الدرس الثاني من شرح نخبة الفكر ـ السبت 22/5/1433هـ

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16

الشرح


المقدمة

قال الحافظ ابن حجر ::
(الحمد لله الذي لم يزل عليماً قديراً، وصلى الله على سيدنا محمدٍ الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبُسطت واختُصرت؛ فسألني بعضُ الإخوان: أن ألخص له المهم من ذلك فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك، فأقول).
تضمنت هذه المقدمة أربعة أمور:
1 ـ البدء بالحمد والثناء على الله تعالى؛ اقتداء بالقرآن الكريم، ثم صلى على النبي ج.
2 ـ أفادنا أن المصنفات في هذا الفن (قد كثرت وبُسطت واختُصرت)، فقوله: (كثرت) أي: تعددت، حتى بلغت الكتب المؤلفة على مقدمة ابن الصلاح نحو من مائة كتاب، وقوله: (بسطت) أي: حصل التوسع في المصنفات في هذا الفن، ومنها – فيما صُنف بعد ابن حجر -: "فتح المغيث" شرح ألفية العراقي للسخاوي، و"البحر الذي زخر" للسيوطي، وغيرها، وقوله: (واختصرتْ) ومن المختصرات المشهورة: "التقريب" للنووي، و"اختصار علوم الحديث" لابن كثير.
3 ـ أن سبب التأليف هو سؤال بعض إخوانه أن يؤلف لهم مختصراً في هذا الفن([1]).
والعالِم إذا سئل وجب عليه البيان، وزكاة علمه حسب قدرته وطاقته.
واعلم ـ علّمك الله ـ أن الداعي للتأليف أغراض وأهداف، منها: شرح مختصر، أو اختصار مطوّل، أو نظم منثور، أو نثر منظومٍ، أو كشف غامض، أو إجابة إلى سؤال كما صنع الحافظ هنا.
4 ـ أن الحافظ ذكر المهم لطالب هذا العلم، ولم يقصد الاستيعاب في تفاصيل هذا العلم؛ لأن الاستيعاب عسر، وهو من شأن المطولات لا المختصرات، لكنه لم يترك شيئاً من الأنواع التي بلغها علمه إلا ذكرها، ولهذا نصّ : على أن هذا المختصر شامل لجميع أنواع علوم الحديث في كلامه على تعريف الصحابي([2]) ـ كما سيأتي ـ.
ومع هذا فإن هذا المتن المختصر حوى جُلَّ أنواع علوم الحديث التي يتداولها أهل العلم، وما لم يذكره المؤلف من أنواع غالبُه مِن مُلَح العلم في هذا الفن وليس من أصوله.
تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا
ثم قال الحافظ :: (الخبر إما أن يكون له: طرق بلا عدد معين، أو مع حَصرٍ بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحد.
فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه.
والثاني: المشهور، وهو المستفيض على رأي.
والثالث: العزيز وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه.
والرابع: الغريب).
أفادنا المصنف : بهذه الجملة أموراً، وهي:
1 ـ أن الخبر([3]) الذي يروى لا يخلو من حالين:
أ ـ إما أن يكون له طرقٌ لا حصر لها، وهذا هو المتواتر.
ب ـ أو بطرق محصورة، وهذا هو الآحاد([4])، ثم خبر الآحاد - وهو المحصور بطرق معينة - لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن تكون الطرق التي روي بها الخبر أكثر من اثنين، أو باثنين فقط، أو روي من طريق واحد فقط.
2 ـ أن الحديث الذي يروى بطرق لا حصر لها يسمى المتواتر.
والمتواتر: مِن التواتر، وهو التتابع، كما يقال: تواتر المطر أي تتابع.
وأفادنا :: أنه يفيد العلم اليقيني، أي: الذي لا يرد عليه الشك أو احتمال، وذلك بشروط مذكورة في الشرح، ولا حاجة لذكرها هنا؛ لأن هذا البحث ليس من مباحث علم المصطلح، بل من مباحث علم أصول الفقه، ولكن الحافظ ذكره هنا من تمام تكميل القسمة بين المتواتر والآحاد.
وإنما لم يدخل المتواتر في علم مصطلح الحديث؛ لأن غاية المحدث أن يبحث في ثبوت الأسانيد، والمتواتر مقطوع بصحته، فلا يشترط في قبوله عدالة رواته، بل ولا إسلامهم، فلذلك لا يُبحث هنا، وإنما ذكر تكميلاً.
والمتواتر نوعان:
· متواتر لفظي: أي أن يتتابع الرواة على رواية لفظ بعينه، كحديث: «من كذب عليّ متعمداً».
· متواتر معنوي: وهو تتابع الرواة على رواية معنى بعينه، وإن لم يتحد اللفظ، كالأحاديث التي تأمر بالسواك، وأحاديث الشفاعة، وأحاديث المسح على الخفين.
3 ـ مما أفاده المؤلف في هذه الجملة: أن أحاديث الآحاد لها تسميات اصطلح عليها أهل الفن بحسب عدد الطرق التي روي بها الخبر، وهي على النحو النالي:
أولاً: المشهور:
· تعريفه لغة: مادة (شهر) في اللغة تدور على الوضوح، والظهور، يقال: فلانٌ شُهر بكذا، فهو مشهور.
اصطلاحاً: هو ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة من طبقات الإسناد، بشرط أن لا يصل عدد الطرق إلى المتواتر، وقد يسمى هذا المستفيض، على رأي بعض أهل العلم.
· أقسامه: ينقسم إلى قسمين:
الأول: مشهور اصطلاحي، وهو الذي ينطبق عليه تعريف المحدثين السابق،مثاله: حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء .. الحديث".
الثاني: المشهور غير الاصطلاحي: وهو ما اشتهر على الألسنة، بغض النظر عن انطباق الشروط السابقة عليه أم لا؟ مثاله: "إنما الأعمال بالنيات"، فهذا حديث مشهور وصحيح ، وكحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهذا حديث مشهور على الألسنة لكنه ضعيف.
وبهذا يتبين أن الشهرة لا يلزم منها الصحة؛ فقد يشتهر الحديث وهو موضوع! وما أكثر هذه الموضوعات المنتشرة بين الناس!([5]).
المؤلفات فيه: من أشهرها: كتاب "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للسخاوي.
ثانياً: العزيز:
والعزيز لغةً: مأخوذ من العزة، وهي النُّدرة والقلّة، يقال: هذا الكتاب عزيزٌ نادر، وليست من العزة التي هي بعيدة المنال، والقوة والغلبة.
تعريفه اصطلاحا: ما روي من طريقين في أحد طبقات الإسناد، ولا يضره أن يوجد في بعض الطبقات ثلاث، والمهم أن لا ينقص عن اثنين في جميع الطبقات([6]مثاله: حديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
المؤلفات فيه: لا يوجد فيه مؤلفات، لندرة أمثلته التي تنطبق على التعريف الاصطلاحي.
تنبيهان:
1 ـ بيّن المصنف أنه ليس شرطا للحديث الصحيح خلافاً لمن ادعى ذلك من العلماء([7]).
2 ـ يَرِدُ "العزيز" في كلام الأئمة ويريدون به النادر، وهذا هو الاستعمال الأكثر في كلامهم، فيقال: فلان عزيز الحديث، أي: قليل أو نادر الحديث.
ثالثاً: الغريب:
تعريفه لغة: هو بمعنى المنفرد، أو البعيد، أو النائي عن أهله، ولذا يقال: رجل غريب، أي: بعيد عن وطنه.
اصطلاحاً: ما انفرد بروايته راوٍ واحد، في أي طبقة من طبقات السند([8]).
وبيان هذا: أنه إذا روي حديث بإسناد، ووقع التفرد ولو في طبقة واحدة من طبقات السند، فهذا يسمى غريباً، ولا يؤثر على هذا أن يوجد أكثر من راوي في بعض الطبقات؛ لأن العبرة في هذا العلم بالأقل.
أقسامه:
ينقسم الغريب إلى قسمين:
القسم الأول: الغريب المطلق، أو الفرد المطلق: والمراد به: ما كانت الغرابة فيه في أصل السند.
مثاله في حديث النية المشهور: فقد تفرّد به يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو يرويه عن محمد التيمي، عن علقمة الليثي، عن عمر س.
فالغرابة هنا وقعت في أصل السند، وهو يحيى الأنصاري هنا، مع أنه رواه عنه مئات من الناس، ولكن هذا لم يُزِلْ وصف الغرابة عنه؛ لأن الغرابة وقعت في أصل السند.
يقول العلماء: إن هذا الحديث قد رُوي عن يحيى من مائتي طريق! وقيل: أكثر من ذلك، ومع ذلك لم يخرج عن كونه غريباً؛ لأن الحديث روي في بعض طبقاته([9]) - بل في أكثر من طبقة - عن راوٍ واحد.
ووصْفُه بالغرابة ليس دليلاً على ضعفه، ولكنَّ كثيراً من الغرائب -كما نص على ذلك الأئمة -: لا تخلو من ضعف وعلة، وهي تتفاوت ما بين الضعيف والضعيف جداً إلى الموضوع.
وهذا يُسمَّى الفرد المطلق, أي: أن فَرديَّته جاءت في أصل السند، فلا يوجد حديث مثله بلفظه، ولا طرق تعضده إلى الراوي الذي يدور عليه الإسناد، ولذلك قلنا: فرد مطلق.
القسم الثاني: الفرد النسبي، والنسبي مقابل للفرد المطلق؛ وسمي نسبياً؛ لأن التفرد وقع بالنسبة لراوٍ من الرواة، وليس في أصل الحديث، ولكن هذا ـ في اصطلاح المحدثين ـ يَقِلَُ أن يطلقوا عليه مصطلح الفرد، بعكس القسم الأول، فكثيرا ما يطلقون عليه الفردية، وهذا القسم يعبرون عنه ـ غالباً ـ: غريب من حديث فلان ـ سواء كان صحابياً أم دونه ـ.
مثاله: روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث جابر وابن عمر وأبي هريرة ش أن النبي ج قال: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»، فهذا الحديث مشهور ومعروف عند العلماء من حديث هؤلاء الصحابة ش ، لكن رواه بعض الناس فجعله من حديث أبي موسى الأشعري س، فقالوا: إنه غريب من حديث أبي موسى، مع كونه معروفاً من حديث غيره([10]).
المؤلفات فيه: كثيرة، منها: غرائب مالك، للدارقطني، وغرائب شعبة لابن منده، ومنها كتبٌ لا تسمى باسم الغريب هكذا، ولكن يوجد فيها أحاديث غريبة كثيرة، مثل: مسند البزار، والمعجم الأوسط للطبراني.

([1]) ولم يكن تأليفه مجرد شهوة للتأليف، وأنا أؤكد على هذا المعنى وأعيده وأكرره، الشهرة مرض! والبحث عنها داء وعلة! فربما عمَد بعضُ الناس إلى التأليف والتصنيف لقصد الشهرة، وهذا ليس من مقاصد الصالحين أبداً، لكن المؤلف ذكر السبب.

([2]) ينظر: نزهة النظر: (148).

([3]) وعبر بالخبر ليكون أشمل، فالخبر في اصطلاح الأئمة يطلق على: المرفوع، والموقوف والمقطوع.
وما ذكره المصنف أحد الإطلاقات، فيقال: الخبر أو الحديث، وكلمة الخبر هنا مرادفة تماماً لكلمة الحديث عند أهل العلم في غالب الاستعمال؛ لأن مِن العلماء من جعل لفظةَ الحديث خاصة بما يُروى عن النبي ج، ولفظة الخبر بما يُروى عن غيره، ويُطلقون عليه الأثر أيضاً، ومِن العلماء مَن يستخدم هذه ويريد بها الحديث، والخَطْبُ في هذا يسير.
ومن أكثر العلماء الذين رأيتُهم يستعملون لفظة (الخبر) ويريدون بها الحديث: الإمامُ ابن خزيمة، وتلميذه الإمام ابن حبان؛ فتجد مثلاً في (صحيح ابن خزيمة) وفي (صحيح ابن حبان) يقول: ذِكر الخبر الدال على كذا وكذا, ويقصد بذلك الحديث النبوي.

([4]) والآحاد هو ما ليس بمتواتر، وليس معنى الآحاد الذي يروى بإسناد واحد، ولهذا ينبغي التنبه لهذا الأمر.

([5]) والشهرة تتفاوت, فقد يشتهر حديث عند المحدثين ولا يشتهر عند غيرهم؛ نظراً لاطلاعهم، وقد يشتهر حديث عند الفقهاء, وقد يشتهر حديث عند النحاة مثل: (نِعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه) هذا حديث مشهور عند النحاة، وهناك حديث مشهور عند الأصوليين، وهناك حديث مشهور عند المفسرين، فالشهرة –إذن- نسبية.

([6]) وأول من أَطلق هذا المصطلح على ما يُروى بطريقين ـ فيما أعلم ـ هو الإمام أبو عبد الله ابن منده : (ت: 395هـ).

([7]) من أوضح ما يُردُّ به على من قال ذلك: أول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث فيه، فإنهما جميعاً من قسم الغريب، ومع هذا فهما مما اتفقت الأمة على صحتهما.

([8])والعلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي جلية ،فالغريب في الاصطلاح سمي غريباً ؛ لتفرده بالرواية عن ذلك الشيخ.

([9]) المراد بالطبقة هنا هي الحلْقة الواحدة من حلقات الإسناد وإن كانوا من عصر واحد، ففي الإسناد السابق: الأنصاري طبقة، والتيمي طبقة، والليثي طبقة، مع أنهم جميعاً من التابعين.
وإلا فالأصل في الطبقة - في علم الرجال عموماً – هي: "عبارة عن جماعة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ"، وسيأتي تفصيل ذلك ـ إن شاء الله ـ عند كلام المصنف : على الطبقات في أول (الخاتمة) التي ختم بها هذا المتن.

([10])والأئمة هنا لا يُوهِّمون الصحابي، بل يوهمون الراوي الذي تحته، سواء كان التابعي أو من دونه، حسب ضبطه وضعفه.
 
جزاكم الله خيراً على هذه الفائدة

نسأل الله ان يفقهنا في دينه

اللهم آمين​
 
أحسنت وأفدت وأجدت ، بارك الله لي ولك والمسلمين في القرآن .
 
المحمدية .. فضيلة د.ماهر .. شكر الله لكم مروركم.
 
عودة
أعلى