الدِّماءُ في الَحجِّ للشيخ العلامة محمد إبراهيم شقره ـ حفظه الله تعالى ـ

إنضم
04/02/2006
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.aldahereyah.net
الدِّماءُ في الَحجِّ للشيخ العلامة محمد إبراهيم شقره ـ حفظه الله تعالى ـ
يقول :
من يقرأُ الفقهَ على المذاهب كلِّها ، يروعه كثرةُ الدماءِ التي تُفرَضُ على كل مخالفة قد يرتكبها المسلم أثناء إحرامه ، وتأْديته مناسكه .

ونحن إذا أَمعنا النَّظر ، وتجرَّدنا من العصبية المذهبية ، وتقصَّينا الأدلة التي جاءت في القرآن ، أو صحَّت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أنَّ هذه الكثرة من الدِّماءِ ليستْ مشروعةً ، وأَنَّ المشروع منها خمسة فقط :

الأول : دمُ التمتع والقران ، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبَّى بعمرة متمتعاً بها إلى الحج ، أو لبَّى بحج وعمرة قارناً بينهما .

الثاني : دم الفدية ، الذي يجب على الحاج إذا حلق شعره لمرض أو شيءٍ مؤْذٍ .

الثالث : دمُ الجزاءِ ، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيداً برِّياً ، أما صيد البحر فلا شيءَ منه عليه .

الرابع : دمُ الإحصار ، ويكون بسبب انحسابه عن إتمام المناسك لمرض أو عَدُوٍّ أو غير ذلك ، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه ، أي لم يقل عند تلبية بالحج: اللهم مِحَليِّ حيث حبستني .

الخامس : دمُ الوطءِ ، وهو دم يُفرض على الحاج إذا وطىءَ أثناء حجه ، فإن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر فعليه بدنة ، مع بطلان حجهِّ ، وإن كان وطىءَ بعد الرمي وقبل طواف الافاضه فعليه شاة .

ومثل الرجل في هذه المرأة سواءً بسواءٍ ، غير أَنها إذا كانت مكرهةً في وطئِها فلا هدي عليها ، وأيضاً فإن حجَّها صحيح بخلاف زوجها الواطىءِ ، إن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة .

ولا يجب على الحاج دمٌ غير هذه الدماءِ ، إذ ليس على ذلك دليل يصلح للاعتماد عليه ، وقد اعتمد الفقهاءُ قديماً وحديثاً في كثرة الدماءِ التي يوجبونها في مخالفات الحج ، على أَثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور وهو : " من نسي من نُسُكِهِ شيئاً أو تركه فليُهْرِقْ دماً " .

وهذا الأثر فضلاً عن كونه مُصادماً لصريح السُّنة كما سنبين ، فهو قد تفرد به ابن عباس رضي الله عنهما ، فيُصْبح رأْياً ارتآه ابن عباس وحده ، مصادماً لصريح السُّنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلكم : " أَن رجلاً جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمِّخٌ بطيب ، فقال : يارسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضَمَّخَ بطيب ؟ . فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً ، فجاءه الوحي ، ثم سُرِّيَ عنه فقال : أَين الذي سألني عن العمرة آنفاً ، فالْتُمِسَ الرجلُ فجيءَ به فقال : أَمَّا الطِّيبُ الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجُبَّة فانزِعها ، ثم اصنع في العمرة كلَّ ما تصنع في حجَّك " .

فهذا الحديث ، يدلُّ دلالةً صريحة ، على أَن من أتى مخالفةً أو محظوراً من محظورات الإحرام ، فليس عليه إلا أن يدعه فقط ، لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لا بس الجبَّة المتضمخ بطيب النِّساء ـ وهو الخلوق كما جاء في رواية أخرى ـ إلا أن ينزع الجبَّة ويغسل الطيب ، ولم يأْمره بذبح هدي الجزاء ، ولوكان واجباً لأَمره به ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجه ، والحاجة قائمة هنا ، والوحي قد نزل بالحكم الفصل .

والصحابي مهما بلغ من منزلة وعلم ، فأثره لا يُقَدَّم على سنَّةٍ صحيحة صريحة من سنن الرسول صلوات الله عليه .

إذاً فمن الحق أن يقال :إنَّ ابن عباس ـ رضي الله عنه ، على جلالة قدره في العلم ـ اجتهد رأْيه ، فلربما لم يبلغه هذا الحديث الصحيح ، واختلاف الصحابة مشهور لا يخفى ، وهو مبنيٌّ على هذا الأْصل ، ألا وهو : خفاءُ السنن ، وعلى تفاوتهم في العلم .

ولا يقال هنا :إن الصحابة لم ينكروا عليه ، فعدم معرفتنا بذلك لا يعني أن الصحابة لم ينكروا ، غاية ما يقال :إنه لم يصلنا .

ولا ننسى أنَّ كثرة الدماءلم تؤد إلى أَلتساهُلِ في المناسك فحسب ، بل إلى الأستهانة بأداءِ مناسِكِ الحج ، وإتمامها على مثل ما بينَّ الرسول عليه السلام ، وهذا أَخطر مافي التدميم .

نقلاً من كتاب " إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ القسم الثاني الحج " (ص 42 ـ 44) .
 
عودة
أعلى