الرسالة العتابية

ابن الشجري

New member
إنضم
18/12/2003
المشاركات
101
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]الكتاب الكتاب إذا أردت العتاب
إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة[/align]

رضي الله عن صحب محمد صلى الله عليه وسلم ، فما أسرع أن أشرب الإيمان قلوبهم وسرى في جوارحهم ، فعاشوه واقعا في حياتهم , فقل عتابهم فيما بينهم وكملت مروءتهم , وسادوا الدنيا بعدلهم وإنصافهم وتمام أخلاقهم , فكان كل واحد منهم تاريخ من التاريخ , ووجها مشرقا يمتد نوره حتى يومنا هذا ، نتذكرهم بإعظام وإجلال ، نتذكر حياتهم وإخوانياتهم ومودتهم فيما بينهم، فينتابنا الحياء تارة لبعد الشقة فيما بين حالنا وحالهم , وتارة تنسكب العبرات لغياب تلك المثل والهمم الباسقات عن واقع حياتنا اليوم، وعن ضمائر اخوتنا وتكلف مودتنا ولاحول ولاقوة إلا بالله .
وأشهد مالذ على خاطري وملأ سمعي ولم ينبؤ عنه بصري , من وصف لهم ولعمق أخوتهم، كماوصفهم رب العالمين في كتابه العظيم في غير ماآية، قال تعالى : ْْ{والذين تبؤو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) .
ياألله ياألله ماهذه الفضائل , وماهذه المكارم ...! فتالله ماكانوا ملائكة ولارسلا ولامن عمار السماء ، بل بشر ممن خلق سبحانه، وماهو والله إلا الإيمان بكل معانيه . ومكارم الاخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها .
[align=center]لولا عجائب صنع الله مانبتت*** تلك المكارم في لحم ولاعصب[/align]

لقد تبدل الزمان وظهر ماكان يخشاه صلى الله عليه وسلم من تنافس على الدنيا وحطامها , وموت للضمير وانتحار للمروءة, فكل يوم تفجع بأخ لك , وكل ساعة تعزى في مروءة غائبة وأخوة زائفة , وإن أنت لم تتجرع مرارة الصبر وتعتقد أنك واحد من هذا الجنس، عشت وحيدا ومت غريبا , ولا بواكي لك ، ( لقد مضى سلف لنا أهل تواصل ، أعتقدوا مننا ، واتخذوا أيادي كثيرة ذخيرة لمن بعدهم ، كان اصطناع المعروف عليهم فرض ، وإظهار البر عليهم حق واجب ، ثم جاء الزمان عن يسر فاتخذوا مننهم صناعة ، وأياديهم تجارة ، وبرهم مرابحة ، واصطناع المعروف بينهم معاوضة ، كنقد السوق ، خذ وهات ).
فلا جزى الله الشدايد أي خير لنقفها حوادث كامنه , وكشفها ستورا مسدلة على خيوط من الأخوة والتآخي هي في حقيقتها أوهى من بيت العنكبوت .

إنك لتصحب الرجل ساعة من الزمن، فتظن وتشعر أنك وإياه من رحم واحده ، وسرعان ما تتلاشا كل الحواجز بينك وبينه , وترفعان ثوب الكلفة بينكما بيد من الصدق والإخاء ، بل إن الهرة لتدخل دارك وتنام على فراشك وتطعم من طعامك وتشرب من سقائك , فترى أن لها حقا عليك من عطف ورحمة وإنتصار (نعم وانتصار على هرة الجيران ) ، فكيف بأخيك الذي ربط الله أخوتكما من فوق سبعة أرقع ، وجعلها من دعائم الدين وحث عليها في غيرما موطن من الوحيين المنزلين .
إن للأخوة حق قل من أداه ، فلقد إنتكست كثير من الفطر , فلا بهدي الإسلام اهتدت ولابمروءة الجاهلية التزمت ، بل ظن كثير من الناس ،أن حق أخيك عليك أن تحدثه ويحادثك ، وتجامله ويجاملك , وتسامره ويسامرك , وتطعمه ويطعمك ...، ثم هو وشأنه ، مساكين هؤلاء ماذاقو معنى الاخوه ولاعرفوه .
فلعمر الحق ماجاوزت هذه الخصال الترابط الحيواني , فقل لي بربك : أين من يهتم لهمك ويأرق لأرقك ، ويحزن لحزنك ويبكي لبكائك , ويسر لسرورك ، فإن نزلت بساحتك الهموم، نسي همه وأشتغل لذب مانزل بك ، وإن اضافتك ضائقة وجدها من منن الدهر كي يسعى بمالديه اليك مواسيا لك في محنتك , فلربما ضر نفسه لينفعك ، يأتيك مسرعا مرددا:
[align=center]أخاك أخاك من يسعى معك *** ومن يضر نفسه لينفعك[/align]
فماهو إلا كالشمعة تحرق نفسها لتظئ لك الطريق , لاترقب منك حمدا ولاذما,و لاجزاءا ولاشكورا .
فلاتظنن ـ يارعاك الله ـ أن هذا ضرب من الخيال أو نسج من ألأذهان وإبداع ، بقدر ماهو متمثل في أمم ممن شرح الله صدرهم للإيمان ومكارم الأخلاق .
ودونك التاريخ , قلب صفحاته، وانظر في أعطافه ، ترى أن هذه الأمة قدأنجبت( بدورازاهرة) من الرجال، كل فرد منهم بأمة يقف التاريخ عنده ، لقد ضربوا أروع الأمثلة في الأخوة الصادقة ،حتى لربما آثر أحدهم الموت عن صاحبه .
هذان صحابيان جليلان الحارث بن هشام المخزومي وعكرمة إبن أبي جهل رضي الله عنهما ، قتلا في وقعة اليرموك وهما يتدافعان الماء كل واحد منهما يؤثربه صاحبه ، فلما أثخنت الحارث الجراح ، إستسقى الماء فأتي به اليه ، ولماتناوله نظرإلى عكرمة صريعا في مثل حاله ، فرد الإناءعلى الساقي وقال :امض إلى عكرمة ، فمضى إليه فأبى أن يشرب قبله ، فرجع إلى الحارث فوجده ميتا ، فرجع إلى عكرمة فوجده قد مات، فلم يشرب واحد منهم . أولائك آبائي فجئني بمثلهم... ، رضي الله عنهم وأرضاهم .

إن من لم يصبر مع هذه المحن الأخويه صبر الكرام , سلاسلو البهائم ، إن في الموت راحة للمؤمن من كل عناء ، تدمع له العين ويحزن له القلب ، وليس للمؤمن غاية معه إلا الصبر والاحتساب والرضى لقضاء الله وقدره ، ولكن البلاء كل البلاء، موت الوفاء , وفقد الإخاء ,ووأد الموده ، ثم لاتجد من يعزيك ،أو يفطن لحالك فيواسيك .

وقبل أن أختم الحديث، فالعاقل من اتهم نفسه ,وظن بإخاوانه , وعرف أهل زمانه , وعلم علم اليقين أن مايرجوه من بني جنسه ماهو الاضرب من الخيال أو طلب للمحال ، فلينعم بماقص علينا من أخبار السالفين ،وليؤد للناس الذي لهم وليسأل الله الذي هو له ، وفي الله خلف وعوض من كل شئ ، وليلم نفسه قبل لوم ألآخرين .
[align=center]لست الملوم أنا الملوم لأنني ***علقت آمالي بغير الخالق[/align]
وختاما: فلاتحسبن أن كتابنا هذا عنوان هجركم ، أو أذان الأخلال بمودتكم ، فماسطرناه للشكوى أو وصف البلوى ، إذا لاحترقت أحرفه بين يديكم ، لحرارة المشاعر ، وتوارد الاحزان ،واستعظام الموقف، ولاستعرتم مع أعينكم أعينا تسعفكم الدموع ، فمازال للعتاب في ساحتكم موضع ، وللاخوة من قلبكم مرتع ، وإليها أوجه هذا الخطاب , فماهذا الكتاب إلا لهو أدبي ، نطرد به مايعتري الخاطر من هموم وأعباء .
[align=center]إذا كنت في كل الامور معاتبأ***صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحــــدا أوصـــل أخاك فإنه *** مقارف ذنب مرة ومجــــانبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى*** ظمئت وأي الناس تصفومشاربه[/align]
ولعلي اذكرك بماقال أبو الفضل رحمه الله : قديوحش اللفظ وكله ود ، ويكره الشئ وليس من فعله بد , هذه العرب تقول : لاأبا لك في الامر إذا أهم , وقاتله الله ولايريدون الذم ، وويل أمه للأمر إذا تم ، ولذوي الالباب أن ينظروا في القول إلى قائله ، فأن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن .( بكلامه عنونت وبه ختمت)
وما أحسبني والله لك إلا وليا .

فسلا م الله عليك ورحمته وبركاته ، سلاما يتصل أمثاله بسمعك أبدا مابقيت .
 
ليت كل رسائل العتاب بين الأخوان تكون كهذه الرسالة العتابية إذا لاستحال العتاب عين الود وقرين المحبة ....
النص الأصلي بواسطة ابن الشجري
الكتاب الكتاب إذا أردت العتاب
إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة

فالمداد لسان فصيح لما يعجز عنه اللسان ..... يشترك مع بالتعبير ويتميز عنه بالتروي ووحسن التدبير وليس ذلك إلا لمن جعل من الحروف والكلمات رسل محبة وسلام ... وحملها على أوراق من حسن الظن وصفاء النفس ... فحري لهذه الرسل أن تكرم وفادتها وألا تُرد سفارتها ....

*****************************************

أقوال عن الأخوان من كتاب آداب العشرة وذكر والصحبة والأخوة
(أبو البركات الغزني)

قال الحريري‏:‏ « ‏تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زماناً طويلاً حتى رق الدين ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى الوفاء ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة‏» .‏


وكتب عالم إلى من هو مثله‏:‏ ‏ « ‏أن اكتب لي بشيءٍ ينفعني في عمري‏» ‏
فكتب إليه‏:‏ ‏ « ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏
استوحش من لا إخوان له وفرط المقصر في طلبهم وأشد تفريطاً من ظفر بواحد منهم فضيعه ولوجد أن الكبريت الأحمر أيسر من وجدانه وإني أطلبه منذ خمسين سنة ولم أجد إلا نصف صديق‏» ‏‏.‏

قال أبو زائدة‏:‏ « كتب الأحنف إلى صديق له‏:‏ أما بعد فإذا قدم أخ لك موافق فليكن منك بمنزلة السمع والبصر فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف‏.‏ ألم تسمع قول الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه» ‏:‏ ‏ « ‏إِنَهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَهُ عَمَلٌ غَيرَ صَالِحٍ‏» .‏
 
أثناء تجولي في صفحات الملتقى التي طواها الزمن , وقعتُ قدرا على هذه الرسالة , وبعد أن أزلتُ ما علق بها من غبار , لم أستطع أن أتجاوزها دون أن أبدي فيها شيئا من الإعجاب , فلكم يشدني الإبداع ويأسرني أينما كان لاسيما ذاك الذي تميز برقي الفكر .. وسمو الخلق .. وعمق النظرة .. وجزالة الكلم .. وحبك العبارة .. وسلاسة الأسلوب .
فجال بخاطري : إن كان بعض الأخوة ـ مشكورين ـ قد ذكروا بعض الأسماء التي افتقدوها في الملتقى خلال العام أو العامين الفائتين , فإن الملتقى بذاته وكيانه وعلى مدى سنينه وأعوامه لابد أنه افتقد الكثير من أمثال هذا الكاتب المبدع المفكر .
وقد ظننته ـ لأول وهلة ـ ناقلا لهذه الرسالة , غير أنه كان قد قدم لها في صفحة مستقلة بقوله : ( ومع هذه العودة فإني أتشور من أن اعود خالي الوفاض ، فهذه رسالة عتيقة ، كنت قد أرسلتها إلى أحد الأخوة معاتبا له لبادرة كانت منه ، أحببت كما أحب هو أن اطرحها بين يدي اساتذة نقاد وقراء أكفاء ، لعل فيها مايفيد والله المستعان ) .
ولقد تتبعتُ بعضا من مواضيعه , فوجدتها جميلة مميزة , وأنصح مَنْ أحب أن يستزيد من مقالاته ألا يفوته : ( رجل يحمل هم أمة , وأمة مهمومة لرجل ) , و ( الفضيلة الذاتية ) وغيرهما .
فجزا الله ( ابن الشجري ) وغيره من كتاب الملتقى القدامى خيرا على ما قدموه من لبنات رائعة لم ولن تنسى لهم بإذن الله , ساهموا بها في تشييد هذا الصرح المبارك والمميز .
 
وقبل أن أختم الحديث، فالعاقل من اتهم نفسه ,وظن بإخاوانه , وعرف أهل زمانه , وعلم علم اليقين أن مايرجوه من بني جنسه ماهو الاضرب من الخيال أو طلب للمحال ، فلينعم بماقص علينا من أخبار السالفين

قيل لرجل : من يُؤنِسُكَ ؟

فَضَرب بيده إلى كتبه، وقال: هذه


فقيل: من الناس ؟


فقال: الذين فيها.



(تقييد العلم 125). نقلا من المشوق إلى القراءة وطلب العلم (60).
 
عودة
أعلى