الرد على كتاب د. أسما بارلس: "النساء فى الإسلام - نسْخ التفسير البطرياركى للقرآن" (1-2)

إنضم
18/03/2005
المشاركات
203
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الرد على كتاب د. أسما بارلس: "النساء فى الإسلام - نسْخ التفسير البطرياركى للقرآن" (1-2)


كتابى الجديد

الرد على كتاب د. أسما بارلس:

"النساء فى الإسلام -
نسْخ التفسير البطرياركى للقرآن"


د. إبراهيم عوض

1432هـ -2011م


كلمة تقديم
كاتب هذه السطور منفتح منذ وقت بعيد، دون تلجلج أو تحرج، على كل الاتجاهات والمذاهب والفلسفات والأديان يقرؤها ويفكر فيها ويقارن بينها وبين الدين الذي يؤمن به، فقرأت فى شبابى، ولا أزال أقرأ حتى الآن، عن الشيوعية والوجودية والوضعية المنطقية والبراجماتية واليهودية والنصرانية وأديان الهند والشرق الأقصى، وقرأت ولا أزال أقرأ حتى الآن للمؤمنين والملحدين والمتشككين والمتحمسين للإسلام والمتحمسين ضده سواء كانوا من أبنائه أو من غير أبنائه، واجدا لذة، وأى لذة، فى هذه القراءة وفى تلك المقارنة. ذلك أننى أومن بأنه لا بد من الاطلاع الواسع والعميق على كل ما أستطيع الوصول إليه فى هذا الميدان من أجل أن يكون اختيارى لما أومن به قائما على بصيرة وأساس. وقد كنت دائما أخرج من قراءاتى بمزيد من الاطمئنان للدين الذى وُلِدْتُ عليه. لكن هناك فرقا هائلا بين إيمان موروث وإيمان يستند إلى التفكير والمقارنة والتأمل العميق. وبطبيعة الحال كثيرا ما انتابتنى الحيرة وثارت فى ذهنى الأسئلة من كل شكل ولون، إلا أننى كنت دائما أواجه كل ذلك بشجاعة، مطمئنا إلى أن الله معى يرقبنى ويوفقنى ويأخذ بيدى ما دمت أسعى لبلوغ الحق، بعدما كنت قد مررت فى البداية بتجربة قيض الله لى فيها من يبصّرنى بما ينبغى أن أفعل ويفهّمنى أن التساؤل هو من الإيمان فى الصميم، وأنه لا خوف أبدا منه.
وتفصيل ذلك أننى، حين كنت طالبا فى التوجيهية عام 1965- 1966م، قد انتابتنى على مدار عدة أيام بعض الخواطر والتصورات التى رأيت أنها لا تليق بالألوهية، فشعرت أن الدنيا قد اسودت فى عينى. وكنت أجوب مدينة طنطا، وقد ارْبَدَّت الآفاق أمامى رغم أننا كنا فى عز النهار... إلى أن فاض الكيل بى، وشعرت أنه لا بد من الإفضاء بألمى لمن يمد لى يد العون وينتشلنى من الهوة التى ابتلعتنى، فانتهزت فرصة رؤيتى فى فناء المدرسة الأحمدية الثانوية بطنطا لأستاذى العظيم الذى كان يدرس لنا مادة اللغة العربية والذى كان يحبه ويحترمه الطلاب جميعا، الأستاذ سيد أحمد أبو رية، رحمه الله وبَوّأه عُلْيَا الجِنَان، وأقبلتُ عليه خائفًا رغم ذلك أن ينهرنى عن مثل تلك الخواطر والأفكار، وشرحت له على قدر ما يمكننى المصارحة فى مثل تلك المسألة ما كان يعذبنى آنذاك متوقعا أن يهبّ فى وجهى صارخا معنفا. وإذا بالرجل يبتسم لى فى حنان ويربّت على كتفى قائلا إن هذا هو صريح الإيمان. فقلت له: كيف؟ قال: إن الإمام أبا حامد الغزالى قد مر بشكوك عنيفة هزته هزا، إلا أنه لم ينهزم أمامها، بل أخذ يقلّبها ويدرسها حتى وصل إلى بر اليقين، فكان كتابه: "المنقذ من الضلال". معقول؟ نعم معقول ونصف. ومن يومها وأنا، بحمد الله، لا أخشى التفكير فيما فى جعبتى الإيمانية من بضاعة دينية بفضل ذلك الأستاذ العظيم، الذى انعقدت بينى وبينه إلى وفاته منذ عدة سنوات صداقة متينة، فكنت أزوره دائما فى بيته، الذى فتحه لى كأننى ابن من أبنائه: أبيت عنده وآكل معه وأناقشه فى كل شىء، شاعرا دائما بالسعادة فى وجوده رغم فارق السن الكبير بيينا، رحمه الله رحمة واسعة جزاء عطفه علىَّ وفتحه قلبه وبيته لى، ومعاملته إياى كأننى أحد أبنائه، وسعة أفقه العجيبة فى المناقشات الراقية الممتعة التى كنا نقضى فيها وقتنا كلما التقينا.
وفى الكتاب الذى فى أيدينا الآن وجهة نظر فى تفسير القرآن جديدة وغريبة، إذ ترى المؤلفة أن التفاسير القرآنية تعكس منذ نشأتها حتى الآن فكر الرجال، ولا تهتم بالنساء ولا بحقوقهن أو وجهة نظرهن، مما أدى إلى القول بأشياء فيها ظلم للمرأة، ثم نسبتها للإسلام رغم أنها ليست من الإسلام فى شىء. ولهذا نراها قد سمت كتابها: "نَسْخ التفسير البطرياركى للقرآن"، أى التفسير الأبوى. والمقصود به التفسير الذكورى أو الرجولى، على اعتبار أن التفسير يعكس، فيما يعكس، النوع الذى ينتمى إليه صاحبه من ذكورة أو أنوثة، وهو ما يهمنا هنا فى المقام الأول. وقد أقبلتُ بعقل مفتوح على الكتاب، الذى أرادت فيه صاحبته أن تعالج التفسير القرآنى من وجهة نظرٍ نسويةٍ فأتت بآراء لم يسبق للمفسرين ببعضها عهد، متصورة أنها بذلك تحق الحق وتبطل الباطل، باطل الرجال بطبيعة الحال، فقرأتُه ثم ناقشتُ أهم ما فيه، فوجدتُنى أوافق المؤلفة فى أمور، وأختلف معها فى أمور: اختلافا هادئا أو شديدا حسب الأحوال. وكتبت ذلك كله فى الدراسة التى صَدَّرْتُ بها الكتاب. وأرجو ألا أكون قد أخطأتُ كثيرا، وإن كان عذرى فى كل حال أننى بذلت كل ما عندى من جهد فى القراءة والفهم والدرس، وهو ما أرجو أن يكون شافعا لى عند الله وعند القراء الأعزاء. وأنا، بعد هذا وقبل هذا، بَشَرٌ لا أَدَّعِى لنفسى شيئا سوى أننى أجتهد ولا آلو.









أسما بارلس
أسما بارلس أستاذة جامعية باكستانية مسلمة، تعمل بكلية إثيكا كولدج فى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وأهم ما تكتب فيه، فيما يهمنا نحن المسلمين، هو تأويل القرآن. ولها فى هذا المجال عدة دراسات منها كتابها الذى بين أيدينا الآن: "النساء فى الإسلام- نَسْخ التفسير البطرياركى للقرآن: "Believing Women" in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur'an". وهى من مواليد عام 1950م، وتركتْ باكستان فى عهد الرئيس ضياء الحق. وها هى ذى ترجمتها بشىء من التفصيل نقلتُها للقارئ الكريم من النسخة الإنجليزية لموسوعة ":Wikipedia ويكيبيديا"، وفيها عرض للشهادات التى حصلت عليها، والمناصب التى تولتها، والكتب والدراسات التى وضعتها، والمواقف السياسية والفكرية التى تتبناها، وغير ذلك من النقاط الهامة فى مسيرة حياتها:
"Asma Barlas is an academic educated in Pakistan and the United States. She is the Director of the Center for the Study of Culture, Race, and Ethnicity of the department of politics at Ithaca College, New York. Her specialties include comparative and international politics, Islam and Qur'anic hermeneutics, and women and gender.
Barlas was named to the prestigious Spinoza Chair at the University of Amsterdam in the Netherlands for "her prominent contributions to discussions about women and Islam".
Her views and interpretations of Islam have been called "Islamic feminism," but she herself rejects this term, unless it is defined as "a discourse of gender equality and social justice that derives its understanding and mandate from the Qur’an and seeks the practice of rights and justice for all human beings in the totality of their existence across the public-private continuum."
Biography:
Born in Pakistan in 1950, Barlas was one of the first women to be inducted into the foreign service. Her diplomatic career was ended, when General Zia ul Haq dismissed her from the Foreign Service on two charges; for calling him a "buffoon" in her personal diary (leaked by her former in-laws) and for having said at a private dinner at the home of Pakistan's ambassador to the Philippines, "that the judiciary in Pakistan was neither free and nor fair", She joined the paper, The Muslim, as assistant editor, but eventually had to leave Pakistan for reasons of personal safety in 1983 and later received political asylum in the U.S.
Barlas is former chair of the Department of Politics and founding director of the Center for the Study of Culture, Race, and Ethnicity at Ithaca College. She has a B.A. in English Literature and Philosophy, an M.A in Journalism from Pakistan, and an M.A. and Ph.D. from the Graduate School of International Studies at the University of Denver in Colorado.
Research:
In her recent work, she has focused on the way Muslims produce religious knowledge, especially patriarchal exegesis of the Qur'an, a topic she has explored in her book, "Believing Women" in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur'an. She has also written numerous editorials for The Daily Times, Pakistan.
Books:
“Women’s and Feminist Readings of the Qur’an,” in Jane McAuliffe (ed.), Cambridge Companion to the Qur’an (Cambridge University Press, 2006).
“Reviving Islamic Universalism: East/s, West/s, and Coexistence,” in Abdul Aziz Said and Meena Sharify-Funk (eds.), Contemporary Islam: Dynamic, not Static (Routledge, 2006).
“Globalizing Equality: Muslim Women, Theology, and Feminisms,” in Fera Simone (ed.), On Shifting Ground: Muslim Women in the Global Era (NY: Feminist Press, 2005).
Islam, Muslims, and the U.S.: Essays on Religion and Politics (India, Global Media Publications, 2004)
“Amina Wadud’s Hermeneutics of the Qur’an: Women Rereading Sacred Texts,” in Suha Taji-Faruqi (ed.), Contemporary Muslim Intellectuals and the Quran: Modernist and Post Modernist Approaches (Oxford: Oxford University Press, 2004).
"Believing Women" in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur'an (University of Texas Press, 2002).
Democracy, Nationalism, and Communalism: The Colonial Legacy in South Asia (Westview Press, 1995)".












النسوية
"النِّسْوِيّة هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعية والحركات السياسية والفلسفات الأخلاقية التي تحركها دوافع متعلقة بقضايا المرأة. ويتفق النسويون والنسويات على أن الهدف النهائي هو القضاء على أشكال القهر المتصل بالنوع الجنسي ليسمح المجتمع للجميع نساءً ورجالاً بالنمو والمشاركة في المجتمع بأمان وحرية. ويهتم معظم النسويين بشكل خاص بقضايا عدم المساوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال، مؤكدين أن مفاهيم النوع الاجتماعي والهوية تبعا للجنس إنما تحددها البنية الإجتماعية. ويختلف النسويون حول السبب في انعدام المساواة بين الجنسين، وكيفية التسوية بينهما، وكذلك المدى الذي يجب أن يصل إليه التشكيك في التعريفات المبنية على أساس الجنس والنوع الاجتماعي. وكأي أيديولوجية أو حركة سياسية أو فلسفية ليس هناك صيغة عالمية موحدة للنسوية تمثل كل المنضوين تحت رايتها.
وتأخذ نشاطات النسوية السياسية غالبا شكل حملات كما في قضايا الحقوق الإنجابية، التى تشمل الحق في اختيار إجهاض آمن وقانوني، وقضايا منع الحمل، ونوعية الرعاية الصحية المتوفرة للأمهات، والعنف في العلاقات الأسرية، والتحرش الجنسي، والتحرش في الشوارع، والاغتصاب، والتمييز، وعدم المساواة بين الجنسين في الأجور.
و يؤكد كثير من النسويين اليوم أن النسوية حركة شعبية تهدف إلى تخطي الحواجز التي تتعلق بالمرأة في المجتمع والمبنية على العِرْق والمكانة الاجتماعية والثقافة والدين، وتهتم بقضايا مثل الاغتصاب وزنا المحارم والأمومة وتأثيرها على المجتمع العالمي. ومن الموضوعات التي تركز عليها النسوية: المجتمعات البطرياركية، والتَّشْيِيء، والتشييء الجنسي (أي تحويل المرأة إلى سلعة جنسية)، والاضطهاد.
وهناك حركات نسوية متعددة منها:
النسوية الاشتراكية والماركسية: وترى قضايا المرأة كجزء من المجتمع الرأسمالي ونتيجة له، وأن قهر المرأة مرتبط بالاستغلال وقوة العمل عن طريق تحقير المجتمع لقوة عمل المرأة وإنتاجها في العمل مدفوع الأجر والعمل غير مدفوع الأجر (المنزلي). ويكمن الحل للنسويات الاشتراكيات في العمل على تغيير المجتمع بصورة كلية، وبالتالي تغيير وضع المرأة.
النسوية الراديكالية: وترى النسوية الأصولية أن مشكلة المرأة تكمن في تنظيم المجتمع البطرياركي، الذي يستند على أفضلية الرجل. ومن تلك النظرة يصبح حل مشاكل المرأة هو هدم النظام البطرياركي وتحويله إلى نظام يساوي بين الناس بغض النظر عن نوعهم الجنسي، وذلك يبدأ بتحدي الأشكال المستقرة لأدوار الجِنْدَر (النوع الجنسي)، وأنه لا أمل في التغيير بدون إنهاء شكل التنظيم المجتمعي الحالي.
النسوية الليبرالية: ويرى هذا الاتجاه أن حل مشكلة المرأة يكمن في تغيير القوانين والسياسات بصورة إصلاحية. لذلك فمن الممكن حل مشكلة المرأة بدون إحداث أي تغيير جذري في المجتمع. فكل ما نحتاجه هو تغييرات إصلاحية. وينظر النسويون والنسويات ذوو الاتجاه الليبرالي لقضية المرأة من منظور فردي. وعندهم أن كل امرأة قادرة على تحقيق ذاتها والتساوي بالرجل حتى في ظل المجتمع الذكوري. وفي النسوية الليبرالية لا يُنْظَر للطبقة أو الإثنية أو الجنسية الخاصة بالمرأة كعامل ذي أهمية كبيرة، فكل امرأة قادة على الاختيار والتغيير حتى تصبح مساوية للرجل.
نسوية الجنوب: تهتم نسوية ما بعد الاستعمار (نسوية الجنوب) بقضايا المرأة بصورة عالمية، وتنتقد الاتجاهات النسوية في الشمال بأنها تصدّر نظرتها لمشاكل المرأة في المجتمعات المرفهة بوصفها مشاكل المرأة بصورة عالمية. وتهتم نسوية ما بعد الكولونيالية بالتلاقي بين الإيدلولوجيات الذكورية والاستعمار والعنصرية، وتنتقد تصويرَ النسوية الغربية للنساء في الجنوب بوصفهن ضحايا سلبيات في مقابل تصوير النساء في الشمال بأنهن متعلمات، وفي مواقع شبه متساوية مع أقرانهن من الرجال.
نسوية بيئية: هي اتجاه نسوي يرى أن هناك ارتباطا وثيقا بين اضطهاد المرأة والقضايا البيئية، إذ يرى النسويون أن كلا من التدمير البيئي وقهر المرأة ناتج عن استغلال الرجل لمحيطه. فالرجل في النظام البطرياركي يملك الأرض ويستغلها ويقهر المرأة. هذا التاريخ المشترك من القهر على يد الرجل يخلق تشابها بين المرأة والطبيعة.
نسوية لاسلطوية: تجمع النسوية اللاسلطوية فى إهابها بين اللاسلطوية والنسوية، وتعارض المفهوم التقليدي للأسرة والتعليم وأدوار الجنسين.
نسوية إلحادية: تؤكد النسوية الإلحادية على المساواة بين الرجل والمرأة، وتَعُدّ الدين مصدرا رئيسيا لاضطهاد المرأة وعدم المساواة بين الجنسين.
نسوية يهودية: النسوية اليهودية حركة تسعى إلى تحسين الوضع الديني والقانوني والاجتماعي للمرأة، وإعطاء حق القيادة للمرأة اليهودية. ويطالب النسويات والنسويون اليهود بالحقوق المتساوية في الزواج، والسماح بالطلاق، والسماح للمرأة بتولي المناصب القيادية في الكنيس اليهودي وأن تكون حاخاما.
نسوية نصرانية: وتسعى النسوية المسيحية إلى المساواة بين الرجل والمرأة أخلاقيا واجتماعيا وروحيا، إذ يؤمن النسويون والنسويات النصارى بأن الله لا يميز بين الناس على أساس الجنس والعرق. وفي كثير من الأحيان نراهم يعتمدون على أدلة مأخوذة من الكتاب المقدس، ويدعون إلى المساواة والعدل في الحقوق والواجبات، ويطالبون بحق العمل وغيره من الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية بما فيها حق المرأة في أن تكون في قيادة الكنيسة.
نسوية إسلامية: ينتقد النسويون والنسويات الليبراليون تعدد الزوجات ويطالبون بمنعه. كما يطالبون بالمساواة في الإرث، ويؤمنون بأن المرأة تستطيع قيادة الدولة، ولا ينبغي أن تكون معزولة عن الرجال. كذلك يسمحون للمرأة أن تؤدي الصلاة في مجموعة مختلطة بدلاً من أن تؤديها في أماكن مخصصة لها في المسجد، سواء كانت هذه الأماكن المخصصة وراء الرجال أو في مكان منفصل عن الرجال. ويطالبون بحق المرأة في العمل والتصويت واختيار الزوج، وحق الزواج بغير المسلمين لفتح باب واسع من أبواب العلاقات الإنسانيه المختلطه الشاملة، وأن يكون الطلاق في المحكمة، ويعارضون الزي التقليدي للنساء المعروف باسم "الحجاب" و"النقاب"، على أساس أن أية ملابس محتشمة تكفي إسلاميا لكل من الرجال والنساء.
قضايا:
حقوق مدنية: هي حقوق المرأة كمواطنة في الدولة، ومنها حقها في التصويت الانتخابي، وحقها في شغل المناصب العامة، وحقها في التعليم، وحقها في عائدٍ مساوٍ لعائد الرجل من العمل، وحقها في الإرث، وحقوق أخرى. وهذه الحقوق بصورة عامة هي الحقوق المعنيّة بمساوتها كمواطنة مع مواطني وطنها من الذكور.
حقوق إنجابية: هي الحقوق المتعلقة بالصحة الإنجابية والإنجاب. ويقر إعلان طهران لحقوق الإنسان في مادته السادسة عشرة أن "حرية الأبوين في تقرير عدد أبنائهما والفترات الفاصلة بينهم بروح المسؤولية هو حق إنساني أساسي لهما".
وتهتم النسوية بقضايا إنجابية مثل حق المرأة في الحصول على معلومات جنسية وتناسلية صحيحة، وحقها في الحصول على موارد طبية تسهّل لها التحكم في حياتها الإنجابية (أدوات تنظيم النسل)، وحقها في إجهاض قانوني وآمن متى اختارته، وحقها في الحماية من تشويه الأعضاء التناسلية، والحق في الحمل والولادة، والحق في عناية صحية جيدة للأم والطفل، والحماية من التعقيم الإجباري وتحديد النسل الإجباري، والحق في الحصول على الحماية من الأمراض المعدية جنسيا.
النسوية المعارضة للإباحة: ويعارض هؤلاء النسويون المواد الاباحية قائلين إنها استغلال وإذلال وقهر للمرأة، ويطالبون بمنعها.
العنف ضد المرأة: هو مصطلح للتعبير عن مجموعة مختلفة من التصرفات العنيفة الموجهة تجاه المرأة لكونها أنثى. ويعرّف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الأمم المتحدة في 1993، "العنف ضد المرأة" بأنه أي عنف بدني أو جنسي أو نفسي يستهدف النساء في الأسرة أو المجتمع بصورة عامة (الشوارع، أماكن العمل، المؤسسات التعليمية...)، أو العنف الموجه ضد المرأة من الدولة".
(مادة "نسوية" فى النسخة العربية من موسوعة "الويكبيديا")



دراسة كتاب بارلس
فى كتابها:""Believing Women" in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur'ān: النساء فى الإسلام - نَسْخ التفسير البطرياركى للقرآن" (University of Texas Press, 2002) تؤكد د. أسما بارْلَس (Asma Barlas) المتأمركة ذات الأصل الباكستانى (وبالمناسبة فـ"بارلس" هو اسم القبيلة المغولية التى كان ينتمى إليها جنكيز خان وتيمورلنك كما جاء فى كل من مادة "Tamerlane" بـ"موسوعة الإنكارتا" الإنجليزية، ومادة "Barlas" بـ"موسوعة الويكيبيديا" الفرنسية) أن القرآن لا يعكس من خلال نصوصه وجهةَ نظرٍ بطرياركيةً، إلا أن تفسيره قد خضع رغم ذلك لتأثير المجتمع البطرياركى الذى نزل فيه، فكان لزاما عليها، كما تقول، أن تُنَقِّىَ التفسير من تلك التأثيرات البطرياركية (صXI). هذا ما قالته بارلس: فأما أن القرآن لا يعكس وجهة النظر البطرياركية فهو أمر طبيعى، إذ هو من عند الله رب البشر جميعا، أى رب الرجال والنساء معا لا رب الرجال وحدهم، مثلما هو سبحانه وتعالى ليس رب النساء وحدهن. ومن ثم لا يمكن أن يحابى جنس الرجال أو جنس النساء، بل يعاملهما جميعا بالعدل بل بالإكرام، معطيا كل ذى حق حقه وزيادة.
ثم تضيف قائلة إنها أَلََّفَتْ هذا الكتاب لتبين للمرأة المسلمة أنها تستطيع المناضلة من داخل الإسلام نفسه ضد الظلم الواقع عليها على عكس ما يعتقد المحافظون والتقدميون على السواء، وإنها لتشعر بالإحباط جَرّاء ما تسمعه من بعض الناس من أن "الإسلامية هى الإسلامية"، بمعنى أنه لا أمل فى أن تحصل المرأة المسلمة على حقوقها من داخل الإسلام، إذ ترى أن الربط بين الإسلام وظلم المرأة هو انعكاس للقراءة الخاطئة للقرآن المجيد والاعتقاد بأنه لا بد من وجود علماء دينيين يؤخَذ عنهم تفسير كتاب الله. على أنها ترى مع ذلك أن الأمر لن يكون سهلا بحال فى ظل تحكم "الظلاميين" فى أمور الدين رغم تأكيدها المتكرر بأنه ليس من حق أحدٍ ادعاءُ احتكار الفهم الصحيح للدين، وكذلك فى ظل عمل الدول الإسلامية وبعض علماء الدين على منع المسلمين من القراءة. تقصد، فيما أتصور، منعهم من قراءة القرآن والعمل على فهمه فهما مستقلا. وهو ما يشكّل، كما تقول، مفارقة مضحكة فى ظل ما نعرفه من أن أول آية نزلت على النبى الأمى هى الأمر بالقراءة: "اقرأ".
ونحن معها فى أن عزوف المسلمين بوجه عام عن القراءة يشكل مفارقة تبعث على الغيظ والإحباط، إذ إن أول آية نزلت من كتاب الله على رسولنا الكريم كما هو معلوم للجميع هى قوله عز شأنه: "اقرأ باسم ربك الذى خَلَق". فكيف وصل الحال بأمة الإسلام إلى أن تكره القراءة كل هذه الكراهية رغم ما للعلم وللسعى فى سبيل تحصيله فى الإسلام من مكانة لا تكاد تدانيها مكانة حتى إن الإسلام ليفضل العالم على العابد تفضيلا كبيرا، وحتى إن الشىء الوحيد الذى أُمِر الرسول الكريم بالاستزادة منه هو العلم: "وقل: ربِّ، زدْنى علما"، بل حتى إن السعى وراء تحصيل العلم هو فرض واجب يأثم المسلم بإهماله، وليس مجرد حق من الحقوق يمكنه أخذه أو تركه؟ أما أن هناك دولا إسلامية تمنع الناس من قراءة القرآن وفهمه فلا أدرى عن أية دولة أو دول تتحدث الكاتبة، إذ لم أسمع يوما بشىء من هذا. اللهم إلا إذا كانت تقصد أن العلماء قد يبدون استنكارهم حين يرون شخصا غير مؤهل، على الأقل: فى نظرهم، يتصدى للحديث والفتيا فى أمور الدين. فإن كان الأمر كذلك لقد كان يجب عليها، وهى الأستاذة الجامعية، أن تعرف أن التخصص أمر لا بد منه إذا أراد الإنسان أن يَزُجّ بأنفه فى قضية ما. أليس كذلك؟ وليس شرطا أن يكون الإنسان متخرجا من كلية دينية حتى يكون متخصصا. ذلك أنه من الممكن جدا تعويض هذا بالقراءة الواسعة العميقة والمثابرة ومدارسة العلماء والانشغال بالأمر انشغالا جادا والمراجعة المستديمة له، فضلا عن أن يكون الشخص مؤهلا للفهم السليم العميق والتفكير المستقل... إلخ.
ثم تمضى قائلة إنها، حين ألفت كتابها هذا، لم تضع فى ذهنها أنها تخاطب المسلمين وحدهم، بل المسلمين ومن يعيشون معهم فى نفس المجتمع، وهو ما جلب عليها العداوة طول الوقت. تقصد عداوة قطاعات من المسلمين الذين يَرَوْن، حسبما وَضَّحَتْ، أنهم شىء مختلف عن الآخرين وأن هناك حدودا حاسمة تفصل بينهم وبين أولئك الآخرين، إذ يؤمنون بأن هؤلاء الآخرين لا يشتركون معهم فى أى شىء، على عكس ما تعتقد هى. فأما أن المسلمين متفردون بأشياء فهذا صحيح، فهم الوحيدون فى العالم الآن الذين يوحدون الله حق توحيده، وهم الوحيدون الذين لم يمدوا أيديهم إلى كتابهم المقدس فيحرفوه كما فعلت أمم أخرى عبثت بكتابها، أو نسيته وأهملته فضاع فى أطواء التاريخ. كما أن دينهم دين عالمى. لكنهم من جهة أخرى بشر من البشر لا يفترقون فى هذا عن أية أمة أخرى من الأمم. بيد أن قولها إنها، حين ألفت كتابها هذا، قد وضعت غير المسلمين فى اعتبارها فأخشى ما أخشاه أن يؤثر ذلك على عرضها للإسلام فتعمل على تقريبه ممن يُوجَدُون حولها من غير المسلمين. فنرجو التنبه إلى هذا حتى لا تنزلق قدم الواحد منا إلى ما لا تُحْمَد عُقْبَاه.
أقول هذا وفى ذهنى ما صنعته د. لالَة بختيار، وهى أستاذة إيرانية (متأمركة أيضا) تخطت الستين بأعوام، إذ نراها، فى ترجمتها للقرآن الكريم، تستعمل على سبيل المثال كلمة"submission: الخضوع" بدلا من"Islam: الإسلام"، و"ungrateful: منكر للنعمة" بدل ":disbeliever كافر"، و"way of life: طريقة حياة" مكان "religion: دين"... وهلم جرا، كل ذلك كى لا تؤذى غير المسلمين فى مشاعرهم حسبما تقول، وهو ما يفسد الأمور إفسادا شديدا دون أى وجهٍ سوى الشعور بالنقص ومحاولة التقرب إلى الآخرين على حساب الإسلام نفسه. ولو كان هذا الذى صنعته تلك السيدة صحيحا، فكيف لم يفعله الله سبحانه وتعالى؟ أتراها تعدّل ما عمله الله؟ لكنْ هل ما عمله الله خطأ حتى تأتى هى فتستدرك عليه؟ الواقع أنه لو فعل كل أصحاب دينٍ هذا الذى صنعته ما بقى هناك دين على حاله ولصارت الأديان شيئا آخر غير ما هى عليه. فما بالنا بالإسلام، الذى جاء كى يكون مهيمنا على الكتب الدينية الأخرى ويصحِّحها لا أن يصحَّح ليتطابق معها؟
جدير بالذكر أن د. بختيار هى ابنةُ طبيبٍ إيرانىٍّ تلقى تعليمه فى أمريكا وممرضةٍ أمريكيةٍ بروتستانتيةٍ. وقد تربت تربية أمريكية كاثوليكية ثم تحولت إلى الإسلام بعدما كبرت وتزوجت ورجعت إلى إيران، وإن كانت قد طُلِّقَتْ وعادت من جديد إلى الولايات المتحدة عام 1988م حيث خلعت الحجاب بعد أن ظلت ترتديه فترة طويلة، وذلك تجنبا للفت الأنظار واستعراض تمسكها بالإسلام بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 20001 حسبما أخبرتنا. وقد وفرت لها دار النشر التى أصدرت الترجمة المذكورة كل وسائل الراحة المادية والمعنوية كى تنجز ترجمتها، التى أرجو أن أتمكن من الحصول على نسخة منها عما قريب وأن تتاح لى الفرصة لدراستها دراسة مفصلة قبل أن أصدر حكمى عليها (انظر هذا الرابط: http://www.asmasociety.org/news/ct.pdf). وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فقد جرى محمد أسد فى ترجمته للقرآن المجيد، التى أصدرها فى ثمانينات القرن الماضى، على شىء مثل هذا، وهو ما نبهتُ إليه فى كتابى: "فكر محمد أسد (ليوبولد فايس) كما لا يعرفه الكثيرون". والغريب أن الحجة التى استندت إليها السيدة بختيار لتسويغ فعلتها هى أن الإسلام دين عالمى يخاطب الناس جميعا. ذلك أن ما صنعته إنما يتناقض مع تلك العالمية، إذ بدلا من دعوة الناس للدخول فى دين الله وتغيير أنفسهم حتى تتسق حياتهم معه نراها تغير الدين نفسه ومفاهيمه حتى تتسق مع أوضاع غير المسلمين. وهَبِ الأمر كما تقول، أيصح أن أُهْمِل المسلمين وأَضْبِط أمرى على أوضاع غيرهم؟
وهذا نص كلامها فى الموضوع (وهو موجود على الرابط التالى: http://www.sublimequran.org/):"In addition to the translation being unbounded by time, in several sensitive cases, the word chosen to translate an Arabic word is also of a universal rather than a particular nature. This then broadens the perspective and scope of the Quran so that it becomes inclusive rather than exclusive to one particular group of people. In other words, in this way a larger audience can relate to its message. Examples of this would be the translation of the derivatives of k f r, literally meaning: To hide or cover over something. Most English translations use the verb "to disbelieve” making the active participle "one who disbelieves” or "one who is an infidel.” In the present translation the more inclusive viable terminology is used, namely, "to be ungrateful,” the active participle being "one who is ungrateful.”
The Quran itself declares its timelessness and universality. Therefore, its understanding or interpretation must also be eternal and for all time, inclusive of all of humanity rather than exclusive to one group of people. Applying the above criterion to the word aslama, "he who submits,” in the eight times that it appears in the form of islam, it is translated according to its universal meaning as "submission,” and the forty-two times that its form is muslim, it is translated according to its universal meaning, "one who submits.” Or the word for religion, a word clearly misunderstood and even denigrated by some, the word din actually means "way of life” in its universal sense and is so translated in the Sublime Quran.".
وعَوْدًا إلى د. أسماء بارْلَسْ نراها تطرح عددا من التساؤلات من بينها السؤال التالى: هل الإسلام يدعو إلى ظلم المرأة أو على الأقل: يرضى به؟ أم هو على العكس من ذلك يشجع حرية النساء؟ وهل الله فى الإسلام أب يميل إلى الذكور، وله علاقة خاصة بهم، ويرى فيهم تجسيدا لصفاته الإلهية، وينظر إلى النساء على أنهن ضعيفات نجسات خاطئات؟ وهل يرى فى إدارة الذكور لشؤون الأسرة أمرا ينبغى استمراره بوصفه قاعدة خالدة كما يقول البطرياركيون؟ وهل الإسلام يقيم فروقا بين الجنسين وانحيازا إلى الذكور وتفضيلا لهم على أساس الاختلافات البيولوجية بينهم وبين النساء أو إن تعاليم القرآن تنتصر للمساواة والتشابه بين الجنسين؟
فأما أن القرآن يحابى الرجال فكلا ثم كلا، فليس الله ذكرا ولا أنثى حتى يقال إنه يميل ناحية جنسه، أستغفر الله تعالى! لكنى فى ذات الوقت لا أفهم كيف يشجع الله حرية النساء، إذ ما المقصود بالحرية هنا؟ الواقع أنه ما من دين، بل ما من فلسفة أو نظام إلا وله قيوده التى لا بد لأتباعه أن يتقيدوا بها. هذه هى الحياة، وتلك هى أوضاعها، ولا محيد عن ذلك أبدا. ومن ثم فلا الرجل ولا المرأة حُرّان تامّا الحرية، إذ هناك الحلال والحرام والأعراف والتقاليد واللائق وغير اللائق... إلخ، ولا مناص من مراعاة ذلك كله، وإلا فالحرية المطلقة إنما هى وهم لا وجود له فى أى مكان فى الدنيا لا فى السماوات ولا فى الأرضين. فنحن مخلوقون، وكل أمورنا نسبية بما فيها بل على رأسها الحرية. والله سبحانه وتعالى لا يرى فى الرجال تجسيدا لصفاته الإلهية، إذ هذه نظرة وثنية لعلاقة الله بعباده، نعوذ بالله منها. وهناك دائما ذلك الفرق بين الله ومخلوقاته، وهى أن كل ما فى أيديهم أو يتصفون به هو هِبَةٌ من الله لا كَسْبٌ أنجزوه بأنفسهم من العدم، كما أن كل ما يتمتعون به من صفاتٍ هو نسبىٌّ محدودٌ له بداية ونهاية، على حين أن صفات المولى مطلقة لا تُحَدّ، فليس لها من ثَمَّ بدء ولا انتهاء.
ثم إن الرجل والمرأة يستويان فى خضوعهما لتلك القيود، أى فى نسبية الحرية. ونفس الشىء يقال عن قيود الدين، أى أوامره ونواهيه، إذ هى تلزم الجنسين جميعا لا النساء وحدهن. وبناءً عليه إذا كان الإسلام مثلا يحرّم على المرأة الزنا، فهو يحرّمه أيضا وبنفس القوة على الرجل. وعلى ذلك فَقِسْ كل أوامر الدين ونواهيه بالنسبة إليهما. لكن لا بد فى نهاية المطاف أن نكون على ذِكْرٍ من أن للرجل على المرأة درجة بنص القرآن المجيد: "ولهنَّ مِثْلُ الذى عليهن بالمعروف. وللرجال عليهن درجة" (البقرة/ 228). والمفهوم أن هذه الدرجة هى درجة القِوَامة، التى أعطيت للرجل من دون المرأة، إذ ما من مؤسسة أو شركة إلا ولها رئيس يقوم بمسؤوليتها ويتحمل أعباءها، وإن لم يترتب على هذا أن يكون هناك سادة وعبيد، بل هى مسألة تنظيمية بحتة. وهذا هو حكم القرآن، فلا مُشَاحَّة لمسلم فى هذا. ثم إن الرجل والمرأة فيما وراء ذلك حُرَّانِ (حرية نسبية طبعا)، فيمكنهما أن ينتجا ويبدعا ويستمتعا بالحياة طعاما وشرابا وجنسا وسماعا وقراءة وترحالا وبيعا وشراء وعملا ونوما واسترخاء واسترجاعا للذكريات وتطلعا إلى المستقبل وتربية للأولاد وتزويجا لهم مع مراعاة أحكام الشريعة ومواصفات الخلق الكريم وقواعد اللياقة والذوق السليم وما إلى ذلك...
وتجرى الأحاديث التالية فى نفس المجرى الذى تَجْرِى فيه الآية: فعن ابن عباس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سَرَّتْه، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته"، وعن أبى هريرة "أنه سُئِل عن خير النساء فقال: التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله"، وعنه رضى الله عليه أيضا: "قيل: يا رسول الله، أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره"، على حين أن ما أوجبه صلى الله عليه وسلم على الرجال تجاه النساء هو تلبية حاجاتهن مثلما يلبون حاجات أنفسهم والرفق بهن ومعاملتهن معاملة كريمة: "أيها الناس، إن النساء عندكم عَوَانٍ، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهن حق، ومن حقكم عليهن ألا يُوطِئْن فُرُشَكم أحدا، ولا يعصينكم في معروف. فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم"، "عجبت من قضاء الله للمؤمن: إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر. فالمؤمن يُؤْجَر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته". فمن الواضح من هذه الأحاديث أن للرجل حق القوامة، وإلا ما كان لأمره صلى الله عليه وسلم للزوجة بطاعة زوجها ولا لأمره إياه بالرفق بها والإحسان إليها معنى.
أما قول السيدة بارلس: هل ينظر الله إلى النساء على أنهن ضعيفات نجسات خاطئات؟ فالجواب عليه هو أن الله قد خلق البشر جميعا ضعفاء: الرجال منهم والنساء على السواء. يقول المولى جل جلاله: "وخُلِق الإنسان ضعيفا". إلا أننا نرى بأعيننا ونلمس بأيدينا ونشعر فى قرارة قلوبنا ونستنتج بعقولنا التى فى رؤوسنا ونسمع بآذاننا ونحس فى أعماق ضمائرنا صوت الواقع الحاضر والتاريخ الماضى مؤكدا أن مُنَّة النساء أقلّ من مُنَّة الرجال رغم ما قلناه من أن الجنسين جميعا قد خُلِقا منذ البداية الأولى ضعيفين كما ورد فى القرآن الكريم. ذلك أن الرجل أقوى عضليا من المرأة، كما أنه أقدر على تحمل مصاعب الحياة ولا ينهار أمامها بسهولة، أو على الأقل: لا يسارع إلى البكاء إزاءها كما تفعل المرأة. ودعنا من أن إنجازاته العقلية أغزر وأعمق من إنجازات شقيقته فى الإنسانية وتوأم روحه ومكملة وجوده وجاعلة حياته ذات طعم ومعنى، أو (إن كان لابد من القفشة هنا) محوّلتها جحيما لا يطاق حسب اختلاف الظروف. أما إنْ لَجَّ بعض الناس وقال بغير ما هو مشاهد معلوم لا ينكره إلا معاند عريق فى المِرَاء فشأنه وذاك.
وإذا كان جون ستيوارت مِلْ مثلا ينكر أن يكون للتفوق العضلى أى قيمة فى هذا السبيل بحجة أن الفيل أقوى عضليا من الإنسان، ومع هذا فليست قوة عضلاته ميزة يمتاز بها عليه، فالرد سهل جدا لمن يريد. فنحن لا نقول إن الرجل لا يملك مثل الفيل سوى القوة العضلية، ثم تتفوق المرأة عليه بعد ذلك بعقلها كما يتفوق الإنسان على الفيل بعقله، نحن لا نقول هذا، وإلا لكانت المرأة تلقائيا هى صاحبة القوامة مثلما أن الإنسان هو الذى يقود الفيل حسبما يريد ويستخدمه فى أعماله لا العكس رغم تفوق الأخير على الأول فى الحجم والقوة الجسدية. ذلك أن العبرة فى تلك الحالة بالفكر والذكاء والدهاء والتخطيط، بخلاف الأمر فى المقارنة بين الرجل والمرأة، اللذين لو قلنا فَرْضًا بتساويهما التام فى العقل والذكاء والاختراع والإبداع وسائر الصفات المعنوية لبقى أن الرجل يمتاز عليها بالقوة العضلية، وهى عاملٌ مرجِّحٌ شديد الأهمية، إذ هو فى نظر النسويين والنسويات السبب فى تسيّده عليها منذ فجر التاريخ حتى عصرنا هذا، وليس ذلك بالشىء القليل.
وهذه عبارة الفيلسوف الإنجليزى، وهى مأخوذة من كتابه: "The Subjection of Women": "But (it is said) there is anatomical evidence of the superior mental capacity of men compared with women: they have a larger brain. I reply, that in the first place the fact itself is doubtful. It is by no means established that the brain of a woman is smaller than that of a man. If it is inferred merely because a woman’s bodily frame generally is of less dimensions than a man’s, this criterion would lead to strange consequences. A tall and large-boned man must on this showing be wonderfully superior in intelligence to a small man, and an elephant or a whale must prodigiously excel mankind".
كذلك فجون ستيورات مل، فى ذات الكتاب، يصف عمل المرأة داخل البيت بأنه يحولها إلى خادمة للرجل، على حين أن عملها خارج البيت يصيّرها شريكة له، والشريكة غير الخادمة. وهذا خطأ فى الوصف والتشخيص، إذ بهذه الطريقة ينبغى أن نقول عن الرجل، الذى "يطفح الدم" كى يأتى آخر الشهر فيضع فى يد زوجته ما كسبه كله أو معظمه لتنفق منه عليه وعلى نفسها هى والأولاد، إنه يشتغل خادما بل عبدا عندها هى وأولادها. وهو ما لا نقوله ولا يقوله عاقل. ثم إن الناس، رَضُوا أم كرهوا، هم بعضٌ لبعضٍ، وإن لم يشعروا، خدمٌ. خدمٌ بالمعنى الواسع النبيل، إذ عليهم التعاون معا، وإلا استحالت الحياة والحضارة. أليس كذلك؟
ثم ما الذى فى قيام المرأة مثلا بتعليم أبنائها فى البيت مِنْ عيبٍ ينتفى عند تعليمها أبناء الآخرين فى المدرسة إذا اشتغلت مدرّسة، وكثيرا ما تشتغل؟ أو ما الذى فى قيام المرأة بتمريض أبنائها فى البيت مِنْ عَيْبٍ ينتفى عند تمريضها أبناء الآخرين فى المستشفى إذا اشتغلت ممرضة، وكثيرا ما تشتغل؟ أهى معاندة لمجرد المعاندة، والسلام؟ هذا، ولا بد أن نوضح أن إنفاق الرجل على زوجته ليس تفضلا منه يستطيع إيقافه متى أراد، بل هو واجب عليه دينا وعقلا وعدلا. أليست تشتغل فى البيت؟ فهذا مقابل لعمله هو خارج المنزل. فهى، حين تأخذ منه مصروف البيت وثمن ملابسها وزينتها ونزهتها، إنما تأخذه بوصفه حقا لها لقاء ما تؤديه من أعمال داخل البيت.
أنا لا أقول إنه يجب على المرأة أن تعود إلى البيت حتما، لكنى شخصيا أوثره على عملها خارج المنزل. وقبل أن يذهب وهم بعض القراء بعيدا أود أن أبين أن زوجتى حاصلة على الماجستير، ولولا مؤامرة سخيفة وصغيرة تمت فى غيابنا خارج مصر لكانت قد حصلت أيضا على الدكتورية. ومع هذا فقد اتفقنا منذ البداية على أن تبقى معززة مكرمة داخل المنزل، فأعطانا هذا الفرصة للسفر إلى كثير من المدن والقرى المصرية للفرجة والمتعة وتوسيع المدارك والتغلب على الملل. وقد عملتُ كل ما فى وسعى لتقرأ كثيرا وعميقا، فاستجابت إلى حد رائع، وإن كانت قد أخلدت فى السنوات الأخيرة إلى الاكتفاء بمطالعة الكتب السهلة. وكثيرا ما بيضت لى مسودات كتبى على خير وجه، وكانت تتقاضانى مالا على ذلك فأعطيها إياه وأنا أضحك. وكثيرا أيضا ما علقتْ على ما أكتب، وكان لها بعض المقترحات التى أخذتُ بعضها بعين الاعتبار ونفذته دون تأفف أو غضاضة.
وهناك من النسويات المنتسبات إلى الإسلام من ترفض أن يكون للرجل أى تفوق على المرأة، وتنظر إلى من يقول به على أنه مثل إبليس، الذى دفعته غطرسته إلى رفض السجود لآدم بحجة أنه مخلوق من نار، وآدم من طين، والنار أسمى من الطين كما جاء فى القرآن الكريم. وصاحبة هذا الكلام هى د. عزيزة الهِبْرى، وهى متأمركة عربية الأصول. وهى تسمى منطق القائلين بأن الرجل متفوق على المرأة بـ"المنطق الإبليسى". والحق إنى لأخشى أن يكون المنطق الإبليسى هو منطقها هى، فنحن حين نقول بهذا لا نقصد أن الرجال كلهم فى الجنة، والنساء فى النار، بل نقول إن الرجل هو قائد الأسرة، وهذا كل ما هنالك. وشتان بين هذا وبين ما تقوله الهبرى. ثم هل نفهم من كلامها عن غطرسة إبليس ورفضه السجود لآدم أنه ينبغى أن يسجد الرجل للمرأة، وإلا كان مصيره هو مصير أبى الشياطين؟ لا ريب أن هذا منتهى الخلط والتلبيس. ونحن نؤكد أن من المحتمل جدا أن تدخل كثير من النساء الجنة، ويُلْقَى بأزواجهن رغم ذلك فى قعر الجحيم، إذ لا نقول بتفوق الرجل بالضرورة على نصفه الحلو من الناحية الأخلاقية، بل من الناحية العضلية والعقلية، وهى الناحية التى تؤهله أفضل من المرأة للإمساك بزمام الأسرة. لكن ليس معنى هذا أن كل زوج لا بد أن يكون متفوقا على امرأته، بل يمكن جدا أن تتفوق امرأة على رجلها فى الشخصية وفى التفكير. إلا أن هذا ليس هو القاعدة، فلا يُعْتَدّ به من ثم. ثم ما دامت السيدة عزيزة الهبرى قد استشهدت بالقرآن فى قصة آدم وإبليس، فكيف تجاهلت أن القرآن أيضا هو الذى منح الرجال القوامة على النساء، وجعل لهم عليهن درجة؟ أم تراها تؤمن ببعض الكتاب وتتنكر لبعض؟
ويجد القارئ عرضا لكلام الهبرى بقلم أسماء بارلس فى ص 260 من الفصل الذى عقدته لهذا الموضوع بعنوان "Women’s readings of the Quran" فى كتاب "The Cambridge Companion to the Quran". وهذه عبارة بارلس فى نصها الإنجليزى: "The point of departure for al-Hibri’s reading of the Quran’s position on sexual equality is different. To her, it is the principle of God’s unity, or tawhıd, that ‘provides the basis for the fundamental metaphysical sameness of all humans as creatures of God’. As she too argues, this sameness is also a function of the fact that all human beings were created from the same nafs. Thus, while differences exist by divine will, as the Quran teaches, the most honoured in God’s sight is the most pious; as such, gender alone cannot render men superior to women. In fact, al-Hibri derives the same moral from the story of Satan’s fall from divine grace because of his refusal ‘to bow to Adam in direct contravention of a divine order’. Satan’s disobedience, she points out, stemmed from his belief that he was better than Adam ‘because God created him from fire and Adam from clay’. She calls ‘this mode of arrogant reasoning...“Satanic logic”’ and maintains that it also underpins patriarchies. Early Muslim jurists, unaware of this logic, readily accepted ‘the central thesis of patriarchy, namely, that males were superior to females’. She thus rejects patriarchal readings of Muslim law on the grounds that ‘they are based on Satanic logic and conflict with tawhıd’. Since such interpretive reasoning was a product of its own time, al-Hibri believes that it needs ‘to be reexamined in light of the change in human consciousness".
وأما تساؤل بارلس عن نجاسة النساء فلا موضع له فى الإسلام، إذ المؤمن لا يَنْجُس أبدا بنص كلام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ومثله المؤمنة أيضا، فـ"المؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض" كما جاء فى القرآن المجيد، و"النساء شقائق الرجال" كما ورد فى الحديث الشريف. فعن أبى هريرة قال: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جُنُبٌ، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنتَ يا أبا هريرة؟ قال: قلت: إني كنت جُنُبًا، فكرهت أن أجالسك على غير طهارة. فقال: سبحان الله! إن المسلم لا يَنْجُس". وعن ابن عباس: "اغتسل بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَفْنَةٍ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها أو ليتوضأ، فقالت له: يا رسول الله، إني كنت جُنُبًا. فقال: إن الماء لا ينجس". ليس ذلك فحسب، بل إن المسلم إذا مات لا ينجس كذلك، ففى حديث للنبى عليه السلام: "لا تنجّسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا".
ولعل الكاتبة تشير إلى ما يعترى النساء من دماء الحيض والنفاس. لكنها ينبغى أن تفهم أن وضع المرأة من هذه الناحية فى الإسلام يختلف تماما عن وضعها فى اليهودية. فالمسلمة لا تنجس أبدا، ولا تنجّس أى شىء تلمسه. وفى حالة حيضها أو نفاسها لا يُطْلَب من أهل بيتها الابتعاد عنها، بل يتعاملون معها بنفس السهولة التى يتعاملون معها فى غير أوقات حيضها ونفاسها، فيؤاكلونها ويشاربونها ويتحدثون إليها ويلمسونها ويتناولون منها ما تقدمه إليهم ويجلسون إلى جوارها كأنها لا حائض ولا نفساء، اللهم ما عدا "معاشرة" زوجها لها فى تلك الفترة حذرا من التعرض لضرر صحى فيما أفهم. وما عدا هذا فيحق لزوجها أن يناله منها دون أى حرج. وهذا كل ما هنالك، فلا نجاسة إذن البتة.
أما فى شريعة العهد القديم فنقرأ فى الإصحاح الخامس عشر من سفر "اللاويين" ما يلى: "16«وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُل اضْطِجَاعُ زَرْعٍ، يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 17وَكُلُّ ثَوْبٍ وَكُلُّ جِلْدٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 18وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ. 19«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 21وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 24وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 25«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 28وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسُبُ، لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا. 31فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ. 32«هذِهِ شَرِيعَةُ ذِي السَّيْلِ، وَالَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا، 33وَالْعَلِيلَةِ فِي طَمْثِهَا، وَالسَّائِلِ سَيْلُهُ: الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالرَّجُلِ الَّذِي يَضْطَجِعُ مَعَ نَجِسَةٍ»".
وكان المسلمون على علم بالعَنَت الذى يُعْنِت اليهودَ ونساءَهم بسبب دم الحيض والنفاس: ففى أسباب نزول قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة/ 222) نقرأ "أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يُؤَاكِلُوهَا ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُوا ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ" إلى آخر الآية... وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت، كفعل المجوس. فسأل أبو الدَّحْدَاح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله، ما نصنع بالنساء إذا حِضْنَ؟ فأنزل الله هذه الآية". وفى تفسير القرطبى "أن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استَنُّوا بسُنّة بني إسرائيل في تجنُّب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية... وفي صحيح مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنَّ في البيوت. فسأل أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالىٰ: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ" إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح". فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يَدَعَ من أمرنا شيئا إلا خالفَنا فيه. فجاء أُسَيْد بن حُضَيْر وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا. أفلا نجامعهنّ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أَنْ قد وَجَد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هَدِيّةٌ من لَبَنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أنْ لم يَجِدْ عليهما. قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض، وكانت النصارى يجامعون الحُيَّض، فأمر الله بالقصد بين هذين".
ويقول العلامة الباكستانى المعاصر أبو الأعلى المودودى فى هذا الصدد لَدُنْ تفسيره للآية 27 من سورة "النساء" فى تفسيره للقرآن، والنص منقول عن الترجمة الإنجليزية لهذا التفسير بقلم ش. محمد أكبر (ط.Islamic Publications (Pvt.) Limited, Lahore): "The Jews considered the women utterly unclean during the menses. They would not take meals cooked by them nor drink water touched by their hands nor even sit on the same carpet vith them. In short, the women were practically untouchables in their homes. As the Ansār had also adopted the same customs when the Holy Prophet migrated to Madinah, they asked him about the monthly course. In answer to this question, v. 222 of Al-Baqarah was sent down; accordingly the Holy Prophet instructed that during the the monthly course only cohabitation was prohibited and all other relations with the women remain the same as before. At this the Jews raised a great hue and cry, saying, 'This man is bent upon opposing us in everything and making lawful what is unlawful with us and unlawful what is lawful with us' ".
ونأتى إلى كلام بارلس عن الخطيئة. والحق أن الأصل فى الإنسان طبقا لعقيدة الإسلام الطاهرة الكريمة هو البراءة، وهو ما لا تختلف فيه المرأة عن الرجل بشىء، فهما بريئان إلى أن يرتكب أحدهما إثما. ورغم هذا فمتى استغفرا الله وجد الله غفورا رحيما. أما إذا كانت الإشارة هنا إلى ما يسمى بـ"الخطيئة الأصلية" فهذا أمر لا يمت إلى دين المسلمين بِصِلَة، إذ الخطيئة الأولى التى اقترفها آدم وحواء قد فُرِغ منها فى التو واللحظة، وطُوِيَتْ صفحتها تماما بتوبة الله على أبينا وأمنا الأَوَّلَيْن، وأصبحت فى خبر كان: "وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة/ 35- 37). بل إن ههنا شيئا يلفت النظر فى هذه القضية، ألا وهو أن القرآن، حين يتحدث عن عصيان الإنسان الأول ووقوعه فى الغَوَاية قبل هبوطه من الجنة التى كان يرتع هو وامرأته فى بحبوحتها وخيراتها، لا يذكر إلا آدم، وكأن حواء لم تشاركه تلك المعصية: "فعَصَى آدمُ ربَّه فغَوَى* ثم اجتباه ربُّه فتاب عليه وهَدَى" (طه/121- 122). وأنا، وإن كنت أعتقد أن آدم المذكور فى سياق العصيان والغواية هو الإنسان عموما لا الإنسان الذكر وحده، أرى أن لهذا الأمر مغزاه الذى لا ينبغى أن يفوت العين الفاحصة.
هذا ما يقوله القرآن، أما ما يقوله الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى فى ذات الموضوع فموجود فى الإصحاح الرابع من سفر"التكوين"، وهذا نصه، ومنه يتبين أن الكتاب المقدس يدين المرأة ويلقى بكل المسؤولية على أم رأسها معفيا الرجل من كل ذنب، وهو ما يختلف فيه الكتاب المقدس عن كتاب الله: "1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ». 6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. 7فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. 8وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». 11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». 14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. 15وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ». 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ». 17وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»".
ثم إن د. بارلس تشير إلى ما تقول إنه ممارسة عنف ضد المرأة فى بلاد المسلمين من مشرقها إلى مغربها، لتنتهى إلى تأكيد أن الإسلام ليس دينا ذكوريا أو يكره المرأة، بل يقف مع حريتها بكل يقين. وإذا كان هناك، كما تقول، إسلامان: إسلام يقف فى صف المرأة، وآخر يقف معاديا لها، فإنها فى هذا الكتاب تقوم بما يجب أن تقوم به، ألا وهو قراءة القرآن قراءة سليمة تضع الأمور فى نصابها الصحيح، تلك القراءة التى تستعيد الصوت المساواتى العنيد فى الإسلام (ص2 وما بعدها).
وكنت أود لو أن د. أسماء بارلس لم تختص البلاد الإسلامية بالكلام عن العنف ضد المرأة، إذ إن هذا أمر لا ينحصر وقوعه فى بلاد المسلمين وحدها دون بقية بلاد المسكونة بل يعم العالم كله، وعلى رأسها الدول الغربية، التى ينتشر فيها أيضا، وعلى نطاق واسع، اغتصاب المرأة والمتاجرة بجسدها فى الإعلانات وبيوت الدعارة وشرائط السينما، والتحرش بها فى أماكن العمل رغم ما يشيع فى تلك البلاد من تفلت وشذوذ جنسى بجميع أنواعه مما قد يُظَنّ معه أنه كان ينبغى أن تختفى من المجتمعات الغربية مثل تلك الأمور، علاوة على أن الأب فى بلاد المسلمين، أو الأخ فى حالة موت الأب أو غيابه، عادة ما يحمل عبء الابنة حتى تتزوج، على عكس ما يجرى عليه الأمر فى بلاد الغرب، إذ تُتْرَك البنت لمصيرها متى بلغت الـحُلُم فتكدّ وتشقى دون أن يفكر أحد فى مد يد العون لها. وقل مثل ذلك فى مسؤولية الابن تجاه أمه عندنا وعندهم. إلا أن آلة الدعاية الغربية الجهنمية، متى ما أرادت لسبب أو لآخر، وما أكثر أسبابها الإبليسية، قادرةٌ على شيطنة الملائكة ومَلأَكَة الشياطين!
كذلك ليس الظلم فى الأسرة بمقتصر على الوقوع من الرجال ضد النساء، فكثيرا ما تظلم المرأة الرجل وتكيد له مثلما يظلمها هو ويكيد لها، وإن كان الرجال قد درجوا على عدم إثارة تلك المسائل. وما أكثر ما نسمع عن نساء قتلن أزواجهن أو جرجروهن فى المحاكم ظلمًا وافتراءً أو خُنَّ الأمانة التى وضعوها فيهن: سواء كانت أمانة مال أو أمانة عِرْضٍ وشرف. لكن النزعة النسوية تضخم للأسف كل ما يهم المرأة، وتقلل فى ذات الوقت من شأن كل ما يتعلق بحقوق الرجل. والشىء الثالث هو أن النسويات، وكذلك النسويين الذين يلهثون خلفهن، يحاولون أن يقلبوا كل الأوضاع رأسا على عقب متهمين الرجال على الدوام بأنهم يظلمون النساء. فإذا قال المسلم مثلا، طبقا لما يقوله القرآن، إن القوامة فى البيت للرجل ردت النسويات والنسويون بأن هذا إجحاف بحقوق المرأة وظلم لها. وعلى ذلك فَقِسْ.
وفى ضوء هذا يمكننا أن نفهم مغزى السؤال الذى طرحته السيدة بارلس قبل قليل حين قالت: هل يرى الله فى إدارة الذكور لشؤون الأسرة أمرا ينبغى استمراره بوصفه قاعدة خالدة كما يقول البطرياركيون؟ وجوابنا هو: نعم، فهكذا يقول النص الكريم. ألم يقل المولى: "الرجالُ قَوّامُون على النساء" بألف ولام الماهيّة بما يدل على أنه وضع دائم لا مؤقت؟ أما إن كان لها رأى آخر فلتبينه لنا، على ألا تلجأ فى تفسير الآية إلى الألاعيب التى يبرع فيها بعض ذوى النزعة النسوية المتطرفة وذواتها لنصرة مذهبهم وإفساد أوضاع الأسرة ونشر الاضطراب فى بنيانها، وكأنهم لا يَلَذّون إلا الصراع والشقاق بين الزوجين بحجة الوقوف إلى جانب المرأة والقضاء على أسباب شكواها، مع أن الشكوى فى كثير من الأحيان هى مجرد شقشقة فارغة تلوكها ألسنة النساء الفاشلات فى بناء أسر هانئة تتمتع بالسكينة والسلام، فهنّ يردن هدم كل الأسر، متلذذات بإضرام النار فى البيوت السعيدة من حولهن إرضاء لأحقادهن وشرور نفوسهن. وأود هنا أن أكرر أننى إنما أتكلم الآن على المتطرفات من ذوات النزعة النسائية لا اللاتى يعملن على تحسين أوضاع النساء المهضومات الحقوق فعلا لا ادعاء.
وقد تنبه د. محمد محمد حسين من قبل فى كتابه: "حصوننا مهددة من داخلها" إلى مثل هذا الذى ذكرناه فقال: "زعم أعداء المرأة المتسَمَّوْن بـ"أنصارها" أن لزومها للمنزل انتقاص لحقوقها وقتل لشخصيتها واعتداء على كيانها. ومِنْ قَلْب الأوضاع أن نُسَمِّىَ الـمَصُونَ المخدومَ الـمَكْفِىَّ حاجتَه: "سجينًا"... وقد عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللـة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوما أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهدرة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب فأحلّ الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجبٍ أن الذين حملوا اللواء إلى ما يسمونه: "حقوق المرأة" كانوا من الرجال، ولم يكونوا من النساء. ولم يكن من صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما. ذلك لأن الحياة تحتاج إلى طمأنينة توفر للناس السعادة والاستقرار، وثورةُالرجال والنساء كل منهما على الآخر تُحِلّ القلق والبغضاء محل الطمأنينة والحب بين الجنسين، اللذين أراد الله سبحانه أن يجعل بينهما مودة ورحمة ينبنى عليهما عمران الكون وحفظ النوع البشرى. والمجتمع السليم يقوم على التوادّ والتراحم وعلى إخلاص كل عضو فيه لوظيفته وقيامه بها راضيا لا يملّ ولا يتذمر. فهو كالجسم الذى ينصرف كل عضو فيه إلى أداء عمله ووظيفته، لو توقف أحد أعضائه عن أدائها لتوقف واختل... والرجل الذى يكدّ ويجهد نفسه ويرهقها فى العمل خارج البيت محتاج إلى زوجة متزينة متعطرة ناعمة البال يأنس بها ويسكن إليها مما يجده من عناء، وتُسَرِّى عنه بعض ما يعتريه من السأم والإجهاد وما يترك فى نفسه عنف التعامل مع الناس من آثار الضيق والملل. وكدح المرأة فى ميادين الأعمال العامة يصرفها عن رعاية الزوج والولد كليهما لا شك فى ذلك لأنها تعود إلى البيت مكدودة مرهقة كالرجل. فأيهما هو الذى يُسَرِّى عن الآخر؟ وأيهما هو الذى سيتسع صدره لمداعبة البنين واحتمال ما لا بد أن يُحْتَمَل فى تربيتهم من ضجيج مرحهم وأنين ألمهم وصراخ أوجاعهم؟ وهل تصبح الحياة عند ذلك إلا عناء وشقاء للمرأة والرجل كليهما؟ وهل يصبح الفرد، رجلا كان أو امرأة أو طفلا، إلا تُرْسًا من تروس آلة صماء فى حياة لا سكن فيها ولا قرار؟ ويستطيع كل ذى لب وبصيرة أن يدرك آثار الفشل الذى حاق بتجارب المجتمع الأوربى والأمريكى فى هذه الناحية، مع أن هذه الآثار لم تبلغ بعدُ مداها، ولا تزال سائر عقابيلها فى الطريق. فهذا الجيل الغربى من التائهين والضائعين المحطَّمى الأعصاب المبلبَلى الأفكار القلقى النفوس، وهذه النسبة الآخذة فى الارتفاع حسب إحصاء الغربيين أنفسهم للانحراف والشذوذ بكل ضروبه وألوانه، هذه الظواهر والآثار كلها هى من آثار التجربة التى خاضها الغرب فى المرأة، لأن هؤلاء جميعا هم أبناء العاملات والموظفات الذين عانَوْا من إرهاق أمهاتهم وهم فى بطونهن، ثم تعرضوا لإهمالهن بعد أن وضعنهم. وماذا يبقى للناس من تجربة فاشلة كهذه؟ ألا يتدبرون؟" (د. محمد محمد حسين/ حصوننا مهددة من داخلها/ ط6/ مؤسسة الرسالة/ 1401هـ- 1981م/ 92- 94).
هذا، ولا أنكر أن المرأة قد تكون فى بعض ا لحالات أقوى من الرجل شخصية وأقدر منه على التصرف وتدبير الأمور. وأذكر فى هذا السياق أنه كانت تسكن بجوارنا فى يوم من الأيام أسرة مكونة من زوج وزوجة وأبناء. وكانت الزوجة أمية، والزوج خريج جامعة، ومع ذلك كان الزوج بوجه عام يخاف مواجهة الناس، وكانت الزوجة هى التى تدبر كثيرا من أمور الأسرة، وكل ما عليه هو أن يعطيها مصروف الشهر وما يحتاجه البيت، والله يحب المحسنين. وفى مثل هذه الحالة تسوّى الحياة أوضاعها حسب ما يجرى فى الطبيعة والواقع، فتكون الإدارة الفعلية بيد المرأة. إلا أن هذا قليل، ولا ينبغى أن يكسر القاعدة العامة التى قررها القرآن الكريم. فمن المعروف أنه ما من قاعدة عامة إلا وهناك حالات تشذ عنها، لكنها لا تهدمها، وإلا لبطلت جميع القواعد والقوانين فى الدنيا. بل قد تكون الزوجة قوية الشخصية، وزوجها قوى الشخصية أيضا، فيستشيرها ولا يجد أدنى غضاضة فى أن يأخذ برأيها، كالذى كان بين أبى العباس السفاح الخليفة العباسى وزوجته أم سلمة بنت يعقوب بن عبد الله المخزومى مثلا، إذ كانت سيدة ذات عقل وحزم غلبت على أمر زوجها غلبة شديدة، فكان لا يقطع أمرا إلا بمشورتها. وكان قد حلف ألا يتزوج عليها أو يتسرى بأَمَةٍ أو يغيّرها، فوفى لها بما حلف عليه (انظر عمر رضا كحالة/ أعلام النساء/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ 2/ 235- 236).
وفى رأى السيدة بارلس أن المشكلة فى الظلم الواقع على النساء لا تعود إلى القرآن ذاته، بل إلى تفسير القرآن تفسيرا خاطئا بسبب الاعتماد على الأحاديث غير الصحيحة التى يظن المسلمون صحتها مع ذلك. ولا بد إذن من إعادة تفسير القرآن من قِبَل المرأة كما تقول. ذلك أنه لا يمكن تغيير وضع المرأة فى المجتمعات الإسلامية إلا إذا انطلقنا من القرآن وتعاليمه وتفسير تلك التعاليم تفسيرا تحرريا، وهو ما يفوت العلمانيين المنتسبين إلى الإسلام، إذ ينطلقون من منطلق آخر، ومن ثم يفشلون فى مهمتهم حسبما تؤكد مؤلفتنا.
وأنا مع السيدة بارلس فى أن القرآن (ومعه السنة النبوية الشريفة) ينبغى أن يكون هو المنطلق السليم لا لمعرفة حقوق المرأة فقط، بل حقوق الرجل أيضا والأمّة كلها، وكذلك الواجبات قبل الحقوق. ذلك أن الحياة ليست حقوقا وحسب، بل حقوقا وواجبات، بل واجبات قبل الحقوق، إذ كيف يحصل الإنسان فردا كان أو جماعة على حقوقه قبل أن يقوم بواجباته؟ ترى هل يمكن أن يتم أى إنجاز يطالب الشخص أو الجماعة بحقوقهما فيه قبل أن يقوما بواجباتهما فينجزاه فعلا، وعلى نحو متقن؟ الواقع أن الواجب لا بد أن يسبق الحق، إذ إن هذا مترتب على ذاك بالبداهة. لكنى لست معها فى أن السبيل إلى ذلك بالضرورة هو قيام النساء بالتفسير، لأنه إذا كان الدافع لها إلى هذا القول هو اتهامها للرجال بالخطإ فى فهم النص القرآنى أو لَيّه عن مقاصده لسبب أو لغيره، فإن النساء لسن أفضل حالا من الرجال، فهن بشر مثلما أن الرجال بشر. وإذا قيل إن الرجال سوف ينحازون فى تفسيرهم إلى جنسهم فيظلمون المرأة من ثم، فإنه يمكن القول من نفس المنطلق بأن النساء سوف ينحزن إلى جنسهن فيزعمن لأنفسهن ما ليس من حقهن من ثَمَّ ويظلمن الرجل. لو أنها قالت إن المطلوب هو تعاون الجميع فى تقديم أفضل تفسير ممكن لما خالفناها فى شىء. فالأمر أولا وأخيرا هو أمر تعاون لا تخاصم ولا تطاحن بين الرجل والمرأة، إذ هما شقيقان كما قال رسولنا الكريم.
كذلك فإن قولها إن النساء المسلمات لا يهتممن بمعرفة حقوقهن ولا بالقراءة الصحيحة التحررية للنص القرآنى، بل يقبلن بالقراءة الأبوية لتلك النصوص، وهو ما يؤدى إلى استمرار المعاملة الظالمة لهن، ومن ثم كان لا بد من إظهار وجه الخطإ فى المنهج التقليدى لقراءة القرآن وتقديم منهج آخر تحررى لقراءته، إن قولها هذا يعنى أن جميع التفسيرات القرآنية حتى الآن هى تفسيرات خاطئة تقوم على ظلم المرأة وهضم حقوقها، لا لشىء إلا لأنها مثلا تقول بأن للرجال على النساء درجة. وهذا ما لا نوافقها عليه. كما أن النقطة الذى تبدأ منها هى أن الرجال يكرهون النساء ويعملون دائما على إيقاع الظلم بهن. وكلامها هذا مما ينشر التباغض بين الجنسين ويغرس النفور من الرجال فى نفوس النساء. ونحن فى غنى عن هذا كله، فالمرأة هى أم الرجل وبنته وأخته وزوجته وعمته وخالته وجدته... وليست واحدة من الأعداء. وإذا كان هناك تقصير من الرجال فى حقهن فليس شرطا أن يكون تقصيرا مقصودا، فضلا عن أن هناك أيضا تقصيرا، وتقصيرا كبيرا أحيانا، من النساء فى حق الرجال كما هو مشاهد فى كل مكان.
وتوضح بارلس دعوتها قائلة إن قراءة أى نص، وبخاصة النصوص الدينية كالقرآن مثلا، لا تعتمد فقط على النص بل على السياق الذى تمت قراءتها فيه. ومن هنا نراها تفرق بين النص القرآنى فى حد ذاته وبين تفسير المسلمين له متأثرين ببيئاتهم وقِيَمهم ونظرتهم للحياة. فهى إذن تدعو إلى التفرقة بين الإلهى والبشرى حسبما تقول. كذلك نراها تؤكد أن أى نص يقبل بطبيعته قراءات متعددة تبعا لتعدد نوعية القارئين. والواقع أن الإنسان يخضع فعلا لمثل تلك المؤثرات، لكن ليس من اللازم خضوعه لها إلى الحد الضار المؤذى الذى يؤدى إلى وقوع الظلم، إذ باستطاعة المفسر عن طريق يقظته ووعيه بتلك المؤثرات ألا يقع فريسة لتأثيرها المجحف.
ولكن من ناحية أخرى نرجو أن تكون د. أسما هى بدورها يقظة وواعية بالمؤثرات التى يمكن أن تمارسها البيئة الأمريكية عليها وهى تفسر القرآن. فنحن نعرف أن هناك صراخا عاليا بل مُصِمًّا للآذان وجالبا للصداع فى الولايات المتحدة يندد بالإسلام وبنظرته إلى المرأة ويدعو إلى إعادة تفسير آياته المتعلقة بالمرأة من جديد. والمقصود بهذا التفسير الجديد هو تبنى الرؤية الغربية، والأمريكية بوجه خاص، لقضية المرأة. فالحذرَ الحذرَ حتى لا تسقط بارلس وغيرها ممن نشطن فى الآونة الأخيرة إلى تفسير القرآن الكريم فى هذا الفخ المنصوب. وهذه مهمة شاقة، بل هى أشق من مهمة المفسر القديم الذى تتهمه بارلس بالتجنى على المرأة وإنكار حقوقها، بغض النظر الآن عن أنها، فى اتهامها لذلك المفسر القديم، على صواب أو على خطإ. وكل ذلك بافتراض صلاحيتها الأخلاقية والعلمية للقيام بتلك المهمة الخطيرة، فهل تصرفاتها فى هذا المجال تصدّق يا ترى ذلك الافتراض؟
تعالوا نقرأ هذا الخبر الذى لا يمكن أن يخطئ أى إنسان فهمه ولا مغزاه، إذ نشرت "السفير" بتاريخ 17/8/2006 ما يلى: "دعا المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية فرانكو فراتيني في لندن أمس إلى تأسيس "إسلام أوروبي" وتنظيم "دورات تأهيل للأئمة على المستوى الأوروبي"، مطالبا في الوقت ذاته المسلمين باحترام "الحق في الحياة". وفي أعقاب اجتماع وزاري أوروبي بحث "السبل الكفيلة بمحاربة التشدد" قال فراتيني: "نريد إسلاما أوروبيا"، موضحا أن أوروبا تريد "أن تثبت أنها تحترم الديانات الأخرى، وتتوقع في المقابل أن تحترم "هذه الديانات" الحقوق والقوانين الوطنية والأوروبية، وقبل كل شيء الحق في الحياة". كما أكّد فراتيني على ضرورة "إقامة تعاون وثيق مع المجموعات المسلمة"، مشددا على ضرورة "معاقبة الجريمة"...". يقول المفوض الأوربى هذا، وكأن المسلمين هم الذين كانوا يستعمرون البلاد الأوربية ويستنزفون ثرواتها ويقتلون أحرارها ويودعونهم غياهب السجون أو يعلقونهم على المشانق، وما زالوا حتى الآن يضعون أيديهم فى أيدى جلاديهم ويتخذونهم سياطا لإلهاب ظهورهم ويعملون على حماية هؤلاء الجلادين كى يكونوا أداة ينالون بها من تلك الشعوب غاياتهم الشيطانية، وكأنهم هم الذين امتلخوا من أوربا قطعة غالية وأَعْطَوْها لليهود ليقيموا عليها دولتهم بعدما طردوا معظم أهلها منها، ويشددون الحصار على من بقى فيها منهم رغم ذلك ولم يهاجر، ويذيقونه أشد ألوان الهوان والعذاب والتضييق، ويهدمون منازلهم، وييتمون أطفالهم، ويعتدون على أعراض نسائهم. أليس هذا دليلا على فجور هؤلاء المجرمين العالميين، الذين يهينوننا ويحتلون بلادنا ويسرقون مواردنا ويعملون على إفقارنا ويقتلون أحرارنا وينتهكون شرف نسائنا، ثم يستديرون من الناحية الأخرى ويلقون علينا العظات الإبليسية فى كيفية احترام الحياة وحقوق الآخرين والامتناع عن مقارفة الجريمة، على حين لا تمثل حياتنا ولا حقوقنا أية قيمة فى نظرهم؟
وتمضى أسما بارلس فتؤكد أيضا أن القرآن فى الواقع، وعلى عكس ما هو مشهور بين كثير من الدارسين، يسوّى بين الرجل والمرأة رغم ما يتضمنه من تفرقة فى المعاملة بين الرجال والنساء كما هو الحال فى أمور الزواج والطلاق والشهادة على سبيل المثال، إذ قد تكون المعاملة مختلفة للطرفين، وفى ذات الوقت تكون هناك مساواة بينهما، على حين قد تكون المعاملة واحدة ولا تكون ثم مساواة رغم ذلك (ص5). صحيح أن القرآن يشرع تعدد الزجات، ويقول بضرب المرأة (المقصود طبعا: المرأة الناشز التى لا صلاح لها بالوسائل السلمية الكريمة)، ويعطى الرجل حق القِوَامة فى المجتمعات الأبوية القائمة فعلا، إلا أنه ينبغى التفرقة بين مخاطبة القرآن لتلك المجتمعات الأبوية وبين اعترافه بما يسودها من أوضاع حسبما تقول الكاتبة، إذ الأمران مختلفان على عكس ما يظن كثير من الناس، فضلا عن أن تعدد الزوجات وضربهن وما أشبه هى تشريعات ذات طبيعة تقييدية لا إطلاقية، وأن القرآن إنما نزل فى بيئة بدوية أبوية تنتمى إلى القرن السابع الميلادى مما يشبه الوضع تحت حكم طالبان فى أفغانستان اليوم. وعلى هذا فإن قراءتنا للقرآن فى ظل هذا السياق الذى نزل فيه يطلعنا على ما فيه من نزعة مساواتية بين الرجل والمرأة لا على ما يُظَنّ أنه يشتمل عليه من ظلم للجنس اللطيف. إلا أنها تسارع فتنبه إلى أن كلامها هذا ليس معناه أن القرآن لا يقصد بنصوصه شيئا محددا البتة أو أنه يفتقر إلى العالمية أو العمومية بمعنى أن ما فيه من نزعة نحو المساواة بين الرجال والنساء إنما هو كذلك فى سياق القرن السابع الميلادى ليس إلا، على حين أنه ليس كذلك فى عصرنا الحالى.
وتعقيبى على ذلك أنه لو كان الأمر كما تقول بارلس فمن باب الأولى ألا يكون فهم النص فى ضوء ظروف عصرنا ومجتمعاتنا الحديثة هو الفهم الصحيح. ذلك أنه، ما دام القرآن نفسه قد خضع للمجتمع الأبوى فى جزيرة العرب أثناء القرن السابع الهجرى كما تشير الكاتبة بكل وضوح، فمن الحتم الذى لا محيص عنه أن تكون هى بدورها خاضعة فى فهمها لنصوص القرآن الكريم لضغوط المجتمع الأمريكى فى القرن الحادى والعشرين بكل ما يحمله هذا المجتمع فى قلبه من كراهية للإسلام وكتابه ورسوله وتاريخه وقيمه ودعوته وتشريعاته، إذ لا يمكن أن تكون هى بكل ضعفها كبشر وكإنسانة مكتسبة للجنسية الأمريكية لا أمريكية أصيلة كسيدنى شيهان على سبيل المثال، وكسيدة لا رجل قوى كإدوارد سعيد مثلا يستطيع أن يتحمل من الضغوط ما لا تستطيعه هى، فضلا عن أنها تمثل الجيل الأول من مهاجرى أسرتها وليس لها بَعْدُ جذور بعيدة الغور فى الولايات المتحدة، كما أن بلدها الأصلى ليس بلدا أوربيا قويا عزيز الجانب تَعِزّ بعِزّته وتَقْوَى بقُوّته، بل بلدها هو الباكستان، تلك الدولة الإسلامية الضعيفة التى تتبع أمريكا فى سياساتها المعادية للإسلام وتحارب معركة الولايات المتحدة ضد الإسلام وتزج بنفسها لهذا السبب فى مآزق سياسية وعسكرية واقتصادية هى فى غنى عنها، أقول: إنها لا يمكنها، والحالة هذه، أن تكون أشد استعصاء من القرآن على مراعاة أوضاع المجتمع الذى تعيش فيه. أم تُرَى المجتمع الأمريكى الذى تعيش وتعمل فيه هو مجتمعا من الملائكة الذين لا يسيئون أبدا ولا يمكن أن يمارسوا، ولو عن غير قصد منهم، أى تأثير ضار على من يريد من أفراده تفسير القرآن؟ وفوق هذا فلو أن ما تقوله صحيح لما كان لمجىء الإسلام من معنى، إذ ها هو ذا الإسلام قد راعى ظروف الناس وعقلياتهم عند نزوله، ولم يراع القيم والأوضاع التى جاء داعيا إليها. فما الحكمة إذن من مجيئه أصلا؟ ثم إنه لو كان هذا صحيحا فكيف لم يراع القرآن أوضاع المجتمع العربى الوثنى الأخرى آنذاك، فدعا على العكس من ذلك إلى الوحدانية ونبذ عبادة الأوثان، ونهى عن الربا والزنا والتفرقة العنصرية وشرب الخمر والتفاخر بالآباء والقبيلة وما إلى ذلك مما كان المجتمع العربى آنذاك يمارسه على نطاق واسع ويتمسك به، ويرى خلافه أمرا غير متصور ولا مقبول أبدا؟ وقل مثل ذلك فيما قاله القرآن عن اليهودية والنصرانية.
وإذا كان المهاجرون إلى الحبشة من المسلمين، وهم قلة ضعيفة من الغرباء يمكن افتراسهم دون أن يسمع بهم، فضلا عن أن يهبّ لنجدتهم أحد، لم يضعوا فى اعتبارهم ما كان الأحباش يعتقدونه آنذاك فى عيسى عليه السلام وصَدَعُوا فى مجلس النجاشى بما يعتقدونه هم دون أن يلجأوا إلى مواراة أو مواربة أو جمجمة بل دون أن يتلفتوا حولهم مجرد التفاتة تشى بقلق أو شعور بالضغط والضيق، فكيف يقال عن القرآن هذا الذى تقوله السيدة بارلس؟ أترى المهاجرين إلى الحبشة كانوا أقوى من الله وأخلص لمبادئه ودعوته، أستغفر الله؟ وهذا مجرد مثال واحد، وإلا فهناك أمثلة أخرى كثيرة كما هو معروف. وإذا كان ما تشير إليه د. بارلس بكل وضوح صحيحا، إذن فمن الواجب أن يراعى المسلمون الأمريكان أو المقيمون فى أمريكا ظروف المجتمع الأمريكى فلا يفتحوا فمهم بكلمة عن التثليث ولا عن الخمر ولا عن الإباحية والشذوذ الجنسى ولا عن الهجمة الأمريكية على بلاد المسلمين ولا عن الحشمة فى الملابس ولا عن عالمية الإسلام... إلخ.
ثم كيف يكون القرآن عالميا، وبارلس تتهمه بأنه إنما راعى ظروف المجتمع العربى فى القرن السابع بعد الميلاد؟ إن هذا الكلام لهو ضربة للإسلام فى الصميم، إذ تجرده مما يتميز به عن جميع الأديان الأخرى حسبما نص القرآن المجيد وأكدت الأحاديث المحمدية الشريفة. قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (المائدة/ 38)، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء/ 107)، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (سبأ/ 28)، "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (الأحزاب/ 40). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلْتُ على الأنبياء بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأُحِلَّتْ لي الغنائم، وجُعِلَتْ لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافة، وخُتِمَ بي النبيون"، "أُعْطِيتُ خمسا لم يُعْطَهن أحد قبلي: نُصِرْتُ بالرعب مسيرةَ شهر، وجُعِلَتْ لي الأرض مسجدا وطَهُورا، فأَيُّمَا رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحِلَّتْ لي المغانم ولم تحلَّ لأحد قبلي، وأُعْطِيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبْعَث إلى قومه خاصة، وبُعِثْتُ إلى الناس عامة".
ثم هل كان ضرب الرجال فى الجاهلية لزوجاتهم فاشيا إلى هذا الحد حتى ليراعى القرآن ذلك فى السماح لهم به؟ إنه يرسى حكما جديدا، وهذا الحكم الجديد لا ينحصر فى الضرب، بل ولا يعتمده أول شىء. إنما يؤخره إلى المرتبة الثالثة التى لا يصل الزوج إليها إلا بعد أن يكون قد فاض به الكيل ولم يعد يستطيع شيئا آخر، فقد استنفد الوسائل الأخرى من وعظ وهجر فى المضجع، ولم يعد أمامه إلا إخراج الأمر إلى العلن واللجوء إلى التحكيم، وهو ما من شأنه كشف أسرار البيت وفضح شؤونه الداخلية التى لا يجوز فى الظروف العادية أن يطلع أحد عليها، وفى ذلك ما فيه من الغضاضة، التى لا يُعَدّ تأديب الرجل زوجته شيئا بجانبه. ومع هذا كله فليس الضرب فى الإسلام شيئا مرحَّبا به، بل هو كالدواء المر لا يلجأ إليه الإنسان إلا إذا ضاقت سبل العلاج الأخرى فى وجهه. وقد حذر الرسول الرجال من المسارعة إلى اللجوء لهذا الدواء، وقال كلاما شديدا فى هذا الموضوع، وهو ما يفهم منه أن الضرب دواء، لكنه دواء غير مستحب ولا يستعمله الشخص إلا فى حالات الضرورة القصوى. ومن حق المرأة أن تثور على تلك الطريقة العلاجية: إما بأن تفىء إلى السلاسة فى تعاملها مع زوجها، وإما بأن تطلب الطلاق أو تمارس حقها فى الخلع، ويا دار ما دخلك شر! أما أن تصر على تنكيد عيش زوجها دون أن تستجيب لأى من العلاجات التمهيدية ثم تصر على ألا يمسها الزوج رغم كل حرونها وتمردها وإساءاتها فهذا ما لا أدرى كيف يكون. وعلى كل حال فالضرب موجود فى كل المجتمعات والثقافات. وفى المجتمعات الغربية يصل الضرب وقسوته مبالغ هائلة لا تخطر على البال. كل ما فى الأمر أننا لا نقرأ كثيرا، فضلا عن أن امتلاك تلك المجتمعات أسباب القوة والتقدم يجعلهم غير مبالين بما يمكن أن يوجَّه إليهم من انتقادات، وتجعلنا بالمقابل غير واثقين بأنفسنا ولا بإصابة انتقاداتنا لأهدافها عندهم.
كذلك فالمفروض لََدُنْ نفسيرنا للنص القرآنى أن نجتهد بكل ما أوتينا من قوة لإبعاد ظروفنا الخاصة حتى لا تؤثر فى ذلك التفسير فينحرف عن مقصود النص بتأثير منها لا أن يراعى مبدع النص القرآنى ذاته سبحانه وتعالى تلك الظروف، وإلا فلن نصل إلى أى معنى محدد للنص، بل يصير نصا مفتوحا قابلا لكل تأويل إلى أبد الآبدين لا ينغلق أبدا. وحتى لو قلنا إن هذا مقبول فى بعض الأحيان فيما يخص النصوص البشرية فإن النص القرآنى أمره مختلف، إذ هو نص إلهى يعلو على تلك الاعتبارات النسبية. ثم لا ينبغى أن ننسى أن الفهم السليم للنص القرآنى لا يكون بمراعاة ظروف المجتمع والعصر كما تريد بارْلَس، بل بمراعاة الروح العامة للقرآن والإسلام ذاته ومراعاة جميع النصوص المتعلقة بذات الموضوع فى سور القرآن المختلفة مصحوبة بأسباب نزولها وسياقاتها، ومراعاة ما قاله الرسول الكريم فى تفسير ذلك النص كلاما أو سلوكا عمليا، ومراعاة فهم الصحابة لتلك النصوص باعتبارهم الجيل المعاصر لنزولها ولتطبيق الرسول عليه السلام لها، وقبل ذلك كله دراسة اللغة العربية ذاتها دراسة متعمقة فى ضوء النصوص الشعرية الجاهلية والإسلامية وغيرها، وهو ما أظنه ينقص د. بارلس نقصانا شديدا.
وبعد، فهل يمكن د. بارلس أن تدلنا على نص فى القرآن يؤازر ما قالته عن مراعاة كتاب الله لمواضعات المجتمع العربى البدوى فى القرن السابع الميلادى؟ أم هل بمستطاعها أن تبرز لنا نصا للرسول أو لأحد الصحابة يقول فيه، أو على الأقل: يُفْهَم منه، أن كلام القرآن فى هذا الموضوع هو كلامٌ مرحلىٌّ لا يُقْصَد به التأبيد بل يُراعِى ظروف المجتمع العربى فى ذلك الوقت، إلى أن تتغير الأمور ويتجاوز العرب المرحلة البطرياركية؟ إن ما تقوله لهو خطير فى منتهى الخطورة. ولنفترض جدلا، وهو ما لا يمكن أن يكون، أن ما تقوله صحيح، فكيف لم يتنبه إلى ذلك علماء الفرس ومصر وما وراء النهر وبلاد المغرب والأندلس فيقولوا بما تقوله بارلس الآن؟ لقد كانوا يعيشون فى مجتمعات زراعية لا بدوية، وأعجمية لا عربية، كما كانوا ينتمون إلى عصور تختلف عن القرن السابع الميلادى. فلم يا ترى ظلوا يقولون بما قاله القرآن؟ أوكانوا هم أيضا يراعون ظروف المجتمع العربى البدوى الذى ينتمى إلى القرن السابع الميلادى والذى تشبه ظروفه، كما تقول هى، ظروف طالبان رغم اختلافها عن ظروف بيئاتهم وعصورهم؟ ولنلاحظ مغزى الزَّجّ فى هذا السياق باسم طالبان، التى ترتبط فى أذهان الأمريكان، بسبب الدعاية الجهنمية، بالتخلف الفظيع والتى تكرهها أمريكا كراهية العمى وتنساق الباكستان وراءها فى محاربتها رغم أن طالبان لم تسئ إليها فى شىء ورغم أن طالبان تنتمى، مثلما تنتمى هى، إلى الإسلام وإلى دول العالم الثالث المتخلف، مما كان ينبغى أن يعطفها عليها ويدفعها إلى التعاون معها لا العكس. وهذا كله يدل بكل تأكيد على أن بارلس، فى اتخاذها هذا الموقف وذلك التفسير، متأثرة بظروف المجتمع الأمريكى ونظرته وقِيَمه الثقافية ومواقفه السياسية، وهو ما حذرنا منه قبل قليل. ثم أين عالمية الدعوة القرآنية من كل هذا إذا كان القرآن فى أول فرصة ينبذها ويتقهقر إلى الإقليمية الضيقة على هذا النحو المخزى؟ أترى أمريكا وبارلس تفهمان الإسلام خيرا من رب الإسلام؟ ألا إن ذلك لغريب!
ولنفترض جدلا مرة أخرى أن الأمر كما تقول بارلس، فكيف يا ترى تفسر لنا نزول الآيات التالية، وهى فى المرأة أيضا، وتضرب الأوضاع البدوية التى كانت مستتبة فى الجزيرة العربية آنذاك فى الصميم؟: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (البقرة/ 232)، "لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ * وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة/ 236- 237)"، "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (البقرة/ 240- 242)، "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا" (النساء/ 7)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ..." (النساء/ 19- 24)، "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا" (النساء/ 128- 130)، "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق/ 6- 7).
وبالمثل كيف تفسر لنا السيدة بارلس الأقاويل والمواقف النبوية التالية التى تخالف بل تناقض فى كثير من الأحيان أوضاع العرب فى القرن السابع الميلادى؟ لنقرأ معا تلك الأحاديث التى تدل على عكس ما تحاول إيهامنا به من أن الأحاديث النبوية هى المسؤولة عن الظلم الذى كان واقعا فى زعمها على رؤوس النساء المسلمات على طول التاريخ كله: "النساء شقائق الرجال"، أي نظائرهم وأمثالهم، كأنهن شُقِقْنَ منهم. وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه، لأن شقَّ نسبه من نسبه. و"‏عن ‏أبي هريرة ‏ ‏قال:‏ جاء ‏رجل ‏إلى رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:‏ ‏أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك". وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاقّ في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه، وغير ذلك. ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تَفْضُل في البِرّ على الأب. ويقول صلى الله وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات". وعنه "إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ومَنْعًا وهات، ووَأْد البنات. وكره لكم قِيلَ وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". ويُرْوَى أنه عليه السلام"كلم رجلا فأُرْعِد، فقال: هَوِّنْ عليك، فإني لست بملِك. إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القَدِيد"، فلم يجد صلى الله عليه وسلم لَدُنْ رغبته فى تطمين الرجل والتعبير عن تواضعه وبشريته سوى الإشارة إلى أمه والطعام الذى كانت تأكله مثل سائر الناس فى مكة لا تمتاز عنهم فى شىء، ولا تعلو فوق غيرها من البشر بشىء. و"‏عن ‏معاذ بن جبل عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال: ‏ ‏والذي نفسي بيده إن ‏ ‏السِّقْط ‏لَيَجُرّ أمَّه بسَرَره إلى الجنة إذا احتسبته". وهناك حديث آخر فى ذات الموضوع، وإن كانت شفاعة السقط لتشمل الأبوين جميعا لا الأم وحدها مما أتصور أنه سيزعج بعض النسويين والنسويات الذين يكرهون الرجال والرجولة ولا يريدون خيرا بالجنس الخشن رغم أنه جنس ضعيف هو أيضا. أليس هو من البشر، وقد خلق الله البشر ضعفاء: نساء ورجالا؟ وهذا نص الحديث، أكتبه وأنا أغالب دموعى لما فيه من رحمة وحنان عجيبين: "‏عن ‏علي قال: قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏إن ‏السِّقْط ‏ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار، فيقال: أيها‏ ‏السقط ‏المراغم ربه، أَدْخِلْ أبويك الجنة. فيجرهما بسَرَره حتى يدخلهما الجنة". ومعنى "يراغم ربه" أنه يجادله بقوة.
ولقد قمت من مكانى الآن وذهبت لزوجتى فى الحجرة الأخرى أبشرها بالجنة لأنها فقدت ابنة لنا كانت توشك أن تضعها منذ أكثر من أربعين عاما، وقرأت عليها الحديث رغم معرفتى بأنها على علم به، وكان صوتى يتهدج من قوة الانفعال، وركزت على معنى المراغمة لما تدل عليه من سماحة الصلة التى تربط الله بعباده على عكس ما يظن معظم الناس، قائلا: أليس عجيبا أن تراغم ربَّها قطعةُ لحم لا تدرك من أمور الوجود شيئا؟ فباغتتنى زوجتى بشىء جديد فى فهم الحديث لم أتنبه له قبلا، وهو أن السقط، لكونه قطعة لحم لا تدرك شيئا من أمور الوجود ولا تستطيع من ثم أن تقدّر الله حق قدره، يراغم ربه بحرية واسعة. فازداد جيشان نفسى، ومضيت عنها مسرورا بهذا الفهم الجديد.
وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: "‏جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتُها، فقسمتْها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏فحدثته، فقال: ‏من يَلِي من هذه البنات شيئا فأَحْسَن إليهن كُنَّ له سترا من النار". و"قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏من كانت له ‏ ‏جارية فأدَّبها فأحسن أدبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران". وقال عليه السلام: "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات اتقى الله عز وجل وأقام عليهن كان معي في الجنة هكذا. وأشار بأصابعه الأربع". و"‏عن ‏أبي هريرة ‏عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏قال: من كان له ثلاث بنات فصبر على ‏لأوائهن ‏وضَرَّائهن وسَرَّائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن. فقال رجل: أو ثنتان يا رسول الله؟ قال أو ثنتان. فقال رجل: أو واحدة يا رسول الله؟ قال: أو واحدة". و"جاءت فتاة إلى النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فقالت:‏ ‏إن أبي زوَّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمرَ إليها. فقالت: قد أَجَزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس إلى الآباء من الأمر شيء". و"قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلِقَتْ من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. فإن ذهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنساء"، و"عن ‏ابن عباس عن النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". و"قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة". وهو، كما يقول العلماء، مأخوذ من التحريج أو الإحراج. أي أنه، عليه السلام، يضيّق على الناس في تضييع حقهما ويشدد عليهم في ذلك. والمقصود إشهاد المولى عز وجل في تبليغ ذلك الحكم إليهم.
وواضح من زعم بارلس مراعاة القرآن للبيئة العربية الجاهلية فى أحكامه أنه إذا كان علماء القرآن يقولون بعموم اللفظ وخصوص السبب فبارْلَس، كما هو جلىّ، تقول بخصوص السبب واللفظ جميعا. إننى أفهم أن يكون الإسلام قد راعى الظروف المعاصرة لنزوله من حيث الشكل أو الطريقة التى يتم بها تطبيق مبادئه، ذلك الشكل الذى لم يكن من الممكن ولا يمكن أن يكون شكلا عالميا ثابتا إلى الأبد، أما الجوهر والروح فكلا بل ألف كلا. لقد كان الرسول مثلا يأكل بيده وعلى الأرض ودون أطباق وفوط... لكنه فى كل الأحوال كان حريصا على نظافة الطعام ونظافة يده وتسمية الله فى البداية وحمده سبحانه فى النهاية. فتناول الطعام باليد ودون أطباق أو مائدة أمر شكلى، أما تنظيف اليد قبل تناوله والبسملة والحمد فهذه هى الأمور الجوهرية. كذلك كان الرسول يحرص على استشارة من حوله، ولكنه لا يستطيع استشارة كل أفراد الدولة لأن وسائل الاتصال، وكذلك وسائل التنظيم الإدارى والسياسى فى بلاد العرب آنذاك، لم تكن قد تطورت إلى المدى الذى يسمح بذلك. فالشكل التنظيمى هو الذى تغير مع مرور الأيام، أما الجوهر، وهو استطلاع آراء الآخرين الذين يمكنهم إفادة الأمة، فثابت لا يتبدل.
وبالمثل كان القرآن الكريم يراعى ظروف المجتمع العربى آنذاك عن طريق التدرج فى تشريع بعض الأحكام وتطبيقها. أما القول بأنه قد راعى تلك الأوضاع لدرجة التبنى لها فكلا وألف كلا. ومثالا على ما أقول أشير إلى ما صنعه فى تحريم الخمر، إذ المعروف أنه لم يَصْدُر الحكم بتحريمها والنهى عن شربها نهيا قاطعا دفعة واحدة، بل أخذ بعض الوقت حتى انتهى الأمر إلى إصدار مثل ذلك الحكم القاطع، بدءا بقوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا" (البقرة/ 219)، ومرورا بقوله عز شأنه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ" (النساء/ 93)، إلى أن صدر تحريمها قطعيا وإلى الأبد بقوله جل جلاله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (المائدة/ 90- 92). ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها: "لولا حِدْثان عهد قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم"، وقوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك".
وعلى أية حال فها هى ذى بعض نصوص الحديث الشريف فى موضوع المرأة: "عن حكيم بن معاوية القُشِيْرِيّ عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح ولا تَهْجُر إلا في البيت". "عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبدَ ثم يجامعها في آخر اليوم؟ وفي رواية سفيان بن عيينة قال: وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس في النساء فقال: يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها من آخر النهار؟". "عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إياس بن أبي ذباب رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء الله. فجاء عمر رضى الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرَ النساء على أزواجهن. فأذن لهم فضربوا، فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير، فقال: لقد أطاف بآل محمد الليلةَ سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن. ولا تجدون أولئك خياركم".
وفى الفصل الثانى تقول بارْلَس (ص7) إن المسلمين المحافظين المتأثرين بالنزعة الأبوية يقرأون القرآن فى ضوئها فيفسرون نصوصه المتعلقة بالجنسين بناء على بعض الآيات فى هذا الصدد دون باقى الآيات الأخرى، وكذلك بناء على معاملة القرآن للمرأة على نحو مختلف عن معاملته للرجل، منتهين من ثم إلى أنهما ليسا مختلفين بيولوجيا فقط، بل أيضا متناقضين (opposites) وغير متساويين، وهو ما انعكس فى قولهم بتفوق الرجل على المرأة ما دامت المرأة قد خُلِقَتْ، فيما يقال، من الرجل أو بَعْد خَلْقه، ومن أجل متعته ليس إلا، إلى جانب تفضيل الله سبحانه وتعالى للرجال، إذ كمّلهم عقولاً وحُسْنَ مشورةٍ وأداءٍ لواجباتهم الدينية، فضلا عما قيل من أنه عز وجل قد فضّل الرجال درجة وجعلهم قوامين على النساء، أو حُكَّامًا عليهن فى بعض التفسيرات. أما المرأة فإن ظروفها البيولوجية لا تسمح لها بأن تكون لها أية وظيفة أخرى غير إنجاب الأطفال، وهو ما يمثل "مأساتها البيولوجية" حسبما يقول المودودى. كما أن ظروفها البيولوجية والعقلية لا تسوّغ فقط اختلافها عن الرجل، بل خضوعَها كذلك له: زوجا كان أو أبا أو أخا. ثم إن فلاسفة أوربا ومفكريها أنفسهم يقولون بتخلفها عن الرجل فى قدراتها وإنجازاتها الجسمية والذهنية جميعا بالغا ما بلغ الجهد الذى تبذله. بل إن بعض المفكرين المسلمين ليذهبون إلى القول بأن تكوين جسم المرأة هو قَدَرٌ مقدورٌ عليها لا فَكَاك لها منه، وأنها من ثم عبء على الحضارة فائضة عنها، بمعنى أنها ليست لها وظيفة بها. وهذا التفسير، حسبما تؤكد بارْلَس، ليس نابعا من تعاليم القرآن ذاتها، بل من آراء المفسرين المستمَدَّة من أوضاع بيئتهم وعصرهم.
ولا شك أن الله سبحانه قد خلق الرجل والمرأة متقابلَيْن لا متناقضَيْن. فالواقع أن كليهما يكمل الآخر ولا يناقضه. صحيح أن هناك نقاط اختلاف، لكن هناك أيضا نقاط اتفاق، وهذه الأخيرة أكثر من الأولى وأقوى رغم ما قد يبدو للبعض من أن الحقيقة هى على عكس ذلك. أليسا كلاهما إنسانا؟ أليس لهما كثير من الأعضاء المشتركة، مع انفراد المرأة بأن لها رحما وصدرا ناهدا وردفا بارزا وبشرة ملساء وصوتا ناعما وشعرا غزيرا وطويلا، وانفراد الرجل بأن له جهازا تناسليا مختلفا وشعرا على خديه وصوتا خشنا؟ وصحيح أن المرأة أكثر عاطفية وأسرع انفعالا، والرجل بوجه عام أملك لمشاعره وعواطفه، إلا أن لكل منهما رغم ذلك انفعالات وعواطف وعقلا وتفكيرا. ثم إن الحياة لا تستطيع أن تمضى وتستمر دون تكاملهما بتكوين الأسرة كما هو معلوم. ولو كانا متناقضين ما قدرا على شىء من ذلك التكامل.
ثم هل حقا هناك نص يقول إن الله قد خلق المرأة من أجل متعة الرجل فقط؟ صحيح أن متعة الرجل لا تتم إلا بالمرأة، لكن متعة المرأة لا تتم هى أيضا إلا بالرجل، وهذا هو التكامل المذكور. بيد أن هناك أشياء أخرى فى علاقة الرجل بالمرأة غير المتعة الجسدية على أهمية هذه المتعة الجسدية وما تبعثه فى النفس والكيان كله من مسرة وسعادة وراحة واستقرار. من ذلك العشرة والتفاهم والتآنس والتعاون على التخلص من مشقات الحياة والفوز بمسراتها وبهجاتها. فالحياة ليست جنسا وشهوة جسدية فقط كما يتصور فرويد وتابعوه ومرددو أفكاره، بل هى أعقد من ذلك كثيرا جدا على أهمية الجنس كما هو معروف. لكن هل خُلِقَت المرأة فعلا بعد الرجل؟ الواقع أنه ليس هناك نص فى القرآن يقول شيئا من هذا، بل الذى فيه هو أنهما قد خلقا من نفس واحدة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً" (النساء/ 1)، "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" (الأعراف/ 189). لكن بعض المفسرين يذهبون فيروون من التفصيلات ما يستحيل أن يعلم به أحد غير الله، إذ من قال لأولئك المفسرين مثلا إن حواء قد خُلِقَتْ على وجه التحديد من قُصَيْرَى آدم (أى أعلى أضلاعه) وهو نائم، فلما استـيقظ قال: "أثا" بـالنبطية، بمعنى "امرأة"؟ هل كان أحدهم يقف خلف شجرة هناك مختبئا كى يشاهد ما يجرى ويسجله لنا؟ أم هل خَلَّفَ آدمُ وراءه بعض المذكرات يحكى لنا فيها ما أبصره لدى قيامه من رقاده وما عَلَّق به آنذاك؟ ثم هل كان آدم يتحدث النبطية؟ أما القول بأن حواء قد خُلِقَتْ من ضلع آدم فليس له وجود فى القرآن: لا بصريح اللفظ ولا بتلميح العبارة. ومعنى الآيتين المذكورتين آنفا أن الله خلق الزوجين، أى الذكر والأنثى، من نفس واحدة، وأنه قد خلقهما ليسكن كل منهما إلى الآخر ويتزوجا وينجبا، وتستمر عجلة الحياة فى الدوران والتقدم إلى الأمام... وهكذا دَوَالَيْكَ إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.
وإذا كان العهد القديم يقول بأن حواء قد أُخِذَتْ من ضلع آدم فهذا لا يلزمنا نحن المسلمين. يقول كاتب الإصحاح الثانى من سفر "التكوين": "15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلا، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ». 18وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ». 19وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. 20فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ. 21فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. 22وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». 24لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا".
أما إذا فسر بعض العلماء الضلع فى الحديث الشريف الذى يقول: "استوصُوا بالنساء، فإن المرأة خُلِقَتْ من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. فإن ذَهَبْتَ تقيمه كَسَرْتَه، وإن تَرَكْتَه لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنساء" بأنه ضلع آدم فجوابنا هو أن الحديث يخلو تماما من أى ذكر أو إشارة إلى أن الضلع هو ضلع آدم. أما أنا فأفهم الحديث على أنه تصوير مجازى لغلبة عواطف المرأة عليها، فهى تنفعل وتتحكم فيها عواطفها أكثر مما هو حال الرجل. وهذا هو اعوجاج الضلع الذى تحدث عنه الرسول، وما أحلاه فى بعض الأحيان من اعوجاج، وأَسْوَأَه وأَذْهَبَه للُبّ الحليم كذلك فى بعض الأحيان الأخرى.
وإذا كان لنا من ملاحظة عارضة هنا فنحب أن نقول إن الكلام الذى ناقشناه فيما مضى ليس كلام بارلس وحدها، بل كلام النسويات كلهن. ففى مقال بعنوان " Feminis A Qur'an-only" يرد به ش. ج. ف. حداد (Sh. G. F. Haddad) على رفعت حسن الباكستانية نراه يذكر كل هذه الشبهات والاتهامات بوصفها شبهاتها واتهاماتها هى لا شبهات بارلس واتهاماتها، وكأنها برشامة غش يتناقلها الطلاب الكسالى فيما بينهم وينقلون ما فيها إلى كراريس إجاباتهم كما هى دون تفكير بل دون إعادة صياغة.
ثم نأتى إلى ما نَسَبَتْه السيدة أسما بارلس إلى أبى الأعلى المودودى من القول بأن الحمل والولادة هما مأساة المرأة البيولوجية. فهل قال المودودى ذلك فعلا؟ لقد نقلته المؤلفة عن كتاب وسيط، ولم تذكر لنا أين نجد ذلك الكلام فى مؤلفات المودودى. وبغض النظر عمن هو صاحب هذه العبارة فلا ريب أنها تفتقر إلى المصداقية إذا أخذناها على ظاهرها، إذ الحمل والولادة ليسا ولا يمكن أن يكونا مأساةً بحال من الأحوال، بل سببا عظيما من أسباب السعادة والرضا عن الحياة. ترى هل يصح أن نقول عن عملية تجدد الحياة إنها مأساة؟ الحق أنه إذا كانت هذه مأساة فلا شك أن بعض هذه المأساة يرجع إلى الرجل، الذى ما إن تقع عينه على النصف الحلو حتى يسيل لعابه وتزيغ عيناه ويشتّ عقله وتفسد أعصابه... إلخ. أما إذا قصد صاحب هذه العبارة، أيا ما كانت شخصيته، معنى آخر غير الذى فهمناه، فذلك شأن آخر، إذ السياق مهم جدا، وللأسف لم توضح لنا السيدة بارلس السياق الذى وردت فيه العبارة، مثلما لم توضح لنا أين نجدها.
ترى بالله كيف يقال عن أبنائنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا إنهم ثمرة تلك المأساة؟ ألا إن هذا لَكُفْرٌ بأَنْعُم الله يُخْشَى معه زوالها. نعوذ بالله من الكفر والجحود! ثم إن المرأة ذاتها لا ترى فى هذا مأساة على الإطلاق، بل تنتظره بلهفة وشوق بكل خلجة فى كيانها رغم ما تشعر به من إرهاق طوال مدة الحمل، وألم بالغ لدن الوضع. فمن أين تأتى المأساة إذن إذا لم يكن أى من الرجل أو المرأة ينظر إلى الأمر على أنه مأساة؟ ومثل ذلك أيضا القولُ بأن المرأة عبء على الحضارة فائضة عنها ليست لها وظيفة بها. ذلك أن الحياة لا تكتمل إلا بالمرأة والرجل معا. ترى كيف تهنأ الحياة للرجل إذا خلت الحياة من المرأة؟ اللهم إن هذا لخبل فى العقل والنفس والضمير.
إلا أن هذا كله كوم، وإشارتها إلى ما جاء فى سورة "النساء" من قوله تعالى: "الرجال قوّامون على النساء" على أساس أنه قد "قيل" (بصيغة المبنى للمجهول) لا أنه قد "قاله القرآن" (بصيغة المبنى للمعلوم) هو كوم آخر. وهذا خطأ منها غير هين، إذ لا يصح تجهيل الفعل الإلهى بما يومئ إلى أن صاحبه مجهول وأنه أمر غير متيقَّن منه. ترى هل يليق أن يجترئ مسلم على المقام الإلهى الكريم ويشكك فى نص قرآنى بمثل تلك الطريقة؟
ثم تتابع بارلس قائلة إن النقاد المحدثين يأخذون على المفسرين القدماء عدم نظرتهم إلى النص القرآنى كوحدة مركبة وإهمالهم الظروف التاريخية التى نزل فيها، وأنهم على العكس من ذلك كانوا يقومون بتفسيره تفسيرا تجزيئيا، أى تفسيره آية آية، أو تفسير عدة آيات متتابعة على أكثر تقدير، دون أن يأخذوا فى الاعتبار أبدا أو فى معظم الأحوال ما نزل من آيات مختلفة فى الموضوع الواحد بحيث تُرَاعَى جوانب الموضوع كلها لدن محاولة معرفة ما قاله القرآن بشأنه. وتنقل بارْلَس عن أمينة ودود أنهم، حتى فى المواضع التى يشيرون فيها إلى بعض الآيات الأخرى، لم يتبعوا منهجا تفسيريا يساعدهم على النظر إلى الموضوع من زواياه المختلفة بحيث يربطون بين الموضوعات والتراكيب والمبادئ والأحكام المتصلة بعضها ببعض كى يخرجوا برؤية شاملة لذلك الموضوع، ومن ثم لم يستطيعوا الوصول إلى موقف القرآن المعرفى المناهض للأبوية (antipatriarchal epistemology) (ص8). ثم تؤكد عن حق أن القرآن هو فى الواقع كل متكامل، وإن كان قد نزل شيئا فشيئا مع الأيام ولم ينزل كاملا دفعة واحدة. إلا أنها تضيف إلى ذلك قولها إن التفسير التقليدى يتجاهل هذه الحقيقة، كما يتجاهل السياق الذى نزل فيه كل نص من نصوص الوحى. ومن هنا لم يستطع هذا التفسير فى نظرها أن يتوصل إلى المغزى العميق للقرآن المجيد (ص8- 9).
ثم تمضى قائلة إننا، لكى نصل إلى التفسير الصحيح، لا بد أن نتنبه إلى السياقين جميعا: السياق الذى تم فيه نزول الآيات، والسياق الذى تم فيه تفسير تلك الآيات. وقد كانت التفاسير القديمة والأحاديث التى تصور حياة الرسول تنطلق من تقليل شأن النساء. وهذه التفاسير والروايات الحديثية هى المسؤولة فى الواقع عن التصاق النظرة التحقيرية للنساء بالإسلام حسبما تقول. وبهذا انتصرت فى رأيها النصوص البشرية المستقاة من التاريخ والبيئة والمتأثرة بهما على نصوص الوحى المقدسة. وبالمثل انتصرت رغبات الرجال وحاجاتهم ورؤاهم على رؤى النساء وحاجاتهن وتجاربهن. ورغم ذلك فمن المعروف أن النساء فى السنوات الأولى من تاريخ الإسلام قد شاركن، كما تقول الكاتبة، فى إنتاج المعرفة الدينية، فكان نساء عصر النبوة مثلا يبدين رأيهن بوضوح فى أمور الدين، بل فى آيات القرآن ذاته، وكان الله ورسوله سرعان ما يستجيبان لما يقلن مبارِكَيْن حريتهن فى التعبير عما يدور فى أذهانهن. فمن اللازم إذن مراجعة التاريخ لمعرفة ما الذى حصل عبر القرون مما كانت ثمرته استبعاد النساء من ميدان التفسير (ص9- 10).
وهنا نراها تقرر أن من يخلط بين القرآن وبين قراءاته (أى تفسيراته) إنما يتجاهل ما تنهى عنه الآية 18 من سورة رقم 39 (سورة الزُّمَر) من الخلط بين الأمرين (ص10)، وهو ما لا وجود له فى الآية المذكورة كما سنبين لاحقا. وتمضى بارلس فتقول إن المحافظين المسلمين يرون أن التفسير الصحيح للقرآن الكريم متاح فقط فى بعض كتب التفسير القديمة، التى يعدونها تفاسير معصومة. أما التفاسير الحديثة والمعاصرة، وبالذات تلك التى كتبتها أقلام نسائية، فهى مرفوضة فى نظرهم. ثم تضيف قائلة إن تفسيرها للقرآن تقليدى وجديد فى ذات الوقت: تقليدى من حيث إنه ينطلق كما هو الحال عند بعض المفسرين الكلاسيكيين من أن القرآن كتاب يسوى بين الرجل والمرأة، وجديد من حيث إنها تستخدم المناهج الحديثة فى قراءة بعض القضايا التى لم يحاول المفسرون الكلاسيكيون أن يتناولوها. ثم بعد ذلك نراها تؤكد أن القراءات الجديدة للقرآن تواجه خطر الرفض منذ البداية من عدة طوائف: المسلمين المحافظين، والمستشرقين الذين لا يريدون أن يتزحزحوا عن مواقفهم القديمة من القرآن، وأصحاب النزعة النسوية، وكثير أيضا ممن ليسوا بمسلمين. ومع هذا فهى تصر على استعمال المناهج الجديدة لأن القرآن، حسبما تقول، لا ينحصر فى زمان أو مكان أو سياق بعينه.
هذا ما قالته بارلس. ونبدأ بآخر ما تناولته، وهو ما ذكرتْه عن عالمية القرآن، التى رأيناها هى نفسها أول من يتنكر لها، إذ رمت بعض أحكامه بأنها راعت ظروف المجتمع العربى فى القرن السابع وبقيت كما هى حتى الآن لم تُنْسَخ. ثم ننتقل ثانيا إلى ما زعمته من رفض بعض المسلمين للتفاسير الحديثة والمعاصرة، وبخاصة ما كان مكتوبا منها بأقلام نسائية. وعلى الفور نقول إن هذا غير صحيح، فهاهى ذى كتب تفسير الشوكانى والألوسى ومحمد فريد وجدى والمراغى والشنقيطى وحجازى وابن عاشور وسيد قطب والشيخ شلتوت وبنت الشاطئ وابن عثيمين ووهبة الزحيلى وأبو بكر الجزائرى والسعدى ومحمد الغزالى تحظى بإقبال واحترام شديدين، ولا يجد القراء المسلمون فى نفوسهم شيئا من ناحيتها رغم أن كثيرا منها يخالف ما فى الكتب التقليدية أو يختلف عنها على الأقل. فكيف قالت بارلس ما قالته؟ أغلب الظن أنها تخلط بين موقف القراء المسلمين تجاه ما تكتبه هى ونظيراتها ونظرائها من ذوى النزعة النسوية المعادية للرجل ممن يلوون كلام القرآن عن معانيه وبين التفسيرات الحديثة والمعاصرة. ومع ذلك فها أنذا، ولست سوى مجرد مثال، لا أرفض كل ما تكتبه هى، بل أزنه جيدا فى مقابل ما يقوله القرآن والرسول فأَقْبَل بعضه وأُنْكِر بعضه وأخطّئه. فهل أنا يا لهمدانَ ظالِم؟ أم تراها تعد نفسها فوق النقد، وما تكتبه معصوما من الخطإ ينبغى أن يقابَل بالتسليم المطلق فنخرّ عليه عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا؟ بل إننى لا أقبل كل ما قالته كتب التفسير القديمة وأختلف مع كثير منه. ومن يرجع إلى الكتب التى وضعتها فى تفسير سور "المائدة" و"التوبة" و"الرعد" و"يوسف" و"طه" و"النجم" و"الرحمن"، وكذلك الكتابين اللذين تناولت فيهما مناهج التفسير ومذاهبه فى القديم والحديث، فلسوف يجد أننى طوال الوقت أُعْمِل جهازى النقدى فلا أتوقف أمام قديم أو جديد ولا أحابى أو أظلم اتجاها لمصلحة أى اتجاه آخر. وهذا ما يفعله أمثالى بوجه عام، وإن كان هناك فى ذات الوقت من ينقل عن الكتب الأخرى قديمة أو جديدة ولا يضيف من عنده شيئا. وهذا أمر طبيعى، فالعقول متفاوتة، والأنظار مختلفة، وسوق التفسيرِ وتأريخِه مشحونة بالبضاعة الفكرية من كل لون ومذاق.
أما قولها إن تفسيرها للقرآن تقليدى وجديد فى ذات الوقت: تقليدى من حيث إنه ينطلق كما هو الحال عند بعض المفسرين الكلاسيكيين من أن القرآن كتاب يسوى بين الرجل والمرأة، وجديد من حيث إنها تستخدم المناهج الجديدة فى قراءة بعض القضايا التى لم يحاول المفسرون الكلاسيكيون أن يتناولوها، أما قولها هذا فيحتاج إلى وقفة صغيرة تضع الأمور فى نصابها حتى لا يحدث خلط. فتأكيدها بأن القرآن يسوى بين الرجل والمرأة، وإن كان فى عمومه صحيحا لا مماراة فيه، هو تأكيد يتجاهل رغم ذلك ما قاله القرآن ذاته من أن الرجال قوامون على النساء، وأن لهم عليهن درجة. أم تراها تريد أن تنكر هذا النص الواضح الصريح؟ كما أن إشارتها إلى استخدامها المناهج الحديثة فى تفسيرها للقرآن لا تحسم الأمر لصالحها بالضرورة، إذ ليست العبرة باتباع هذا المنهج أو ذاك، بل العبرة كل العبرة بالتحقق أولا من صحته ووفائه بالمطلوب، ثم بالتطبيق السليم له. لكن يبدو لى أن السيدة بارلس تتصور أن الجديد دائما على حق. كذلك لا ينبغى أن نغفل شيئا مهما، وهو أنها تطبق المناهج الحديثة تطبيقا آليا، اعتقادا منها، فيما يظهر، أنها مناهج لا يخرّ منها الماء. وهو ما آخذ على عاتقى فى هذه الدراسة شرحه وتوضيحه كما يرى القارئ.
وأما دعواها أن مفسرينا الفطاحل القدماء قد مزقوا القرآن، إذ فسروه تفسيرا تجزيئيا فتناولوه آية آية، أو تناولوا بالتفسير عدة آيات متتابعة على أكثر تقدير، بدلا من تجميعهم معا كل طائفة من الآيات التى تعالج موضوعا واحدا كى يتسنى معرفة رأى القرآن الكريم فى ذلك الموضوع بكل جوانبه بدلا من تشتت الذهن بين الآيات المختلفة التى تتعامل كل منها عادةً مع جانب واحد من ذلك الموضوع فلا نستطيع من ثم أن نلم برأى القرآن الكامل فيه، وهو ما تناولتْه أيضا فى الفصل الذى كتبتْه لـ"The Cambridge Companion to the Quran: دليل كمبردج إلى القرآن"، إذ قالت ما نصه: " These exegetes, it is argued, adopted a ‘linear-atomistic’ approach in which they studied ‘one or a few verses... in isolation from the preceding and following verses’. As a result, they failed to recognise the Quran’s thematic and structural coherence"، أما زعمها هذا فلا يقوم على أساس متين. كيف؟ أولا: إذا ما جرينا على طريقة السيدة بارلس فى النظر إلى الأشياء وجب أن نقول إن أولئك المفسرين المساكين الذين لا يعجبونها لم يكونوا يتناولون القرآن آية آية فى الواقع بل كلمة كلمة وعبارة عبارة، لأنه ما من آية يمكن تناولها دفعة واحدة إلا فى النادر الشاذ الذى لا حكم له. كما أنهم، لدن تناولهم لتفسير القرآن بهذه الطريقة، إنما يتبعون منهجا من مناهج شرح النصوص، منهجا مهما فى غاية الأهمية لا يغنى غيره غناءه، وإن كانت تُكَمِّله مناهج أخرى بطبيعة الحال. إلا أنه هو المنهج الذى ينبغى أن نبدأ به قبل اللجوء إلى تلك المناهج الأخرى، إذ هى كلها تنطلق منه. فنحن لا يمكننا الوصول إلى الطابق الأخير إلا إذا مررنا بالطابق الأول والثانى والثالث... إلخ. أليس كذلك؟ وعلى هذا فليس باستطاعتنا تناول القرآن إجمالا قبل تناوله تجزئة، أو كما تقول هى: تناولا ذَرِيًّا.
ليس ذلك فحسب، بل إن هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين لا يعجبون د. بارلس لم يكونوا يُقْدِمون على الاقتراب من القرآن إلا وهم قد حفظوه مثلما كان يفعل كثير من الناس فى العالم الإسلامى آنذاك، إذ كان حفظ القرآن وتفسيره جزءا أساسيا من المقررات التعليمية التى يتلقاها التلميذ فى ذلك الزمان كما هو معلوم. وعلى هذا فقد كان القرآن كله ماثلا فى ذاكرتهم طول الوقت أمام باصرتهم بحيث إنهم، حين يتناولون آية منه بالتفسير، تكون الآيات الأخرى المتعلقة بذات الموضوع حاضرة فى أذهانهم. وكثيرا ما تقرأ عند الواحد منهم أنه قد سبق أن تناول هذا الموضوع من قبل عند تعرضه للآية الفلانية أو أنه سوف يتناوله فيما يلى عند تعرضه للآية العلانية بما يدل على أنه حاضر الذهن طول الوقت. كما أن كل صاحب مذهب إذا مر بآية تتعلق بمذهبه نجده يفسرها فى ضوء مبادئ ذلك المذهب ولا يغفل عن هذا المنهج عادة، بغض النظر عن موافقتنا على مذهبه أو لا، فهذا شىء آخر. وهناك كتب تتعرض للتوفيق بين الآيات التى تبدو وكأنها متناقضة. فما معنى هذا؟ معناه أنهم لم تكن تستغرقهم الآية التى بين أيديهم، بل كانوا ينظرون إلى القرآن نظرة شاملة محيطة. وإلا فكيف عرفوا أن هذه الآية تبدو وكأنها تعارض تلك الآية وأنّ حَلَّ هذا التعارض يكون بكذا وكذا؟
وقد لمس د. أحمد أمين مثلا هذه النقطة فى حديثه عن الزمخشرى ومنهجه فى تفسير كتاب الله الكريم طبقا لمذهبه فى الاعتزال، إذ قال إنه كان يؤوّل كل الآيات التى تتصل بأصول الاعتزال الخمسة كحرية الإرادة الإنسانية ووجوب العدل وتحقيق الوعد والوعيد ووحدة الذات والصفات... إلخ حتى تلتئم ومذهبُه، جاعلا مفتاحه قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ". فالآيات المحكمة هى آيات الأصول الواضحة المعنى مثل قوله تعالى: "لا تُدْرِكه الأبصارُ، وهو يُدْرِك الأبصارَ". فإذا جاءت آية أو آيات تدل على خلاف ذلك وجب أن تؤوَّل. فالنظر إلى الله مثلا فى قوله تعالى: "وجوهٌ يومئذ ناضرةٌ * إلى ربها ناظرة" معناه أن المؤمنين سوف يحظَوْن برضا الله وينتظرون حصول النعمة الإلهية لهم لا أنهم سوف يَرَوْنه فعلا كما تقول الآية، إذ رؤية الله عندهم مستحيلة فى الدنيا والآخرة... وهكذا (انظر د. أحمد أمين/ ظهر الإسلام/ مكتبة النهضة المصرية/ 1952م/ 2/ 41- 42). وفوق هذا فثمة كتب أخرى يتناول كل منها موضوعا واحدا فى القرآن الكريم ككتاب "القَسَم فى القرآن" لابن القيم مثلا، مما يستلزم تجميع الآيات التى تتناول الجوانب المختلفة للموضوع الواحد فى موضع واحد.
على أن هذا لا يعنى أنهم لا يَسْهُون أبدا، إذ هم فى نهاية المطاف بشر، والبشر سَهّاؤون نَسّاؤون بطبيعة الحال. ومن ذلك ما لاحظته فى تفسير الطبرى والزمخشرى من أنهما فى موضع من كتابيهما قد قالا بحساب الحيوانات، أى وقوفها للمساءلة والحساب فالثواب أو العقاب كالبشر سواء بسواء، مفسّرَيْن حَشْرها فى موضع من القرآن بهذا المعنى، على حين يقولان فى موضع آخر إنّ حشرها هو مجرد جمعها ثم إماتتها بعد ذلك، وهو ما تعرضت له فى الفصلين الخاصين بتفسيرَىْ هذين العالمين الجليلين من كتابى: "من الطبرى إلى سيد قطب- دراسة فى مناهج التفسير ومذاهبه". لكنى إنما أتكلم على القاعدة العامة، ومعروف أنه ما من قاعدة إلا ولها استثناءاتها. ولا ننس أن هؤلاء المفسرين لم يأتوا من عُرْض الطريق بل هم علماء أفذاذ، الواحد منهم بعشرات من مثل أسما بارلس رغم كل الطنطنات التى تطنطن بها عن المناهج الحديثة فى تأويل النصوص وترجمتها، إذ هى أفكار منقولة عن الآخرين، وكل دورها فيها هو التطبيق، وهو تطبيق آلى يفتقر إلى الحاسة النقدية كما أشرت فى هذا البحث، ودعك من الإبداع أو الإضافة.
وتمثيلا لما أقول أنقل هنا ما كتبه النسفى فى "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" تفسيرا لقوله تعالى فى الآية 62 من سورة "البقرة": "إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَٱلَّذِينَ هَادُوا وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"، إذ فسرها على النحو التالى: "..."إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا" بألسنتهم من غير مواطأة القلوب، وهم المنافقون. "وَٱلَّذِينَ هَادُوا": تهوَّدوا. يقال: "هاد يهود وتهوَّد" إذا دخل في اليهودية، وهو هائد، والجمع: هُود. "وَٱلنَّصَـٰرَىٰ" جـمع "نَصْرَان" كـ"نَدْمان ونَدَامَى". يقال: رجل نصران وامرأة نصرانة. والياء في "نصرانيّ" للمبالغة كالتي في "أحمري". سُمُّوا: "نصارى" لأنهم نصروا المسيح. "والصَّـٰبِئِينَ": الخارجين من دين مشهور إلى غيره، من "صَبَأَ" إذا خرج من الدين. وهم قوم عَدَلُوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة. وقيل: هم يقرؤون الزَّبُور. "مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ" من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا "وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ": ثوابهم، "عِندَ رَبِّهِمْ" في الآخرة، "وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ". ومحلّ "مَنْ آمَنَ" الرفع إنْ جعلته مبتدأً خبره: "فلهم أجرهم"، والنصب إنْ جعلته بدلا من اسم "إنّ" والمعطوف عليه. فخبر "إنّ" في الوجه الأول الجملة كما هي، وفي الثاني "فلهم"، والفاء لتضمن "مَنْ" معنى الشرط".
وهو نفسه ما قاله فى تفسير الآية 69 من سورة "المائدة"، ونصها: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"، إذ قال: "إنَّ الّذين آمَنُوا" بألسنتهم، وهم المنافقون، ودل عليه قوله: "ولا يَحْزُنْك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا: آمنّا بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم" (آل عمران/ 76) "والّذين هادوا والصّبئون والنّصارى". قال سيبويه وجميع البصريين: ارتفع "الصابئون" بالابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز "إن" من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى "من آمن باللّهِ واليومِ الآخر وعمل صالحا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون"، والصابئون كذلك. أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم. فقدَّم وحذف الخبر كقوله:
فمَنْ َيُك أَمْسَى بالمدينة رَحْلُهُ * فإني وقّيَّاٌر بها لَغَرِيبُ
أي "فإني لغريب، وقيار كذلك". ودَلَّ اللامُ على أنه خبر "إن"، ولا يرتفع بالعطف على محل "إن" واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر. لا تقول: "إن زيدا وعمرو منطلقان"، وإنما يجوز "إن زيدًا منطلق وعمرو". و"الصابئون" مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله: "إن الذين آمنوا" إلى آخره، ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها. وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين، وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالة وأشدهم غيًّا، يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان، فما الظن بغيرهم؟ ومحل "من آمن" الرفع على الابتداء. وخبره: "فلا خوف عليهم". والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ثم الجملة كما هي خبر "إن". والراجع إلى اسم "إن" محذوف تقديره: من آمن منهم". هذا، وبين "البقرة" و"المائدة" خُمْس القرآن، وهو ليس بالشىء القليل. كما أن النسفى قد غاص لدن تفسيره لآية "المائدة" فى إعراب مرهق لكل كلمة بل لكل حرف فيها، وهو ما من شأنه أن ينسيه الموضوع الذى تدور عليه الآيتان. ومع هذا لم ينس النسفى ما قاله فى الآية الأولى ولا ما قاله القرآن فى ذات الموضوع فى غير هذين الموضعين ولا الاتجاه العالم للقرآن الذى يشترط للنجاة يوم القيامة الإيمان بمحمد وكتابه واليوم الآخر وعمل الصالحات.
وبالمناسبة فإن لى تفسيرا آخر مخالفا لما قاله ذلك المفسر الكبير بثثته فى عدد من كتبى ودراساتى الورقية والضوئية: لا أخالفه فيه من جهة الرأى الذى انطلق منه، فكلانا يؤمن أنه لا يدخل الجنة إلا من يؤمن بالله وبالنبى محمد صلى الله عليه وسلم ويعمل صالحا، ولكن من جهة الطريقة التى فسر بها قوله تعالى: "الذين آمنوا" فى الآيتين، إذ أجريتها فيه على أنهم مؤمنون صادقون كما يقتضى منطوق الآية، فاصلا بين "الذين آمنوا" وبقية الطوائف المذكورة بفاصلة بحيث يكون قوله تعالى: "من آمن بالله واليوم الآخر" بدلا من تلك الطوائف الأخرى التى لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر حسب مفهوم القرآن للإيمان. ويكون المعنى حينئذ: إن الذين آمنوا، وكذلك اليهود والنصارى والصابئين إذا آمنوا بالله واليوم الآخر، أى آمنوا بمحمد ودخلوا من ثم فى زمرة المؤمنين المذكورين على رأس الآية، وعملوا صالحا، إن هؤلاء وأولئك جميعا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأنهم كلهم قد أصبحوا مؤمنين بالله واليوم الآخر، وهو شرط دخول الجنة حيث ينالون أجرهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. وهذا الذى قلته هنا فى سطور قد قلته هناك فى صفحات. وقد اعتمدت فيه، كما اعتمد النسفى، على ما جاء عن نفس الموضوع فى آيات القرآن المتباعدة، فجمعتها وبرهنت بها على صحة ما قلته.
ولقد كان العلماء المسلمون يشترطون فيمن يريد أن يفسر آية من الآيات، ضمن ما يشترطونه عليه، أن ينظر أولا فى آيات القرآن الكريم الأخرى عن تفصيلِ ما يمكن أن يكون فى تلك الآية من إجمال أو بَسْطِ ما فيها من اختصار مثلا. جاء فى "الإتقان" للسيوطى تحت عنوان "شروط المفسر وآدابه": "قال العلماء‏:‏ من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولاً من القرآن: فما أُجْمِل منه في مكان فقد فُسِّر في موضع آخر، وما اخْتُصِر في مكان فقد بُسِط في موضع آخر منه‏".‏ فهذا، أيها القارئ، يريك مدى ما فى كلام أسما بارلس من تجاوز فى حق مفسرينا القدماء. ونصل الآن إلى ما زعمته الكاتبة من أن من يخلط بين القرآن وبين قراءاته (أى تفسيراته) إنما يتجاهل ما تنهى عنه الآية 18 فى سورة "الزُّمَر" من الخلط بين الأمرين. ولن أفعل شيئا أكثر من إيراد الآية المذكورة والتى قبلها معا لأنهما كل واحد. قال تعالى: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ". فأين فى الآيتين، بالله عليك أيها القارئ، ما زعمته المؤلفة عن خلط مفسرينا القدامى بين القرآن وتفاسيره؟ ألا ترى معى أنها تَهْرِف بما لا تَعْرِف؟
وفى الفصل المسمى:"Texts and Textualities" تقول المؤلفة (ص32 وما بعدها) إن أهمية القرآن بالنسبة إلى المرأة تكمن فى تصور المسلمين أن عدم المساواة بينها وبين الرجل فى التشريع إنما يستند إلى ما يقوله القرآن فى هذا الصدد رغم أن هناك بَوْنًا شاسعًا بين تعاليم القرآن فى هذا الموضوع وبين الحكم الفقهى. ثم تنقل عن أحد الكتاب المسلمين قوله إن النص القرآنى غير قابل للتعديل بخلاف تفسيره، الذى لا يقف فى تعدده عند حد، وإن هذه التفسيرات التى تتصف بعدم الدقة وبالنقصان هى التى تقبل الخطأ والانتقاد والنسبة إلى التاريخ، وليس النصَّ الإلهى ذاته. ومع ذلك فإن المسلمين، رغم فهمهم للقرآن داخل نطاق التاريخ، نراهم يضعونه فى ذات الوقت فوق التاريخية كما تقول، وهو ما لا ترى فيه، مثلما لا يرى فيه بعض المؤلفين الآخرين، بالضرورة شيئا من التناقض، وإن ذكرتْ مع ذلك ما قاله عبد الوهاب بو هديبة من أنه رغم أن الآية القرآنية التى تقول: "لكلِّ أجلٍ كتابٌ" (الرعد/ 38) تجوّز فهم القرآن فهما تاريخيا فإن المسلمين يصرون على عدم تاريخية فهم النص القرآنى.
وتقول بارلس أيضا إن القرآن، مَثَلُه فى هذا مَثَلُ أى نص آخر، يقبل قراءات مختلفة ما دامت كل آية من آياته تفسَّر بعدة طرق متباينة. بل إن آية "بسم الله الرحمن الرحيم" ذاتها، وهى موجودة على رأس كل سورة منه ما عدا سورة واحدة فقط، قد وردت بستّ صورٍ مختلفة. كذلك يقال إن صحابة الرسول كانوا يختلفون فى تفسير بعض الآيات، وهو ما كان الرسول على علم به. كما تضيف مؤكدة أن السمع البشرى الجمعى (collective human hearing) لا يفرض ضرورات وعيه فقط على الوحى، بل على النصوص كلها بوجه عام حسبما يقول بول ريكور. ومن هنا نراها تؤكد مع المؤكدين من علماء اللغة والنقاد الأوربيين أن تفسير النصوص الدينية مفتوح الباب أبدا، وأنه لا يبلغ تمامه فى يوم من الأيام. وتسوق بارلس هنا سببا لذلك فى حالة النص القرآنى، ألا وهو صعوبة قراءة هذا النص على نحو واحد. ذلك أنه إذا كانت هناك آيات يُجْمِع علماء المسلمين على تفسيرها فإن هناك طائفة ثانية من الآيات قد يتردد بعض المسلمين بشأنها رغم الانتهاء من تفسيرها، وطائفة ثالثة ليس هناك إجماع على معناها. يضاف إلى هذا أن تفسير أى نص يخضع لعدة عوامل منها البيئة والتربية والثقافات والتحيزات المختلفة لا عند القراء وحدهم بل لدى المؤلفين أيضا. زد على ذلك ما يتمتع به النص القرآنى من ظلالٍ وشِيَاتٍ، فضلا عن وجود عدة معانٍ للكلمة الواحدة فى لغة الضاد فى كثير من الحالات قد يكون بعضها مناقضا لبعض، بالإضافة إلى أن هناك آيات ناسخة لآيات أخرى، مما يفتح الباب أمام العنصر الذاتى فى كل قراءة. وهذا كله من شأنه أن يدفعنا إلى التساؤل عن السر فى أن الآيات المتعلقة بحقوق المرأة تفسَّر دائما على نحو ثابت لا يقبل التغيير. على أنها تعود فتؤكد أن تعدد التفسيرات ليس أمرا مقصورا على النصوص القرآنية، بل يمتد إلى سائر النصوص الدينية.
ولقد عُدْتُ إلى السياق الذى ورد فيه قوله تعالى من سورة "الرعد": "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ"، وهو: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (الآيتان 38- 39)، فلم أجد فيه شيئا مما قاله بو هديبة عن تجويزه فهم النص القرآنى فهما تاريخيا. ولا أدرى كيف فهم هو منها هذا الذى يقول. لكنى فى ذات الوقت أتفق مع أسما بارلس فى أن فهم أى نص يمكن أن يتأثر بالظروف المحيطة به وبمفسره، علاوة على أن النص القرآنى هو بطبيعته نصٌّ غنىٌّ يقبل فى بعض الأحيان تفسيرات مختلفة، إذ يعتمد فى حالات كثيرة على الإيجاز، الذى يبدو لى مقصودا تماما حتى يرضى كل العقول والأمزجة السليمة من فرط غناه، وكلها يمكن أن تكون تفسيرات صحيحة. ذلك أن الحقيقة ليس لها فى العادة وجه واحد بل وجوه متعددة، وكل تفسير إنما يلتقط واحدا أو أكثر من تلك الوجوه. والمفسر الذكى هو الذى لا يرفض التفسيرات الأخرى مبدأً، فقد تكون كلها أو بعضها سليمة رغم ذلك. كذلك على المفسر المخلص أن يفحص دائما أعماق نفسه كى يتأكد أنه غير متأثر بأى عامل خارجى لا علاقة له بالنص أو بأسباب نزوله حتى لا يفرض على النص ما ليس فيه.
وكان علماؤنا القدامى يشترطون فى المفسر مثلا صحة الاعتقاد، فإنّ من كان مغموصًا عليه في دينه لا يؤتمن عندهم على الدنيا، فكيف على الدين؟ ولهذا كانوا يردّون تفسير المتهم بالإلحاد وأصحاب البِدَع. كذلك كانوا يشترطون صحة القصد والإخلاص والزهد فى الدنيا. أى أن يكون عمل المفسر خالصا لوجه الله والعلم لا لإرضاء هذه الجهة أو تلك. كما حذروا من صاحب الهوى لأن المفسر إذا كان متهمًا بهوًى لم يُؤْمَن أن يحمله هواه على كل ما يوافق بدعته. ومعنى هذا أنه لا ينبغى للمفسر الدخول على عمله بفكرة مسبقة يريد أن يفرضها على النص فرضا. ومنه ما نلمسه فى كتابات بارلس وأشباهها من أصحاب النزعة النسوية وصاحباتها مِنْ تَعَمُّلٍ شديدٍ بغية إكراه النص القرآنى على موافقتهم فيما يؤمنون به ويَدْعُون إليه. ويستطيع القارئ أن يراجع هذه الشروط كاملة عند السيوطى فى الفصل المسمى: "شروط المفسر وآدابه" من كتابه: "الإتقان فى علوم القرآن". كما حرّم العلماء الجزم بأن مراد الله هو كذا وكذا من غير برهان، أو محاولة تفسير الكتاب الكريم مع جهل المفسر بقواعد اللغة وأصول الشرع، أو تأييد بعض الأهواء بآيات من القرآن زورا وبهتانا، أو صرف الآيات إلى ما لا يدل عليه الكثير من كلام العرب، مما فعلته لالة بختيار مثلما شاهدنا بأعيننا قبل قليل (انظر فى تلك الشروط د. صبحى الصالح/ مباحث فى علوم القرآن/ فصل "التفسير: نشأته وتطوره").
أما ما قالته د. أسما بارلس من أن بين المستشرقين من يقول إن النص القرآنى لم يكن بنجوة من التغيير: إما من جانب النساخ الذين قد يقعون فى الخطإ عند نسخهم النص القرآنى، وإما من جانب بعض المفسرين الذين قد يقومون بتصحيح أسلوب القرآن، وإما بسبب الحاجات العملية للمسلمين، وإن هذا سبب اختلاف قراءة النص القرآنى وتفسيره، فإننا نحن المسلمين نرفض ذلك الذى قاله المستشرقون رفضا باتا، ليس فقط لأن القرآن عندنا معصوم لا يمكن تبديله بتاتا كما تقول هى، بل كذلك لأن القرآن لم يكن محفوظا بالكتابة وحدها. إنما كان محفوظا فى الذاكرة أيضا، وهى ليست ذاكرة شخص أو شخصين أو عدة أشحاص، بل ذاكرة المسلمين جميعا، وما أدراك ما ذاكرة العرب آنذاك؟ ومن ثم فإذا وقع أحد النساخ على سبيل الافتراض فى خطإ أو سهو تم تصحيح ذلك فى الحال. كذلك فقولها إن المسلمين ينظرون إلى اختلاف القراءات على أنه أمر يتعلق بتفسير النص لا بالنص ذاته، مدللين على ذلك بأن القراء والعلماء كانوا منذ البداية الأولى قبل تدوين القرآن يختلفون اختلافات شديدة فى قراءة هذه الآية أو تلك، قولها هذا يحتوى على زُبَانَى كزُبَانَى العقرب، إذ يشير إلى أنه قد أتى على القرآن زمان لم يكن القرآن قد دُوِّن فيه بعد، وهو ما ليس صحيحا البتة، لأن القرآن كان يتم تدوينه أولا بأول غِبَّ نزوله على الرسول من السماء، وبالتالى لم يأت عليه قَطُّ حين من الدهر لم يكن فيه غير مدون.
ثم تستطرد فتقول إن من الصعوبة بمكان تثبيت معانى القرآن باللغة العربية، فما بالنا بتثبيتها فى الترجمات، التى لا يعدها عامة المسلمين قرآنا؟ ذلك أن كل ترجمة إنما تتبنى معنى واحدا مع إهمال بقية المعانى الكامنة فى اللفظ أو الجملة، فضلا عن أن الألفاظ والعبارات فى اللغة المترجَم إليها لا تناظر فى كثير من الأحيان اللفظ أو العبارة فى النص الأصلى. وهو ما أوافقها على الجزء الأخير منه تماما، ونبهتُ إليه منذ زمن طويل عند وضعى كتاب "المستشرقون والقرآن" فى أوائل ثمانينات القرن الماضى. ومن هنا كان ترحيبى فى ذلك الكتاب بما صنعه الشيخ بو بكر حمزة فى ترجمته الفرنسية للقرآن المجيد، إذ أَلْفَيْتُه يترجم الآية القرآنية بما يراه أقرب إلى اقتناعه، لكنه لا يكتفى بهذا، بل يثبت فى الهامش بعض المعانى الأخرى التى يمكن أن تفسَّر الآية بها (انظر كتابى: "المستشرقون والقرآن- دراسة لترجمات نفر من المستشرقين الفرنسيين للقرآن وآرائهم فيه"/ ط2/ دار القاهرة/ 1423هـ- 2003م/ 87. هذا، وقد ظهرت الطبعة الأولى منه عام 1984م. أما تأليفه فكان قبل ذلك بسنتين على الأقل).
وبعد، أَفَلَوْ كان المفسرون القدماء والتقليديون معادين للمرأة حقا أكنا نقرأ فى تفاسيرهم وكتب أسباب نزولهم هذا الذى سنقرؤه بعد قليل مما يقف إلى جانب المرأة ضد الرجل أو يثنى على المرأة ثناء كبيرا أو يسهّل عليها حياتها...؟ جاء فى "أسباب النزول" للسيوطى: "قوله تعالى: "ويسألونك عن المحيض... الآية": روى الترمذي ومسلم عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحابُ النبي صلى الله علي وسلم، فأنزل الله "ويسألونك عن المحيض... الآية"، فقال: اصنعوا كل شئ إلا النكاح".
"قوله تعالى: "الطلاق مرتان... الآية": أخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن عائشة قالت: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العِدّة وإن طلقها مائة مرة وأكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتَبِيني مني ولا أُووِيكِ أبدا. قالت: كيف ذلك؟ قال: أطلقك، فكلما همَّتْ عِدَّتك أن تنقضي راجعتُك. فذهبت المرأة فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت حتى نزل القرآن: الطلاق مرتان. فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان".
"قوله تعالى: "ولا يحلُّ لكم... الآية": أخرج أبو داود في "الناسخ والمنسوخ" عن ابن عباس قال: كان الرجل يأكل مال امرأته من النِّحْلة التي نحلها، وغيره لا يرى أن عليه جُنَاحا. فأنزل الله: "ولا يحلّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا". أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة. وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتردّين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فذكر ذلك له. قال: وتَطِيبُ لي بذلك؟ قال: نعم. قال: قد فعلتُ. فنزلتْ: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا...".
"قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبَلَغْن أجلهن فأَمْسِكوهن بمعروف... الآية": أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عِدّتها، ثم يطلقها. يفعل ذلك يضرها ويَعْضُلها. فأنزل الله هذه الآية. وأخرج السُّدّيّ قال: نزلت في رجل من الأنصار يدعى: ثابت بن يسار. طلق امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة ثم أمسكها مضارَّةً. فأنزل الله: ولا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا".
"قوله تعالى: "فاستجاب لهم... الآية": أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وابن أبي حاتم عن أم سلمة، قالت: يا رسول الله، لا أَسْمَعُ اللهَ ذَكَرَ النساء في الهجرة في شيء. فأنزل الله: فاستجاب لهم ربهم أني لا أُضِيع عَمَلَ عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى... إلى آخر الآية".
"قوله تعالى: "وآتُوا النساءَ صَدُقَاتِهنّ نِحْلَةً": أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوَّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك فأنزل: وآتوا النساء صَدُقاتِهن نِحْلَةً". "قوله تعالى: "للرجال نصيب...": أخرج أبو الشيخ و ابن حيان في كتاب "الفرائض" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورّثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا. فمات رجل من الأنصار يقال له: أويس بن ثابت، وترك ابنتين وابنا صغيرا، فجاء أبناء عمه... وهم عصبة، فأخذوا ميراثه كله. فأتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: ما أدري ما أقول. فنزلتْ: للرجال نصيب مما ترك الوالدان... الآية".
"أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن جابر قال: جاءت امرأة سعيد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعيد بن الربيع. قُتِل أبوهما معك في أُحُدٍ شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تُنْكَحان إلا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث...".
"قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا": روى البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زَوَّجوها، فهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند حسن عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف قال: لما تُوُفِّيَ أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج زوجته، وكان لهم ذلك في الجاهلية، فأنزل الله: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا. وله شاهد عن عكرمة عن ابن جابر. وأخرج ابن أبي حاتم و الفريابي و الطبراني عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: تُوُفِّيَ أبو قيس بن الأسلت، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنُه قيسٌ امرأتَه، فقالت: إنما أَعُدّك ولدا من صالحي قومك. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ارجعي إلى بيتك. فنزلت هذه الآية: ولا تَنْكِحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف. وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القُرَظِيّ قال: كان الرجل إذا تُوُفِّيَ عن امرأته كان ابنه أحق بها: أن يَنْكِحها إن شاء إن لم تكن أُمّه، أو يُنْكِحها من شاء. فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم يورّثها من المال شيئا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ارجعي لعل الله يُنْزِل فيك شيئا. فنزلت هذه الآية: ولا تَنْكِحوا ما نكح آباؤكم من النساء. ونزلت: لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا... الآية. وأخرج أيضا عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في ناس من الأنصار: كان إذا مات الرجل منهم كان أملك الناس بامرأته وَلِيُّه فيمسكها حتى تموت".
"أخرج سعيد بن منصور عن شعبان عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن عبد الله بن أبي كانت له أَمَتَان: مُسَيْكة ومُعَاذة، فكان يُكْرِههما على الزنا. فقالت إحداهما: إن كان خيرا فقد استكثرتُ منه، وإن كان غير ذلك فإنه ينبغي أن أَدَعه. فأنزل الله: ولا تُكْرِهوا فتياتكم على البِغَاء... الآية".
"أخرج الحاكم وصحَّحه عن عائشة قالت: تبارك الذي وَسِعَ سَمْعُه كلَّ شيء. إني لأسمع كلام خَوْلة بنت ثعلبة، ويَخْفَي عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرتُ له بطني. حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهَرَ مني. اللهم أشكو إليك. فما برحتْ حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: "قد سَمِعَ الله قول التي تجادلك في زوجها"، وهو أوس بن الصامت".
"أخرج أحمد و البزار و الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير قال: قَدِمَتْْ قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طَلَّقَها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها بهدايا فأبت أن تقبلها منها أو تُدْخِلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة أنْ: سَلِي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتْه، فأمرها أن تقبل هداياها وتُدْخِلها منزلها، فأنزل الله: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم"... الآية".
هذا، ولا شك أن القراء يذكرون ما أشرتُ إليه فى هذه الدراسة من أن أسما بارلس ومثيلاتها لا يمكن أن يكنَّ بمنجاة من ضغوط المجتمع الغربى، ذلك المجتمع الذى فتح لهن ذراعيه مرحبا وأتاح لهن فرصة العيش والاندماج فيه وأسبغ عليهن الوظيفة الباهرة والوضع الاجتماعى البراق فى الوقت الذى لا يتمتعن بعناصر القوة اللازمة للوقوف فى وجه هذه الضغوط العاتية، إن لم يكنّ قد خضعن عن وعى واختيار كاملين لهذه الضغوط. فالآن تعالَوْا نقرأ التقرير التالى الذى وجدته على موقع "دُويِتْشِهْ فِيلِهْ" الألمانى شاهدا على صحة ما قلتُه، وهو عن مؤتمر إسلامى نسائى انعقد فى مدينة كولونيا الألمانية فى يونيه 2008م بتنظيم وإشراف من إحدى المؤسسات الألمانية التى لا علاقة بينها وبين الإسلام إلا علاقة العداء له والتآمر ضده والرغبة فى القضاء عليه. وكان عنوان المؤتمر هو"قوة النساء في الإسلام: توجهات وإستراتيجيات نسائية للقرن الـ21". وفى ذلك التقرير كتبت الصحفية نيللى عزت: "كان هذا عنوان مؤتمر دولي اختتمت أعماله يوم 12 يونيو/ حزيران في مدينة كولونيا حيث قامت مؤسسة فردريش إيبرت الألمانية بتنظيم هذا المؤتمر بمشاركة عدد كبير من الشخصيات والمنظمات النسائية الإسلامية البارزة من مختلف الدول والخلفيات الثقافية. وناقش المؤتمر في جلساتٍ وورشِ عملٍ عدةَ محاور منها: فكرة احتكار الرجال لباب الاجتهاد والتفسير فيما يتعلق بالقرآن والسنة، وقضايا الشريعة الإسلامية ومدى مطابقتها لواقع العالم المعاصر، وحقوق المرأة المسلمة بإصلاح قوانين الأحوال الشخصية، والجدل حول الحجاب، وخاصة في تركيا.
الدكتورة أمينة ودود، أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة بيركيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، دعت في المؤتمر المنظمات النسائية الإسلامية في العالم إلى كسر احتكار وهيمنة الرجل على باب الاجتهاد والتفسير في القرآن والسنة النبوية. وأشارت إلى أن الإسلام دين أنصف المرأة وأعطاها حقوقها، ولكن بعض الرجال ممن قاموا بتفسير القرآن جانبهم الصواب، وأَعْطَوْا أنفسهم الهيمنة على المرأة وقراراتها، وهو الأمر المخالف لطبيعة الإسلام السمحة، التي تعطي الحق للمرأة في تقرير مصيرها، مَثَلُها مَثَلُ الرجل. وعبرت ودود عن تمسكها في إيجاد سياقات من داخل الإسلام، وليس من خارجه، لتتناسب مع روح الحداثة في عالم اليوم. وقالت: "إننا كنساء نسعى للحصول على المساواة مع الرجل، سواء في اقتحام مجال التفسير والاجتهاد في القرآن أم في الحصول على حقوق أخرى، متمسكين (الصواب: "متمسكات") في الوقت نفسه بإسلامنا حيث إن الإسلام والمساواة أمران غير متضادين. فالإصلاح يأتي من داخل الإسلام وقيمه الحقيقية، وليس بالبعد عنه". ورأت أن النساء سابقا لم يكن لديهن الحق في الاشتراك في التفسيرات القرآنية، ولم يكن هناك أي مدرسة فقه نسائية، حيث كان الأمر حكرا على الرجال، ولكن لا بد لهذا الوضع أن يتغير الآن.
فعلي سبيل المثال عندما يتم السؤال عن سن الزواج يقول الرجل في تفسيره إن النبي محمد (الصواب: "محمدا") تزوج عائشة وهي في التاسعة من عمرها، ومن هنا يمكن الزواج بفتاة في مثل هذا العمر. ولكننا كنساء لدينا تفسير مختلف، ونقول للرجل: لا يمكنك ذلك لأننا كنا في الـ9 من عمرنا، ونعلم أن المرأة لا تكون مهيأة للزواج في هذا السن. وقالت: إننا كنساء أجدر بأمورنا الآن من أن نتركها للرجل، ويجب علينا تفسير الآيات المتعلقة بنا وإعطائها (الصواب: "وإعطاؤها") سياقا يتماشي مع العصر الحالي. وأكدت المحاضِرة في جامعة بيركيلي أنه لا بد من تعليم المرأة المسلمة وتثقيفها وتشجيعها على التفكير والاجتهاد. كما طالبت بضرورة سن قوانين تدعم المساواة بين الجنسين في العالم الإسلامي، مُشِيدَةً بقانون الأحوال الشخصية بالمغرب وعقد الزواج الجديد في مصر والذي يسمح للمرأة بوضع كافة شروطها على الرجل.
أسنا حسين من إندونيسيا طالبت في ورشة عمل بالمؤتمر حول الشريعة الإسلامية بضرورة التعمق أولا في اجتهادات وتفسيرات العلماء المختلفين قبل الدخول في تفسيرات جديدة حيث إن هناك علماء قاموا بتفسيرات مناسبة للعصر الحالي، ومنهم الزمخشري، وذلك حتى تستطيع النساء الركون إلي أرضية متميزة قبل الدخول في تفسيرات جديدة لنتعلم من مواطن الضعف والقوة في التفسيرات السابقة، بحسب قولها. وأضافت حسين أن مشكلات المرأة المسلمة لا تنبع كلها من الدين حيث إن معظمها يعود للأحوال الاقتصادية والسياسية السيئة في معظم الدول الإسلامية.
أما المحامية المغربية مليكه بن راضي فألقت الضوء بالمؤتمر على قانون الأحوال الشخصية الجديد بالمغرب، مطالبة بحاجة المجتمع العربي والإسلامي لتغيير نمط الثقافة والعادات السائد فيه تجاه وضع المرأة، وخاصة أن الدين الإسلامي أعطي المرأة حريتها كاملة دون الاعتماد على الرجل، ولكن العادات والثقافة السائدة هما أسباب التأخر الذي تعانيه المرأة في العالم العربي.
كما ناقش المؤتمر أزمة الحجاب في تركيا. وتحدثت الدكتورة التركية أسيا باسيبيويك المتخصصة في العلوم السياسية بجامعة فيينا أن الحجاب لا يعدو قطعة بسيطة من القماش، ولكنْ نَسَج حولها الإعلامُ الغربي الكثير من القصص باعتبار الحجاب رمزا للتطرف والإسلام السياسي. وأكدت في حوار مع موقعنا أن المشكلة تكمن في هذا التعريف السيئ للحجاب والتي يكون الحل طبقا لهذا التعريف التخلص من الحجاب والفتيات المحجبات. ومن هنا ترى ضرورة إعادة تعريف الحجاب بوصفه حقيقة واقعة في دولة تركيا. وقالت إن ما يحدث الآن في تركيا بمنع الحجاب في الجامعات يعد شيئا سيئا للغاية، وخاصة أن الإسلام جزء من تركيا بجانب كونها علمانية، فيعود ظهور الحجاب بوضوح في تركيا إلي فترة الثمانينات من القرن الماضي أثناء الهجرة من القرى للمدن التركية. وأضافت أن الغرب ينظر نظرة غير محايدة للحجاب، فهو لا يرتبط بتحرر المرأة لأن التحرر الحقيقي الذي تحتاجه المجتمعات الإسلامية هو حق المرأة في الانتخاب والتعليم والحرية في اختيار ارتدائها الحجاب من عدمه. ولا بد أن يقف العالم الإسلامي والغربي بقوة وراء ذلك. كما طالبت بالوقوف في وجه أي رجل يفرض على المرأة ارتداء الحجاب أو خلعه رغما عنها باسم الإسلام لأن ذلك ليس من الإسلام في شيء".
وليلاحظ القارئ أن من الأسماء المدعوة إلى المؤتمر د. أمينة ودود، التى أمت الرجال فى الصلاة لأول مرة فى تاريخ الإسلام، اللهم إلا إذا صدقنا أبا الفرج الأصفهانى فيما قاله عن إمامة امرأة للرجال فى الصلاة طبقا لإحدى رواياته الماجنة التى لا يمكن أن يصدقها عقل، وبخاصة أن الأصفهانى معروف بالفحش والتدليس ولا يوقر شيئا ولا أحدا كما يشهد كتابه: "الأغانى"، الذى وردت فيه الرواية المذكورة. وكانت المرأة التى أمت الرجال فى الصلاة فى حالة سكرٍ بَيِّنٍ، وعليها غلالة شفافة تماما، فلما سجدت ترك المأمومون الماجنون الصلاة وهبوا يرقصون. والواقع أن فى الرواية، بغض النظر عن أنها رواية ماجنة بل مفحشة وكاذبة، درسا عظيما فيما نحن إزاءه، إذ ترينا على نحو عملى لا تمكن المماراة فيه ماذا يمكن أن يحدث عند إمامة المرأة للصلاة، مع تسليمى الكامل بأننا هنا أمام حكاية مخترعة مفعمة بالفحش والمبالغة والتزيد. ذلك أن المغزى واضح تمام الوضوح رغم كل شىء. وهنيئا لأمينة ودود أنْ كانت إمامة تلك المغنية صاحبة مطيع ورفاقه هى السابقة الوحيدة لما صنعته هى ومثيلاتها من النسويات المنتميات إلى الإسلام، إذ لو راحت تفتش التاريخ الإسلامى كله لتجد امرأة تؤم الرجال فى الصلاة لما وجدت إلا جاريتنا ذات الغلالة الشفافة التى ليس تحتها شىء!
وانظر كذلك إلى ودود كيف تبدى رغبتها العارمة فى إذلال الرجل، بقولها إننا نريد أن تفرض المرأة شروطها على الرجل. طيب، إذا كان الأمر كذلك فعلى الرجال أن يتيقظوا إذن وألا يعطوا المرأة الفرصة لنيل أى شىء ما دامت هذه هى نيتها. لو أن ودود قالت إننا نريد أن نخصع نحن الرجال والنساء لشرع الله لكانت مخلصة لقضية المرأة ولدينها على السواء. أما ما صرحت به فهو مخيف، إذ يصور العلاقة بين الجنسين على أنها معركة، وأنه ينبغى أن يكون النصر فيها للنساء لكى يُذْلِلْن الرجال ويمرغن أنوفهم فى الرَّغام ويفرضن شروطهن عليهم بوصفهن الغالبات، ويجعلنهم يمشون على العجين فلا يلخبطونه. وهذا إن لم يطلبن منهم أن يعملوا أمام الجمهور عجين الفلاحة ويفرّجن عليهم أمة محمد وعيسى وموسى وبوذا وكونفشيوس وزرادشت وسائر الأنبياء والمصلحين: الصادقين منهم والكاذبين أجمعين.
كذلك أرجو من القارئ أن يتنبه إلى ما قالته الأستاذة التركية أسيا باسيبيويك عن أنه لا يصح للرجل أن يفرض الحجاب على المرأة. ومرة أخرى لقد كان بمكنتها أن تقول بدلا من ذلك إنه يجب أن تتبع المرأة ما تأمرها به الشريعة فى هذا المضمار. ذلك أن الحجاب ليس شريعة الرجال، بل شريعة الله. لكنها قد أهبطته من هذا الأفق السامى إلى الأرض وجعلته تشريعا بشريا لا إلهيا كى يتسنى لها أن تبدى اعتراضها عليه. صحيح أنها أنكرت أيضا على الرجل أن يمنع المرأة من التحجب. لكن المهم أنها أشاعت الاضطراب فى الأمر كله بحيث تسنطيع أن تسرّب فيه على نحو هادئ ماكر إنكارَها على الرجال دعوة نسائهم إلى التحجب، مستعينة فى ذلك بالغرب كما ألمحت. فهذا هو كل ما يهمها فى الأمر، أما الباقى فليس سوى ذَرٍّ للرماد فى العيون! ولكن ليس فى الأمر أية غرابة إذا ما استحضرنا ما قالته أمينة ودود حين عبرت عن تمسكها في إيجاد سياقات من داخل الإسلام، وليس من خارجه لتتناسب مع روح الحداثة في عالم اليوم. وهو ما يذكّرنا بما قاله أحد المبشرين من أنه ينبغى استخدام غصن من شجرة الإسلام فى صنع فأس يقطعون به تلك الشجرة ذاتها.
ترى هل جاء الإسلام ليسير خلف الحداثة الأمريكية بكل ما فيها من إلحاد وخمر وخنزير وعهر وشذوذ وغطرسة وعدوان على الأمم المستضعفة ونهب لثرواتها وتدمير لبيوتها ومدنها وقراها وتفتيت لدولها وتقتيل لرجالها ونسائها وأطفالها وحيوانها وتعضيد لمستبدّى حكامها؟ أم هل جاء الإسلام ليقود هو ركب الحضارة؟ وأنا حين أقول هذا لا أستطيع أن أخالف ضميرى فأنكر على الحضارة الغربية ما فيها من وجوه النفع والفائدة، وهى كثيرة متعددة. إلا أن جوانب الضر فيها كبيرة أيضا، وكبيرة جدا، فضلا عن أن النفع الحقيقى والجوهرى لتلك الحضارة غير مسموح بتصديره إلى الأمم الأخرى. أما الإسلام فيخلو من شرور تلك الحضارة، التى هى، كما قلنا، كبيرة وكثيرة. وهنا أرجو ألا نخلط بين الإسلام والمسلمين: فالإسلام هو دين الله، الذى ينبغى أن يقود ولا يقاد، أما المسلمون فهم فى هذا الطور الحالى من تاريخهم قد بلغوا الحضيض بل وغاصوا فيما تحت الحضيض. وهم لا يقودون ولا يصلحون بوضعهم الحاضر للقيادة، وإلا فسد كل شىء فى أيديهم وانهار البناء الحضارى. لكن الإسلام شىء آخر تماما.
كذلك أحب أن أهدى الأستاذة التركية التى تناولت موضوع الحجاب، ومعها القراء الفضلاء، المقال التالى الذى بثته شبكة "فلسطين الـ48" على المشباك (الإنترنت) ليَرَوْا كيف تتصرف كلية ألمانية مُنْشَأَة فى بلاد العرب والمسلمين مع مدرّسة من مدرّساتها ارتدت الحجاب فهاجت إدارة الكلية وأبعدتها عن التدريس تمهيدا لفصلها. ولنلاحظ أنها كلية "ألمانية" كالمؤسسة "إياها" التى جمعت الأستاذة التركية وأمينة ودود وأشباههما فى مؤتمر لمناقشة بعض الشؤون الإسلامية النسائية. ونقرأ فى المقال: "أثار طَرْدُ مدير كلية شميدت للبنات في القدس نيكولاس كيرشر، المعلمة نادرة النمري (56 عاما) ومَنْعُها من مواصلة عملها بسبب ارتدائها الحجاب، حفيظةَ أهالي الطالبات وعدد من خريجات الكلية والمعلمات والطالبات حيث قام المدير وسكرتيرته باصطحاب المعلمة نادرة النمري، يوم السبت الماضي 22/ 5/ 2010 خلال أدائها لعملها، لغاية بوابة الكلية، وأبلغها أن السماح لها بمواصلة عملها مشروط بنزعها الحجاب. ويأتي ذلك بعد 27 عاما من العمل في الكلية. وقد شهدت ساحة كلية شميدت أمس الثلاثاء لأول مرة في تاريخ الكلية اعتصاما احتجاجيا من قِبَل أولياء الأمور وعدد من خريجات الكلية والمعلمات والطالبات للتعبير عن احتجاجهم على هذه الخطوة، والْتَقَوْا مع ممثل الجمعية الألمانية للأراضي المقدسة بيرند موسنجوف، الذي قال: "نحن لم نفصل المعلمة نادرة النمري، وإنما قلنا لها: اخرجي من المدرسة، بينما يقوم محامينا بدراسة الوضع".
وعندما شاهدت الطالبات معلمتهن نادرة النمري في ساحة المدرسة تعلقن بها وأخذن يبكين وطالبنها بالبقاء بالمدرسة وعدم تركها، فيما قالت إحدهن: "لماذا لا تطالب إدارة المدرسة الراهبات بخلع غطائهن كما طلبت من معلمتنا خلع حجابها؟". وفي لقاء مع والد طالبتين بالكلية نبيل إزحيمان قال: "آسف للقرار الأخير الذي اتخذته المدرسة بإنهاء خدمات المعلمة نادرة النمري لمجرد قرار شخصي بارتداء الحجاب، لأن هذا القرار يشكل صفعة للدور التربوي الذي يجب أن يكون في مؤسسة تربوية، ويشكل عمليا إعداما لمبادىء التسامح والتعددية وقبول الغير واحترام الديانات والقرارات الشخصية لأعضاء الهيئة التدريسية". وأضاف: "لقد توقعنا من مؤسسة تربوية واجبُها زرعُ القيم الانسانية في طالباتها أن تكون هي المبادِرة في العمل بموجب هذه القيم. ولكن قرار المدرسة هذا يفهم منه أن هذه المدرسة لا تُكِنّ أي نوع من أنواع الاحترام لا للديانه الاسلامية ولا لقرارات المدرسات بلبس الزي الاسلامي". وتابع: "أنا أحترم الهوية الكاثوليكية للمدرسة. لذلك قررت أن أدخل بناتي للمدرسة بسبب هذه الهوية لإيماني السابق أن هذه المدرسة تقوم على مبادىء التسامح واحترام الغير. لكن هذا القرار الأخير يعيد الكاثوليكية إلى أيام محاكم التفتيش وإلى الأيام المظلمه في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وهي ليست الكنيسة الكاثوليكية التي تنادي بالتسامح واحترام الغير والمساواة بين الأديان واحترام الحريات الشخصية".
وأوضح زحيمان أن مدير المدرسة لم يحضر التظاهرة، وآثر أن يبقى بمكتبه. وهي عبارة عن تظاهرة عفوية من الأهالي لاستنكار هذا القرار. ونأسف أن المدير لم يخرج لمقابلة المعتصمين والاستماع لرسالتهم، ولكن هذه الرسالة مهمة لإدارة المدرسة. وقال: "الرسالة اليوم صادرة عن أولياء أمور طالبات مسيحيين ومسلمين إلى إدارة المدرسة بضرورة احترام الحريات الشخصية والعمل بموجب المبادىء التي تقول إن الانسان بأفعاله وعقله ومهنيته، وليس بلبسه وشكله الخارجي". وطالب إزحيمان بأن تحترم هذه المؤسسة أفراد الطاقم الأكاديمي والطالبات وأولياء أمورهن وقراراتهم الشخصية المتعلقة بلباسهم دون تفرقه على أساس ديني، وتماشيا مع هذا الاحترام إعادة المعلمة المقاله إلى وظيفتها. وأكد أن كثيرا من أولياء الأمور، وهو من بينهم، يفكرون جديا في حال بقيت المدرسة على قرارها ونهجها بالبحث عن مؤسسة أخرى تتلقى فيها بناتنا التعليم المبني على أسس التعددية والديمقراطية واحترام الغير والقيم الانسانية الأخرى.
وقالت والدة إحدى الطالبات: هذا القرار يعطي قيمة خاطئة للبنات، وهي التفرقة على أساس الدين وعدم احترام الحرية الشخصية، وتمرير مفهوم "ولا عُمْرِك تفكّري بارتداء المنديل". وأضافت: "لقد شاركت اليوم في الاحتجاج من أجل ابنتي في المدرسة، والتأكيد أمامها على الحرية الشخصية والفكرية والدينية، لو حتى في النهاية اضطررت لإخراجها من المدرسة". وأشارت أن مدير المدرسة الحالي كيرشر كان مديرا لمدرسة شميدت في الاسكندرية، التي جميع طالباتها ومعلماتها متحجبات، وتساءلت: لماذا هناك يرتدون الحجاب، وهنا تُفْصَل معلِّمة لارتدائها الحجاب؟ ونَوَّهَتْ أنه قبل مدةٍ اعترض أولياء الأمور على بعض معلمات المدرسة أكاديميا، وكانت حجة المدير حينها: لا أقدر دفع التعويضات لهن. فلماذا تفصل المعلمة نادرة دون أن يكون ضدها أي اعتراض؟
أما القسيس إبراهيم عازر قال: "نحن هنا شعب واحد لا يوجد فرق بين الديانة المسيحية والاسلامية، ولكن يوجد قوانين للمؤسسات". وقالت جمانا ناصر الدين: "أنا خريجة المدرسة، وبناتي تخرجن من المدرسة، واتفاقية جنيف تقول: "ممنوع التمييز في العرق والدين ولون البشرة". وبهذا التصرف تخلق إدارة المدرسة تمييزا من ناحية دينية. ومن نواحي تربوية ممنوع التمييز. وهذا الإجراء يجسد التمييز وخَلْق شرخ بين مسلم ومسيحي". وأكدت أن الشعب الفلسطيني حاليا في مرحلة النضال، وهذا ليس الوقت لخلق هذا الشرخ. وخاطبت ممثل الجمعية الألمانية بيرند: "التاريخ يذكرنا بالصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه والعهدة العمرية، التي تُعَدّ عبرة لكل الأجيال". وقالت والدة إحدى الطالبات: "عندما حضرتُ للمدرسة لتسجيل ابنتي، ورغم أنني لا أرتدي الحجاب، ولكني شعرت بالاستفزاز من عبارة السكرتيرة عندما قالت لي: ممنوع أن تفكر ابنتك في المستقبل بارتداء الحجاب".
وكان قد عقد اجتماع بين مجلس أولياء الأمور ومدير المدرسة وممثل الجمعية الألمانية في الساعة الرابعة عصر أمس. وقد وعد الأخير بدراسة القرار وإعادة النظر بقرار إقصاء المعلمة. من ناحيته وعد المدير بعدم التصعيد، وأولياء الأمور التزموا بذلك أيضا. ولكنهم أكدوا أنه في حال إصرار المدير على فصل المعلمة نادرة النمري سيقوم الأهالي بتصعيد خطواتهم الاحتجاجية، في حين وزع مدير المدرسة أوراقا على المعلمين وطالبات المدرسة اليوم الأربعاء تصف الاعتصام التضامني الذي قام به أولياء أمور الطالبات بأنه تجمع غير قانوني، وسَبَّبَ عدم الراحة والإزعاج لسلام المدرسة.
وفي لقاء مع المعلمة نادرة النمري قالت: "لقد قضيت حياتي في التعليم لمدة 27 عاما، وهذا مصيري بدل تكريمي. نحن نحترم دينهم، فلماذا لا يحترمون ديننا؟ هذه عنصرية! أين الحرية الشخصية؟". وأضافت: "لم أتوقع أن يرفض المدير ارتدائي الحجاب. وقد شعرت بالصدمة لردة فعله، فلم أتخيل أن أعلّم الدين بدون الحجاب. وفي المدرسة يوجد راهبات، وأنا أحترمهن. وما جرى هو تدخل في ديني وعدم احترامي وديني، بينما خَرَّجْتُ الأجيال طوال ال27 عاما. وقد عاصرتُ أربعة مدراء، وبين يوم وليلة يطردونني". وعبرت المعلمة نادرة بعد ارتدائها الحجاب بقولها: "الحمد لله. كثير مبسوطة ومرتاحة نفسيا. ومن سابع المستحيلات أن أنزع الحجاب. لو طَوَّبُوا لي كلية شميدت مقابل نزع حجابي لن أنزعه". وأضافت: "أنا ما زلت مصرة على العودة للتعليم في كلية شميدت، ولكن بالزي الشرعي. وعليهم أن يحترموني ويحترموا ديني. وهذا تعصب عنصري، مع العلم أن كل غرفة بغرف المدرسة يوجد فيها صليب، ولكني لا أتدخل بذلك إطلاقا لأنها علاقة الانسان مع ربه. وليس من حقي التدخل بدينهم، وهم لا يحق لهم التدخل بديني". ويُذْكَر أن المعلمة نادرة النمري تعمل معلمة للغة العربية والدين منذ عام 1983 في كلية شميدت للبنات، وتعلّم الدين للصف الأول الابتدائي حتى الخامس، وتعلّم اللغة العربية للصف الرابع.
وقالت النمري: "لقد ارتديت الحجاب بإرادة ربنا، فقد اكتشفت بعد طوال هذه السنوات في تعليم الدين لطالبات من مرحلة الأول الابتدائي حتى الخامس أنني أعلّم الدين دون أن أطبّقه، والذي يطالب بارتداء الحجاب الشرعي". وأضافت: "في تاريخ 3/ 5/ 2010 اجتمعت مع مدير المدرسة نيكولاس كيرشر، وطلبت منه التخصص في تدريس الطالبات بتعليم الدين فقط دون اللغة العربية، وارتداء الحجاب، ولكنه عارض في البداية وقال إنه سيسأل الراهبات. وبعد أسبوع وبتاريخ 12/ 5/ 2010 رد المدير لي جواب الراهبات بالرفض، وقال لي: إذا أصريت على ارتداء الحجاب قدمي استقالتك".
وأضافت: "وبعد ذلك توجهتُ لمحامي، ورأى عقد العمل الموجود معي وقال لي: لا يوجد أي بند في العقد يمنعك من ارتداء الحجاب. حينها قررت يوم السبت الماضي الموافق 22/ 5/ 2010 ارتداء الحجاب. وعندما دخلت المدرسة فُوجِئَتِ الطالبات بارتدائي الحجاب، وقدمن لي التهاني لارتدائه والمعلمات، ثم أخذتُ الطالبات وتوجهتُ لصَفِّي كالعادة. وبينما كنت في الصف آخذ الحضور والغياب حضرت السكرتيرة وطلبت مني الذهاب للمدير. وعندما دخلت عنده قال لي: لقد منعتك من ارتداء الحجاب. لماذا تلبسيه؟ إذا نزعتيه تتمكني من العمل في المدرسة. وخلال وجودي في المكتب وقعت على ورقة تفيد أنني سأرجع للتعليم في العام القادم. حينها قال لي المدير: لا يهم إذا وقعتيها. حينها قلت له: فإذًا أعطيني ورقة الفصل حتى أذهب. ولكنه طلب مني التوجه للمبنى الذي يوجد فيه الراهبة للحديث لها عن الأمر. ولكن عندما ذهبنا هناك لم تكن موجودة. وعندما تركتهم للتوجه لغرفة المعلمات من أجل أخذ أغراضي منعني المدير من ذلك وطلب مني الحضور لأخذها بعد الظهر، وأصر على عدم بقائي في المدرسة، ثم أوصلني والين خشرم حتى الباب الرئيسي للمدرسة. وأشارت النمري أن أولياء الأمور دَعَوْها للمشاركة في الاعتصام الذي نُظِّم أمس داخل المدرسة. وعندما وصلتِ المدرسة أخذت الطالبات بمعانقتها، وطلبن منها البقاء في المدرسة لتعليمهن. وبعد مغادرتها المدرسة لحقت بها الطالبات حتى منزلها، وطلبوا منها الرجوع للمدرسة".
أما بالنسبة إلى ما دعت إليه أمينة ودود من تولى النساء عملية التفسير والفتاوى الفقهية دون الرجال وزعمها أن النساء لم يكن لهن فى الماضى مشاركات فى تفسير القرآن والكتابة فى الدراسات الدينية فيكفى أن يرجع الإنسان إلى كتاب ككتاب "أعلام النساء" لعمر رضا كحالة، وهو كتاب متاح لمن يريد الاطلاع عليه، فيطَّلع فى هذا الكتاب وحده على المئات بعد المئات من أسماء النساء المحدِّثات، فضلا عن عدد غير قليل من الفقيهات والمفسرات كأسماء بنت أسد بن الفرات (ت250هـ)، التى اشتهرت برواية الحديث والفقه على رأى أهل العراق أصحاب أبى حنيفة، وأسماء بنت موسى الضجاعى اليمنية (ت904هـ)، وكانت تقرأ كتب التفسير والحديث وتعظ النساء وتؤدبهن، وأَمَة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل المحاملى (ت377هـ)، التى قرأت القراءات والفقه الشافعى والفرائض وغير ذلك من العلوم، وحفصة بنت سيرين (ت101هـ)، واشتهرت بالعبادة والفقة وقراءة القرآن، وخديجة بنت القيم البغدادية (ت699هـ)، وكانت قارئة للقرآن فقيهة متفقهة فى الدين، وخديجة بنت محمد بن إبراهيم المقرى (ت935هـ)، وكانت فقيهة ذات صلاح ودين، وخديجة بنت محمد بن أحمد الجوزجانى (ت272هـ)، وكانت فقيهة حنفية، وزينب، وهى فقيهة من فقيهات مكة اطلع حمزة فتح الله على مجلد فقهى من تأليفها فى مناسك الحج على المذاهب الأربعة (ت1220هـ)، وزينب بنت أبى البركات البغدادية (ق6هـ)، وقد درست الفقه والأدب، وزينب بنت أبى سلمة المخزومية، وكانت محدِّثة فقيهة، وزينب بنت فاطمة بنت عباس البغدادى (ت796هـ)، وكانت فقيهة فاضلة، وانتفع بها كثير من نساء دمشق ومصر، وست الوزراء بنت محمد بن عبد الكريم بن عثمان (ت736هـ)، وكانت متفقهة حنفية حفظت شيئا كثيرا من فقه أبى حنيفة، وأم السلامة بنت أحمد بن كامل (ت390هـ)، وكانت محدِّثة فقيهة، وبنت صدر الدين العاملى (ت1264هـ)، وكانت عالمة فقيهة لها تعليقة على شرح "اللمعة" فى الفقه، وطاهرة بنت أحمد بن يوسف الأزرق التنوخية (ت436هـ)، وكانت محدِّثة متفقهة، وعائشة بنت عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن الزجّاج، وروت كتاب"العزيزى فى غريب القرآن" للسجستانى، كما رُوِىَ عنها كتاب "فضائل القرآن" للبَجَلِىّ، وعائشة التيمورية (ت1902م)، وقد أخذت الفقه على إبراهيم مؤنس مع تعلم عدد من العلوم والفنون الأخرى، وعائشة بنت على بن محمد بن عبد الله بن أبى الفتح (ت840هـ)، وكانت تطالع كتب الفقه، وعائشة بنت الفضل بن أحمد الكسائى (ت529هـ)، وكانت محدِّثة فقيهة، وبنت على المنشار العاملى (ت بعد 1031هـ)، وكانت عالمة فقيهة محدثة، وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية (ت98هـ)، وكانت محدثة فقيهة، وأم عيسى بنت إبراهيم بن إسحاق الحربى (ت328هـ)، وكانت تفتى فى الفقه، وفاطمة بنت أحمد بن على (ق7هـ)، وقد أخذت عن أبيها كتابه فى الفقه: "مجمع البحرين"، وفاطمة بنت أحمد بن يحيى (ت840هـ)، وكانت عالمة فقيهة تستنبط الأحكام الشرعية وتتباحث ووالدها فى مسائل فقهية، وفاطمة بنت أسعد الخليل (ق13هـ)، وقد حفظت القرآن الكريم ودرست تفاسير جمة، وتلقت الفقه على أشهر علماء الشيعة، وفاطمة بنت عبد الله بن المتوكل على الله المطهر الحسنى (ت910هـ)، وكانت تعارض زوجها الإمام المتوكل على الله يحيى بن شرف الدين فى"جامع الأصول"، وتشاركه فى حل المشكلات، وفاطمة بنت قايتباى العمرى (ت892هـ)، وكانت تطالع التفسير والحديث، وفاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندى (ق6هـ)، وكانت عالمة فقيهة أخذت العلم عن جملة من الفقهاء وتصدت للتدريس وألفت كتبا متعددة فى الفقه والحديث، وكان زوجها الكاسانى ربما هَمّ بالفتيا فترده إلى الصواب وتعرّفه وجه الخطإ فيرجع إلى قولها، وفاطمة بنت محمد بن أحمد بن عبد الله العكبرى (ق8هـ)، وكانت عالمة فقيهة، وفاطمة بنت محمد بن مكى العاملى الجزينى (ق8هـ)، وكان أبوها يثنى عليها ويأمر النساء بالرجوع إليها فى أحكام الحيض والصلاة ونحوها، وفاطمة النيسابورية (ت323هـ)، وكان ذو النون المصرى يتعجب من فهمها للقرآن ويقول: إنها أستاذتى، وابنة فايز القرطبى (ت446هـ)، وقد أخذت عن أبيها التفسير والشعر وغيرهما، وتعلمت القراءات السبع وجوَّدتها، ومريم بنت على بن عبد الرحمن الهورينية (ت871هـ)، وقد حفظت القرآن فى صغرها و"مختصر أبى شجاع" فى الفقه، وأخت المزنى صاحب الشافعى، وكانت تحضر مجالس الفقية الكبير، ونقل عنها الرافعى فى زكاة المعادن، ونفيسة بنت الحسن بن زيد بن على بن أبى طالب، وقد حفظت القرآن المجيد وتفسيره، ويُرْوَى أن الإمام الشافعى لما دخل مصر حضر إليها وسمع عليها الحديث، وأم هانئ بنت على الهورينى (و778هـ)، وقد حفظت كتبا فى الفقه كـ"مختصر أبى شجاع" وغيره، وهُجَيْمَة بنت حُيَىّ الأوصابية الدمشقية (ت81هـ)، وكانت فقيهة كبيرة، وياسمينة السيراوندية (ت502هـ)، وكانت من ربات الوعظ والإرشاد، وكانت تفسر القرآن الكريم، وأسماء بنت أسد بن الفرات (250)، وكانت مشتهرة برواية الحديث والفقه، وخديجة بنت سحنون بن سعيد التنوخى (ت270هـ)، وقد أخذت العلم عن أبيها حامل لواء مذهب مالك بالمغرب، واستفتاها نساء عصرها فى معضلات الدين.
ومن عصرنا نستطيع أن نذكر بكل فخرٍ السيدة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، التى وضعت كتابين فى تفسير عدد من السور فأبدعت. ولم تكن تضع فى حسبانها واعتبارها سوى خدمة الإسلام والمسلمين لا الانصياع لجدول أعمال هذه الدولة الغربية أو تلك. وذلك فوق إتقانها العجيب للغة العربية وسيطرتها على أساليبها بخلاف نسوتنا المتأمركات اللاتى لا يعرفن لسان الضاد، أو لا يعرفنه معرفة تُذْكَر. وهناك الآن بعض نسوة مصريات يفسرن القرآن ويفتين فى الفقه على القنوات الفضائية وفى الصحف والمجلات. ويأتى على رأس النساء المفسرات جمعاوات بطبيعة الحال السيدة عائشة زوج النبى عليه السلام، فقد كانت فقيهة ومفسرة وراوية للحديث.
على أن يكون معلوما أن المرأة المسلمة فى العصور السابقة لم تكن تشارك فى الحياة العامة على نفس النطاق الواسع التى تشارك به الآن، ومن ثم لم تكن هناك مدارس فقهية نسائية كمدرسة مالك والشافعى وأبى حنيفة وابن حنيل وابن حزم. وبالمناسبة فعدد مؤسسى المدارس الفقهية بين الرجال جد قليل، والباقون مجرد تابعين لهذا المذهب أو ذاك. فليس غريبا، ومشاركة المرأة فى الحياة العامة هى هذه، أن تكون مشاركتها فى مجال الفقه على ذلك النحو المحدود. كذلك لم تكن المرأة المسلمة فى تلك العصور تشعر بأية غضاضة فى أن تختص بتدبير أحوال البيت وتربية الأولاد والقيام على شؤون زوجها المنزلية، بل تَعُدّ ذلك مملكتها الحقيقية. كما كانت تعتز بإسلامها، ولا تجد فى نفسها عقدة نقص، ولا يدور فى رأسها ولا حتى فى وهمها المشاركة فى مؤتمرات مشبوهة تحاك فيها الخطط الجهنمية التى يراد بها استئصال الإسلام. ببساطة لأن الدول الإسلامية كانت من القوة والمنعة، والدول الغربية من الضعف والهوان، بحيث لا يمكن التفكير فى عقد مثل تلك المؤتمرات الشيطانية أصلا! ولم تكن المرأة المسلمة ترى فى شرائع الإسلام ما يمكن أن يحيك بسببه أى شىء بصدرها لأنها تؤمن أن تلك الشرائع من عند الله، وأن ما هو من عند الله لا يتسق أبدا مع ما هو من عند مَرَدَة الشياطين.
أما بالنسبة إلى ما سماه أصحاب المؤتمر بـ"احتكار الرجال لِبَاب الاجتهاد والتفسير فيما يتعلق بالقرآن والسنة" فقد سبق القول إن هؤلاء النسوة اللاتى يرفعن أصواتهن بالاحتجاج على الرجل لا يعرفن أن كثيرا من النساء المسلمات قديما كن يشاركن فى الفقه والتفسير والحديث كما رأينا بأنفسنا. ونحن على كل حال نُسَرّ سرورا عظيما باشتراك النساء مع شقائقهن الرجال فى تفسير القرآن، فهن قَدُّها وقُدُودٌ، ولكن بنفس الشروط التى ينبغى أن يراعيها الرجال. ذلك أن القيام بعملية التفسير والفتيا هو عمل يحتاج إلى التبحر فى العلم من لغة وبلاغة وتاريخ وحديث وقراءات وتفسير، فضلا عن العلوم الأخرى التى لا تتعلق بالقرآن والفقه تعلقا مباشرا، وهى كثيرة. ولا يكفى أن تلم الواحدة من هؤلاء ببعض ما يقال فى هذا المجال باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، و بخاصة من كتابات المستشرقين وغير المسلمين، حتى تظن أنها صارت قادرة على النهوض بهذا العبء الثقيل الجليل.
لقد لاحظتُ مثلا أن أسما بارلس لا ترجع عادة إلى الكتب العربية وهى تتحدث عن القرآن وتفسيره، بل إلى ما كُتِب عن هذه الكتب بالإنجليزية أو ما أُخِذ منها مترجَمًا إلى الإنجليزية. وهذا لا يكفى أبدا، إذ من أدراها أن فهم الكاتب الوسيط، وبالذات إذا كان مستشرقا أو مبشرا، قد أصاب الحقيقة أو أنه قد صدق فى النقل والاستشهاد؟ ثم كيف يصح أن يدور فى ذهن أمثالها، وهى بذلك المستوى، أن تفسر القرآن، أو أن تضع على الأقل المعايير التى ينبغى تفسيره على أساسها؟ أما لالة بختيار، التى تصدت أو بالأحرى: طُلِبَ إليها أن تتصدى لتفسير القرآن فقد اعترض عليها بعض من حاوروها بأنها لا تحسن اللغة العربية، فكان جوابها أنها تتقن العربية القديمة، وأنها من ثم تستطيع أن تفسر القرآن. فتعالوا إلى ما قالته عن منهجها فى التفسير لنرى هل هى تقول الحق أو لا.
لقد ذكرت أن منهجها فى ترجمة القرآن الكريم يتلخص فى الاستعانة بمعجم "مَدّ القاموس" للمستشرق البريطانى إدوارد وليم لين لترجمة الآيات من خلال البحث عن معناها فى ذلك المعجم كلمة بعد كلمة بغية تقريب النص القرآنى إلى القارئ الإنجليزى المعاصر. فهل هذا يكفى أوّلاً؟ وهل هذا هو السبيل لدَرْك تلك الغاية ثانيا؟ وللجواب عن السؤال الأول أقول بملء فمى إن ما ذكرت السيدة بختيار أنه هو المنهج الذى اعتمدته فى ترجمتها للقرآن المجيد لا يكفى بتاتا. ذلك أن الترجمة ليست نقل ألفاظ سائبة من لغة إلى لغة، بل الترجمة نقل النص كله متماسكا. والنص ليس كلمات مفردة فقط، بل هو أيضا عبارات وتراكيب وصور وظلال وشيات وإيقاعات وتناغمات وفقرات. إنه كلٌّ متكامل شديد التعقيد... فكيف بالله يكفى أن تضع أمامها معجم لين، مهما كانت عبقرية مؤلفه، وتنظر فيه معانى الكلمات القرآنية كلمة كلمة على انفراد، ثم تقول إنها قد قامت بترجمة النص القرآنى؟
ولعل القارئ لا يزال يذكر ما كتبته أسما بارلس (زميلة بختيار فى الاتجاه النسوى المعادى للرجال) حين انتقدت طريقة التفسير القديمة التى تقوم، كما قالت، على تناول الآيات آية أية دون محاولة ربط النصوص القرآنية ذات الموضوع الواحد معا. أفلا يرى أن ما اتهمت به بارلس أولئك المفسرين الفطاحل ظلما وعدوانا إنما يوجد فى الحقيقة لدى بختيار دونهم، وعلى أسوإ صورة؟ ثم إن لين ذو أسلوب قديم، ولا يمثل ما يكتبه إغراء للقارئ المعاصر لكى يمضى فى القراءة. وفوق هذا فما من معجم إلا وهو يَعِجّ بالعيوب ونواحى النقص التى لا بد من الاستعانة عليها بأكبر قدر من المعاجم الأخرى. وأنا مثلا، رغم أنى لا أتصدى لمهمةٍ مثل تلك التى تصدت لها بختيار أو أريدَ منها أن تتصدى لها لغرض فى نفس يعقوب، لأكدّس عندى مئات المعاجم الورقية والضوئية لهذا السبب، إذ كثيرا ما لا أجد طلبتى فى أحد القواميس فأبحث عنه فى قاموس آخر أو أكثر حتى أجد شفاء نفسى. فكيف تظن بختيار أن معجما واحدا يكفى لمهمتها تلك الثقيلة؟ على أن هذا لا يزال غير كافٍ، إذ يجب على المفسر أن يرجع إلى كتب اللغة من نحو وصرف، وإلى الأشعار الجاهلية والإسلامية، وإلى كتب الحديث والتفسير والبلاغة، وإلى كتب أسباب النزول... ولا ينبغى أن ننسى الاستعانة بالتراجم القرآنية السابقة حتى نعرف ماذا قال الآخرون فى هذه الآية أو تلك، وإلا أفتظن بختيار أنها بنت بَجْدَتها أو أنها أول من ترجم القرآن الكريم إلى غير العربية؟
ولنأخذ واحدا مما ضَرَبَتْه من أمثلة على طريقتها فى الترجمة، وهو كلمة "اضربوهن" فى قوله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، التى تقول تعليقا عليها إنها لا تتصور أن الله، الذى تحبه كما تقول، يمكن أن يوافق على ضرب الزوجات، وإنها لهذا أخذت تبحث وتتقصى معانى تلك الكلمة حتى استطاعت، من خلال معجم لين، أن تضع يدها أخيرا على المعنى الصحيح الذى فات جميع المفسرين واللغويين على مدار الأربعة عشر قرنا الماضية، وهو "الذهاب بعيدا"، بمعنى أنه إذا لم يفلح الوعظ ولا الهجر فى المضجع مع الزوجة الناشز فليذهب الزوج بعيدا عنها، وإن لم تحدد بختيار للأسف مدى ذلك البعد، وهو ما من شأنه أن يربكنا نحن الأزواج المؤذين الذين نريد أن نضرب زوجاتنا: أهو يا ترى ترك الزوج للمنزل والبحث عن فندق يقيم فيه أم البيات على الرصيف المجاور أم الذهاب إلى ألاسكا والعيش هناك مع الإسكيمو حتى يضمن أنه سيكون بمنجاة من النكد الذى تسوّد به زوجته عليه حياته والذى لا يستطيع أن يعمل لزوجته شيئا حياله غير أن يأكل بعضه بعضا قهرا وغما وغيظا؟
إننا نقول: ضرب فلان فلانا، ونقصد أنه انهال عليه بالكف أو بالعصا مثلا. ونقول: ضرب فلان النقود، أى سَكَّها. ونقول: ضرب أخماسا لأسداس، والمعنى: تحير واضطرب. ونقول: ضرب فلان لفلان موعدا، يعنى: حدد وقتا للقائه. ونقول: ضرب الله على أذنيه، فيكون المقصود أنه أنامه نوما عميقا فلم يحس بشىء. ونقول: ضرب له طريقا، بمعنى شقه له. ونقول: ضُرِب فلان على الكَرَم، ومعناه أن الكرم طبيعة فيه وليس شيئا مكتسبا. وضُرِبَتْ على فلان الذلة، والمعنى: أحاطت الذلة به من كل جانب فلا يقدر على التخلص منها. ونقول: ضُرِبَتْ عليه الجزية، أى فُرِضَتْ. ونقول: ضرب الفحل الناقة: لقّحها. ونقول: ضرب فلان الخيمة، بمعنى: نصبها. ونقول: ضرب فلان عن فلان صَفْحًا، والمعنى: انصرف عنه أو أهمله. ونقول: ضرب فلان لفلان سهما فى ثروته، أى خصص له نصيبا منها. ونقول: ضرب فلان فى سبيل الله: جاهد. ونقول: ضرب الدهر بين فلان وفلان: فرَّقهما. وكذلك نقول: ضَرَب فلان فى الأرض، والمقصود ارتحل وذهب بعيدا... إلخ. وهذا هو المعنى الذى أخذت به بختيار من بين كل تلك المعانى وغيرها لترجمة قوله تعالى: "واضربوهن".فهل هذه ترجمة صحيحة؟ هل قولنا: "اضرب فلانا يا فلان" معناه: اتركه واذهب بعيدا عنه؟ الحق أن هذا هو الهزل بل الدجل بعينه، إذ إن ذلك المعنى لا يأتى من كلمة "ضرب" وحدها، بل من عبارة "ضرب فى الأرض" كلها. أما "ضرب فلان فلانا" فلا يمكن أن يكون له معنى غير أنه قرعه بيده أو بعصا مثلا. وقد ترجم لين فى معجمه المذكور هذا الفعل مجردا بـ"strike, beat, smite, hit"، وهو نفس ما قلناه. ولو كانت اللغات تؤخذ بتلك الطريقة التى تمشى عليها السيدة بختيار فقُلْ على الترجمة السلام.
ثم كيف يدل قوله: "اضربوهن" على الذهاب بعيدا؟ إن لدينا فى الآية الكريمة فعلا متعديا ومفعولا هو الضمير "هُنَّ" العائد على الزوجات. ومعنى هذا أن الضرب يقع على الزوجات. فكيف يكون المعنى: اذهبوا بعيدا؟ لو كان قد قيل مثلا: "اضربوا عنهن" لأمكن التمحل والقول بأن أصل الكلام: "اضربوا فى الأرض بعيدا عنهن" بعدما حُذِف منه شبه جملة "فى الأرض"، أو أنه "اضربوا عنهن صفحا" بمعنى: لا تبالوا بما يفعلنه واصفحوا عنهن. أمّا وهناك مفعول به مباشر فالمعنى: اضربوهن الضرب المعروف وآلموهن عقابا لهن على نشوزهن وعدم رجوعهن عن أسلوب العناد والتنكيد دون داع بعدما نصحتم وهجرتم فى المضجع وصبرتم وصابرتم، ولم يبق أمامكم إلا أن تطقّوا من أجنابكم أو تشعلوا النار فى أنفسكم. أما لالة بختيار أو من كتب لها الترجمة فيخلط بين عَيّوشة وأم الخير، وهو ما لا يصح ولا يصلح. وإلا فَلْتُرِنا هى أو هو أو هم شاهدا من لغة العرب على أن "ضرب فلان فلانا" معناها: "ذهب بعيدا".
كذلك فسبب نزول الآية يدل على أن المعنى الذى رفضته لالة بختيار هو المعنى الصحيح. جاء فى"أسباب النزول" للواحدى: "وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ، وَفِي امْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ. وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا. فَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعُوا. هَذَا جِبْرَائِيلُ أَتَانِي، وَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ. فَتَلاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَرَدْنَا أَمْرًا، وَأَرَادَ اللهُ أَمْرًا. وَالَّذِي أَرَادَهُ اللهُ تَعَالَى خَيْرٌ". وفى"أسباب النزول" للسيوطى: "أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: جاءت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القِصَاص. فأنزل الله "الرجال قوامون على النساء... الآية". وأخرج ابن جرير من طريق عن الحسن، وفي بعضها أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القِصَاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص، فنزلت "ولا تَعْجَلْ بالقرآن من قبل أن يُقْضَى إليك وَحْيُه"، ونزلت "‎الرجال قوّامون على النساء". وأخرج نحوه عن ابن جريج و السُّدِّيّ. وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من الأنصار بامرأة له فقالت: يا رسول الله، إنه ضريني فأثر في وجهي. فقال رسول الله: ليس له ذلك. فأنزل الله "الرجال قوامون على النساء... الآية". فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضا".
ولى هنا تعليق سريع، إذ لا أظن القراء الكرام قد نَسُوا بعدُ ما قالته أسما بارلس من أن التشريعات القرآنية الخاصة بالنساء قد رُوعِىَ فيها أنها تخاطب مجتمعا ذكوريا، ومن ثم لم تكن هى التشريعات المثالية، على أساس أن المجتمع لم يكن قد نضج بما فيه الكفاية كى تنزل التشريعات النهائية. وتعليقى هو أن علينا، بناء على هذا الزعم، النظر إلى موقف الرسول من ضرب الصحابى المذكور لزوجته على أنه متقدم على موقف الله بخطوة أو أكثر، إذ لم يراع صلى الله عليه وسلم أوضاع المجتمع العربى البدوى فى القرن السابع الميلادى وآثر أن يكون التشريع حاسما ونهائيا لولا أن جبريل قد نزل بتشريع يراعى تلك الأوضاع ويجحف بحق المرأة حبتين أو ثلاث حبات إلى حين، وبخاصة أنه عليه السلام قد أعلن أنه لا يحب أن يسارع الرجال إلى ضرب زوجاتهم كما سيتضح بعد قليل. أيعقل هذا؟
والغريب أن إحدى النسويات المنتسبات إلى الإسلام، وهى الباكستانية رفعت حسن، تزعم أن الاستعانة بالأحاديث النبوية فى تفسير القرآن قد أدت إلى الإجحاف بحق النساء وإيقاع الظلم بهن. نعم من الغريب جدا أن تقول هذا بعدما رأينا مدى العطف النبيل والاحترام الراقى لحقوق المرأة: أُمًّا وبنتًا وزوجةً من قِبَل الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام. ذكرتْ هذا زميلتها فى الجنسية الباكستانية والنزعة النسوية أسما بارلس فى ص 259- 260 من الفصل الذى عقدته لهذا الموضوع بعنوان "Women’s readings of the Quran" فى كتاب "The Cambridge Companion to the Quran". وهذه عبارة بارلس فى نصها الإنجليزى: "According to Hassan, it is the customary Muslim practice of interpreting the Quran by way of the the hadith…, that leads to misogynistic interpretation ".
كذلك من الأدلة على صحة هذا المعنى بل على أنه هو وحده التفسير الصحيح ما ورد عن النبى فى هذا الموضوع، إذ نصح المسلمين بقوله: "ألا عسى أحدكم أن يضرب امرأته ضرب الأَمَة؟ ألا خَيْرُكم خَيْرُكم لأهله"، "أَمَا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ: يَضْرِبُهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا آخِرَهُ؟". وليس هناك تناقض بين القرآن والحديث: فالقرآن إنما جوّز الضرب ولم يوجبه. وفرقٌ بين تجويز الشىء وجعله واجبا مفروضا: هذا أولا. وثانيا أن القرآن حين شرع الضرب إنما شرعه بعد استنفاد كل الأساليب الأخرى من وعظ ومخاصمة وما إلى ذلك. فماذا يفعل الرجل بعد هذا كله؟ أما إذا كانت المرأة لا تريد أن تعامَل بهذه الطريقة فهذا حقها، ولكن عليها ألا تنشز على زوجها أو أن تخلع نفسها منه. ومن ناحيته هو فإما أن يقبل التعايش معها على نشوزها وعدم رجوعها عن العصيان الذى لا مسوغ له، وإما أن يطلقها. وإذا آثرت هى الخلع أو الطلاق على أن يؤدبها زوجها فى حالة نشوزها فهى وما اختارت. أما الحديث فيوضح للمسلمين أن تجويز الضرب ليس معناه أنه هو الحل الأمثل، بل عليهم أن يعرفوا أنه لا يُلْجَأ إليه إلا عند الضرورة القصوى وأنه كالطلاق: بغيض رغم مشروعيته.
وفى تفسير"المنار" يقول الشيخ رشيد رضا رغم كراهيته للضرب من ناحية المبدإ: "يَسْتَكْبِرُ بَعْضُ مُقَلِّدَةِ الإِفْرِنْجِ فِي آدَابِهِمْ مِنَّا مَشْرُوعِيَّةَ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ النَّاشِزِ، وَلا يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ تَنْشُزَ وَتَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ، فَتَجْعَلَهُ وَهُوَ رَئِيسُ الْبَيْتِ مَرْءُوسًا بَلْ مُحْتَقَرًا، وَتُصِرُّ عَلَى نُشُوزِهَا حَتَّى لا تَلِينَ لِوَعْظِهِ وَنُصْحِهِ، وَلا تُبَالِيَ بِإِعْرَاضِهِ وَهَجْرِهِ. وَلا أَدْرِي بِمَ يُعَالِجُونَ هَؤُلاءِ النَّوَاشِزَ؟ وَبِمَ يُشِيرُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ أَنْ يُعَامِلُوهُنَّ بِهِ؟ لَعَلَّهُمْ يَتَخَيَّلُونَ امْرَأَةً ضَعِيفَةً نَحِيفَةً، مُهَذَّبَةً أَدِيبَةً يَبْغِي عَلَيْهَا رَجُلٌ فَظٌّ غَلِيظٌ، فَيُطْعِمُ سَوْطَهُ مِنْ لَحْمِهَا الْغَرِيضِ، وَيَسْقِيهِ مِنْ دَمِهَا الْعَبِيطِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَهُ مِثْلَ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الضَّرْبِ، وَإِنْ تَجَرَّمَ وَتَجَنَّى عَلَيْهَا وَلا ذَنْبَ، كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ غِلاظِ الأَكْبَادِ مُتَحَجِّرِي الطِّبَاعِ. وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَأْذَنَ بِمِثْلِ هَذَا الظُّلْمِ أَوْ يَرْضَى بِهِ. إِنَّ مِنَ الرِّجَالِ الْجَعْظَرِيَّ الْجَوَّاظَ الَّذِي يَظْلِمُ الْمَرْأَةَ بِمَحْضِ الْعُدْوَانِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي وَصِيَّةِ أَمْثَالِهِمْ بِالنِّسَاءِ كَثِيرٌ مِنَ الأَحَادِيثِ. وَيَأْتِي فِي حَقِّهِمْ مَا جَاءَتْ بِهِ الآيَةُ مِنَ التَّحْكِيمِ. وَإِنَّ مِنَ النِّسَاءِ الْفَوَارِكَ الْمَنَاشِيصَ الْمُفَسِّلاتِ اللَّوَاتِي يَمْقُتْنَ أَزْوَاجَهُنَّ، وَيَكْفُرْنَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِنَّ، وَيَنْشُزْنَ عَلَيْهِمْ صَلَفًا وَعِنَادًا، وَيُكَلِّفْنَهُمْ مَا لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَأَيُّ فَسَادٍ يَقَعُ فِي الأَرْضِ إِذَا أُبِيحَ لِلرَّجُلِ التَّقِيِّ الْفَاضِلِ أَنْ يُخَفِّضَ مِنْ صَلَفِ إِحْدَاهِنَّ وَيُدَهْوِرَهَا مِنْ نَشَزِ غُرُورِهَا بِسِوَاكٍ يَضْرِبُ بِهِ يَدَهَا أَوْ كَفٍّ يَهْوِي بِهَا عَلَى رَقَبَتِهَا؟ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّتِهِمُ الإِفْرِنْجِ يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمُ الْعَالِمَاتِ الْمُهَذَّبَاتِ وَالْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ الْمَائِلاتِ الْمُمِيلاتِ. فَعَلَ هَذَا حُكَمَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ، وَمُلُوكُهُمْ وَأُمَرَاؤُهُمْ، فَهُوَ ضَرُورَةٌ لا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْغَالُونَ فِي تَكْرِيمِ أُولَئِكَ النِّسَاءِ الْمُتَعَلِّمَاتِ، فَكَيْفَ تُسْتَنْكَرُ إِبَاحَتُهُ لِلضَّرُورَةِ فِي دِينٍ عَامٍّ لِلْبَدْوِ وَالْحَضَرِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْبَشَرِ؟
الأُسْتَاذُ الإِمَامُ: إِنَّ مَشْرُوعِيَّةَ ضَرْبِ النِّسَاءِ لَيْسَتْ بِالأَمْرِ الْمُسْتَنْكَرِ فِي الْعَقْلِ أَوِ الْفِطْرَةِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ، فَهُوَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي حَالِ فَسَادِ الْبِيئَةِ وَغَلَبَةِ الأَخْلاقِ الْفَاسِدَةِ. وَإِنَّمَا يُبَاحُ إِذَا رَأَى الرَّجُلُ أَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ عَنْ نُشُوزِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَإِذَا صَلَحَتِ الْبِيئَةُ، وَصَارَ النِّسَاءُ يَعْقِلْنَ النَّصِيحَةَ وَيَسْتَجِبْنَ لِلْوَعْظِ أَوْ يَزْدَجِرْنَ بِالْهَجْرِ، فَيَجِبُ الاسْتِغْنَاءُ عَنِ الضَّرْبِ. فَلِكُلِّ حَالٍ حُكْمٌ يُنَاسِبُهَا فِي الشَّرْعِ. وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالرِّفْقِ بِالنِّسَاءِ وَاجْتِنَابِ ظُلْمِهِنَّ وَإِمْسَاكِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ تَسْرِيحِهِنَّ بِإِحْسَانٍ. وَالأَحَادِيثُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ كَثِيرَةٌ جِدًّا".
وإذا كان لى فى هذا السياق من شىء أضيفه فهو رغبتى فى تأكيد ما قاله الشيخ رشيد رضا من أن الغربيين: كبارهم وعامتهم يضربون نساءهم. لكن المصيبة أنه حين يقع هذا من مسلم نراهم يقيمون الدنيا ويقعدونها ويأتون إلى هذه الآية ويقولون فيها البِدَع. وهو نفاق لئيم أثيم. إن الضرب موجود فى كل الأمم، ولدى أتباع كل الأديان، لكنه فى الإسلام لم يُشْرَع إلا للمرأة التى أوصلت زوجها إلى حالة لا تطاق بحيث لم يعد هناك إلا التفكير فى الطلاق. والضرب على كل حال يكون للتأديب لا للإهانة والتحقير. وهو إن كان لا بد منه فليكن ضربا غير مبرح. وقد جاء فى تفسير الطبرى لتلك الآية: "يعني بذلك جلّ ثناؤه: فعِظُوهنّ أيها الرجال في نشوزهنّ، فإن أَبَيْنَ الإياب إلى ما يلزمهنّ لكم فشُدّوهنّ وثاقا في منازلهنّ، واضربوهنّ ليَؤُبْنَ إلى الواجب عليهنّ من طاعة الله في اللازم لهنّ من حقوقكم. وقال أهل التأويل: صفة الضرب التي أباح الله لزوج الناشز أن يضربها الضرب غير المبرّح... حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ"، قال: تهجرها في المضجع. فإن أقبلت، وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرّح ولا تكسر لها عظما. فإن أقبلت، وإلا فقد حلّ لك منها الفدية". فلتختر المرأة ما تحب، وهى حرة فى اختيارها. وأيًّا ما يكن موقفنا من الضرب فإن ما صنعته لالة بختيار فى ترجمة الآية هو خطأ أبلق لا يمكن قبوله أبدا.
وبالنسبة إلى من يعملون على إيهام القراء أن ضرب المرأة لا يوجد إلا فى بلاد المسلمين وأنه يقع عَمَّالاً على بَطَّال نسوق إليهم هذه السطور التى اقتطفتها من مقال بعنوان "من صور تكريم الإسلام للمرأة" للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، المشرف العام على موقع "دعوة الإسلام" (www.toislam.net). يقول الكاتب إن "الذين يُولَعُون بالغرب ويُوَلُّون وجوههم شَطْرَه يوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن. ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك. فتعالوا نطالع الإحصاءات التي تدل على وحشية الآخرين الذين يرمون المسلمين بالوحشية: أ- نشرت مجلة "التايم" الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي (انظر "دور المرأة المسلمة في المجتمع"/ إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45). ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي (انظر "دور المرأة المسلمة في المجتمع" ص46). ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى أن 79% يقومون بضرب النساء، وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن. وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته. وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جدا، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليما؟ د- وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أُصِبْنَ بها كان دخولهن نتيجة الضرب. وقال إفان ستارك مُعِدُّ هذه الدراسة التي فحصت 1360 سجلا للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعا للجروح التي تصاب بها النساء، وإنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات والسرقة والاغتصاب مجتمعة. وقالت جانيس مور، وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن: إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل، فالأزواج يضربون نساءهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول عشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج. وأضافت بأن نوعية الإصابات تتراوح ما بين كدمات سوداء حول العينين، وكسور في العظام، وحروق وجروح، وطعن بالسكين، وجروح الطلقات النارية، وما بين ضربات أخرى بالكراسي والسكاكين والقضبان المحمَّاة. وأشارت إلى أن الأمر المرعب هو أن هناك نساء أكثر يُصَبْن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن، ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلبا للعلاج، بل يُضَمِّدن جراحهن في المنزل. وقالت جانيس مور: إننا نقدّر بأن عدد النساء اللواتي يُضْرَبْن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة. وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن (انظر "من أجل تحريرٍ حقيقيٍّ" ص16- 21. وانظر "المجتمع العاري بالوثائق والأرقام" ص56- 57). هـ - وجاء في كتاب "ماذا يريدون من المرأة؟" لعبدالسلام البسيوني (ص36-66) ما يلي: -ضرب الزوجات في اليابان هو السبب الثاني من أسباب الطلاق. -772 امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساوباولو البرازيلية وحدها عام1980م. -يتعرض ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين من الأمريكيات للإهانة المختلفة من أزواجهن وعشاقهن سنويا. -أشارت دراسة كندية اجتماعية إلى أن ربع النساء هناك، أي أكثر من ثمانية ملايين امرأة، يتعرضن لسوء المعاملة كل عام. -في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنويا من نساء يضربهن أزواجهن على مدار السنين الخمس عشرة الماضية. -تتعرض امرأة لسوء المعاملة في أمريكا كل ثماني ثوان. -مائة ألف ألمانية يضربهن أزواجهن سنويا، ومليونا فرنسية. -60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساءٍ تُسَاء معاملتهن".
وفى"ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب أن الخطوات الثلاث: الوعظ والهجر فى المضجع والضرب قد "شُرِعَتْ كإجراء وقائي عند خوف النشوز، للمبادرة بإصلاح النفوس والأوضاع لا لزيادة إفساد القلوب وملئها بالبغض والحنق أو بالمذلة والرضوخ الكظيم! إنها أبدا ليست معركة بين الرجل والمرأة يراد لها بهذه الإجراءات تحطيم رأس المرأة حين تَهِمّ بالنشوز، وردها إلى السلسلة كالكلب المسجور! إن هذا قطعا ليس هو الإسلام. إنما هو تقاليد بيئية في بعض الأزمان نشأت مع هوان "الإنسان" كله لا هوان شطر منه بعينه. فأما حين يكون هو الإسلام فالأمر مختلف جدا في الشكل والصورة. وفي الهدف والغاية:
"واللاتي تخافون نشوزهن فعِظُوهن". هذا هو الإجراء الأول: الموعظة، وهذا هو أول واجبات القَيِّم ورب الأسرة. عمل تهذيبي مطلوب منه في كل حالة: "يا أيها الذين آمنوا، قُوا أنفسَكم وأهليكم نارا وَقُودُها الناسُ والحجارة". ولكنه في هذه الحالة بالذات يتجه اتجاها معينا لهدف معين هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن. ولكن العظة قد لا تنفع لأن هناك هوى غالبا أو انفعالا جامحا أو استعلاء بجمال أو بمال أو بمركز عائلي أو بأي قيمة من القيم. تنسي الزوجة أنها شريكة في مؤسسة، وليست نِدًّا في صراع أو مجال افتخار! هنا يجيء الإجراء الثاني: حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تُدِلّ به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى ترفع بها ذاتها عن ذاته، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة: "واهجروهن في المضاجع". و"المضجع" موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها، وكانت في الغالب أميل إلى التراجع والملاينة أمام هذا الصمود من رجلها، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه في أحرج مواضعها! على أن هناك أدبا معينا في هذا الإجراء، إجراء الهجر في المضاجع، وهو ألا يكون هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين. لا يكون هجرا أمام الأطفال يورث نفوسهم شرا وفسادا، ولا هجرا أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها، فتزداد نشوزًا. فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ولا إفساد الأطفال! وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء. ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك. فهل تُتْرَك المؤسسة تتحطم؟
إن هناك إجراء، ولو أنه أعنف، ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز: "واضربوهن". واستصحاب المعاني السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها، يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا للانتقام والتشفي، ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضا للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها، ويحدد أن يكون ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المؤدب المربي كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربي مع تلميذه.
ومعروف بالضرورة أن هذه الإجراءات كلها لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطيرة، وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدع. فهي لا تكون إلا وهناك انحرافٌ ما هو الذي تعالجه هذه الإجراءات. وحين لا تجدي الموعظة، ولا يجدي الهجر في المضاجع، لا بد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر، ومن مستوى آخر، لا تجدي فيه الوسائل الأخرى. وقد تجدي فيه هذه الوسيلة! وشواهد الواقع والملاحظات النفسية على بعض أنواع الانحراف تقول: إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين وإصلاح سلوك صاحبه وإرضائه في الوقت ذاته! على أنه من غير أن يكون هناك هذا الانحراف المرضي الذي يعيّنه علم النفس التحليلي بالاسم، إذ نحن لا نأخذ تقريرات علم النفس مسلمات "علمية"، فهو لم يصبح بعد "علما" بالمعنى العلمي، كما يقول الدكتور" ألكسيس كاريل"، فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب نَفْسُها أن تجعله قيّما وترضى به زوجا إلا حين يقهرها عضليا! وليست هذه طبيعة كل امرأة. ولكن هذا الصنف من النساء موجود، وهو الذي قد يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة ليستقيمَ ويُبْقِيَ على المؤسسة الخطيرة في سلم وطمأنينة!
وعلى أية حال فالذي يقرر هذه الإجراءات هو الذي خَلَق، وهو أعلم بمن خلق. وكل جدال بعد قول العليم الخبير مهاترة، وكل تمرد على اختيار الخالق وعدم تسليم به مُفْضٍ إلى الخروج من مجال الإيمان كله. وهو سبحانه يقررها في جو وفي ملابسات تحدد صفتها، وتحدد النية المصاحبة لها، وتحدد الغاية من ورائها بحيث لا يُحْسَب على منهج الله تلك المفهومات الخاطئة للناس في عهود الجاهلية حين يتحول الرجل جلاّدا باسم الدين، وتتحول المرأة رقيقا باسم الدين، أو حين يتحول الرجل امرأة، وتتحول المرأة رجلا، أو يتحول كلاهما إلى صنف ثالث مائع بين الرجل والمرأة باسم التطور في فهم الدين. فهذه كلها أوضاع لا يصعب تمييزها عن الإسلام الصحيح ومقتضياته في نفوس المؤمنين!
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز قبل استفحالها، وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها فور تقريرها وإباحتها. وتولى الرسول صلى الله عليه وسلم بسُنَّته العملية في بيته مع أهله وبتوجيهاته الكلامية علاج الغلوّ هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة. ورد في السنن والمسند: "عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكْتَسَيْتَ. ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت". وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ذَئِرَتِ النساء على أزواجهن. فرخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن. ليس أولئك بخياركم". "وقال صلى الله عليه وسلم: لا يضرب أحدكم امرأته كالعَيْر: يجلدها أول النهار، ثم يضاجعها آخره". وقال: "خيركم خيركم لأهله. وأنا خيركم لأهلي".
ومثل هذه النصوص والتوجيهات والملابسات التي أحاطت بها ترسم صورة لصراع الرواسب الجاهلية مع توجيهات المنهج الإسلامي في المجتمع المسلم في هذا المجال. وهي تشبه صورة الصراع بين هذه الرواسب وهذه التوجيهات في شتى مجالات الحياة الأخرى قبل أن تستقر الأوضاع الإسلامية الجديدة، وتَعْمُق جذورها الشعورية في أعماق الضمير المسلم في المجتمع الإسلامي. وعلى أية حال فقد جُعِل لهذه الإجراءات حدٌّ تقف عنده متى تحققت الغاية عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات فلا تتجاوز إلى ما وراءها: "فإنْ أَطَعْنَكم فلا تَبْغُوا عليهن سبيلا". فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة، مما يدل على أن الغاية، غاية الطاعة، هي المقصودة. وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام. فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة قاعدة الجماعة.
ويشير النص إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بَغْيٌ وتحكمٌ وتجاوزٌ: "فلا تَبْغُوا عليهنّ سبيلا". ثم يعقّب على هذا النهي بالتذكير بالعَلِيّ الكبير كي تتطامَن القلوب، وتعنو الرؤوس، وتتبخر مشاعر البغي والاستعلاء إن طافت ببعض النفوس، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب: "إن الله كان عليا كبيرا". ذلك حين لا يستعلن النشوز، وإنما تُتَّقَى بوادره. فأما إذا كان قد استعلن فلا تُتَّخَذ تلك الإجراءات التي سلفت، إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة. وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخر! وهذا ليس المقصود ولا المطلوب. وكذلك إذا رُئِيَ أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي، بل سيزيد الشُّقَّة بعدا، والنشوز استعلانا، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة، أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار: "وإن خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنِهما فابعثوا حَكَمًا من أهله وحَكَمًا من أهلها. إن يريدا إصلاحا يوفِّقِ اللهُ بينهما. إن الله كان عليما خبيرا"...".
وفى مثل أولئك الزوجات اللاتى لا يسترحن ولا يرحن أزواجهن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله بن عباس قال:"أُرِيتُ النار، فلم أر منظرا كاليوم قَطُّ أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط". على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل هناك نساء غربيات يضربن رجالهن. وقد يكون السبب هو النزعة النسوية وما تدهورت إليه الحال بعدها، إذ تغرى تلك النزعة بعض النساء بالتعدى على رجالهن بالضرب.
 
ثم ما الذى فى قيام المرأة مثلا بتعليم أبنائها فى البيت مِنْ عيبٍ ينتفى عند تعليمها أبناء الآخرين فى المدرسة إذا اشتغلت مدرّسة، وكثيرا ما تشتغل؟ أو ما الذى فى قيام المرأة بتمريض أبنائها فى البيت مِنْ عَيْبٍ ينتفى عند تمريضها أبناء الآخرين فى المستشفى إذا اشتغلت ممرضة، وكثيرا ما تشتغل؟ أهى معاندة لمجرد المعاندة، والسلام؟ هذا، ولا بد أن نوضح أن إنفاق الرجل على زوجته ليس تفضلا منه يستطيع إيقافه متى أراد، بل هو واجب عليه دينا وعقلا وعدلا. أليست تشتغل فى البيت؟ فهذا مقابل لعمله هو خارج المنزل. فهى، حين تأخذ منه مصروف البيت وثمن ملابسها وزينتها ونزهتها، إنما تأخذه بوصفه حقا لها لقاء ما تؤديه من أعمال داخل البيت.
كلام موزون فجزاكم الله خيرا
 
وكنت أود لو أن د. أسماء بارلس لم تختص البلاد الإسلامية بالكلام عن العنف ضد المرأة، إذ إن هذا أمر لا ينحصر وقوعه فى بلاد المسلمين وحدها دون بقية بلاد المسكونة بل يعم العالم كله، وعلى رأسها الدول الغربية، التى ينتشر فيها أيضا، وعلى نطاق واسع، اغتصاب المرأة والمتاجرة بجسدها فى الإعلانات وبيوت الدعارة وشرائط السينما، والتحرش بها فى أماكن العمل رغم ما يشيع فى تلك البلاد من تفلت وشذوذ جنسى بجميع أنواعه مما قد يُظَنّ معه أنه كان ينبغى أن تختفى من المجتمعات الغربية مثل تلك الأمور،
هذا يعرفه القاصي والداني وان كنت خُبرت هذا وعايشته الى يومنا هذا من ربع قرن من الزمان، واراه واسمع عنه واشاهده في الأخبار والجرائد وتحكيه لي احداهن في العمل ..إلخ
ولكن العلمانيات العربيات وغيرهن يخفين هذا او يحجبه عقلهن عن ذاكرتهن!، وانا اشاهد في هولندا بعضهن يتجولن لعرض بضاعتهن النافقة لكنهن يفتن نساء كثر وعندي روايات شخصية ومقابلات في العمل وغيره فيها من ذلك الشيء الكثير
جزاكم الله خيرا ونفعنا بعلمك يادكتور ابراهيم
 
العلمانيات والنص القرآني

العلمانيات والنص القرآني

أسما بارلس جزء من حلقة النساء العلمانيات ،وتطفلهن على النص القرآني هو بدافع التبعية المفرطة للنسوية الغربية التي أعادت صياغة الكتاب المقدس الذي يحفل بكافة أشكال التمييز والاحتقار للمرأة ،وفي دراسة لي عن هؤلاء العلمانيات اتضح لي أمور منها أنهن يلجن إلى النص القرآني من داخل التراث اليهودي والمسيحي مما يجعلهن يفتعلن قضايا وهمية لا وجود لها في الدين الإسلامي ،الأمر الآخر تعاني النساء العلمانيات من إشكالية في المنهج فهن يوظفن مناهج غربية متضاربة في سبيل الإسقاطات الأيديولوجية،تدعي العلمانيات خصوصية الطرح والمنهج والحق أن الدارس لكتبهن يجد أن مصادرهن المعرفية لا تتجاوز الاستشراق والحداثة ،ادعت العلمانيات خصوصية وهمية كما ادعت النسوية الغربية هذه الخصوصية بينما الحقيقة التيارات النسوية متسلقة ومتطفلة على فلسفات الغرب،والحق أن طروحات الحداثيات هي عبارة عن النزول بالأفكار الحداثية إلى مستوى التجربة النصية.
 
بارك الله في ما كتبت يا دكتور إيراهيم ونفع بك .

وأحيي الأخت سهاد في الملتقى في أول مشاركة لها وننتظر منها الكثير في ملتقى الانتصار .
 
بارك الله فيكم .
صدر عن دار الفكر عام 1423هـ كتاب بعنوان (دعونا نتكلم : مفكرات أمريكيات يفتحن نوافذ الإيمان على عالم متغير) وقد ضم مجموعة أبحاث لأمريكيات مسلمات حول قضايا تهم المرأة المسلمة ، ومن ضمن البحوث بحث بعنوان (تفسير قرآني بديل ووضع المرأة المسلمة) للدكتورة أمينة ودود ، وهي مسلمة أمريكية من أصل إفريقي وتتبنى رؤية مشابهة لرؤية أسما بارلس ولها كتاب آخر مفرد وسعت فيه بحثها هذا ونشرته لها دار الفكر أيضاً . ويبدو لي أن تيار أمثالهما يتنامى في الولايات المتحدة ويحتفي بهن الإعلام كثيراً فقد استضيفت أمينة ودود كثيراً في قنوات أمريكية للحديث عن هذا الأمر وغيره من قضايا المرأة برؤية تجافي العلم وما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والتاريخ الإسلامي عن المرأة المسلمة ومكانتها في الدين الإسلامي .
ولعل في أمثال د. سهاد قنبر من الباحثات المسلمات من يتصدى لبيان الحقيقة في ذلك ومحاولة كشف شبهات أمثال د. أمينة ودود وغيرها .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
 
Qur 'an and woman : rereading the sacred text from a woman's
perspective
هذا هو العنوان الإنجليزى لكتاب د. أمينة ودود، التى صلت بالممسلين والمسلمات الجمعة منذ سنوات قليلة، وكان الرجال والنساء يصلون وراءها متجاورين دون فاصل بين رجل وامرأة، فضلا عن أن بعض النساء كن كاشفات شعورهن، وبعضهن أذن للصلاة وأاقامها فيما أتذكر. وقد أخذ الأمر منى سنوات حتى حصلت على الكتاب منذ عدة شهور. أما بالنسبة إلى كتاب د. أسما بارلس فقد وقع لى أولا فى أحد المواقع المشباكية غيركامل، فكتبت عنه دراسة فى نصف حجم الكتاب الموجود هنا، وهذه الدراسة موجودة فى موقعى وفى بعض المواقع الأخرى، ثم لما حصلت عليه كاملا توسعت فى الدراسة وأصدرتها كتابا هو الكتاب الذى بين يدى القراء. ولعلى أوفق قريبا إلى دراسة كتاب أمينة ودود بدوره وكتابة شىء عنه
 
عودة
أعلى