عبدالله الميمان
New member
- إنضم
- 07/07/2004
- المشاركات
- 59
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤية بين الحاسبين والرائين .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد استوقفني كلام جميلٌ جداً لشيخ الإسلام ابن تيمية في قضية رؤية الهلال ، توقفت عنده كثيراً ، وقدمت وأخرت ، وأسررت وأعلنت ، ثم خلصت إلى نقله إلى القارئ لأجل أن يتبين رأي العلماء في الرؤية .
يقول شيخ الإسلام : (فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أوالحج أوالعدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أولا يرى لا يجوز ، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ، ولا خلاف حديث ؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل فيحق نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا ، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه ، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم، وقد يقارب هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال ) مجموع الفتاوى ( 25\132 – 133) ، كما تقرأ كلام مهيب جداً .
و إجماعٌ نادرٌ من أنواع الإجماع انعقد على إهمال الحساب في قضية دخول شهر رمضان كما ترى .
إذاً القضية ليست رأياً لشيخ الإسلام فقط ، بل إجماع العلماء في القرون المفضلة .
أعود هنيهةً إلى قضية الحساب ، وأعيد التفصيل فيها ، لأجد أن من يرى العمل بالحساب ، قد افتتن بدقة العلم الفلكي الحاضر فقال : يجب الأخذ به وجعله محكماً على الرؤية ، ونسي أن كون الشهر دخل أو لم يدخل هي مناط التشريع ، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم علق التعبد بالرؤية لا بالدخول في الحديث المشهور : (( صوموا لرؤيته )) مع كونه صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يعبر – وهو أفصح العرب – بصوموا لدخول شهر رمضان ، فعلة الصيام ومناط تكليفه الرؤية لا الدخول ، ولهذا لو وقع خطأٌ عامٌ في صوم الناس أو حجهم فإن الحكم العفو عن الجميع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صومكم يوم تصومون ، ........ ) ، ولي مع أهل النظر في الحساب وقفات بعيد هذه المقدمة اللطيفة :
1- أن الأخذ بالحساب ابتدع بعد القرن الثالث صنيعةً من بعض المتفقهة ، ومع ذلك فرأيهم قيدوه بشرطين ، الأول ألا يؤخذ به عموماً بل يكون خاصاً لمن حسب ، والثاني أن يكون سبب الأخذ به الغم على الناس . ( مجموع الفتاوى 25\133) .
2- أن تحريم تحكيم الحساب على الرؤية ليست رأياً لابن تيمية أو ابن القيم أو الإمام الشافعي أو الظاهرية بل هي إجماعٌ انعقد عليه رأي أهل العلم خلال ثلاثة قرون .
3- أن من احتج بالحساب فإنه نظر إلى أن الحساب دقيق ولا يمكن أن يخطيء فقد نسي أن الشرع علق الأمر بالرؤية ، وعللها تعليلاً صريحاً ؛ فلا يسوغ تغيير العلة إلى عدم توفر الحساب أو دقته في ذلك الوقت أو غيرها من التعاليل الباردة .
4- أن العلماء يقرون أن الحساب كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه ، بل وقبل زمنه ، فاليونان كانتً أمةً علمية تطبيقية ، ولا يُعْلم قومٌ كانوا أعلم بالتنجيم منهم ، بل جل ما أخذه المسلمون من الفلك والتنجيم كان عن اليونانيين والصابئة ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بالحساب ، ولو لم يكن موجوداً في وقته لاكتفى بالأمر بالرؤية ولما كان للنهي عن الحساب حاجة ، وفي سنن أبي داود أن ابن عمر كان لا يأخذ بالحساب .
5- قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، ... إلخ ) نهي صريح ورد بلفظ الخبر ، كما هو متقرر في كتب الأصول ، ونظير ذلك قوله تعالى : (( والوالدات يرضعن أولادهن )) فهو أمر خبري ، وأمثلة الأمر والنهي الوارد بالصيغ الخبرية كثيرة ولولا الإطالة لنقلت الأمثلة الكثيرة من كتب الأصوليين .
6- أن الأخذ بالحساب ( نفياً دون إثبات ) أي تحكيمه على عدم دخول الشهر دون تحكيمه على دخوله رأيٌ متناقض ، إذ يحتج عليه من يرى الأخذ بالحساب بالكلية أننا إذا قطعنا بعدم إمكانية الرؤية فإننا نقطع كذلك – كما يقرره علماء الفلك – أحياناً بإمكان الرؤية كما لو قرروا ولادة الهلال قبل الغروب ب 10 ساعات مثلاً ، فهنا يقطع الفلكيون بإمكان رؤيته ، وعليه فيجب الأخذ به كما يجب الأخذ بقولهم بالقطع بعدم إمكانية رؤية الهلال ، وعليه فيجب صيام الثلاثين إذا قطع الفلكيون بإمكان الرؤية وغم غيمٌ أو قتر ، وعليه فنضرب بقول المصطفى عرض الحائط ونعتمد الحساب ، أو نعود إلى القول المؤتلف السليم الذي لا تناقض فيه وهو الأخذ بالرؤية وعدم الالتفات إلى رأي الفلكيين جملةً وتفصيلاً .
7- قد يقول القائل : إذاً خذوا بالرؤية في صلاة المغرب عند رؤية مغيب الشمس ، وصلاة العشاء في مغيب الشفق ، وغيرها من مواقيت ، وهذا اعتراض واهٍ جداً ، لأمرين ، أولهما أن الشرع علق شهر رمضان بالرؤية ، وعلق الصلوات بدخول الوقت لا برؤية سبب دخوله ، ففي الحديث : ( صوموا لرؤيته ) لاحظ أنه علقه بالرؤية ولم يعلقه بالدخول ، وفي الحديث الآخر : ( وقت الظهر إذا زالت الشمس ) لاحظ أنه لم يقل إذا تراءى الناس زوالها فعلقه بالزوال لا رؤية الزوال ، فعلَّة وجوب الصلاة الزوال وليست رؤية الزوال ، والثاني على فرض التسليم بتعليق الأمر بالرؤية في العبادتين فنقول : إن الحرج مرفوع في الصلاة دون الصوم في هذه المسألة ، إذ إن الأخذ برؤية الغروب وطلوع الفجر أمر متكررٌ يومياً ومحرج لو عمل به ويمكنك أن تقدر الحرج فعلاً بتوقيت الفجر في داخل المدن الكبيرة كالرياض ، بخلاف الأخذ بالرؤية في رمضان إذ لا تتكرر إلا على رؤوس الأشهر ، وهذا بالطبع كلُّه لو سلمنا تساويَ العلة في العبادتين .
8- على فرض أن الحساب أخذ به فعلى أي حساب نعتمد ؟! خاصةً أن التقاويم الحسابية مع دقة العلم الفلكي متناقضة في قضية إثبات الشهور فبعضها يرى 29 ، والآخر يرى 30 وهذا ينقض الدعوى التي تحيل على دقتها وتدعو إلى جعلها محكمةً على الرؤية ، ويظهر هذا التعارض بصورةٍ أجلى إذا قارب مولد الهلال مغيب الشمس فترى العجب العجاب مما بينهم من التناقض ومع ذلك وللأسف نجد من يطلب الأخذ بتلك الآراء المضطربة ويترك الأخذ بأمر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .
9- أن على من يرى الأخذ بالحساب أن يأتي بأمرين : الأول : أن يأتي بدليل صريح يجيز الأخذ بالحساب مقابل الأدلة الصريحة في النهي عن الأخذ به ، وكذلك – وهذا الثاني - عليه أن يأتي برأي لعالم واحد من الصحابة على الأقل لأجل أن يخرق الإجماع الذي حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا يكفي أن يرد عليه بالإجماع غير صحيح أو مسبوق بخلاف ؛ فالدعاوى ما لم يكن عليها بينات أصحابها أدعياء ُ، علماً بأن الاستدلال بتطور علم الفلك ودقته وما توصلت إليه المخترعات الحديثة هو استدلال بغير دليل شرعي ، فضلاً عن كونه وَهِيّاً .
10- أنه ومع الإجماع السابق الذكر ، إلا أننا لو افترضنا الخلاف في هذه المسألة فإن حكم الحاكم رافع له ، ولا ينبغي البلبلة على العامة في قضية دخول الشهر وخروجه بآراءٍ تخالف ما رفعه الحاكم من خلاف ، هذا لو افترضنا الخلاف ، فما بالك بمسألة أجمع عليها العلماء خلال ثلاثة قرون ورفع فيها حكم الحاكم ما شابها من خلاف مصطنع .
11- أن القول بالأخذ بالحساب هو قول لبعض الفرق الباطنية ولم يقل به مسلم حتى أتى من يخرق الإجماع في القرن الرابع الهجري ، وأصله مأخوذ من أهل الكتاب والصابئة .انظر مجموع الفتاوى ( 25\177 ) .
أختم هذا الجمع الذي أحسبني بلَّغت فيه ما علمته بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرحه لحديث صوموا لرؤيته : (( وهذا دليل على ما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي تسلكه الأعاجم من الروم والفرس والقبط والهند وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وقد روى غير واحد من أهل العلم أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية أيضا في صومهم وعبادتهم وتأولوا على ذلك قوله تعالى : (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) ولكن أهل الكتابين بدلوا ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه كما زاده أهل الكتاب من النصارى فإنهم زادوا في صومهم وجعلوه فيما بين الشتاء والصيف وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه بها )) اقتضاء الصراط المستقيم (87 ، 88 ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .[/align]
الرؤية بين الحاسبين والرائين .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد استوقفني كلام جميلٌ جداً لشيخ الإسلام ابن تيمية في قضية رؤية الهلال ، توقفت عنده كثيراً ، وقدمت وأخرت ، وأسررت وأعلنت ، ثم خلصت إلى نقله إلى القارئ لأجل أن يتبين رأي العلماء في الرؤية .
يقول شيخ الإسلام : (فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أوالحج أوالعدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أولا يرى لا يجوز ، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ، ولا خلاف حديث ؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل فيحق نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا ، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه ، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم، وقد يقارب هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال ) مجموع الفتاوى ( 25\132 – 133) ، كما تقرأ كلام مهيب جداً .
و إجماعٌ نادرٌ من أنواع الإجماع انعقد على إهمال الحساب في قضية دخول شهر رمضان كما ترى .
إذاً القضية ليست رأياً لشيخ الإسلام فقط ، بل إجماع العلماء في القرون المفضلة .
أعود هنيهةً إلى قضية الحساب ، وأعيد التفصيل فيها ، لأجد أن من يرى العمل بالحساب ، قد افتتن بدقة العلم الفلكي الحاضر فقال : يجب الأخذ به وجعله محكماً على الرؤية ، ونسي أن كون الشهر دخل أو لم يدخل هي مناط التشريع ، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم علق التعبد بالرؤية لا بالدخول في الحديث المشهور : (( صوموا لرؤيته )) مع كونه صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يعبر – وهو أفصح العرب – بصوموا لدخول شهر رمضان ، فعلة الصيام ومناط تكليفه الرؤية لا الدخول ، ولهذا لو وقع خطأٌ عامٌ في صوم الناس أو حجهم فإن الحكم العفو عن الجميع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صومكم يوم تصومون ، ........ ) ، ولي مع أهل النظر في الحساب وقفات بعيد هذه المقدمة اللطيفة :
1- أن الأخذ بالحساب ابتدع بعد القرن الثالث صنيعةً من بعض المتفقهة ، ومع ذلك فرأيهم قيدوه بشرطين ، الأول ألا يؤخذ به عموماً بل يكون خاصاً لمن حسب ، والثاني أن يكون سبب الأخذ به الغم على الناس . ( مجموع الفتاوى 25\133) .
2- أن تحريم تحكيم الحساب على الرؤية ليست رأياً لابن تيمية أو ابن القيم أو الإمام الشافعي أو الظاهرية بل هي إجماعٌ انعقد عليه رأي أهل العلم خلال ثلاثة قرون .
3- أن من احتج بالحساب فإنه نظر إلى أن الحساب دقيق ولا يمكن أن يخطيء فقد نسي أن الشرع علق الأمر بالرؤية ، وعللها تعليلاً صريحاً ؛ فلا يسوغ تغيير العلة إلى عدم توفر الحساب أو دقته في ذلك الوقت أو غيرها من التعاليل الباردة .
4- أن العلماء يقرون أن الحساب كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه ، بل وقبل زمنه ، فاليونان كانتً أمةً علمية تطبيقية ، ولا يُعْلم قومٌ كانوا أعلم بالتنجيم منهم ، بل جل ما أخذه المسلمون من الفلك والتنجيم كان عن اليونانيين والصابئة ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بالحساب ، ولو لم يكن موجوداً في وقته لاكتفى بالأمر بالرؤية ولما كان للنهي عن الحساب حاجة ، وفي سنن أبي داود أن ابن عمر كان لا يأخذ بالحساب .
5- قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، ... إلخ ) نهي صريح ورد بلفظ الخبر ، كما هو متقرر في كتب الأصول ، ونظير ذلك قوله تعالى : (( والوالدات يرضعن أولادهن )) فهو أمر خبري ، وأمثلة الأمر والنهي الوارد بالصيغ الخبرية كثيرة ولولا الإطالة لنقلت الأمثلة الكثيرة من كتب الأصوليين .
6- أن الأخذ بالحساب ( نفياً دون إثبات ) أي تحكيمه على عدم دخول الشهر دون تحكيمه على دخوله رأيٌ متناقض ، إذ يحتج عليه من يرى الأخذ بالحساب بالكلية أننا إذا قطعنا بعدم إمكانية الرؤية فإننا نقطع كذلك – كما يقرره علماء الفلك – أحياناً بإمكان الرؤية كما لو قرروا ولادة الهلال قبل الغروب ب 10 ساعات مثلاً ، فهنا يقطع الفلكيون بإمكان رؤيته ، وعليه فيجب الأخذ به كما يجب الأخذ بقولهم بالقطع بعدم إمكانية رؤية الهلال ، وعليه فيجب صيام الثلاثين إذا قطع الفلكيون بإمكان الرؤية وغم غيمٌ أو قتر ، وعليه فنضرب بقول المصطفى عرض الحائط ونعتمد الحساب ، أو نعود إلى القول المؤتلف السليم الذي لا تناقض فيه وهو الأخذ بالرؤية وعدم الالتفات إلى رأي الفلكيين جملةً وتفصيلاً .
7- قد يقول القائل : إذاً خذوا بالرؤية في صلاة المغرب عند رؤية مغيب الشمس ، وصلاة العشاء في مغيب الشفق ، وغيرها من مواقيت ، وهذا اعتراض واهٍ جداً ، لأمرين ، أولهما أن الشرع علق شهر رمضان بالرؤية ، وعلق الصلوات بدخول الوقت لا برؤية سبب دخوله ، ففي الحديث : ( صوموا لرؤيته ) لاحظ أنه علقه بالرؤية ولم يعلقه بالدخول ، وفي الحديث الآخر : ( وقت الظهر إذا زالت الشمس ) لاحظ أنه لم يقل إذا تراءى الناس زوالها فعلقه بالزوال لا رؤية الزوال ، فعلَّة وجوب الصلاة الزوال وليست رؤية الزوال ، والثاني على فرض التسليم بتعليق الأمر بالرؤية في العبادتين فنقول : إن الحرج مرفوع في الصلاة دون الصوم في هذه المسألة ، إذ إن الأخذ برؤية الغروب وطلوع الفجر أمر متكررٌ يومياً ومحرج لو عمل به ويمكنك أن تقدر الحرج فعلاً بتوقيت الفجر في داخل المدن الكبيرة كالرياض ، بخلاف الأخذ بالرؤية في رمضان إذ لا تتكرر إلا على رؤوس الأشهر ، وهذا بالطبع كلُّه لو سلمنا تساويَ العلة في العبادتين .
8- على فرض أن الحساب أخذ به فعلى أي حساب نعتمد ؟! خاصةً أن التقاويم الحسابية مع دقة العلم الفلكي متناقضة في قضية إثبات الشهور فبعضها يرى 29 ، والآخر يرى 30 وهذا ينقض الدعوى التي تحيل على دقتها وتدعو إلى جعلها محكمةً على الرؤية ، ويظهر هذا التعارض بصورةٍ أجلى إذا قارب مولد الهلال مغيب الشمس فترى العجب العجاب مما بينهم من التناقض ومع ذلك وللأسف نجد من يطلب الأخذ بتلك الآراء المضطربة ويترك الأخذ بأمر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .
9- أن على من يرى الأخذ بالحساب أن يأتي بأمرين : الأول : أن يأتي بدليل صريح يجيز الأخذ بالحساب مقابل الأدلة الصريحة في النهي عن الأخذ به ، وكذلك – وهذا الثاني - عليه أن يأتي برأي لعالم واحد من الصحابة على الأقل لأجل أن يخرق الإجماع الذي حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا يكفي أن يرد عليه بالإجماع غير صحيح أو مسبوق بخلاف ؛ فالدعاوى ما لم يكن عليها بينات أصحابها أدعياء ُ، علماً بأن الاستدلال بتطور علم الفلك ودقته وما توصلت إليه المخترعات الحديثة هو استدلال بغير دليل شرعي ، فضلاً عن كونه وَهِيّاً .
10- أنه ومع الإجماع السابق الذكر ، إلا أننا لو افترضنا الخلاف في هذه المسألة فإن حكم الحاكم رافع له ، ولا ينبغي البلبلة على العامة في قضية دخول الشهر وخروجه بآراءٍ تخالف ما رفعه الحاكم من خلاف ، هذا لو افترضنا الخلاف ، فما بالك بمسألة أجمع عليها العلماء خلال ثلاثة قرون ورفع فيها حكم الحاكم ما شابها من خلاف مصطنع .
11- أن القول بالأخذ بالحساب هو قول لبعض الفرق الباطنية ولم يقل به مسلم حتى أتى من يخرق الإجماع في القرن الرابع الهجري ، وأصله مأخوذ من أهل الكتاب والصابئة .انظر مجموع الفتاوى ( 25\177 ) .
أختم هذا الجمع الذي أحسبني بلَّغت فيه ما علمته بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرحه لحديث صوموا لرؤيته : (( وهذا دليل على ما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي تسلكه الأعاجم من الروم والفرس والقبط والهند وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وقد روى غير واحد من أهل العلم أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية أيضا في صومهم وعبادتهم وتأولوا على ذلك قوله تعالى : (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) ولكن أهل الكتابين بدلوا ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه كما زاده أهل الكتاب من النصارى فإنهم زادوا في صومهم وجعلوه فيما بين الشتاء والصيف وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه بها )) اقتضاء الصراط المستقيم (87 ، 88 ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .[/align]