1: الغاية من خلقنا هي عبادة الله وحده لا شريك له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى :
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وذلك هو أصل ما أمرهم به على ألسنِ الرسل كما قال نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وإبراهيم وشعيبٌ:
{ اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره }
قال :
{ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } إلى قوله :
{ إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون }
وقال لموسى:
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني }
وقال المسيح :
{ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم }
والإسلام : هو الاستسلام لله وحده وهو أصل عبادته وحده وذلك يجمع معرفته ومحبته والخضوع له). ا.هـ
وقال تعالى:
{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}
وقال تعالى:
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}
وهذا الأصل الجليل عليه مبنى الدين، واستصحاب هذا الأصل مهم في فقه مسائل أعمال القلوب، فغاية السالك أن يحسنَ القيامَ بما خُلق لأجله.
وعمادُ ذلك أن يكون القلبُ سليماً لله تعالى متبعاً هداه مخلصاً له الدين، وعمل القلب دائم لا يتوقف، فهو ما بين استصحاب العمل واستصحاب حكمه، وكل ذلك عبادة.
وما شرع الله لعباده من شرائع الدين والأنساك التي يتنسكون بها، وما أنزل عليهم من الهدى والبينات في شؤونهم كلها كلّ ذلك داخل في عبادته جلَّ وعلا؛ فلا يخلو شأن من شؤون العبد من هدىً لله تعالى يُحِبُّ أن يتبع فيه.
وبذلك تعلم أن من اتبع هدى الله في أي أمر من الأمور فقد عبَدَ الله عز وجلَّ بما يحبّ في ذلك الأمر.
ولا يزال العبد كذلك حتى تكون حياتُه كلها لله جل وعلا فيكون على أقوم طريقة وأحسن سبيل، كما قال تعالى:
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}
فتكون شعائره التي يتعبَّد بها خالصة لله جل وعلا، ويكون في شؤون حياته كلها وما يعترضه من الأحداث والفتن والابتلاءات وما يهمّ به متبعاً هدى الله عز وجل.
وبذلك تكون عباداته لله ومعاملاته لله، وقلبه في كل ذلك قائم بما يحبه الله من إرادة وجهه واتباع هداه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومما أثر من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول:
(اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لك خالصا ولا تجعل لغيرك منه شيئا). رواه أحمد في الزهد وأبو الشيخ الأصبهاني.
ومن تأمل ذلك تبيَّن له أن العبادة شاملة لجميع شؤون الحياة، وأن أعمال العبد وأقواله ومواقفه مما يعترضه من الفتن والابتلاءات والأحداث وما يؤمر به وما ينهى عنه، له مقصد واحد عظيم: هو عبادة الله وحده لا شريك له.
وأوَّل وصية وصَّى الله بها المكلَّفين عند بدء هذه الحياة الدنيا -لما أَهبط أبوينا إلى الأرض -هي الوصية باتباع هداه جلَّ وعلا، وقد وعد الله من اتبع هداه بوعد كريم وضمان عظيم لا يتخلف أبداً، وهذا الوعد باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
- قال الله تعالى
:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) }
- وقال تعالى:
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)}
وقد أكرم الله أمَّتنا بأن خصَّنا بأعظم الهدى وأحسنه ؛ فأرسل إلينا خير الرسل وأكرمهم على الله، وأحسنهم هدياً وبياناً، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنزل معه خير الكتب وأحسنها حديثاً وأعظمها هدى وهو القرآن العظيم.
فلا جرم كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس؛ لأنَّ ما آتاها الله من الهدى والبينات هو خير ما آتى أمَّةً من الأمم.
2: بيان معنى العبادة
قال ابن جرير رحمه الله: (العبودية عندَ جميع العرب أصلُها الذلّة... تسمي الطريقَ المذلَّلَ الذي قد وَطِئته الأقدام، وذلّلته السابلة "معبَّدًا"، ومن ذلك قول طَرَفَة بن العَبْد:
تُبَارِي عِتَاقًا نَاجياتٍ وأَتْبَعت = وَظِيفًا وظيفًـا فـوق مَـوْرٍ مُعَبَّـدِ
يعني بالموْر: الطريق، وبالمعبَّد: المذلَّل الموطوء.
ومن ذلك قيل للبعير المذلّل بالركوب في الحوائج: معبَّد.
ومنه سمي العبْدُ عبدًا لذلّته لمولاه.
والشواهد على ذلك -من أشعار العرب وكلامها- أكثرُ من أن تُحصى، وفيما ذكرناه كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله تعالى)ا.هـ.
وقال أبو منصور الأزهري: (ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع. ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلا بكثرة الوطء).
ويشهد لما ذكره أبو منصور ما أنشده الخليل في العين لمن لم يسمّه:
تَعبَّدَني نِمْرُ بن سعدٍ وقد أُرى = ونمر بن سعدٍ لي مطيع ومُهْطعُ
مهطع أي: مسرع في طاعتي في ذل وخشوع، كما قاله ثعلب وغيره.
والمعنى أنه تعبَّده أي جعله كالعبد الذليل المطيع ، بعدما كان له نمر مطيعاً مهطعاً.
فهذا تعريف العبادة باعتبار أصل معناها الملازم لها، واعتبار هذا المعنى مهم.
والعبادة على نوعين:
1: عبادة كونية.
2: وعبادة شرعية.
فأما العبادة الكونية فهي عامة لجميع الخلق، كما قال الله تعالى:
﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾، وقال:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾
فهو سبحانه مالك الخلق جميعاً لا يخرج شيء عن ملكه وتدبيره، ولا يمتنع عنه أحد، فلا رب لهم غيره، ولا مالك لهم سواه ولا خالق لهم إلا هو، سواء منهم من أقرَّ بذلك ومن أنكر، كلهم عبيده وتحت تصرفه كما قال تعالى :
{وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} .
وأما العبادة الشرعية: فلها تعريفات ذكرها بعض أهل العلم، وقد سلكوا مسالك في تعريفها: ومن أحسنها تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة (العبودية)
قال رحمه الله تعالى: (العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة).
فهذا تعريف العبادة باعتبار ما يشمله اسمها، وهو ما شُرِعَ للعبد أن يتعبد به في شريعة الإسلام.
قوله: (من الأعمال والأقوال) هذا قيد يخرج الأشخاصَ والأمكنة والأزمنة التي يحبها الله فلا توصف بأنها عبادة، لأن العبادة تتعلق بما يُتعبَّدُ به مما يصدر عن العبد من قول وعمل.
وهذه الأعمال والأقوال إنما يعرف كونها عبادة بأمور:
الأمر الأول: أن يرد في النص تسميتها عبادة، وما سمّي عبادة فهو مما يحب ربُّنا أن يُعبَد به.
الأمر الثاني: أن يدل الدليل على محبة الله تعالى لقول وعمل إما بترتيب الثواب عليه، أو العقاب على تركه، أو بمدح فاعله وذم تاركه أو غير ذلك؛ فما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة.
الأمر الثالث: أن يدل الدليل على أن الله أمر به؛ فَأَمْرُ الله به دليل على محبته أن يُعبَد به؛ فيكون بذلك عبادة.
فتعريف شيخ الإسلام للعبادة حسن بديع، وهو وصف جامع مانع للعبادات الشرعية.
وأما العبادات الشركية والبدعية فلا يشملها هذا التعريف لأن الله تعالى لا يحبها ولا يرضاها ولا يقبلها، وإن كانت داخلة في اسم العبادة لغة.
فكلُّ ما يُتقرَّب به إلى المعبود فهو عبادة.
قال الله تعالى:
{قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} فسمَّى ما يفعلونه عبادة.
وقال تعالى:
{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) رواه مسلم.
فالعبادات الشركية والبدعية وإن كان يشملها اسم العبادة لغة وحقيقة من جهة كونها صادرة عن تذلل وخضوع للمعبود، لكنها عبادات باطلة عند الله جل وعلا؛ فمن عبد اللهَ عبادةً غير خالصة له جل وعلا فهي مردودة عليه، وكذلك من عبد الله بعبادة لم يأذن الله بها فهي مردودة عليه.
فتعريف شيخ الإسلام للعبادة تعريف بالحد الرسمي.
وتعريف ابن جرير وأبي منصور تعريف لها بالحد الحقيقي.
وقول ابن جرير: (العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة) هذا بيان لما تكون به العبادة فهي لا تكون إلا بتذلل وخضوع؛
ثم يصحب ذلك في العبادات الشرعية التي أمر الله بها ثلاثة أمور:
الأمر الأول: المحبة
الأمر الثاني: الانقياد.
الأمر الثالث: التعظيم.
فالعبادة لا تسمى عبادة حتى تجتمع فيها هذه الأمور الثلاثة:
فأما الأمر الأول وهو: المحبة العظيمة، فبيانه أن العبادة هي أعظم درجات المحبة، ولذلك لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك كما قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾.
ومن الناس تصل به شدة محبته لمن يعشقه إلى عبادته لما اجتمع في قلبه شدة المحبة مع الذل للمحبوب وتعظيمه والانقياد له.
قال إبراهيم الصولي:
وهان عليَّ اللوم في جنب حبها = وقـول الأعــادي إنه لـخليــع
أصمُّ إذا نـوديـت باسمي وإنـني = إذا قيل لي يا عـبدهـا لسميع
نعوذ بالله من الخذلان.
وفي معناه ما ذكره القشيري وابن العربي وغيرهما عن من لم يسموه:
يا قومُ قلبي عند زهرائي = يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بـ(يا عبدها) = فإنه أشـرف أسمائي
فالعابد مُحِبٌّ لمعبوده أشد المحبة؛ يقدِّم محبته على محبة النفس والأهل والولد والمال، لا يهنأ إلا بذكر محبوبه، ولا يأنس إلا بفعل ما يحبه، فذكره في قلبه ولسانه، لا يكاد يكلّ ولا يملّ من ذكره، بل يأنس بذكره في كل أحيانه، ويجتهد في كسب رضاه ومحبته، حتى لو بلغ به الأمر أن يضحي بنفسه في سبيله.
وهذه المرتبة من المحبة لا يستحقها أحد غير الله عز وجل.
وسيأتي الحديث عن محبة الله تعالى وأنها أصل أعمال القلوب في الدروس القادمة بإذن الله.
الأمر الثاني: التعظيم والإجلال، فالعبادة تقتضي تعظيم المعبود أشدَّ التعظيم، وإجلاله غايةَ الإجلالِ، فالتعظيم من لوازم معنى العبادة، قال حاتم الطائي:
وعاذلة هبَّت بليل تلومني = وقد غاب عيُّوق الثريا فعرَّدا
تقول ألا تُبقي عليك فإنني = أرى المال عند الممسِكين مُعَبَّدا
قال أبو منصور الأزهري : (أي مُعَظَّماً مخدوماً).
ومن آثار هذا التعظيم أن يعادي من يتكلم في معبوده بسوء، ولذلك ثارت ثائرة المشركين لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفر بالطاغوت وعبادة الله وحده لا شريك له، فعادوه أشد المعاداة مع ما يعرفون من قرابته وحسن خلقه وصدقه وأمانته.
وكذلك تجد المؤمن معظِّماً لربّه جل وعلا، ومعظماً لشعائره وحرماته كما قال تعالى:
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
وقال:
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ فتعظيم الشعائر والحرمات من آثار تعظيم المؤمن لربه جل وعلا، وإجلاله له.
وقد أمر الله بتعظيمه فقال:
﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ أي عظمه تعظيماً شديداً،وقال:
﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ أي: تعظموه شكراً له على هدايته لكم.
ومن تأمل أسماء الله الحسنى وتأمل آثارها في الخلق والأمر تبين له من معاني عظمة الله جل جلاله ما يورثه خشية الله تعالى وتعظيم أوامره ونواهيه.
الأمر الثالث: الانقياد والخضوع ، فالعابد منقاد لمعبوده خاضع له، وهذا الخضوع والانقياد المصحوب بالتذلل والمحبة والتعظيم لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
وخضوع العبد لله تعالى وانقياده لطاعته هو عين سعادته، وسبيل عزته ورفعته، ومن ذلَّ لله رفعه الله وأعزَّه، ومن استكبر واستنكف أذله الله وأخزاه، وسلط عليه من يسومه سوء العذاب، ويذلّه ويهينه.
ولذلك فإن أعظم الخلق خضوعاً لله تعالى وانقياداً لأوامره الأنبياء والملائكة والعلماء والصالحون، وهم أعظم الخلق عزة ورفعة وسعادة.
وأعظم الخلق استكباراً واستنكافاً مردة الشياطين، والطغاة والظلمة، وهم أعظم الخلق ذلاً ومهانة، وإن ظهر لهم علوٌّ في الأرض وتمكين إلى حين فإن الذلة لا تفارقهم لمن أبصر حقائق الأمور.
ومن تأمل أحوال الشياطين وأعمالهم الشريرة المهينة وأماكنهم النجسة القذرة،وأحوال أتباعهم من المجرمين والطغاة والعصاة، وعرف أخبارهم ونهاياتهم تبيَّن له الفرق الكبير بين من أكرمه الله وأعزه، ومن أذله الله وأخزاه.
قال الله تعالى:
﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾
وهذه الأمور الثلاثة (المحبة والتعظيم والانقياد) مبنية على التذلل لله جل وعلا، وبها يتحقق معنى العبودية لله جل وعلا، وهي مصاحبة لسائر أعمال القلوب.
ومما ينبغي التذكير به أن العبادة تكون بالقلب واللسان والجوارح:
فعبادة القلب جامعة لأمرين:
1: الاعتقاد وهو التصديق واليقين.
2: وعمل القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل وغير ذلك من أعمال القلوب.
وعبادة اللسان هي بقول ما يحبه الله من الذكر والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأقوال التي يحبها الله.
وعبادة الجوارح هي ما تقوم به جوارح الإنسان من أعمال التعبد كالصلاة والزكاة والصيام والحج والذبح والنذر وغيرها.
ولصحة العبودية شرطان:
أحدهما: الإخلاص لله جل وعلا.
والآخر: أن تكون على ما شرع الله عز وجل بما بينه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وبتحقيق هذين الشرطين: إخلاص العبادة لله عز وجل، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، يكون العبد من المسلمين الموعودين بدخول الجنة، ومن نقض شرطاً منهما فليس من أهل الإسلام والعياذ بالله.
فالشرط الأول هو معنى
شهادة أن لا إله إلا الله.
والشرط الثاني هو معنى
شهادة أن محمداً رسول الله.
ولا يصح إسلام عبد حتى يشهد هاتين الشهادتين بقلبه ولسانه وجوارحه.