عطاء الله الأزهري
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الدخيل في تفسير قصة آدم عليه السلام
" الآيتان : 30 ، 34 من سورة البقرة "
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
يقول الله تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ). [ البقرة : 30 ]الدخيل في تفسير قصة آدم عليه السلام
" الآيتان : 30 ، 34 من سورة البقرة "
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
عند تفسير هذه الآية الكريمة يذكر المفسرون روايات كثيرة ، جاء فيها دخيل كثير ،حيث جاء في تلك الروايات ما يأتي :
1ـ أن الله تعالى لما خلق السماء والأرض ، وخلق الملائكة والجن ، أسكن الملائكة السماء ، وأسكن الجن في الأرض ، فمكثوا فيها دهرا طويلا ، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي ، فأفسدوا فيها ، فبعث الله تعالى إليهم جندا من الملائكة يقال لهم الجن ، وهم خزائن الجنان ، اشتق لهم اسم من الجنة ، رأسهم إبليس ، فكان رئيسهم ، ومن أشدهم وأكثرهم علما ، فهبطوا إلى الأرض وطردوا الجن إلى شعوب الجبال ، وبطون الأودية ، وجزائر البحور وسكنوا الأرض ، وخفف الله تعالى عنهم العبادة ، وأعطى الله تعالى إبليس ملك الأرض ، وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة، وكان يعبد الله تارة في الأرض ، وتارة في السماء ، وتارة في الجنة ، فدخله العجب ، وقال : ما أعطاني الله تعالى هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه ، فقال الله تعالى ولجنده : (إني جاعل في الأرض خليفة )، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة ". ( السراج المنير للخطيب الشربيني: 1/44،45 )
2ـ أن الملائكة قالوا لله تعالى لما قال (إني جاعل في الأرض خليفة) : " ليخلق ربنا ما يشاء ، فلن يخلق أكرم عليه منا ، وإن كان فنحن أعلم منه ، لأنا خلقنا قبله ، ورأينا ما لم يره ". ( المصدر السابق : 1/46 )
3ـ وعند قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)[البقرة : 34] تقول تلك الروايات ما نصه :
" والآية تدل على أن آدم أفضل من الملائكة المأمورين بالسجود له ، وأن إبليس كان من الملائكة ، وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم ، ولا يرد على ذلك قوله تعالى ( إلا إبليس كان من الجن )[الكهف : 50] ، لجواز أن يقال كان من الجن فعلا ، ومن الملائكة نوعا.
قال البغوي : وقوله تعالى ( كان من الجن ) أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
وقال سعيد بن جبير: " من الذين يعملون في الجنة ".
وقال قوم : " من الملائكة الذين يصوغون حلى أهل الجنة" . ( السراج المنير : 1/48،49 )
بيان الدخيل في تفسير الآيات
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
أولا : محاربة الملائكة للجن
الأمر الأول : روايات ضعيفة كالتي ذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره ، حيث يقول " حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال " حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : أول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضا ، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم إبليس ومن معه ، حتى ألحقهم بجزائر البحور ، وأطراف الجبال ، ثم خلق آدم فأسكنه إياها ، فلذلك قال : " إني جاعل في الأرض خليفة ". ( جامع البيان في تفسير القرآن الكريم لابن جرير الطبري : 1/450/601 )
ويلاحظ على سند هذه الرواية أنه جاء فيه بشر بن عمارة ، وهو ضعيف، فقد قال البخاري في التاريخ الكبير 1/2/81 " تعرف وتنكر ".
وقال النسائي في الضعفاء صــ 6 " ضعيف " ، وقال الدار قطني " متروك " وقال ابن حبان في كتاب المجروحين صــ 125 رقم 132 " وكان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد ، ولم يكن يعلم الحديث ولا صناعته ". ( المصدر السابق : 1/113 )
الأمر الثاني :روايات صحيحة السند ، ولكنها لا تأخذ حكم المرفوع ، لأن راويها أخذها من ثقافة بني إسرائيل.
ونحب أن ننبه هنا إلى أمر في غاية الأهمية ، ألا وهو أن سند الرواية قد يكون صحيحا ومع ذلك يكون متنها باطلا، لكونها من خرافات بني إسرائيل وأباطيلهم وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي أن صحة السند للرواية الإسرائيلية لا تستلزم صحة مضمون متنها.
يقول الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله وهو يتحدث عن الروايات الإسرائيلية :
" ولكن بعض هذه الروايات حكم عليها بعض حفاظ الحديث بأنها صحيحة السند أو حسنة السند أو إسنادها جيد أو ثابت ونحو ذلك ، فماذا تقول فيها ؟ والجواب : أنه لا منافاة بين كونها صحيحة السند أو حسنة السند أو ثابتة السند ، وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل وخرافاتهم وأكاذيبهم ، فهي صحيحة السند إلى ابن عباس أو عبدالله بن عمرو بن العاص أو إلى مجاهد أو عكرمة أو سعيد بن جبير وغيرهم ، ولكنها ليست متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بالذات ولا بالواسطة ، ولكنها متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا ، فثبوتها إلى من رويت عنه شيء ، وكونها مكذوبة في نفسها أو باطلة أو خرافة شيء آخر !!!! ومثل ذلك الآراء والمذاهب الفاسدة اليوم ، فهي ثابتة عن أصحابها ، ومن آرائهم ولا شك ، ولكنها في نفسها فكرة باطلة أو مذهب فاسد.
بعد هذا نستطيع أن نقول ــ وكلنا ثقة ــ إن ما نسب إلى الملائكة ومعهم إبليس وأنهم حاربوا الجن حين أفسدوا في الأرض وألحقوهم جزائر البحر لا دليل عليه من قرآن أو سنة يعتد بها حتى نتلقاه بالقبول ، ونجعله تفسيرا لما أبهمه الله في قرآنه.
ثانيا : ملك إبليس
فهذا أيضا من الإسرائيليات التي لم يرد بها دليل يقطع العذر ، وإنما هي روايات وآثار منسوبة لبعض الصحابة كابن عباس رضي الله عنهما ، وذلك كالرواية التي ذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره حيث يقول : " حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان إبليس من حي من أحياء الملاكئة يقال لهم " الجن " وكان خازنا من خزائن الجنة إلى آخر الرواية ". ( جامع البيان للطبري : 1/455/606 )
وواضح من سند هذه الرواية ضعفه ، وقد بينا سبب ضعفه منذ قليل.
وعن هذا الأثر يقول ابن كثير : " هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر ، يطول مناقشتها ". ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 1/78 ط الشعب )
ويروي ابن جرير في ذلك رواية أخرى يقول فيها : " حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة وعن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا . إلخ . ( جامع البيان للطبري : 1/458/607 ).
ورغم أن ابن جرير قد أورد هذا الأثر إلا أنه يقول عن إسناده هذا " إذ كنت بإسناده مرتابا ". ( المصدر السابق : 1/354 )
ويعلق ابن كثير على هذا الإسناد فيقول : " فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدى ، ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة ، والله أعلم ". ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 1/109 )
ويقول صاحب أضواء البيان عن هذه الجزئية : " وما يذكره المفسرون عن جماعة من السلف كابن عباس وغيره من أنه كان من أشراف الملائكة ، ومن خزائن الجنة ، وأنه كان يدبر أمر السماء الدنيا ، وأنه كان اسمه عزازيل ــ كله من الإسرائيليات التي لا معول عليها ". ( أضواء البيان للشنقيطي : ت 1395هـ 4/120/121 )
ثالثا : تزكية الملائكة لأنفسهم
ومن نقاط الدخيل أيضا ما نقل عن الملائكة أنهم قالوا : " ليخلق ربنا ما يشاء ، فلن يخلق أكرم عليه منا ، وإن كان فنحن أعلم منه، لأنا خلقنا قبله ، ورأينا ما لم يره ".ففضلا عن هذا أن الكلام لم يرد من طريق يفيد اليقين ، حتى تنشرح له النفوس ، وتطمئن إليه القلوب ، إلا أننا نرى فيه شيئا لا يليق بعوام المسلمين ، فضلا عن الملائكة المعصومين الذين هم على الطاعة مجبولون ، ولأوامر الله تعالى ونواهيه خاضعون ومنفذون . إننا نرى أنهم بهذا الكلام قد زكوا أنفسهم على الله تعالى ، والله تعالى يقول : (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ). ( النجم : 32 ) فكيف يليق بهم أن يقطعوا بما غاب عن علمهم ، وعزب عن إدراكهم ، من أن الله تعالى لن يخلق خلقا أكرم عليه منهم ؟ ثم كيف يقطعون بأنه يكون أجهل منهم وهم أعلم منه ؟
إن هذا لا يليق بمن لا شاغل له إلا العبادة ، ولا هَمَّ له إلا الانقياد لأوامر الله تعالى ! إننا ننزهم عن هذا العبث ، ونرفعهم حيث رفعهم الله تعالى حيث يقول فيهم ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ). [ النحل: 50 ]
رابعا : إبليس من الجن وليس من الملائكة
إن إبليس كان من الملائكة ، وإلا لم يتناوله أمرهم ، ولم يصح استثناؤه منهم ، ولا يرد على ذلك قوله تعالى :( إلا إبليس كان من الجن)[الكهف : 50 ] لجواز أن يقال كان من الجن فعلا ومن الملائكة نوعا ، ويذكر المفسرون أيضا أن ابن عباس قال : " إن من الملائكة نوعا يتوالدون ، يقال لهم الجن ، ومنهم إبليس ".
ويذكر المفسرون قولا ينص على أن من الملائكة من ليس بمعصوم .. !!!
تفنيد قول من يقول إبليس من الملائكة، وكذلك قول من يقول إن من الملائكة من ليس بمعصوم :
ونحن إذ نفند هذا الكلام نفنده من أكثر من وجه :ـ
الوجه الأول : إن كلمة (الجن ) حينما تطلق فالمتبادر إلى الذهن من أول وهلة هو ذلك الذي عناه الله في قوله (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) [الأحقاف : 29 ] وقال أيضا : ( قل أوحيَّ إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا). [ الجن : 1 ]
وعلى ذلك فلا يجوز صرف هذا اللفظ إلى معنى آخر.
يقول الطوسي في تفسيره : " واستدل الكرماني على أنه لم يكن من الملائكة بأشياء ، منها قوله تعالى ( إلا إبليس كان من الجن ) ، ومتى أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعني إلا الجنس المعروف المباين لجنس الإنس والملائكة ". (التبيان للطوسي : 1/151 ).
أما تأويل لفظ الجن بأنه كان من الملائكة قبيلة تسمى الجن وإليها ينتسب إبليس ، أو أنه من خزنة الجنان ــ فهذا مما لم يرد فيه نص قرآني ، ولا حديث نبوي.
يقول العلامة الألوسي وهو يتكلم عن ابن جبير ورواياته في هذا الموضوع " وفي رواية عنه أن معنى كان من الجن كان من خزنة الجنان ، وهو تأويل عجيب " !!!! ( روح المعاني للألوسي : 15/268 ).
الوجه الثاني : أن الله أثبت لإبليس ذرية ونسلا ، أما الملائكة فلا ذرية لهم ، ولا نسل ، والإنسان يعجب مما ينسب لابن عباس من أن من الملاكئة نوعا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس !!!
بل إن هناك قولا عن ابن عباس في رواية أخرى ينص فيها على أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة. ( انظر محاسن التأويل للقاسمي : 2/103 )
ولقد جرت سنة الله تعالى في كونه أن التوالد إنما يأتي من ذكر وأنثى ، وإذا لم يكن في الملاكة أنثى فكيف يتم التوالد ؟
إن الإنسان ليشعر بالاشمئزاز من هذه الروايات ، خاصة وأن القرآن ينكر على الكفرة قولهم إن الملائكة إناث ، يقول تعالى ( وجعلوا الملاكئة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) ثم يهددهم ويتوعدهم في نفس الآية فيقول : ( أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) ( الزخرف : 19 ) ، وإذا ثبت أن الملائكة لا يتوالدون ، وأن الجان يتناكحون ويتناسلون وأن إبليس له ذرية لقوله تعالى ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني )[ الكهف : 50 ] ، إذا ثبت ذلك علم يقينا أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة.
الوجه الثالث : أن الله تعالى أخبر عن إبليس أنه( أبى واستكبر وكان من الكافرين) ، وقال عن الملائكة ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [ الأنبياء : 20 ] وقال : (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ). [ التحريم : 6 ].
وقال : ( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] ، فهل من المنطق السليم والتفكير القويم أن نجعل ذلك الذي كفر وأبى من هذا النوع الذي لا يعرف غير طاعة الله تعالى ليل ونهار ، لا يصيبه فتور ، ولا يعتريه ملل ، ولا يشعر بنصب ولا لغوب ؟
وهل من الصائب ــ بعد كلام الله تعالى عن الملائكة والثناء عليهم ووصفهم بما وصفهم به من العصمة والخوف ــ أن نقول إن من الملائكة من ليس بمعصوم ؟ إن أدنى مقارنة بعد جمع الآيات التي تتعلق بعصمة الملائكة وفسق إبليس وكفره تبين لنا البون الشاسع في نوعية كل منهما ، وتبين أن إبليس فسق وعصى وكفر لأنه من الجن الذي من طبعه هذا.
يقول الزمخشري : ( كان من الجن) كلام مستأنف جار مجري التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين ، كان قائلا قال : ما له لم يسجد ؟ فقيل :( كان من الجن ففسق عن أمر ربه) والفاء للتسبيب أيضا ، جعل كونه من الجن سببا في فسقه ، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر ربه ، لأن الملائكة معصومون البتة ، لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس ، كما قال : ( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)[الأنبياء : 27 ] ، وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم ، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضاده ، وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ثم وركه على ابن عباس. ( الكشاف للزمخشري : 2/487 )
ويرى المعلق ونحن معه أن لفظة التعمد في جانب الله تعالى لا تليق ، لأنها تطلق على من يقع منه أحيانا خطأ ، وأحيانا أخرى يتعمد قاصدا .
ويقول الإمام البيضاوي عن الفاء في قوله تعالى ( ففسق عن أمر ربه ): " والفاء للسبب ، وفيه دليل على أن الملك لا يعصي البتة ، وإنما عصى لأنه كان جنيا في أصله " ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل لناصر الدين البيضاوي : 300 ).
وللعلامة الألوسي ، وإسماعيل حقي كلام حول هذا المعنى. ( انظر روح المعاني للألوسي : 15/294 ، وروح البيان لإسماعيل حقي : 5/255 ).
الوجه الرابع : أن المادة التي خلق منها إبليس ليست كالمادة التي خلقت منها الملائكة ... أأ
يقول ابن كثير : وقوله ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) أي خانه أصله ، فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس [ لفظ مسلم وخلق الجان ] من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه كان توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك ، فلهذا دخل في خطابهم ، وعصى بالمخالفة ، ونبه تعالى ههنا على أنه " من الجن " أي أنه خلق من نار ، كما قال ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )"
( تفسير القرآن العظيم : 5/163 ، والآية من الأعراف : 12 ).
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإننا نرى روايات أخرى تناقص هذه الروايات وتنص على أن إبليس كان من الجن.
يقول العلامة الألوسي وهو يفسر قوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن) : " وهذا ظاهر من أنه ليس من الملائكة ، نعم كان معهم ، ومعدودا في عدادهم ، فقد أخرج ابن جرير عن سعد بن مسعود قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة فتعبد بالسجود معهم.
وأخرج نحوه عن شهر بن حوشب ، وهو قول كثير من العلماء حتى قال الحسن فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم : قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس من الملائكة والله تعالى يقول( كان من الجن). ( روح المعاني : 15/292 )
وروى ابن جرير عن الحسن البصري وقال عنه الحافظ ابن كثير إسناده صحيح " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر ". ( تفسير القرآن العظيم : 5/164 )
من كل ما سبق نستطيع أن نؤكد وبكل ثقة أن إبليس من الجن وليس من الملائكة ، وكل ما ورد بخلاف ذلك فهو من الإسرائيليات التي لا تستند إلى ركن ركين.
يقول الحافظ ابن كثير بعد إتيانه بعدة روايات ، جاء في بعضها أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، وأن اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة وبعضها يقول إنه كان له سلطان السماء الدنيا ، وسلطان الأرض وأنه كان رئيس الملائكة وبعضها الآخر يقول إنه كان من الجنانين الذي يعملون في الجنة ، يقول رحمه الله : " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها ، ومنها ما قد نقطع بكذبه ، لمخالفته الحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ، لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة العلماء ، والسادة الأتقياء ، الأبرار النجباء ، من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد ، الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين والكذابين ، والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال ، كل ذلك صيانة للجناب النبوي ، والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس منه ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل ". ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 5/165 )
من كل ما سبق يتضح لنا بجلاء أن ما تعرض له المفسرون من نقاط أبرزنا ضعفها ودخالتها يجب أن تحذف من كتب التفاسير لأنها تخدم أغراض أعداء الإسلام بتصويره على أنه دين أساطير وخرافات ، والإسلام منها براء.
المصدر :جامعة أم القرى