الدرس الخامس من شرح نخبة الفكر - السبت 14 / 6 / 1433هـ

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
المصطلحات الناتجة عن مخالفة الرواة بعضهم بعضاً

لما بين الحافظ : حكم زيادات الثقات، انتقل إلى بيان المصطلحات التي تنتج عن مخالفة من يُقْبلُ حديثهم بعضهم لبعض، فقال :: (فإن خولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ, ومع الضعف فالراجح المعروف, ومقابله المنكر).
قوله: (فإن خولف)أي المقبول (بأرجح؛ فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ) والمعنى: إذا اختلف ثقة مع من هو أوثق منه، أحد الرواة الثقات خالفه من هو أوثق منه، فإننا نسمي حديث الأوثق (محفوظ)، ونسمي حديث الثقة (شاذ).
وقد سبق في الكلام على زيادة الثقات مثالان على ذلك، حين عبر الإمام النسائي عن زيادة ابن عيينة (فإنه بركة) في حديث (فإن الماء طهور) بأن هذا اللفظ غير محفوظ = شاذ، ومثله زيادة (يوم عرفة) التي زادها عُلَيّ بن رباح.
واعلم ـ وفقك الله ـ أن هذا الاصطلاح (الشاذ) بهذا المعنى هو أحد إطلاقات الشاذ، وليس محصورا بهذا المعنى، كما سيأتي عند الكلام على أسباب الطعن في الراوي، من أن الشاذ يطلق على عدة صور .
س/ ما دام أن الشاذ مردود، فلماذا لم نسم الإسناد ضعيفاً؟
ج/ لأنه خطأ من ثقة، وليس خطأً من ضعيف، ولأن المقارنة ليست بين ضعيف وثقة، وإنما بين ثقة وأوثق.
وقوله :: (ومع الضعف فالراجح المعروف ومقابِلُه المنكر) أي أنه إذا كان عندنا راويان، زيد ـ وهو ضعيف ـ، والآخَر سعيد ـ وهو ثقة ـ فإذا خالف زيدٌ سعيداً، فنسمي حديث سعيد (معروفاً)، لأن مقابِلَه ضعيف، ونسمي حديث زيد (منكراً) لأن الضعيف لا يحتمل منه أن يخالف الثقات.
مثال تطبيقي: اختلف الإمام سفيان بن عُيينة ـ وهو ثقة حافظ إمام ـ مع يوسف بن محمد بن المُنْكَدِر التيمي ـ وهو ضعيف ـ في وصل حديث وإرساله، فأرسله ابن عيينة، ووصله يوسف ابن المنكدر، وهنا نقول: إن الصواب هو إرسال الحديث؛ لأن راويه إمام حافظ، ونحكم على رواية يوسف ابن المنكدر بأنها منكرة، كما قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي، عن حديث رواه يوسف بن محمد بن المُنْكَدِر، عن أبيه، عن جابر ...- وذكره - ، وقال أبي: هو حديث منكر"([1]).
وما قلناه في الشاذ نقوله في المنكر، من أن هذا المصطلح (منكر) ليس خاصاً بهذه الصورة، بل هذا أحد إطلاقات المنكر عند الأئمة([2]).


المتابعات والشواهد والاعتبار

لما تحدّث الحافظ : عن الزيادات؛ أراد أن يبين بعض المصطلحات التي تتعلق بجهود الأئمة في إزالة التفرد، فقال :: (والفرد النسبي: إن وافقه غيره فهو المتابَع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو: الاعتبار).
فتضمنت هذه الجملة ثلاثة اصطلاحات:
الأول: المتابعات، وهي جمع متابعة، وهي: أن يروي الراوي حديثاً فيشاركه غيره في هذه الرواية عن نفس الشيخ، إلى أن نصل إلى الصحابي([3]).
الثاني: الشاهد: وهو أن يروي صحابي حديثاً بلفظٍ ما، ثم وجدنا بعد الحديث أن هذا المتن بذاته أو بمعناه مروياً عن صحابي آخر، فإننا نسمي الحديث الآخر شاهداً للحديث الأول.
الثالث: الاعتبار: هو الجهد الذي يبذله الإمام في البحث عن هذه المتابعات والشواهد، فهذا يسمى: الاعتبار.
والظاهر أن سبب تسميتها بالاعتبار؛ لأنه مأخوذ مِن التأمل([4])؛ لأن العالم والباحث حينما يتأمل، فإنه يعتبر بهذا التأمل ويخرج بنتيجة مؤداها أن هذا الراوي ثقة، أو ضعيف، وأن هذا الحديث صحيح، أو لا يثبت...إلى آخره.
وإليك هذا المثال الذي يوضح جميع ما سبق:

روى أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة س، قال: قال رسول الله ج:
«دخلت امرأة النار في هرة حبستها...» الحديث.

بعد البحث وجدنا حميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن زياد قد رويا نفس الحديث عن أبي هريرة.
فنسمي رواية حميد، ومحمد بن زياد متابعة، أي أن حميداً ومحمداً تابعا أبا سلمة بن عبدالرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة س ([5]).
ثم وجدنا بعد البحث هذا الحديث بعينه، مروياً من حديث ابن عمر، وأسماء، وجابر ش، فنسمي حديث ابن عمر، شاهداً لحديث أبي هريرة ش، وكذلك حديث أسماء وجابر.
س/ ما فائدة الشواهد؟ فيقال: للشواهد فوائد كثيرة، منها:
1 ـ تقوية الحديث من الحسن إلى الصحيح، أو من الضعيف إلى الحسن.
2 ـ رفع الغرابة.
3 ـ تفسيرٌ لمُجمَل، وبيان المبهم، كأن يقول: (جاء رجل) وهذا الرجل المبهم هنا مُسمَّى في الروايات الأخرى - وهذا ينفعنا في حالات وجود تعارض, فلها أثر في فقه الحديث، في الناسخ والمنسوخ، فيمن أسلم متأخراً، ومن أسلم متقدماً، أو في تحديد مكان السؤال، فقد يكون له أثرٌ في فقه الحديث.
4 ـ قد يستفاد منها في بيان سبب ورود الحديث.
س/ ما فائدة المتابعات؟
ج/ ما قيل في رقم (2 ، 3 ، 4) من فوائد الشواهد يقال هنا، ويضاف أيضاً:
قد يكون في المتابعات رفْعٌ لبعض العلل التي توجد في أحاديث بعض الرواة، فإذا تابعهم غيرهم زالت، كأن يكون أحد الرواة نسي اسم شيخه، فيسميه زميله الآخر، أو يكون الرواة قد دلّس، فيتابعه آخر لنتأكد أن الحديث معروف عن شيخهما.

([1]) العلل 2/ 401.

([2]) تنبيه مهم: استعمال الأئمة لمصطلح (منكر) على الصورة المتقدمة هو الأغلب، بل إن استعمالهم للفظة شاذ نادر جداً، ولو أجرينا بحثا سريعا في الحاسب في كتاب كعلل ابن أبي حاتم، وعلل الدارقطني، فلن نجد هذه اللفظة (شاذ)، لكننا نجدهم يعبرون عنها بجملة: (غير محفوظ).
وفي المقابل سنجد التعبير بـ(منكر) مئات المرات، ويدخل في اصطلاحهم ما تقدم من تعريف الحديث الشاذ، وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق.

([3]) والعلماء يقسمون المتابعة إلى قسمين:
متابعة تامة: وهي التي تقع للراوي نفسه.
متابعة قاصرة: وهي التي تقع لشيخ الراوي فمن فوقه، ويستفاد منها التقوية.
[4]) ينظر: "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص73-74) للمناوي، فقد ذكر من معاني كلمة (الاعتبار): "وقال أبو البقاء: هو التدبر وقياس ما غاب على ما ظهر...".
[5]) بعض العلماء يرى أن العبرة باللفظ والمعنى بغض النظر عن الصحابي ـ مُخْرج الحديث ـ فإن اتحد اللفظ فالمتابع، وإن اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى فيسمى الشاهد، ومن هؤلاء : الحاكم : في "المستدرك" ، وابن الصلاح :.
 
شكرالله لكم .. لدي سؤال : ذكرتم في درس سابق أن من شروط الرواة الثقة, فإذا خالفه من هو أوثق فحديثه مردود شاذ . 1-ماضابط الثقة وهل يدخل فيها نسبه؟ 2-هل يحتج بالحديث الشاذ؟
 
الثقة هو من يضبط حديثه، ولا يعني سلامته من الوهم، بل المراد قلة خطئه نسبةً لعدد ما روى من الأحاديث.
الشاذ من قسم الحديث المردود، فلا يحتج به.
 
عودة
أعلى