بكار الحاج
New member
- إنضم
- 03/04/2006
- المشاركات
- 3
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align][align=center]السببية في القرآن الكريم [/align]
بقلم الدكتور بكار الحاج جاسم
وردت كلمة (سبب) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع([1])، والسبب في اللغة: الحبل، وقيل لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها: سبب، والأسباب: الوُصُل، من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب والمحاب والأتباع([2]).
وعلاقة السببية واضحة في كتاب اللهU، فالمكوَّنات مرتبطة فيما بينها، فلا يوجد الشيء إلا بوجود سببه، حتى العلاقات الإنسانية والاجتماعية ترتبط بعلاقات سببية، وكذلك الأحكام الشرعية([3]).
فمن أمثلة السببية في الطبيعة قوله تعالى:}وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{([4]). تبين هذه الآية أن نزول الماء كان بسب السحاب، وخروج النبات كان بسبب الماء، وفي الآيـة ـ أيضاً ـ إشارة إلى أن الأحوال الإنسانية هي الأخرى مرتبطة بأسبابها،كإحياء الموتى.
ومن الأمثلة أيضاً قوله تعالى:}وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{([5]). قال الرازي:"لا شك أنه تعالى قادر على خلق هذه الثمار ابتداء من غير هذه الوسائط…إلا أنا نقول: قدرته على خلقها ابتداء لا تنافي قدرته عليها بواسطة خلق هذه القوى المؤثرة والقابلة في الأجسام…وإنما أجرى الله تعالى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على ترتيب وتدريج"([6]).
ونجد كذلك أن الله تعالى ربط الثواب والعقاب بأسبابهما، فالقتل العمد سبب للقصاص، والسرقة سبب لقطع اليد، والزنا سبب للجلد أو الرجم، والاستغفار سبب للتوبة، والإيمان سبب لدخول الجنة، والكفر سبب لدخول النار، يقول الله تعالى:}وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا! يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا! إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{([7]).
ونلاحظ أن هذه الأسباب إنما هي أسباب جعلية وليست ذاتية، أي:جعلها اللهI أسباباً وربط بينها، ولهI أن يفصل هذا الارتباط، فيوجد المسبَّب دون سبب، كما هو الشأن فـي المعجزات. فالآيات التي تشير إلى السببية هي ذاتها التي تشير إلى أن هذه السببية جعلية، وذلك بدلالة الضمير، أو اسم الجلالة، فإذا رجعنا إلى الأمثلة السابقة نلاحظ ذلك، مثل(وهو الذي يرسل الرياح… سقناه… فأنزلنا… فأخرجنا…)
ومن هنا نفهم معنى الآيات التي تنفي السببية، فهي إنما تنفي ذاتية السببية واستقلالها عن الله تعالى، فمن هذه الآيات قوله تعالى:}أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ! ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ! لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ! إِنَّا لَمُغْرَمُونَ! بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ! أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ! ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ! لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ {([8]). تؤكد هذه الآيات أن الله تعالى هو صاحب الملك، القائم بأمر الكون كله، المدبر لشؤونه. فهوIكما قال:}قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَـيْءٍ قَدِيرٌ{([9]).
ويقول تبارك وتعالى:}فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ… {([10]). فالمراد من الإذن - هنا - التخلية بين المسحور وضرر السحر؛ قاله الحسن([11])، قال الآلوسي:"وفيه دليل على أن فيه ضرراً مودعاً، إذا شاء الله تعالى حال بينه وبينه، وإذا شاء خلاه وما أودعه فيه، وهذا مذهب السلف في سائر الأسباب والمسبَّبات"([12]).
ومن الأمثلة التي تؤكد الاطراد في نظام السببية، وأن هذا الاطراد خاضع للمشيئة الإلهية، ما نراه كل يوم من أمر الشمس، فدوماً تظهر من جهة المشرق، وتختفي في جهة المغرب، وهذه سنة مطردة، وقد تحدى بها إبراهيم u، فيقول تعالى حكاية عنه:}قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{([13]).
ولكن هذا الاطراد قد انخرق ليوشعu، حيث قال للشمس:"أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، فحُبِست عليه حتى فتح الله عليه"([14]).
وبشأن السببية المرتبطة بالمجتمع يقول تعالى:}وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا {([15]) . فهذه الآية تشير إلى الحتم الذي لا يتغير، عن قتادة قال:"قضاء من الله كما تسمعون، ليس منه بد، إما أن يهلكهـا بموت، وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل، إذا تركوا أمره، وكذبوا رسله"([16]).
ونشير هنا إلى معنى كلمة الحتم التي لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، وقد وردت بشأن قضية غيبية هي قضية ورود الناس جهنم يوم القيامة، قالI:}وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا! ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{([17]). الشاهد في هذه الآية قوله تعالى:}حَتْمًا مَقْضِيًّا{، فالحتم: القضاء والإيجاب، وإحكام الأمر([18]). فالمعنى: واجباً مفروغاً منه بحكم الوعيد([19]).
وبهذا يمكن أن نخلص إلى النتيجة التالية: إن القرآن الكريم أكد مبدأ السببية، واعتبر الأسباب أسباباً جعلية وليست ذاتية، فالأسباب داخلة في قسم الممكنات التي تتسلط عليها القدرة الإلهية فتصرفها كيف شاءت.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) انظر: محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن: 429 .
([2]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 1 / 210 - و2/715 - وانظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 4/ 223.
([3]) انظر: الآلوسي: روح المعاني: 1/192 - والقاسمي: محاسن التأويل: 3/ 488 - وابن القيم: شفاء العليل: 341.
([4]) سورة الأعراف: الآية 57 .
([5]) سورة الحجر: الآية 5 .
([6]) مفاتيح الغيب: 2/ 121.
([7]) سورة الفرقان: الآية 68-70.
([8]) سورة الواقعة: الآية 62-70 .
([9]) سورة آل عمران: الآية 26 .
([10]) سورة البقرة: الآية 102 .
([11]) انظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 3/239- والآلوسي: روح المعاني: 1/343
([12]) روح المعاني: 1/343.
([13]) سورة البقرة: الآية 258 .
([14]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة.
([15]) سورة الإسراء: الآية 58.
([16]) ذكره الطبري: جامع البيان: 15/133- وانظر: مفاتيح الغيب: 20/234.
([17]) سورة مريم: الآية 71-72.
([18]) انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط: 984.
([19]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 3/34 - والرازي: مفاتيح الغيب: 21/244 - والقرطبي الجامع لأحكام القرآن:11/147.
بقلم الدكتور بكار الحاج جاسم
وردت كلمة (سبب) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع([1])، والسبب في اللغة: الحبل، وقيل لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها: سبب، والأسباب: الوُصُل، من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب والمحاب والأتباع([2]).
وعلاقة السببية واضحة في كتاب اللهU، فالمكوَّنات مرتبطة فيما بينها، فلا يوجد الشيء إلا بوجود سببه، حتى العلاقات الإنسانية والاجتماعية ترتبط بعلاقات سببية، وكذلك الأحكام الشرعية([3]).
فمن أمثلة السببية في الطبيعة قوله تعالى:}وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{([4]). تبين هذه الآية أن نزول الماء كان بسب السحاب، وخروج النبات كان بسبب الماء، وفي الآيـة ـ أيضاً ـ إشارة إلى أن الأحوال الإنسانية هي الأخرى مرتبطة بأسبابها،كإحياء الموتى.
ومن الأمثلة أيضاً قوله تعالى:}وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{([5]). قال الرازي:"لا شك أنه تعالى قادر على خلق هذه الثمار ابتداء من غير هذه الوسائط…إلا أنا نقول: قدرته على خلقها ابتداء لا تنافي قدرته عليها بواسطة خلق هذه القوى المؤثرة والقابلة في الأجسام…وإنما أجرى الله تعالى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على ترتيب وتدريج"([6]).
ونجد كذلك أن الله تعالى ربط الثواب والعقاب بأسبابهما، فالقتل العمد سبب للقصاص، والسرقة سبب لقطع اليد، والزنا سبب للجلد أو الرجم، والاستغفار سبب للتوبة، والإيمان سبب لدخول الجنة، والكفر سبب لدخول النار، يقول الله تعالى:}وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا! يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا! إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{([7]).
ونلاحظ أن هذه الأسباب إنما هي أسباب جعلية وليست ذاتية، أي:جعلها اللهI أسباباً وربط بينها، ولهI أن يفصل هذا الارتباط، فيوجد المسبَّب دون سبب، كما هو الشأن فـي المعجزات. فالآيات التي تشير إلى السببية هي ذاتها التي تشير إلى أن هذه السببية جعلية، وذلك بدلالة الضمير، أو اسم الجلالة، فإذا رجعنا إلى الأمثلة السابقة نلاحظ ذلك، مثل(وهو الذي يرسل الرياح… سقناه… فأنزلنا… فأخرجنا…)
ومن هنا نفهم معنى الآيات التي تنفي السببية، فهي إنما تنفي ذاتية السببية واستقلالها عن الله تعالى، فمن هذه الآيات قوله تعالى:}أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ! ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ! لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ! إِنَّا لَمُغْرَمُونَ! بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ! أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ! ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ! لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ {([8]). تؤكد هذه الآيات أن الله تعالى هو صاحب الملك، القائم بأمر الكون كله، المدبر لشؤونه. فهوIكما قال:}قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَـيْءٍ قَدِيرٌ{([9]).
ويقول تبارك وتعالى:}فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ… {([10]). فالمراد من الإذن - هنا - التخلية بين المسحور وضرر السحر؛ قاله الحسن([11])، قال الآلوسي:"وفيه دليل على أن فيه ضرراً مودعاً، إذا شاء الله تعالى حال بينه وبينه، وإذا شاء خلاه وما أودعه فيه، وهذا مذهب السلف في سائر الأسباب والمسبَّبات"([12]).
ومن الأمثلة التي تؤكد الاطراد في نظام السببية، وأن هذا الاطراد خاضع للمشيئة الإلهية، ما نراه كل يوم من أمر الشمس، فدوماً تظهر من جهة المشرق، وتختفي في جهة المغرب، وهذه سنة مطردة، وقد تحدى بها إبراهيم u، فيقول تعالى حكاية عنه:}قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{([13]).
ولكن هذا الاطراد قد انخرق ليوشعu، حيث قال للشمس:"أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، فحُبِست عليه حتى فتح الله عليه"([14]).
وبشأن السببية المرتبطة بالمجتمع يقول تعالى:}وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا {([15]) . فهذه الآية تشير إلى الحتم الذي لا يتغير، عن قتادة قال:"قضاء من الله كما تسمعون، ليس منه بد، إما أن يهلكهـا بموت، وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل، إذا تركوا أمره، وكذبوا رسله"([16]).
ونشير هنا إلى معنى كلمة الحتم التي لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، وقد وردت بشأن قضية غيبية هي قضية ورود الناس جهنم يوم القيامة، قالI:}وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا! ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{([17]). الشاهد في هذه الآية قوله تعالى:}حَتْمًا مَقْضِيًّا{، فالحتم: القضاء والإيجاب، وإحكام الأمر([18]). فالمعنى: واجباً مفروغاً منه بحكم الوعيد([19]).
وبهذا يمكن أن نخلص إلى النتيجة التالية: إن القرآن الكريم أكد مبدأ السببية، واعتبر الأسباب أسباباً جعلية وليست ذاتية، فالأسباب داخلة في قسم الممكنات التي تتسلط عليها القدرة الإلهية فتصرفها كيف شاءت.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) انظر: محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن: 429 .
([2]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 1 / 210 - و2/715 - وانظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 4/ 223.
([3]) انظر: الآلوسي: روح المعاني: 1/192 - والقاسمي: محاسن التأويل: 3/ 488 - وابن القيم: شفاء العليل: 341.
([4]) سورة الأعراف: الآية 57 .
([5]) سورة الحجر: الآية 5 .
([6]) مفاتيح الغيب: 2/ 121.
([7]) سورة الفرقان: الآية 68-70.
([8]) سورة الواقعة: الآية 62-70 .
([9]) سورة آل عمران: الآية 26 .
([10]) سورة البقرة: الآية 102 .
([11]) انظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 3/239- والآلوسي: روح المعاني: 1/343
([12]) روح المعاني: 1/343.
([13]) سورة البقرة: الآية 258 .
([14]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة.
([15]) سورة الإسراء: الآية 58.
([16]) ذكره الطبري: جامع البيان: 15/133- وانظر: مفاتيح الغيب: 20/234.
([17]) سورة مريم: الآية 71-72.
([18]) انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط: 984.
([19]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 3/34 - والرازي: مفاتيح الغيب: 21/244 - والقرطبي الجامع لأحكام القرآن:11/147.