محمد عمر الضرير
New member
- إنضم
- 23/07/2007
- المشاركات
- 522
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
الأفاضل أعضاء الملتقى جميعا: شهر وخواتم مباركة.والسلام عليكم ورحمة الله.
رغبت بعد انقطاع مكره عليه عن الملتقى، وأثناء دراستي لعلاقة الشعر بالتأويل، أن أعرض على فضيلتكم نموذجا تأويليا لأحد ألفاظ ظاهر النص القرآني، بغية التباحث والتدارس.
في قوله تبارك وتعالى [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P229]ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][1]، يؤول الضحك – هنا- بالحيض، وهو مرويٌ عن جمع من المفسرين والفقهاء واللغويين، كابن عباس ومجاهد وعكرمة والليث، وابن الأنباري والأزهري وابن سيده وابن دريد، وغيرهم. قال القرطبي:" قال مجاهد وعكرمة: حاضت، وكانت آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون:
وقال آخر :
والعرب تقول: ضحكت الأرنب إذا حاضت؛ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة؛ أخذاً من قولهم:" ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت"[2]. ثم أورد اعتراض بعض اللغويين على هذا التأويل[3]، مكملا بقية الأقوال فيها، تاركا فسحة لقبول هذا التأويل بقوله:" والله أعلم أي ذلك كان"[4]، وهو ما ذهب إليه الخازن بعد أن أورد المعنيين: بالضحك الظاهر، والحيض المؤول، وقال:" فإن قلت: أي القولين أصح في معنى الضحك؟ قلت: إنَّ الله عز َّوجلَّ حكى عنها أنها ضحكت، وكلا القولين محتمل في معنى الضحك، فالله أعلم"[5].
إذن فقد كان الشعر البياني، سندا قويا، وحجة معتبرة، لتأويل ظاهر الضحك، إلى المعنى المذكور، وبالتأمل في هذا التأويل، أجده غير مستبعد، بل هو ما أميل إليه في تفسير الآية، مستندا في ذلك إلى مايلي:
1- وجود هذا المعنى في اللسان العربي: كما مرَّ في الأبيات أعلاه، وغيره من مثل قول الأخطل:
أو قول الكميت:
2- حال القيام لسارة عليها السلام: فلم ترد لفظة القيام التي لا تشكل كبيرة فائدة - إن غابت- في أي قراءة سطحية للآية، لكن لمَّا وردت في هذا السياق بالذات، تيقن أن لها كبير أهمية، بل هي قراءة ثابتة في مصاحف بعض الصحابة، ففي" مصحف عبد الله وامرأته قائمة وهو قاعد"[6]. وفي " قراءة ابن مسعود: وهي قائمة وهو جالس"[7] . فارتباط الضحك بالقيام، ليس هو كارتباط الحيض به، إذ أن استشعاره، والإحساس بنزوله، حال القيام آكد.
3-آية الذاريات: في قوله تعالى [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P521]ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][8]، فما كان لعجوز في سنها، مُعاشرةً لخليل الله، تلطم وجهها وتصيح، دون أن يَرِدَ عليها ما يفقدها صوابها، بكبير مفاجأة، كمفاجأة نزول الحيض، وهي تقترب من مائة سنة في عمرها.
4- سياق تخصيصها بالبشارة: كما هو بيِّنٌ بنص الآية، وهو ما ينسجم مع كونها كانت واقفة ففاجأها الحيض، على كبر سنها ناهيك عن عقمها، [FONT="]فأحدثت بفطرتها وتكوينها الأنثوي تلك، [/FONT]الجلبة،فـ [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P230]ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][FONT="] [/FONT][9]فكانت البشارة المسبوقة بدليل الحيض، كعلامة حسية، مؤكدة لحدوث هذه البشارة. قال ابن قتيبة:" فعلى هذا يكون حيضها حينئذ تأكيد للبشارة بالولد لأن من لا تحيض لاتحمل"[10]. ولعل متسائلا يقول: في الذاريات سبقت البشارة إبراهيم، ثمَّ أقبلت هي. فأقول: إن هود سبقت الذاريات في الترتيب، فجأت الذاريات، وقد علمنا تخصيص البشارة لسارة، فليتأمل.
5- رقي الخطاب القرآني في انتقاء الألفاظ: خاصة فيما له تعلق بما يُستقذر، أو ما يُستحى من التصريح به، وبالأخص حال ارتباطه بأشخاص مباشرة، قد يعكس في الذهن تصويرا لحالته – كما هو الحال هنا-، فالقرآن يصطفي من أفنان البلاغة، وبديع البيان، استعارة وتورية وكناية وتلميحا، ما يناسبه، ويوُصل المعنى في رقي ٍ لمتلقيه.
والحقيقة أن قول الجمهور بالظاهر له ثقله، وهذا التأويل – كما بينته – له حضوره وقوته، وكلا القولين في الحقيقة، ينسجمان في تناسق بياني، يُظهران مُدللان على إعجاز اللفظ القرآني، الوارد بمعان كلها شاف محتمل، فيختار منها المفسر العالم بأدوات التفسير ، ما يظهر له منها.
[1] - هود 71.
[2] - الجامع لأحكام القرآن 9/66.
[3] - وقد رد ابن الأنباري هذا الاعتراض بقوله:" هذه اللغة إن لم يعرفها هؤلاء فقد عرفها غيرهم" انظر
[4] - نفسه 9/67.
[5] - لباب التأويل في معاني التنزيل 3/242.
[6] - الكشاف 2/388.
[7] - المحرر الوجيز 3/ 203.
[8] - الذاريات ٢٩.
[9] - هود ٧٢.
[10] - انظر زاد المسير 4/130.
رغبت بعد انقطاع مكره عليه عن الملتقى، وأثناء دراستي لعلاقة الشعر بالتأويل، أن أعرض على فضيلتكم نموذجا تأويليا لأحد ألفاظ ظاهر النص القرآني، بغية التباحث والتدارس.
في قوله تبارك وتعالى [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P229]ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][1]، يؤول الضحك – هنا- بالحيض، وهو مرويٌ عن جمع من المفسرين والفقهاء واللغويين، كابن عباس ومجاهد وعكرمة والليث، وابن الأنباري والأزهري وابن سيده وابن دريد، وغيرهم. قال القرطبي:" قال مجاهد وعكرمة: حاضت، وكانت آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون:
وإني لآتي العرس عند طهورها ... وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وَضِحْكُ الأرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا... كَمِثْل دَمِ الجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا
إذن فقد كان الشعر البياني، سندا قويا، وحجة معتبرة، لتأويل ظاهر الضحك، إلى المعنى المذكور، وبالتأمل في هذا التأويل، أجده غير مستبعد، بل هو ما أميل إليه في تفسير الآية، مستندا في ذلك إلى مايلي:
1- وجود هذا المعنى في اللسان العربي: كما مرَّ في الأبيات أعلاه، وغيره من مثل قول الأخطل:
تضحك الضبع من دماء سليم...إذ رأتها على الحراب تمور
فَأضْحَكَتِ الضِّبَاعُ سُيُوفُ سَعْدٍ... بِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلا وُدِينَا
3-آية الذاريات: في قوله تعالى [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P521]ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][8]، فما كان لعجوز في سنها، مُعاشرةً لخليل الله، تلطم وجهها وتصيح، دون أن يَرِدَ عليها ما يفقدها صوابها، بكبير مفاجأة، كمفاجأة نزول الحيض، وهي تقترب من مائة سنة في عمرها.
4- سياق تخصيصها بالبشارة: كما هو بيِّنٌ بنص الآية، وهو ما ينسجم مع كونها كانت واقفة ففاجأها الحيض، على كبر سنها ناهيك عن عقمها، [FONT="]فأحدثت بفطرتها وتكوينها الأنثوي تلك، [/FONT]الجلبة،فـ [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P230]ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][FONT="] [/FONT][9]فكانت البشارة المسبوقة بدليل الحيض، كعلامة حسية، مؤكدة لحدوث هذه البشارة. قال ابن قتيبة:" فعلى هذا يكون حيضها حينئذ تأكيد للبشارة بالولد لأن من لا تحيض لاتحمل"[10]. ولعل متسائلا يقول: في الذاريات سبقت البشارة إبراهيم، ثمَّ أقبلت هي. فأقول: إن هود سبقت الذاريات في الترتيب، فجأت الذاريات، وقد علمنا تخصيص البشارة لسارة، فليتأمل.
5- رقي الخطاب القرآني في انتقاء الألفاظ: خاصة فيما له تعلق بما يُستقذر، أو ما يُستحى من التصريح به، وبالأخص حال ارتباطه بأشخاص مباشرة، قد يعكس في الذهن تصويرا لحالته – كما هو الحال هنا-، فالقرآن يصطفي من أفنان البلاغة، وبديع البيان، استعارة وتورية وكناية وتلميحا، ما يناسبه، ويوُصل المعنى في رقي ٍ لمتلقيه.
والحقيقة أن قول الجمهور بالظاهر له ثقله، وهذا التأويل – كما بينته – له حضوره وقوته، وكلا القولين في الحقيقة، ينسجمان في تناسق بياني، يُظهران مُدللان على إعجاز اللفظ القرآني، الوارد بمعان كلها شاف محتمل، فيختار منها المفسر العالم بأدوات التفسير ، ما يظهر له منها.
[1] - هود 71.
[2] - الجامع لأحكام القرآن 9/66.
[3] - وقد رد ابن الأنباري هذا الاعتراض بقوله:" هذه اللغة إن لم يعرفها هؤلاء فقد عرفها غيرهم" انظر
[4] - نفسه 9/67.
[5] - لباب التأويل في معاني التنزيل 3/242.
[6] - الكشاف 2/388.
[7] - المحرر الوجيز 3/ 203.
[8] - الذاريات ٢٩.
[9] - هود ٧٢.
[10] - انظر زاد المسير 4/130.