الدفاع عن اختيارات الأئمة الكبار (المتولي ومن بعده) للشيخ: إيهاب فكري

ايت عمران

New member
إنضم
17/03/2008
المشاركات
1,470
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المغرب
الدفاع عن اختيارات الأئمة الكبار (المتولي ومن بعده)​
الحمد لله منزل الكتاب، وحافظ الذكر إلى يوم الحساب، والصلاة والسلام على خير الأنبياء وأشرف القراء وآله وصحبه وسلم.
أما بعد؛ فقد أبلغني بعض الفضلاء أن هناك من يمنع الاختيار في القراءات في عصرنا إما منعا مطلقا أو مقيدا بزمن دون زمن، ولما كان هذا الكلام يؤدي إلى تخطئة أئمتنا والطعن في أسانيدنا(1) وأسانيد المانعين، فقد رأيت من الواجب توضيح هذه المسألة وما يلزم القائل بها من لوازم لا أظن أنه سيلتزمها بعد البيان، خاصة وأنها ستؤدي إلى التشكيك في أسانيدنا وأسانيدهم وأئمتنا وأئمتهم، فأقول بعد الاستعانة برب العالمين:
الاختيار في القراءة هو مذهب سلف الأمة ومضى على ذلك خلفها، ومدار أسانيد الأمة من المشارقة على الإمام ابن الجزري، ومدار أسانيد أغلبهم في عصرنا الحالي على الإمام المتولي، وهو صاحب اختيارات خالف بها من سبقه أسردها هنا أولا ليتبين أن ما ذكرته من إجازة الاختيار إنما هو في بعض جوانبه دفاع عن هؤلاء الأئمة الكبار:
أولاً: اختيارات المتولي رحمه الله تعالى:
قال - رحمه الله تعالى - في فتح الكريم:
[poem=][poem=]وما قلته من منع إظهار غنة=على وجه إدغام لَدَى وَلَدِ العَلا
توهّمه قَومِي وإني أجيزه=له وهو عن روح من الكامل اعتلا[/poem][/poem]
وقال في الشرح: "تمتنع الغنة مع اللام والراء للبصريين أبي عمرو ويعقوب في وجه الإدغام الكبير وفيه بحث يأتي"اهـ
ثم ذكر البحث بعد ذلك فقال(2) :
"وقد جرى عمل شيوخنا على منع الغنّة في وجه الإدغام الكبير وما ذاك إلا من كونهم لم يُمعنوا النظر في ذلك الاحتمال وأمعنوا ولاحظوا أن الاحتياط تركها حالة الإدغام ولم يلمحوا أن الاحتياط لا يصح عند وضوح الدليل, وأي دليل أوضح وأعظم من نقله الإجماع على تركها في المتحرك في مذهب من يرويها في الساكن مع اختياره لها في الأول قياسًا على الثاني , وكذا مع كون رواة الغنة سوى ابن حبش من التجريد من رواة الإدغام , فالحاصل أننا لو قلنا بالمنع تبعًا لهم لكان منعًا للجائز ومنع الجائز غير مسلَّم , ولو قلنا بالقياس لكان خرقًا للإجماع وارتكابًا لغير المروي, وهذا لا يخفى ما فيه من الحرج فوجب العدول عن هذا وهذا إلى إعطاء كل باب حقه – كما قدمنا – والله أعلم" اهـ.
ثم قرأ - رحمه الله تعالى - بالغنة على وجه الإدغام الكبير لأبي عمرو جوازا وليعقوب وجوبا، بعد أن امتنع من القراءة بها شيوخه وشيوخ شيوخه قبله لمئات السنين وها نحن وكل من يقرأ يتحريراته -كأصحاب تنقيح فتح الكريم - يقرؤون بها، بل هي واجبة عندهم أداء في المعاهد العلمية التي قررت دراسة التنقيح، ولم ينكر ذلك منكر، بل إن بعض من سُمي لي ممن تكلموا في الاختيار يقرأ بهذا ويقرئ به، ولا ينتبه أن منعه الاختيار سيحكم عليه في أول من يحكم بأنه يقرأ بما ينكره ضمنا في منعه الاختيار، ولذا ذكرت أن تنبيه هؤلاء الإخوة قد يردهم عما يقولون، نقول لهم:
أنتم تمنعون الاختيار شاهدين على أنفسكم بالأخذ به عمليا.
وأضيف إليهم مسائل أخرى اختارها المتولي وهم يتابعونه عليها وهم لا يدرون أنهم يقرؤون باختيارات لم يقرأ بها المتولي على شيوخه بتاتا.
إذا قرأت قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى} بتقليل {القربى وْاليتامى} على قصر البدل فقد قرأت الطيبة على وجهها، وأتيت بوجه صحيح عند المتولي(3) ، لكن عند من قبله لمئات السنين تكون قد قرأت بوجه ممتنع لا يجوز لك أن تقرأ به. وانظر بدائع البرهان للأزميري(4) .
وقد ذهب المتولي لإجازة هذا الوجه لأنه وجده في تلخيص ابن بليمة - وهو كذلك في المطبوع - فلم يمنعه عدم قراءته على شيوخه من القراءة والإقراء به، وتبعه من بعده وقرروا الأخذ به على طلاب الدراسات العليا، فإن لم تقرأ به فأنت غير محقق ولم تقرأ الطيبة على وجهها الصحيح. قال في تنقيح فتح الكريم:
[poem=][poem=]وقلل من التلخيص ذا الياء عنده=سوى ما به ها من رؤوس تنزلا
عليه اقصر وسط لهمز ....=..........................اهـ[/poem][/poem]
أقول: ولعل بعض من ينكر الاختيار قد قرأ بهذا الوجه، ولعله يقرئ به وهو لا يدري أن هذا الوجه اختيار من المتولي لم يقرأ به على شيوخه، بل لم يُقرأ به لمئات السنين قبل المتولي، ومع ذلك قبله بعض القراء واعتمدوه واعتبروا أنه التحقيق في المسألة.
إذا قرأت قوله تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه} بتوسط البدل مع تفخيم الراء في {كبر} فقد أصبت عند المتولي(5) ومن تبعه، وقرأت الطيبة على وجهها، أما عند من قبله، كالأزميري(6) ومن قبله من المحررين، فهذا الوجه ممتنع ولا يقرأ به. وإنما جاز القراءة بهذا الوجه عند المتولي؛ لأنه حقق أن التبصرة يأتي منها قصر وتوسط البدل خلافا لابن الجزري والأزميري؛ ولذا لم يقيده في التنقيح، أي: لم يقيد جواز التفخيم على مد البدل كما فعل مَن قبله، قال في التنقيح:
[poem=][poem=]وفي الراء ذات الضم رقق وفخمن=وعشرون كبر فخمنهما كلا
ومع ثالث فافتح ودع قصر لينه=........................[/poem][/poem]
فأطلق جواز أوجه البدل، ولا يصح هذا على مذهبهم في التحريرات إلا من التبصرة، وهو وجه لم يقرأ به المتولي على شيوخه، ومع ذلك فالتحقيق عندهم الآن هو القراءة به ولو منعته عندهم فأنت لا تقرأ الطيبة على وجهها.
أقول: ولعل بعض من ينكر الاختيار قد قرأ بهذه الأوجه، ولعله يقرئ بها وهو لا يدري أن هذه الأوجه اختيار من المتولي لم يقرأ بها على شيوخه، بل لم يُقرأ بها لمئات السنين قبل المتولي، ومع ذلك قبلها بعض القراء واعتمدوها واعتبروا أنها التحقيق في المسألة.
إذا قرأت قوله تعالى: {يا أبها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا} للأزرق بتوسط {شيئًا} مع تفخيم الراء في {وعاشروهن} وتقليل {فعسى} فقد أتينا بوجه صحيح عند المتولي(7) ومن تبعه، لكنك في نفس الوقت قد قرأت بوجه يمنعه شيوخه ومن قبله ومنهم الأزميري(8) . وإنما أجازه - رحمه الله تعالى - لأنه حقق أن العنوان للأنصاري يأتي منه توسط {شيئا} و{شيء} للأزرق، وتابعه على ذلك من بعده، وقرروه في تحريراتهم، قال في التنقيح:
[poem=][poem=]........................=ولا تأت بالثاني إذا كنت مبدلا[/poem][/poem]
إلى قوله:
[poem=][poem=].............وعند توسط=ومد له في غير شيء.......[/poem][/poem]
ففهم منه أنه يجوز مع توسط {شيء}.
وهذا هو المقرر الآن في المعاهد العلمية ممن يعتمدون التنقيح.
أقول: ولعل بعض من ينكر الاختيار قد قرأ بهذا الوجه، ولعله يقرئ به وهو لا يدري أن هذ الوجه اختيار من المتولي لم يقرأ به على شيوخه، بل لم يُقرأ به لمئات السنين قبل المتولي، ومع ذلك قبله بعض القراء واعتمدوه واعتبروا أنه التحقيق في المسألة.
إذا قرأت قوله تعالى {لله ما في السموات وما في الأرض} بالوقف على {الأرض} اختار المتولي أن يقف القارئ لحمزة بالتحقيق في "أل" في وجه، مع أنه لم يقرأ بهذا على شيوخه، وهو وجه ممتنع عند ابن الجزري ومن بعده حتى زمن المتولي، ومع ذلك فقد أخذ به بعض القراء وهو في بعض نسخ التنقيح:
[poem=][poem=]كالابرار قلل عند حمزة ساكتا=بأل أو بتحقيق لدى الوقف....[/poem][/poem]
وقال به صاحب الفريدة(9) .
إذا قرأت قوله تعالى: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} بالفتح في {الدنيا} و{اتقى} وإشباع البدل وترقيق اللام في {تظلمون} صح هذا الوجه عند كل القراء قبل المتولي، ومنهم الأزميري(10) ، وتكون قد قرأت الطيبة على وجهها، أما عند المتولي(11) فهو وجه باطل، ومن قرأ به فلم يقرأ الطيبة على وجهها، قال في التنقيح:
[poem=][poem=]..............................=وبعد سكون الظاء ترقيقًا أبطلا[/poem][/poem]
ولن يسمح لك المقرئ الملتزم بالتنقيح أن تقرأ هذا الوجه عليه. فمنع - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بهذا الوجه اختيارا مع أنه قرأ به على شيوخه، وتابعه من بعده، وهو اللازم الآن في بعض المعاهد العلمية، وإذا قرأت به فأنت غير محقق.
إذا قرأت قوله تعالى: {والله بكل شي عليم يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} لإدريس عن خلف بالسكت في شيء والسكت بين السورتين وإمالة {يتلى} فقد أتيت بوجه صحيح يلزمك الإتيان به حتى تكون قد قرأت الطيبة على وجهها عند كل القراء قبل المتولي، ومنهم الأزميري(12) ، أما عند المتولي(13) ومن تبعه فقد أتيت بوجه خطأ سيمنعك منه المقرئ، ويخبرك أنه خلاف التحقيق، ولا يقرأ بهذا الوجه عندهم أصلا لقارئ ولا لراو ولا لطريق. فمنع - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بهذا الوجه اختيارا مع أنه قرأ به على شيوخه، وتابعه من بعده، وهو اللازم الآن في بعض المعاهد العلمية، وإذا قرأت به فأنت غير محقق.
إذا قرأت قوله تعالى: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم} بتوسط "لا" في {لا علم} مع سكت المدود فقد أتيت بوجه صحيح عند كل القراء قبل المتولي، ومنهم الأزميري(14) ، وقد قرأت الطيبة على وجهها، أما عند المتولي(15) ومن تبعه فقد أتيت بوجه خطأ سيمنعك منه المقرئ ويبين لك رد هذا الوجه وإن قرأ به الأزميري ومن قبل الأزميري إلى ابن الجزري. فمنع - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بهذا الوجه اختيارا مع أنه قرأ به على شيوخه وتابعه من بعده.
إذا قرأت قوله تعالى: {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} للسوسي بتوسط المنفصل مع تقليل {النار} وقفا فقد قرأت بوجه صحيح عند الأزميري(16) ، وأنت على الجادة وإن لم يكن ذلك الأولى, لكن عند المتولي(17) تكون قد أتيت بوجه ممتنع، وهو خطأ عندهم سيمنعك المقرئ من القراءة به. فمنع - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بهذا الوجه اختيارا مع أنه قرأ به على شيوخه وتابعه من بعده وهو اللازم الآن في بعض المعاهد العلمية، وإذا قرأت به فأنت غير محقق.
إذا قرأت قوله تعالى: {ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} للسوسي بتقليل {النهار} مع الإدغام فهو وجه صحيح عند الأزميري(18) وإن كان الأولى تركه وإن ذكره في النشر. لكن هذا الوجه ممتنع عند المتولي ومن تبعه(19) وإذا قرأت به فأنت غير محقق ولم تقرأ الطيبة على وجهها، بل ينبغي أن تترك ما أجازه ابن الجزري.
فمنع - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بهذا الوجه اختيارا مع أنه قرأ به على شيوخه وتابعه من بعده.
إذا قرأت قوله تعالى: {أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم} الآية.. فلك عند المتولي ثلاثة عشر وجها اختارها - رحمه الله تعالى، يقول الخليجي رحمه الله تعالى:
إذا اجتمعت {الآن} مع بدل قبلها، وَوُصِلَت بما بعدها كآية {أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم}، كان فيها سبعٌ وعشرٌ من الأوجه، وتحتم الأخذ بها، لأنها هي التي حررها العلامة سلطان ناقلا لها عن شيوخه ، وبها أخذ أئمة المحررين ، ومنهم الشمس المتولي المتوفى سنة 1313هـ في شرح مفردته لورش المطبوع سنة 1309هـ ، ولا يُعْتَبَرُ عُدُولُهُ عنهُ؛ لأنه رَأيٌ تَمَذْهَبَ به في آخر حياته فَهِمَهُ من بعض الكتب ولم يقرأ به كما يفيده تأليفه وإِقْرَاؤُهُ. اهـ .
فمنع المتولي - عليه رحمة الله تعالى - من القراءة بأربعة أوجه اختيارا مع أنه قرأ بها على شيوخه وتابعه من بعده وهو يعتبر عند بعض القراء التحقيق الختامي في مسألة {ءالآن} في بعض المعاهد العلمية، ومن قرأ عندهم بأكثر من ثلاثة عشر وجها فهو غير محقق.
فهذه أحد عشر مثالا، منها خمسة لم يقرأ بها المتولي على شيوخه، وبعضها يدور ويتكرر كثيرًا في القرآن، وكلها اختيارات للمتولي بالجواز لما كان ممتنعًا قبله، أو بالمنع لما قرأ به على شيوخه، وقد قبل القراء اختياراته، بل إن بعضهم يعتبر هذه الاختيارات هي ما استقر عليه تحريرات القراءات(20) .
ثانيا: اختيارات من بعد المتولي من الأئمة:
مضى على منهج المتولي في الاختيارات بعض من بعده فأجازوا أوجها لم يقرؤوا بها على شيوخهم، ومنعوا أوجها قرؤوا بها؛ اختيارا منهم لذلك، فمنهم الأئمة الكبار الآتي ذكرهم:
1 ـ الإمام الضباع شيخ المقارئ المصرية أجاز - رحمه الله تعالى - القراءة بتقليل الهاء والياء للأصبهاني في صدر سورة مريم مع أنها انفرادة عند ابن الجزري لم يأخذ بها، وتابعه عليه من بعده، قال الأزميري:
"وأما الأصبهاني فتقليل الهاء والياء له مما انفرد به الهذلي ولم نأخذ به"اهـ(21) .
ومنع - رحمه الله تعالى - مد التعظيم للأصبهاني مع أخذ كل من قبله له به، وقد قرأ به على شيوخه.
2 ـ الشيخ عامر شيخ المقارئ المصرية أجاز - رحمه الله تعالى - القراءة بمد التعظيم دون غنة اللام والراء لهشام وابن وردان(22) بعد أن اجتمع مع الشيخ الزيات والشيخ السمنودي على إيجابها في التنقيح لهما ومنع العكس، أي: منع الغنة على مد التعظيم للمذكورَين. وأوجب الياء في {بالكتاب المنير} بآل عمران للحلواني على الغنة ومنعها للداجوني على الغنة كذلك(23) ، ولا ذكر لذلك في التنقيح الذي ألفه مع الشيوخ قبل ذلك، وإنما يصح هذا على أنه اختيار منه بدا له بعد أن تبين ذلك له من الأدلة.
3ـ الشيخ السمنودي - رحمه الله تعالى - أجاز الغنة لشعبة من الطيبة اختيارًا(24) مخالفًا كل من سبقه منذ عصر ابن الجزري، وهو في ذلك موافق لقاعدة المتولي في أخذه بالتقليل على القصر للأزرق؛ لأنه في كتاب تلخيص ابن بليمة وهو كتاب واحد، ودليل السمنودي - المبني على قواعد من يخرجون عن اختيار ابن الجزري - أقوى؛ إذ إن الغنة لشعبة في خمسة كتب.
والقراءة بهذه الاختيارات جائزة(25) ونسند من طريق المتولي ما لم يقرأ به على شيوخه من أوجه؛ لأنه قرأ بها في الجملة، فمثلا الغنة على وجه الإدغام قرأ بها على وجه الإظهار، وتقليل ذات الياء على القصر قرأ به على التوسط، وهكذا. وإنما نمتنع من القراءة بما لم يقرأ به القارئ بتاتا لا ما قرأ به في الجملة.
وهذا ما فعله القراء الكبار من قبل، ومن أوضح الأمثلة لمن فعل ذلك خلف العاشر، فنحن نسند له قراءته من طريق حمزة بالتوسط في المنفصل مع أنه لم يرد عن حمزة إلا الإشباع، ونسند لابن مجاهد عن الدوري الفتح في {الناس} مع أنه لم يقرأ من هذه الرواية إلا بالإمالة، ونسند للشاطبي المد في البدل من طريق الداني لورش مع أن الداني رد مد البدل بأوضح العبارات في جامع البيان.
وإنما نفعل ذلك على أنه اختيار من هؤلاء الفضلاء، ولا ندعي أنه منسوب لمن منعه، وهذا هو المعهود في سيرة القراء على أساس أنهم لا يقرؤون إلا بما قرؤوا به، لكنهم يقتصرون على ذكر بعض أسانيدهم، قال المتولي في الروض عن الزيادات التي زادها الشاطبي على التيسير(26) :
"لأن الترقيق من زيادات القصيدة على التيسير، وطرقها مجهولة" إلى أن قال "ومن تأمل قوله فلو عددنا طرقهم وطرقنا قطع بأن ما زاده الشاطبي على التيسير ليس من طرق النشر"اهـ
وهو مطابق لقول الداني في مقدمة كتاب التيسير بعد أن ساق طرقه:
"فهذه بعض الأسانيد التي أدت إلينا الروايات رواية وتلاوة"اهـ
فلم يذكر كل أسانيده.
وقول ابن الجزري في النشر:
"واستقرت جملة الطرق عن الأئمة العشرة على تسعمائة طريق وثمانين طريقاً حسبما فصل فيما تقدم عن كل راوٍ من رواتهم، وذلك بحسب تشعب الطرق من أصحاب الكتب، مع أنا لم نعد للشاطبي - رحمه الله - وأمثاله إلى صاحب التيسير وغيره سوى طريق واحدة، وإلا فلو عددنا طرقنا وطرقهم لتجاوزت الألف"اهـ.
فلم يذكر كل أسانيده.
ومع أننا نقبل اختيارات الإمام المتولي ومن بعده لكن لا نمنع غيره من الاختيار كما يفعل بعض من يتبعون تحريراته، ولا نمنع ما يمنعونه مما أجازه ابن الجزري، وننسب كل رواية لصاحبها، وهذا الأمر مقبول وسائغ عند أهل العلم منذ القدم، بل صرح بعضهم أن الاختيار في القراءات صحيح إلى يوم القيامة، وهذا هو الذي يفسر لنا ما فعله المتولي ومن تبعه، وإنما كان ذلك كذلك لما ذكره ابن الجزري في النشر مؤيدا له عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:
"وقد روينا في المعجم الكبير للطبراني بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله بن مسعود: ليس الخطأ أن يقرأ بعضه في بعض ولكن أن يلحقوا به ماليس منه"اهـ
وهذا جائز مع اشتراط عدم وقوع خلط لغوي أو إسنادي في الاختيار كما شرطه ابن الجزري.
هذا ما نعتقده, ونرى أنه يفسر لنا ما فعله هؤلاء الأئمة الكبار بلا نكير من أحد من الأمة عليهم في اختياراتهم، وهو الذي يجمع بين الأدلة في هذه المسألة.
فإن اقترح بعض الفضلاء منع الاختيار في زماننا دفعا لدخول من لا يتقن ذلك في هذا الأمر، وبناء على جمع الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - للمسلمين على حرف قريش، فالجواب هو:
أنه إذا اجتمع سلاطين المسلمين على ذلك، أو إذا اتفق أهل هذا العلم على ذلك، سنكون أول الطائعين، وعند وقوع ذلك سنعتذر للإمام المتولي ومن بعده بأنهم قرؤوا باختياراتهم قبل الحظر، لكن لو منعنا الاختيار قبل وقوع هذا الاتفاق فما الذي سنعتذر به عن هؤلاء الأفاضل، وكيف ندافع عن أسانيدنا التي تلقيناها من طريقهم؟.

كتبه خادم أهل القرآن
إيهاب أحمد فكري​

.................هوامش...................................
1. التي نفخر بها ونحرص على ذكر إسنادنا من طريق الإمام المتولي وطلابه.
2. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (198).
3. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (258).
4. مخطوط بدائع البرهان (46).
5. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود { 236 – 258 }
6. مخطوط بدائع البرهان { 25 – 28 }
7. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (261).
8. مخطوط بدائع البرهان (97).
9. انظر الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (280)، وفريدة الدهر (1/409).
10. انظر مخطوط بدائع البرهان (20)، و (103).
11. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (276).
12. انظر مخطوط بدائع البرهان (4).
13. انظر االروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (176).
14. مخطوط بدائع البرهان (26).
15. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (183).
16. مخطوط بدائع البرهان (51).
17. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (216).
18. مخطوط بدائع البرهان ( 192).
19. الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (216).
20. وإن كان الأمر على غير مايقولون كما سنين في اختيارات من بعده من الأئمة.
21. وتابعه المتولي كما في الروض النضير تحقيق د خالد أبو الجود (459).
22. فتح القدير (37).
23. فتح القدير (93).
24. قال الشيخ السمنودي في تحريراته : ولا غنة عن أزرق قط فاعلمن وعن شعبة تروى ....... (انظر جامع الخيرات للشيخ السمنودي 493 .
25. والمختار عدم الخروج عن اختيارات ابن الجزري فكما لا نقرأ بالغنة لشعبة لأن ابن الجزري اختار تركها فكذلك نقرأ بالغنة للأزرق لأنه ااختار جوازها.
26. مخطوط الروض النضير لوح (81).
 
عودة
أعلى