الرؤى والأحلام

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر


عبر التاريخ كان للرؤيا شأن في حياة الأمم أفرادًا وجماعات ، فقد كان لها تأثير في رائيها ، وربما انسحب الأثر على مجتمعه كله إن كان حاكما ؛ ففرعون قتل أولاد بني إسرائيل لرؤيا رآها ، وعبرت له بأنه سيولد في بني إسرائيل من سيكون زوال ملكه على يديه ؛ وتغيرت في مصر أحوال برؤيا رآها ملك مصر وعبرها له يوسف عليه السلام ؛ وخرج صاحبا يوسف في السجن من السجن ، أحدهما إلى الإكرام بالقرب من الملك ، والآخر إلى الإهانة بصلبه وأكل الطير من رأسه .. لرؤيا عبرها لهما يوسف عليه السلام .

ولو تتبع أحد أحداث التاريخ لوجد للرؤيا أثرًا بالغًا في حياة الناس ؛ ذلك لأن الرؤيا من الغيب الذي يريد الله تعالى كشفه للناس قبل وقوعه لحكمة يريدها ، وهو العليم الحكيم .

وليس تعبير الرؤى ضرب من الخيال ، أو نسج من الشعوذة ، وإنما علم التعبير علم شريف لطيف ، علَّمه الله تعالى أنبياءه وبعض خلقه ؛ وليس كل أحد يحسنه .

وللرؤيا التي يراها الإنسان في منامه أهمية كبيرة في حياة الناس ؛ حتى إن البعض ليحزن لرؤيا رآها ، أو يمرض بسببها ؛ لكونه رأى في منامه شيئا ظن أن تعبيره مكروها ، فتأثر بذلك ، ولعله إذا عرضه على عالم بتعبير الرؤى كان تعبيرها على غير ما تأولها هو ؛ كما قد يكون ما رأى من باب الحلم الذي هو من تحزين الشيطان ، ولا تعبير له ؛ أو يكون رؤيا من تحديث النفس ، وهي كذلك لا تعبير لها .

ولا يسارع الرائي بتعبير رؤيا ظاهرها مكروه ، فقد تكون علامة على بشرى لا يقف هو عليها ، وإنما يعرضها على عالم بتعبير الرؤى ليقف على حقيقة تأويلها ؛ وأضغاث الأحلام ، التي يختلط فيها الأمور ، ولا يذكر صاحبها منها شيئا يمكن أن يكون مفهومًا ، فإنها ليس لها تأويل أيضًا .



 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الرؤيا على ثلاثة أضرب: الرؤيا الصالحة وهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، وحديث النفس فقد ينام الإنسان وهو مهتم بشيء ما فيرى حلما في النوم في شأنه، ففي حديث البخاري: لم يبق من النبوة إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات؟ قال : الرؤيا الصالحة . وفي رواية مسلم: لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة.

وفي الصحيحين أيضا: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان.

وفي صحيح مسلم: الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس.

وفي الحديث : الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله ، وحديث النفس ، وتخويف من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء، وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم يصلي. رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.

وروى ابن ماجه عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. وصححه الألباني أيضا.

قال المناوي في فيض القدير: الرؤيا الصالحة الحسنة أو الصحيحة المطابقة للواقع.

وقال أيضا في شرح حديث عوف بن مالك السابق: ( الرؤيا ثلاثة منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ): ولا حقيقة لها في نفس الأمر ( ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه )

قال القرطبي: ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال، وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي ( ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) ... . اهـ .

واعلم أن الرؤيا قد تتفاوت أحوالها فيتذكر الرائي رؤياه بشكل واضح وقد ينسى بعضها، ولكن مجرد وضوح الرؤيا في النوم وتذكرك إياها لا يدل بالضرورة على صدقها ولكنها بشرى لك، وواظب على الطاعات والعمل الصالح فإن رؤيا المسلم قد تكون رؤيا صادقة بقدر استقامته وصدقه في الحديث كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا. أخرجه مسلم.

وهذا هو الغالب في المؤمن المستقيم، وقد تكون أضغاث أحلام وهذا كثير الوقوع لمن نام يتفكر في أمر ما، وقد تكون من لعب الشيطان بالإنسان وهو كثير في الفجار، ففي الحديث: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. متفق عليه.

وفي صحيح مسلم وسنن ابن ماجه واللفظ له: أن رجلاً قال للنبي: رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس.

قال الحافظ في الفتح : قوله: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح. هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية كقوله: رؤيا المؤمن جزء ولم يقيدها بكونها حسنة ولا بأن رائيها صالح، ووقع في حديث أبي سعيد: الرؤيا الصالحة وهو تفسير المراد بالحسنة هنا. قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين؛ وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم؛ بخلاف عكسهم فإن الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان عليهم، قال: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهي على ثلاثة أقسام: مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم، وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق، وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدا، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ... اهـ.

والله أعلم.
 
عودة
أعلى