يقول الدكتور مساعد الطيار في كتابه (فصول في أصول التفسير) : " إن تفسيرالقرآن بالقرآن لا نقل فيه ، بل هو داخل ضمن تفسير من فسر به . فإن كان المفسر هوالرسولصلى الله عليه وسلم ، فهو التفسير النبوي . وإن كان المفسر هو الصحابي ، فهو من تفسير الصحابي . وإن كان المفسر هوالتابعي ، فهو من تفسير التابعي . ثم لاحظ أن تفسير الصحابي أو التابعي القرآن بالقرآن هو من التفسير بالرأي . وذلك لأن طريق الوصول إلى تفسير هذه الآية بهذه الآية هو الرأي والاجتهاد "
بينما نجد الدكتور محمد بازمول يقول في كتابه (التفسير بالمأثور : مفهومه وأنواعه وقواعده) : " قاعدة : لا يقال إن تفسير القرآن بالقرآن ليس من التفسير بالمأثور ! لأن المراد بالمأثور هو الذي لا يدخله رأي ، فلا تصرف بالرأي من المفسرين في تفسير القرآن بالقرآن ( ...) فإن التفسير عندهم [علماء التفسير وعلوم القرآن] معنى خاص ، وهو التفسير بالمنقول . بمعنى التفسير الذي لا يدخله رأي ، وليس للمفسر فيه إلا النقل ، فلا يدخل فيه برأيه . وهو بهذه الخاصية يقابل التفسير بالرأي ! فإن قيل : أليس تفسير القرآن بقول الصحابي من التفسير بالمأثور اصطلاحا ، ويدخله رأي الصحابي ؟ فالجواب : بلى ، تفسير الصحابي من التفسير بالمأثور المنقول . نعم يدخله رأي الصحابي ، لكن رأي الصحابي ليس كرأي غيره . وذلك أن الصحابة اختصوا بمعرفة معاني القرآن وفهمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي بين لهم ما نزل إليهم . فالصحابي حينما يأتي بمعنى للآية من رأيه إنما يبنيه على المعنى الأصلي الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن هنا كان كلام الصحابة في التفسير ليس ككلام غيرهم ، بل هو يُنبئ عن معنى ضمني تلقاه الصحابي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى عليه . "
من خلال المقارنة بين النصين السابقين ، يتضح أن : الدكتور بازمول بواسطة القاعدة التفسيرية ، يفند القول بأن تفسير القرآن بالقرآن ليس من التفسير بالمأثور . وما علامة التعجب المرتبطة بالقاعدة التفسيرية إلا دليل على الاستغراب واعتبار القولة مغرقة في الشطط والشذوذ . ولكي يفند القول المشار إليه ، اتخذ كأدوات : تعريف التفسير بالمأثور ، ومكانة قول الصحابي . وكطالب علم ، أريد أن أتتبع هذه الأدوات بأسئلة وتتبع تحليلي ، حتى نصل إلى بعض النتائج المعتمدة ، سائلين الله التوفيق والسداد . السؤال الأول : ما هو التفسير بالمأثور . يجيبنا الدكتور بازمول بأن التفسير بالمأثور عند علماء التفسير وعلوم القرآن ، له مصطلح خاص ، حيث يعتبرون التفسير بالمأثور هو التفسير بالمنقول ، بمعنى التفسير الذي لا يدخله رأي ، وليس للمفسر فيه إلا النقل . إذن ، فنحن أمام وحدات تعريفية متعددة : 1 ـ التفسير بالمأثور هو التفسير بالمنقول 2 ـ التفسير بالمأثور هو الذي لا يدخله رأي 3 ـ التفسير بالمأثور ليس للمفسر فيه إلا النقل من خلال الوحدة التعريفية رقم 1 ، نطرح السؤال التالي : فعمن ننقل هذا التفسير ؟ فالمنقول مرتبط بتراث السلف الذين ينحصرون في القرون الثلاثة الأولى ، المشهود لهم بالخيرية . وهم : طبقة الصحابة والتابعين ومن تبعهم . فهم سلف الأمة لا غير . فالتفسير المأثور ، إذن ، يشمل : التفسير النبوي وتفسير الصحابة وتفسير التابعين وأتباعهم . أما الوحدة التعريفية رقم 2 ، والتي تشير إلى أن التفسير بالمأثور لا يدخله رأي . فهذا غير صحيح . لأن ما خلفه الصحابة والتابعون وأتباعهم هو نتاج علمهم وعملهم الذي كان مسيجا بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . فهم عاشوا زمانهم متأثرين ومؤثرين في كل مجريات أمورهم . فكيف يوصفون بأنهم لا رأي لهم . الوحدة التعريفية رقم 3 ، وهي نتيجة طبيعية لإعمال عقولهم ، فهم لم ينحصر تفسيرهم في النقل ، بل هي عدة عمليات قاموا بها كالاختلاف والترجيح بين الأقوال وما يتبع ذلك من اجتهاد . وفي ختام هذا التحليل نستطيع أن نقول : إن التفسير بالمأثور هو التفسير بالمنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الذين ينحصرون في الطبقات الثلاثة الأولى من الصحابة والتابعين وأتباعهم ، حيث كانت طرقهم في التفسير تتجلى في تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بما توصلوا إليه اعتمادا على لغتهم العربية وأحوالهم المختلفة والتي كانت تتماشى وروح القرآن والسنة . وهو تفسير منقول عنهم ، سواء فسروا القرآن بالقرآن أو فسروا القرآن بالسنة أو فسروا القرآن بلغة العرب . لكن الجوهري في هذه القضية هو عدم التمييز بين تفسير القرآن بالقرآن كطريق من طرق التفسير ، وبين التطبيق العملي لتفسير القرآن بالقرآن . إن تفسير القرآن بالقرآن كطريق من طرق التفسير لا يعتبر من التفسير بالمأثور ، لأنه عندما نتكلم عنه كعنصر محايد ، فهو منهاج فعال في التفسير ، وهو أعلا طرق التفسير . وهو متوفر لكل المفسرين في كل زمان ومكان . أما التفسير التطبيقي للقرآن بالقرآن فهو تراث خلفه المفسرون ، ويعتبر جزءا من التفسير. فإن خلفه السلف فهو من التفسير بالمأثور . لذلك نقول ما قاله الدكتور الطيار : " إن تفسيرالقرآن بالقرآن لا نقل فيه ، بل هو داخل ضمن تفسير من فسر به . فإن كان المفسر هوالرسولصلى الله عليه وسلم ، فهو التفسير النبوي . وإن كان المفسر هو الصحابي ، فهو من تفسير الصحابي . وإن كان المفسر هوالتابعي ، فهو من تفسير التابعي ."