سعيد محمود أحمد
New member
بسم الله الرحمن الرحيم.
الجزء الأول:
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ:
ربيون: مفردة قرآنية وحيدة، في سياق القتال والجهاد في سبيل الله:
" وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ". سورة آل عمران، آية 146.
أولا: النسبة والاشتقاق والدلالة.
جاء في المحرر الوجيز لابن عطية رحمه الله تعالى:
"وأجْمَعَ السَبْعَةُ وجَماعَةٌ مِنَ الناسِ عَلى كَسْرِ الراءِ مِن "رِبِّيُّونَ"، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وعَطاءُ بْنُ السائِبِ: "رُبِّيُّونَ" بِضَمِّ الراءِ، ورَوى قَتادَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ "رَبِّيُّونَ" بِفَتْحِ الراءِ، قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: الفَتْحُ في الراءِ لُغَةُ تَمِيمٍ، وكُلُّها لُغاتٌ. واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى "رِبِّيُّونَ" فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الرِبِّيُّونَ: الأُلُوفُ مِنَ الناسِ والجَمْعُ الكَثِيرُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رِبِّيُّونَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، وقالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ وعِكْرِمَةُ. ولِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ: "إنَّهُمُ الأُلُوفُ" قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هم عَشْرَةُ آلافٍ فَصاعِدًا، أُخِذَ ذَلِكَ مِن بِناءِ الجَمْعِ الكَثِيرِ في قَوْلِهِما: هُمُ الأُلُوفُ، وهَذا في الرِبِّيِّينَ أنَّهُمُ الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ هو مِنَ الرِبَّةِ بِكَسْرِ الراءِ وهي الجَماعَةُ الكَثِيرَةُ، قالَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، وقالَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ( قَتْل مَعَهُ ربيون ) مَنسُوبُونَ إلَيْها، قالَ قُطْرُبُ: جَماعَةُ العُلَماءِ عَلى قَوْلِ يُونُسَ، وقالَ الزَجّاجُ: يُقالُ: إنَّ الرِبَّةَ عَشْرَةُ آلافٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَنِ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ وغَيْرِهِما أنَّهم قالُوا: "رِبِّيُّونَ" مَعْناهُ: عُلَماءٌ، وقالَ الحَسَنُ: فُقَهاءٌ عُلَماءٌ، قالَ أيْضًا: عُلَماءٌ صُبُرٌ، وهَذا القَوْلُ هو عَلى النِسْبَةِ إلى الرَبِّ، إمّا لِأنَّهم مُطِيعُونَ لَهُ، أو مِن حَيْثُ هم عُلَماءُ بِما شَرَعَ، ويَقْوى هَذا القَوْلُ في قِراءَةِ مَن قَرَأ "رَبِّيُّونَ" بِفَتْحِ الراءِ، وأمّا في ضَمِّ الراءِ وكَسْرِها فَيَجِيءُ عَلى تَغْيِيرِ النَسَبِ، كَما قالُوا في النِسْبَةِ إلى الحَرَمِ: حِرَمِيٌّ بِكَسْرِ الحاءِ، وإلى البَصْرَةِ، بِصْرِيٌّ بِكَسْرِ الباءِ، وفي هَذا نَظَرٌ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الرَبّانِيُّونَ: الوُلاةُ، والرَبِّيُّونَ: الرَعِيَّةُ الأتْباعُ لِلْوُلاةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَأنَّ هَذا مِن حَيْثُ هم مَرْبُوبُونَ. وقالَ النَقّاشُ: اشْتِقاقُ "رِبِّيٍّ" مِن رَبا الشَيْءُ يَرْبُو إذا كَثُرَ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الكَثِيرُ العِلْمِ. قالَ أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا ضَعِيفٌ. وقالَ مَكِّيٌّ: رِبِّيٌّ بِكَسْرِ الراءِ مَنسُوبٌ إلى الرَبِّ، لَكِنْ كُسِرَتْ راؤُهُ إتْباعًا لِلْكَسْرَةِ والياءِ اللَتَيْنِ بَعْدَ الراءِ، ورُوِيَ بِضَمِّ الراءِ كَذَلِكَ لَكِنَّهم ضَمُّوها كَما قِيلَ: دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدالِ في النَسَبِ إلى الدَهْرِ. ". أ.هـ
وجاء في البحر المحيط لأبي حيان رحمه الله تعالى:
"والرِّبِّيُّ: عابِدُ الرَّبِّ، وكُسِرَ الرّاءُ مِن تَغْيِيرِ النِّسَبِ، كَما قالُوا: أمْسِيٌّ في النِّسْبَةِ إلى أمْسِ، قالَهُ الأخْفَشُ. أوِ الجَماعَةُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. أوْ مَنسُوبٌ إلى الرِّبَّةِ وهي الجَماعَةُ، ثُمَّ جُمِعَ بِالواوِ والنُّونِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. أوِ الجَماعَةُ الكَثِيرَةُ، قالَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ. ورِبِّيُّونَ مَنسُوبٌ إلَيْها. قالَ قُطْرُبٌ: جَماعَةُ العُلَماءِ عَلى قَوْلِ يُونُسَ، وأمّا المُفَسِّرُونَ فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ: هُمُ الأُلُوفُ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ وغَيْرُهُ. عَدَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ: هم عَشَرَةُ آلافٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ: هُمُ الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الحَسَنِ: هُمُ العُلَماءُ الأتْقِياءُ الصُّبَّرُ عَلى ما يُصِيبُهم، واخْتارَهُ اليَزِيدِيُّ والزَّجّاجُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الأتْباعُ، والرَّبّانِيُّونَ الوُلاةُ. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: الصّالِحُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ. وقِيلَ: وُزَراءُ الأنْبِياءِ. وقالَ الضَّحّاكُ: الرِّبِّيَّةُ الواحِدَةُ ألْفٌ، والرِّبِّيُونَ جَمْعُها. وقالَ الكَلْبِيُّ: الرِّبِّيَّةُ الواحِدَةُ عَشَرَةُ آلافٍ. وقالَ النَّقّاشُ: هُمُ المُكْثِرُونَ العِلْمَ مِن قَوْلِهِمْ: رَبا الشَّيْءُ يَرْبُو، إذا كَثُرَ. وهَذا لا يَصِحُّ؛ لِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ؛ لِأنَّ رِبا أُصُولُهُ راءٌ وباءٌ وواوٌ، وأُصُولُ هَذا راءٌ وباءٌ وباءٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ الرّاءِ. وقَرَأ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ، والحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وعَطاءُ بْنُ السّائِبِ بِضَمِّ الرّاءِ، وهو مِن تَغْيِيرِ النَّسَبِ. كَما قالُوا: دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدّالِّ، وهو مَنسُوبٌ إلى الدُّهْرِ الطَّوِيلِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ - فِيما رَوى قَتادَةُ عَنْهُ - بِفَتْحِ الرّاءِ. قالَ ابْنُ جِنِّي: هي لُغَةُ تَمِيمٍ، وكُلُّها لُغاتٌ،". أ.هـ
وجاء في الكتاب لسيبويه الإمام رحمه الله تعالى 3-378:
"هذا باب الإضافة إلى الجمع اعلم أنك إذا أضفت إلى جميع أبداً فإنَّك توقع الإضافة على واحده الذي كسر عليه؛ ليفرق بينه إذا كان اسماُ لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجميع. فمن ذلك قول العرب في رجل من القبائل: قبليٌّ وقبليةٌّ للمرأة. ومن ذلك أيضاً قولهم في أبناء فارس بنويٌّ، وقالوا في الرباب: ربيٌّ وإنَّما الربِّاب جماعٌ وواحده ربةٌ، فنسب إلى الواحد وهو كالطوائف.
وقال يونس: إنَّما هي ربة ورباب، كقولك: جفرة وجفار، وعلبة وعلاب، والربةٌّ: الفرقة من الناس.". أ.هـ
ثانيا: تلخيص الأقوال:
ربيون: جمع مذكر سالم، واحدهم رِبّيّ، إما على النسبة إلى الرِبَّة واحدة الرِباب، بمعنى الطائفة والجماعة والفرقة والألوف.
وإما على النسبة إلى الرَّبّ على التغيير والاتباع، بمعنى يعبدون الرب والأتباع وفقهاء علماء وعلماء صبر.
وربيون مثلثة الراء، ولغة الكسر هي المتواترة، ونسبت لغة الفتح فيها إلى تميم.
ثالثا: الرأي:
رِبّيّ على النسبة إلى الرِّبّ ، بكسر الراء، أشبه بالنسبة من الصفة المشبهة، للثبوت والدوام، ونظيره: الحِبّ والخِبّ، على وزن فِعْل بمعنى فَعِيل أو مَفْعول. والرِبّ: الملازم للشيء المقيم عليه.
جاء في المقاييس لابن فارس، مادة: ربّ، 2-380/381: "وَالْأَصْلُ الْآخَرُ لُزُومُ الشَّيْءِ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ. يُقَالُ أَرَبَّتِ السَّحَابَةُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، إِذَا دَامَتْ. وَأَرْضٌ مَرَبٌّ: لَا يَزَالُ بِهَا مَطَرٌ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ السَّحَابُ رَبَابًا. وَيُقَالُ الرَّبَابُ السَّحَابُ الْمُتَعَلِّقُ دُونَ السَّحَابِ. يَكُونُ أَبْيَضَ وَيَكُونُ أَسْوَدَ، الْوَاحِدَةُ رَبَابَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الشَّاةُ الرُّبَّى: الَّتِي تُحْتَبَسَ فِي الْبَيْتِ لِلَّبَنِ، فَقَدَ أَرَبَّتْ، إِذَا لَازَمَتِ الْبَيْتَ. وَيُقَالُ هِيَ الَّتِي وَضَعَتْ حَدِيثًا. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ الْإِرْبَابُ: الدُّنُوُّ مِنَ الشَّيْءِ. وَيُقَالُ أَرَبَّتِ النَّاقَةُ، إِذَا لَزِمَتِ الْفَحْلَ وَأَحَبَّتْهُ، وَهِيَ مُرِبٌّ". أ.هـ، وكذلك أَرِبّ بالمكان إذا أقام فيه.
وتكون النسبة من الرِّبّ على الرِّبِّيّ بالقياس المطرد في الباب من غير تأويل أو تغيير في الصورة.
وتستعمل العرب فِعْل في معنى مَفْعُول مثل: ذبح بمعنى مذبوح: "وفديناه بذبح عظيم"، وحمل بمعنى محمول: "ولمن جاء به حمل بعير"، ونحو ذلك كثير في كلامهم.
وكذلك أشبه بالوصف بالمصدر، مثل ظئر، وضرس، وكفل، وردف، ونحوه.
قالوا: وفلان ضرس شرس: صعب الخلق، في حديث ابنِ مَسْعود: "إني كائن فيهما كالــكِفْلِ" : أي الذي يكون في مؤَخّر الحرب، همتُهُ الفِرارُ. وهو كِفْل: بَيَّن الكُفولَةِ، والــظِّئْرُ: الْحَاضِنَةُ وَالْحَاضِنُ أَيْضًا.
ويؤول المعنى العام للآية في الذين لازموا النبي حال القتال، ولزموا دعوته من بعده، وأقاموا على ذلك.
والله تعالى أعلم.
___
الجزء الثاني:
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾.
النسبة والاشتقاق والدلالة.
==
أقوال النحاة:
"هذا باب ما يصير إذا كان علماً في الإضافة على غير طريقته وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علماً على غير طريقة ما هو بنائه فمن قولهم في الطَّويل الجَّمة: جمَّاني، وفي الطَّويل اللَّحية: اللحيانيِّ، وفي الغليظ الرقبة: الرقبانيِّ. فإن سميت، برقبة أو جمة أو لحية قلت: رقبيٌّ ولحيٌّ وجمَّيٌّ ولحويٌّ، وذلك لأن المعنى، قد تحول، إنما أردت حيث قلت: جمانيٌّ الطويل الجمَّة، وحيث قلت: اللِّحياني الطَّويل اللِّحية، فلما لم تعن ذلك أجري مجرى نظائره التي ليس فيها ذلك المعنى.".أ.هـ
الكتاب 3-380
==
"(هَذَا بَاب مَا يَقع فى النّسَب بِزِيَادَة لما فِيهِ من الْمَعْنى الزَّائِد على معنى النّسَب):
وَذَلِكَ قَوْلك فى الرجل تنسبه إِلَى أته طَوِيل اللِّحْيَة: لحيانى، وفى طَوِيل الجمة: جمانى، وفى طَوِيل الرَّقَبَة: رقبانى، وفى كثير الشّعْر: شعرانى؛ فَإِنَّمَا زِدْت لما أَخْبَرتك بِهِ من الْمَعْنى فَإِن نسبت رجلا إِلَى رَقَبَة، أَو شعر، أَو جمة / قلت: جمى، وشعرى، ورقبى، لِأَنَّك تزيد فِيهِ مَا تزيد فى النّسَب إِلَى زيد، وَعَمْرو.".أ.هـ
المقتضب 3-144
==
أقوال المفسرين:
"و (الرَّبّانِي): العالم، في قول كلهم.
أخبرني العَرُوضِيُّ، عن الأزهري، قال: أخبرني المُنْذِري، عن أبي طالب، قال: الرَّبّاني: العالم. والجماعة: الربّانِيُّون. وقال أبو العباس: الربَّانِيُّون: العلماء.
وقال سيبويه: زادوا ألِفًا ونونًا في (الرَّبّاني)، إذا أرادوا تخصيصًا بعلم الرَّبِّ، دون غيره من العلوم، وهذا كما قالوا: (شَعْراني)، و (لِحْيانِي)، و (رَقَباني): إذا خُصَّ بكثرة الشَّعْر، وطول اللِّحْيَة، وغِلظ الرَّقَبَة. فإذا نسبوا إلى الشَّعْر، قالوا: (شَعْرِي)، وإلى الرَّقَبَة: (رَقَبِي)، وإلى اللِّحْيَة: (لِحْيِي).
وقال ابنُ الأعرابي: الرباني: العالم المُعَلِّم، الذي يَغْدُوا الناسَ بصِغار العلوم قبل كبارها.
وقال المبرد: الربّانِيُّون: أرباب العلم، وأحدهما: رَبّاني، وهو: الذي يَرُبُّ العِلم، ويَرُبُّ الناسَ؛ أي: يعلمهم ويصلحهم، ويقوم بأمورهم.
والأَلِف والنُّونُ: للمبالغة؛ كما قالوا: (رَيّان)، و(عطشان)، و(شبعان)، و(عُرْيان)، و(نَعْسان)، و(وَسْنان)، ثم ضمَّت إليه ياءُ النسبة، كما قيل: (لِحياني)، و (رَقَبانِي).
فعلى قول سيبويه؛ الرَّبّاني: منسوب إلى الرَّبِّ؛ على معنى التخصيص بعلم الرَّبِّ، أي: يَعْلَم الشريعة، وصفات الرب. وعلى قول ابن الأعرابي، والمبرد؛ الرّبّانِي: من الرَّبِّ، الذي هو بمعنى: التربية، على البيان الذي ذكر.
وقال أبو عبيدة: لم تعرف العرب (رَبّانِيِّين). هذا قول أهل اللغة في معنى هذا الحرف.
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: ربانيين؛ أي: معلِّمِين. وهو قول مُرَّة الهَمْداني، واختيار عبد الله بن مُسْلِم، ويقوى هذا قول ابن الأعرابي والمبرد.".أ.هـ
التفسير البسيط للواحدي
==
"قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في"الربانيين" أنهم جمع"رباني"، وأن"الرباني" المنسوب إلى"الرَّبَّان"، الذي يربُّ الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم، و"يربّها"، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وَكُنْتُ امْرَأً أَفْضَتْ إلَيْكَ رِبَابَتي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ، رُبُوبُ يعني بقوله:"ربتني": ولي أمري والقيامَ به قبلك من يربه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعتُ.
يقال منه:"رَبَّ أمري فلان، فهو يُربُّه رَبًّا، وهو رَابُّه". فإذا أريد به المبالغة في مدْحه قيل:"هو ربّان"، كما يقال:"هو نعسان" من قولهم:"نعَس يَنعُس". وأكثر ما يجيء من الأسماء على"فَعْلان" ما كان من الأفعال ماضيه على"فَعِل" مثل قولهم:"هو سكران، وعطشان، وريان" من"سَكِر يسكَر، وعطِش يعطَش، ورَوي يرْوَى". وقد يجيء مما كان ماضيه على"فَعَل يَفعُل"، نحو ما قلنا من"نَعَس يَنعُس" و"ربَّ يَرُبّ".
فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا = وكان"الربَّان" ما ذكرنا، و"الربّاني" هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ = وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم = وكان كذلك الحكيمُ التقيُّ لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وَليه المقسطون من المصْلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاحُ عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم، ودنياهم = كانوا جميعًا يستحقون أن [يكونوا] ممن دَخل في قوله عز وجل:"ولكن كونوا ربانيين". ف"الربانيون" إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد:"وهم فوق الأحبار"، لأن"الأحبارَ" هم العلماء، و"الرباني" الجامعُ إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم.".أ.هـ
جامع البيان للطبري
==
تلخيص الأقوال:
الرباني نسبة إلى الرَّب وزيادة الألف والنون، إما للتخصيص على مذهب سيبويه ومن وافقه، وإما للمبالغة على مذهب المبرد ومن وافقه.
وأما الوجه الذي اختاره الإمام الطبري، أشبه بالنسبة من الصفة المشبهة ربان على فعلان، وهو على القياس في الباب من غير زيادة أو تغيير.
الرأي:
الرباني: العالم القائم بأمر الرب أو المربي القائم بأمر التربية والإصلاح وفق أوامر الرب، وذلك على النسبة من رَبّ أو رَبّان، والربان: الماهر بالشيء والعالم بخفاياه.
وهذا الوجه في التأويل من التربية والإصلاح ظاهر قوله تعالى: " لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ"؛ لأن المربي مصلح وعالم بما ينهى عنه.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجزء الأول:
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ:
ربيون: مفردة قرآنية وحيدة، في سياق القتال والجهاد في سبيل الله:
" وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ". سورة آل عمران، آية 146.
أولا: النسبة والاشتقاق والدلالة.
جاء في المحرر الوجيز لابن عطية رحمه الله تعالى:
"وأجْمَعَ السَبْعَةُ وجَماعَةٌ مِنَ الناسِ عَلى كَسْرِ الراءِ مِن "رِبِّيُّونَ"، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وعَطاءُ بْنُ السائِبِ: "رُبِّيُّونَ" بِضَمِّ الراءِ، ورَوى قَتادَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ "رَبِّيُّونَ" بِفَتْحِ الراءِ، قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: الفَتْحُ في الراءِ لُغَةُ تَمِيمٍ، وكُلُّها لُغاتٌ. واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى "رِبِّيُّونَ" فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الرِبِّيُّونَ: الأُلُوفُ مِنَ الناسِ والجَمْعُ الكَثِيرُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رِبِّيُّونَ: جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، وقالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ وعِكْرِمَةُ. ولِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ: "إنَّهُمُ الأُلُوفُ" قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هم عَشْرَةُ آلافٍ فَصاعِدًا، أُخِذَ ذَلِكَ مِن بِناءِ الجَمْعِ الكَثِيرِ في قَوْلِهِما: هُمُ الأُلُوفُ، وهَذا في الرِبِّيِّينَ أنَّهُمُ الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ هو مِنَ الرِبَّةِ بِكَسْرِ الراءِ وهي الجَماعَةُ الكَثِيرَةُ، قالَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، وقالَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ( قَتْل مَعَهُ ربيون ) مَنسُوبُونَ إلَيْها، قالَ قُطْرُبُ: جَماعَةُ العُلَماءِ عَلى قَوْلِ يُونُسَ، وقالَ الزَجّاجُ: يُقالُ: إنَّ الرِبَّةَ عَشْرَةُ آلافٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَنِ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ وغَيْرِهِما أنَّهم قالُوا: "رِبِّيُّونَ" مَعْناهُ: عُلَماءٌ، وقالَ الحَسَنُ: فُقَهاءٌ عُلَماءٌ، قالَ أيْضًا: عُلَماءٌ صُبُرٌ، وهَذا القَوْلُ هو عَلى النِسْبَةِ إلى الرَبِّ، إمّا لِأنَّهم مُطِيعُونَ لَهُ، أو مِن حَيْثُ هم عُلَماءُ بِما شَرَعَ، ويَقْوى هَذا القَوْلُ في قِراءَةِ مَن قَرَأ "رَبِّيُّونَ" بِفَتْحِ الراءِ، وأمّا في ضَمِّ الراءِ وكَسْرِها فَيَجِيءُ عَلى تَغْيِيرِ النَسَبِ، كَما قالُوا في النِسْبَةِ إلى الحَرَمِ: حِرَمِيٌّ بِكَسْرِ الحاءِ، وإلى البَصْرَةِ، بِصْرِيٌّ بِكَسْرِ الباءِ، وفي هَذا نَظَرٌ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الرَبّانِيُّونَ: الوُلاةُ، والرَبِّيُّونَ: الرَعِيَّةُ الأتْباعُ لِلْوُلاةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَأنَّ هَذا مِن حَيْثُ هم مَرْبُوبُونَ. وقالَ النَقّاشُ: اشْتِقاقُ "رِبِّيٍّ" مِن رَبا الشَيْءُ يَرْبُو إذا كَثُرَ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الكَثِيرُ العِلْمِ. قالَ أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا ضَعِيفٌ. وقالَ مَكِّيٌّ: رِبِّيٌّ بِكَسْرِ الراءِ مَنسُوبٌ إلى الرَبِّ، لَكِنْ كُسِرَتْ راؤُهُ إتْباعًا لِلْكَسْرَةِ والياءِ اللَتَيْنِ بَعْدَ الراءِ، ورُوِيَ بِضَمِّ الراءِ كَذَلِكَ لَكِنَّهم ضَمُّوها كَما قِيلَ: دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدالِ في النَسَبِ إلى الدَهْرِ. ". أ.هـ
وجاء في البحر المحيط لأبي حيان رحمه الله تعالى:
"والرِّبِّيُّ: عابِدُ الرَّبِّ، وكُسِرَ الرّاءُ مِن تَغْيِيرِ النِّسَبِ، كَما قالُوا: أمْسِيٌّ في النِّسْبَةِ إلى أمْسِ، قالَهُ الأخْفَشُ. أوِ الجَماعَةُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. أوْ مَنسُوبٌ إلى الرِّبَّةِ وهي الجَماعَةُ، ثُمَّ جُمِعَ بِالواوِ والنُّونِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. أوِ الجَماعَةُ الكَثِيرَةُ، قالَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ. ورِبِّيُّونَ مَنسُوبٌ إلَيْها. قالَ قُطْرُبٌ: جَماعَةُ العُلَماءِ عَلى قَوْلِ يُونُسَ، وأمّا المُفَسِّرُونَ فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ: هُمُ الأُلُوفُ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ وغَيْرُهُ. عَدَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ: هم عَشَرَةُ آلافٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ: هُمُ الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الحَسَنِ: هُمُ العُلَماءُ الأتْقِياءُ الصُّبَّرُ عَلى ما يُصِيبُهم، واخْتارَهُ اليَزِيدِيُّ والزَّجّاجُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الأتْباعُ، والرَّبّانِيُّونَ الوُلاةُ. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: الصّالِحُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ. وقِيلَ: وُزَراءُ الأنْبِياءِ. وقالَ الضَّحّاكُ: الرِّبِّيَّةُ الواحِدَةُ ألْفٌ، والرِّبِّيُونَ جَمْعُها. وقالَ الكَلْبِيُّ: الرِّبِّيَّةُ الواحِدَةُ عَشَرَةُ آلافٍ. وقالَ النَّقّاشُ: هُمُ المُكْثِرُونَ العِلْمَ مِن قَوْلِهِمْ: رَبا الشَّيْءُ يَرْبُو، إذا كَثُرَ. وهَذا لا يَصِحُّ؛ لِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ؛ لِأنَّ رِبا أُصُولُهُ راءٌ وباءٌ وواوٌ، وأُصُولُ هَذا راءٌ وباءٌ وباءٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ الرّاءِ. وقَرَأ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ، والحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وعَطاءُ بْنُ السّائِبِ بِضَمِّ الرّاءِ، وهو مِن تَغْيِيرِ النَّسَبِ. كَما قالُوا: دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدّالِّ، وهو مَنسُوبٌ إلى الدُّهْرِ الطَّوِيلِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ - فِيما رَوى قَتادَةُ عَنْهُ - بِفَتْحِ الرّاءِ. قالَ ابْنُ جِنِّي: هي لُغَةُ تَمِيمٍ، وكُلُّها لُغاتٌ،". أ.هـ
وجاء في الكتاب لسيبويه الإمام رحمه الله تعالى 3-378:
"هذا باب الإضافة إلى الجمع اعلم أنك إذا أضفت إلى جميع أبداً فإنَّك توقع الإضافة على واحده الذي كسر عليه؛ ليفرق بينه إذا كان اسماُ لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجميع. فمن ذلك قول العرب في رجل من القبائل: قبليٌّ وقبليةٌّ للمرأة. ومن ذلك أيضاً قولهم في أبناء فارس بنويٌّ، وقالوا في الرباب: ربيٌّ وإنَّما الربِّاب جماعٌ وواحده ربةٌ، فنسب إلى الواحد وهو كالطوائف.
وقال يونس: إنَّما هي ربة ورباب، كقولك: جفرة وجفار، وعلبة وعلاب، والربةٌّ: الفرقة من الناس.". أ.هـ
ثانيا: تلخيص الأقوال:
ربيون: جمع مذكر سالم، واحدهم رِبّيّ، إما على النسبة إلى الرِبَّة واحدة الرِباب، بمعنى الطائفة والجماعة والفرقة والألوف.
وإما على النسبة إلى الرَّبّ على التغيير والاتباع، بمعنى يعبدون الرب والأتباع وفقهاء علماء وعلماء صبر.
وربيون مثلثة الراء، ولغة الكسر هي المتواترة، ونسبت لغة الفتح فيها إلى تميم.
ثالثا: الرأي:
رِبّيّ على النسبة إلى الرِّبّ ، بكسر الراء، أشبه بالنسبة من الصفة المشبهة، للثبوت والدوام، ونظيره: الحِبّ والخِبّ، على وزن فِعْل بمعنى فَعِيل أو مَفْعول. والرِبّ: الملازم للشيء المقيم عليه.
جاء في المقاييس لابن فارس، مادة: ربّ، 2-380/381: "وَالْأَصْلُ الْآخَرُ لُزُومُ الشَّيْءِ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ. يُقَالُ أَرَبَّتِ السَّحَابَةُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، إِذَا دَامَتْ. وَأَرْضٌ مَرَبٌّ: لَا يَزَالُ بِهَا مَطَرٌ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ السَّحَابُ رَبَابًا. وَيُقَالُ الرَّبَابُ السَّحَابُ الْمُتَعَلِّقُ دُونَ السَّحَابِ. يَكُونُ أَبْيَضَ وَيَكُونُ أَسْوَدَ، الْوَاحِدَةُ رَبَابَةٌ.
وَمِنَ الْبَابِ الشَّاةُ الرُّبَّى: الَّتِي تُحْتَبَسَ فِي الْبَيْتِ لِلَّبَنِ، فَقَدَ أَرَبَّتْ، إِذَا لَازَمَتِ الْبَيْتَ. وَيُقَالُ هِيَ الَّتِي وَضَعَتْ حَدِيثًا. فَإِنْ كَانَ كَذَا فَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ الْإِرْبَابُ: الدُّنُوُّ مِنَ الشَّيْءِ. وَيُقَالُ أَرَبَّتِ النَّاقَةُ، إِذَا لَزِمَتِ الْفَحْلَ وَأَحَبَّتْهُ، وَهِيَ مُرِبٌّ". أ.هـ، وكذلك أَرِبّ بالمكان إذا أقام فيه.
وتكون النسبة من الرِّبّ على الرِّبِّيّ بالقياس المطرد في الباب من غير تأويل أو تغيير في الصورة.
وتستعمل العرب فِعْل في معنى مَفْعُول مثل: ذبح بمعنى مذبوح: "وفديناه بذبح عظيم"، وحمل بمعنى محمول: "ولمن جاء به حمل بعير"، ونحو ذلك كثير في كلامهم.
وكذلك أشبه بالوصف بالمصدر، مثل ظئر، وضرس، وكفل، وردف، ونحوه.
قالوا: وفلان ضرس شرس: صعب الخلق، في حديث ابنِ مَسْعود: "إني كائن فيهما كالــكِفْلِ" : أي الذي يكون في مؤَخّر الحرب، همتُهُ الفِرارُ. وهو كِفْل: بَيَّن الكُفولَةِ، والــظِّئْرُ: الْحَاضِنَةُ وَالْحَاضِنُ أَيْضًا.
ويؤول المعنى العام للآية في الذين لازموا النبي حال القتال، ولزموا دعوته من بعده، وأقاموا على ذلك.
والله تعالى أعلم.
___
الجزء الثاني:
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾.
النسبة والاشتقاق والدلالة.
==
أقوال النحاة:
"هذا باب ما يصير إذا كان علماً في الإضافة على غير طريقته وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علماً على غير طريقة ما هو بنائه فمن قولهم في الطَّويل الجَّمة: جمَّاني، وفي الطَّويل اللَّحية: اللحيانيِّ، وفي الغليظ الرقبة: الرقبانيِّ. فإن سميت، برقبة أو جمة أو لحية قلت: رقبيٌّ ولحيٌّ وجمَّيٌّ ولحويٌّ، وذلك لأن المعنى، قد تحول، إنما أردت حيث قلت: جمانيٌّ الطويل الجمَّة، وحيث قلت: اللِّحياني الطَّويل اللِّحية، فلما لم تعن ذلك أجري مجرى نظائره التي ليس فيها ذلك المعنى.".أ.هـ
الكتاب 3-380
==
"(هَذَا بَاب مَا يَقع فى النّسَب بِزِيَادَة لما فِيهِ من الْمَعْنى الزَّائِد على معنى النّسَب):
وَذَلِكَ قَوْلك فى الرجل تنسبه إِلَى أته طَوِيل اللِّحْيَة: لحيانى، وفى طَوِيل الجمة: جمانى، وفى طَوِيل الرَّقَبَة: رقبانى، وفى كثير الشّعْر: شعرانى؛ فَإِنَّمَا زِدْت لما أَخْبَرتك بِهِ من الْمَعْنى فَإِن نسبت رجلا إِلَى رَقَبَة، أَو شعر، أَو جمة / قلت: جمى، وشعرى، ورقبى، لِأَنَّك تزيد فِيهِ مَا تزيد فى النّسَب إِلَى زيد، وَعَمْرو.".أ.هـ
المقتضب 3-144
==
أقوال المفسرين:
"و (الرَّبّانِي): العالم، في قول كلهم.
أخبرني العَرُوضِيُّ، عن الأزهري، قال: أخبرني المُنْذِري، عن أبي طالب، قال: الرَّبّاني: العالم. والجماعة: الربّانِيُّون. وقال أبو العباس: الربَّانِيُّون: العلماء.
وقال سيبويه: زادوا ألِفًا ونونًا في (الرَّبّاني)، إذا أرادوا تخصيصًا بعلم الرَّبِّ، دون غيره من العلوم، وهذا كما قالوا: (شَعْراني)، و (لِحْيانِي)، و (رَقَباني): إذا خُصَّ بكثرة الشَّعْر، وطول اللِّحْيَة، وغِلظ الرَّقَبَة. فإذا نسبوا إلى الشَّعْر، قالوا: (شَعْرِي)، وإلى الرَّقَبَة: (رَقَبِي)، وإلى اللِّحْيَة: (لِحْيِي).
وقال ابنُ الأعرابي: الرباني: العالم المُعَلِّم، الذي يَغْدُوا الناسَ بصِغار العلوم قبل كبارها.
وقال المبرد: الربّانِيُّون: أرباب العلم، وأحدهما: رَبّاني، وهو: الذي يَرُبُّ العِلم، ويَرُبُّ الناسَ؛ أي: يعلمهم ويصلحهم، ويقوم بأمورهم.
والأَلِف والنُّونُ: للمبالغة؛ كما قالوا: (رَيّان)، و(عطشان)، و(شبعان)، و(عُرْيان)، و(نَعْسان)، و(وَسْنان)، ثم ضمَّت إليه ياءُ النسبة، كما قيل: (لِحياني)، و (رَقَبانِي).
فعلى قول سيبويه؛ الرَّبّاني: منسوب إلى الرَّبِّ؛ على معنى التخصيص بعلم الرَّبِّ، أي: يَعْلَم الشريعة، وصفات الرب. وعلى قول ابن الأعرابي، والمبرد؛ الرّبّانِي: من الرَّبِّ، الذي هو بمعنى: التربية، على البيان الذي ذكر.
وقال أبو عبيدة: لم تعرف العرب (رَبّانِيِّين). هذا قول أهل اللغة في معنى هذا الحرف.
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: ربانيين؛ أي: معلِّمِين. وهو قول مُرَّة الهَمْداني، واختيار عبد الله بن مُسْلِم، ويقوى هذا قول ابن الأعرابي والمبرد.".أ.هـ
التفسير البسيط للواحدي
==
"قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في"الربانيين" أنهم جمع"رباني"، وأن"الرباني" المنسوب إلى"الرَّبَّان"، الذي يربُّ الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم، و"يربّها"، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وَكُنْتُ امْرَأً أَفْضَتْ إلَيْكَ رِبَابَتي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ، رُبُوبُ يعني بقوله:"ربتني": ولي أمري والقيامَ به قبلك من يربه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعتُ.
يقال منه:"رَبَّ أمري فلان، فهو يُربُّه رَبًّا، وهو رَابُّه". فإذا أريد به المبالغة في مدْحه قيل:"هو ربّان"، كما يقال:"هو نعسان" من قولهم:"نعَس يَنعُس". وأكثر ما يجيء من الأسماء على"فَعْلان" ما كان من الأفعال ماضيه على"فَعِل" مثل قولهم:"هو سكران، وعطشان، وريان" من"سَكِر يسكَر، وعطِش يعطَش، ورَوي يرْوَى". وقد يجيء مما كان ماضيه على"فَعَل يَفعُل"، نحو ما قلنا من"نَعَس يَنعُس" و"ربَّ يَرُبّ".
فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا = وكان"الربَّان" ما ذكرنا، و"الربّاني" هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ = وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم = وكان كذلك الحكيمُ التقيُّ لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وَليه المقسطون من المصْلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاحُ عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم، ودنياهم = كانوا جميعًا يستحقون أن [يكونوا] ممن دَخل في قوله عز وجل:"ولكن كونوا ربانيين". ف"الربانيون" إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد:"وهم فوق الأحبار"، لأن"الأحبارَ" هم العلماء، و"الرباني" الجامعُ إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم.".أ.هـ
جامع البيان للطبري
==
تلخيص الأقوال:
الرباني نسبة إلى الرَّب وزيادة الألف والنون، إما للتخصيص على مذهب سيبويه ومن وافقه، وإما للمبالغة على مذهب المبرد ومن وافقه.
وأما الوجه الذي اختاره الإمام الطبري، أشبه بالنسبة من الصفة المشبهة ربان على فعلان، وهو على القياس في الباب من غير زيادة أو تغيير.
الرأي:
الرباني: العالم القائم بأمر الرب أو المربي القائم بأمر التربية والإصلاح وفق أوامر الرب، وذلك على النسبة من رَبّ أو رَبّان، والربان: الماهر بالشيء والعالم بخفاياه.
وهذا الوجه في التأويل من التربية والإصلاح ظاهر قوله تعالى: " لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ"؛ لأن المربي مصلح وعالم بما ينهى عنه.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.