الدراسة المصطلحية وموقعها من مناهج التجديد في تفسير القرآن الكريم

المستصفى

New member
إنضم
16/07/2006
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الدراسة المصطلحية وموقعها من مناهج التجديد في تفسير القرآن الكريم
إعداد
محمد البوزي

تقديم:
لم يحظ كتاب سماوي أو أرضي بما حظي به القرآن الكريم من عناية واهتمام سواء من لدن المؤمنين به وحيا من عند الله أو من لدن المتشككين في ذلك، مما جعل الدراسات القرآنية والأبحاث حول القرآن تحتل حيزا وافرا في مكتبات العالم، وكتاب الله العظيم (القرآن) في نظر المسلمين ـ قديما وحديثا ـ هو كتاب هداية وإرشاد لكل الناس مصداقا لقوله تعالى :إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا
وهو أيضا كتاب إحياء الأمة وإنقاذها وإظهارها على باقي الأمم مصداقا لقوله تعالى :
لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون [ii]
وحيث إن القرآن معجزة الإسلام الخالدة، فهو الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنكشف أصدافه عن كل جواهره ومكنوناته لمفسر واحد، ولا لجيل واحد ، بل الأمة دائما في حاجة إلى هدايته باستمرار، وكل جيل من أجيالها يكشف من مكنونات القرآن ما يوصله إليه علمه ، وما هو في حاجة إليه من الهداية والنور ، لذلك كانت صلاحية نصوصه للتدبر وللتفسيرفي كل زمان ،....
1ـ دواعي التجديد في مناهج التفسير:
رغم أن أئمة السلف الصالح قد بذلوا أقصى جهدهم في فهم القرآن وتفسيره واستنباط ما يحتويه من الأحكام والشرائع والعبر والعظات، إلا أن ما وقع للمسلمين في تاريخهم من اختلاف وافتراق، وتنازع وتصارع حتى فشلوا وكادت تذهب ريحهم أثر في فكرهم عامة وفي مسيرة تفسير القرآن خاصـة، إذ صارا لتفسير بدوره مجالا للدفاع عن المذاهب العقدية أو الفقهية، أو لاستعراض فنون من المعارف المختلفة والمتناقضة أحيانا، مما أبعد التفسيرعن تحقيق مقاصد القرآن وغاياته العقدية والتربوية الحقة، هذا فضلا عن غياب النظرة الشمولية للقرآن في مناهج المفسرين ، إذ اقتصر أغلبهم على فهم المعاني الجزئية للمفردات أو إثارة القضايا الفقهية أو الكلامية الجزئية أيضا ، وقد تعددت مناهج المفسرين وتنوعت بتعدد ثقافاتهم ومذاهبهم وتنوعها ، حتى إن لكل مفسر منهجا خاصا به يعكس توجهه العلمي وانتماءه العقدي أو المذهبي، والحال هذه أن التفسير كان من علوم الخواص و لم يكن من العلوم التي يستفيد منها عموم الناس في مجالس الوعظ والإرشاد.
هذه الحال تفاقمت خلال عصور الانحطاط إلى بداية القرن العشرين حيث ساد التقليد وغاب الاجتهاد، وظل العلماء ـ إلا من رحم ربك ـ يجترون الأفكار والآراء المتوارثة، ولم يستطيعوا تعميق الإيمان وحب القرآن في القلوب والنفوس مما جعل العقول والقلوب تتصف بالخواء والفراغ وأوجد لديها قابلية الغزو الفكري والثقافي بعد الانهزام العسكري والسياسي، بل وخلق عند البعض القابلية للاستلاب الثقافي والحضاري بكل ما ينطوي عليه من سلبيات وانحرافات، وهو ماجعل المفكرين والدعاة ـ منذ قرن أو يزيد ـ يتساءلون عن أسباب تخلف هذه الأمة وانحطاطها،وهل من علاقة بين تخلفهم ودينهم الإسلام ـ إيجابا أو سلبا ـ ؟

وبعد أن تبين لهم أن أهم أسباب تخلف الأمة الإسلامية واستعمارها هو هجر المسلمين لكتاب ربهم علما وعملا ، وتعلقهم بغيره من الأفكار والفلسفات ، أخذوا يدعون ويحثون على الرجوع لكتاب الله قراءة وتدبرا وعملا، لأنهم يومنون كما يومن علماء السلف الصالح بأنه لايصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، وهو التمسك بالكتاب والسنة ويقتضي ذلك أن تؤخذ العقيدة والشريعة من ينابيعهما الصافيين (القرآن والسنة ) قبل أن أن تلوثها الفلسفات والمذاهب الدخيلة على الإسلام ، وأساس هذا الأخذ الفهم السليم للقرآن وذلك بتحرير ألفاظه وتنقية تفاسيره مما علق بها من بدع وإسرائيليات واستطرادات نحوية أو كلامية وغيرها ..
والدعوة إلى التمسك بالألفاظ القرآنية والنبوية هي في الواقع امتداد لدعوة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الداعيين ـ مند زمان ـ إلى الرجوع إلى المصطلحات والمفاهيم القرآنية بدل المصطلحات الكلامية والفلسفية التي كدرت صفاء العقيدة الإسلامية ، وأثر هده الدعوة واضح على زعماء الإصلاح والسلفية الجديدة، الشيوخ : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا الذين كانت دعوتهم للنهوض بالأمة الإسلامية تقوم على تجديد أمر الدين وإصلاح أحوال المسلمين ، ولايتم ذلك إلا بتجديد أساليب تربية الأفراد ،وإحياء النفوس والقلوب بالقرآن،ولازالت هذه الدعوة المباركة مستمرة في منظور متجدد على أيدي بعض العلماء الدعاة الناصحين للدين وللأمة أمثال الدكتور الشاهد البوشيخي الذي يقول: " لقد صار تجديد بنيان الأمة فريضة لتعود، وصار تجديد كيان الأمة ضرورة لتنقذ، ولا سبيل إلى شيء من ذلك بغير تجديد فهم الأمة للقرآن... وما لم يتجدد فهم الأمة للقرآن فلن تتجدد الأمة، ولن يتجدد فهم القرآن حتى يتجدد فهم مصطلحات القرآن، مفاهيم ونسقا ". لذلك وجب تجديد الفهم، من أجل تجديد العمل، من أجل تحسين الحال "[iii]
ـ مدارس التجديد والمجددون في تفسير القرآن الكريم :
في إطار الدعوة إلى تجديد مناهج تفسير القرآن الكريم وإحلال قيمه وشريعته مكانتها اللائقة بها في حياة المسلمين ظهرت جهود مختلفة- نظرية وعملية - في مجال الاهتمام بدراسة الألفاظ والمفاهيم القرآنية وفق مناهج جديدة وأبرز هذه الجهود ما يلي:

أـ جهود مدرسة المنار في تجديد تفسير القرآن :
كانت هذه المدرسة أول مدرسة )وهي أم المدارس( التي نادت ـ في بداية القرن العشرين ـ بتجديد التفسير وتنقيته من شوائب البدع والإسرائيليات، ومن استطرادات نحوية وبلاغية و فلسفية / كلامية ، وغيرها مما يشوش على قارئ التفسير أكثر مما يقرب له حقيقة الوحي، وفي هذا السياق نجد أستاذ المدرسة الأول الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله ينبه لقضية منهجية هامة في تفسير القرآن هي التفريق بين كلام رب الناس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبين كلام الناس (التفسير) الذي هو رأي واجتهاد يؤخذ منه ويترك ، إذ يقول:
" القرآن وحده سبب الهداية والعمدة في الدعاية وما تراكم عليه وتجمع حوله من آراء الرجال واستنباطاتهم ونظرياتهم ينبغي ألا نعول عليه كوحي وإنما نستأنس به كرأي…ولا نحمله على أكفنا مع القرآن في الدعوة إليه وإرشاد الأمم إلى تعليمه…وتفسيره وإضاعة الوقت فيه" [iv]
وقد كانت دعوة الشيخ بمثابة جذور للشجرة المنهجية التي تفرعت أغصانها وأثمرت فيما بعد ، سواء على يد الشيخين ؛ محمد عبده ورشيد رضا، أو على يد غيرهما من دعاة التجديد ، وفي هدا الصدد يقول الشيخ الإمام (محمد عبده) :
"..التفسير الذي نطلبه هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى مافيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة فإن هذا هو المقصد الأعلى منه وماوراء هذا من المباحث تابع له أو وسيلة لتحصيله ...
و حيث إ ن المقام لايتسع لإيراد كل ما جاء في تفسير المنار وفي ثناياه من الأفكار والنظرات المنهجية على لسان الشيخين محمد عبده ورشيد رضا، فنكتفي بالإشارة هنا لأهم هذه النظرات ومنها:
ـ التأكيد على التزام المفسر للقرآن إبراز مقاصد القرآن، وعلى رأسها الهداية وتثبيت العقيدة الصحيحة، ويقتضي ذلك تنزيل التفسير وأحكام القرآن على واقع الأمة لعلاج قضاياها ومشاكلها
ـ الالتصاق بلغة القرآن ماأ مكن بدون تكلف ، والتماس المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله ، والحذر من تأثير المفاهيم المحرفة التي حدثت بعد عصر التنزيل .
ـ لأجل تحديد دلالة اللفظ القرآني يحسن أن يجمع ما تكرر منه في القرآن وينظر في معانيه المختلفة تبعا لسياقاته.
وعموما كان لمدرسة المنار آثار ونتائج إيجابية على الأمة الإسلامية، إن على مستوى البحث والدراسات القرآنية، أوعلى مستوى إعادة القرآن إلى مركزيته في إصلاح أوضاع الأمة، يكفيها شرفا وتجديدا أنها أغنت التفسير باتجاهات ومباحث جديدة ، وبقضايا اجتماعية تعكس واقع الأمة وتطلعاتها، كما فتحت الباب لمحاولات التجديد المنهجي التي أتت بعدها .

2 ـ دور المدرسة الإصلاحية
للإمام عبد الحميد الفراهي في تجديد فهم القرآن:

علامة الهند ولباكستان الإمام عبد الحميد الفراهي الهندي[v] لم تكتب له الشهرة في العالمين العربي والإسلامي[vi] ، وقد خلف أعمالا عظيمة تصب كلها في اتجاه تصحيح المفاهيم و إصلاح الفكر والعقيدة، والدفاع عن القرآن والدعوة إلى تجديد النظر فيه ودراسته ، كما ترك بعده تلاميذ أوفياء لمنهجه ودعوته ، كل ذلك دليل واضح على أن الرجل كان صاحب رسالة إصلاحية تنوء بحمل مثلها الجماعات والجمعيات، ولعل صديقه السيد سليمان الندوي لم يكن مبالغا لما قال عنه إنه ابن تيمية هذا العصر[vii] .وهو ما يبرر تسمية جهوده بالمدرسة الإصلاحية ، وقد تأثر به بعض الباحثين واستفادوا من تراثه أمثال الدكتور أحمد حسن فرحات في مقالاته التفسيرية وفي كتبه ، وقد أشاد به في غير ما مناسبة بل عرف به وبجهوده وأعماله في بعض أعداد أعداد مجلة ( الشريعة والدراسات الإسلامية ) التي كان يترأس تحريرها سابقا[viii]
إسهامه المتميز في الاهتمام بألفاظ القرآن الكريم وبنظمه المعجز:
وقد خلَّف الفراهي من الكتب والرسائل في التفسير وعلوم القرآن ما يعد مشروعا قرآنيا عظيما يتكون من اثني عشر كتابا منها ؛ ثلاثة كتب تتعلق بلغة القرآن وهي:
(مفردات القرآن ) و ( أساليب القرآن) و (التكميل في أصول التأويل ) ، وهذه الكتب يرمي المؤلف من ورا ئها إلى التمهيد لفهم القرآن على الوجه الصحيح، وكتابان يتعلقان بدفع الشبهات عن توثيق النص القرآني وبيان الحكمة في ترتيب سوره وآيه ، وهما ( تاريخ القرآن) ، وتفسير (دلائل النظام) [ix] وقد أوضح المؤلف أدوار وفوائد هذه الكتب في المقدمة الأولى من مقدماته لكتاب المفردات كما أوردها محققه .
ومما جاء في مقدمة كتابه ( المفردات ) : "... وذلك لأن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولي لفهم الكلام، وبعضُ الجهل بالجزء يُفضي إلى زيادة جهل بالمجموع، وإنما يَسلم المرء من الخطأ إذا سد جميع أبوابه، فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر، وأشكل عليه فهم الجملة، وخفي عليه نظم الآيات والسورة، ولأن سوء فهم الكلمة يؤدي إلى سوء فهم الكلام وكل ما يدل عليه من العلوم والحكم."[x]
وكتاب المفردات جعله بمثابة مقدمة أو فرش لتفسيره (دلائل النظام ) يحيل عليه من التفسير ، ومن يطلع على مفردات الفراهي يتأكد من قول محققه : إن للمؤلف منهجية فائقة كشف بها عن تفسيرات جديدة لبعض الألفاظ ،كما كشف عن أصول جديدة ترجع إليها مشتقات المواد اللغوية[xi]
ولايتسع المجال للإيراد شواهد من اجتهادات المؤلف ، خاصة من مفرداته الذي بين أيدينا ، ولعل سؤالا يطرح هنا وهو: هل من علاقة بين مدرسة الفراهي ومدرسة المنار ؟
ما أورده محقق كتاب المفردات عن شهادة الشيخ رشيد رضا ـ الذي عاش بعد وفاة الفراهي خمس سنوات تقريبا ـ وإعجاب الشيخ بالفراهي يدل على أن الفراهي لم يأخذ عن أصحاب المنار ولا هم أخذوا عن الفراهي ، يقول المحقق :
" اطلع العلامة المرحوم السيد رشيد رضا على أجزاء من تفسير الفراهي فكتب في مجلة المنا ر(عدد صفر 1327) ، ومما قال فيها: " ... وقد ألقينا على بعض هذه الرسائل لمحة من النظر فإذا طريق جديد في أسلوب جديد من التفسير يشترك مع طريقنا في القصد إلى المعاني من حيث هي هداية إلهية، دون المباحث الفنية العربية... وإنَّ للمؤلف لفهما ثاقبا في القرآن، وإنَّ له فيه مذاهب في البيان ...وإنه لكثير الرجوع باللغة إلى مواردها والصدور عنها ريان من شواهدها.." [xii]

3ـ جهود المدرسة البيانية الموضوعية في تجديد التفسير:
المقصود بالمدرسة البيانية هي المدرسة التي تتبنى الاتجاه الأدبي في التفسير، هذا الاتجاه أسسه ودافع عنه بقوة الأستاذ أمين الخولي ـ رحمه الله ـ مع تلامذته في الجامعة المصرية وفي مقدمتهم الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ، ومنطلقهم أن القرآن كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم ،الذي أخلد العربية وحمى كيانها فصار فخرها وزينة تراثها
ويرى الأستاذ الخولي أن (الاهتداء بالقرآن) مقصد جليل، إلا أنه ليس هو الغرض الأول من التفسير[xiii]، بل المقصد الأسبق والغرض الأبعد ـ في نظره ـ هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم ، هذا الغرض تنشعب عنه الأغراض المختلفة وتقوم عليه المقاصد المتعددة...[xiv]
توضح الدكتورة، عائشة عبد الرحمان هذه الفكرة وتعللها بقولها:
" ما سبق أن قرره أستاذنا من أن الدراسة المنهجية لنص القرآن الكريم ، يجب أن تتقدم كل دراسة أخرى فيه ، لا لأنه كتاب العربية الأكبر فحسب ، ولكن ـ كذلك ـ لأن الذين يعنون بدراسة نواح أخرى فيه ،والتماس مقاصد بعينها منه ،لا يستطيعون أن يبلغوا من تلك المقاصد شيئا دون أن يفقهوا أسلوبه الفريد ويهتدوا إلى أسراره البيانية التي تعين على إدراك دلالاته ..."[xv]
ولعل الجديد في دعوة المدرسة البيانية من ناحية المضمون هو توسيع دائرة الإعجاز القرآني ليشمل مباحث جديدة وقضايا إنسانية، وبنظرة شمولية بدل الاكتفاء بظواهر بلاغية جزئية ، والجديد المنهجي عندها هو التركيز على النص القرآني نفسه ودراسته دراسة أدبية موضوعية ، يقول أستاذهم : فصواب الرؤى أن يفسر القرآن موضوعا موضوعا،لا أن يفسر على ترتيبه في المصحف الكريم...وإن كانت للمفسر نظرة في وحدة السورة وتناسب آيها واطراد سياقها فلعل ذلك إنما يكون بعد التفسير المستوفي للموضوعات المختلفة فيها ""[xvi]
وهذا لايعني الاستغناء عن الدراسة التاريخية بل ينص مؤسس المدرسة على دراستين أو على صنفين من الدراسة هما :
دراسة ماحول القرآن التي تعتمد على تاريخ النزول والجمع وتعدد القراءات وغيرها
دراسة في القرآن وهي التي تبدأ بالنظر في المفردات ثم التدرج مع دلالاتها اللغوية و الشرعية .
وفي هذا السياق تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمان:
" الأصل في منهج هذا التفسير هو التناول الموضوعي الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه، فيجمع كل ما في القرآن منه، ويهتدي بمألوف استعماله للألفاظ والأساليب، بعد تحديد الدلالة اللغوية لكل ذلك … "[xvii]
ومما جاء عنها في تفصيل عناصر هذا المنهج: " في فهم دلالة الألفاظ نلتمس الدلالة اللغوية الأصلية التي تعطينا حس العربية للمادة في مختلف استعمالاتها الحسية والمجازية ثم نخلص للمح الدلالة القرآنية باستقراء كل ما في القرآن من صيغ اللفظ ، ونتدبر سياقها الخاص في الآية والسورة وسياقها العام في القرآن كله. " [xviii]
4 ـ اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم :
أ ـ حقيقة التجديد التفسيري:
_ ـ معنى التفسير والتجديد:
التفسيـر: تدور مادة التفسير حول معنى الكشف مطلقاً سواءً أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك.
وفي الاصطلاح:كشف معاني القرآن وبيان المراد منه، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل، وبحسب المعنى الظاهر وغيره وهو بهذا المعنى يشتمل جميع ضروب البيان لمفردات القرآن وتراكيبه سواء أتعلق البيان بشرح لغة أم استنباط حكم أم بتحقيق مناسبة، أم بيان سبب نزول، أم بدفع إشكال ورد على النص، أم بينه وبين نص آخر، أم بغير ذلك من كل ما يحتاج إلى بيان النص الكريم
` ـ معنىا لتجديد : من الجِدّة، والكلمة تدور على إبراز ما لم يكن بارزاً أو إنشاء ما لم يكن منشأً أو من الإيجابية في العمل والاستمرار فيه.
التجديد الديني بصفة عامة يعني: تغيير الصورة التي ألفها المسلمون وغيرهم عن دينهم وتطهيره من أدناس وقيم وأنظمة أخرى علقت به وتحكمت في المسلمين طويلا والعود بهم سريعا إلى خط الإسلام الواضح ونظامه المقرر في نظرته إلى الحياة الإنسانية وتصوره لمعين الإنسان والكون الذي يعيش فيه علما أن أي طفرة أو وثبة تتطلع إليها الأمة أو ينهض بها المجتمع إلى الأمام لاتتم إلا بباعث روحي عميق، يرجع معه الناس إلى حقائق الدين الخالص يستلمونها ويزيحون عنها كدر الانحلال وزيف الانحطاط
ـ أما بخصوص تفسير القرآن الكريم فحقيقة التجديد في شأنه هي : " استلهام النص القرآني لإدراك كل معطيا ته التي ترسم من خلال القرآن الكريم المثل العليا للمسلم في حياته الفردية والجماعية ومن ثم النهوض بالمجتمع المسلم والاستجابة لمتطلباته في الحياة اليومية. [xix]
مما يستلزم من المفسر الاجتهاد في الكشف عن وفاء القرآن الكريم بحاجة البشرية وفاء لا يعوزها التماس الهداية في غير كتاب الله وشرعه الحكيم.
على أن التجديد في التفسيرلايعني الإتيان بتفسير لم يسبق إليه وإلغـاء كل ما ورد في التفاسير السابقة وإنما هو مواكبة المفسر لقضايا عصره، وإسهامه في إصلاح أوضاع المجتمع الفاسدة وإظهار المقاصد القرآنية والقيم العليا التي ترتقي بأخلاق الناس وتهذب سلوكهم ، أي أن التجديد هو تجديد الفهم لمعاني ألفاظ الكتاب العزيز ، و يقصد بتجديد الفهم إرجاع المعنى الذي استفيد من النص, وهو غير صواب, إلى وجهه الصواب,حتى كأنه كما كان أول مرة جديدا لم يطرأ عليه تغيير « [xx]

ب ـ بين الاتجاه والمنهج:
لم ينضبط مفهوم كل من الاتجاه والمنهج لدى الدارسين والباحثين في تاريخ التفسير،[xxi] وقد حاول د إبراهيم شريف[xxii] تحديد كل من الاتجاه والمنهج واقترح تصنيفا للاتجاهات الحديثة في التفسير أقرب إلى الدقة العلمية وإلى الصواب نجتزئ من بحثه ـ وبتصرف ـ ما يلي :
ـ مفهوم الاتجاه:
يقول د شريف: «... ومفهوم الاتجاه يتحدد أساسا بمجموع الآراء والأفكار والنظرات والمباحث التي تشيع في عمل فكري ـ كالتفسير مثلا ـ بصورة أوضح من غيرها, وتكون غالبة على ما سواها يحكمها إطار نظري أو فكرة كلية تعكس بصدق مصدر الثقافة التي تأثر بها صاحب التفسير ولونت تفسيره بلونها." [xxiii]
ـ مفهوم المنهج
المنهج بمفهومه العام هو:"الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة" [xxiv]
أما بمفهومه الخاص ـ مقابلا بالاتجاه ـ فيرى( الباحث د شريف ) أن المنهج التفسيري:
" يدل أساسا على الطريقة التي يسلكها المفسر ليحقق غاية الاتجاه الذي يرمي إليه، أي أنه الوعاء الذي يحتوي أفكار الاتجاه "[xxv]

ج ـ أهم اتجاهات التفسير :
شهد تاريخ التفسير منذ بداياته الأولى اتجاهين مختلفين من التفسير وإن شئت (منهجين مختلفين) وهما : اتجاه التفسير بالمأثور أو التفسيرالنقلي ثم اتجاه التفسير بالرأي أو التفسير العقلي، على اختلاف في التسمية كما سبقت الإشارة إليه، وكلا الاتجاهين يعتمد المنهج التقليدي الذي يقوم على تتبع سور القرآن كما وردت مرتبة في المصحف الكريم، وقد يقتصرالتفسيرعلى بعض الأجزاء والسور فقط، وينعت هذا المنهج عند الباحثين المعاصرين بالمنهج التحليلي مقارنة بالمنهج الموضوعي.
أما في العصر الحديث وبتأثير من الدعوات والمدارس التجديدية السابقة فإننا نجد مجال التفسير زاخرا باتجاهات وتيارات فرعية متعددة ومتنوعة، وقد ظهرت معها مناهج جديدة مازالت موضع التجريب والاجتهاد أو النقد أ حيانا، وهذه الاتجاهات والمناهج لم تقطع الصلة كلية بالاتجاهات والمناهج القديمة.

_ ـ الاتجاه الهدائي أو الإصلاحي:
وهو الاتجاه الغالب على أعمال مدرسة المنار السالفة الذكر، وتسميته بالهدائي أمر واضح التعليل نظرا لتركيز الشيخين محمد عبده ورشيد رضا في مقدمة تفسير المنار على كون الهداية من أكبر مقاصد القرآن، التي ينبغي لكل مفسر أن يستهدفها قبل كل شيء في تفسيره ـ كما سبق ذكره ـ وتسمية هذا الاتجاه بالإصلاحي أيضا أوضح من أن يبحث في مسوغاته ..
وقد سماه البعض[xxvi] بالاتجاه العقلي نظرا لما يحمله أصحابه من نزعة تحررية واجتهادية اعتبرت عقلانية غير مألوفة لدى علماء الأزهر في ذلك الزمان ، وأهم ما يميز الاتجاه الهدائي تناوله لقضايا المسلمين خاصة والإنسانية بصفة عامة ، وأهم القضايا التي تناولها مفسرو هذا الاتجاه مايأتي :
الاجتهاد ونقض التقليد ـ السياسة والوطن ـ العلم والحرية ـ الاقتصاد الإسلامي ...الخ
وهذا الاتجاه له أثر واضح على كثير من أعمال و محاولات في مجال تفسير القرآن للمفكرين ذوي النزعة الإصلاحية السلفية ،اقتفى أصحابها فيها أثر الشيخين محمد عبده ورشيد رضا في تفسير المنار يذكر من هذه الأعمال أوالمحاولات :(تفسير الأجزاء العشرة الأولى من القرآن الكريم) للشيخ محمود شلتوت ، و(المرآة في القرآن ) للمفكر الأديب عباس محمود العقاد ، (الدنيا في نظرة القرآن ) للمفكر المصلح محمد فريد وجدي، ...وغيرها
_ ـ الاتجـاه الأدبـي
الاتجاه الأدبي هو : الاتجاه الذي دعت إليه المدرسة البيانية السابق ذكرها، والغاية التي يرمي إليها هذا الاتجاه هي استجلاء خصائص الأساليب القرآنية استجلاء يؤدي إلى تذوق القرآن، وهذا الاتجاه بدوره يهتم بالقضايا الأدبية والإنسانية وذلك كالقصة والنفس الإنسانية في القرآن ، ثم قضايا الإعجاز النفسي والإعجاز البياني وما أشبه ذلك ، وخير مايمثل هذا الاتجاه ، التفسير البياني للدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ، وهو تفسير نموذجي جمعت فيه المؤلفة بين التنظير والتمثيل للمنهج الذي أسسه أستاذها أمين الخولي كما سبق ذكره ، يأتي بعده في ظلال القرآن لسيد قطب الذي يجمع بينخصائص الاتجاهين ؛ الأدبي والهدائي ، ومنهج مؤلفه فريد من نوعه فلئن سلك فيه المنهج التقليدي (التحليلي) فقد ضمنه نظرة القرآن الكلية للموضوعات والقضايا الاجتماعية والإنسانية الكبرى ، وإن القارئ لهذا الكتاب ليلمس بوضوح أن سيد قطب قد جدد في مضمون التفسير وفي عمقه ووظيفته .
وغير النموذجين السالفي الذكر، هناك نماذج تفسيرية كثيرة في اتجاه التفسير الأدبي اهتمت إلى جانب القضايا الأدبية والنفسية بالمفاهيم القرآنية بمنهج التفسير الموضوعي المعروف في عهد المفسر أو المفكر صاحب التأليف مثل (مفاهيم قرآنية ) لمحمد أحمد خلف الله ,وغيره .
_ ـ الاتجـاه العلمــي:
يمكن تعريف الاتجاه العلمي في التفسير بأنه ' الاتجاه الذي يهتم بعلاقة الدين بالعلم بصفة عامة أوبعلاقة الآيات الكونية بالآيات القرآنية المنزلة بصفة خاصة " [xxvii]
ومجال هذا الاتجاه في العصر الحاضر،هو التفسير العلمي بمفهومه الشامل للإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، وإن اختلف الباحثون في اعتبار الإعجاز جزءا من التفسير العلمي ،أو اعتباره مجالا مستقلا عنه ، وهو ما يلاحظ من خلال تعاريف الباحثين لكل من التفسير والإعجاز العلميين ، حيث عرَّفه د أحمد عمر أبو حجرمثلا بقوله : " التفسير الذي يحاول فيه المفسر فهم عبارات القرآن في ضوء ما أثبته العلم، والكشف عن سر من أسرار إعجازه، من حيث إنه تضمن هذه المعلومات العلمية الدقيقة التي لم يكن يعرفها البشر وقت نزول القرآن, فدل ذلك على أنه ليس من كلام البشر، ولكنه من عند الله خالق القوى والقدر " [xxviii]
وعرفهما د عبد المجيد الزنداني ـ مميزا بينهما ـ بقوله عن التفسير إنه :
" الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية
عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية " .[xxix]
وقوله عن الإعجاز العلمي: " إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي
أخيرا، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول T.
وهكذا نلحظ أن بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي عموما وخصوصا ، فكل إعجاز تفسير علمي وليس كل تفسير علمي إعجازا ـ كما يقول د علي أسعد[xxx] ـ ولعل الإعجاز العلمي هو النتيجة والغاية المنتظرة فعلا من التفسير العلمي ، لأن الإعجاز العلمي حتى عندما يستقل به في البحث لايتوصل إليه إلا بعد التفسير العلمي ،والله أعلم .
ومعلوم أن بوادر التفسير العلمي قديمة في الفكر الإسلامي ، ويعتبر الإمام أبو حامد الغزالي أول من شهر القضية في كتابه (جواهر القرآن)
ومنذ ذلك العهد والقضية في نقاش وجدال بين مؤيد ومعارض ، وقد حمي وطيسها بعد صدور تفسير الطنطاوي الجوهري ( الجواهر في تفسير القرآن الكريم ) الذي فيه من المبالغات والتأويلات ماجعله بعيدا عن مقاصد القرآن ، إلا أن ماصدر في شأنه من ردود الفعل كانت لها نتائج إيجابية أدت في النهاية إلى وضع ضوابط منهجية للتفسير العلمي تؤصل له وتصحح مساره حفظا لكلام الله من الأهواء والمغالاة ..[xxxi]
وما زالت أصداء المعركة بين المؤيدين والمعارضين للإعجاز العلمي القرآني قائمة ، إلى الآن يشهد لذلك ما ينشر حوله في المجلات وفي الشبكة العنكبوتية ، إذ كتب أحدهم مقالا كبيرا في الشبكة تحت عنوان (أكذوبة الإعجاز العلمي في القرآن )[xxxii] ، لكن الغالب هم القائلون بمصداقية الإعجاز العلمي ، وهوالرأي الصواب ، لأهمية الإعجاز العلمي في هذا العصر، ولرجحان مصالحه عن مفاسده بضوابط خاصة ، لذلك اعتبره د الشاهد البوشيخي من أولويات البحث العلمي في الدراسات القرآنية ،معللا هذه الأولوية بقوله :
"" وذلك لردا لناس إلى الله تعالى بأسرع طريق لأنهم حين يتبين لهم بوضوح أن هذا الأمرأو ذاك مستحيل أن يقوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا العرب ، بل ولاهو ولاهم و لا غيرهم من الأمم ،إذ ذاك يقتنعون أن هذا القرآن ليس من عند غير الله " .[xxxiii]
هذا وقد أنجرت محاولات ومقالات في كل من التفسير العلمي والإعجاز العلمي لا يسعها المقام ،

5ـ المناهج الحديثة للتفسير :
الواقع أن حركة التفسير الحديثة وإن عرفت تطورا ملحوظا على مستوى الاتجاهات (المضامين)
فإ نها ،على مستوى المناهج ، مازالت تتردد أو تتراوح بين المناهج القديمة والمناهج الحديثة ، وأهم المحاولات التجديدية المعاصرة لاتخرج عن أحد الأنواع الثلاثة الآتية :
أ ـ منهج التفسير الموضوعي:
تعريفه: التفسير الموضوعي بمعناه الاصطلاحي لم يظهر إلا في القرن الرابع عشر الهجري وإن كانت بوادره قديمة بقدم علم التفسير نفسه ، وتتجلى على الخصوص في منهج تفسير القرآن بالقرآن الذي أسسه الرسول e بعدد من الأمثلة ، وطبقه الصحابة من بعده ..
وقد تعددت تعار يفه بتعدد وجهات نظر المهتمين به ، غير أنها لا تكاد تخرج عن كونه منهجا يقوم على " جمع الآيات المتفرقة في سور القرآن الكريم المتعلقة بالموضوع الواحد لفظا أو حكما وتفسيرها حسب المقاصد القرآنية ".[xxxiv] وإن كان هذا التعريف يعتبر القرآن كله مجالا للبحث تبعا للدلالة الأصلية للمصطلح، غيرأن معظم الباحثين يرون أن اتخاذ سورة واحدة موضوعا مستقلا للبحث، هو أيضا من صميم التفسير الموضوعي، وذلك باعتبار السورة القرآنية وحدة موضوعية متكاملة لارتباط قضاياها الجزئية بموضوعها المحوري غالبا.
مع العلم أن تحديد موضوع التفسير يكون إما بتصور مسبق لمعالمه ومحاوره، وكذا الألفاظ المفاتيح الدالة عليه، وإما باعتماد لفظة ذات مفهوم عام يصلح لأن يكون موضوعا مناسبا تبحث قضاياه وإشكالاته، باستقراء موارده في القرآن الكريم ، والمنهج الموضوعي عموما لايتقيد بترتيب السور في المصحف بل يبحث عن الترتيب التاريخي لنزول القرآن الكريم ، ويستأنس بسبب النزول إن وجد ، وقد حاول بعض الباحثين ضبط عناصر المنهج ومراحله ، نجملها في العناصرالآتية[xxxv] :
ـ تحديد موضوع الدراسة ومجالها ـ تحديد أهداف الموضوع ـ تحديد الألفاظ الدالة على محاور الموضوع ـ جمع الآيات القرآنية ذات الصلة بالموضوع ـ ترتيبها حسب النزول ـ معرفة ما ورد في شأنها من حيث أسباب النزول والناسخ والمنسوخ ـ معرفة ما جاء عنها في كتب التفسير مع تنقية المرويات من الضعيف والإسرائيليات، واختصار ماهو من قبيل الحشو والاستطراد اللغوي أو البلاغي ـ محاولة استنباط الغايات والمقاصد الشرعية والهداية القرآنية بعيدا عن آراء مسبقة [1] ذات خلفيات ومذاهب مخلة بموضوعية التفسير وبمقاصده العلمية .
ب ـ منهج المقال التفسيري:
منهج المقال التفسيري ـ إن صحت تسميته بالمنهج ـ هو التفسير القائم على مقالة تفسيرية يدار الحديث فيها حول قضية أو فكرة معينة يتم علاجها اتكاء على آيات من القرآن الكريم يستشهد بها الكاتب تعضيدا لرأيه، واشتهار المقال التفسيري في العصر الحديث تابع لانتشارفن المقالة الصحافية وكون مجالاتها تتسع لكل الأغراض العلمية، خاصة وأن المقال التفسيري يتحرر صاحبه من بعض القيود المنهجية والعلمية، مما يتيح له الفرصة لمخاطبة جماهير القراء ، وإبلاغهم ، وإن كان هذا التحرر سلاحا ذا حدين , هذا وقد أنجزت محاولات كثيرة في هذا الشأن ذكر منها د، إبراهيم شريف :( الشرك في كتاب الذكر الحكيم ) لمحمد كامل حسين، ( سكينة النفس) لعبد الرزاق نوفل ، ومن نماذج المقالات الناجحة في هذا المجال ـ في نظري ـ مقالات د حسن فرحات التي تجمع بين المقال التفسيري والمنهج الموضوعي في التفسير وهو مايؤكد تكامل المناهج في هذا الصدد .

ج ـ منهج الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية:[xxxvi]
1 ـ مفهومه : مفهوم المنهج هناهو طريقة البحث المفصلة المطبقة على كل مصطلح من المصطلحات المدروسة في إطار منهج من مناهج الدراسة المصطلحية بالمفهوم العام .
أما الدراسة المصطلحية فهي ضرب من الدرس العلمي وفق منهج خاص بهدف تبين وبيان المفاهيم التي عبرت أو تعبر عنها تلك المصطلحات في كل علم "[xxxvii] .
وهذه الدراسة تنتمي لفرع من فروع علم المصطلح يسمى بالنظرية المصطلحية الخاصة ، وهي التي تعنى بدراسة مصطلحات ومفاهيم علم خاص أو في مجال معين[xxxviii] وإليها ينتمي منهج الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية،وعلى أسسها العلمية المصطلحية يرتكزفي خطواته وإجراءاته العملية كما سيأتي تفصيلها بحول الله .
2 ـ أسسه اللغوية :
_ ـ خصوصية الألفاظ القرآنية:
لا يخفى أن لغة القرآن تشكل نسقا خاصا ينبغي اكتشاف خصائصه من داخل النص القرآني من خلال مفرداته وبنيته وتراكيبه, ومن يمعن النظر في لغة القرآن يلحظ أن ماهية المفردات القرآنية لا تنفصل عن ماهية معنى القرآن نفسه، وأن استخدام القرآن للمفردة يعطيها الطابع المرجعي الذي يحكم دلالاتها حيثما وجدت، وبهذه الخاصيات تتحول المفردة أو الكلمة القرآنية إلى عالم مكتنزبالإيحاءات والدلالات، مما يجعل الاستخدام القرآني للمفردة يرتقي بدلالتها إلى مستوى المصطلح الدقيق المحكم.[xxxix].
ولقد تنبه العلماء في زمن مبكر إلى الخصوصية الدلالية لألفاظ القرآن الكريم وهم يدرسون نصوصه بقصد تفسيرها وتقريب معانيها للناس،فألفوا مؤلفات تنوء بحملها الجمال في معاني القرآن ، وفي مفرداته وفي ونظمه بلاغته ،فضلا عن مدونات تفسيره ، وجاء دور العلماء المحدثين خاصة الإصلاحيين المجددين منهم ، فأعادوا الاهتمام بالألفاظ القرآنية، ونادوا بضرورة تخليصها مما شابها من الالتباس أو التأويلات المذهبية المتوارثة في كثير من التفاسير القديمة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
وقد تطورت نظرة الباحثين المحدثين لألفاظ القرآن باعتبارها مصطلحات ذات مفاهيم كبرى عليها تتأسس فلسفة القرآن ونظرته الشمولية للكون والحياة ،مما جعلهم يولون اهتماماتهم للمفاهيم والمصطلحات .
_ ـ بين المصطلح والمفهوم القرآنيين:
` ـ المصطلح القرآني:
المصطلح - عموما - هو كل لفظ أُتي به من المجال اللغوي العام ليدل على مفهوم محدد في مجال علمي خاص، ومعلوم لدى الباحثين أن الاصطلاح على معنى ما ، بلفظ ما ، يتم من لدن طائفة تتفق على تسمية شيء ذي معنى باسم خاص يحدده في مجال علمي خاص ، وبهذا الاعتبار يرى البعض أن ألفاظ القرآن اكريم ليست من قبيل المصطلحات وذلك ـ في نظرهم ـ لأن علاقة اللفظ بالمعنى ليست اعتباطية ، ولم توضع الألفاظ إزاء المعاني باتفاق طرف مع طرف آخر ، كما أن المواضعة الاصطلاحية في القرآن ليست اعتباطية ...الخ
إلا أن ألفاظ القرآن بدلالاتها الشرعية ،الطارئة على دلالاتها اللغوية ، وبحمولتها الغنية والمعبرة عن مفاهيم واسعة ، كل ذلك مما يجعلها مصطلحات قرآنية ، تتميز بخصوصية ناتجة عن خصوصية لغة القرآن بصفة عامة ، وقد أجاب بعض العلماء المهتمين بالدراسات القرآنية والمصطلحية عن شُبه الذين لم يقتنعوا باصطلاحية ألفاظ القرآن ، منهم الدكتور الشاهد البوشيخي الذي يقول : " كيف يسوغ أن تتردد نفوس في اعتبار الألفاظ القرآنية مصطلحات وهي لها من الخصوصية والخصوبة المفهومية _ بحكم قرآنيتها _ ما ليس لمثلها من الألفاظ، في أي علم من العلوم، بحكم بشريتها ؟ كيف يجوز أن تسلم النفوس بمصطلحية ألفاظ كل طائفة، أو فرقة، أو مذهب … ثم لا تسلم بمصطلحية" ألفاظ أصل الدين " وهي ألفاظ كتاب "رب العالمين "[xl].
ـ ويقول في موطن آخر [xli]: " ماذا يقصد بالمصطلح القرآني؟
إنه ذلك اللفظ الذي أكسبه استعماله في القرآن الكريم دلالة خاصة زائدة على الدلالة التي له في اللسان العربي، فصار بذلك له مفهوم خاص ضمن الرؤية القرآنية الشاملة، وصار بذلك التعبـير عن ذلك المفهوم مصطلحا من المصطلحات القرآنية.
ـ يعلل الأستاذ هذا الكلام بقوله : " وهذا الكلام مؤسس على:
ـ أن المصطلح ليس ضرورة أن يتفق عليه ناس، كما هو سائد في تعريف المصطلح. إذا يمكن هناك مصطلح يأتي من جهة جاهز الاصطلاحية.
ـ إنه في تاريخنا، وعبر نصوص كثيرة، وفي واقعنا وواقع غيرنا أيضا، يوجد هذا الاستعمال للمصطلح؛ إذ يوجد كثيرا مثل قولهم (هذه اللفظة في الاصطلاح).
ج ـ إن كل المذاهب والتيارات، عندنا وعند غيرنا، تأسست على نصوص بمعينها، استعمل أصحابها فيها ألفاظا بعينها،... صارت فيما بعد مصطلحات لذلك التخصيص المفهومي الذي كان لها من قبل المؤسس.

`ـ المفهوم القرآني:
لفظة (المفهوم ) من الألفاظ التي يصعب تحديدها، ولم يتم الاتفاق على تعريف واحد لها ، وذلك لطبيعة المفاهيم التجريدية والفلسفية ، ولكونها مشتركة تتنازعها الفلسفات والحقول المعرفية المختلفة ، ومن بين ما عُرِّف به المفهوم أنه : " وحدة فكرية منعكسة عن تجميع الموضوعات الفردية التي يرتبط بعضها ببعض بسمات مشتركة "[xlii]، ويرى أحد الباحثين أن المفهوم بمعناه المنطقي هو" مجموع الصفات والخصائص التي تحدد الموضوعات التي ينطبق عليها اللفظ تحديدا يكفي لتمييزها عن الموضوعات الأخرى "[xliii]
والمفاهيم ليست ألفاظا كسائر الألفاظ وليست مجرد أسماء أو كلمات تفهم وتفسر بمرادفتها أو بما يقرب معانيها، بل هي مستودعات كبرى للمعاني والدلالات، ناهيك عن المفاهيم القرآنية المحمولة بالمثل العليا وبالمعايير والأحكام الشرعية، مما جعلها مفاهيم سامية تجمع بين الإطلاق في معانيها الربانية والنسبية في ألفاظها العربية .
وفي مجال الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية يمكن مقاربة المفهوم القرآني بقولنا :
" المفهوم القرآني : تمثل ذهني لمعنى كلي قرآني مركب من معان جزئية هي بمثابة خصائص وسمات المفهوم ( المعنى الكلي )" [xliv]
وبين المصطلح والمفهوم فروق في الدلالة وفي الاستعمال أهمها [xlv]:
ـ المفهوم تمثيل فكري لشيء محسوس أو مجرد، ويعبر عنه بمصطلح أو برمز، ويُعرَّف إجرائيا بعبارات أوبسمات وخصائص ...
والمصطلح كل وحدة لغوية دالة مؤلفة من كلمة (مصطلح بسيط) أو كلمات متعددة (مصطلح مركب)
ـ المفهوم يتحول إلى مصطلح بالتطورالتاريخي وبالاستعمال، والمصطلح يتحول إلى مفهوم بالتوسع الدلالي .
ـ وعموما فإن المفهوم والمصطلح كلاهما مفتاحي في النص ، وكلاهما يتجاوزان الاستخدام اللغوي للفظ ويدلان على على معنى قرآني خاص ، واللفظ القرآني قد يتفق على تعريفه تعريفا شرعيا لاترادفه مفردة أخرى فيكون مصطلحا كالصلاة بمعناها الشرعي ، وقد لايتفق على تعريفه وتشاركه مفردات أخرى في معناه فيكون مفهوما وذلك كلفظ الإيمان مثلا .
3ـ أ صوله المنهجية ومبادئه الكبرى :
ظهر منهج الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية في سياق البحوث المهتمة بالمراجعة الشاملة للتراث الفكري الإسلامي وبتجديد مناهج دراسته ، كما جاء في سياق الجهود الداعية لتجديد مناهج تفسير القرآن ليكمل صرح بنائها ،فكان من المبادئ التي أسس عليها هدا المنهج مايلي :
ـ الإسهام في علاج مشكل علمي/ منهجي، تعاني منه الأمة في فكرها الإسلامي عامة ، وفي مجال التفسير والدراسات القرآنية خاصة ،لأن مشكلة المنهج ـ كما يقول د الشاهد البوشيخي ـ هي مشكلة الأمة الإسلامية ولن يتم إقلاعها العلمي ولا الحضاري إلا بعد الاهتداء في المنهج للتي هي أقوم .
ـ " ...ما لم يتجدد فهم الأمة للقرآن فلن تتجدد الأمة، ولن يتجدد فهم القرآن حتى يتجدد فهم مصطلحات القرآن، "إذن فتجديد الفهم لألفاظ القرآن ضرورة منهجية لتجديد التفسير، وذلك لأن الألفاظ مفاتيح الجمل التي تتكون منها النصوص...فقبل أن ندخل إلى الجملة القرآنية، يجب أن نفتح باب الألفاظ القرآنية، إذ الجملة مكونة من ألفاظ ... الألفاظ المصطلحات التي تعبر عن مفاهيم والتي بها يتم الدخول إلى المفهوم الكلي النسقي للقرآن.."
وقد تزامن ظهورالمنهج مع ما عرفته مناهج البحث العلمي الحديثة من تطورات، وخاصة في مجال علم المصطلح الذي بات يعتمد تقنيات جديدة من تقنيات التواصل والمعلوميات والإحصائيات، التي تسهل عمليات التصنيف والضبط والتوثيق، وقد استفاد من منهجين هامين في مجال الدراسات الإنسانية وهما: المنهج التاريخي والمنهج الوصفي [xlvi]
وهذه المناهج المختلفة أو بالأحرى بعض تقنياتها جعلت منهج الدراسة المصطلحية منهجا تكامليا يوظف أدوات علمية مختلفة ، وفي هذا الصدد يقول مؤسسه الدكتور الشاهد البوشيخي: " إنه منهج قائم بذاته في الدرس يعتمد "العلمية " بشروطها في الوسائل، من الاستيعاب إلى التحليل فالتعليل فالتركيب، ويعتمد "التكاملية" حسب أولوياتها في المراحل ،من الوصفية إلى التاريخية فالموازنة فالمقارنة، ويمكن تطبيقه بحسب الظواهر على كل مصطلحات العلوم في كل التخصصات ." [xlvii]
4 ـ أركان المنهج وخطواته العملية
لقد صاغ الدكتور الشاهد البوشيخي معالم المنهج في سلسلة متدرجة من خمس مراحل أوخطوات عملية سميت بأركان المنهج نقدمها في هذه الورقة باختصار محيلين على وثائق معهد الدراسات المصطلحية بفاس ، وعلى البحوث المنجزة بإشراف مدير المعهد وغيره من المهتمين بالموضوع [xlviii]
أ ـ الدراسة الإحصائية:
يشكل الإحصاء " أساس الدعامة العلمية في منهج الدراسة المصطلحية، وشرطا من شروطها، إذ لا علمية في الدراسة المصطلحية ما لم تقم على الإحصاء التام"[xlix]
وقد عُرِّف الإحصاء في هذا المنهج بأنه: " الاستقراء التام لكل النصوص التي ورد فيها المصطلح المدروس وما يتصل به لفظا ومفهوما وقضية، في المتن المدروس "[l]
ولكي تتحقق الدقة والمصداقية العلمية في الدراسة الإحصائية ، وجب أن تقوم على الاستقراء التام وأن لايكتفى فيها بما يسمى الإحصاء الاستدلالي القائم على أخذ عينات تمثيلية من النصوص أو انتقاء نصوص ذات الحضور المكثف فقط للمصطلح ، ثم تبنى على هذه العينات نتائج وأحكام كلية ب ـ الدراسة المعجمية :
وتكمن أهمتها في كونها " تقفنا على مدار المادة اللغوية للمصطلح، وعلى مأخذ المصطلح أي على أصله اللغوي اشتقاقا ودلالة، وعلى التطور الدلالي للكلمة وتمييز معنى اللفظ الحسي عن معناه العقلي ، ومعناه الحقيقي عن المجازي ، ومعناه اللغوي عن الاصطلاحي وهكذا ..[li].
وعليه فالدراسة المعجمية يُقصد بها " دراسة معنى المصطلح في المعاجم اللغوية فالاصطلاحية دراسة تبتدئ من أقدمها مسجلة أهم ما فيه، وتنتهي بأحدثها مسجلة أهم ما أضاف، دراسة تضع نصب عينيها علام مدار المادة اللغوية للمصطلح، ومن أي المعاني اللغوية أخذ المصطلح، وبأي الشروح شرح المصطلح.." [lii].
ولكي تؤدي الدراسة المعجمية دورها وتحقق الهدف المتوخى منها وجب أن يتوفر فيها الاستيعاب، والتدرج ، والتكامل ، والاقتصار على ما يفي بالحاجة ، والتوثيق ..
ج ـ الدراسة النصية :
ويقصد بها " دراسة المصطلح وما يتصل به ، في جميع النصوص ، التي أحصيت قبل، بهدف تعريفه ، واستخلاص كل ما يسهم في تجلية مفهومه؛ من صفات وعلاقات ، وضمائم، وغير ذلك..وهذا الركن هو عمود منهج الدراسة المصطلحية؛ ما قبله يمهد له، وما بعده يستمد منه؛ إذا أحسن فيه بوركت النتائج وزكت الثمار، وإذا أسيء فيه لم تفض الدراسة إلى أي شيء يذكر "[liii]
حد قول شيخنا :" فالنصوص هاهنا هي المادة الخام التي يجب أن "تعالج" داخل مختبر التحليلات بكل الأدوات والإمكانات، لتقطر منها المعلومات المصطلحية تقطيرا، وتستخرج استخراجا؛ فمعطيات الإحصاء، ومعطيات المعاجم، ومعطيات تحليل الخطاب المقالية والمقامية معا، ومعطيات المعارف داخل التخصص وخارجه، ومعطيات المنهج الخاص والعام، النظري والعملي ….كل أولئك ضروري المراعاة عند التفهم، وكل ذلك مما به يتمكن من المفهوم وما يجلي المفهوم .[liv]
دـ الدراسة المفهومية:
يقول في شأنها الدكتور الشاهد:" هي دراسة النتائج التي فهمت واستخلصت من نصوص المصطلح وما يتصل به، وتصنيفها تصنيفا مفهوميا يُجلِّي خلاصة التصور المستفاد لمفهوم المصطلح المدروس في المتن المدروس؛
من تعريف له يحدده بتضمنه كل العناصر والسمات الدلالية المكونة للمفهوم ، وصفات له تخصه كالتصنيف في الجهاز، والموقع في النسق، والضيق أو الاتساع في المحتوى، والقوة أو الضعف في الاصطلاحية، والنعوت أو العيوب التي ينعت بها أو يعاب، وعلاقات له تربطه بغيره كالمرادفات والأضداد وما إليها، والأصول والفروع وما إليها.. وضمائم إليه تكثر نسله وتحدد توجهات نموه الداخلي، كضمائم الإضافات والأوصاف…
ومشتقات حوله من مادته تحمي ظهره، وتبين امتدادات نموه الخارجي..
وقضايا ترتبط به أو يرتبط بها " مما لا يمكن التمكن منه إلا بعد التمكن منها؛ كالأسباب والنتائج والمصادر والمظاهر، والشروط والموانع والمجالات والمراتب، والأنواع والوظائف، والتأثر والتأثير…وغير ذلك مما قد لا يستلزمه تفهم مفهوم آخر، وهذه الشجرة المفهومية الوارفة الظلال، الزكية الغلال في أغلب الأحوال …هي التي يجب أن تجلى بعرضها في الركن الخامس على أحسن حال ".[lv]
هـ ـ العرض المصطلحي :
مفهومه : يراد بالعرض في منهج الدراسة المصطلحية :
" الكيفية التي ينبغي أن تعرض وتحرر عليها خلاصة الدراسة المصطلحية للمصطلح ونتائجها" [lvi].
أي أنه طريقة معينة لإبراز ما تم التوصل إليه في الدراسة المصطلحية من نتائج تكون وفق رؤية واضحة المعالم مرتبة العناصر، وتشمل هذه العناصر : التعريف بالمصطلح ويتضمن : المعنى اللغوي، فمفهومه المصطلح المدروس معبرا عنه بأدق لفظ ، وأوضح لفظ ، وأجمع لفظ، فالصفات بأنواعها السابقة وكذا العلاقات ،ثم الضمائم والمشتقات وأخيرا القضايا بتفاصيلها ..[lvii]

5 ـ موقـع منهـج الدراسة المصـطلحية في مسيرة التجديد التفسـيري

يتحدد موقع هذا المنهج في مسيرة التجديد التفسيري بالنظر لعلاقته بالاتجاهات والمناهج السابقة من جهة ،وبالنظر لعناصر التجديد التي يحملها ونتائج ذلك من جهة أخرى ؛
`ـ فبالنسبة لعلاقته بالاتجاهات السابقة هو أداة كجميع الأدوات المنهجية القابلة للتوظيف في مجالها العلمي ، بقطع النظر عن طبيعة الاتجاهات التي وظفت لأجل خدمتها ، وبذلك فهو قابل للتوظيف سواء في الاتجاه الهدائي أو في الاتجاه الأدبي أو العلمي أو غيرها من اتجاهات التفسير الحديثة ،وإن كانت المبادئ التي يستند إليها ـ وقد سبق ذكر بعضها ـ هي في الواقع مبادئ الاتجاه الإصلاحي الهدائي ، علما أن الوصول إلى الهداية القرآنية هي الغاية التي ينبغي أن يتوخاها كل اتجاه من اتجاهات تفسير القرآن الكريم
_ ـ أما علاقته بالمناهج أو المنهجين السالفين ،فهو أقرب إلى منهج التفسير الموضوعي ، لأن المقال التفسيري حتى عندما يوظف فيه المنهج الموضوعي يتعذر عليه أن يتضمن كل شروط وخطوات منهج الدراسة المصطلحية بالشكل الذي عرف به الآن .
وإن شئنا بعض التفصيل ـ حسب ما يسمح به المقام ـ في عناصر المقارنة بين منهج التفسير الموضوعي ، ومنهج الدراسة المصطلحية وفاقا واختلافا فإننا نلاحظ مايلي :
` ـ على مستوى الأهدا ف القريبة هناك تباين بين المنهجين ، فبينما يهدف التفسير الموضوعي إلى تفسير النصوص من خلال معاني الكلمات المفاتيح والتعابير الدائرة في فلك الموضوع المبحوث، نجد الدراسة المصطلحية تهتم بتحديد مفهوم مصطلح معين من خلال الدراسة الدقيقة لنصوصه لأن هدفها ـ كما يقول الدكتور الشاهد مؤسس المنهج ـ هو تبيُّنُ وبَيانُ مفاهيم المصطلحات[lviii] .
`ـ وعلى مستوى الخطوات المنهجية نجد بين المنهجين وفاقا في استقراء الآيات التي تحتوي اللفظ المراد دراسة دلالاته في القرآن الكريم، فضلا عن تحديد اللفظ مفتاح الموضوع أو المفهوم ،والهدف وترتبب الآيات حسب تاريخ النزول إن أمكن وغيرها ،غير أن منهج الدراسة المصطلحية يتميز باعتماد " أدوات منهجية محددة ، مستمدة من روح المنهج الوصفي ، كالإحصاء الشامل والاستقراء التام ، والوصف الدقيق والتصنيف المفهومي لكل الظواهر اللغوية والدلالية التي تكتنف المصطلح وما يتعلق به ، في حين يفتقر التفسير الموضوعي لمثل هذه الإجراءات"[lix]
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أي المنهجين أقدر وأنسب لاحتواء الآخر ؛ منهج التفسير الموضوعي أم منهج الدراسة المصطلحية ؟
هذه القضية اختلفت حولها آراء الباحثين الذين أنجزوا أطروحاتهم في دراسة المفاهيم القرآنية وفق منهج الدراسة المصطلحية ، فبعضهم يرى أن مرحلة القضايا وهي الركن الرابع من أركان الدراسة المصطلحية الذي تتم فيه الدراسة التفصيلية والمعمقة للقضايا المتفرعة عن المفهوم ، هذه المرحلة يمكنها أن تحتوي التفسير الموضوعي، يقول د مصطفى فوضيل مثلا: ووجه التجديد أن التفسير الموضوعي يصبح مرحلة من مراحل الدراسة المصطلحية يضاف إلى سائر الدلالات التي يختزنها المفهوم المدروس علـى المستوى الجزئي والكلي.[lx]
والبعض الآخر يرى أن التفسير الموضوعي هو الذي يحتوي منهج الدراسة المصطلحية ،تقول دة ، فريدة زمرد مثلا : وأحسب أن علم اصطـلاح النص ـ الاسم الذي اقترحته تعديلا لاسم الدراسة المصطلحية ـ قادر على أن يكون الوسيلة الإجرائية للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم خاصـة, وللتفسير عامة، بما يحققه من جودة في الفهم، وصفاء في المشرب, وشمول في النظرة وتحصيل للتدبر في آيات الله عز وجل.[lxi]
نعم بالنظر إلى الأهداف البعيدة لكل من الدراسة المصطلحية وللتفسير الموضوعي المتجلية في فهم مراد كلام الله تعالى من الألفاظ و الآيات القرآنية ومعرفة الأحكام وتلمس الهداية الربانية للعمل بالقرآن الكريم ، نجد أن المنهجين يتكاملان فعلا ، وحيث إن منهج التفسير الموضوعي هو الأصل والأسبق في الظهور فهو الأقدر والأنسب ـ في نظرنا ـ لاحتواء تقنيات وأدوا ت منهج الدراسة المصطلحية ، إذا ما أعيد النظر في مفهوم التفسير الموضوعي كما أشارت إلى ذلك الدكتورة زمرد في بحثها [lxii]، والأمر طبعا في حاجة إلى نقاش واجتهاد حتى يتبين فيه وجه الصواب والله أعلم .
_ ـ مدى إسهام المنهج في مسيرة التجديد التفسيري :
اختصارا للقول نقول : إن منهج الدراسة المصطلحية منهج يتجاوز سلبيات المحاولات السابقة في دراسة المفاهيم القرآنية بمناهج جزئية ، قائمة على منهج العثور والانتقائية، إلى منهج منضبط في نفسه وضابط لموضوعه ؛ يقوم أسس منهجية صحيحة؛كالإحصاء الدقيق للنصوص مورد اللفظ أو المفهوم ، والاستقراء الشامل للشروح والأقوال لتوظيف المناسب منها دون التقيد بها ، والدراسة النصية التي تهتم بتقطير المعاني والمعلومات المصطلحية من النصوص بكل الإمكانيات والأدوات ،وبذلك يسهم المنهج في حل أزمة غياب المنهجية في مجال دراسة المفاهيم والمصطلحات القرآنية ، فجاء وفاقا لما يقترحه بعض الباحثين أمثال عبد الرحمن حللي الذي يقول :إن الظروف التاريخية التي مرت بالمعرفة الإسلامية ، جعلت الدراسات القرآنية أسيرة لمدونات تفسيرية معينة ،ولم تكن هناك إضافات نوعية فيما استجد من دراسات ،بما في ذلك دراسة المفاهيم والمصطلحات ،ويرجع ذلك إلى أزمة المنهجية في تلك الدراسات ـ فالإسقاط كان ولا يزال آفة الدراسات القرآنية سواء لرؤى عقائدية أو مذهبية ـ ودراسة النص من خلال مفاتيحه بعيدا عن القبليات كمخرج من هذا المأزق بحاجة إلى تأطير وضبط منهجيين"[lxiii]
نعم إن منهج الدراسة المصطلحية إذا أحسن تطبيقه ، بشروطه وضوابطه على مفهوم قرآني ما خلص هذا المفهوم من الإسقاطات والأحكام القبلية ،والتأويلات المذهبية ، وهذا ما أكده الباحثون الذين أنجزوا أطروحاتهم وفق هذا المنهج ، فمن أهم النتائج التي يذكرونها في أبحاثهم أن المنهج مكنهم فعلا من تحريرالمفاهيم القرآنية المدروسة مما كان يشوبها ـ غالبا ـ من الغموض والعمومية ، أومن أثر المذهبية في الفكر، أو من التحريف واللبس وغيرها .[lxiv]
وبتحرير المفهوم طبعا يعود المصطلح إلى مفهومه القرآني الخالص, المعبر عن التصور القرآني الخالص أيضا و هو المراد بالتجديد عند أصحاب المنهج .

خلاصة العرض
موضوع التجديد في تفسير القرآن الكريم موضوع شاسع وعريض ، تناولته اتجاهات ومناهج ،وأنجزت فيه أبحاث ومقالات ، ولازالت المناهج المقترحة للتجديد محل انتقاد واجتهاد ، ويهم هذه المحاولة/العرض تقديم قراءة في موقع منهج الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية من اتجاهات التجديد الكبرى ومناهجها في تفسير القرآن الكريم ، وبخاصة الاتجاهات الإصلاحية التي تؤمن بربانية القرآن وهدايته للناس أجمعين ، ومن هذا المنطلق يسير العرض وفق الخطة الآتية :
_ ـ مقدمـة : حول مكانة القرآن الكريم وعناية الناس به على مر التاريخ ، وحاجتهم المتجددة لمعرفة أسراره ومكنوناته ،والاهتداء بهديه ..
1 ـ دواعي التجديد في مناهج التفسير وأهمها :
ـ ضرورة تحريرالتفسير من سلبيات المناهج القديمة المتوارثة عن عهد الانحطاط حيث كانت التفاسير تشوبها الأهواء المذهبية ، وبدع التأويل والإسرائيليات ، والروايات الضعيفة وغيرها .
ـ أهمية تقريب معاني الكتاب العزيز لجميع الناس ودعوتهم للتمسك بكتاب ربهم الذي هو منقذهم وهاديهم ، به يتحررون ، وبه ينتصرون ويتقدمون ...
2 ـ جهود المجددين ومدارس التجديد التفسيري :
أ ـ جهود مدرسة المنار التجديدية في التفسير :
مدرسة المنار التفسيرية الإصلاحية أم المدارس التي دعا زعماؤها ؛ الشيوخ ك جمال الدين الأفغاني ،ومحمد عبده ،ورشيد رضا ، إلى التجديد في مناهج تفسير القرآن الكريم ، وذلك في منظور إصلاحي يطمح إلى بناء أمة إسلامية قوية كسالف عهدها ،وذلك بالتمسك بكتاب الله والرجوع إليه في كل أمر دنيوي أو أخروي ، ويتجلى التجديد الذي دعت إليه هذه المدرسة في، الآتي :
ـ انتقاد بعض أقوال المفسرين ومواقفهم السلبية تجاه قضايا الأمة ..
ـ تحرير التفسير من شوائب البدع وعلم الكلام والإسرائيليات ...
ـ الاهتمام بمقاصد القرآن ، خاصة العقدية والتربوية منها ،في مقدمتها تلمس الهداية القرآنية .
ـ فهم حقائق الألفاظ القرآنية وتفسيرها بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله..
وهكذا انصب التجديد على المضمون أكثر من اهتمامه بالشكل أو المنهج ....
ب ـ جهود الإمام عبد الحميد الفراهي الهندي :
تتجلى جهود هذا العالم المصلح ـ المجهول في العالمين ؛العربي والإسلامي ـ في ماخلفه من الكتب ومشاريع الكتب في علوم القرآن والتفسير ، أهما تفسيره)دلائل النظام( الذي لم يكتب له أن يتمه ، ومفردات القرآن ، وأساليب القرآن وغيرها ، وتتجلى جوانب التجديد في جهود الفراهي في :
ـ اهتمامه بلغة القرآن ؛ مفردات ونظاما بنيويا وأساليب بلاغية وإعجازي وغيرها ، بمنهج متفرد لا يرضي التقليد أو اجترار المقولات والشروح ، وله لفتات ونظرات تستحق العناية وتثيرالإعجاب
ـ يدعو بدوره إلى تحرير التفسير من المقولات الكلامية والفلسفية والخلافات المذهبية ..
ج ـ جهود المدرسة البيانية :
هذه المدرسة الأدبية التفسيرية التي أسسها الأستاذ أمين الخولي هي بدورها تدعوا إلى التجديد بتأثير من سالفتها الإصلاحية لكنها اختارت لاتجاه الأدبي البياني ، وتعطي الأولوية في مقاصد التفسير للنظر إلى القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر ، لأن غيره من المقاصد عنه تفرع .
ويتجلى التجديد عندها في الشكل والمضون معا حيث تؤكدا بكل وضوح على أن يفسر القرآن موضوعا موضوعا ، ويراعى في سوره أو نصوصه الترتيب الزمني للنزول بدل الترتيب المصحفي المعهود ، ينظر لماحول النص أولا أي للظروف البيئية والثقافية واللغوية التي نزلفيها ،
ثم ينظر لداخل النص نظرة أدبية بلاغية أولا ...الخ
3ـ اتجاهات التجديد في التفسير الحديث :
أ ـ حقيقة التجديد التفسيري ؛ التجديد الديني بصفة عامة ، والتجديد في التفسير بصفة خاصة .
ب ـ بين الاتجاه والمنهج ؛ مفهوم الاتجاه التفسيري ، تعريف المنهج والمنهج التفسيري ..
ج ـ أهم اتجاهات التفسير الحديثة :
ـ الاتجاه الهدائي/ الإصلاحي :_ مفهومه وقضاياه ، نماذج من تفاسيره ومناهجها ...
ـ الاتجاه الأدبي :مفهومه وقضاياه ، نماذج من تفاسيره وجوانب الجدة في منهجها ...
ـ الاتجاه العلمي : تعريفه وعلاقته بالإعجاز العلمي ،اختلاف الآراء حوله ،ونتائج ذلك ..
4 ـ المناهج الحديثة في التفسير :
أ ـ منهج التفسير الموضوعي : تعريفه ، أنواعه ، عناصره المنهجية وخطواته ...
ب ـ منهج المقال التفسيري : مفهومه وخصائصه ،انتشاره ،وأهميته ...
ج ـ منهج الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية :
`ـ تعريفه
` ـ أسسه اللغوية ) خصائص الألفاظ القرآنية ، بين المفهوم والمصطلح القرآنيين (
`ـ أصوله المنهجية ومبادئه الكبرى ....
` ـ أركان المنهج وخطواته :
ـ الدراسة الإحصائية
ـ الدراسة المعجمية
ـ الدراسة النصية
ـ الدراسة المفهومية
`ـ العرض المصطلحي ...
5ـ موقع منهج الدراسة المصطلحية من مسيرة التجديد التفسيري :
_ـ علاقته باتجاهات التجديد السابقة ...
_ ـ علاقته بمناهج التفسير الحديثة ؛ تكامله مع التفسير الموضوعي على مستوى الأهداف ، على مستوى الخطوات المنهجية ... أي المنهجين أقدر وأنسب لاحتواء الآخر ؛ منهج التفسير الموضوعي أم منهج الدراسة المصطلحية ؟ ...
_ـ مدى إسهام المنهج في مسيرة التجديد التفسيري :
ـ المنهج يتجاوز سلبيات المناهج أو المحاولات الفردية في دراسة المفاهيم القرآنية ، والقائمة على منهج العثور ، والاكتفاء بالعينة التمثيلية ، والانتقاء العشوائي وما أشبه.
ـ المنهج أداة علمية لضبط المصطلحات وتحريرها من الإسقاطات القبلية وغيرها ..


--- الحواشي -----
ـ سورة الإسراء آية : 9 .
[ii] ـ سورة الأنبياء آية : 10 .
[iii] ـ ينظر كتيب ) القرآن الكريم والدراسة المصطلحية ( رقم 4 في سلسلة دراسات مصطلحية التي يصدرها معهد الدراسات المصطلحية بفاس ، مطبعة أنفو برانت فاس 2002 ص : 18 ،19 .
4- من مقالاته في مجلة العروة الوثقى، والنص منقول من كتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي للدكتور محمد البهي ( طبعة دار الفكر بيروت 1973 - ) ص 102
5 ـ المنسوب إلى مسقط رأسه؛ قرية ( فَرِيها ) وهي من قرى ( أعظم كره ) في إلإقليم الشمالي الهندي المسمى ( أُترا بْراديش) وهوأحد أفذاذ العلماء النوابغ والدعاة المجددين ولد سنة 1280هـ وتوفي في مدينة( مثورا) ودفن بها سنة 1349هـ
[vi]6 ـ لأنه قضى كل حياته متنقلا بين مدن وأقاليم الهند والباكستان ولم يتجاوزها إلى المشرق العربي، وكذلك كتبه ومشاريعه غيركتاب(أقسام القرآن)كلها صدرت ـ في بداية أمرها ـ في الهند ونفدت نسخها قبل أن تصل إلى أيدي مدارس وجامعات الأقاليم الهندية ـ الهند والباكستان حاليا ـ مدرسا وداعيا إلى تجديد أمر الدين وإعلاء شأن اللغة العربية ، والدفاع عن الإسلام ودحض شبه المستشرقين عن القرآن ،
[vii] ـ وذلك في تأبينه المرحوم ونعيه للناس ، نشر في مجلة معارف المجلد 26 العدد السادس ص : 322 عن المفردات ص : 40 . [vii] ـ تناول ترجمة الإمام الفراهي في العدد 13 من المجلة الصادر في شهر أبريل 1989وو عد بتناول بعض مؤلفاته في عدد لاحق. وما زلت لم أعثر على الذي وعد به.

[viii] ـ تناول ترجمة الإمام الفراهي في العدد 13 من المجلة الصادر في شهر أبريل 1989وو عد بتناول بعض مؤلفاته في عدد لاحق. وما زلت لم أعثر على الذي وعد به.
[ix] ـ مصنفاته منها المطبوع ومنها المخطوط وجملة منها رسائل وأبواب متفرقة لم يفرغ ا المؤلف منها في حياته، انظر ص. 32 . من تحقيق أيوب الإصلاحي لكتاب المفردات .
[x] ـ من تلخيص المحقق لكلام المؤلف في مقدمة التحقيق ، ص : 50 .
[xi] ـ مثل كلمة ( الآلاء ) المكررة في سورة الرحمان ثلاثين مرة يجمع المفسرون على أن معناها (النعم ) في كل مواطنها ، بينما أدرك أن معناها الدقيق هو الفِعال العظيمة أو الرحمة .انظر ص 68 من المفردات .
[xii] ـ مقدمة المفردات ص: 40)
[xiii] ـ كما يرى ذلك أصحاب مدرسة المنار.
[xiv] ـ أخذ بتصرف من كتاب المؤلف ( مناهج تجديد) في النحو والبلاغة والتفسير والأدب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995 ص : 229 .
[xv] - التفسير البياني للقرآن الكريم جزء 1 ص. 17 دار المعارف -الطبعة الأولى 1982.
[xvi] ـ مناهج التجديد سبق ذكره
17ـ التفسير البياني سبق ذكره.
18- نفسه.
[xix] ـ: ـ اتجاهات التجديد ابراهيم شريف ص: 199
[xx] ـ القرآن والدراسات المصطلحية سبق دكره ، ص: 21 .
[xxi] ـ حيث لم يتفقواعلى تسمية أنواع التفسير المتداولة ولاعلى تصنيف التفاسير، فعلى مستوى التسمية نتعرض لمصطلحات: المنهج، الطريقة، اللون، الاتجاه... ولمصطلحي : التفسيرالنقلي والتفسير العقلي، أو التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي... وعلى مستوى التصنيف نجد بالنسبة لأنواع التفسير الحديثة: الاتجاه اللغوي أو الأدبي أو البياني كما نقرأ أيضا: الاتجاه الإصلاحي أو الهدائي أو الاجتماعي..
وبالنسبة للاتجاه العلمي؛ من الباحثين من يفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي ومنهم من لايميزبينهما، ومن يقصرالإعجازالعلمي على ماله ارتباط بالعلوم التجريبية والآيات الكونية ، ومن يوسع دائرة العلوم لتشمل كل العلوم بما فيها العلوم الشرعية ..إلىغيرذلك من الاختلافات التي إن دلت على شيء فإنما تدل أو تؤكد أن علوم التفسير ما زالت لم تنضج ولم تحترق بعد، رغم كل الأبحاث والدراسات المنجزة في الموضوع.

[xxii] ـ المرجع السابق .
[xxiii]ـ المرجع السابق ص: 63 .
[xxiv] _ عبد الرحمان بدوي : مناهج البحث العلمي عن د . أحمد بدر: أصول البحث العلمي ومناهجه الناشر وكالة المطبوعات ، شارع فهد السالم ـ الكويت طبعة ثالثة 1977 ص . 26 .
[xxv] ـ نفسه ص : 68 بتصرف .
[xxvi] ـأمثال الدكتور عبد المجيد عبد السلام المحتسب في كتابه ( اتجاهات التفسير في العصر الراهن ) منشورات مكتبة النهضة الإسلامية ،عمان الأردن ، ط 2 /1982 م
[xxvii] ـ صاحب العرض .
[xxviii] ـ أحمد عمر أبو حجر، التفسير العلمي للقرآن في الميزان ص66.
[xxix] ـ مجلةالإعجاز العلمي عددا صفر 1416 يونيو 1995 .
[xxx] ـ وذلك في مقال له بعنوان (الإعجاز العلمي في القرآن ..رؤية نقدية ) نشر في موقع ( إسلام أون لاين ) في نافذة :الإسلام وقضايا العصر .
[xxxi] ـ لمعرفة المزيد عن قضايا التفسير العلمي وضوابطه ينظر، كتاب ( التفسير العلمي في الميزان ) للدكتور:أحمد عمر أبو حجر .
[xxxii] ـ في موقع الشبكة الليبرالية الكويتية ..
[xxxiii] ـ وذلك في عرض شارك به في ندوة (أولويات البحث العلمي في الدراسات الإسلامية ) التي نظمتها جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا بتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، بكلية الآداب ، الرباط بتاريخ 21/9/2003 . نشرت بجريدة المحجة عدد :226 ،1/1/2004 .
[xxxiv] ـ دراسات في التفسير الموضوعي للكتور زاهر الألمعي عن ( بحوث ونماذج من التفسير الموضوعي ) للدكتور محمد نبيل غنايم مطبعة دار الهداية طبعة أولى2002 القاهرة ص : 11 .
[xxxv] ـ د محمد نبيل غنايم ، المرجع السابق ص : 37 -38 .
[xxxvi] ـ المنهج المقصود هنا هو المنهج الذي أسسه ، وعرَّف به الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله وجزاه عن العلم وطلبته أوفى الجزاء فهو المنهج المؤسس المجرب في كثير من البحوث الجامعية والذي أعطى نتائج إيجابية .

[xxxvii] ـ الدكتور الشاهد البوشيخي : نظرات في المصطلح المنهج رقم 2 من سلسلة دراسات مصطلحية مطبعة آنفو برانت ، طبعة أولى غشت 2002 ص . 22
[xxxviii] ـ يرى الدكتور علي القاسمي أن علم المصطلحات هو:" العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها )) ، وهو علم مشترك بين علوم اللغة والمنطق والإعلامية وحقول التخصص العلمي، يهم المختصين في العلوم والتقنيات والمترجمين والعاملين في الإعلاميات ….ثم يفرق بين النظرية العامة لعلم المصطلحات وهي التي تعنى بالمبادئ العامة التي تحكم وضع المصطلحات طبقا للعلاقات القائمة بين المفاهيم العلمية وتعالج المشكلات المشتركة بين جميع اللغات في حقول المعرفة كافة ، بينما النظرية الخاصة تهتم بدراسة المشكلات المتعلقة بمصطلحات حقل واحد من حقول المعرفة تنظر:مجلة اللسان العربي الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب بالرباط ـ عدد 18 ـ سنة 1980 ـ ص . 9
[xxxix] ــ المفاهيم والمصطلحات القرآنية: مقاربة منهجية مقالة ل: عبد الرحمان حللي, مجلة إسلاميات المعرفة العدد35 شتاء 2004 ص:75بتصرف .
[xl] - نفسه ص :7
[xli] - وذلك في عرض شارك به في ندوة (أولويات البحث العلمي في الدراسات الإسلامية ) التي نظمتها جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا بتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، بكلية الآداب ، الرباط بتاريخ 21/9/2003 . نشرت بجريدة المحجة عدد :226 ،1/1/2004 .
سبق ذكرها .
[xlii] _ نظرية المفاهيم في علم المصطلحات بقلم ج ساجر ، ترجمة جواد حسني سماعنه ، مقال في مجلة اللسان الربي ، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب بالرباط عدد 47 سنة 99 ص . 189 .
[xliii] ـ د صلاح إسماعيل في مقال له بعنوان (( توضيح المفاهيم ضرورة معرفية )) منشور في كتاب ( بناء المفاهيم دراسة معرفية ونماذج تطبيقية ، الجزء الأول ، إشراف علي جمعة محمد و سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ط أولى 1998 ص: 31 .
[xliv] ـ مفهوم التقوى في القرآن الكريم والحديث الشريف دراسة مصطلحية وتفسير موضوعي أطروحة الدكتوراة من إنجازمحمد البوزي تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي نوقشت بجامعة سدي محد بن عبد الله بفاس وذلك بتاريخ 16 ماي 2006 .
[xlv] ـ هذه الفروق أخذت بتصرف شديد من مقال (المفاهيم والمصطلحات القرآنية: )مقاربة منهجية مقالة ل: عبد الرحمان حللي, مجلة إسلاميات المعرفة العدد35 شتاء 2004 المفاهيم والمصطلحات القرآنية: مقاربة منهجية مقالة ل: عبد الرحمان حللي, مجلة إسلاميات المعرفة العدد35 شتاء 2004 سبق ذكره .
[xlvi] ـ حيث يتم توظيف المنهج التاريخي في دراسة تغيرات المعنى والعلاقات بين هذه التغيرات من عصر إلى عصر ومن فترة زمنية إلى أخرى، ويتجلى ذلك في رصد التطور الدلالي للمصطلح من معناه اللغوي إلى معناه الاصطلاحي من خلال استعماله في النصوص، ومن ذلك ، ما يمكن رصده من تطور دلالة المصطلح القرآني- مثلا -خلال فترتي نزول القرآن؛ المكية والمدنية .
بينما يتم توظيف المنهج الوصفي أثناء البحث في المعنى في حالة معينة من حالات استعمال اللفظ أو المصطلح وفي فترة زمنية محددة "
[xlvii] ـ مصطلحات نقدية وبلاغية ….سبق ذكره ـ.مقدمة الطبعة الثانية ـ ص: 1.
[xlviii] ـ وردت أصول هذا المنهج في بحثي الدكتور الشاهد البوشيخي: مصطلحات نقدية وبلاغية ، و مصطلحات النقد العربي ، السابق ذكرهما وبعد تنقيحه والإضافة إليه تم طبعه أخيرا في العددين 1 و 4 من ( سلسلة دراسات مصطلحية ) وهوكتيب يصدره معهد الدراسات المصطلحية ، الأول بعنوان ( مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات العلمية ،صدر ت طبعته الأولى في أبريل 2002 . والرابع بعنوان ( نظرات في المصطلح والمنهج ) صدرت طبعنه الأولى في غشت 2002 ، كلاهما من طبع : مطبعة أنفوـ برانت ،فاس المغرب .
[xlix] ـ تنظر مقدمة أطروحة الدكتور محمد أزهري: (مصطلح القافية من الأخفش الأوسط ت 215 هـ إلى حازم القرطاجني ت 684 هـ ) دراسة مصطلحية، التي نال بها درجة الدكتوراة تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي ،نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال التابعة لجامعة القاضي عياض ، السنة الجامعية : 1423 هـ /2002 ـ1424 هـ/ 2003 . ص: 37 ، وقد أفاض الأستاذ الأزهري في توضيح وإغناء بنود ومعالم المنهج وأفاد في مقدمة بحثه .
[l] ـ مشروع المعجم التاريخي ص: 29 ، 30 ، ونظرات في المصطلح والمنهج ،ص: 22 ،23 .
[li] ـ ينظر مصطلح القافية ص : 48 وما بعدها .
[lii] ـ نظرات في المصطلح والمنهج ، ص: 23ن24 ومشروع المعجم التاريخي ً : 30 ،31 .
[liii] ـ نظرات في المصطلح والمنهج ص: 24 .
[liv] ـ نفسه .
[lv] ـ نظرات ص : 25 ، 26 .
[lvi] ـ نفسه .
[lvii] ـ نظرا لضيق المجال للم نورد عناصر العرض امصطلحي بالتفصيل كما وردت في وثائق المعهد المشار إليها سابقا ، وهذا العرض لايعفي من الرجوع إلى تلك الوثائق فمعذرة .
[lviii] ـ نظرات في المصطلح والمنهج الدكتور الشاهد البوشيخي ، كتيب دراسات مصطلحية عدد 2 سبق ذكره ص : 16 .
[lix] ـ مفهوم التأ ويل في القرآن والحديث بحث الدكتورة فريدة زمرد ، سبق ذكره ، ص : 87 .
[lx] ـ مفهوم العلم في القرآن ن الكريم دراسة مصطلحية وتفسير موضوعي رسالة لنيل دكتوراه الدولة في الدراسات الإسلامية لدكتور مصطفى فوضيل مرقون جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس.
[lxi] مفهوم التأويل في القرآن الكريم والحديث الشريف د فريدة زمرد من مطبوعات معهد الدراسات المصطلحية ضمن سلسلة الرسائل الجامعية ط أولى 2001 مطبعة أنفوبرانت فاس المغرب .ص :264 و 269 .
[lxii] ـ المرجع السابق ص 87 مع الهامش رقم 118 من نفس الصفحة .

[lxiii] ـ مقال (المفاهيم والمصطلحات القرآنية ) مجلة إسلامية المعرفة ،سبق ذكرها ص :89 .
[lxiv] ـندكرعلى سبيل المثال : مفهوم التأويل لد ة زمرد ، مفهوم العلم لد مصطفى فضيل ، مفهوم التقوىلد محمد البوزي ، مفهوم الجهاد ل د البوكيلي ، مفهوم القلب ل د نجيب بن عبد الله ...الخ .

المصدر : الملتقى الفكري
 
عرض في الجملة مفيد وجميل ، والأفكار التي أسس عليها والعناصر التي دار حولها تصلح للاستفادة منها لمن رام إعداد بحث حول التجديد في التفسير اتجاهاته ومناهجه وأسسه . ولا يخلو المقال من وجهات نظر لكاتبه يمكن أن يخالف في بعضها
 
من مشكلات بعض المناهج التي تصبو إلى التجديد أنها تنحى إلى منهج مخالف لمنهج التفسير الذي ساد عبر قرون، وهذا النوع من التجديد يصيبه الخطأ والخلل، وفي نظري أن التجديد يكون داخل المنهج ، وليس في اتخاذ منهج مغاير لمنهج علمائنا السابقين.
 
قال الكاتب :
"دواعي التجديد في مناهج التفسير وأهمها :
ـ ضرورة تحرير التفسير من سلبيات المناهج القديمة المتوارثة عن عهد الانحطاط حيث كانت التفاسير تشوبها الأهواء المذهبية ، وبدع التأويل والإسرائيليات ، والروايات الضعيفة وغيرها .
ـ أهمية تقريب معاني الكتاب العزيز لجميع الناس ودعوتهم للتمسك بكتاب ربهم الذي هو منقذهم وهاديهم ، به يتحررون ، وبه ينتصرون ويتقدمون ..." أهـ

الحمد لله وكما قال صلى الله عليه وسلم :
( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ )
وكل يؤخذ من قوله ويرد ، فما قاله الأقدمون وما سيقوله أصحاب هذا المنهج الجديد سيؤخذ منه ويرد ، لذا فهذا الخطاب عبارة عن زوبعة بفنجان .
ولكل عالم منهج وأصول بينها ووضحها ، حتى الحديث الضعيف للعلماء منهج في قبوله والاستفادة منه ، وكذلك الإسرائيليات وفق ما سمحت به النصوص الشرعية ، ومن بالغ بالأخذ بلا أساس يرد قوله ويقبل ما حقه القبول .
الأمة الناجحة هي التي تستمر في البناء على الأسس الصحيحة فلا تهدمها لوجود نتوءات يمكن إزالتها .
 
عودة
أعلى