الذب عن أعراض المسلمين

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
إن عدم اهتمام كثير من حضور المجالس بإنكار ما يقع فيها من غيبة وخوض في أعراض الناس - ومعلوم أن ذلك من المحرمات - لأمر عظيم ، وكذا تغافلهم عن الذب عن أعراض المسلمين في تلك المجالس هو مشاركة في هذا الإثم .
وقد بين النبي e حدَّ الغيبة المحرمة فقال : " أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؛ قَالَ : " ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ " ، قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : " إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ ، فَقَدْ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ، فَقَدْ بَهَتَّهُ "[SUP] [1] [/SUP]؛ و " بَهَتَّهُ " أي : كذبت عليه ، والبهتان : الباطل الذي يُتحير من بطلانه ، وشدة نكره ؛ وروى أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " ... وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ، حُبِسَ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ "[SUP] [2] [/SUP]؛ وردغة الخبال : الوحل الشديد ، والمراد : عصارة أهل النار .
قال القرطبي - رحمه الله : يقال : اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه ، والاسم الغيبة ، وهي : ذكر العيب بظهر الغيب ... قال : لا خلاف أن الغيبة من الكبائر ، وأن من اغتاب أحد عليه أن يتوب إلي الله [SUP][3] [/SUP].
قَالَ النَّوَوِيّ فِي ( الْأَذْكَار ) تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ : ذِكْر الْمَرْء بِمَا يَكْرَههُ ، سَوَاء كَانَ ذَلِكَ فِي بَدَن الشَّخْص ، أَوْ دِينه ، أَوْ دُنْيَاهُ ، أَوْ نَفْسه ، أَوْ خَلْقه ، أَوْ خُلُقه ، أَوْ مَاله ، أَوْ وَالِده ، أَوْ وَلَده ، أَوْ زَوْجه ، أَوْ خَادِمه ، أَوْ ثَوْبه ، أَوْ حَرَكَته ، أَوْ طَلَاقَته ، أَوْ عُبُوسَته ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّق بِهِ ، سَوَاء ذَكَرْته بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ وَالرَّمْز [SUP][4] [/SUP].
وفي ( الأدب المفرد ) للبخاري عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال : سمعت ابن أم عبد ( يعني : عبد الله بن مسعود ) يقول : من اغتيب عنده مؤمن فنصره ، جزاه الله بها خيرًا في الدنيا والآخرة ، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره ، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرًّا ، وما التقم أحد لقمة شرًّا من اغتياب مؤمن ، إن قال فيه ما يعلم ، فقد اغتابه ، وإن قال فيه بما لا يعلم ، فقد بهته[SUP] [5] [/SUP].
وقد جعل الله الحرج على من اغتاب ، فقد روى ابن ماجة والطبراني عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ t قَالَ : شَهِدْتُ الأَعْرَابَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ e : أَحَرَجٌ فِي كَذَا وَكَذَا ؟ ، فَقَالَ لَهُمْ : : " عِبَادَ اللَّهِ ، وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ إِلا مَنِ اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ أَخِيهِ شَيْئًا ، فَذَلِكَ الَّذِي حَرَجَ .. " الحديث [SUP][6] [/SUP].
وقوله e : " وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ " أي : الإثم عما سألتموه من الأشياء ؛ " إِلا مَنِ اقْتَرَضَ " اقترض بمعنى : قطع ؛ والمراد : إلا من اغتاب أخاه ، أو سبه ، أو آذاه في نفسه ؛ عبَّر عنه بالاقتراض ؛ لأنه يسترد منه في العقبى ، أي : يوم القيامة .
وللمغتاب ريح خبيثة ، فقد روى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ e فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ "[SUP] [7] [/SUP].
وجعل الله لمن ذب عن عرض أخيه أن يعتقه من النار ؛ فروى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : " مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [SUP][8] [/SUP].
وروى أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ - رضي الله عنها - عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : " مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ " ، ورواه الطبراني بلفظ : " مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْمَغِيبِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ "[SUP] [9] [/SUP].
وما أجمل ما رد به سعد بن أبي وقاص t ؛ فقد روى ابن أبي شيبة عن طارق بن شهاب قال : كان بين خالد بن الوليد وبين سعد بن أبي وقاص كلامٌ ، فتناول رجلٌ خالدًا عند سعدٍ ، فقال سعد : مه ، فإن ما بيننا لم يبلغ ديننا ؛ ورواه الطبراني عَنْ طَارِقِ أَنَّ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بن أَبِي وَقَّاصٍ كَلامٌ ، فَذُكِرَ خَالِدٌ عَنْد سَعْدٍ : فَقَالَ : مَهْ ، فَإِنَّ مَا بَيْنَنَا لَمْ يَبْلُغْ دِينَنَا [SUP][10] [/SUP].
وقد رد معاذ بن جبل غيبة كعب بن مالك t لما سأل عنه رسول الله e ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : بِئْسَ مَا قُلْتَ ! وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا . فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ [SUP][11] [/SUP]. وقوله : ( حبسه براده والنظر في عطفيه ) أي : منعه من الخروج إعجابه بنفسه ولباسه ؛ وبراده : مثنى برد ، وهو الكساء ؛ وعطفيه : مثنى عِطف ، وهو الجانب .
فيجب على من حضر مجلسًا أن يرد الغيبة عن أخيه ، وينكر على من يتكلم في أعراض المسلمين ، ولا يجوز لأحد الجلوس في مجلس الغيبة والسكوت عليها ، وإلا فهو مشارك في الإثم ، فإما أن ينكر ، وإما أن يخرج من المجلس .

[1] أخرجه مسلم ( 2589 ) من حديث أبي هريرة .
[2] أحمد : 2 / 70 ، وأبو داود ( 3597 ) ، وصححه الألباني ، ورواه الطبراني في الكبير : 12 / 388 ( 13435 ) .
[3] انظر ( الجامع لأحكام القران ) عند تفسير الآية ( 12 ) من سورة الحجرات .
[4] نقلا عن ( فتح الباري ) لابن حجر : 10 / 469 ؛ وانظر ( الأذكار ) للنوووي ص 288 .
[5] الأدب المفرد ( 734 ) ، وصححه الألباني في ( صحيح الأدب المفرد رقم 565 ) .
[6] ابن ماجة ( 3436 ) ، والطبراني في الكبير : 1 / 181 ، 182 ( 469 ، 477 ) ، والحاكم ( 7430 ) وصححه على شرطيهما ووافقه الذهبي ؛ وصححه الألباني .
[7] أحمد : 3 / 351 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 732 ) ، وحسنه الحافظ في ( فتح الباري : 10 / 470 ) .
[8] أحمد : 6 / 450 ، والترمذي ( 1931 ) وحسنه ، وصححه الألباني .
[9] أحمد : 6 / 461 ، والطبراني في الكبير : 24 / 176 ( 443 ) ، وحسنه المنذري في ( الترغيب : 332 ) والألباني في ( صحيح الترغيب رقم 2847 ) : صحيح لغيره .
[10] ابن أبي شيبة ( 25535 ، 30642 ) ، والطبراني في الكبير : 4 / 106 ( 3810 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 7 / 149 ) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .ا.هـ . وروه أبو نعيم في الحلية : 1 / 94 .
[11] البخاري ( 4156 ) ، ومسلم ( 2769 ) .
 
عودة
أعلى