الثاني : وهذا قائل أخر يقول :
(( من السخف أن نسمي هذا إعجازاً، لأن هذه الظاهرة معروفة منذ زمن قديم قبل محمد، وذكرها أرسطو بالتحديد حوالي عام 350 قبل الميلاد في كتابه المسمى Meteorology: والذي يقول: “الماء الصالح للشرب أو الحلو أخف وينسحب عن الماء المالح والذي يكون ثقيلاً والذي لا يكون في مكانه الطبيعي. “ فمحمد لم يكن أول من نادى بالقول أعلاه، بل أرسطو ، فيجب عليك لا أن تكون مسلما ، بل أرسطياً ! )). اهـ
الثالث: وذكر التاريخ أن عربيا أميا يُدعى محمد في القرن السادس بعد الميلاد : ادّعى أن بين البحرين حاجزا فلا يبغيان .. ولم يكن العرب يفهمون هذه الظاهرة، لأنهم لم يغوصوا في المحيطات ولا البحار ، فكيف عرفوا هذه المعلومة !!؟؟.
الرابع :وجاء في الوكيبيديا : اذا سئلت أي عالم متى تم اكتشاف وجود الحواجز المائية سيجيبك أن الكتب العلمية بدأت تكتب عن احتمال وجود هذا الحاجز ابتدأ من 1942 باستخدام الأقمار الصناعية والتصوير الحراري ، وبطبيعة الحال البرزخ بين البحرين أو الحواجز المائية هو كتلة مائية تقع بين البحر المالح والعذب في منطقة المصب أو بين بحرين مالحين مختلفين في درجة الملوحة ووجود البرزخ هو السبب الذي يمنع بغي أحد البحرين على الآخر فلا تسيطر طبيعة أحدهما على طبيعة الآخر وهذا علميا يرجع إلى الممانعة التي تسببها اختلاف الكثافات باختلاف الملوحة والبرزخ لغة أي شيء بين شيئين مما يعني الفصل التام في خصائص البرزخ عن كل منهما ، وعلميا فإن البرزخ هو بيئة مميزة تختلف تماما عن كل من البحر و النهر فيما يلي :
1- الملوحة. 2- الحرارة. 3- الظلمة. 4-الكائنات الحية. 5-الهدوء. 6- الضحالة. 7- الكثافة. لذلك يصف العلماء البرازخ بأنها " specialized environments" أي بالعربية "بيئة خاصة" . اهـ
فلمن السبق في الأربعة ؟؟ كسبق صحفي : فهم البابليون . أما كسبق علمي : فأسطورة البابليين فمرفوضة علميا ، وأما أرسطوا فكلامه عن الحلو والمالح ولا يعرف مالح من مالح ، وأما محمد فكيف عرف هذه المعلومة وهو في أغوار الصحراء فربما بلغته من أقوام أخرين. وأما الوكيبيديافنقْلها عن علماء البحار العصريين فمتكامل و موزون.
فهل تكون بابليا أم أرسطيا أم محمديا أم عصريا ؟؟!! فبداهة سنقول عصريا لأن العلم يعلو فوق الجهل.
وهكذا انتهى الدرس لأقوام يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا .
أما السبق الى العلم الحقيقي فليست الدراما السابقة : فلنرى هل أنزل الله عز وجل في هذا الشأن من شيئ ، فإذا لم يكن هنالك من شيئ فلنتتبع من تخصص في ذلك فعنده السبق العلمي. أما اذا كان هناك وحيٌ يُتلى فلنتأدب بأدب أمنا رضي الله عنهاوأرضاها :
"... قالَتْ: وَأَنَا، وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببَرَاءَتِي، وَلَكِنْ، وَاللَّهِ ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فيشَأْنِيوَحْيٌيُتْلَى،وَلَشَأْنِي كانَ أَحْقَرَ في نَفْسِي مِن أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بأَمْرٍيُتْلَى،وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا،......" صحيح مسلم
" وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)" الشعراء فماذا أنزل ربكم تبارك وتقدس على قلب هذا النبي الأميّ صلوات ربي وسلامه عليه و فداه أبي وأمي وأهل الأرض : قال الله
. اعلم أن لفظة: مرج تطلق في اللغة إطلاقين. الأول: مرج بمعنى أرسل وخلى. من قولهم: مرج دابته إذا أرسلها إلى المرج، وهو الموضع الذي ترعى فيه الدواب، كما قال حسان بن ثابت
: وكانت لا يزال بها أنيس ** خلال مروجها نعم وشاء وعلى هذا فالمعنى: أرسل البحرين وخلاهما لا يختلط أحدهما بالآخر. والإطلاق الثاني مرج بمعنى: خلط، ومنه قوله تعالى:
أَمْرٍ مَّرِيجٍ
[ق: 5] أي مختلط، فعلى القول الأول: فالمراد بالبحرين الماء العذب في جميع الدنيا، والماء الملح في جميعها. وقوله:
هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ
يعني به ماء الآبار، والأنهار والعيون في أقطار الدنيا. وقوله:
وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ
أي البحر الملح، كالبحر المحيط، وغيره من البحار التي هي ملح أجاج، وعلى هذا التفسير فلا إشكال.
وأما على القول الثاني بأن مرج بمعنى خلط، فالمعنى: أنه يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون بينهما حاجز من قدرة الله تعالى، وهذا محقق الوجود في بعض البلاد، ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سانلويس، وقد زرت مدينة سانلويس عام ست وستين وثلاثمائة وألف هجرية، واغتسلت مرة في نهر السنغال، ومرة في المحيط، ولم آت محل اختلاطهما، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقاة أنه جاء إلى محل اختلاطهما، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذبًا فراتًا، وبالأخرى ملحًا أجاجًا، والجمع في مجرى واحد، لا يختلط أحدهما بالآخر. فسبحانه
ما أعظمه، وما أكمل قدرته. وهذا الذي ذكره
في هذه الآية جاء موضحًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة فاطر:
وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ
[فاطر: 12] وقوله تعالى:
مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ
[الرحمن: 19- 20] أي لا يبغي أحدهما على الآخر فيمتزج به، وهذا البرزخ الفاصل بين البحرين المذكور في سورة الفرقان، وسورة الرحمن قد بين الله تعالى في سورة النمل أنه حاجز حجز به بينهما، وذلك في قوله
:
أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزًا أإله مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
[النمل: 16] وهذا الحاجز هو اليبس من الأرض، الفاصل بين الماء العذب، والماء الملح على التفسير الأول. وأما على التفسير الثاني فهو حاجز من قدرة الله غير مرئي للبشر، وأكد شدة حجزه بينهما بقوله هنا:
وَحِجْرًا مَّحْجُورًا
، والظاهر أن قوله هنا: حجرًا أي منعًا، حرامًا قدريًا وأن محجورًا توكيد له أي منعًا شديدًا للاختلاط بينهما . اهـ
وقال أحد المعتدلين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
( ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في سورتين هما الفرقان والرحمن ، وجاء في السورة الأولى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠)) . إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور وهي أنه إذا ما التقى نهران في ممر مائي واحد ، فماء أحدهما لا يدخل أي لا يذوب في الآخر ، وهناك على سبيل المثال ، نهران يسيران في «تشاتغام» بباكستان الشرقية إلى مدينة «أركان» في «بورما» ويمكن مشاهدة النهرين ، مستقلا أحدهما عن الآخر ، ويبدو أن خيطا يمر بينهما حدا فاصلا ، والماء عذب في جانب وملح في جانب آخر ، وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل ، فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث المد البحري ولكنهما لا يختلطان ، ويبقى الماء عذبا تحت الماء الأجاج ، وهكذا شاهدت عند ملتقى نهري «الكنج والجامونا» في مدينة «الله آباد» فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما عن الآخر ... إن هذه الظاهرة كانت معروفة لدى الإنسان القديم ... ولكنا لم نكشف قانونها إلا منذ بضع عشرات من السنين ، فقد أكدت المشاهدات والتجارب أن هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ، يسمى بقانون المط السطحي (surface tension) وهو يفصل بين السائلين ، لأن تجاذب الجزئيات يختلف من سائل إلى آخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله ، وقد استفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون ، الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء ، كما لم تتعارض مع المشاهدة الحديثة. ونستطيع بكل ثقة أن نقول إن المراد من البرزخ إنما هو المط أو التمدد السطحي الذي يوجد في الماءين والذي يفصل أحدهما عن الآخر) . ثم يقول : (لسنا نملك أمام هذا التوافق المدهش بين ما ورد في الماضي البعيد وما اكتشف بالأمس القريب ، إلا أن نؤمن بأن هذا الكلام صادر عن موجود يحيط علمه بالماضي والحال والمستقبل على السواء) .[ الإسلام يتحدى ، وحيد الدين خان].