الدعاء في رمضان

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال الله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ( البقرة : 186 ) .
لأمر ما جاءت هذه الآية بين آيات الصيام ، ففيها إيماء إلى أن الصائم مرجو الإجابة ؛ وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته ، وإلى مشروعية الدعاء أثناء كل يوم وليلة من رمضان . فلشهر رمضان من الفضل ما لم يثبت لغيره من الشهور ، فهو شهر الصـوم ، والصوم أخلص العبادات ، وللإخلاص عند الله تعالى موقع وذمة ، ومن هنا كانت دعوة الصائم مستجابة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وجاء في سبب نزولها أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ! ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت . وهذا يدل على إرشادهم للمناجاة في الدعاء ؛ وهذا دال على قرب الداعي من الله تعالى ، وأنه لاقترابه منه وشدة حضوره ، يسأله مسألة أقرب شيء إليه ، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب ، لا مسألة نداء البعيد للبعيد ، ولهذا أثنى الله سبحانه على عبده زكريا بقوله : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } . فكلما استحضرَ القلب قرب الله تعالى منه ، وأنه أقرب إليه من كل قريب . وتَصَوَّرَ ذلك أخفى دعاءه ما أمكنه ، كما أن من خاطب جليسا له يسمع خفي كلامه ، فبالغ في رفع الصوت ، استهجن ذلك منه ؛ ولله المثل الأعلى سبحانه [SUP]( [/SUP][2][SUP] ).[/SUP]

[1] - البيهقي في الشعب ( 3594 ، 7463 ) ، والعقيلي : 1 / 72 ، وانظر صحيح الجامع : 3 / 63 .

[2] - انظر بدائع الفوائد لابن القيم : 3 / 519 ، باختصار وتصرف .
 
الدعاء نوعان : الأول : دعاء ثناء ؛ وهو المختص بالثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وهو سبحانه أهل الثناء والمجد ، لا يحصي أحد ثناء عليه ، سبحانه هو كما أثنى على نفسه .​

الثاني : دعاء مسألة ؛ وهو المختص بالطلب ، سواء أكان هذا الطلب أخرويًّا : من مغفرة ورحمة وفوز وجنة وما شابه ذلك ؛ أو كان دنيويًّا : من تفريج كرب وسعة رزق وولد صالح وما شابه ذلك .​

وكلا نوعي الدعاء عبادة ، والله يجيب السائلين ، ويثيب الذاكرين .​

قال ابن منظور في ( لسان العرب ) : قال أبو إسحاق في قوله تعالى : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ } ( البقرة : 186 ) : الدعاء على ثلاثة أوجه : فضرب منها توحيده والثناء عليه ، كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ، وكقولك : ربنا لك الحمد ، إذا قلته فقد دعوته بقولك : ربنا ، ثم أتيت بالثناء والتوحيد ؛ ومثله قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِي.نَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، فهذا ضرب من الدعاء .​

والضرب الثاني : مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه ، كقولك : اللهم اغفر لنا . والضرب الثالث : مسألة الحظ من الدنيا ، كقولك : اللهم ارزقني مالاً وولدًا ؛ وإنما سمي جميعه دعاءً لأن الإنسان يُصَدِّرُ في هذه الأشياء بقوله : يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، فلذلك سمي دعاء .ا.هـ .​

فالذاكر داعٍ ويجيبه الله بإثابته ؛ والسائل داعٍ ويجيبه الله بإحدى ثلاث : إما بمطلوبه ، وإما بصرف سوء عنه ، وإما بادخارها له يوم القيامة وهو أنفع له .... وللحديث صلة​



 
في جميع الأسئلة التي سُئِلها النبي صلى الله عليه وسلم وتكفل الوحي بإجابتها ؛ كان الجواب يُصدَّر بـ { قُلْ } ؛ وعلى سبيل المثال : { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً } ( البقرة : 222 ) ؛ { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ } ( النساء : 176 ) ؛ { يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } ( المائدة : 4 ) ؛ { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } ( الإسراء : 85 ) ؛ { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } ( طـه : 105 ) .. إلى غير ذلك من الآيات ؛ أما في هذه الآية الكريمة – آية الدعاء - فتكفل الله تعالى بالإجابة بنفسه دون واسطة ، فقال عز وجل : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ( البقرة : 186 ) ،
قال العلماء : ليبين لعباده أنه لا يحتاج إلى واسطة في دعائه واللجوء إليه ؛ فما على العبد إن أراد شيئًا إلا أن يرفع يديه إلى ربه سائلا إياه ، كَبُر هذا الشيء أو صَغُر ؛ ذلك لأن الله تعالى هو خالق الأشياء كلها ؛ صغيرها وكبيرها ، ومصرف الأمور كلها ؛ خفيها وجليها ، وقاضي الحاجات كلها ؛ دقيقها وجليلها ؛ وحقيقة الافتقار إلى الله تعالى ليست في الكبير دون الصغير ، فالكل مفتقر إلى الله تعالى في كل شيء ، والله هو الغني الحميد . ورحم الله من قال :
إني إليك مـع الأنفاس محتاج ... ولو بين مفرقي الإكليل والتاج
وأخرج الترمذي في السنن باب ( ليسأل الحاجة مهما صغرت ) من كتاب الدعوات ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع " ، زاد في رواية عن ثابت البناني مرسلا : " حتى يسأله الملح ، وحتى يسأله شسعه إذا انقطع " ؛ ورواه ابن حبان والطبراني في ( الدعاء ) وزاد : " فإنه إذا لم يسهله الله لم يسهل " .
والشسع : أحد سيور النعل بين الإصبعين . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سلوا الله كل شيء ، حتى الشسع ، فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر .
اللهم إنا نسألك من الخير كله ، عاجله وآجله ، ما علكنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله ، عاجله وآجله ، ما علمنا منه ، وما لم نعلم ... آمين .. إنك سميع الدعاء .
 
عودة
أعلى