الرد على المستدرك على السلاسل : أحمد محمد فريد

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الجكني
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الجكني

مشارك نشيط
إنضم
02/04/2006
المشاركات
1,286
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
فقد كتب أحد أعضاء ملتقى أهل التفسير ـ واسمه الحسن بن ماديك ـ موضوعًا بعنوان : المستدرك على السلاسل الذهبية ، وكتاب السلاسل الذهبية هو لفضيلة العلامة المقرئ الشيخ / أيمن رشدي سويد حفظه الله تعالى .
ولما اطلعتُ على كلام صاحب المستدرك ـ الذي مطَّه مطًّا كعادتِه ـ رأيت أمرًا عجبًا ، فإني رأيت رجلًا يتَّهم غيرَه أنه اعتمد على نسخةِ كتابٍ بها أسقاطٌ وأغلاطٌ ، ثم هو ينقُل من النسخة نفسِها ، ثم إني رأيته يردِّدُ ويعيد أن في النشر سقطًا عريضًا ، فها هو يقول : ( ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع .. الذي قرأ كتاب النشر ... قراءة ابتدائية لم تنتبه إلى ما فيه ، تفتقر إليه ؟؟ من صفحات وفقرات بكاملها حذفت بعوادي الدهر أو سقطت من النساخ ) لما قرأتُ هذا الكلامَ ظننتُ في أول وهلةٍ أن قائلَه لديه أدلة قطعيةٌ على ما يقول ، كأن يكونَ رجع إلى نسخةٍ خطية موثَّقة ، بأن تكونَ مقابلةً أو مقروءةً على المصنف أو أحد العلماء مثلًا ، لكن خابَ أملي لما رأيتُه يقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فأيَّ فن يقصِد ؟ إنَّ فنَّ تحقيقِ النصوص يقول بالرجوع إلى نسخٍ موثَّقةٍ لذلك الكتابِ كما قدمتُ ، فإن كانت كذلك فلتقابلْ للحصول على الصورةِ التي ترك المؤلفُ كتابَه عليها أو أقربِ صورةٍ منها كما هو معلوم ، أما تلك النسخُ التي بين يديه فما أبأسَها به إن كانت جيدةً كما يقول ! فهو يخَطِّئ ما أطبَقتْ عليه كلُّها ولا يُبالي ، فبعد ثبوت كلمة ( الداني ) فيها ، كما يظهر من كلامه ، قال ـ في (7مكرر) عند استدراكه على طريق دوري أبي عمرو رقم (287) ـ ( وسبب التصحيف من الناسخين المتأخرين عن ابن الجزري أن لفظ ( الداني ) إنما جاء به بعض النساخ بدل لفظ ( الحافظ ) وشجع الناسخ قول ابن الجزري قرأ بها على أبي الفتح ) فيا عجبا ! أهكذا تورَدُ يا سعدُ الإبل ؟ أكلُّ النُّساخِ شجَّعهم أن ( الحافظ ) قرأ على أبي الفتح فأبدلوه ( بالداني ) ؟ ما أعلمَ النساخَ إذًا ! إنَّ ذلك لو كان احتمالًا لرُدَّ على قائله ، فها هو قد جزم به ، ليته اكتفى بما علق الشيخ به على هذه الطريق ؛ فإنه الأمانةُ العلميةُ بعينها .
إنَّ التساهُلَ في نسبةِ التحريفِ والسَّقطِ بلا بينةٍ إلى كتابٍ أُطلِقَ عليه بخاريُّ القراء ، يوجد منه فوق تسعين نسخةٍ معروفةٍ في العالم ، ثم التجرُّؤُ على نصه ، وترقيعُه من وحْيِ الفكرِ لتعدٍّ خطيرٌ ، ولا يوصفُ بأكثرَ من ذلك ، وهذا إذا أراده أحد بكتاب من كتب العربية الشهيرة ككتاب سيبويهِ أو مفصَّل الزمخشريِّ مثلًا ، لقام عليه الناس ، إذ هو طعنٌ في ميراثِ الأمَّةِ يأباه كل حُرٍّ ، فكتابُ الله وما يتعلقُ به أولى بذلك .
ولستُ بحاجة لأن أذكرَ لك أني رأيتُ عدةَ نسخٍ خطيةٍ نفيسةٍ كاملةٍ ولم أجد أثرًا لما ادَّعيتَ من السقط ، فأنت المدَّعي ، والبينةُ على من ادَّعى ، ودَعْ أن تقول : ( ويستدل من خبر هذا الفن ودراه عليها بالسياق ) فلا بينةَ في ذلك )، أما نسخُك الخطية فلم تعترف أنت بها ، فغيرك بذلك أولى .
ولك عليَّ أنت والناظرُ في كلامي أني إن نقلتُ من كتابٍ أو أحلتُ عيه ، فإنه كما ذكرتُ في مخطوطِه قبل المحقَّق منه ، والله الهادي .
قال في المستدرَك (1) : ( نسيها الدكتور أيمن تقليدا منه ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ النسخة المتوفرة من كتاب النشر ولعلها النسخة المطبوعة القديمة التي حققها الشيخ علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ ) .
أقول : لعل المستدرِك لا يعرف أن الشيخ يحقِّقُ النشرَ على أربع نسخٍ خطيةٍ إحداها مقروءةٌ على المصنف مرتَين ، وثانيةٌ مقابلةٌ على نسخة بخطِّه ، فالشيخ ـ سلمه الله ـ لا يعتمدُ النسخة المطبوعة ؛ لأن ذلك لا يناسب مستواه العلميَّ وتاريخَه في تحقيق النصوص ، ثم ألم ير المستدرِكُ في كتاب السلاسل ص 33ـ93 ما رجع الشيخ إليه من مخطوطاتِ أصول النشر ؟ أيقلدُ مثلُ هذا الرجل مثلَ تلك النسخة؟ ما دام المستدرك نفسُه يخطِّئُ نسخَه التي ذكرها في (7 مكرر) ، فهلا أحسن الظن بالشيخ وقال : لعله رجع إلى نسخة كنسختي ، بدلًا من أن يتقعَّرَ ويقولَ أنَّ الشيخَ ـ في أحسن الاحتمالات وأحسن المخارج ـ قلَّد المطبوعة ! .
وقد قسم ملاحظاتِه أو استدراكاتِه إلى نوعَين : عام وخاص .
أما العامة فقال فيها : ( 1 ـ تخصيص الكتاب بابتعاده عن تقريب تحرير الطرق والتعريف به ليسهل تمرير ما تضمنت السلاسل الذهبية من التدليس على العوام بإيهامهم أن كل رواية وحدة متكاملة منزلة هكذا تفصيلا في كل حرف منها وهو ما نأى عنه أئمة القراءات قديما ) اهـ .
قلت : إن ما في كتاب السلاسل الذهبية من أسانيدَ ومشجراتٍ موافق لما في كتب أصول النشر ، المخطوطِ منها قبل المحقَّق ، فإن كان ما في هذا تدليسًا فما في تلك كذلك ، فالمشجرات لا تتضمن إلا تبيينَ الطرق النشرية وعزوَها لكتبها وترقيمَها ، لتسهُلَ مراجعةُ الأسانيد عند تحرير أوجه الخلاف ، فهي خدمة جليلة لكتاب النشر ، لا يفهم منها من قريب ولا من بعيد أن كل رواية منزلة هكذا تفصيلًا كما زعم المستدرِك.
ثم ما هي العلاقة بين تعريف التحرير وتقريبه وبين تشجير الأسانيد ؟ وما العلاقة بين التشجير وفصل الرواية من القياس ؟ ألم يقرأ كل واحد على شيخه وهكذا إلى منتهى الإسناد كما في مشجرات السلاسل ؟ أتجدُ في تلك الأسانيدِ زيادةَ حرفٍ أو حركةٍ في كتابِ الله ؟ .
وماذا في نصَّي مكيٍّ اللذَينِ نقلتَهما من هدية ؟ إنه كلامٌ يعرفه طويلبُ علم القراءات ، فلتفرق أنت ـ يا شيخُ ـ بين تلك الأقسام التي ذكرها مكيٌّ إن استطعت .
يا لله ، ما أشنعَ التكلُّف !! كأنك تعني أن أسانيدَنا غيرُ متصلة بالنبيِّ ج حتى يفرَّق بين الرواية والقياس ، فلتخبرْني من سبقكَ إلى هذا الكلام ؟ ومن تختاره ـ يا تُرى ـ ليكونَ منتهى سندِنا ؟ ألم يقل الجزريُّ رحمه الله : ( وأعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن ، على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشان ، أن بيني وبين النبيِّ ج أربعةَ عشرَ رجلًا ) ؟ فلم المِراءُ في القرآن ؟ .
أما قوله : ( وليته انشغل ( يعني الشيخ ) بدل هذا الادعاء بتحرير طرق كل رواية على حدة ) فتطاوُلٌ لا داعيَ له ، وهو كقوله : ( وليته انشغل بتقصي الزيادات المقروءة وإظهارها .. قبل أن يوصله بالنبي عن جبريل عن رب العزة ) لأنك تراه يخرج فيه من نقد الكتاب إلى نقد صاحبه ، مع أن كتاب السلاسل ليس موضوعُه تحريرَ الطرق ، وهذا واضح من اسمه لمن يعرف العربية .
إن تلك الفكرةَ التي سيطرتْ على المستدرِك ـ أعني كونَ السلاسلِ كتابَ تحرير ـ أطالت عليه البحث ، وقوله ـ عند الكلام على ذوات الياء الواقعة في رءوس الآي للأزرق ـ : ( أما الشهادة كما في السلاسل الذهبية أن الخاقانيَّ تلقاها من شيوخه مسلسلة إلى النبي ..الخ ) خير دليل ، وأنا أسأله : هل تجدُ في كتاب السلاسل أن الخاقانيَّ قرأ بالفتح على شيوخه ؟ أو أن فلانًا قرأ كذا ؟ فلم تتعبُ نفسَك وتطيلُ الكلام وتقول : ( أنه لم يفصِّل ولو مرة واحدة ما أجمله ابن الجزري من طرق المصنفين في نشره أحرف الخلاف كقوله : وغيرهم ) وشبهَ هذه العبارات ؟ .
قال الشيخُ المستدرِك : ( 2 - الاقتصار على الأسانيد العامة والتي لا تتطلب جهدا وهي تسمية أسانيده إلى ابن الجزري وهذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ كل مجاز ) اهـ . قلت : إن تلك الأسانيد العامةَ التي يزعم أنها لا تحتاج إلى جهد قد وقع في بعضها من التحريفِ والتركيبِ ما الله به عليم ، وذلك معروفٌ يقِرُّ به من عنده أدنى قدرٍ من الإنصاف ، وقد قرأ شيخُنا ـ كما هو معلومٌ ـ على مشايخ الدنيا في الإقراء ، وتوفر عنده من الإجازات الخطية وكتبِ التراجمِ مع الفَهْمِ الثاقبِ والدِّرايةِ التامةِ والأمانةِ العلميةِ ما كان سببًا في تصحيح هذه الأغلاط ، ثم إن السلاسل أضاف وفَياتِ شيوخِ الإسنادِ المتوفرةَ وزياداتٍ في أسمائهم وأنسابهم ، أكلُّ هذا من عمل أي إملاء أو خط شيوخ المجاز ؟ إنني لا أستحيي أن أذكِّرَك أن ابن الجزريِّ نص على أن أكثرَ القراءِ لا علمَ لهم بالأسانيد .
قال : ( اقتصاره على تسمية أسانيد ابن الجزري إلى أمهات كتابه النشر وهذا من عمل ابن الجزري نفسه في كتابه النشر ) اهـ قلت : نعم هذا من عمل ابن الجزريِّ ـ وكذا الكتابُ كلُّه خلا ترقيعاتِك ـ لكنَّ ابن الجزريِّ رحمه الله دعى الكتبَ الجفَلى غيرَ مرتبةٍ ، فكانت بحاجة إلى ترتيبها أبجديًّا ليسهُلَ الرجوع إليها ، والاطلاعُ على ما كان منها بتلاوة القرآن أو بقراءة الكتاب أو سماعه أو الإجازة فيه ، ليُعلَمَ ما على شرْطِه وما ليس عليه منها ، وانظر ص 194 من السلاسل حتى تعلمَ ما فائدة تسميةِ أسانيد الجزري إلى أمهات النشر ، فإنك ستجد أنَّ لابن الجزري طريقًا واحدةً إلي ( الحافظ السِّلفيِّ ) ليست على شرطِه في انتقاء طرقه ؛ لأنها بإجازة السِّلفيِّ للكمالِ الضرير ، كما أنها بكتاب المستنير ، ولا يعلَمُ للكمال الضَّريرِ عن السِّلَفِيِّ حرفٌ فوق ذلك ، فما ذكرتَ في (7) مكرر محضُ غلطٍ ، ولتراجع النشرَ وغايةَ النهاية إن شئت .
قال : ( 3 - أنه لم يقم بتمييز الطرق التي حواها النشر ـ كلما نشر حرفا من أحرف الخلاف ـ وليست من طرقه بل هي للحكاية والعلم وهذا هو الجديد المفيد المستدرك الذي أضيفه لخدمة هذا العلم الشريف ) قلت : تقدمَ أن الكتابَ لم يوضع لهذا ، ثم إن من يضيفُ الجديدَ المفيدَ المستدرَك إلى هذا العلم عيبٌ في حقِّه أن يعزوَ إلى طبعاتٍ تِجارية ، وجودُها كعدمِه ، أعوزتْه أن يرجعَ عن كلامٍ طويل كتبه في الجزء (7) بخصوص طريق دوري أبي عمرو رقم ( 272 ) فيا ضيعة الأعمار ! لا أدري لم رجعتَ عن هذا الكلام ؟ ألأن أبا الحسنِ ( الجلاء ) كان في نسختِك ( الجلَّاد ) بالدال ولم تُبيِّن ذلك ؟ أم لأن الواو الساقطة في جامع البيان بينه وبين عبد الله بن الحسين سقطت من طبعتِك وحدَك ؟ أم لأنك رأيتَ أن تصويبَك طريقَ السلاسل ، وإضافةَ السامَرِّيِّ إليه ، بعد قول الجزريِّ : ( طريقُ أبي الحسن الجلاء ) مخالفةٌ صريحةٌ لنصِّ النشر ؟ .
لكن فاتكَ أن ادِّعاءَ سقوطِ ( أبي سلمةَ الحمراوِيِّ ) كادِّعاء سقوط ( السامَرِّيِّ ) تمامًا ، وأنه لا فائدة في إضافة ( أبي سلمة ) إلى ( الأنماطيِّ ) إذ شيخُهما واحد ، وعادةُ الجزريِّ الاكتفاءُ بواحد فقط في مثل تلك الحالة ، إذ لا فائدة من ذكر الآخَر ، فكأني بك تحب ترديد هذه الكلمة أعني كلمةَ : ( هناك سقط ) ، هلَّا فعلتَ ذلك في كتابٍ غيرِ النشرِ والسلاسل ، أما عن سبب سقوط الواو بين ( الأنماطيِّ ) و ( أبي سلمة ) فإنك تجدُه في قولك : ( ط دار الحديث ) فهي في نُسَخِي ثابتة .
إن تحرير مسائلِ النشر ليس كما تظن ، فالأمر أكبرُ من ذلك ، فإن كانت أصولُك صحيحةً وكنتَ من أهل الرَّوِيِّةِ فائتِنا ، وإلاَّ فما تأتينا فتحدثَنا .
وعلى مذهب الشيخِ المستدرِك فلا يوجدُ طرقٌ للحكاية والعلم ، فإنه كلما ذكر الجزريُّ كتابًا ـ لم يذكرْه عند عَدِّ طرقِه المنتقاة ـ عند أحرف الخلاف قال : سقط هذا الطريقُ من طرقِ فلان ، فماذا هو فاعل في قولِ ابنِ الجزريِّ ـ بعد ذكر طرق الراوي ـ ( فهذه كذا طريقًا عن فلان ) أكلُّ ما جاء من ذلك محرف أيضًا ؟! .
إن معنى الحكاية هو حكاية ما ليس على شرط المصنف ، وإن كان المصنف يرويه بسنده ، لكن لما كان بعض ما رواه ليس على شرطه عُدَّ ذكره له من باب الحكاية والتقوية ، ولنأخذ مثلًا قول الجزري في النشر عند كلمة ( شركائي ) للبزيِّ ، فقد فقال في الفقرة 3417 : ( وانفرد الداني عن النقاش عن أصحابه عن البزيِّ بحكاية ترك الهمز فيه وهو وجه ذكره حكاية لا رواية... نعم قرأ بترك الهمز فيه على أبي الحسن ولكن من طريق مضرَ والجنديِّ عن البزيِّ ) اهـ فأنت ترى ابنَ الجزري يذكرُ أن الدانيَّ ذكر عدمَ الهمزِ حكايةً ، مع أن الدانيَّ قد قرأ به وله به إسناد ، كما في جامع البيان (ط الشارقة 3/1272) .
 
قال : ( 4 - عدم وصله ما أمر به البحث العلمي أن يوصل مما سقط من كتاب النشر بعوادي الدهر ونسيان أو تصحيف أو تحريف النساخ ) قلت : هذا السقط الذي تدعيه نتيجةُ خيالِك ، أتحاسبُ غيرَك على وهْمٍ من صُنعِك أنت ؟ وهل يأمر البحثُ العلميُّ بالترقيعِ بناءً على الاحتمالات البعيدةِ أو الخاطئةِ ؟ أم هل يأمرُ بادِّعاء توافُقِ خواطرِ النُّساخِ واتِّهامهم جميعِهم بالتبديل ؟ وأظنك توافقني أنه لا يأمرُ بالرجوعِ إلى الطبعات التِّجارية في نقل النصوص .
فمن منكما قَطع ما أُمرَ بوصله ؟ أُرى أنَّ الشيخَ أَولى بالوصل ، وتاريخه في تحقيق النصوص يشهد بذلك .
أما الاستدراك الأول فهو الذي بخصوص طرق شعبة ـ وهو في القسم (2) من المستدرَك ـ فقد قال أن هناك سقطًا أصاب نسخ النشر عند هذا الموضع ، وأنه كاد أن يسقط من هول المفاجأة ، وأنه سقط من طرق شعبة من النشر والسلاسل طريقُ التذكرة لطاهر بن غلبون ، والإرشاد لأبيه ، والهادي لابن سفيان ، والهداية للمهدوي ، والتبصرة لمكي ، وذكر أن هذا على سبيل المثال لا الحصر .
وقال المستدرك : ( وعلمت ذلك بتتبعي الأحرف التي وقع فيها لشعبة أبي بكر الوجهان ) ثم ذكر نصوصًا من النشر فيها أوجه لشعبة يذكر الجزريُّ فيها أن في التذكرة كذا وفي الإرشاد كذا إلى أن قال : ( وسقط ذلك كله من أسانيد ابن الجزري لشعبة ورقعته بفضل الله من النشر نفسه !! ) .
قلت : قال ابنُ الجزريِّ في الطيبة :
وهذه الرواة عنهم طرق أصحها في نشرنا يحقق
باثنين في اثنين وإلا أربع فهي زها ألف طريق تجمع
قال ابن الناظم عند شرح البيتَين ص 13 : ( فاختار منها ( أي طرق الرواة العشرين ( عن كل راوٍ طريقَين ، وعن كل طريق طريقَين ، فيكونُ عن كلِّ راوٍ من العشرين أربعُ طرقٍ غالبًا ، وحيث لم يتأتَّ له ذلك من رواية خلفٍ وخلَّادٍ عن حمزة جعلَ عن خلفٍ أربعةً عن إدريس ، وعن خَلَّادٍ نفسِه أربعةً ، وفي رواية رُوَيسٍ عن التَّمَّارِ عنه أربعةً ، وفي رواية إسحاقَ عن خلفٍ أربعةً : اثنين عن نفسِه ، واثنين عن ابن أبي عمر عن ) اهـ قلت : فيكون اختار عن باقي الرواةِ ـ سوى الأربعةِ المذكورِين ـ عن كل واحد منهم طريقَين ، يتفرعُ من كل منهما طريقان ، فتلك هي الأبجدياتُ حقًّا لا أنَّ ( السامَرِّيَّ ) شيخ ( أبي الفتح ) .
وقد انتقى الجزري روايةَ شعبةَ من طريقَين هما : طريقُ يحيى بنِ آدم من طريقي الصَّريفينيِّ وأبي حَمْدونٍ عنه ، وطريقُ العُلَيميِّ من طريقي ابنِ خُلَيعٍ والرزَّازِ ـ كلاهما ـ عن أبي بكرٍ الواسطيِّ عنه كما في النشر ، أما الكتب التي ذكرها الشيخُ المستدرِك فروايتها عن شعبة ليست من أيِّ طريقٍ من الأربعة المذكورة ـ أعني طريقَي ابنِ آدمَ والعُلَيميِّ ـ خلا طريقَ أبي الطيب عن ابن شَنَبُوذٍ فإنها منقطعةٌ أصلًا .
أما الإرشاد لأبي الطيب فقد قال فيه ( نسخة أمبروزيانا اللوحة 6/ب ، 7/أ ) : ( 1 -وقرأتُ بقراءةِ أبي بكرِ بنِ عياشٍ على أبي سهلٍ وغيرِه ، وقال لي أبو سهل : قرأتُ بها على ابن مجاهدٍ وعنه أخذتُها .
2 - وقرأتُ بها على أبي القاسم نصرِ بنِ يوسفَ المقرئِ البغداديِّ ، قال قرأت ُبها على أبي الحسنِ ابن شَنَبُوذٍ ـ ولم أسألْه عن إسنادها ـ وقد قرأتُ بها على غيرهما فاكتفيتُ بذكرهما عن غيرهما ) اهـ
قلت : فلأبي الطيب طريقانِ عن شعبةَ ، أما الأولى فهي عن ابن مجاهد وهو يروي عن شعبة من طريق يحيى بن آدمَ وغيرِه ممن ليسوا من طرقِ النشر ، أما روايته عن يحيى كما في السبعة له ص 94 فبواسطة عبد الله بن شاكر ، وإبراهيم بن أحمد الوكيعي عن أبيه ، وليسا من طرق النشر عن شعبة ، أما الطريق الأخرى : فمنتهاها ابنُ شَنَبُوذٍ ولا تتمةَ للإسناد .
نعم ذكر الدانيُّ في الجامع ( ط الشارقة 1/347 ) أنه قرأ بهذه الرواية على ابن شَنَبُوذٍ عن رواته ـ وسمَّاهم ـ عن يحيى العُلَيميِّ عن شعبة ، ولكن هذه طريقُ الدانيِّ من جامعه ، وهي مذكورة في كتاب السلاسل برقم 596 وفي جدول أسانيد شعبة ص 365 .
أما التذكرة لطاهر بن غلبون فنصه ( تحقيق الشيخ 1/35 ،36) : ( وأما رواية أبي بكر بن عياش من طريق يحيى بن آدم :
1 - فحدثني أبو الحسن المعدَّل قال : أخبرنا ابن مجاهد ، قال : أخبرنا عبد الله بنُ محمدِ بنِ شاكر ، قال : أخبرني يحيى بنُ آدمَ عن أبي بكرِ بنِ عياشٍ عن عاصمٍ من أول القرآن إلى آخِره .
2 - وأخبرني ( المتكلِّمُ هو ابنُ مجاهد ) إبراهيمُ بنُ أحمدَ بنِ عمرَ الوكيعيُّ عن أبيه عن يحيى بنِ آدمَ عن أبي بكرٍ بذلك من أول القرآن إلى آخره .
3 - وقرأت أنا بهذه الرواية القرآن كله على أبي س وقال لي : قرأتُ بها على أبي سهل ، وأخبره أنه قرأ بها على أبي بكرِ بنِ مجاهدٍ وغيرِه ، 4 - وقال لي أبي إنه قرأ بها أيضًا على أبي القاسم نصرِ بنِ يوسفَ التُّرابيِّ وقال قرأتُ بها على أبي الحسن بنِ شَنَبُوذ ) اهـ .
قلت : أما الطريقان الأُولَيان فهما طريقا ابنِ مجاهد في السبعة ، وأما الأُخرَيان فهما طريقا أبي الطيب في الإرشاد ، وتقدمَ الكلامُ على الجميع .
أما الهادي لابن سفيان فنصُّه (رسالة دكتوراة بجامعة القرآن بالسودان 1 /33 ) : ( وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر من طريق يحيى ابنِ آدم :
1 ـ فأخبرني بها أبو الطيب قال : حدثنا أبو سهل قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن الواسطيُّ الديباجيُّ قال : حدثنا محمدُ بنُ أحمدَ بنِ البرَاءِ قال : حدثنا أبو محمدٍ خلفُ بنُ هشامٍ قال : حدثنا يحي بنُ آدم ... وقال أبو عبد الله ( يعني ابن سفيان ) :
2 ـ قرأتُ بها على أبي الطيب ، وقال : قرأتُ على أبي سهلٍ وقرأ أبو سهلٍ على أبي بكر بنِ مجاهد
3 ـ وقرأ بها أبو الطيب أيضًا على نصرِ بنِ يوسف ، وقرأ نصرٌ على أبي الحسنِ بنِ شَنَبُوذ ) اهـ .
قلت : إذًا فلابن سفيانَ عن يحيى بنِ آدمَ ثلاثُ طرقٍ كلُّها عن أبي الطيب ، أما الأولى فعن خلفٍ عن يحيى بنِ آدمَ ، وليس خلف من طريقَي يحيى ابنِ آدمَ المنتقاتَين ، أما الثانية والثالثة فهما طريقا أبي الطيب في الإرشاد ، وتقدم الكلام عنهما .
أما التبصرةُ لمكيٍّ فقال فيه ( ط الدار السلفية بالهند 1/201 ) : ( وأما قراءةُ عاصم في رواية أبي بكرٍ ، فنقلتُها عن أبي الطيبِ عن أبي سهلٍ عن أحمدَ بنِ محمدٍ الدِّيباجيِّ عن إدريسَ بنِ عبد الكريمِ عن خلفِ بنِ هشامٍ البزَّار عن يحيى بنِ آدمَ عن أبي بكر عن عاصم ) اهـ
قلتُ: كذا هي الطريق في التبصرةِ : عن خلفٍ عن يحيى بنِ آدم ، فلا هي عن الصريفينيِّ ولا عن أبي حمدون عنه ، فكيف يقال أنها سقطت من النشر من طرق شعبة ؟ .
فها هي الإرشاد والتذكرة والهادي والتبصرة ليست من طرق النشر فيما يتعلق بشعبة ، وعليه فادِّعاءُ سقوطِها من طرق شعبةَ في النشر وترقيعُها مجازفةٌ كبيرة ، ويتبعُ ذلك فسادُ الاستدراكِ على السلاسل الذهبية ، ويدخل في هذا النوع قسمٌ كبيرٌ من استدراكاتِك التي تزعم أنها بالعشرات .
وإن كان الأمر كذلك عرفنا لِمَ ذكرها ابنُ الجزريِّ ـ وغيرَها مما ليس من طرقه ـ في مثلِ ما نقَل الشيخُ المستدرِك من النشر ، وأنَّ ذِكرَه لها إنما هو من باب الحكاية ، لا من باب أنه يعتمدها ويختارها .
أما الاستدراك الذي بخصوص دوري أبي عمرو من طريق الكاتب الذي في ( 7 ) مكرر ، فإن جَبينَ التُّراثِ ينْدَى لما جرى هنالك ، وتقدَّم طرفٌ من ذلك أوَّلَ الكلامِ ، فلا داعيَ لإعادتِه ، قال : ( ولكن محل الاستدراك أنه في الصفحة (99) من السلاسل الذهبية عدّها من طرق الداني وكذلك فعل في رسمه البياني لطرق دوري أبي عمرو وتحديدا في الصفحة ( 298 ) فنسبها للداني ) قلت : فلمن تريد أن ننسُبَها ؟ فلتنسُبْها إلى أيِّ أحدٍ ، شريطةَ أن يكون في إسناد الطريق التي في النشر ، لا تلك الطريقِ التي لا تأمَنُ أن تسلمَ من تصحيحِ إخوانك المتخصصين ، ثم طالما أنك لا تَضمَنُ سلامةَ كلامِك من تصحيحِ المتخصصين ، فلم تجترئ ُ وتقولُ : ( المستدرك على السلاسل ) ؟ هلَّا خبَأتَ ذلك لنفسك .
إنه ساء المستدرك أن الشيخ سمى الطريق رقم ( 287) ( طريق الداني ) ، وقال : بل هي طريق الكاتب ، وهل ثمَّ فرقٌ بين تسميتِها ( الدانيَّ ) أو ( الكاتب ) ؟ .
إنَّ القضيةَ ليست تلك ، إنه لم يكن ليتوصلَ إلى أنَّ ( الدانيَّ ) ليس ( الدانيَّ ) ، وأنه (الحافظ) ـ على النحو الذي تقدَّم ـ إلَّا بهذا الذي دعاه ( استدراكًا ) ، أين الأمانةُ العلمية يا شيخ ؟ أيصعبُ عليك أن تخلُصَ إلى مُرادِك دون الإكثارِ من كلمةِ ( استدراك ) بحقٍ وبغير حق .
ثم منذ متى صارَ البحثُ العلميُّ احتمالاتٍ بعضُها فوقَ بعض ؟ إنه يكفيك في بعض الأحيان أن تصف ما أمامك ، لا تزيدُ على ذلك أما إذا أردت سلوكَ طريق الاحتمال فلا آخرَ له ، فتهيَّأ للانبِتاتِ ، فإنك لن تقطعَ أرضًا ولن تبقيَ ظهرًا .
ثم قال : ( إن قبلنا باحتمال أن أبا الفتح المذكور ... ليس هو فارس ابن أحمد شيخ الداني وإنما هو أبو الفتح الحداد .ويزداد الأمر غرابة إن تبين لنا أن تلميذ أبي الفتح الحداد ليس هو الحافظ أبو عمرو الداني ولكنه الحافظ أبو طاهر السلفي ) قلت : عجبتُ لكلامٍ يقال فيه : ( إن قبلنا ) و ( ويزداد الأمر غرابة ) و ( إن سلم من تصحيح المتخصصين ) يسمى استدراكًا ، إن الاستدراكَ تعقيبٌ وتخطِئةٌ ، ومن شأن ذلك أن يكون أدنى درجاته الرُّجْحان ، أما استدراكٌ يقول عنه صاحبُه: ( إن سلم ) فليس بشيء .
وفي هذا الكلام كفايةٌ لمن أراد الحق مجردًا إن شاء الله ، مع أني أعلم أن حُبَّ الجدل ـ الذي صار للأسف سمةً ظاهرةً في كثير من روَّادِ الشبكة العنكبوتية ـ ربما صرفَ الشيخَ المستدرِك عن ما في قولي من الحق ، وجعله يورِد عليه الإيرادات ، لكن ها هو كلامي بين يديه فليقلبْه كيف يشاء ، فإنه بإذن الله سائغٌ سهلُ الفَهم ، ولا يكنْ كمن قال فيه القائل :
رأى الأمرَ يُفضِي إلى أوَّلٍ فصيَّرَ آخِرَه أوَّلًا
ونصيحةٌ أنصحُه بها لوجه الله تعالى : إذا كنت من أهل التخصص كما تقول فسرْ على درب أسلافك ، فإني لما قرأتُ بحث التواتر لك ما كدتُ أرى لك كلمةً صائبة إلَّا تلتها أخرى خاطئة ، فبدوتَ وكأنك لا تعترفُ بشيء اسمه : ( القواعد ) ، وإذا كنت تمارِسُ الكتبَ والأسانيدَ ثم بدا لك شيءٌ تظنُّ أنه من باب التحقيق ـ شريطةَ أن لا يكون كبحثِ التَّواتُر ـ فاكتبْ ذلك ولتُعَنْونْ له بما شئتَ ، فلا أحدَ يمنعُك من ذلك ، أمَّا أن تُلصِقَه بعالمٍ ، وخاصةً إذا كان من المحققين ، أو بكتابٍ ـ كالنشر أو السلاسل ـ من غير تثَبُّتٍ ولا مراجعة ، وتقولَ : ( استدركتُ على فلان ) ثم ترجع وتقول : ( إن سلم كلامي من تصحيح المتخصصين ) فذلك ليس من البحث العلميِّ أو التحقيقِ في شيء ، كما أنَّ فيه جَلبًا لإساءةِ الظنِّ بك .
وختامًا فإني أ وصي نفسي والأخَ المستدرِك بأن لا نقنعَ في كتابِ ربِّنا بأحد أمرين : الرواية والدراية ، بل لا بد منهما معًا ، وإلَّا لاستَخرجْنا من كتبِ أئمتنا أمورًا لم تخطر لهم على بال في يوم من الأيام ، وإن كنتُ قد بدوتُ شديدَ اللهجة فذلك من غَيرتي على كتاب الله وعلى أئمتنا رحمهم ، وقد كتبتُ ذلك دفاعًا عنهم جميعًا ، وكذا عن كتابَي النشرِ لابن الجزريِّ ، والسلاسلِ لشيخنا الذي لا أعلمُ أحدًا خدمَ كتابَ النشرِ مثلَه ، ونصيحةً للمُسلِمين من قرَّاءٍ وغيرِهم ، كما كتبتُه أطمئنُ به قلوبَ من يعتَزُّون بتراثِ هذه الأمة ، ويغارُون عليه ، والله تعالى أعلى وأعلم ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه : أحمد محمد فريد
المدينة المنورة : 20 / 6 /1431 هـ
http://qiraatt.com/vb/showthread.php?p=10473&posted=1#post10473
 
الأخ أحمد فريد محمد
شكر الله لك ، مقالتك أو دفاعك عن الشيخ الدكتور أيمن رشدي حفظه الله ، ودفاعك عن النشر وصاحبه ، وإنما كانت استدراكاتي على منهجية نهجها المصنفون من طرق الرواة وتمسّك بها صاحب السلاسل الذهبية ، فقصدت الاستدراك على المتأخر منهم لما في كتابه من التحقيق .
ولا أجد ما أشكرك به ـ إذ الشكر عمل ـ أكثر من ترك المجاملة وإظهار ما ترددت أكثر من مرة من إظهاره ، وأسفي عليك لو أعلن الدكتور أيمن رشدي سويد موافقتي في بعض المسائل التالي بيانها :
الحسن بن ماديك
 
عودة
أعلى