الريح العقيم

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
يقول الراغب الأصفهاني(ت:502 هـ) في مفرداته "أصل الْعُقْمِ : اليبس المانع من قبول الأثر ، يقال : عَقُمَتْ مفاصله ، وداء عُقَامٌ : لا يقبل البرء ، والعَقِيمُ من النّساء : التي لا تقبل ماء الفحل. يقال : عَقِمَتِ المرأة والرّحم. قال تعالى :{ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ }[الذاريات:29] ، وريح عَقِيمٌ : يصحّ أن يكون بمعنى الفاعل ، وهي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا ، ويصحّ أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العَقِيمِ ، وهي التي لا تقبل أثر الخير ، وإذا لم تقبل ولم تتأثّر لم تعط ولم تؤثّر ، قال تعالى : {إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}[الذاريات:41] ، ويوم عَقِيمٌ : لا فرح فيه..." ويقول : "وعامّة المواضع الّتي ذكر اللّه تعالى فيها إرسال الرّيح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكلّ موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة ". وبالتالي فمفردة (ريح) و (رياح) هي من المصطلح القرآني .
وإذا كانت الريح عقيما ، فهي في منتهى القوة المدمرة التي تدمر كل شيء حيث لا يعلم قوتها إلا الله : [وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ{41} مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ {42}]الذاريات
وفي نفس السورة يقول تعالى : {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[الذاريات:49]
ويقول تعالى : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }[الحجر:22]
ألا يكون ذلك داعيا للقول بأن الريح العقيم هي الريح التي لا تتولد عنها رياح ، لأنها لا تُلقح ذاتها أولاً ، لأنها عقيم لا تقبل التلقيح ، فضلا عن تلقيحها لأشياء أخرى كما نعلم . وبالتالي فالرياح التي تتلاقح ، ينشأ عنها عنها رياح في كل اتجاه ، هذه الرياح التي تساهم في التوازن على الأرض ، فتكون رياح رحمة .
إنها لآية دالة على وجود الله وعظمته ، فهي مدعاة للشكر على ما ينتج عنها من نعم :
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[الروم:46] .
والله أعلم وأحكم

 
مفردة (عقيم) وردت في القرآن الكريم أربع مرات على الشكل الآتي :
1 ـ {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }[الحج:55]
2 ـ {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }[الشورى:50]
3 ـ {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ }[الذاريات:29]
4 ـ {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ }[الذاريات:41]
يوم عقيم ـ رجل عقيم ـ امرأة عقيم ـ عجوز عقيم ـ ريح عقيم
(عقيم) تطلق على المذكر والمؤنث على السواء .
 
1 ـ {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }[الحج:55]
يوم عقيم : إذا بحثنا عن دلالة هذه الكلمة من خلال تفسير السلف عند الطبري نجد ما يلي :
يوم عقيم معناه : يوم القيامة : يوم لا ليلة بعده ـ يوم بدر ـ يوم عظيم . وهي كلها أجزاء من المعنى .
لكن إذا فسرنا المفردة تفسيرا لغويا : (عقيم) : (لا يلد) . لأن التركيز على المفردة القرآنية ، له أولوية كبيرة في فهم الكتاب المعجز . ذلك أن خالق اللسان هو الذي اختار المفردة ، وبالتالي فهي الوحيدة التي تكون حاملة للدلالة المطلقة التي يعبر بها الوحي . وهذه الدلالة هي التي يحاول المفسر مقاربتها حسب طاقته البشرية .
فالإنسان يعيش داخل إطار زمني محدود ، يبتدئ بالولادة وينتهي بالموت : {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ }[العصر:2] . فإما ينتهي زمنه بالموت الذي يأتيه بغتة ، أو بقطع زمنه بقتل محتوم .
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً } [الأحزاب:16]
فيوم موته هو ساعته ، ويوم قتله هو يوم عقيم نسبة لأيامه ، لأنه آخر أيامه فلا يوم بعده .
إذا مات الإنسان استكمل كل شيء بما فيه أيامه . أما إذا قُتل فموته كان قبل الأوان وأيامه التي كانت ستبقى إلى آخر يوم في حياته توقفت ، لأن الله جعل أحد أيامه يوما عقيما لم يلد يوما بعده ، وهو يوم قتله . لأن الذي يجعل العقم في الأشياء هو الله ، وذلك لحكمة يعلمها سبحانه .
نتيجة : إذا كان الفعل (لايزال) يدل على الاستمرارية إلى آخر قيام الساعة : فدأب الذين كفروا أنهم في مرية من القرآن حتى يباغتهم الموت أو يُعذبوا بقتل المسلمين لهم .
والله أعلم وأحكم
 
2 ـ يقول الله تعالى في سورة الشورى :
[لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{50}]
يقول الطبري في تفسيره : " يقول تعالى ذكره: لله سلطان السموات السبع والأرضين، يفعل في سلطانه ما يشاء، ويخلق ما يحبّ خلقه، يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الإناث دون الذكور، بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى { وَيَهبُ لِمُنْ يَشاءُ الذُّكُورَ } يقول: ويهب لمن يشاء منهم الذكور، بأن يجعل كلّ حمل حملته امرأته ذكراً لا أنثى فيهم."
بينما يقول ابن كثير في تفسيره : " يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما، والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً } أي: يرزقه البنات فقط. قال البغوي: ومنهم لوط عليه الصلاة والسلام. { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } أي: يرزقه البنين فقط، قال البغوي: كإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، لم يولد له أنثى، { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً } أي: يعطي لمن يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى، أي: هذا وهذا، قال البغوي: كمحمد صلى الله عليه وسلم { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } أي: لا يولد له. قال البغوي: كيحيى وعيسى عليهما السلام، فجعل الناس أربعة أقسام: منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً، ومنهم من يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيماً لا نسل له، ولا ولد له. { إِنَّهُ عَلِيمٌ } أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام { قَدِيرٌ } أي: على من يشاء من تفاوت الناس في ذلك "
مقارنة بين التفسيرين :
تفسير الطبري يشير أن معنى (الخلق) يتعلق بالإنسان ، بينما نجد تفسير ابن كثير يوضح مسألة (الخلق) في أمثلة الأنبياء الذين ذكر أصنافهم الأربعة . وهو ما يسمى بالتفسير بالمثال .
من خلال هذا النموذج يتبين أنه كلما اقتربنا من تفسير السلف ، يكون التفسير مباشراً ولصيقاً بحياة الناس اليومية ، لأن القرآن الكريم يواكب الجماعة المسلمة في كل جزئياتها .
فإذا كان ابن كثير قد اختار التفسير بالمثال ، هذا يدل على أن طبيعة الجملة القرآنية التي نحن بصدد دراستها ، هي مفتوحة . يدل على ذلك سياقها العام ، فهي تتناول الخلق قاطبة ، ذلك الخلق الذي أخبرنا الله عنه : {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات:49] ، فالله يخلق ما يشاء من خلقه ، وبالتالي يهب الأصناف الأربعة للأزواج ، كلٌّ حسب ما يريده سبحانه . لأن الذكورة والأنوثة تكون في الإنسان وغير الإنسان : {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[الأنعام:143].
الجملة القرآنية ابتدأت بما هو عام : (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ) ثم بما هو خاص : (يهب لمن يشاء) بما كرم الله به بني آدم : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }[الإسراء:70] ، وبين العام والخاص ، تدخل مخلوقات لا يعلمها إلا الله .
خلاصة : قانون التقسيمات الأربعة يسري على كل الأشياء التي خلق الله منها زوجين .
والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى