الردّ على فتوى للشيخ الدكتور عبد الحليم قابة الجزائري.

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال الشيخ الدكتور عبد الحليم قابة حفظه الله تعالى في رسالته الموسومة : المختصر الجامع لأصول رواية ورش عن نافع ص 104. "وضع علماء القراءات ضوابط يلزمون بها القارئ عند التلقي مراعاة لما روى الرواة وأصحاب الطرق فيمنعون عند اجتماع مدّ البدل وذوات الياء مثلا ، أوجهاً ويُجيزون أخرى.

فيقولون لا يجوز مع قصر البدل التقليل في اليائية ، لأنّ من روى القصر لم يرو إلاّ الفتح وهكذا.

ونحن سنذكر هذه التحريرات هنا ملخّصة مع يقيننا وتأكيدنا أنّه لا يجب التقييد بها أثناء التلاوة والصلاة والاستدلال بالقرءان ونحو ذلك ، لأنّها تراعى أثناء التلقّي والإقراء بالقراءات منسوبة إلى أصحابها وطرقها قصداً إلى الالتزام اختيار الرواة وأصحاب الطرق فيما فيه أكثر من وجه ممّا رواه كلّ واحد منهم عمّن تلقّى عنه في كلّ موضع من مواضع الخلاف.

وقد نشأ عن اعتقاد وجوبها أثناء التلاوة والتعبّد شيء من التضييق كان من سلف ومن فقه في سلامة منه وراحة ، ما جعل الله علينا في الدين من حرج ، {ولقد يسّرنا القرءان للذكر فهل من مدّكر}.

هذا وأنّ أمر التحريرات تنج عن أمر صناعيّ ، وهو معرفة الوجه الذي رواه صاحب الطريق في موضع ما من مواضع تعدّد الأوجه والتزام قراءته كما قرأه صاحب الطريق مع الوجه الذي اختاره صاحب الطريق نفسه في موضع آخر مما يجوز فيه أكثر من وجه أيضاً ، مبالغة في إلزام ما رواه حتّى على سبيل الاختيار والسعة.

والحقّ أنّ الموضع إذا ثبت جواز قراءته عن الراوي الأوّل أو صاحب القراءة بأكثر من وجه فإلزام الناس باختيار أصحاب الطرق عنهم تضييق في أمر وسّع الله علينا فيه دون شكّ ، ثمّ إنّ إلزام هذه التحريرات كما ذكروها يكود يكون من باب التكليف بما لا يُطاق لعسر استحضارها والتزامها ، فضلاً عن صرفها للتالي عن التدبّر والتأمّل الذي هو المقصد الأسنى من التلاوة والتعبّد بها ، وأرى أنّ أمرها أشبه بكيفيّة أداء الراوى للحديث من قيام وقعود واستعجال ونحو ذلك ، ممّا قد يزعم بعض القاصرين وجوب التزامه أثناء الأداء والتحديث ، والحقّ أنّه ليس لازم ، وإلزام الناس به لا يجوز ، والله أعلم. " انتهى كلامه.

أقول : لو توقّف الأمر إلى هذا الحدّ لوجدتّ لنفسي عذراً على السكوت ، ولكنّ هذه الفتوى ترتّب عنها ما يلي : أنّ أحد المشايخ الذين لهم معرفة بعلم الرواية والأداء يقرأ بالناس في الصلاة بقصر المنفصل لورش من طريق الأزرق وقد صليت وراءه عدّة مرّات فاستغربت ذلك منه لأنّني أدرك أنّه من المتخصّصين لا سيما في رواية ورش ، وقد كان عضواً في العام الماضي ضمن لجنة التحكيم لمسابقة رمضان الموسومة بفرسان القرءان. ولمّا سئل عن قصر المنفصل ؟ قال قد أفتى الشيخ عبد الحليم قابة بذلك فليس عليّ أن أتقيّد في الصلاة بهذه الأحكام والأوجه. وقد شوّش هذا الإمام على المصلّين بفعله هذا ، واتّصل بي بعض الإخوان من أهل ذلك المسجد فأردّوا الإنكار عليه فنصحتهم بالصبر واللين معه وبيّنت أنّ المسألة لا تسحقّ كلّ هذه الضجّة لا سيما وأنّ الصلاة صحيحة حتّى لو خلط بين القراءات والروايات ولكنّي لمّا تأكّدتّ أنّ سبب فعله لذلك هي فتوى الشيخ عبد الحليم قابة أدركت أبعاد هذه الفتوى.

ومن هنا ظهر لي خطورة هذا الموقف وما يمكنّ أن يترتّب عنه في المستقبل ، فوجدتّ تفسي مضطراً لتبيين الحقّ في المسألة من غير تعريض بمقام مشايخنا الكرام ومكتفياً بالردّ العلميّ فأقول وبالله التوفيق.

المشكلة ليست في جواز القراءة بذلك في الصلاة وفي غيرها إذ لا خلاف في جواز ذلك ما دامت القراءة لم تخرج عن القراءات الصحيحة المتوترة ولكن المشكلة تكمل في معرفة كيف تعامل الأئمّة مع هذه المسألة وما هي أبعادها.
إنّ الأمر لم يقتصر على التحريرات التي اختلف فيها الحررون واجتهدوا فيها بحسب ما وصل إليهم علمهم وما كان بحوزتهم من المصادر والنصوص ، كما أنّ الأمر لم يقتصر كذلك على عمل عوام الناس الذي لا ينبغي أنّ نكلّفهم بشيء لا يقدرون عليه ويجهلونه في نفس الأمر ، ولكنّ الأمر تعدّى إلى المساس بما اتفق عليه جميع الرواة عن الأزرق من قصر المنفصل والأحكام التي تختصّ بالرواية سواء كان ذلك في الصلاة أو في غيرها ، حتّى ولو كان القارئ من ذوي الاختصاص عالماً بالرواية متصدّراً للتعليم والإقراء ولا أدري كيف يكون قدوة لغيره في الأداء إن لم يُطبّق ما أخذه بالرواية عن شيوخه عند التلاوة ; وفي الصلاة.
وهذا يقال في أوجه البدل مع الذوات لورش ، فابن الجزريّ قرأ بها و تقيّد بها وألزم بها غيره ، وجرى العمل على ذلك جميع من اسند إليه القراءة وهذا محلّ اتفاق بين أهل الأداء أجمعين. ولم يرد عنهم أنّهم تساهلوا في الرواية أثناء التلاوة سواء كان في الصلاة أم لا ، وإلاّ فما الفائدة من الرواية إن لم تُطبّق ويُعمل بها. فالرواية تُنقل للعمل بها قصد نيل الأجر والثواب ، ولا يُعقل أن تروى الرواية للرواية فقط إن لم يكن لها أثراً في العمل مع الاستمرار عليه. فالتقييد بما ورد في الرواية عبادة لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : "فاقرءوا بما عُلمتم" وإلاّ فما الفائدة من الجهود العظيمة التي قام بها أئمّتنا في حصر كلّ صغيرة وكبيرة لكلّ رواية. والتساهل في ذلك طمس وتعريض من جهودهم.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "ولذلك منع بعض الأئمة تركيب القراءات بعضها ببعض وخطأ القارئ بها في السنة والفرض (قال) الإمام أبو حسن علي بن محمد السخاوي في كتابه جمال القراء : وخلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ (وقال) الحبر العلامة أبو زكريا النووي في كتابه التبيان : وإذا ابتدأ القارئ بقراءة شخص من السبعة فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام للكلام ارتباط فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة والأولى دوامه على تلك القراءة في ذلك المجلس (قلت) وهذا معنى ما ذكره أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه وقال الأستاذ أبو إسحق الجعبري والتركيب ممتنع في كلمة وفي كلمتين إن تعلق أحدهما بالآخر وإلا كره (قلت) وأجازها أكثر الأئمة مطلقاً وجعل خطأ مانعي ذلك محققاً والصواب عندنا في ذلك التفصيل والعدول بالتوسط إلى سواء السبيل فنقول : إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم كمن يقرأ ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) بالرفع فيهما أو بالنصب آخذا رفع آدم من قراءة غير ابن كثير ورفع كلمات من قراءة ابن كثير ونحو ( وكفلها زكريا ) بالتشديد مع الرفع أو عكس ذلك ونحو ( أخذ ميثاقكم ) وشبهه مما يركب بما لا تجيزه العربية ولا يصح في اللغة ، وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها ، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية فإنه لا يجوز أيضاً من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية ، وإن لم يكن على سبيل النقل بل على سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح وقبول لا منع منه ولا حظر وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام ، إذ كل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا عن الأمة ، وتهوينا على أهل هذه الملة ، فلو أوجبنا عليهم قراءة كل رواية على حدة لشق عليهم تمييز القراءة الواحدة وانعكس المقصود من التخفيف وعاد بالسهولة إلى التكليف." (ص1/19).

أقول : من خلال ما ذكره ابن الجزريّ ندرك ما يلي :

أوّلاً : منع بعض أهل العلم التركيب مطلقاُ كما يظهر من كلام السخاوي والنووي والجعبري لا سيما أن تعلّقت إحدى الكلمتين بالأخرى فقد قال النووي : "فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة والأولى دوامه على تلك القراءة في ذلك المجلس" أقول فإن كان الأولى دوامه في ذلك المجلس فما بالك في الصلاة ؟ فضلاً عمن كان من أهل الاختصاص ؟

ثانياً : أنّ التركيب في القراءة جائز إن لم يكن على سبيل الرواية ولكنّه معيب على أهل الاختصاص كما قال ابن الجزريّ : "وإن لم يكن على سبيل النقل بل على سبيل القراءة والتلاوة فإنه جائز صحيح وقبول لا منع منه ولا حظر وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام". فإن كان معيباً على أهل الاختصاص فكيف نرخّص لهم في الصلاة الذي هو محلّ قدوة للشيخ مع تلامذته.

أقول : كيف يمكن للمتخصّص الذي تعب في تحصيل القرءان بالروايات بعد جهد وتعب ، يهمل في الصلاة وفي غيرها ما جاءت به الرواية من أحكام وكأنّ الرواية لم تُنقل إلاّ للإسناد فقط ؟ كان ينبغي للشيخ عبد الحليم أن يحزم الأمر مع المتخصصين بأن يحافظوا على الأداء الذي تلقّوه عن شيوخهم في جميع الأحيان حفاظاً على سمعة ما يحملونه من علم وإلاّ لزهد العوام فيهم وفي علمهم لأنّ ثمرة العلم تكون في العمل فإن لم يُعمل بالعلم فلا يصل إلى العوام ويبقى العوام على جهلهم ً ، لأنّ العامي يمكنه أن يصير متخصّصاً إن رءا المتخصصين يعملون بعلمهم في جميع الحالات. قال ابن الجزري في منجد المقرئين : "وهل يجوز تركيب قراءة في قراءة ؟ لا يخلو : إما أن يكون عالماً أو جاهلا فإن كان فعيب........" أقول : هو بحقّ عيب لمن يدّعي الرواية ويهمل ما جاءت به في الصلاة وغيرها.

ولا ننسى إنكار عبد الله ابن مسعود على من قصر المتصل في {إنّما الصدقات للفقراء} ولا شك أنّ الذي أُنكر عليه من عوام الناس إذ لا يُعقل أن يقصر المتصل خواصّهم ، ومع هذا فكان عبد الله بن مسعود حازماً معه منكراً لفعله. فإن كان الأمر كذلك فما بالك في الصلاة ؟ وهل يُصلّي بالناس عوآمّهم أم خواصّهم ؟ لا شكّ أنّ من يؤمّ الناس خواصّهم ، وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام أن يُقدّم للإمامة أقرأ الناس. فكيف نرخّص لهؤلاء إهمال ما ثبتت به الرواية من أوجه وأحكام ؟ إن أهمل هؤلاء ذلك فمن سيحافظ على الأداء الصحيح ؟ إنّ ثبتت الرواية عن النبيّ عليه الصلاة والسلام فلأجل العمل بها وتطبيقها كلّ بحسب قدرته وعلمه مع الترغيب في الوصول إلى الغاية في الإتقان. فإن أهملنا تمكين المدّ المنفصل لورش في الصلاة فسيأتي دور المدّ المتصل وباقي الأبواب حتّى نصل إلى اللحن الجليّ فاللحن الخفيّ هو الذي يحرس الانتقال إلى اللحن الجليّ فإن أهملناه صار الطريق سهلاً إلى اللحن الجليّ.

وعلى هذا الأساس قامت جامعة الأزهر في الستّينات بتسجيل المصاحف المرتّلة وتشكيل لجنة تُشرف على التشجيلات وحرصت أن يكون الأداء متقنا وموافقاً بدقّة تامّة لما ثبتت به الرواية وكان الأمر كذلك ولله الحمد فكانت الثمرة جليّة. وكانت هذه المصاحف المرتّلة موجّهة لعموم المسلمين وليست لخواصّهم والشيخ عبد الحليم يرخّص للخواص أليس هذا اتّجاه معاكس لما قام به علماء الأزهر وغيرهم ؟. وهذا يقال في المصاحف المطبوعة التي طبعت وفق ما ثبت في الرواية أصولاً وفرشاً بل وصل الأمر إلى بيان بعض الأوجه الأدائيّة وبعض الهيئات الأدائية في مؤخّرة المصحف مع أنّها كانت موجّهة لعوام المسلمين. فعوام المسلمين يتبّعون خواصّهم إن أدركوا أهمّية الالتزام بما ورد في الرواية لأنّهم يُعظمون القرءان ومستعدّون أن يتعلّموا ، والواقع أكبر شاهد على ذلك.

أمّا الادّعاء بأنّ تطبيق الأوجه والأحكام على أكمل وجه تشويش على العوام ، فهذا غير صحيح فقد كان هذا العلم مندثراً بعد الاستقلال لأنّ الأولويّة عند جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين وقت الاستعمار كانت في نشر العقيدة الصحيحة واللغة العربية والتفسير وما يحتاجه الشعب من فقه العبادات ، وكان الشيخ النعيم النعيمي عضواً في الجمعية وكان جامعاً للقراءات العشر الكبرى على الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله تعالى ولكنّه ما أقرأ بها للأسباب التي ذكرتها. وفي بداية الثمانينات بدأ ينتشر هذا العلم على يد الشيخ يخلف شراطي رحمه الله فازدحم الناس عليه وعلى تلامذته وانتشرت قراءة الإمام نافع في العاصمة وضواحيها بأحكامها وأوجهها ، ولم نرى تشويشاً ولا تكليفاً على العوام قط لا من قريب ولا من بعيد بل صار العوام يزدحمون على الحلقات في فترة كان هذا العلم مندثراً تماماً ومع ذلك لم يُرخّص للمتخصصين قصر المدّ المنفصل للأزرق في الصلاة مع أنّ الفاعل الذي سمعته يقصر المدّ في الصلاة لورش كان من ضمن الطلاب الذي درسوا على الشيخ شراطي وتلامذته.

أمّا الآن فالأمر تغيّر فاستوى هذا العلم على سوقه وانتشر بين الناس وعبر الفضائيات وفي المنتديات فيأتي الشيخ عبد الحليم ليُرخّص للمتخصصين إهمال ما عُرفت به الرواية من خصوصيّات في الصلاة وغيرها. كيف نرخّص للمتخصصين إهمال ما اختصّت به الرواية من أوجه وأحكام بعد ما استقر العمل بها حتّى عند العوام المهتمّين بهذا العلم. هذا الترخيص سيُهدّم ما تعب عليه الشيخ شراطي وتلامذته وغيرهم. بدل أن نحفّز ونرغّب العوام على التعلّم وأن نعمل على نشر هذا العلم في المدارس والمساجد كما هو الحال في مصر والسعودية وغيرها من البلدان ، فكيف نفتي بما يعكس هذا الاتجاه. إنّ هذا لشيء عجاب.

والآن سأحاول نقل عباراته عبارة عبارة مع الردّ عليها.

قال الشيخ الدكتور :
"وضع علماء القراءات ضوابط يلزمون بها القارئ عند التلقي مراعاة لما روى الرواة وأصحاب الطرق فيمنعون عند اجتماع مدّ البدل وذوات الياء مثلا ، أوجهاً ويُجيزون أخرى."
الجواب : هذه الضوابط كانت موجودة معمول بها قبل ظهور عصر جمع الروايات في ختمة واحدة حيث كانوا يُفردون ختمة لكلّ رواية ويلتزمون بما جاء فيها من أوجه وأحكام. وما ثبت عنهم أنّهم كانوا يخلطون بين مروياتهم في قراءة واحدة سواء في الصلاة وغيرها. فلمّا ظهر الجمع أوجبوا التفريق بين مرويّاتهم إذ التفريق بينها كان ضرورياً ومسلّماً به، فبقيت تلك الضرورة موجودة عند الجمع فبيّنوها وطوّروها احترازاً من التركيب. فالضوابط كانت موجود والاحتراز من التركيب كان مقرّراً عندهم ، إلاّ أنّ الحاجة إلى الاحتراز من التركيب عظُمت بعد ما استقرّ الأمر على الجمع.

قال الشيخ الدكتور :
فيقولون لا يجوز مع قصر البدل التقليل في اليائية ، لأنّ من روى القصر لم يرو إلاّ الفتح وهكذا.
الجواب : إنّ الداني قرأ بقصر البدل مع الفتح على أبي الحسن ابن غلبون صاحب كتاب التذكرة. أتريده أن يروي عنه القصر مع التقليل ، أو التوسط مع الفتح وهو لم يقرأ به عليه ؟ وقد قال النبيّ عليه الصلاة والسلام : اقرءوا بما علّمتم. لماذا تريده أن يخالف الرواية عن شيخه أبي الحسن في الصلاة إن قرأ بقصر البدل. وإن من سهل على عوام الناس القراءة بالقصر مع الفتح ، فمن الحكمة أن نلزمهم به لسهولته في القراءة بدل أن نرخّص لهم في التركيب وإهمال خصوصيّات الرواية من مدّ وتغليظ للامات وترقيق للراءات. وبهذا سيًفتح باب التشويش على العوام إن كثر الخلاف جرّاء الترخيص فيصير كلّ إمام يقرأ في الصلاة بما يهواه.

قال الشيخ الدكتور :
"ونحن سنذكر هذه التحريرات هنا ملخّصة مع يقيننا وتأكيدنا أنّه لا يجب التقييد بها أثناء التلاوة والصلاة والاستدلال بالقرءان ونحو ذلك ، لأنّها تراعى أثناء التلقّي والإقراء بالقراءات منسوبة إلى أصحابها وطرقها قصداً إلى الالتزام اختيار الرواة وأصحاب الطرق فيما فيه أكثر من وجه ممّا رواه كلّ واحد منهم عمّن تلقّى عنه في كلّ موضع من مواضع الخلاف."
الجواب : إن استقرّ العمل عليها أثناء التلاوة والصلاة فلم العدول عنها ؟ إن تلقّاها عوام الناس بالقبول فلم التشويش عليهم وعلى المتخصّصين. أليس من الحكمة أن يختار الخواصّ للعوام أيسر الأوجه فيُجمع بذلك بين مصلحتين أي بين الرواية والتيسير في آن واحد. بدل إهمال واحدة منهما على حساب الأخرى ، إذ الجمع بين المصلحتين أولى من إهمال واحدة منهما. والشيخ متناقض في كلامه فيذكر الأوجه ويبسط الكلام عليها مع يقينه وتأكّده أنّها غير لازمة وهذا خلاف منهج المتقدّمين المؤلّفين من أهل الأداء الذين ما وضعوا في مؤلّفاتهم شيئاً إلاّ وله قيمة ، ولو كان الأمر عندهم كما يقول الشيخ الدكتور لما أتعبوا أنفسهم في الرواية والتأليف إذ العلم لم يوضع عبثاً وإنّما للعمل به.

قال الشيخ الدكتور :
وقد نشأ عن اعتقاد وجوبها أثناء التلاوة والتعبّد شيء من التضييق كان من سلف ومن فقه في سلامة منه وراحة ، ما جعل الله علينا في الدين من حرج ، {ولقد يسّرنا القرءان للذكر فهل من مدّكر}.
الجواب : سبب هذا الاعتقاد هو أنّ القراءة سنّة متّبعة يأخذها الآخرعن الأوّل بما في ذلك الخواصّ عن الخواصّ والعوام عن الخواصّ وهذا مطلق لا يُقيّد إلاّ بالقدرة الاستطاعة ولا ينبغي أن تؤخذ القراءة من المصحف احترازاً من التحريف والغلط لا سيما إن كان العوام قادرين على التعلّم لأنّه كلام ربّ العالمين كما قال ابن الجزريّ : لأنّه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا. وكان سلف الأمّة اشدّ اتّباعاً في هذا المجال إذا ثبتت الرواية عندهم واشتهرت واستفاضت وتلقّتها الأمّة بالقبول فكان لهم كلّ الشرف في اتّباع متقدّميهم في كلّ صغيرة وكبيرة, فإن غاب عنّا هذا التعظيم سنستهين حتما بهذه المتابعة ونأتي بالرخصّ ولو لأهل الاختصاص ، وهذه مصيبة.

قال الشيخ الدكتور :
هذا وأنّ أمر التحريرات تنج عن أمر صناعيّ ، وهو معرفة الوجه الذي رواه صاحب الطريق في موضع ما من مواضع تعدّد الأوجه والتزام قراءته كما قرأه صاحب الطريق مع الوجه الذي اختاره صاحب الطريق نفسه في موضع آخر مما يجوز فيه أكثر من وجه أيضاً ، مبالغة في إلزام ما رواه حتّى على سبيل الاختيار والسعة.
الجواب : كيف نتج عن أمر صناعيّ وقد كانت الطرق والأوجه موجودة قبل عصر الجمع فكان كلّ واحد ملزم بروايته عن شيخه ، واختيارات الشيوخ هي التي رُويت عنهم وأُسندت إليهم وهي المعنيّة بالنقل والرواية عنهم ، وهذا الأمر كان موجوداً في وقت القراء العشرة وقبل ظهور عصر جمع القراءات في ختمة واحدة إلاّ أنّ الالتزام باختيارات الشيوخ وعدم الخروج عنها هو الذي كان الأساس في الرواية. فالدوري التزم بما اختار له أبوعمرو والكسارى ، ثمّ أسند اختيارات كلّ واحد منهما على حدة من غير خلط بينهما إذ لو قلنا أنّه خلط بين الروايتين لصار في زمرة الكذابين الذين يُسندون الرواية إلى غير أصحابها. وكلّ رواية عن الدوري عن شيخيه جاءت منفصلة عن الأخرى رواية وإسناداً ، أصولاً وفرشاً ، فلماذا التشويش بترخيص الخلط وإهمال ما اختصّت به كلّ رواية على حدة. وما يقال في القراءتين يقال في الروايتين وفي الطرق لأنّ قراءة الإمام نافع تمتاز عن غيرها في الأصول والفرش ورواية ورش تمتاز عن رواية قالون في الأصول والفرش ، وطريق الأزرق يمتاز عن طريق الأصبهاني في الأصول والفرش بدليل أنّه لا يمكن ضبط مصحف يجمع بين طريق الأزرق والأصبهاني أو بين رواية ورش وقالون أو بين قراءة نافع والمكّي مثلاً. فالموجب للتفريق بين القراءتين هو نفسه الموجب للتفريق بين الروايتين والطريقين ما دامت الفروق دائرة بينها في الأصول والفرش فيجب اجتناب الخلط بين الروايات.

قال الشيخ الدكتور :
<FONT face="Times New Roman"><FONT face="Times New Roman">والحقّ أنّ الموضع إذا ثبت جواز قراءته عن الراوي الأوّل أو صاحب القراءة بأكثر من وجه فإلزام الناس باختيار أصحاب الطرق عنهم تضييق في أمر وسّع الله علينا فيه دون شكّ ، ثمّ إنّ إلزام هذه التحريرات كما ذكروها يكود يكون من باب التكليف بما لا يُطاق لعسر استحضارها والتزامه%u
 
وقع خلل أثناء التعديل
سأحاول إتمام المناقشة

قال الشيخ الدكتور :
والحقّ أنّ الموضع إذا ثبت جواز قراءته عن الراوي الأوّل أو صاحب القراءة بأكثر من وجه فإلزام الناس باختيار أصحاب الطرق عنهم تضييق في أمر وسّع الله علينا فيه دون شكّ ، ثمّ إنّ إلزام هذه التحريرات كما ذكروها يكود يكون من باب التكليف بما لا يُطاق لعسر استحضارها والتزامها ، فضلاً عن صرفها للتالي عن التدبّر والتأمّل الذي هو المقصد الأسنى من التلاوة والتعبّد بها ، وأرى أنّ أمرها أشبه بكيفيّة أداء الراوى للحديث من قيام وقعود واستعجال ونحو ذلك ، ممّا قد يزعم بعض القاصرين وجوب التزامه أثناء الأداء والتحديث ، والحقّ أنّه ليس لازم ، وإلزام الناس به لا يجوز ، والله أعلم. "
الجواب : لو كان الأمر متعلّقا بالتحريرات التي اختلف واضطرب فيها المحرّرون فإنّي أوافقك على ذلك ولكن لمَ المساس بما اتّفق عليه أهل الأداء أجمعون واستقرّ عليه العمل عند العامّة ومساس بأصول الرواية التي امتازت بها عن غيرها . أليس الأسلم أن نختار للعوام وجهاً سهلاً ثابتاً بالرواية يقرءون به كقصر البدل مع الفتح مثلاً ليحصل به التدبّر والتأمّل بدل أن نفتح لهم الباب على مصرعيه في الخلط بين الروايات وإهمال ما امتازت به الرواية من أصول ؟


لذا فهذه الفتوى ستفتح باب شرّ على العوام والخواصّ فيصير كلّ واحد يقرأ بما يشاء وكيف ما شاء في الصلاة وغيرها ، وهذا مخالف لما كان عليه سلف الأمّة الذين كانوا يلتزمون بما تلقّوه عن مشايخهم في كلّ صغيرة وكبيرة في الصلاة وفي غيرها سواء تعلّق الأمر بالرواية أو بمجرّد التلاوة وأخصّ بالذكر أهل الاختصاص من أهل الأداء الذين هم قادة العوام في ذلك. فالعوام متّبعون لعلمائهم كلّ بحسب قدرته واستطاعته. فكلّ مكلّف بحسب القدرة والاستطاعة. وقد استدلّ أبو العلاء الهمذاني في كتابه التمهيد بقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إذا عمل العبد عملاً أن يحكمه " وفي رواية : "إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ". وهذا تكليف لعوام المسلمين كلّ بحسب مقدوره واستطاعته ، فمن استطاع أن يتعلّم لتقويم لسانه احترازاً من تغيير كلام الله عزّ وجلّ ولم يفعل فهو مقصّر في حقّ الله وقد يلحقه الإثم. فواجب المتخصصين والمسؤولين إنشاء مدارس لتحفيظ القرءان وتجويده لعوام الناس بمختلف مستوياتهم وأعمارهم وهذا أولى من هذه الفتوى التي تثبّط العوام على التعلّم والخواصّ على الإقراء ، إذ لا خير في علم لا ينتفع به الناس.

والعلم عند الله تعالى.

أكتفي بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمسن.
 
جزى الله خيراً الشيخ المقرئ/ محمد يحيى شريف على تبيينه وتوضيحه في هذه المسألة الهامَّة التي ربما يفضي التساهل فيها إلى ما لا يحمد عقباه فقد أفاد وأجاد، وأضيف إلى ذلك الآتي:
أولاً/ من مِنَ العلماء المعتبرين قال بأن الالتزام بالطرق والتحريرات إنما هو خاص بحالة التلقي والإقراء فقط؟ أو بصيغة أخرى: من نص على التفريق في القراءة بين التلقي والإقراء وبين التلاوة والصلاة؟

ثانياً/ كثير من الشيوخ الأكارم إذا تُكلِّم معهم في التحريرات وعدم الخلط بين الطرق استدلوا على عدم لزوم ذلك بقوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، أقول:
ولا تخفى الصعوبة التي يجتازها متعلم القراءات من حفظ المتون، وفهم شرحها، وعرضها على المقرئين، وغير ذلك من الجهد، فهل يترك ذلك كله احتجاجاً بهذه الآية؟

ثالثاً/ القارئ المتخصص بعد تلقيه عن الشيوخ وإتقانه لن يواجه أي صعوبة في الالتزام بالتحريرات، وعدم الخلط بين الأوجه، فلا مشقة عليه في القراءة بذلك سواء كان في الصلاة أو خارجها، وبهذا يحافظ على ما تعمله من النسيان، فلماذا يترك ذلك مما قد يكون سبباً لنسيانه وتلفته منه، إضافةً إلى التشويش على غيره ممن يعتمد على قراءته، أما العامِّي فالأَولى له أن يتعلم وجهاً واحداً ويلتزم به، لا أنه يتعلم أكثر من وجه ثم يخلط بينها بحجة أنه غير متخصص.

رابعاً/ بما يتعلق بـ:
والحقّ أنّ الموضع إذا ثبت جواز قراءته عن الراوي الأوّل أو صاحب القراءة بأكثر من وجه فإلزام الناس باختيار أصحاب الطرق عنهم تضييق في أمر وسّع الله علينا فيه دون شكّ ،
حول هذا النقطة أقول:
كل الأوجه ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا التأصيل لا مانع من الخلط بين القراءات أيضاً كون كل هذه الأوجه قرأها وأقرأها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى ما يترتب على هذا من الإشكالات، فهذا ما رأيت إضافته هنا، والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى