الرحلة العظمى . . سلامة النقل القرآني عبر التاريخ ( سلسلة ) | (1) وحدة النص

إنضم
11/11/2016
المشاركات
19
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
المملكة العربية
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله

مشاهدة المرفق 12407


لما بعد كثيرون عن تعلم العلوم المرتبطة بالقرآن , و انشغلوا عنها بغيرها , و مع هجمة الموجة التشكيكية المعاصرة , أصبح السؤال عن كون القرآن الذي بين أيدينا هل هو نفسه ذلك القرآن الذي كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام أم لا؟
و هذا السؤال رغم كونه شديد السذاجة و سؤال عن أمر بديهي لكي دارس لتاريخ القرآن حتى لو لم يكن مؤمنا به كالمستشرقين (( الموضوعيين و المتمكنين منهم )) , رغم ذلك إلا أننا نجد أنفسنا في حاجة إلى الرد عليه لا لأنه سؤال يستحق الرد . . بل لأنه سؤال فرضته حالة البعد العام عن تعلم تاريخ القرآن و العلوم المرتبطة بالقرآن بل و القرآن نفسه ولا حول و لا قوة إلا بالله
و في هذه السلسلة إن شاء الله حرصت على الإجابة على هذا السؤال بشكل يفهمه الجميع من غير تبسيط مخل , ولا تنظير ممل , بحيث يجد فيه هواة القراءة السريعة بغيتهم , و يجد فيه المثقفون و المتمكنون ما يثير عقولهم و تطمئن إليه أنفسهم و تسكن معه شواردهم
و قسمته مقالات قصيرة أنشرها على حلقات تباعا إن شاء الله تعالى . .

الدليل الأول و المنطلق من اللحظة الراهنة / وحدة النص . . و سلطان العقل . .

* بين يدي الدليل
إن من يريد أن يتيقن بدليل عقلي قطعي على سلامة النص القرآني , و على استحالة أي احتمال ممكن لتحريف عبر العصور إلا عند شخص فقد سلامة العقل و القصد جميعا , فإنه لن يحتاج أن يذهب بعيدا .

إنما يكفي من أراد هكذا دليل أن يبدأ قصة القرآن لا منذ بداية التنزيل , بل من اللحظة الراهنة التي آلت إليها تلك القصة المبهرة .
ففيها أول شاهد حاضر ثقة على قضيتنا محل البرهان . .

رغم أننا سوف نناقش في بحثنا هذا أيضا إن شاء الله أدلة أخرى لا تقل قطعية مثل ( دليل التواتر - و شهادات العلم و التاريخ و العقل و بل و شهادات المتخصصين من غير المسلمين و غيرها ) وسنسوقها إن شاء الله تعالى لاحقا . . إلا أنه دائما يبقى في كتاب الله في لحظته الراهنة برهان لا يتطلب كل هذا العناء , برهان دون الذهاب بعيدا أو البحث المضني . . برهان يصل إليه الإنسان بطريق سالم من المغالطات المنطقية , آمن مطمئن , باعث على اليقين و هذا المسلك مناسب لطبيعة القرآن الذي أنزل لكل البشر , و ليس فقط للباحثين في المخطوطات و المرويات الخبرية التاريخية . . فكان حريا أن يجد كل منهم طريقه لليقين بسلامة هذا النص الخالد.

و بيان ذلك كالتالي :

يتميز القرآن دون عن أي كتاب على وجه الأرض بشهادة الوضع الراهن له شهادة يقينية على سلامته و ثبوت نصه عبر العصور ألا و هي " و حدة النص القرآني ".

* ما المقصود بوحدة النص القرآني ؟
إذا نظرنا في حال القرآن اليوم , ثم سألنا أنفسنا أو غيرنا أو أي عاقل . . " هل يوجد اليوم قرآنان أو أكثر ؟ "
فستأتي الإجابة جامعة قاطعة من المسلم و غير المسلم . . الكبير و الصغير . . العالم و غير العالم . . " لا . . إنه نص واحد فقط "

نعم .. إنه نص واحد محفوظ في صدور حفاظ القرآن ( كليا أو جزئيا في صدور أعداد مليونية من البشر على اتساع توزيعهم جغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق في كل مكان في عصرنا )
نص واحد محفوظ في المصاحف و المخطوطات ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ )

نص واحد محفوظ و مفسر كلمة كلمة في كتب التفسير و إعراب القرآن ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)

نص واحد يستدل به العلماء في كتب الفقه و الحديث و النحو و الأدب وغيرها ( أيضا على اتساع الجغرافيا و كثرة المذاهب و الفرق و من شتى حقب التاريخ)

و في كل ذلك لا تجد آية زائدة أو أخرى ناقصة أو فاقدة . .

وتاج ذلك و قمة روعته في اتفاق ذلك كله معا و إطباقه على نفس النص . . آية آية.

إن وحدة النص تلك في حد ذاتها شهادة حاسمة , فليس لدينا للقرآن إلا نصا واحدا , متعارف عليه بين المسلمين على ظهر الأرض , رغم اختلافهم في المذاهب و ربما اختلافا وصل ببعضهم إلى حد الخلاف العقدي . فالقرآن الذي بين أيدي أهل السنة و القرآن الذي بين المعتزلة و القرآن الذي عند الخوارج و عند الشيعة و عند كل مسلمي الأرض هو قرآن واحد . .

بل ليس على وجه الأرض حتى عند غير المسلمين قرآنا غير هذا. رغم حرصهم على الطعن في الإسلام عبر التاريخ , بدء من يهود المدينة , و نصارى نجران , و غيرهم.

لا يوجد إلا قرآن واحد . . و الحمد لله رب العالمين

و لكن . . كيف تكون وحدة النص دليلا على سلامة النص؟

إننا إذا تأملنا المآلات الحتمية التي يقود إليها أي تحريف في أي كتاب قديم في التاريخ نجد أنها تقود دائما و أبدا إلى مصير واحد و هو ظهور نصوص عدة متغايرة " قطعا " .

و يشهد لذلك كما سنبين إن شاء الله :

أولا / العقل و النظر . . ثانيا /الحس و المشاهدة . .ثالثا / التاريخ

فكلها يشهد - كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى -أن التحريف في نص ما مآله الحتمي هو حضور عدة نصوص متباينة تباينا جوهريا وفاحشا إلى الوجود, بينها اتساع لا يمكن رتقا مهما حاول من حاول .

التحريف لا ينتج نصا واحدا

فالمحاولات أبدا لا تستطيع أن تقلب عدة متباينة مختلفة إلى نص واحد أبدا , مهما حدث.

و لنأخذ شهادة التاريخ . .

(1) شهادة كتب اليهودية:

فلو نظرنا إلى المحاولات الحثيثة التي قام بها اليهود لتوحيد نصهم بعد أن وقع فيه ما وقع من التحريف , و رغم كون هذه المهمة سهلة نظريا بالنسبة لليهود خاصة بسبب هيمنة الكهنة و الأحبار على النصوص و عدم شيوعها بين المؤمنين باليهودية قديما قبل عصر الطباعة .



إلا أنهم آل بهم الحال إلى ثلاث نصوص مختلفة كليا للتوراة. النص الماسوري العبري , و النص السامري , النص اليوناني.

و هذه ثلاث نصوص مختلفة تماما , سواء في عدد أسفار كل منها أو في تفاصيل الأسفار المشتركة بينها , إنها ليست مجرد ثلاث ترجمات لنفس النص , ولا حتى قراءات مختلفة لنص واحد . و ذلك رغم أن محاولات توحيد النص أخذت أكمل صورها قرب ميلاد المسيح عليه السلام . . أي أن هذه المحاولات استمرت على مدار أكثر من 20 قرنا من الزمان . . إلا أنها أبدا لم تستطع أن تمحو تعدد النصوص الذي نتج عن التحريف.
[ راجع دائرة المعارف الكتابية - القس منيس عبد النور - دار الثقافة - حرف الخاء - باب مخطوطات العهد القديم ]

(2) شهادة كتب المسيحية
و على مستوى المسيحي نجد أنه رغم المحاولات المستميتة لوضع ما يسمى ( القانون ) لتوحيد نصوص العهد الجديد لا سيما لعد مجمع نيقية في القرن الرابع الميلادي , إلا ان جميع هذه المحاولات قد باءت بالفشل , و ظهر عدد ضخم من الأسفار التي تسمى أبوكريفا العهد الجديد ( أو الأسفار المخفية ).

أما القرآن . . فنصه واحد , لا يوجد إلا نص واحد معروف للجميع , بتشكيله و مدوده ووقفاته و سكناته وقراءاته , التي هي قراءات لكلمات نفس النص مصرح بها من الرسول نفسه تيسيرا عن الأمة و كلها لنفس النص , و لا يخفى من هذا النص على أحد خافية. .
نص واحد. . نص واحد على اتساع الجغرافيا طولا و عرضا , في العراق في الشام في أمريكا في الصين في الهند في اليمن . . في كل بقاع الأرض.
نص واحد بعمق التاريخ صعودا و هبوطا , في كل مكان على وجه الأرض.

(3) شهادة التجريب (( تجربة ذهنية )). .
الآن لنتخيل هذه التجربة و نطلب من حضراتكم تسجيل المشاهدة . . ثم الاستنتاج

لنتخيل أنه لسبب ما مسحت كل الكلمات المكتوبة في كل الصحف و الكتب على وجه الأرض . . ثم طلبنا من كل البشر على سطح الأرض أن يعيد أي منهم كتابة نسخة كاملة مطابقة من أي كتاب من الذاكرة . .بشرط أن يكون مطابقا للنسخة الأصلية ..

ترى أي كتاب يمكن أن حصل عليه من بين كل الكتب المقدسة و غير المقدسة ؟؟
لن تجد إلا القرآن . .
و سوف تأتيك منه ليس نسخة واحدة . . بل مئات الآلاف من النسخ . . المتطابقة . .

و حتى لو كان في أحدها خطأ في الكتابة أو سهو . . سوف تجد مئات الآلاف من النسخ التي يستحيل عقلا أن تشترك في نفس الخطأ أو السهو . .


إن هذه الآلية لا تقدم لك نصا واحدا فحسب ثم تقول لك اذهب وتأكد من مطابقته للأصل بنفسك . .
لا . .
إنها تقدم لك مع النص الواحد آلية فريدة لا يتطرق إليها الشك للتأكد من صحة هذا النص و مطابقته للأصل . .

إنه التوثيق الجماعي المتواتر باستفاضة و الذي لا يتوفر إلا للقرآن . .

و هذا يبين لنا مظهر من مظاهر حفظ الإرادة الإلهية للقرآن دونا عن غيره من الكتب.

استحالة عقلية :

إن العقل السوي ليشهد شهادة من عاين عين اليقين أنه يستحيل عقلا أن يتفق مئات الآلاف من البشر في نفس الخطأ أو في نفس السهو؟
إن مثل هذا في حد ذاته - ووحده - ليكفي لمن كان ذو لب أن يشهد للقرآن بأنه كلام الله تبارك و تعالى , لأن هذا الحفظ لكتاب ليس جهدا بشريا , بل هو مسار قدري إلهي لا تقدر على تقديره إلا قوة إلهية . و هذا الذي تحدثنا عنه في طبقة من حملة القرآن يعيشون في عصرنا , ينقلنا إلى الحديث عن التواتر. و هو ما سنتطرق إليه إن شاء الله و إلى بيان الاستحالة عقلا أن تطرق الخلل أو الخطأ أو حتى أدنى احتمال للتواطؤ على التغيير . . سنبين أن هذه الاستحالة هي من المستحيلات العقلية . . فرغم أنه مصطلح أطلقه المسلمون . . إلا انه في الحقيقة . . يصف بديهية مركوزة في العقل البشري . . مثل أن الكل أكبر من الجزء . . و أن الأبيض ليس هو الأسود . . فإلى المقال القادم إن شاء الله تعالى . .

رحاب صبري
 
عودة
أعلى