الزهراء

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الزهراء
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد :
فقد انتقد بعض الباحثين لقب الزهراء لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقال : إن الزهراء لقب لم يذكر في القرنين الأول والثاني للهجرة ؛ ومن أوائل من ذكره ابن عبد ربه في ( العقد الفريد - ت : 328 هـ ) ، وهو متشيع ( !!! ) ؛ ثم تداوله من بعده بعض الرواة ! وقد اختص الرافضة بهذا اللقب ، ويقصدون به أن فاطمة رضي الله عنها لا تحيض ... وقال : حتى لو استعمله بعض المتأخرين من أهل السنة ، سواء كان ذلك عن غفلة منهم ، أو عن نزعة صوفية ، أو نزعة شيعية ؛ والأولى موافقة السلف الصالح فيما تعارفوا عليه من تسميات لأئمة الأمة وقادتها وصالحيها ... انتهى المراد منه .
وهذا كلام عجيب جدًّا ، ليس فيه شيء من تحقيق المسألة ، لأمور :
الأول : قد تتبعت ( العقد الفريد ) فلم أر ابن عبد ربه ذكر اللقب إلا في موضع واحد.
الثاني : كتاب ( العقد الفريد ) ليس كتاب رواية ، إنما هو كتاب أدب ؛ فما معنى قول الباحث : ( ثم تداوله من بعده بعض الرواة ) ، فأي الرواة تداوله ؟
الثالث : لم أجد أحدًا ممن ترجم لأحمد بن محمد بن عبد ربه صاحب ( العقد ) اتهمه بالتشيع ؛ بل ذكر غير واحد ما يدل على غير ذلك ؛ فلماذا المجازفة ؟!
فقد ذكر الزركلي في ترجمته في ( الأعلام : 1 / 207 ) أن جده الأعلى ( سالم ) كان مولى لهشام بن عبد الرحمن بن معاوية ( الأموي ) .... قال الزركلي : وله أرجوزة تاريخية ذكر فيها الخلفاء ، وجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر عليًّا رضي الله عنه فيهم !! فأي تشيع هذا ؟!
وقد ذكر القضاعي في ( التكملة لكتاب الصلة ) قصةً مع هذه الأرجوزة في ترجمة ( خلف بن فتح بن عبد الله بن جبير من أهل طرطوشة ) ؛ فروى عن ابنه أبي عبيد القاسم بن خلف الجبيري الطرطوشي ، قال : نزل القاضي منذر بن سعيد على أبي بطرطوشة ، وهو يومئذ يتولى القضاء في الثغور الشرقية ، قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة ؛ فأنزله في بيته الذي كان يسكنه ، فكان إذا تفرغ نظر في كتب أبي ، فمر على يديه كتاب فيه أرجوزة ابن عبد ربه ، يذكر فيها الخلفاء ويجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر عليًّا فيهم ، ثم وصل ذلك بذكر الخلفاء من بني مروان ، إلى عبد الرحمن بن محمد ؛ فلما رأى ذلك منذر غضب وسب ابن عبد ربه ، وكتب في حاشية الكتاب :
أو ما علي لا رُحت مُلعَّنا ... يا ابن الخبيثة عندكم بإمام
رب الكساء وخير آل محمد ... داني الولاء مقدم الإسلام​
قال أبو عبيد : والأبيات بخطه في حاشية كتاب أبي إلى الساعة [SUP]( [1] ) [/SUP].
فهل يقال على مثل هذا متشيع ؟!! إنه إذا رمي ، يقال : هو ناصبي ، لا متشيع !!
الرابع : قد ذكر هذا اللقب من علماء الأمة ، وحفاظها ، ومحقيقيها عدد لا يمكن حصره ؛
وأنا أسوق ها هنا بعض من ذكر اللقب من الحفاظ والعلماء الذين هم بعيدون عن شبهتي الصوفية والتشيع .... وكذا عن الغفلة ، كما اتهمهم الباحث !
1 - الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي ( ت : 354 هـ ) :
قال في ( صحيحه - تحقيق الأرناؤوط : 15 / 401 ) : ذكر فاطمة الزهراء ابنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنها ، وقد فعل .
وقال في ( السيرة ، ص 555 ) : وكانت أم الحسين بن علي بن أبي طالب : فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يكن وصل إليه كتب ابن عبد ربه ؛ حتى يقال نقلها عنه .
2 - الحافظ ابن عبد البر ( ت 463 هـ ) :
قال في ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ) : والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار في ترتيب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زينب الأولى ، ثم الثانية رقية ، ثم الثالثة أم كلثوم ، ثم الرابعة فاطمة الزهراء ؛ والله أعلم .
وقال في ترجمة ابنتها ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ) : أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ؛ ولدت قبل وفاة رسول الله e ، أمها : فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2 – الحافظ ابن حزم ( ت : 456 هـ ) :
قال في ( جوامع السيرة ، ص 359 – دار المعارف – مصر ) في ترجمة ابن الزبير : ومن جيد ما وقع منه ، أنه تتبع من الذين شاركوا في أمر ابن الزهراء الحسين ، فقتل منهم ما أقدره الله عليه .
3 - الحافظ البغدادي ( ت : 463 هـ ) .
قال في ( تاريخ بغداد : 1 / 138 ) : وسيدا شباب أهل الجنة : الحسن والحسين - عليهما السلام - أبناء علي بن أبي طالب ، وأمهما فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4 - الإمام محي السنة البغوي ( ت : 516 هـ ) :
قال في ( شرح السنة : 14 / 158 ) : ( باب مناقب فاطمة الزهراء رضي الله عنها ) .
6 – الحافظ ابن الجوزي ( 597 هـ ) :
قال في ( صفة الصفوة : 2 / 14 ) : توفيت فاطمة الزهراء - عليها السلام - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر .
7 – الإمام القرطبي ( 671 هـ ) :
قال في ( تفسيره : 14 / 241 ) وهو يتحدث عن أولاد النبي e : وأما الإناث من أولاده ، فمنهن : فاطمة الزهراء بنت خديجة .
8 - الإمام الحافظ النووي ( 676 هـ ) :
قال في ( تهذيب الأسماء ، ص 945 ) : حرف الفاء ؛ فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها .
9 – الحافظ المزي ( 742 هـ ) .
قال في ( تهذيب الكمال : 35 / 399 - د. بشار عواد معروف - مؤسسة الرسالة ) : الزهراء : هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
10 – الحافظ الذهبي ( 748 هـ ) .
قال في ( المعين في طبقات المحدثين ، ص 2 ) : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن عمته ، وابن أخي السيدة خديجة بنت خويلد ، وابن خال فاطمة الزهراء .
وقال في ( العبر في خبر من غبر : 1 / 21 ) في أحداث السنة السابعة عشرة للهجرة : وفيها تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء .
وهكذا يقول في ( تاريخ الإسلام - ت بشار : 2 / 98 ) : وفيها تزوج عُمَر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء .
11 – الحافظ العلائي ( 761 هـ ) .
قال في ( جامع التحصيل ، ص : 318 ) : فاطمة بنت الحسين بن علي - رضي الله عنهما ، عن جدتها فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ؛ وهو مرسل .
12 - الحافظ ابن كثير ( 774 هـ ) .
قال في ( البداية والنهاية : 7 / 223 ) في ترجمة علي رضي الله عنه : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وختنه على ابنته فاطمة الزهراء .
وفي ترجمة الحسن بن علي ( البداية والنهاية : 8 / 33 ) : أبو محمد ، القرشي ، الهاشمي ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابن ابنته فاطمة الزهراء .
وفي ترجمة الحسين ( البداية والنهاية : 8 / 149 ) : أبو عبد الله ، القرشي ، الهاشمي ، السبط ، الشهيد بكربلاء ، ابن بنت رسول الله e فاطمة الزهراء .
13 – الحافظ ابن حجر ( 852 هـ ) .
قال في ( فتح الباري : 1 / 476 ) : فاطمة الزهراء ، بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال في ترجمتها ( تقريب التهذيب : 2 / 751 ) : فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم الحسن ، سيدة نساء هذه الأمة ، تزوجها علي في السنة الثانية من الهجرة ، وماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، وقد جاوزت العشرين بقليل .
وقال في ( الإصابة في تمييز الصحابة : 7 / 684 – دار الجيل ) في ترجمة زينب بنت على بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية ، سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها فاطمة الزهراء .
وفي ترجمتها هي ( الإصابة في تمييز الصحابة : 8 / 53 ) : فاطمة الزهراء ، بنت إمام المتقين رسول الله محمد بن عبد الله ... صلى الله عليه وسلم .
وقال - أيضًا - في ( الإصابة : 8 / 75 ) : فضة النوبية ، جارية فاطمة الزهراء .
14 – الحافظ البدر العيني ( 855 هـ ) .
قال في ( عمدة القاري شرح صحيح البخاري ) : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، الهاشمي ، المكي ، المدني ، أمير المؤمنين ، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وختنه على بنته فاطمة الزهراء .
وذكرها الحافظ السيوطي ( ت :911 هـ ) في مواطن كثيرة من ( جمع الجوامع ) بهذا اللقب .
والعجلوني في ( كشف الخفاء ) ؛ والتقي الهندي في ( كنز العمال ) .
والمناوي في ( التيسير بشرح الجامع الصغير ) .
وقال الشوكاني قي ( نيل الأوطار : 2 / 163 ) : وعن فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
وقال المباركفوري في ( تحفة الأحوذي : 2 / 214 ) : هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم الحسنين ، سيدة نساء هذه الأمة .
وقال الصنعاني في ( سبل السلام : 6 / 333 ) في حديث : أخرجه الخطيب من حديث فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنه .
وقال الزرقاني في (مناهل العرفان : 2 / 15 ) : علي بن أبي طالب t هو ابن عم رسول الله ، وصهره على ابنته ، السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
قال عطية محمد سالم في تتمة ( أضواء البيان : 8 / 139 ) : والزهراء عند الناس يساوي فاطمة ، لكثرة قولهم : فاطمة الزهراء .ا.هـ.
وقال ابن جبرين في ( الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق ) : وهكذا قال لعمته ولابنته فاطمة الزهراء ، وأمرهم بأن يعملوا عملا صالحا لوجه الله ، ينقذون به أنفسهم من النار ، ولا يعتمدون على قرابتهم منه ، أو شرفه عند الله .
ولم أجد كتاب فقه على أي من المذاهب الأربعة ذكرها - رضي الله عنها - إلا بهذا اللقب .
فهؤلاء علماء الأمة وحفاظها ؛ هل واحد من هؤلاء يُرمى بالغفلة ، أو التشيع ، أو التصوف ؟!
ولو شئت لذكرت أعدادًا غيرهم ؛ فالأمر مستفيض بين علماء السنة .
أفبعد هذا البيان يصر هذا الباحث على رأيه ؟
ولا يقال : إن هذا مختص بالرافضة !! وهو مستفيض عند أهل السنة ، ولم أجد أحدًا أنكره ؛ فلم يختصوا به ؛ ومن زعم ذلك ، فليأتنا بالدليل ؛ وعدم اشتهارها به في القرون الأولى ، ليس دليلا على ألا تلقب به بعدُ ، ويستفيض عند علماء السنة بلا نكير .
ولا يدفعنا كرهنا لهذه الطائفة المارقة ؛ أن ننكر شيئًا مما استفاض عند أهل السنة ، وإن كان مشهورًا عندهم ؛ فلا يقول بذلك أحد .
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل ... آمييين .
وكتبه
د. محمد محمود عطية





[1] - انظر ( التكملة لكتاب الصلة ) : 1 / 239 – دار الفكر – بيروت .
 
عودة
أعلى