يوسف السناري
New member
الرحلة الهولندية
جامعة ليدن
للدكتور مازن مطبقاني
يجذبك لبعض البلاد أشياء لا تدري كنهها، فهولندا في حياتي وذاكرتي قديمة جداً، ففي أيام الدراسة في أمريكا كنت مغرماً بالمراسلات فأكتب إلى شخص في هولندا نسيت كيف تعرفت عليه، وحتى إني أسهمت في حل بعض مشكلاته العاطفية بأسلوب قال إنه حكيم. وكانت لي مراسلات مع شاب في نيجيريا مازلت أذكر اسمه بعد أكثر من ثلاثين سنة وهو أغستو أدمولا (وهو من أسرة أصولها مسلمة ولكنه تنصّر) وبعد عدة مراسلات بدأ يطلب المساعدة المادية، وكنت أكثر حاجة منه فانتهت المراسلات. جامعة ليدن
للدكتور مازن مطبقاني
وفي إحدى رحلات عودتي في الإجازة في أثناء دراستي في الولايات المتحدة قررت أن أزور هولندا وفي هذا تغلب على قرار الخطوط السعودية أنك لا بد أن تستخدمها من أي نقطة أوروبية إلى المملكة، فلا أدري كيف تحايلت عليهم وجئت هولندا ومنها إلى إيطاليا ومن إيطاليا إلى بيروت ثم عمّان (الأردن)، ومن عمّان إلى جدة (وكان خط سير الرحلة الذي لم أعرفه يمر بالمدينة وفي مطار المدينة صعد موظف الجوازات فرآني وهو يعرفني واسمه عبد الله أبو الطاهر (رحمه الله) فقال لي لماذا تذهب إلى جدة فيسر لي الهبوط في المدينة فأخذ جوازي وقال سأحضر لك حقيبتك) ونزلت بالفعل في المدينة بدلاً من جدة.
المهم جئت إلى هولندا بعد أن أمضيت في مطار نيويورك أكثر من عشر ساعات في محاولات عنيدة لتغيير خط سير رحلتي التي كانت في الأصل من مدينة بورتلاند إلى نيويورك ثم لندن ومنها إلى جدة فأصررت على خطوط تي دبليو إي (TWA) أن تغير خط السير ونجحت (يبدو أن العناد والإصرار قديمين لدي وإن كنت لا أعترف كثيراً)، وصلت مطار أمستردام حوالي الساعة الثانية بعد الظهر وفي المطار بحثت عن فندق. فوجدت فندقاً صغيراً مناسباً لإمكاناتي المتواضعة حينها (وحتى الآن والحمد لله)، وكان الدرج في الفندق شبه عمودي وكل درجة أكثر من أربعين سنتيمتر. ومع البقاء في المطار مدة طويلة والسفر الطويل من نيويورك إلى أمستردام وصلت ومعدتي في حالة يرثى لها. فما أن دخلت الغرفة حتى نمت نومة طويلة (وما العيش إلاً نومة وتبطح تحت النخيل وماء)، وكان يوم وصولي الخميس وكنت أنوي أن أذهب إلى السفارة الإيطالية لأحصل على تأشيرة لزيارة إيطاليا. فبعد أن نمت عدة ساعات استيقظت الساعة الثامنة (مساءً) وظننتها الثامنة صباحاً فحسبت عدد الساعات التي نمتها فكانت حوالي سبع عشرة ساعة (ولكن في الحقيقة كانت أربع أو خمس ساعات).
خرجت من الفندق متوجهاً إلى السفارة فوجدت الباب مغلقاً فقال لي الحارس (لم تكن الحراسات مشددة في تلك الأيام) تعال غداً فقلت له كيف آتي غداً وغداً السبت، قال غداً هو الجمعة فلم أصدقه. وعدت أدراجي راضياً بالهزيمة. وسرت في شوارع أمستردام وأسواقها، وكان الجو غائماً وممطراً فظننت أن النهار عندهم مظلم، ولكن بعد قليل بدأت المتاجر تغلق أبوابها فعرفت أنني مازلت في يوم الخميس ولست في يوم الجمعة. فعدت أدراجي إلى الفندق لأنام وفي اليوم التالي أذهب إلى السفارة الإيطالية التي منحتني التأشيرة دون تعطيل.
لا أذكر شيئاً عن إقامتي تلك في هولندا. ولكن شاء الله أن يكون لي عودة إلى هولندا في رحلة أخرى مع وفد من الخطوط السعودية (عملت فيها أكثر من اثنتي عشرة سنة) وأقمت ليلة واحدة وفي وسط العاصمة وكانت الرحلة مدتها يوماً واحداً.
ثم تعرفت إلى أحد الموظفين في إدارة الشؤون الدولية وكان متخصصاً في التاريخ ولعله كان يحمل درجة الماجستير ولكنه قرر العمل في الطيران، فكان ثمة تشابه بيني وبينه. فتفاوضت معه على أن يعطوني دورة تدريبية في كيفية عمل إدارة الشؤون الدولية. فخططت مع مديري أن يستضيفوني مدة أسبوع (على حساب الخطوط السعودية) وهم يرتبون لي الاطلاع على كيفية عمل إدارتهم. وبالفعل جئت إلى أمستردام ومقر الخطوط الهولندية في مدينة امستلفين في ضواحي أمستردام، وفي منطقة غابات. وقد زرعت تلك الغابات في وقت كانت هولندا تمر بمرحلة كساد اقتصادي فكيف يجعلون الناس يعملون أي شيء مقابل أن يوفروا لهم ضروريات الحياة كلفوهم بزراعة تلك الغابة. (فكرة طريفة، لو تفعلها الدول التي تعاني من البطالة- مع أن التجنيد الإجباري أو الخدمة الوطنية يمكن أن تكون فرصة للمترفين من أبنائنا أن يتعلموا مهنة أو يتقووا وتشتد سواعدهم بدلاً من إضاعة الوقت في قيادة السيارات دون فائدة).
وأمضيت أسبوعاً في تلك الإدارة سألت كثيراً وسمعت كثيراً ورجعت وكتبت تقريراً لرئيسي المباشر أقترح بعض الأمور. ووضع التقرير في الدرج. ولكن رئيس الإدارة (أعلى من رئيسي المباشر) وهو مساعد المدير العام للشؤون الدولية (الخطوط السعودية فيها مناصب نائب الرئيس وليس هناك رئيس وإنما مدير عام) وكان هو رضا حكيم رحمه الله ، فلم يعجبه ما قمت به. ظن أن هذا من تمرد منّي عليهم واختراع أشياء لا وجود لها. وبعد سبع سنوات من مغادرتي الخطوط علمت أنهم طبقوا بعض اقتراحاتي ومنها بدلاً من فصل إدارات الشؤون الدولية إلى اتفاقيات ثنائية واتفاقيات تجارية واتفاقيات الصندوق المشترك، يقسم العالم جغرافياً وتصبح كل إدارة مسؤولة عن جميع الاتفاقيات) وغير ذلك من الاقتراحات، منها مثلاً عدم التقيد بدفتر حضور وانصراف لموظفين يكلفون بأعمال معينة فعليهم أن ينجزوها في وقت محدد فإن جاء السابعة والنصف أو الثامنة أو التاسعة فعيب أن نطلب منه أن يوقع وأن يكون جماداً فوق جماد.
ولما تركت الخطوط السعودية وامتيازات الطيران ظننت أن عهدي بالسفر قد ولّى، فقد كان من حقي في تلك الأيام الخوالي أن أحجز حجزاً مؤكداً على السياحية وإن توفرت مقاعد في الأولى صعدت إلى الأولى.كما كان بإمكاني الحصول على تخفيض في الفنادق يصل إلى خمسين في المائة، وكان الراتب أضعاف راتب المحاضر المسكين في الجامعة. (حصلت على الدكتوراه وعملت أكثر من عشر سنوات في الجامعة لم يصل راتبي إلى ما كان عليه أيام عملي في الخطوط). ومع ذلك فلم أكن كثير السفر لظروف لا استطيع ذكرها الآن. وجاءت أيام الجامعة، فكنت أستأذن لحضور المؤتمرات عسى الجامعة توافق، فكان كثير من طلباتي أو استئذاناتي يحفظ في الأدراج أو يلقى في المهملات، ويتفضلون أحياناً بالرد بالموافقة وهو الأقل.
وفي يوم من الأيام ذهبت إلى البريد ووجدت ظرفاً كتب عليه (الولد مازن مطبقاني) فتعجبت من عبارة الولد، ولكن فتحت الظرف فإذ به معلومات عن المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين يعقد في جامعة ليدن في أواخر شهر يونيه سنة 1996م. فأدرت جهاز الحاسب وكتبت فكرة موضوع عن ابن باديس والتنمية. وكان البحث لدي باللغة العربية، وأرسلته بالفاكس من البيت (كان لدي فاكس منذ وقت مبكر وكان الهاتف مفصولاً عن الفاكس) وبعد وقت تلقيت الموافقة. وكان المنظمون للمؤتمر سألوا الدكتور قاسم السامرائي أتعرف هذا المطبقاني الذي يريد أن يحضر المؤتمر ما مستواه العلمي؟ فرد بما يرضيهم. وكان الدكتور قاسم هو الذي بعث إلي تلك الرسالة المعنونة ب (الولد) ثم علمت أن الولد كلمة تحبب وليست تقليلاً من شأن من تكتب إليه)، والعجيب أنني كنت الوحيد من السعودية بينما حضر من الأزهر ومن مصر أكثر من عشرين باحثاً وكان السفير المصري يرافق الباحثين وأقام لهم دعوة للعشاء أو الغداء.
وقدمت للجامعة في وقت مبكر وجاءت الموافقة من المقام السامي على تمثيلي للمملكة حتى إن وزارة الخارجية أبلغت السفارة بذلك، وقامت السفارة بدورها بالاتصال برئاسة المؤتمر أني أمثل المملكة، وأنا لم أكن أريد أن أمثل أحداً ، كنت أريد أن أحضر المؤتمر وأتعلم. وبالفعل حضرت المؤتمر في ليدن. ولقيت أحد موظفي السفارة أو إندونيسي متعاون مع السفارة وقلت له قل للسفير بلا احتشام مقال مذكر ما قد نسيه، إذا كنت ممثلكم كما تقولون لم لا يتصل بي؟ لما لا يأتي للسلام عليّ؟ إن مقام العلم أعلى من مقام المنصب. ولم يحر جواباً، وكتبت ذلك في تقريري للجامعة ولوزارة التعليم العالي ولكل من يصلهم التقرير.
وإلى اللقاء في مقالة ثانية عن هولندا إن شاء الله
الوصول إلى ليدن وبحث التفرغ
حضرت المؤتمر الدولي حول العالم الإسلامي والقرن الواحد والعشرين، وكان المؤتمر يتكون من ثلاثة محاور(أعدت بعناية)الأول: عن التنمية، والثاني: عن التعليم، والثالث: عن المسلمين والعولمة. وكان الحضور من جنوب شرق آسيا واضحاً ومميزاً، ولكن الحضور المصري كان واضحاً أيضاً (عقد المؤتمر الثاني في مصرت وكان من المقرر عقده في إندونيسيا والثالث في المغرب). وتجدون في موقع مركز المدينة المنورة تفصيلات عن المؤتمر على الرابط الآتي:
http://madinacenter.com/post.php?DataID=285&RPID=285&LID=3
وعدني الأخ محمود صيفي (طالب مصري يحضر للدكتوراه في قسم الأديان في جامعة ليدن) بمساعدتي في الحصول على شقة، وحاولت الاتصال به قبل وصولي إلى ليدن وتعثرت الاتصالات، وشاء الله أن يعرف يوم وصولي من ستوكهولم بالسويد، ولكن توفيق الله عز وجل يسر لي أن ألقاه في مطار أمستردام هو وبعض الزملاء كانوا قد جاؤوا لوداع زميل لهم متوجه إلى الحج. فصحبتهم إلى ليدن حيث أخذني إلى الشقة التي يملكها أخ مصري مقيم بين مصر وليدن. وكانت أجرتها خمسمائة يورو (لو كانت معي زوجتي وابني، ومائتين وخمسين لو كنت وحدي وهذا الذي كان)
ها أنا في هولندا في شهر ديسمبر وفي السابع عشر منه ، وليدن مدينة صغيرة على بعد خمس نصف ساعة تقريباً بالقطار من أمستردام، وهولندا كلها بلد صغير لا تزيد أطول مسافة من أقصاها لأقصاها عن أربعمائة كيلومتر، ومع ذلك فقد اشتهرت بصناعاتها واحتلالها إندونيسيا، وما زال لها تأثير هناك حيث عقدت الحكومة الإندونيسية وبخاصة وزارة الشؤون الدينية على أن يواصل الإندونيسيين دراساتهم العليا في الدراسات الإسلامية في هولندا، وتستقدم إندونيسيا أساتذة من هولندا. والتأثير في الغالب من طرف واحد المستعمر القديم في التابع الجديد. وهولندا ربما هي صاحبة شركة شل العالمية المتعددة الجنسيات، وهي التي يباع النفط الحر على شواطئها، ولكن ما معنى النفط الحر؟ لا أعرف وهل يفيد أن نعرف؟ أترك لكم التفكير والإجابة.
وصلت الجامعة وذهبت للقاء البروفيسور كوننجزفيلد von Konningsveld وبعد الترحيب والمجاملات دخلنا إلى الموضوع، فقال لي كيف تفكر في هذا الموضوع وأنت لا تعرف اللغة الهولندية، إن كثيراً من الرسائل العلمية بهذه اللغة، وكذلك التقارير والمراسلات الرسمية باللغة الهولندية. لا بد أن تتعلم الهولندية وإن لم يكن بإمكانك فالأفضل أن لا تبحث في هذا الموضوع. وأفضل لك أن تذهب إلى بريطانيا وتبحث في الاستشراق الإنجليزي. حاولت أن أقنعه أنني أعرف أن كثيراً من الرسائل باللغة الإنجليزية وأنتم تعقدون مؤتمراتكم باللغة الإنجليزية. فأصر أن الموضوع لا يصلح. ومع ذلك فقد أعطاني رسالتي دكتوراه واحدة حول الأوروبيين الذين أسلموا وأثرهم في المجتمعات الأوروبية وفي العالم الإسلامي ومن هؤلاء على سبيل المثال مراد هوفمان وجارودي وغيرهما. وهي رسالة ضخمة طبعت باللغة العربية في دار نشر في بيروت ومعدها باحث عراقي شيعي. أما الرسالة الثانية وكانت باللغة الإنجليزية حول الإصلاحات في تونس في زمن الدولة العثمانية.
خرجت من عند كوننجزفيلد وأنا أفكر كيف أبحث في موضوع صعب كهذا.؟ وماذا أقول للجامعة التي أعطتني تفرغاً عاماً كاملاً لأعد بحثاً عن هذا الموضوع؟ لقد أخذت أسير في شوارع ليدن على غير هدى. لقد استطاع كوننجزفيلد أن يعكر مزاجي ويقلب أفكاري. وكأنه هو مفتاح البحث، أو لعلي ظننت هكذا عندما قابلته. وهمت على وجهي ذلك اليوم. فأخذت أمشي على غير هدى، خطواتي ثقيلة كأنني أحمل هموم الدنيا، ولو رأيتني لقلت ما هذا العجوز الذي يمشي وحيداً شارد الذهن، أقرأ أحياناً لافتات المحلات وأحياناً أنظر في المتاجر والناس، هذه تجر ابنا وتلك تجر ابنة وهناك مجموعة من النسوة يجرون مجموعة من الأطفال، فأتساءل هل لهؤلاء الأطفال آباء. لقد قرأت عن الأسر في الغرب ذات الوالد الواحد (أي أب أو أم) فصرت لا أتخيل إلاّ النادر من الأطفال عندهم من يعيش في أسرة من أب وأم. كما أنني تساءلت كم من هؤلاء الأطفال من يعرف أباه حقيقة عندما تقرأ الإحصائيات التي تقوم إن ربع المواليد بلا آباء وربما أكثر. وقد ذكرت إحصائيات عن بريطانيا أن أكثر من أربعين في المائة من الأطفال يولدون سفاحاً وفي بعض المناطق أكثر من خمسين في المائة.
ومعرفة الأب جعلتهم في لوس أنجلوس كما قالت الصحف ذات يوم يؤسسون مختبرات لفحص حامض الدي إن أي DNA ليتأكد الفرد أن من يدعي أنه أبوه هو أبوه. وقد اشتهرت أغنية فرنسية عن شاب يبحث عن عروس فكلما وجد واحدة تعجبه يذهب إلى أبيه ويقول له فلانة جميلة اخطبها لي، فيقول الأب ولكنها أختك، حتى إذا ضاق به الحال ذهب إلى أمه وقال لها ما يقول أبوه، فقالت له ولكن يا بني حتى أبوك قد لا يكون أباك.
وأسير في الشارع فيقابلني عرب أسمع منهم اللهجة المغربية ولكنهم حين يلتقون يحيون بعضهم بالفرنسية :سافا سافا أو سافا بيان، أو كومن سافا؟ ويأتي الرد بيان بيان (لا تنطق النون حين تكون متقناً للفرنسية) ثم يتحدثون بعد ذلك بلغة مختلطة بين العربية والفرنسية والإنجليزية والهولندية. وأتساءل هل هذا لعدم القدرة على الحديث بلغة واحدة أو إنهم لا يستطيعون أن يفصحوا عن أنفسهم إلاّ بهذه الطريقة.
وأستمر في المشي على غير هدى، أدخل محل أحذية ومحل ملابس فأحد تخفيضاً هنا أو هناك فأضرب اليورو بخمسة (ليس ضرباً حقيقياً فاليورو لا يستحق الضرب، ومنّا من يحبه ويحب الدولار والجنيه والكرونا والزووتا (عملة بولندا) والريال والدينار وكل العملات، يحبها أكثر من نفسه) ألم يقل الحديث (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) بعد عملية الضرب الحسابية أجد أن الأسعار أكثر من قدراتنا المحدودة، فأشكو حالي إلى الله (في الشعر العربي باب اسمه شكوى الحال) أستاذ جامعي عامل محطة بنزين أفضل منه حالاً( ماسح الأحذية في اليابان ربما أحسن حالاً من أستاذ جامعي في بلد عربي ما ) وأخرج لا ألوي على شيء، وكيف لا ألوى على شيء. إن التعبير قرآني وما أجمل التعبيرات القرآنية كلها. فهل معناها لا ألتفت إلى شيء أو لا أهتم بشيء.
ويستمر المشي والتفكر والتأمل أو يكون الذهن كالصفحة البيضاء لا تفكر ولا تأمل ولا تدبر. أكون كالدراجة التي تركها صاحبها عند باب المحطة ولم يعد لها. فجمعتها البلدية وباعتها بالكوم. ماذا لو فتحت متجراً لشراء هذه الدراجات وأعدتها إلى الحياة بتجديدها وبعثها إلى الحياة من جديد أو بعتها للدول العربية (قيل إنهم يفعلون بأجهزة الكمبيوتر القديمة يبعثونها إلينا في العالم العربي) أو كما يفعلون بسلاحهم القديم يجددونه ويصنفرونه (الصنفرة عبارة حجازية) ويبيعونه لنا على أنه آخر ما أنتجت مصانعهم، وربما آخر هذه تعني يعني الأخير في الجدة والتطور. المهم أحد الأساتذة في مؤتمر ثقافة الخوف الذي عقد في عمّان العام الماضي، تحدث عن صفقة الأسلحة التي اشترتها لبنان من الولايات المتحدة الأمريكية وتدينت المليارات لتسديد ثمن تلك الصفقة. من أين جاءت تلك الأسلحة، قال والعهدة على الراوي أن أمريكا أرادت أن تتخلص من أسلحة قواتها في ألمانيا التي أصبحت خردة فبدلاً من أن تتخلص منها بالرمي، رشت بعض الهدايا والعمولات فاشترتها لبنان، وأنشأوا أضخم مصانع لإعادة تأهيل تلك الأسلحة، ولما وصلت لبنان بدأت تظهر عيوبها بسرعة فالشاحنات ما أن تتحرك قليلاً حتى تتعطل. فوا آسفاه على أموال الشعب الذي يدفع الضرائب ويكون سلاحه خردة فافرحي يا إسرائيل. بالمناسبة عندما هزمنا في حرب السبعة والستين قال أحدهم باعونا أسلحة فاسدة، وكانت الأسلحة الفاسدة للفاسدين.. وسكت مازن عن الكلام المباح. وإلى اللقاء إن شاء الله
مشاهدات في شوارع ليدن والجامعة
وانطلقت هائماً على وجهي ولكن كيف يهيم الناس على وجوههم؟ لا بد أن أسأل أحد هؤلاء الهائمين. ومما يقال في اللغة العربية: هام حباً، أو يهيم حباً ، والعجيب أن يهيم غالباً ما تأتي بصيغة المضارع. وكان اليوم الاثنين فيما أذكر ولكن المتاجر كانت مغلقة حتى الثانية عشرة ظهراً، ثم بدأت تفتح وقرأت على أبواب بعض المتاجر أنها تعمل من الثانية عشرة إلى الخامسة فحسبت الساعات فوجدتهم يعملون ذلك اليوم خمس أو ست ساعات. فهل يتقاضون راتباً كاملاً عن هذه الساعات القليلة. ولكن تبين لي أن ذلك اليوم يوم خاص، فالعمل يبدأ من التاسعة صباحاً أو العاشرة.
وقريبا ًمن المكتبة ثمة مطعم ولكن عند مدخل المطعم رأيت جمهوراً من الناس يشترون القهوة والشاي والماء الحار والحساء والشوكولاته من آلة تتحدث الألمانية والهولندية والإنجليزية وتعرفت إلى الآلة وتفاصيلها وبحثت عن مكان أضع فيه النقود فلم أجد فرأت امرأة تقف أمام الآلة الأخرى التي بجواري وتستل بطاقة من محفظتها وتلقمها للآلة فتعمل، فعلمت أن الآلة لا تحب النقود المعدنية. وعرضت علي المرأة أن تشتري لي القهوة وسألتني عن شكل القهوة التي أريد (شكل هذه تعبير حجازي أي لونها وطعمها وتركيزها) فأعطتني القهوة ونقدتها الفلوس. وتذكرت أنه عندنا نقول كيف آخذ مبلغاً زهيداً. وهنا أتذكر بعض الباعة المصريين عندما يضحك على الزبون (بعضهم قد يكون صادقاً) فيقول (ما تخلّي) يعني المبلغ علينا. ولكنها لم تفعل وأخذت الفلوس وشكرتها.
وفي هذا اليوم زرت قسم لغات وآداب الشرق الأدنى (مازالوا يستخدمون المصطلحات الاستعمارية القديمة) يا جماعة نحن لنا اسم فلسنا لا شرقكم الأدنى ولا الأوسط ولا الأقصى) وعرفت أن القسم لديه ندوة مدتها يومان عن الأواني الخزفية والنحاسية والمعدنية في الحضارة المصرية القديمة والذي يقيم المؤتمر قسم المصريات. والاهتمام بالفراعنة أمر قال لنا عنه الدكتور جمال عبد الهادي عندما درسنا علم الآثار عام 1394هـ أمر يقصد منه إثارة النعرات الجاهلية والقوميات التي اندثرت، فتحد بعض المصريين اليوم يقول أنا لدي حضارة عمرها سبعة آلاف سنة. مهما بلغت من العلم والتقدم والرقي، يكفي أن ملوكهم كانوا يدفنون في مقابر تحتاج آلاف العمال ومئات الأيام لبنائها،
وبعد مشقة حتى وصلت إلى من أسأله عن القسم كنت قد تعبت قليلاً، فقلت في نفسي إن مثل هذا البحث كان ينبغي أن يقوم به باحث شاب لا عجوز اقترب من الستين، ولكن ماذا أفعل تقدمت بطلب التفرغ عام 1421هـ ولم أحصل عليه إلاّ عام 1428هـ بسبب أن المدير (محمد السالم) كان يرى أن التفرغ منّة من الجامعة وليس حقاً للأستاذ ولذلك أمر مساعده محمد الربيع أن لا يعرض أوراقي في المجلس العلمي. (انظروا كيف التآمر متى يحاسب هؤلاء؟)
وخرجت من هذا القسم وأنا أردد (ما حلاها عيشة الفلاح) وماذا يفعل الفلاح؟ يستيقظ فجراً فيصلي ويحلب شياهه أو بقراته أوجواميسه(مالفرق بين الجواميس والبقر؟) ويخرج إلى حقله ويعمل قليلاً ثم يتناول الإفطار المصنوع من كل شيء طازج. ويبقى في العمل حتى منتصف النهار فيقيل قليلاً (أقيلوا فإن الشياطين لا تقيل) ولكن لا نستطيع أن نكون كلنا فلاحين فمن يشتري بعد ذلك بضاعة الفلاح. ولكن في عالم الرأسمالية ظلم الفلاح كثيراً فإما أن تكون صاحب مزرعة ضخمة وإلاً فعيشتك صعبة. ورأيت كيف أن مجموعة الفلاحين تعاني معاناة كبيرة هنا في إكستر، يرجون الناس أن يشتروا منهم حتى تتاح لهم الفرصة أن يعودوا إلى وسط المدينة بعد أن منعوا زمناً.
وذهبت إلى المكتبة وأردت أن أكون نظامياً (كما هي عادتي !! لا أحد يضحك) فقدمت للموظف خطاب الجامعة الذي يعترف بأنني متفرغ (إياكم والتصريفات الأخرى لكلمة) وأريته جواز سفري، فأخرج بطاقة من الدرج وعليها أرقام ما يسمى الباركود (الرمز التشفيري) ليمكنني من الاستعارة من المكتبة، وسأل كم المدة قلت شهر، قال لا سأعطيك للسنة بكاملها كما جاء في إفادة جامعتك أنك متفرغ كل العام.
وكان عليّ أن أزور مكاناً أخرى يسمى اختصاراً (إزم) وباللغة الإنجليزية ISIM ومعناه المعهد الدولي لدراسات الإسلام في العصر الحديث. ووجدت الباب مغلقاً، فرجعت وكان علي أن لا أرجع، والسبب أن بجوار الباب جرس يمكن قرعه فيستجيب أحد الموظفين (لا ادري هل عندهم آلة تصوير أو لا) ولكن قرأت المعلومات التي على الباب فوجدت أن هذا المعهد يتبع ثلاث جامعات هي جامعة أمستردام وجامعة ليدن وجامعة أوترخت.
الوصول إلى الشقة: عرفت الحافلة التي تذهب إلى المنطقة التي أسكن فيها، وإن كان هناك عدة حافلات ولكن إحداها تصل إلى قريب من باب الشقة. ولكني لم أحفظ اسم الشارع الذي أنزل فيه بالقرب من المنزل. أما الوصول إلى البلد فالمسألة بسيطة لأن الكلمة في الهولندية وفي الإنجليزية والألمانية هي سنترال . المهم في اليوم الأول ركبت الحافلة وكنت قد جعلت علامة على البيت مرآب سيارات فيه سيارات إطفائية وفوق الباب لوحة. ولما رجعت في المساء كان المرآب قد أغلق فلم أر المكان وسرت مع الحافلة حتى شعرت أنني تجاوزت المكان فسألت السائق عن الشارع الذي أقطن فيه، فقال تجاوزنا بكثير. فانتقلت إلى الجانب الآخر من الطريق وركبت حافلة أخرى أوصلتني إلى الشقة. وقررت أن أخترع طريقة أعرف بها مكان الشارع بأن ركبت في اليوم التالي وسجلت أسماء المحطات وعددتها. (ولكن يلاحظ أن الحافلة لا تقف أمام كل المحطات، فأحياناً لا يكون هناك ركاب ينتظرون ولا ينزلون فيضيع الترتيب. المهم استغرقت يومين أو قل أسبوعاً حتى عرفت كيف أنزل من الحافلة في المكان الصحيح. ولعل من الأسباب أن ذكائي في حفظ الأسماء الهولندية ليس عالياً أو إنني قليل الملاحظة أو غير دقيق الملاحظة. أو يمكن أن يكون السبب أنني كنت بدون خديجة وهاشم، ولي مقوله مشهورة (الرجل بلا زوجة بنصف عقل) والرجل المسافر بنصف عقل فإن كان مسافراً وبلا زوجة فماذا يكون ؟؟؟؟؟
وعدت إلى قسم العقيدة أطلب التقارير السنوية، فلم تكن متوفرة عند السكرتيرة وطلبت مني أن أعود بعد أعياد الميلاد والإجازة عندهم. وعدت ووعدتني مرة أخرى بعد بداية السنة. ورجعت مرة ثالثة فنظرت إلي كأنها لا تعرفني ، على الرغم من أنها تعرفني منذ المؤتمر الذي حضرته عام 2002 وبعد عدة زيارات كيف لا تعرفني.
تلطيفة:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
سمعه بعض المشايخ فحاولوا حفظه، وكتابته، وكنت حاضراً فقلت ولم تكتبوه احفظوه وأخذت أكرره على كل من حب أن يحفظه. ولكن لماذا؟ هل عزات المشايخ مماطلات؟
وما العيش إلاّ نومة وتبطح تحت النخيل وماء.
يحب أن يأكل التمر ويشرب ويكون في الظل، ولكنه أهون من ذاك الذي طلب ما لا أستطيع أن أقوله هنا في المنتدى ولكنه كسول لدرجة أنه ينتظر الغمامة تمطر فتغسله. والسلام
نماذج من الباحثين والدارسين للإسلام في ليدن
تحدثت عن لقائي بالمستشرق كوننجزفيلد وكيف قمعني قمعاً، وأنني خرجت من عنده هائماً على وجهي في شوارع ليدن حتى كأني أكلم نفسي. أقول ضاعت سنة التفرغ ستعود خالي الوفاض، تعود بخفي حنين أو حتى بدونهما. لا أدري لماذا درسنا تلك القصة في المدارس؟ ومما أذكره أن حنيناً أعرابي زار المدينة وأراد أن يشتري خفاً. فتذاكى مع البائع. فعمل البائع حيلة أن رمى أحد الخفين في طريق حنين فأخذ أحد زوجي الحذاء ثم بدأ يبحث عن الثانية، وترك بعيره وما عليه من طعام وشراب وما مشتريات. فجاء الحضري أو بائع الأحذية فأخذ الجمل وما حمل. وعاد حنين يبحث عن جمله فلم يجده فعاد بالخفين. وقيل (رجع بخفي حنين).
وما أن انتهى النهار حتى استعدت بعض الثقة في نفسي وقلت هل كل ليدن هي كوننجزفيلد؟ وهل مازن من يقبل بالهزيمة؟ فرجعت في اليوم التالي أبحث عن المعاهد الأخرى التي يدرس الإسلام فيها أو من خلالها، فكان من الأماكن التي زرتها معهد دراسات العالم الإسلامي في العصر الحديث، وهو مشروع كبير. وممن وجدت لهم مكتباً هنا نصر حامد أبو زيد. الذي جاء إلى هولندا عام 1996م عندما حضرت أول مؤتمر لي في هولندا. ورئيس المعهد باحث إيراني. ويمكن للإنسان أن يتساءل هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون دراسة الإسلام وفهمه ما معاييرهم في من يجتذبون من أبناء الأمة ليعملوا معهم. لماذا نصر حامد أبو زيد؟ أهو العبقري الذي لا يفرى فريه؟ أ هو المبدع وحيد عصره وفريد زمانه؟ وكذلك مدير المعهد الإيراني؟ كنّا نشكو في الزمن لماضي أن الذين يأتون للالتحاق بالدراسات الإسلامية أو الشرعية هم النطيحة والمتردية وما ترك السبع، فهل هذه النماذج أصبحت مقدسة عند الغربيين؟
جئت إلى الجامعة في يوم الخميس الأول من ذي الحجة عام 1427هـ ظاناً أن لدي موعدان، وأستطرد هنا لأقول إن الحافلة تقف في المحطة الرئيسية للقطار وللحافلات وبعدها أسير على الأقدام مسافة ربع ساعة أو أكثر قليلاً. ومن حب الاستطلاع أن أنوع في الطرق التي توصلني إلى الجامعة، وكنت أقدر أنني إن سرت في هذا الشارع الموازي للشارع الآخر الذي وصلت من خلاله إلى الجامعة فإني سأصل إلى النقطة نفسها. ولكني فوجئت أن ليدن لها هندسة خاصة حيث المدينة مجموعة من الشوارع والقنوات فتسير في الشارع فتقطعه قناة من القنوات فتضطر أن تنحرف (انحرافاً مادياً ليس معنوياً) وتواصل السير فيما تعتقد أنه سيوصلك إلى الهدف ولكنك تسير وتسير حتى لا تكاد تعرف من أين بدأت وأين وصلت. وهذا ما حدث معي في تلك الصبيحة من أول أيام شهر ذي الحجة. ولكن مع قليل من الإصرار وإعمال الحاسة السادسة أو حاسة الاتجاهات واصلت المسير حتى بدأت أرى مباني الجامعة. وبالفعل وصلت بعد مشقة ليست كبيرة حتى وإن كنت في شهر ديسمبر وفي الشتاء لكن منظر المياه (وإن كان معظمها يبدو راكداً أو هو راكد أو يسير ببطء شديد) لكن الخضرة المحيطة والترتيب الأنيق والسيارات التي تسير بدون إزعاج فلا أصوات المنبهات (البواري أو الزمور أو الكلاكسون ... لأنها جميلة ومحببة اخترعنا لها أسماء كثيرة في العالم العربي) تجعل الإنسان يرغب أن لا ينتهي المشوار إلاّ إذا كان لديه موعد يجب أن يصل إليه.
وسألت فيما بعد هل الأصل في ليدن القنوات أو الشوارع؟ هل كانت القنوات قبل أن تكون الشوارع فلم أجد جواباً شافياً. المهم وصلت إلى ما ظننته موعدي الأول فأخبرني الشخص الذي جئت إليه قائلاً أنا لم أعطك موعداً وإنما أخبرتك أين تشتري الكتب أو كيف تحصل عليها من الإنترنت. وكنت ظننت أنه سيقدم لي بعض تلك الكتب. وخرجت من عنده إلى موعدي الثاني وكان مع منسقة المعهد أو منسقة البرامج التي وعدتني بتزويدي ببعض الكتب وبالفعل أعطتني بعضها والبعض الآخر اعتذرت لعدم وجود نسخ منه.
ولما خرجت من المبني وإذ بشاب هندي واقفاً يريد الدخول فحدث بيننا كلام فعرفت أنه مدعو إلى المعهد لقضاء عدة أشهر كباحث زائر وهو أستاذ جامعي من الهند وتخصصه في الحركات الإسلامية الهندية أو المشهد السياسي الإسلامي الهندي. أتساءل كيف يعثر هؤلاء الهولنديون على أمثال هذا الشخص وكيف يفيدون منهم؟ وسألته وما البحث الذي ستقوم به؟ وما النشاطات التي مطلوب منك تنفيذها؟ فعرفت أنه سيدرس مادة حول الحركات الإسلامية في الهند، ويواصل البحث في هذا المجال الحيوي.
وفي المعهد نفسه قابلت فردوس وهي فتاة تونسية الأب هولندية الأم تدرس دراسات عليا في المعهد وموضوعها التعليم العالي الإسلامي في أوروبا وبخاصة هولندا وبريطانيا. فقلت لها أنني سأكون في بريطانيا في المستقبل القريب ويمكنني أن أزودها بمعلومات عن بريطانيا إن هي اتصلت بي. وسألتها إن أمكن أن تجيب عن بعض تساؤلاتي فأجابت بالموافقة ولكني لم أرسل الأسئلة بعد.
ومن الباحثين في المعهد باحثة إندونيسية جاءت لتعد بحث الدكتوراه في علم الاجتماع مطبقاً على العالم الإسلامي. وموضوعها (الخادمات الإندونيسيات في السعودية وطرق معاملتهن) وقد ذهبت إلى السعودية بتأشيرة عمرة وقابلت العديد من الخادمات وعرفت كثيراً من قصصهن. وطلبت أن تجري معي لقاءً تسجله حول هذه القضية. ووافقت. ولكني تساءلت لماذا تهتم جامعة ليدن بالخادمات الإندونيسيات عندنا؟ لو كان البحث لجامعة إندونيسية وهي في إندونيسيا لقلت لا بأس هذه البلاد تريد أن تعرف كيف يعامل رعاياها في بلد يعملون فيه؟ ولكن أن تكون هولندا هي التي دفعتها لهذا البحث فأمر ينبغي أن نفكر فيه طويلاً.
ثم هي جاءت إلى السعودية بصفتها معتمرة فقامت بإجراء المقابلات وحتى إنها دخلت بعض المساكن التي تلجأ إليها الخادمات وربما زارت بعض السجون (لم أتأكد من هذه المعلومة) وأجبتها عما أعرفه من تعامل البعض عندنا مع الخادمات وكيف أننا أعدنا الرق من جديد. فبعض الأسر تعمل الخادمات لديها أكثر من خمس عشرة ساعة في اليوم. ينبغي على الخادمة أن تستيقظ قبل الجميع وتنام بعد أن ينام الجميع، وبين ذلك تقوم بكل واجبات ربة البيت. وفي يوم من الأيام كنت أصنع لنفسي شاياً وكان في زيارتنا بعض الضيوف ومعهم خادماتهن فقالت إحداهن عمّي نحن نصنع لك الشاي. قلت أنا أحب أن أصنع الشاي بنفسي. وأما التحرش بالخادمات فقد يحصل في البيوت التي فيها شباب إن كان الوازع الديني ضعيفاً ولكن نسيت أن أخبرها أننا يجب أن نوجه بعض اللوم للخادمات الإندونيسيات وبخاصة غير المتدينات منهن. والقرآن الكريم قدم الزانية على الزاني (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) والأنثى أحياناً هي التي تشعل الفتيل، فعلينا أن لا نضع اللوم كله على الأسر أو الشباب السعودي.
وذكرت لي تلك الباحثة عن نماذج سيئة من معاملة الخادمة فذكرت عن خادمة تزوجها مخدومها وعمرها 14 سنة (كيف تسمح إندونيسيا بإرسال خادمات في هذه السنّ؟ هل يزيفون أعمارهن؟) وبعد أن حملت أرسلها إلى بلدها. وقالت إن طريقة الزواج فقط أن تقول الفتاة للرجل زوجتك نفسي. ما شاء الله ما شاء الله على هذا الفقه.
من مشاهداتي في ليدن والمنح الدراسية
وفيما أنا أتصفح النشرات الموجودة في معهد دراسة العالم الإسلامي في العصر الحديث وجدت نشرة من جامعة بيركلي بكالفورينا بمركز دراسات الشرق الأوسط؛ المنحة الأولى باسم سلطان بن عبد العزيز والمنحة الثانية باسم منحة الفلاح ويقدمها الشيخ (هكذا والله) صلاح الدين يوسف حمزة عبد الجواد، وهم وكلاء سيارات أمريكية منذ ما يزيد على أربعين سنة وربما أكثر. وكتبت حينها بعد أن قرأت تفاصيل المنح التي سأقدم ملخصاً لها: "جميل أن يتبرع الثري للعلم، لكن ألا تستحق جامعاتنا السعودية بعض هذه التبرعات؟، وهل هي مسؤولية صاحب المنحة والمال؟ أو هي مسؤولية الحاشية التي لا تقدم له النصيحة الصحيحة؟ وهل يجب على صاحب المال أن يكون له حاشية تزين له شيئاً وتُقبِّح له آخر، أليس لديه العقل ليتخذ القرار السليم؟
أبدأ بمنحة الفلاح، ويا له اسم جميل! وهل هو فلاح حقاً أن يضع الإنسان كل تلك الأموال في أيدي الباحثين الغربيين. وعلى اسم منحة الفلاح الاسم الطويل لهذا المحسن الكبير، ولكن هل يتوقع الناس أن يحفظوا هذا الاسم الطويل؟ ثم السؤال الذي يجب أن يسأل المسلم نفسه دائماً لماذا ينفق المال فيما أنفقه؟ ألا يذكر هؤلاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) وجميل قول القرآن الكريم عن المطففين (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين)
منحة الأمير سلطان لها برنامج لعام 2006/2007 والأشخاص الذين فازوا بالمنحة هم الآتية أسماؤهم:
1- د. منال جمال حصلت على الدكتوراه من جامعة ماقيل، وكان عنوان رسالتها "المؤسسات المجتمعية الإسلامية ومساعدة المتبرعين وتشيجع الديمقراطية في الشرق الأوسط"
2- سارة بون سافانت Sara Bowen Savant أكلمت الدكتوراه في الدراسات الدينية من جامعة هارفارد وموضوعها: "مكاننا في الماضي، الإنسان والعرقية في الإسلام"
3- منحة لإكمال دراسة الدكتوراه أعطيت للطالبة آمي أيسون Amy Aisenمن قسم التاريخ.
4- منحة للمساعدة في أعداد خطة بحث الدكتوراه أعطيت ل ميتشل ألن Michael Allen من قسم الأدب المقارن
5- منحة لطالبة دكتوراه أعطيت لباحثة موضوعها "تأثير الحبس المكاني على الهوية الثقافية والسياسية: مقارنة الأحياء المنعزلة في المدن ومخيمات اللاجئين، والقرى غير المعروفة والأراضي المسورة في إسرائيل/فلسطين
6- منحة طالب دكتوراه أعطيت لريم صلاحي على بحثها: "الإصلاحات القانونية بخصوص المرأة في كل من الأردن وسوريا"
7- منح لمساعدة باحث في مرحلة الدكتوراه أعييت لبحث بعنوان "دولة مؤجرة:الإصلاح المبني على السوق في قطاعات المياه والطاقة والاتصالات في الأردن"
8- منحة للمرحلة الجامعية للقيام برحلات علمية والسفر إلى مصر للبحث في الحركات الإسلامية المتعددة الجنسيات والطالبة التي نالت المنحة هي إدينا بوهانيك Edina Bohanec من قسم علم الاجتماع.
9- منحة لأستاذ جامعي لدعم بحث بعنوان "أخلاقيات الإنصات: الخطب والموافق الإسلامية المعارضة" وذهبت المنحة للبروفيسور شارلز هيرتشكايند Vahrles Hirshckind من قسم علم الإنسان.
أما اللجنة التي تقرر هذه المنح فتتكون من الأشخاص الآتية أسماؤهم:
- نزار السيد متخصص في العمران
- بشارة دوماني فلسطيني متخصص في التاريخ
- مارغريت لاركين Margaret Larkin متخصصة في دراسات الشرق الأوسط
- لورا نادر من قسم علم الإنسان
- سيفانيا باندولفو Stefania Pandolfo متخصصة في علم الإنسان أيضاً
والذي يرغب في التقدم لأي من هذه المنح فعليه الاطلاع على الشروط والأوقات في موقع المركز CMES بجامعة بيركلي.
أما منحة الفلاح فلها تفاصيلها وقد مللت والله من نقل التفاصيل، ولكم أن ترجعوا إلى مواقع هذه الجامعات أو تكتبوا اسمه الشيخ الطويل أو تختصروه كما تشاؤون وستجدون المعلومات بإذن الله.
كنت قد أردت أن أرفه عن نفسي قليلاً بالسير في شوارع ليدن وكان اليوم هو الأحد فنظرت من النافذة فرأيت الشمس، وظننت أن الجو دافئ، وارتديت سترة الجنيز (بنطال أو سروال وجاكيت) والجنيز هذا مصنوع من القطن وهو من البدع الأمريكية التي غزت العالم فتمكنت. (هل يرتدي الناس الجنيز حباً في تقليد الأمريكان أو إنها ملابس عملية وتتحمل اللبس مدة طويلة؟ لا أدري) وخرجت من البيت وبعد أن سرت بضعة أمتار شعرت بالبرد، وكان القرار الصحيح أن أعود إلى المنزل فأرتدي شيئاً أكثر سماكة ودفئاً، ولكني قررت أن لا أرجع. ولا أدري تعلمت أن البدوي لا يرجع إلى الخلف. ولذلك إذا شتم أحدهم الأخر قال له ارجع وراك. فمن يستطيع أن يفسر لي هذه المقولة؟ وفي ذات يوم خرجت في الرياض عام 1410هـ حين عاقبتني الجامعة على أنني أصررت على البحث في موضوع تخصصي ولم يرق ذلك للعميد أو لأنني قلت إن العميد مستبد ديكتاتور- كما اشتكى لوالدي، فقال له أبي يا دكتور عبد الله أنت رئيس ومازن مرؤوس والشاعر يقول: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب) وسرت حتى وصلت وادي حنيفة (وهو جميل إن كان فيه زرع ومياه، حتى وصلت إلى حي الدخل المحدود (يسمونه المقرود) ونفذ البنزين في السيارة ولو رجعت في مرحلة من مراحل الضياع لعرفت الطريق ولكني مثل البدوي لا أحب الرجوع إلى الوراء. وأيضاً تعلمت من أبي أن السؤال مذلة ولو عن جادة الطريق.
وسرت في شوارع ليدن والبرد يكاد أن يقتلني ولكني لا بد أن أمضي بعض الوقت حتى أعود إلى الشقة فأطبخ طعام العشاء، وربما أتيت بطعام من السوق (فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف) وكنت متلطفاً فلم أر في الشوارع إلاّ الذي طردته زوجته، أو الذي ليس له قريب أو حبيب. أو الذي ليس له عقل. ولما عدت إلى الشقة أدرت التدفئة وربما تعشيت ثم نمت، واستيقظت بعد قليل أشعر ببرد شديد ووضعت كل ما لدي من أغطيه، وكأن البرد دخل إلى أعضائي إلى الأعماق فكان إحساساً مزعجاً وكأنني أصبحت مريضاً. وشاء الله أن أتخطى تلك الأزمة والحمد لله.
ولكن رأيت بعض الناس رأيت رجلاً يسير ومعه طفلان إما ولدان أو بنتان أو ولد وبنت لم أتبين ذلك، وتساءلت ما الذي يجعله يسر في الشوارع الخالية في يوم الإجازة؟ قد يكون بلا زوجة أو قد يكون طلقها أو طلقته أو هربت مع رجل آخر. كما رأيت رجلاً عجوزاً ومعه امرأة تقاربه في السن، فتعجبت ما يخرجهما في مثل هذا الوقت أليس لهما أطفال أو أحفاد أو أقارب؟ ومر شباب وشابات على درجات ومعظم ركوبهم الدراجات هنا.
ودلفت إلى مطعم لأتناول قهوة وفي هذا المطعم رجل عجوز يجلس مع طفلين، وقد جلسوا على طاولة تتسع لثمانية أشخاص، وكان مع الأطفال بعض الألعاب اسمها بالإنجليزية Puzzel فهل يمكن أن نترجمها إلى المحيّرة أو تركيب الصور. وكنت أظن أن لا أم لهما، وبعد قليل وجدت امرأة تتحدث مع الطفلين ثم تعود إلى الوقوف مع مجموعة من الرجال يشربون ويتكلمون ويضحكون. فتعجبت لعلها من جيل غير جيل العجوز (الأب) وربما (الجد) وجاءت لتقضي وقتاً مع من هم في سنّها. وتساءلت هل غيرتنا الإسلامية تسمح بمثل هذا الأمر؟ ليقولوا عنّا متخلفين فتخلفنا والله أفضل مليون مرة من تحررهم. ودخل إلى المقهى مجموعة من الأشخاص يعرفون العجوز فأخذ يضحك معهم مما يدل على أنه ليس بائساً في حياته، وهذا ذكرني بما كتبه أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار عن الرجل يكون مع زوجته فيلقاهما رجل يطلب أن ينفرد بالمرأة في حديث خاص فتذهب معه وتترك بعلها ولا يكون منه إلاّ ربما أن يقول لها لا تتأخر أو يتواعدا على الالتقاء في مكان ما.
وإلى اللقاء في حديث عن الجامعة إن شاء الله
الجامعات الأجنبية ونشاطاتها
جئت إلى جامعة ليدن لأكتب عن الدراسات العربية والإسلامية فيها، وكنت أظن الأمر سهلاً ؛ أجمع المادة في بضعة أيام ولكن أرى أن الصعوبات بدأت بأنني جئت قبل أعياد الميلاد بقليل وبداية العام الميلادي الجديد ووجدت أن الأقسام التي تهتم بالعالم العربي والإسلامي كثيرة فمن الذي يستطيع أن يحصى ما فيها من نشاطات ورسائل ومحاضرات ومؤتمرات؟ ثم إنني وجدت أن هذه السنّة التي أعطيت التفرغ فيها وصلتني عدة دعوات ولم أجد مفراً من تلبيتها أولها زيارة اليابان حيث دعيت من قبل الحكومة اليابانية والمؤسسة اليابانية التي تعنى بالعلاقات الثقافية بين اليابان والعالم، ثم كان علي حضور مؤتمر في المدينة المنورة حول القرآن والدراسات الاستشراقية، ثم دعيت إلى السويد، ودعيت لأكون باحثاً شرفياً في جامعة إكستر. ولو كانت الأمور طبيعية لجاءت هذه الأمور على مدى عدة سنوات. ثم إن التفرغ تأخر عدة أعوام
وإنني كلما زرت جامعة أجنبية ورأيت ما فيها من نشطات وأعمال أدركت مدى تخلفنا؟ لماذا لا يقوم وزير التعليم العالي الحالي أو الذي سيأتي بعده بزيارة الجامعات الغربية؛ ليست الزيارات ذات البسط الحمراء والبروتوكولات والذين يمشون في الخلف وفي الأمام. ولكن لو جاء الوزير (هو درس في الغرب في وقت من الأوقات ولعله نسي كيف كانت الجامعات حينها- ومشى من قسم إلى قسم واطلع على اللوحات الإعلانية، ولو جلس وتحدث إلى طلاب الدراسات العليا وإلى الأساتذة من مختلف الرتب. لو فتح مواقع الجامعات الغربية ورأى تحت عنوان (آخر الأخبار) ولو فعل الوزير، ولو أيضاً قام بمثل هذه الزيارة مدراء الجامعات ولو لو لو .... هل تفتح هذه عمل الشيطان أو تفتح الأذهان والآفاق!!!
ماذا أقول عن الجامعات الغربية؟ هل أتحدث عن الميزانيات الضخمة؟ لا أفهم الأرقام ولكني أذكر مقالة لخالد المعينا في الشرق الأوسط ذات يوم يتحدث عن التبرعات التي تتلقاها جامعة هارفارد تكاد تكون أكثر من ميزانية بعض الدول. حتى لا نذهب بعيداً قسم الأديان أو العقيدة (وأصول الدين) – ليس في الجامعات الغربية أصول الدين- في جامعة ليدن قدم اقتراحاً لتأسيس برنامج لإعداد الأئمة والخطباء في هولندا. يزعم أنه لا يريد الأئمة والخطباء المستوردين لأنهم في زعم البعض يأتون بالتطرف إلى ديارهم، إذن علينا أن نعد برامج نخرج نحن من يعدهم ويدربهم. وماذا كانت ميزانية هذا البرنامج مليونين ونصف المليون يورو (مضروباً في خمسة عند التحويل إلى الريال)
أما المنح فهذا معهد دراسات العالم الإسلامي في العصر الحديث يعلن عن ثمانية وأربعين منحة منها ثمانية عشرة منحة للدكتوراه وثلاثين منحة لمرحلة الماجستير والدراسة باللغة الإنجليزية لأنباء المسلمين، فهيا شمروا عن سواعد الجد وأثبتوا أنكم تعرفون الإنجليزية والمنحة قادمة قادمة....
أما عن الأساتذة الزائرين والأساتذة الذين يأتون لبحوث ما بعد الدكتوراه فحدث ولا حرج قليل منهم من يتحمل مصروفاته والآخرون تتحمل الجامعات تكاليفهم، مع تكليفهم ببعض العمل.
وطلاب الدراسات العليا ونشاطاتهم فقد خصص مركز دراسات الشرق الأوسط في نشرته ربع صفحة ليتحدث عن المهمات العلمية من حضور مؤتمرات وندوات وعناوين البحوث التي قدموها. وفي قسم الثقافة الإسلامية عندما تقدم القسم يطلب الإذن لطالب دكتوراه لحضور مؤتمر جاء الرد من مدير الجامعة : إن صاحب الصلاحية لم يوافق) وكم هي غامضة هذه العبارة صاحب الصلاحية من هو ولأي سبب لم يوافق؟ لا تستطيع أن تسأل. وقد طلبت الإذن لحضور مؤتمر ذات مرة فرد وكيل الجامعة بعدم الموافقة فكتبت خطاباً لمدير الجامعة وكان أيامها الدكتور الشبل موضحاً أهمية المؤتمر لتخصصي وأنه من الخطأ عدم السماح لي، فقام مدير الجامعة بالرد بالموافقة. ولكنها مرة وحيدة فريدة وفي الحالة العادية يقال لك كيف تعترض على خطاب وكيل الجامعة فقد تعودنا (الشيوخ أبخص). وبالنسبة لحضور المؤتمرات قبل الحصول على الدكتوراه فأحمد الله أن الله يسر لي ذلك وكان لنصيحة والدي رحمه الله وحثه لي أكبر الأثر في أنني سرت على هذا الخط من وقت مبكر.
فأول مؤتمر كان في الجزائر عام 1408هـ(1989أو 88) فقد اتصل بي الدكتور أبو القاسم سعد الله يقول إن المجلس الشعبي البلدي يعقد مؤتمراً هذا العام في 16 أبريل ويمكنك أن تشارك في موضوع عن ابن باديس وأعطاني العنوان البريدي للمجلس، فكتبت إليهم أقترح أن أشارك وبالفعل جاءت الدعوة وأعددت البحث، وأرسلوا برقية (لم يكن الفاكس منتشراً ولا البريد الإلكتروني) ووعدوا بإرسال التذكرة ولكنها لم تصل فقال لي والدي اقترض أو تدين ثمن التذكرة وسافر، إنك سوف تتعلم. وتعجبت فوالدي لم يحضر مؤتمرات ولا يعرف هذه الأمور. ولكن نصيحته كانت في مكانها. فقد حضرت المؤتمر وتوطدت العلاقات بيني وبين رعاة المؤتمر فدعيت السنة التالية، وحتى إنهم طلبوا مني أن ألقي كلمة الحضور وكان هذا تشريفاً لباحث في بداية طريقه العلمي. فرحم الله والدي وشكراً للتمرد. فو استأذنت لما أذن لي ولكن قلت للكلية أريد إجازة عادة مدة أربعة أيام.
والجامعات لديها حرية الحركة والنشاط فعندما كنت في السويد وأردت أن أزور قسم الأديان في جامعة لند فقرر رئيس القسم أنه من المناسب أن أقدم محاضرة عن الاهتمام بالاستشراق في السعودية والاستغراب. فهل كتب رئيس القسم إلى العميد الذي كتب بدوره إلى وكيل الجامعة ثم مدير الجامعة ثم إلى جهات كثيرة أخرى؟ لا إن من حق رئيس القسم أن يدعو لمثل هذه النشاطات دون الاستئذان من أحد. كلما في الأمر أنه كلف السكرتيرة أن ترسل رسالة في البريد الإلكتروني لأعضاء القسم ولطلاب الدراسات العليا أن باحثاً من السعودية سيأتي في اليوم الفلاني والساعة الفلانية فمن كان عنده فراغ فليحضر. وبالمناسبة كان باحث فرنسي اسمه جيل كيبل يريد زيارة المملكة واللقاء بعدد من الباحثين وكان اسمي من بينهم فكان استئذانه لمقابلة هؤلاء الناس عن طريق جهات رسمية، ويمكن أن يكون للجهات الرسمية مبرراتها في مثل هذه الإجراءات لكن جامعاتنا تحتاج إلى مرونة أكثر لنشر الثقافة والعلم في المجتمع. فللجامعات الغربية تقليد ما يسمى اليوم المفتوح حيث تأخذ الضيوف في جولات على مرافق الجامعة وأقسامها. فهل نتعلم ونفتح جامعاتنا حقيقة للمجتمع. كما أني لاحظت أن اللقاء الأسبوعي في جامعة برنستون يحضره أشخاص من المجتمع من رجال أعمال وسياسيين وصناعيين وصحافيين ومثقفين.
العربان والزواج من الأجنبيات
لاحظت أن بعض العرب والمسلمين يتزوجون من أجنبيات، والقرآن الكريم سمح بالزواج من الكتابية أن تكون عفيفة محصنة غير ذات أخدان، فكيف يستطيع الإنسان أن يجد هذه المواصفات في المجتمعات الغربية هذه الأيام. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتزوجون عادة نساء ليس لهن من المواصفات إلاً أن تكون شقراء وكأن الشقار هو الجمال كله؟
اللون الأسمر يزعج البعض هنا:
دخل أحدهم إلى المقهى ونظر إلي فتجهم كأنه لم يعجبه لوني الأسمر أو شكلي الذي يوحي بتجهم الصحراء وقسوتها صيفاً وشتاءً ، حرارة يغلي منها الدماغ وبرد لا يرده إلاّ أن يجلس الإنسان أمام كومة حطب مشتعلة، ويرتدي وبر الإبل. ولو عرف الأوروبيون ما يقدمه الجمل من دفئ في وبره وصحة في لحمه لتهافتوا على وبر الجمل وشعره وحليبه.
أرجوزة أردنية
يا عباتي يا كحيلة (كحلاء) يا دفايا كل ليلة
لو أعطوني حجر مكة والذهب بالأقة
نسيت الباقي وعندما أتصل بالوالدة إن شاء الله أسألها عن الباقي والسلام وإلى اللقاء في مقالة قادمة
عميد وعمدة ليدن الدكتور قاسم السامرائي
كنت أبحث عن مشرف لرسالتي حول الاستشراق الفرنسي، وكان قد نشر كتاباً بعنوان (الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية) تناول فيه بصفة خاصة الاستشراق الهولندي، فبحثت عن عنوانه فعرفت أنه في هولندا فراسلته وأبدى استعداده للإشراف، ولكن ذلك الموضوع لم يكن مقبولاً للعميد (ليس لرئيس القسم أو لمجلس القسم، فالعميد عندنا في تلك الأيام كصاحب رتبة العميد في الجيش يُطاع والسلام) ثم تم تغيير الموضوع فراسلته أستشيره في الموضوع الجديد وما النصائح التي يمكن أن يعطيني إياها. فكتب غاضباً، كيف تريد أن تبحث عن مستشرق مازال بين الأحياء، أين لك بالوثائق عنه أو كتاباته وأنت قابع في المدينة، أنتم تحاولون موضوعات أكبر من قدراتكم وإمكاناتكم. فقلت له مهلاً مهلاً يا أستاذي الفاضل، فإنني قد جمعت مادة علمية غزيرة ساعدني في جمعها أخي عبد الكريم الذي كان يدرس في جامعة ليستر ثم إنني أنوي السفر لمقابلة لويس والاطلاع على كل كتاباته في الجامعة التي يدرس فيها الآن وهي برنستون. لم يرد علي الدكتور قاسم بشيء، وكنت حينها أمتلك جهاز تصوير المستندات وأحتفظ بصورة من كل رسالة أرسلها (كنت أكتب بخط اليد)
سافرت إلى أمريكا ومن هناك أرسلت له رسالة أستفسر عن سبب إهمال رسالتي الأولى وأرفقت نسخة منها، فأبدى إعجابه وقال أما رسالتك فلم يكن فيها ما يستحق الرد فلم أرد عليها. وظننت أن هذه قسوة وصلف من أستاذ كبير مع تلميذ مبتدئ. وشاء الله أنني بعد عودتي من أمريكا تتفاقم الأمور من جديد في المعهد العالي فأكتب له عن تطورات الأمور، فيرسل رسالة إلى مدير الجامعة الدكتور عبد الله التركي يشفع لي فيها بأن يعطوني الفرصة للابتعاث إلى هولندا مبدياً استعداده للمساعدة وفي تلك الرسالة يخبر المدير أن معرفته بي كانت من خلال قراءته لبعض مؤلفاتي عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعبد الحميد بن باديس والمغرب العربي بين الاستشراق والاستعمار. ولكن الجامعة لا تسمح لمحاضر أن يدخل في معركة مع عميد حتى لو كان العميد مخطئاً، فإن هيبة السلطة أهم من الحق في نظرهم (هذا ما قاله لي بن عرفة أحد ركني لجنة التحقيق)
واستمرت صلتي بالدكتور قاسم حين قمت بترجمة المقال الثاني في نقد المستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية وأردت نشره فأحببت أن أعرف عنوان الدكتور عبد اللطيف الطيباوي، فأخبرني أنه قد انتهى من ترجمة المقالين ودمجهما في كتاب سيصدر عن جامعة الإمام. وأرسل لي صفحة من ترجمته وقال بصراحة: "قارن بين ترجمتي وترجمتك". كان محقاً هو حصل على الدكتوراه من بريطانيا قبل أربعين سنة، ولغته بلا شك أقوى وأرقى من لغتي. فترجمته أفضل، لكني أحتفظ بأن ترجمتي لم تكن سيئة.(لأنني ترجمت كتباً ومقالات وقبلت للنشر المحكم، وكان آخرها كتاب صراع الغرب مع الإسلام لآصف حسين الذي تم تحكيمه عن طريق المجلس العلمي بجامعة الملك سعود)، وما زالت الترجمة لدي فلعلي أنشرها نشراً محدوداً إلكترونياً لأن الكتب التي تطبعها الجامعات عندنا تموت لأنها لا تسوق تسويقاً جيداً وتهدى لمن لا يقرأها بل ربما يبيعها –لو باعها لكان أفضل- إلى مكتبات الكتب المستعملة.
وكان للدكتور السامرائي صلة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مجال المخطوطات فدعي ذات مرة إلى الرياض بعد أن كان قد عمل في الجامعة فترة. فسافرت إلى الرياض للقائه. ولمثله تشد رحال طالب العلم. وكم كانت لنا جلسات أنيقة مفيدة في فندق السعودية في الناصرية في الرياض. ثم شاء الله أن أنقل تعسفياً إلى الرياض مدة سنة في عام 1410هـ وجاء إلى الرياض فترة من الوقت فازدادت معرفتي به وتقوت تلك الصلة.
واستمرت المراسلات بيني وبينه أستشيره في أموري العلمية وحتى الحياتية حيث كنت أعيش نكداً من نوعين نوع أستطيع أن أتحدث عنه، ونوع لا يليق أن أتحدث عنه. فالنكد الذي كان يخفف عني السامرائي فيه هو النكد العلمي العملي.
ثم جاءت مناسبة المؤتمر العالمي الأول حول العالم الإسلامي في القرن الواحد والعشرين، فأرسل إلي يخبرني عن المؤتمر بطريقة طريفة وهي إرسال نشرة المؤتمر دون أن يكتب شيئاً عدا كلمة (الولد) على المظروف. فقلت هذا الولد سيحضر المؤتمر ويكون له صولات وجولات. ولم أعرف أن عبارة (الولد) ليست سيئة ولا تقليلاً من شان الشخص وإنما العكس تماماً.
وصلت ليدن فقرأ البحث وبدأنا نعيد صياغة العبارات لتكون لغتها أجمل وأبهى وأصح. وبذل جزاه الله معي جهداً كبيراً. ولم يحضر هو المؤتمر ولكن كان يعرف ما يدور في المؤتمر فالسامرائي يعمل في قسم الأديان كما عمل في أقسام أخرى في جامعة ليدن لأكثر من أربعين سنة، ويعرفه الصغير والكبير. حتى إذا استشرته أن أثير بعض الأمور في الجلسة الختامية، قال لا تفعل فقد وصلت رسالتك.
واستمرت صلتي بالسامرائي ففي زيارتي له في عام 1996م (1426هـ) كان كريماً معي وهو طبع أصيل في الدكتور قاسم يعطيك من نفسه بلا حدود ولكنه في الوقت نفسه صريح صادق لا يجامل ولا يداهن. يقول رأيه لا يخشى في الله لومة لائم. وإن أخطأت معه فإنه يواجهك بصراحة ونزاهة غير أنه صاحب قلب كبير لا يحمل حقداً ولا ضغينة ولا حقداً ولا حسداً.
أما من الناحية العلمية فلا أرى أنني أهل لأن أكتب كلمة عن صاحب عشرات المؤلفات والكتب والتحقيقات. فهو خبير بالمخطوطات والخطوط وأنواع الورق وأنواع الأحبار، وبالمخطوطات عمومها ما تم فهرسته وما لم يتم. تستعين به المكتبات للفهرسة والتحقيق والحكم على المخطوطات. ومعرفته بالاستشراق ليست كغيره فهو الذي عاش بين ظهرانيهم قرابة نصف قرن يعرف فكرهم أولاً ويعرف أخلاقهم وطباعهم ثانياً. فلما شكوت له من لقاء كوننجزفيلد معي قال لا تحزن فما زال الهولنديون إلى اليوم يطالبون الألمان بثمن درجات جداتهم. قلت وكيف؟ قال احتلت ألمانيا هولندا فترة من الزمن فقام الجنود الألمان بالاستيلاء على درجات بعض العجائز الهولنديات لاستخدامها، فترى الشباب أو الأطفال الهولنديون اليوم يطالبون الألمان بثمن تلك الدراجات فكيف عرف الأطفال تلك القصة لولا أنهم يتناقلونها فيما بينهم من جيل إلى جيل. قال وأنت أخطأت ذات مرة في أنك لم ترسل رسالة الدكتوراه حين طلبها منك كوننجزفيلد ليوجه إليك دعوة للتفرغ في جامعة ليدن حتى وإن أرسلتها متأخرة فقد غضب منك لتأخرك. قلت لم أكن أظن أن إرسال الرسالة شرط في الحصول على الدعوة، قال هو كان يعتقد ذلك وكان عليك أن تلبي.
وفي ليدن مجموعة من الشباب المصري تعرفت إليهم عام 2002 حين حضرت مؤتمر التعددية الدينية وهم عمرو رياض ومحمود الصيفي ومحمد غالي وهم قريبون من الدكتور قاسم يرعاهم كأبنائه ويمحضهم النصح والرأي.
ولا أذيع سراً إن قلت إن بعض أهداف الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية أن تخرج طلاباً يتجرؤون على الإسلام وثوابته، فكان من برنامج تلك الدراسات في وقت من الأوقات الذهاب في رحلة عمرة أو حج، ثم ألغي البرنامج ووجود الدكتور قاسم كأنه صمام أمان لإصلاح ما يمكن أن يفسده التفكير الاستشراقي أو التخريب. فأسأل الله أن يمد في عمر الدكتور قاسم ويمن عليه بالصحة والعافية والتوفيق، وأن يعين الإخوة الكرام الذين قدموا لي كل عون وترحيب في كل مرة زرت فيها ليدن. وإلى اللقاء في حلقة أخرى حول الرحلة الهولندية بإذن الله.
الرسائل العلمية في جامعة ليدن
كان من مهمات بحثي أن أتعرف إلى الرسائل العلمية التي أنجزت في جامعة ليدن والرسائل التي في طور الإنجاز وكذلك المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك. وقد ذكرت أن كوننجزفيلد أطلعني على عدد من هذه الرسائل كما حصلت على بيان بعدد من الرسائل في المعهد الدولي لدراسة الإسلام في العصر الحديث. وأحب أن أشرككم ببعض المعلومات عن هذه الرسائل وتحليلي للموضوعات. والحقيقة أن الموضوع يستحق تفحصاً أدق لهذه الرسائل وللطلاب وجنسياتهم وخلفياتهم ومدى تدينهم أو تمسكهم بالإسلام أو اعتزازهم به. ولكن الوقت لم يسمح لي بكل هذا البحث. وأتمنى أن يقوم بهذا الأمر بعض الأساتذة الذين يعيشون في الغرب، ولو أتيحت لي الفرصة للعمل هنا مدة أطول وباستقرار اجتماعي ومالي لقمت بمثل هذه البحوث.
وقبل أن ألج إلى موضوع الرسائل العلمية أتساءل دون أن أعرف كل الإجابات؛ كم عدد الرسائل التي يعدها طلاب عرب مسلمون في الجامعات الأوروبية والأمريكية في مجال الدراسات الإسلامية واللغة العربية والعلوم الاجتماعية والتاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث مقارنة بعدد الرسائل التي تنجز في الجامعات العربية والإسلامية؟ ما الفرق بين إجراءات التسجيل للدراسات العليا في الجامعات العربية والإسلامية وفي جامعاتنا؟ ما الفرق بين الموضوعات التي يقدمها الطلاب في الجامعات الغربية وبين التي تسجل في الجامعات العربية الإسلامية؟ ما نوعية الإشراف على الرسائل العلمية بيننا وبينهم؟
أعرف بعض الإجابات كما قلت فمن القصص التي سمعت من الدكتور قاسم السامرائي أنه قبل حوالي أربعين أو حتى خمسين سنة أراد أن يقدم إلى جامعة كمبريدج للالتحاق ببرنامج الدراسات العليا. فاخذ موعداً من البروفيسور آربري (الذي لديه ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، ولديه اهتمام بالتصوف وبالأدب العربي واللغة العربية) وما أن انتهى اللقاء حتى قال له أنت مقبول في برنامج الدراسات العليا في جامعة كمبريدج. وهنا سؤال يفرض نفسه هل الأستاذ في الجامعة الأوربية له من الصلاحيات أن يعلن عن قبول طالب أجنبي للدراسة في الجامعة؟ ما صلاحية الأستاذ في جامعاتنا؟ أما خطة البحث التي أبدعنا في جعلها كأنها اكتشاف معادلة صناعة القنبلة الذرية ففي بعض الجامعات يحتاج الطالب إلى سنة أو سنتين حتى يمكنه أن يسجل. أما الإشراف فقد مر بي تجربة أن عميد الكلية هو الذي يختار المشرف وليس القسم هو الذي يرشح (كما هو النظام) ومجلس الكلية هو الذي يوافق في الغالب على ترشيح القسم. وبعد اختيار المشرف الذي قد لا يكون له أي صلة بالموضوع يقول للطالب اذهب واكتب الرسالة كاملة واتني بها وبعد ذلك يكون لنا لقاء. ويمكن أن لا تزيد التصويبات أو متقرحات المشرف على أمور شكلية. ويمكن أن يكون المشرف من النوع الذي يبيع العلم وجعل الإشراف مغنماً وكما قال لي الشيخ إبراهيم سرسيق (كان أستاذاً بالجامعة الإسلامية ومشرف الصفحة الإسلامية بجريدة المدينة المنورة وخطيب مسجد الجمجوم في جدة في التسعينيات من القرن الماضي) لا تتعجب من طمع الأساتذة المشرفين، فقد أصبح الإشراف في بلادنا فرصة للحصول على الهدايا والخدمات والرشاوي، ففي كل جلسة لا بد أن تأتي بهدية تصل إلى ثلاجة أو غسالة أو موقد غاز أو فيديو أو ما سواه. قلت أو حلال هو؟ ولن أقول ما أجاب به، ولكني عانيت من مشرفي في مرحلة الماجستير حيث كتبت الرسالة خمس مرات بالقلم الرصاص ومن مقاس سبعة من عشرة ملم وبخط غامق (يتعب في أثناء الكتابة) فلما أخبرت الدكتور أبو القاسم سعد الله أني كتبت الرسالة خمس مرات، قال الأصل أن يقرأ لك الفصل الأول ويعطيك التعليمات الأساسية ولا بد أن تسير عليها في بقية الفصول. ومع كل هذا التعب فقد استولى مني على تذكرة سفر من جدة إلى المدينة مرجعاً بالدرجة الأولى، وبعض الهدايا من هدايا الخطوط السعودية كساعة أوميغا وآلة حلاقة وسواها.
وبين يدي الآن قائمة مكونة من أربع عشرة صفحة فيها مجموعة من عناوين الرسائل العلمية من جامعة ليدن وقد قرأت عناوينها ثم بدأت أصنفها وفقاً للموضوعات التي تناولتها وفيما يأتي التصنيف المبدئي الذي توصلت إليه:
1- موضوعات تتناول العلوم الإسلامية: القرآن الكريم، والحديث، والفقه والتفسير، واللغة العربية
2- موضوعات تتناول قضايا المرأة
3- موضوعات تتناول قضايا المسلمين في أوروبا.
والحقيقة إن هناك موضوعات جادة لكن يبقى الحكم على النتائج من خلال قراءة تلك الرسائل ومن هذه الرسائل التي يمكن أن يكون لها نتائج خطيرة إذا ما تدخل الفكر الاستشراقي في توجيهها وهو أمر غير مستبعد ومنها:
- "الإسناد وصحة الحديث: إعادة النظر في موثوقية الرواية" (1998م) ما النتائج التي مكن أن يصل إليها طالب في هولندا قد لا يتقن العربية في حديثه عن الوثوق في الإسناد بعد ألف وأربعمائة عام؟
وتحت هذه التقسيمات الكبرى هناك اهتمام بما يسمى الأسلمة، والجهاد في سبيل الله، ومقاومة الاحتلال الهولندي لإندونيسيا.
وقد لفت انتباهي أحياناً الموضوعات التي أتعجب أن تكون موضوعاً لرسالة ماجستير أو دكتوراه ومن هذه الموضوعات ما يأتي:
- حضور احتفالات أعياد الميلاد: دراسة لفتوى مجلس العلماء الإندونيسيين (1998م)
- الأذان والحرية الدينية في هولندا:دراسة حالة ليدن (2000م*
- الحوار الإسلامي النصراني في لدين :معالم وحقيقة (1998م)
- ممارسات الدفن لدى المسلمين الجاويين السورناميين في هولندا (1999)
- ارتداء المعطف والبنطلون:دراسة لفتوى أحمد زيني دخلان في تقليد ملابس الكفار، (1999م)
- فتوى محمد بن جعفر الكتاني بخصوص ارتداء الجلباب،
وهذه الأفكار مجرد أفكار أولية فعندي قائمة أخرى بالرسائل العلمية وهي أكبر وأوسع من هذه القائمة وسوف يتم دراستها. ولكن كما لاحظ الدكتور قاسم السامرائي أن الرسائل الحديثة لا تهتم بالقضايا الكبرى التي تجعل الطالب يتعمق في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه، ومن الأسباب الواضحة لهذه الأمور أن أقسام الدراسات الإسلامية أو دراسة الأديان تحولت إلى دراسة القضايا المعاصرة أكثر منها للتعليم التأصيلي الصحيح. ويمكن للإنسان أن يستشهد بالمثل الذي يقول (فاقد الشيء لا يعطيه) فأين الأستاذ الذي درس اللغة العربية حتى أصبح يقرأ القرآن الكريم قراءة صحيحة وبفهم صحيح-كما أشارت الباحثة الأمريكية في مؤتمر واشنطن – وأين الذي يستطيع أن يقرأ المصادر الإسلامية. فصار التركيز على قضايا خفيفة سريعة تسهل الحصول على الدرجة العلمية. كما أن الجامعات الغربية تقوم الطالب وهنا تقوم بتوجيهه كما تحب لا كما يحب هو. فيمكن إثارة قضايا معينة وبتوجيه معين حتى يصبح الطالب عوناً للغربيين أكثر منه تعمقاً في فهم الإسلام على حقيقته.