السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6 - 7].
أرشد عباده إلى أن يسألوه الهداية إلى صراطه المستقيم، ثم بيَّن ذلك فقال: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]، فأوضح سبحانه أن الصراط المستقيم هو صراط المنعم عليهم، وهم الذين وفَّقهم الله للعلم والعمل، هم أهل العلم النافع والعمل الصالح، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في سورة النساء في قوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، هؤلاء هم المنعم عليهم، وهم أهل العلم والعمل الذين وفَّقهم الله، فعرَفوا الحق وعمِلوا به، وساروا عليه فصاروا بذلك موصوفين بهذا الوصف العظيم المنعم عليهم، ويدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون جميعًا، والرسل يدخل فيهم المؤمنون في كل أمة، ويدخل فيهم من يسمى بالمسلمين، فالمسلم أعم من المؤمن، وصراط المنعم عليهم هم الذين عرفوا الحق واستقاموا عليه، فاسأل ربك أن يهديك صراطهم؛ حتى تكون سائرًا في سبيلهم، وموافقًا لهم في طريقهم.
ثم استثنى المغضوب عليهم والضالين؛ لأنهم ليسوا كذلك، فالمغضوب عليهم عرفوا ولم يعملوا، فحادوا عن الطريق، والضالون جهلوا ولم يعلموا وتعبدوا على جهالة، فهؤلاء ليسوا من أهل الصراط المستقيم، ليس من المنعم عليهم، أما اليهود وأشباههم من علماء السوء؛ فلأنهم عرفوا ولم يعملوا، فلم يوفَّقوا للنعمة الكاملة، وأُعطوا نعمة ناقصة نعمة العلم دون العمل، نعوذ بالله، فصار حجة عليهم وصار وبالًا.
المصدر: تفسير ابن باز