عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أقسام الحديث باعتبار من تضاف إليه
قال الحافظ ::
(ثم الإسناد: إما أن ينتهي إلى النبي ج - إما تصريحاً أو حكماً - من قوله أو فعله أو تقريره.
أو إلى الصحابي كذلك، وهو: من لقي النبي ج مؤمناً به، ومات على الإسلام، ولو تخللتْ ردةٌ على الأصح.
أو إلى التابعي: وهو من لقي الصحابي كذلك.
فالأول: (المرفوع)، والثاني: (الموقوف)، والثالث: (المقطوع)، ومن دون التابعي فيه مثله، ويقال للأخِيرين: (الأثر).
______________________
خلاصة كلام المصنف : في هذه المسألة يتلخص في بيان أسماء الأسانيد باعتبار مَن تقف عنده، ومَنْ تنتهي إليه، ومن ما ينتج عن ذلك من أنواع، وهي ثلاثة: المرفوع، والموقوف، والمقطوع، وبيان ذلك مفصلاً على النحو الآتي:1 ـ معرفة المرفوع:
وهو الإسناد الذي ينتهي إلى النبي ج، وأمثلته كثيرة جداً، كقول الراوي: عن أبي هريرة س، عن النبي ج، أو يقول الراوي: عن أبي هريرة مرفوعاً، أي: إلى النبي ج.
ـ أقسام المرفوع: إما أن يكون صريحاً في الرفع أو له حكم الرفع، وهو:
إما أن يكون عن النبي ج صراحة، يعني أن يقول الراوي: (قال رسول الله ج)، أو (سمعت رسول الله ج يقول)، أو (رأيت النبي ج يفعل)، أو نحو هذا.
- مثال المرفوع القولي صراحةً: حديث "الدين النصيحة"([1]).
- مثال المرفوع الفعلي الصريح: (رأيت النبي ج يأكل الدجاج)([2])، (كان النبي ج يقوم الليل حتى تتفطر قدماه)([3]).
- مثال المرفوع صراحة من تقريره ـ وهو أن يُفعل بحضرته r فعلٌ فلا ينكره، أي أنه يُقِرُّه ـ: أُكِل الضَّبُّ في حضرته ج ولم يُنكر ذلك، فدل هذا على أنه مباح، ولما استشكله خالد قال: أحرامٌ الضب يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكن لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه».
ضابطه: أن يكون ما يحكيه الصحابي لا يدخله الاجتهاد، مثل:
1 ـ الإخبار عن غيبٍ مستقبَل ـ بشرط ألا يكون الصحابي ممن يأخذ عن بني إسرائيل ـ.
2 ـ الإخبار عن ثوابِ عمل، أو عن عقوبةِ عمل.
فمثل هذه الأشياء لا يمكن أن يعرفها الصحابيُّ من نفسه، بل لا بد من خبرٍ عن معصوم، وهو النبي ج؛ ولذلك يقولون: مرفوعٌ حُكماً، أي: له نفس حكم الحديث الذي قال فيه الصحابي صراحة: قال رسول الله ج كذا، أو فعل رسول الله ج كذا.
- مثال المرفوع القولي حكماً: ما رواه ابن المبارك في "الزهد"([4])، عن أبي هريرة س قال: "ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أُحد، يُعظّمون؛ لتمتلئ منهم؛ وليذوقوا العذاب". قال ابن حجر : : "وسنده صحيح، ولم يصرح برفعه، لكن له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للرأي فيه"([5]).
- مثال المرفوع الفعلي حكماً: ما رواه الترمذي عن أمير المؤمنين علي س أنه صلى صلاة الكسوف بأكثر من ركوعين في الركعة([6])، وهذا أحد القولين في المسألة: هل هذا مما له حكم الرفع أم لا([7]).
- مثال المرفوع التقريري حكماً: كقول الصحابي: كنا نفعل ذلك على عهد النبي ج، فله حكم الرفع؛ لأن الظاهر اطلاعه ج على ذلك، ومثاله: قول جابر في الصحيحين: (كنا نعزل والقرآن ينزل)([8]) قال سفيان - وهذا الشاهد -: لو كان شيئاً يُنهى عنه؛ لنهانا عنه القرآن.
السبب: أن هذا يختلف عن هذا، فالأول واضح النسبة إلى النبي ج، والثاني قد تأتي مواقف تختلف فيها أنظار العلماء؛ هل هذا يدخله الاجتهاد أم لا؟ وبالتالي: هل له حكم الرفع أو ليس له حكم الرفع؟
وأضرب لذلك مثلاً بحديث علي السابق في صلاة الكسوف، وأنه صلاها بأكثر من ركوعين في الركعة([9])، هذا لو أخذناه بادئ الرأي لقلنا: إنه لا مجال للاجتهاد فيه؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يأتي بصفة من عنده، ولكن بعض العلماء خالف في هذا وقال: بلى، هذا مما يدخله الاجتهاد! إذْ يحتمل أن عليّاً س لما رأى أن النبي ج صح عنه أنه خالف في صلاة الكسوف أصلَ الصلاة المعتادة، فجعل ركوعين في ركوع واحد؛ رأى أن الركوع الثاني لما زِيد فإنه يجوز أن يُزاد ثالثٌ ورابعٌ؛ بناءً على أن الزيادة موجودة.
إذن: هذا محل تأمل، قد يجتهد فيه العلماء، وهذا هو الذي يجعلنا نحرص على التفريق بدقة بين ما يقول فيه الصحابي: (قال) أو (سمعت) أو (رأيت) أو (فعل) النبي ج كذا، وبين ما يُروى عنه هو؛ لأن بعض الأفعال قد تختلف فيها وجهات النظر؛ هل لها حكم الرفع أم لا!
وبعض العلماء يوسِّع دائرة الإقرار ويقول: كل فعلٍ فُعِل في عهد النبي ج ولم ينكره، ولم يأت به وحي؛ فهو مما أقرّه اللهُ وأقره النبي ج، وهذه مسألة معروفة عند الأصوليين: إقرار الله في زمن النبوة هل هو معتبر أم لا؟([10])، ويمثِّلون لها بحديث كعب بن مالك س حينما جاءه البشير يبشره بالتوبة قال: (فنزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ! واستعرتُ ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله ج)([11]) فاستدلوا بهذا على استحباب إعطاء البشير بالخبر السار شيئاً يسره، ووجه الاستدلال: أنه فُعِل في عهد النبي ج، فأقرّه.
2 ـ معرفة الموقوف:
ثم قال الحافظ: (أو إلى الصحابي كذلك) أي: أن الإسناد قد يقف عند الصحابي فقط، ويقال في أنواع الحديث الذي يقف عند الصحابي ما قيل في المرفوع.
مثال الموقوف القولي: قول عثمان بن عفان س: "من عمل عملاً، كساه الله رداءه إن خيراً فخير وإن شراً فشر"([12]).
مثال الموقوف الفعلي: كقَول عَبدِ اللهِ بن شَدَّادٍ: سمعتُ نَشيجَ عمرَ وأنا في آخر الصفوف يقرأُ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾)([13]).
فهذه حكاية فعل صحابي ـ وهو البكاء ـ فيسمى هذا (موقوفاً فعلياً).
مثال الموقوف التقريري: أن عمر س لما طعن، أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأتم بهم الصلاة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره أحد، بل أقرّوا عمر على فعله.
* تعريف الصحابي:
ثم عرف المصنف : الصحابي فقال: (هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام).
فقوله: (من لقي) ولم يقل: من رأى؛ لتكون العبارة أدق؛ فيدخل في ذلك الأعمى والمبصِر.
وتبيّن من هذا التعريف أن الصحبة لا تثبت إلا بشرطين:
الأول: أن يكون حين لقِيَه مؤمناً به عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن يموت على الإسلام، وعلى هذا:
- فلو لقي النبيَّ ج حال الكفر، ثم آمن بالرسول بعد وفاته ج فهذا لا يسمى صحابياً؛ لأنه لم يؤمن به حين لُقِيِّه.
- لو آمن بالنبي ج وهو حي، لكنه مات مرتداً - نسأل الله العافية - فهذا ليس بصحابي؛ لأن الكفر يحبط كلَّ الأعمال.
ثم قال :: (ولو تخلَّلَت ردةٌ في الأصح) يشير كلامُ المؤلف - الحافظ رحمه الله - في قوله: (في الأصح) إلى خلافٍ بين العلماء، هل لو وُجدت ردةٌ - كما وقعت من بعضهم في أول عهد أبي بكر س - فالذين رجعوا وحَسُن إسلامهم بعدُ؛ هل يُعتبرون صحابة؟ الصحيح أنهم يعتبرون كذلك([14]).
3 ـ تعريف التابعي (المقطوع):
ـ تعريف التابعي: من لقي الصحابي مؤمناً، ومات على الإسلام.
وهنا ينبغي أن نتنبه أن في تعريف التابعي لابد أن نحذف: (به) من جملة (مؤمنا به) التي وردت في تعريف الصحابي؛ لأن التابعي وغيره إنما يؤمن بالنبي ج ، فنحذف حرف (به)، وتبقى كلمة: (مؤمناً).
ـ مثاله: فمن لقي الصحابي - ولو لم يسمع منه – فهو داخل في حدّ التابعين؛ ومن أمثلته:
الأعمش ـ واسمه سليمان بن مهران ـ وإسماعيل بن أبي خالد، ويحيى بن أبي كثير، كل هؤلاء الثلاثة رأوا أنساً س رؤيةً، ولم يسمعوا منه.
ويسمى ما يقف عند التابعي أو من دونه: (المقطوع)، وهو:
ـ تعريفه: هو القول الذي ينتهي إلى التابعي أو من دونه.
ـ مثال المقطوع القولي: قول الحسن البصري: «يا حُسْنَ عينٍ بكت في جوف الليل من خشية الله ﻷ»([15]).
مثال المقطوع الفعلي: قول موسى بن المغيرة: رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله ﻷ([16]).
ـ حكمه: فيه الصحيح والضعيف والحسن.
ـ مظانه: مصنف ابن أبي شيبة، وعبدالرزاق.
ثم قال الحافظ: (ومن دون التابعي فيه مثله) أي: أن مَن دون التابعي يُسمى حديثُه مَقْطُوعاً، كما لو جاءنا خبرٌ عن سفيان الثوري - من أتباع التابعين - فإنه يسمى (مقطوعا)، أو عن الإمام أحمد - وهو من تبع الأتباع -، فهذا يسمى مقطوعاً.
ثم بيّن الحافظ أن هناك مصطلحاً يطلق بكثرة على ما يروى عن الصحابة والتابعين ومن دونهم، فقال: (ويقال للأخيرين: الأثر).
وهذا الاصطلاح الذي ذكره الحافظ : متأخر مشهور، وإلا فالمعروف عند المتقدمين إطلاق الآثار على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، وهذا كثير في كلام الأئمة، وإذا تأملت في بعض مصنفات الإمام الطحاوي وجدتها كذلك، فله كتابان: الأول سمّاه: (مشكل الآثار) والثاني: (معاني الآثار) والأصل أنها مؤلفة في الأحاديث المرفوعة، وكذا كتاب ابن جرير الطبري :: "تهذيب الآثار".
وخلاصة ما سبق:
1 ـ أن (المرفوع) هو ما يضاف إلى النبي ج من قول أو فعل أو تقرير، إما تصريحاً أو حكماً.
2 ـ أن (الموقوف) هو ما يضاف إلى الصحابي من قول أو فعل، أو تقرير، إما تصريحاً.
3 ـ أن (المقطوع) هو ما يضاف للتابعي، أو مَنْ دونه.
وللحديث صلةٌ إن شاء الله.
([1]) مسلم ح(55).
([2]) البخاري ح(4385)عن أبي موسى، ولفظه في (5517).
([3]) البخاري ح(4837)، مسلم ح(2819) وعنده: (انتفخت)، و (ورمت).
([4]) الزهد لابن المبارك، رقم (303) .
([5]) فتح الباري: (11/ 423).
([6]) الترمذي ح(560).
([7]) سيأتي قريباً سبب الاختلاف في توجيه هذا الأثر.
([8]) البخاري ح(4911)، مسلم ح(1440)وكلام سفيان في رواية مسلم.
([9]) الترمذي ح(560).
([10]) ينظر مثلاً: المسودة في أصول الفقه (ص: 573)، إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص: 35).
([11]) البخاري ح(4156)، مسلم ح(2769).
([12]) رواه ابن أبي شيبة (7/211)، رقم (35420).
([13]) رواه عبدالرزاق في المصنف رقم (2716) وابن أبي شيبة رقم (35527)، وعلّقه البخاري : 2 / 172 في الأذان، باب إذا بكى الإمام في الصلاة، وإسناده صحيح.
([14]) ومن الصحابة الذين أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا، وأخرج لهم الأئمة: الأشعث بن قيس س، وحديثه في الصحيحين (البخاري ح(2380)، مسلم ح(197)).
([15]) الزهد للإمام أحمد (228).
([16]) الزهد للإمام أحمد (249).