الدكتور فتحي العبيدي :فضيلة الشيخ المقرئ محمد علي الدلاعي في ذمة الله

إنضم
05/08/2012
المشاركات
21
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
تونس
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ المقرئ محمد علي الدلاعي في ذمة الله
بقلم: الشيخ د . فتحي العبيدي
جامعة الزيتونة – تونس –

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ، إنّا لله و إنّا إليه راجعون ، قال الله تعالى " ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " (فاطر32) – و قال أيضا "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به " (البقرة 121) .
الحمد لله ربّ العالمين ، و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلّم تسليما، طود عظيم من العلم و الدين و الورع ، و بدر منير من السماحة و الفضل و التقى و بقية السلف الصالح ، و علم من أعلام أهل القرآن فارقنا في شهر القرآن ، ليلة الجمعة، 5 رمضان المعظّم (الفارط) 1432هـ ، الموافق له : 05/08/2011 م ، و رحل إلى دار الخلد في جوار ربّ كريم .
إنّها المصيبة كبرى ، و خطب جسيم ، و خسارة في أهل القرآن و للأمة الإسلامية ، لقد حضرت تشييع جثمانه الطاهر في موكب خاشع صبيحة يوم الجمعة ، حضره خلق لا يحصون كثرة ، تلاميذه و أحبّاؤه و مريدوه و جمع من أهل القرآن و العلم ، وهم يبكون و يتحسرون على فراقه ، و يدعون له بالرحمة الشاملة ، و المغفرة الكاملة و أن يحشره الله عزّ و جلّ مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا .
الله أكبر ، لقد عرفت الشيخ المرحوم العلاّمة سيّدي محمد بن علي بن مبروك الدلاعي منذ السبعينات من القرن الماضي ، لما كان يتردّد على جامع الهواء بتونس العاصمة للإشراف على المسابقات القرآنية مع الشيخ الفقيه المرحوم محمد المجدوب (ت 1417هـ/ 1996 م) و الذي كان يلازمه بحكم الزمالة في العمل بالدار التونسية للنشر آنذاك . لقد قضى فينا شيخنا العزيز المرحوم سنين تجاوزت الثمانين ، كان فيها مثال الجدّ و الإجتهاد في طلب العلم و نشره، و خدمة الكتاب العزيز و الاستقامة و الفضل و التواضع .
و كان من يوم ولادته بتونس (معتمدية جومين من ولاية بنزرت ) سنة 1345 هـ/ 15-02-1927 م ، بعد أن شبّ على تعلّم القرآن الكريم و التربية الإسلامية مقبلا على مكارم الأخلاق ، و محبّا و مشجعا لأهل القرآن و العلم .
فقد تخرّج سيدي المرحوم محمّد علي الدلاعي – بعد أن أتمّ حفظه للقرآن الكريم حفظا جيّدا ، و له من العمر اثنا عشر عاما على يدي الحاج عمر بن رابح بن ضيف الله ، و ذلك بتشجيع و مساندة والدته رحمها الله – على شيوخ جامع الزيتونة الأعظم ، و منهم فضيلة الشيخ المقرئ المرحوم سيدي عثمان العيّاري (ت 1419 هـ / 1998 م ) الذي نالني شرف التتلمذ عليه أيضا ، و نشترك بحمد الله في إسناد القراءات الذي يمتد منه إلى المرحوم المقرئ المختار المؤدب ( ت ما بين سنة 1364 – 1367 هـ / 1945 – 1948 م) ، و منه إلى الإمام علي النّوري الصفاقسي (ت 1118 هـ / 1706 م ) ، و منه إلى الإمام محمد بن غازي ( ت 919 هـ/ 1513 م ) و منه إلى الإمام الشاطبي ( ت 590 هـ / 1193 م ) و منه إلى الإمام أبي عمر الداني ( ت 444 هـ / 1052 م ) بأسانيده المعروفة المتصلة بسيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم .
و قد أخذ شيخنا الراحل عن الشيخ عثمان العياري القراءات السبع رواية ، كما أخذها عن الشيخ محمد العويني ، و درس أيضا عن الشيخ المرحوم العلامة عبد الرحمن خليف (1425هـ / 2006 م ) القراءات السبع دراية ، و كذلك أخذها عن الشيخ عبد الجواد البنغازي باعتماد الشاطبية، و تلقى القراءات العشر عن الشيخ المرحوم علي التريكي ، و الشيخ المرحوم المختار المؤدب ، و أخذ علم الضبط عن الشيخ الحاج عمر بن رابح بن ضيف الله .
و تحصل شيخنا العزيز على شهادة التحصيل في القراءات من الجامع الأعظم جامع الزيتونة سنة 1376هـ / 1956 م ، كما تحصل على شهادة التخصص في القراءات ، وهي شهادة العالمية سنة 1379 هـ /1959 م من نفس المؤسسة . و لم يكتف بالدراسة في تونس و لهذا سافر إلى الجامع الأزهر في مصر و أخذ عن الشيخ المقرئ عبد الفتاح القاضي رحمه الله (ت 1403 هـ / 1982 م ) و تعرّف إلى كثير من شيوخ الأزهر، و منهم الشيخ العلامة علي محمد الضباع رحمه الله ( ت 1380 هـ /1960 م ) .
و للمرحوم نشاط كبير في خدمة الكتاب العزيز ، و نشر علومه ،و قد تتلمذ على يديه عدد هام من طلبة القرآن الكريم ، منهم الأستاذة الفاضلة الدكتورة هند شلبي ، التي أتمت حفظ القرآن العزيز عنه برواية قالون بن نافع في منزل والدها الشيخ عن المرحوم أحمد شلبي .
و عمل بالدار التونسية للنشر أكثر من عشرين عاما ، مصححا للمصاحف و الكتب ، و منها تفسير التحرير و التنوير للإمام محمد الطاهر ابن عاشور ( ت 1393 هـ/1973م) الذي صححه صحبة المرحوم الشيخ محمد المجدوب ، و كان المرحوم إماما خطيبا بجامع فتح الله بجبل الجلود من ضواحي تونس العاصمة ، ذلك منذ سنة 1378 هـ / 1958 م ،
حيث عيّنه العلامة محمد الزغواني رحمه الله (ت 1399هـ / 1979 م ). و كان شيخنا العزيز يختم القرآن الكريم مرّة كلّ أسبوع ، و ذلك حرصا منه على عدم نسيانه ، و لا شك أنه يدخل تحت قول النبي صلّى الله عليه و سلّم :" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة .." (الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ) ، و قد ألقى دروسا في القراءات في جامع الزيتونة دراية و رواية على امتداد ثلاث سنوات ، و ألقى أيضا دروسا في تجويد القرآن الكريم صحبة الشيخ المقرئ المرحوم الخطوي دغمان في جامع بلال بالوردية – احدى ضواحي تونس العاصمة و ذلك في نطاق نشاط المعهد الأعلى للشريعة التابع لوزارة الشؤون الدينية، و في إحدى دوراته لرسكلة أئمة المساجد .
و لشيخنا المرحوم عضوية بلجنة الامتحان في مسابقات حفظ القرآن الكريم و تجويده التي تشرف عليها جمعية المحافظة على القرآن الكريم بتونس العاصمة كلّ سنة منذ الستينات من القرن الماضي .
و كان المرحوم دائم المطالعة مغرما بجمع و اقتناء كتب القراءات و الرسم القرآني ، وهو يحفظ عناوينها كما يحفظ السورة من القرآن ، و قد ترك مكتبة ضخمة حافلة بالكتب المخطوطة و المطبوعة و تضم النوادر و العيون من المصادر .
و قد حجّ المرحوم عدّة حجج ، و كان متهلقا بزيارة الحرمين الشريفين ، و قد سألته في إحدى الجلسات معه عن عددها فأبى الإجابة ، مكتفيا بالدعاء بقبولها ، و ذلك ورعا منه رحمة الله ، و خوفا من الرياء ، تقبل الله جميعها منه . و كنت التقيت به في مكة المكرمة سنة 1428 هــ / 2007 م ، لمّا منّ الله عليّ بالحجّ في تلك السنة ، فسرّ بلقائي أيّما سرور رحمه الله .
إنّ أبرز نشاط كان المرحوم سيدي محمد علي الدلاعي يقوم به ، هو تصحيح المصاحف الشريفة ، وهو مشهور بهذه المهمة الجليلة ، وهو معدود شيخ المصححين بتونس بلا منازع و قد أشرف رحمه الله على تصحيح و مراجعة أكثر من عشرين مصحفا شريفا في تونس و خارجها . و لا بأس بالتعريف بعدد هذه المصاحف التي صححها و راجعها شيخنا الراحل على سبيل المثال لا الحصر .
1) مصحف شريف برواية قالون عن نافع ، نشر المكتبة العتيقة بتونس سنة 1394هـ / 1974 م .
2) مصحف شريف برواية قالون عن نافع ، بخط عبد العزيز الخمّاسي ، طبع و نشر مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله سنة 1397هـ/1977 م . و قد عرض هذا المصحف الشريف على فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة مفتي الديار التونسية سابقا فشهد له بالصحة و الضبط ، و مما جاء في رسالته إلى الناشر ما يلي : " و تولّى الاشراف عليها المقرئ الضابط الشيخ محمد علي الدلاعي ، و تعقبها بالمراجعة و زكاها العالمان الفاضلان و المقرئان الشهيران الشيخ محمد الكلبوسي و الشيخ عثمان العياري أستاذا القراءات بجامع الزيتونة الأعظم ....."
كما عرض على إدارة الشعائر الدينية بالوزارة الأولى سابقا و وزارة الشؤون الدينية حاليا) و مما جاء في شهادة المرحوم الشيخ كمال التارزي قوله : " ...... فقام بتصحيحه الشيخ الثبت الفاضل محمد علي الدلاعي ، وهو من الحفاظ الثقاة ، الذي ساهم في ابراز عدة مصاحف حازت على الرضا و القبول ".
و عرض أيضا على الجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم ، و مما جاء في كلام رئيسها آنذاك المرحوم الشيخ محمد الشاذلي النيفر ما يلي : " .... توفرت فيه الصحة و الضبط على الوجه الأكمل بدقة و عناية فائقة بإشراف العالم المقرئ الشيخ محمد علي الدلاعي "
3) مصحف شريف برواية ورش عن نافع بخط الحاج زهير أحد المماليك من موالي الدولة الحسينية . نشر الدار التونسية للنشر سنة 1400 هـ / 1980 م .
4) مصحف شريف برواية حفص عن عاصم ، بخط الحاج زهير المذكور نشر نفس الدار في نفس السنة .
5) مصحف شريف برواية ورش عن نافع ، نشر دار ابن الكثير دمشق بيروت ، و دار القادري دمشق ، بيروت ، و كان تصحيح هذا المصحف بالاشتراك مع الشيخ بكير بن محمد الشيخ ابن الحاج من الجزائر ، و الشيخ عامر الجربي من تونس ، و نشر سنة 1416 هـ/1995م .
6) مصحف شريف معروف بـ "مصحف الجمهورية التونسية " برواية قالون عن نافع ، بخط الميزوني المسلّمي ، و كان تصحيحه بالاشتراك مع الشيخ المرحوم عبد الرحمن الحفيان ، بإشراف ديوان الافتاء و نشرته دار سراس سنة 1420هـ/1999 م .
7) مصحف شريف برواية قالون عن نافع ، طبع دار اليمامة دمشق ، بيروت و نشر دار العلماء بتونس سنة 1426 هـ 2005 م ، و قد أهداني المرحوم نسخة منه رحمه الله تعالى ، و جازاه خيرا عن القرآن و أهله .
و أختم هذه الكلمة الوجيزة ، التي لا تفي بحق المرحوم ، و لا تبوّئه المنزلة التي هو بها جدير بذكر رؤيين مباركتين، رأيتهما في المنام في حياة الشيخ رحمه الله ، الرؤيا الأولى : رأيتني صحبة المرحوم و نحن نقرأ معا على الإمام الشاطبي ، و الرؤيا الثانية : رأيتني بحضرة الشيخ المرحوم وهو يقول لي : " مصحفك مضبوط " و قد قصصتهما عليه فاستبشر بهما خيرا ، و الحمد لله .
رحم الله شيخنا العزيز المقرئ الثبت الحجة سيدي محمد علي الدلاعي ، و رزق أهله و أهل القرآن جميل الصبر و السلوان ، و أسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ، و قيض لنا من العلماء من يسدّون هذه الثلمة الكبيرة في صفوف قراء تونس ، و يقومون بخدمة الكتاب العزيز على أحسن وجه ، و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما أولا و آخرا .
• مصادر ترجمته :
- لقاء شخصي مع الشيخ المرحوم محمد علي الدلاعي في منزله في 6 رجب الأصب 1420هـ / 16-10-1999 م
- لقاء شخصي آخر مع المرحوم في 14 شعبان 1420 هـ/ 22-11-1999 م
- الشبكة العالمية للمعلومات " الأنترنيت " و توجد فيها صورة المرحوم و درس صوتي في الحث على حفظ القرآن و العمل به ، ألقاه في جامع الحجامين بباب جديد بتونس العاصمة سنة 1430 هـ / 18-09-2009 م . و أيضا كلمة صوتية لفضيلة الشيخ الأخ محمد البارودي عنوانها " لمحة عن حياة الشيخ الدلاعي " موقع منتديات الزيتونة .
 
عودة
أعلى